الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينعق وراء أعداء الإسلام ليفكك الصف المسلم أو يساعد في هدمه، وليس فيهم من ينشر الفواحش والبدع والخرافات ويتفنن في وسائلها.
المطلب الثالث عشر: الوسطية:
والوسطية معناها: " الاعتدال والعدل والخيار، وهو لفظ ضد التطرف "(1)
وهي من أنجح الوسائل لتحقيق الأمن الفكري وذلك بإظهار وسطية الإسلام واعتداله، وترسيخ ذلك المعنى لدى الشباب، وبيان مساوئ الغلو والتشدد وكذلك مساوئ التهاون والتفريط؛ ولذلك أمر الله عز وجل بالوسطية وامتدح بها أمة الإسلام فقال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط،
(1) انظر: زاد المسير-1/ 154، وانظر بحثًا مقدمًا من د/ عبد الله بن محمد أحمد حريري – بعنوان: دور التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية في مواجهة ظاهرة الإرهاب– ص 123 - بمجلة البحوث الأمنية – المجلد 15 – عدد 33 –
فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة، وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى.
وفي باب الطهارة والمطاعم، لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، ولا يطهرهم الماء من النجاسات، وقد حرمت عليهم الطيبات، عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا، ولا يحرمون شيئا، بل أباحوا ما دب ودرج.
ل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها.
ووهبهم الله من العلم والحلم، والعدل والإحسان، ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا {أُمَّةً وَسَطًا} [كاملين]) (1)(2)
والمتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه قد أمر بالوسطية ونهى عن الغلو والتشدد، يؤكد ذلك ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم – قَالَ:
(1) تفسير السعدي - (1/ 70)
(2)
تفسير السعدي - (1/ 70) ') ">
" ((يسر)) ذو يسر. ((يشاد الدين)) يكلف نفسه من العبادة فوق طاقته والمشادة المغالبة. ((إلا غلبه)) رده إلى اليسر والاعتدال. ((فسددوا)) الزموا السداد وهو التوسط في الأعمال. ((قاربوا)) اقتربوا من فعل الأكمل إن لم تسطيعوه "(2)
ومعنى الحديث: النهي عن التشدد في الدين " (3)
وعن َأنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فإني أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إني لأَْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سنتي فَلَيْسَ
(1) أخرجه الإمام البخاري – كتاب الإيمان – باب: الدين يسر 1/ 22 برقم 39
(2)
المرجع السابق ') ">
(3)
فتح الباري لابن رجب - 1/ 76 ') ">
مِنِّي» (1)
((فليس منّي)) " أي ليس بمسلم إن كان ميله عنها كرها لها أو عن عدم اعتقاد بها. وإن كان غير ذلك فإنه مخالف لطريقتي السهلة والوسطية السمحة التي لا تشدد فيها ولا عنت "(2) ولا إفراط ولا تفريط.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَاّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ في شيء قَطُّ، إِلَاّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ» (3)
قَوْلُ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَاّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا» (4) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ اللَّهُ عز وجل بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِنْ الْأَعْمَالِ مِمَّا يُكَلِّفُهُ أُمَّتَهُ إِلَاّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا وَأَرْفَقَهُمَا بِأُمَّتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عُقُوبَتَيْنِ يُنْزِلُهُمَا بِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ إِلَاّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
(1) أخرجه الإمام البخاري – كتاب النكاح – باب الترغيب في النكاح 5/ 1949 برقم 4776.
(2)
المرجع السابق. ') ">
(3)
أخرجه الإمام البخاري – كتاب الأدب – باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم (يسروا ولا تعسروا) 5/ 2269 برقم 5775.
(4)
صحيح البخاري الحدود (6786)، صحيح مسلم الفضائل (2327)، سنن أبو داود الأدب (4785)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 130)، موطأ مالك الجامع (1671).
يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي طَاعَتِهِ وَلَا آمَنَ بِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مُوَادَعَةٌ وَمُسَالَمَةٌ وَفِي الْآخَرِ مُحَارَبَةٌ أَوْ مُشَاقَّةٌ إِلَاّ اخْتَارَ مَا فِيهِ الْمُوَادَعَةُ، وَيُحتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْحَرْبِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِالْأَيْسَرِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أُمَّتَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُخَيِّرُوهُ بَيْنَ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَاّ اخْتَارَ لَهُمْ أَيْسَرَهُمَا رِفْقًا بِهِمْ وَنَظَرًا لَهُمْ وَخَوْفًا أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ أَشَقُّهُمَا فَيَعْجَزُوا عَنْهَا " (1)
ولا مانع من اعتبار جميع هذه الاحتمالات، وفي الحديث:" اسْتِحْبَاب الْأَخْذ بِالْأَيْسَرِ وَالْأَرْفَق مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا "(2) وقد قال صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (3)
قال ابن تيمية: " قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في
(1) المنتقى - شرح الموطأ - 4/ 286 ') ">
(2)
شرح النووي على مسلم - 15/ 83 ') ">
(3)
أخرجه الإمام ابن ماجه – كتاب المناسك – باب قدر حصى الرمي – 2/ 1008 برقم 3029
القرآن بقوله تعالى (1){لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} .
" وقد جعل مطرف بن الشخير ويزيد بن مرة الجعفي مجاوزة القصد في العبادة وغيرها والتقصير عنه سيئةً. فقالا: " الحسنة بين السيئتين، والسيئتان إحداهما مجاوزة القصد والثانية التقصير عنه، والحسنة التى بينهما هى القصد والعدل "
" وقد سار علماء السلف على منهج التيسير؛ لأن طبيعة البشر لا تحتمل التشديد والتضييق، حيث لا تلبث أن تمل العبادة وتتركها (2)
فقد ذكر ابن قيم الجوزية تأكيد هذا المبدأ من خلال قوله: " إن الله تعالى لم يأمر بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما تفريط وإضاعة، وإما إفراط وغلو "(3)
وهكذا يفهم معنى الوسطية بالتوسط والاعتدال بالفهم والعمل في
(1) فيض القدير - 3/ 162 ') ">
(2)
وانظر بحثًا للدكتور: تيسير بن حسين السعيدين بعنوان: دور المؤسسات التربوية في الوقاية من الفكر المتطرف – ص 41 بمجلة البحوث الأمنية – المجلد 14 – العدد 30 - ربيع الأخر 1426هـ مايو 2005م.
(3)
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن قيم الجوزية - 2/ 108 ط- دار الكتاب العربي – بيروت - الطبعة الثانية، 1393 – 1973 - تحقيق: محمد حامد الفقي.