الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكيف يجترئ من لا يعلم من الدين إلا ظاهره على تكفير الناس، ويشيع ثقافة التكفير في الشباب ويشجعهم علي إراقة الدماء، وتفجير الممتلكات والإخلال بأمن الدول والشعوب.
المطلب الرابع: بين القرآن كيفية العلاقة بين المسلم وغير المسلم:
من وسائل القرآن لتحقيق الأمن الفكري لأتباعه أنه بين طبيعة العلاقة بين المسلم وغير المسلم وذلك على النحو التالي:
أ - المسلم مع المشرك.
ب- المسلم مع أهل الكتاب.
أ- المسلم مع المشرك:
وطبيعة العلاقة بين المسلم والمشرك أنه لا التقاء بينه وبين المسلم في العقيدة ولا الفكر المتعلق بالشرع قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} .
هذه السورة المكية سورة البراءة من عمل المشركين والإخلاص في العمل للَّه تعالى، وضعت الحد الفاصل النهائي بين الإيمان والكفر، وبين أهل الإيمان وعبدة الأوثان، فحينما طلب المشركون المهادنة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأن يعبد آلهتهم سنة،
ويعبدوا إلهه سنة، نزلت السورة تقطع أطماع الكفار الرخيصة، وتفصل النزاع بين فريقي المؤمنين والكافرين إلى الأبد.
فهو لا يعبد إلا ربه، ولا يعبد ما يعبدون من الأوثان والأصنام، وبالغ في ذلك فكرّره وأكّده، وانتهى إلى أن له دينه، ولهم دينهم " (1)
فليتيقظ المسلم تجاه أفكار أعدائه ولا ينجرف وراءها؛ لأنها غير نابعة من دين، وعند المسلم في دينه ما يكفيه ويغنيه ليصلح دنياه وآخرته.
أما في مجال التبادل العلمي النافع فلا بأس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» (2)
((حَيْثُ وَجَدَهَا)) " أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون نَظَر الْمَرْء إِلَى الْقَوْل لَا إِلَى الْقَائِل وَهَذَا كَمَا يُقَال انْظُرْ إِلَى مَا قَالَ وَلَا تَنْظُر إِلَى مَنْ قَالَ وَاَللَّه أَعْلَم بِحَقِيقَةِ الْحَال ولهذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت من أبيات أمية بن الصلت مع أنه كان كافرا "(3)
(1) انظر: التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج للدكتور وهبة بن مصطفى الزحيلي30/ 437، الناشر: دار الفكر المعاصر - بيروت، دمشق. الطبعة: الثانية، 1418 هـ
(2)
أخرجه الإمام الترمذي - كتاب: العلم - باب: ما جاء في فضل الفقة على العبادة،- 5/ 47 - برقم 2687.
(3)
انظر: حاشية السندي على ابن ماجه - 8/ 26 شرح سنن ابن ماجه - السيوطي وآخرون، المؤلف: السيوطي، عبد الغني، فخر الحسن الدهلوي - الناشر: قديمي كتب خانة – كراتشي – 1/ 307.
قال الحسن: " الجوهرة النفيسة لا يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها "(1)
(1) فيض القدير - 5/ 83
ب- المسلم مع أهل الكتاب:
بين القرآن الكريم أن أصل العقيدة بين المسلمين وأهل الكتاب واحد، قال الله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .
" هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن جرى مجراهم {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال هاهنا. ثم وصفها بقوله: {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي: عدل ونصف، نستوي نحن وأنتم فيها. ثم فسرها بقوله: {أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} لا وَثَنا، ولا صنما، ولا صليبا ولا طاغوتا، ولا ناراً، ولا شيئًا بل نُفْرِدُ العبادة لله وحده لا شريك له. وهذه دعوة جميع الرسل "(1)(2)
كما أباح الإسلام للمسلمين بعض المعاملات مع أهل الكتاب
(1) تفسير ابن كثير 2/ 55
(2)
تفسير ابن كثير 2/ 55 ') ">
كزواج المسلم بالكتابية، والأكل من طعامهم، والبيع والشراء والرهن وغيرها، قال الله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وعلى الرغم من ذلك فقد نهى القرآن عن اتخاذ بطانة من دون المؤمنين.
