الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ - الحلم والصبر: فتحلي المحاور بالحلم والصبر أجدى إلى إقناع خصمه وهدايته قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} .
و- العدل والإنصاف: فيجب علي المحاور أن يكون منصفًا فلا يرد حقًا، بل عليه أن يبدى إعجابه بالأفكار الصحيحة والمعلومات الجيدة التي يوردها محاوره قال تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .
المطلب الحادي عشر: حب الوطن:
إن حب الوطن والانتماء له والسعي لمصلحته والبعد عما يضر به والحرص على وحدته وطاعة ولي أمره في غير معصية مطلب شرعي أمر به الإسلام وهو إحدى الوسائل الإسلامية التي من شأنها أن تحقق الكثير لدى المسلمين من الأمن الفكري، والأدلة من القرآن والسنة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى آمرًا المؤمنين بالمحافظة على وحدة الوطن وقوة لحمته:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} " بدين الإِسلام، أو بكتابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «القرآن حبل الله المتين» (1) استعار له الحبل من حيث إن التمسك به سبب للنجاة من الردى، كما أن التمسك بالحبل سبب للسلامة من التردي والوثوق به والاعتماد عليه {جَمِيعًا} مجتمعين عليه {وَلا تَفَرَّقُوا} أي: ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب، ولا تتفرقوا تفرقكم في الجاهلية يحارب بعضكم بعضًا، ولا تذكروا ما يوجب التفرق ويزيل الألفة "(2)(3)
كما قال تعالى آمرًا بطاعة ولي الأمر بعد طاعة الله ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} .
(1) أخرجه الإمام الترمذي – كتاب: فضائل القرآن - باب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْقُرْآن - 5/ 172 برقم 2906
(2)
تفسير البيضاوي - 1/ 373
(3)
تفسير البيضاوي - 1/ 373 ') ">
ولاشك أن طاعة ولي الأمر في غير معصية الله تأكيد على حب الوطن، وحرص على وحدته، وتفويت على أعداء الإسلام من إيقاع الفرقة بين المسلمين وإشعال الحروب الداخلية في بلدانهم.
والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أن القرآن الكريم أشار إلى أنه ينبغي على الإنسان أن يحرص على بلده ويحبها كحرصه على روحه وحبه لها ولذلك ساوى الله عز وجل بين مفارقة الوطن وبين قتل النفس ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} .
كما ورد في القرآن الكريم ما يساوي بين حب الوطن ومشقة مفارقته وبين العودة عن الدين ومفارقته قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} .
{قَالَ الْمَلأُ} أي الكفار، {الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} عن الإيمان أقسموا على أحد الأمرين إخراج شعيب وأتباعه من وطنهم أو عودتهم عن دينهم سوّوا بين نفيه ونفي أتباعه وبين العود في الملّة وهذا يدلّ على صعوبة مفارقة الوطن إذ قرنوا ذلك بالعود إلى
الكفر " (1)
والناظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب من شدة حبه صلى الله عليه وسلم لوطنه الأم مكة المكرمة ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين هجرته بعد سنوات طوال من إيذاء أهل مكة له وتصدي الكثير منهم لدعوته: «وَاَللهِ إنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللهِ إلَيّ وَإِنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللهِ إلَى اللهِ وَلَوْلَا أَنّ أَهْلَك أَخْرَجُونِي مِنْك مَا خَرَجْت» (2)(3)
كما ورد في الحديث ما يدل على حب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة وهي وطنه الثاني الذي آواه وواساه ودليل ذلك ما ورد عَنْ أَنَس رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا» (4)
والحديث معناه: تعجيل سيره صلى الله عليه وسلم إذا نظر إلي جدران المدينة من أجل أن قرب الدار يجدد الشوق للأحبة والأهل، ويؤكد الحنين إلى الوطن، وفي رسول الله - صلى الله
(1) انظر: تفسير البحر المحيط - 5/ 397 ') ">
(2)
سنن الترمذي المناقب (3925)، سنن ابن ماجه المناسك (3108)، سنن الدارمي السير (2510).
(3)
الروض الأنف - 2/ 314 ') ">
(4)
أخرجه الإمام البخاري – كتاب العمرة – باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة 2/ 638 برقم 1708
عليه وسلم - الأسوة الحسنة.
وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى فَضْل الْمَدِينَة، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّة حُبّ الْوَطَن وَالْحَنِين إِلَيْهِ ولولا أن الأصل في المسلم أن يكون محبًا لوطنه لما جعل الله عز وجل الخروج من الوطن والبعد عنه عقوبة للعديد من الجرائم ومنها الزاني غير المحصن، قَالَ الشَّافِعِيّ: يَكْفِيهِ مُفَارَقَة الْوَطَن وَالْعَشِيرَة خِذْلَانًا وَذُلاًّ "
وقد ورد في أقوال السلف ما يؤكد قيمة حب الوطن وأهميته ومن هذه الأقوال: " ما قاله عمر رضي الله عنه: (لولا حب الوطن لخرب بلد السوء فبحب الأوطان عمرت البلدان)
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (لو قنع الناس بأرزاقهم قنوعهم بأوطانهم لما شكا عبد رزقه).
وقال أبو عمرو بن العلاء: (مما يدل على كرم الرجل وطيب غريزته حنينه إلى أوطانه، وقديما قالوا: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة " (1)
فعلى ولاة الأمر والمصلحين والمربين والآباء في بلدان المسلمين
(1) انظر: تفسير حقي – 10/ 213 محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني - 2/ 99 - والمحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي - 1/ 138 – ط دار صادر – بيروت