كما بين حقيقة العداء الذي يضمره المشركون وأهل الكتاب للمسلمين علي طريقة: (اعرف عدوك)، ولذلك على المسلمين أن يحذروهم، ولا ينجرفوا وراء أفكارهم، ولا يقلدوهم، بل يكون لدى المسلمين استقلاليتهم في التفكير النابعة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} أي: أولياء وأصفياء من غير أهل ملتكم، وبطانة الرجل: خاصته، تشبيها ببطانة الثوب التي تلي بطنه لأنهم يستبطنون أمره ويطلعون منه على
ما لا يطلع عليه غيرهم. ثم بين العلّة في النهي عن مباطنتهم فقال جل ذكره: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} أي: لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يُورثكم الشَّر والفساد، والخَبَالُ: الشّرُّ والفساد، {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي: يودّون ما يشق عليكم من الضر والشر والهلاك. والعنت: المشقة {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ} أي: البغض، معناه ظهرتْ أمارة العداوة، {مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} بالشتيمة والوقيعة في المسلمين، وقيل: بإطلاع المشركين على أسرار المؤمنين {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ} من العداوة والغيظ، {أَكْبَرُ} أعظم، {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (1) فمن كان من أهل العقل فليتجنب عدوه وأفكاره فهم لا يريدون بالمسلمين إلا سوءاً.
" يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى، إلا باتباعه دينهم؛ لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى، فقل
(1) معالم التنزيل - المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي المحقق: حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الرابعة، 1417 هـ - 1997 م – 2/ 95.
لهم: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ} الذي أرسلت به {هُوَ الْهُدَى} .
وأما ما أنتم عليه، فهو الهوى بدليل قوله {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} .
فهذا فيه النهي العظيم، عن اتباع أهواء اليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك؛ لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب" (1)
والآية الكريمة تعكس العداء الدائم من اليهود والنصارى ضد الإسلام والمسلمين فهم وإن كانوا مختلفين فيما بينهم إلا أنهم يجتمعون ضد الإسلام والمسلمين.
فهل يليق بالمسلمين أن ينجرفوا وراء أهواء اليهود والنصارى بعدما عرفوا أنهم يضمرون لهم كل هذا البغض ويريدون إهلاكهم والانحراف بهم عن عقيدتهم.
(1) تفسير السعدي - 1/ 64 ') ">
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً} " للمؤمنين؛ اليهود والمشركين، لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم، وانهماكهم في اتباع الهوى، وركونهم إلى التقليد، وبعدهم عن التحقيق، وتمرنهم على تكذيب الأنبياء ومعاداتهم، وعدوانهم لا ينقطع إلى الأبد"
فهل يعي المسلمون مدى هذه العداوة، ومدى هذا الحقد الذي يضمه صدر اليهود والذين أشركوا، ويحذروا منهم.
والمثير للعجب أن تجد من بني الإسلام من يتشبه بهم في جميع عاداتهم وتصرفاتهم ومظاهرهم وملابسهم وقصات شعرهم حتى أصبح كثير من الشباب المسلم من شدة تشبهه بالغرب يبدو وكأنه واحد منهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» (1)
" وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، من تشبه بقوم فهو منهم أو حشر معهم، من تشبه بهم في أفعالهم وهيئاتهم وزيهم وعادتهم إلى غير ذلك.
والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه ومن تبع غير في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير. فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضا ولم يأخذه أحدهما
(1) أخرجه الإمام أبو داود، كتاب اللباس باب في لبس الشهرة 2/ 441 برقم 4031 ط- دار الفكر.