الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالت: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن» (1)
وأخرج أبو يعلى بسنده من حديث أنس رضي الله عنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: «يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله قال: عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما» (2)
وروى البخاري والنسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من احتبس فرسًا في سبيل الله؛ إيمانًا بالله، وتصديقًا بوعده، كان شبعه، وريُّه، وروثه، وبوله، حسنات في ميزانه يوم القيامة» (3)
(1) مسند عبد بن حميد ج 1 ص 452 رقم 1565.
(2)
مسند أبي يعلى ج 6 ص 53 رقم 3298.
(3)
صحيح الجامع ج5 ص 229 رقم الحديث 5843، وانظر: اليوم الآخر للأشقر ص 256.
المبحث الحادي عشر:
طبيعة الوزن يوم القيامة (العدل)
العدل ضد الجور يقال عدل عليه في القضية من باب ضرب فهو
عادل وبسط الوالي عدله ومعدلته بكسر الدال وفتحها وفلان من أهل المعدلة بفتح الدال أي من أهل العدل (1)(2)
وأصل هذه اللفظة من قولهم عدلت عن الطريق أعدل عنها عدلا وعدولا وإنما سمي العدل والعادل؛ لأنهما عدلا عن الجور إلى القصد والله تعالى عادل في أحكامه وقضاياه عن الجور فأفعاله حسنة وهو كما قال: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} (3)
قال الشوكاني: قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} (الأعراف:8) الوزن: مبتدأ وخبره الحق أي: الوزن في هذا اليوم العدل الذي لا جور فيه أو الخبر يومئذ والحق وصف للمبتدأ أي إن الوزن العدل كائن في هذا اليوم وقيل إن الحق خبر مبتدأ محذوف والوزن للأعمال يوم القيامة كائن بالعدل ولا يظلم ربك أحدًا (4)
و (العدل) اسم ليس من أسماء الله؛ لأن الله لم يسم نفسه بهذا الاسم، ولا يجوز أن يشتق له سبحانه اسم من أفعاله، والعدل من أفعاله وهو سبحانه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين، صحيح أن (العدل) ورد في الحديث الذي أخرجه الترمذي والذي ذكر فيه عدد
(1) مختار الصحاح ج1 ص 176.
(2)
مختار الصحاح ج1 ص 176. ') ">
(3)
تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق إبراهيم الزجاج ج1ص44. ') ">
(4)
فتح القدير ج: 2 ص: 190 ') ">
أسماء الله الحسنى لكنه حديث لم يثبت؛ قال ابن حجر فيه: ليس له إسناد صحيح " (1)
أخرج البخاري في صحيحه بسنده من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا في القسمة
…
فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها
…
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟» (2) الحديث (3)
والشاهد أن الله أعدل العادلين، ورسوله أعدل المخلوقين.
وأخرج الإمام أحمد بسنده من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب أحدًا قط هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك
…
» (4) الحديث
ودلالة النص أن ما يقضيه الله سبحانه وتعالى هو عين العدل؛ لأن ما يقضيه صادر عن حكمته وعدله.
وأخرج الترمذي بسنده من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصاب حدًا، فعجل عقوبته في
(1) انظر: الأسماء والصفات للأشقر ص 57 ط الأولى ') ">
(2)
صحيح البخاري فرض الخمس (3138)، صحيح مسلم الزكاة (1063)، سنن ابن ماجه المقدمة (172)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 354).
(3)
انظر: فتح الباري ج 6 ص 251 رقم 3150 ') ">
(4)
مسند أحمد ج1 ص 391
الدنيا فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة
…
» (1) الحديث، ثم قال: هذا حديث حسن غريب صحيح
والشاهد عدله سبحانه في عدم تكرار العقوبة على من أقيم عليه حد في الدنيا.
قال الحكمي: "والوزن لأعمال العباد بالقسط العدل فلا ظلم على أحد يومئذ؛ لأنّ الحاكم فيه هو العدل الحكيم الذي حرم الظلم على نفسه وجعله على عباده محرما فلا يهضم أحد من حسناته ولا يؤخذ عبد بسوى ما عمل قال الله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (يس:54)، وقال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء:47)، وقال تعالى عن لقمان:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (لقمان:16)، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:40)(2)
وقال ابن تيمية: "وكل ما في الوجود من رحمة ونفع ومصلحة فهو من فضله تعالى وما في الوجود من غير ذلك فهو من عدله فكل
(1) سنن الترمذي ج5 ص 16 رقم الحديث 2626.
(2)
معارج القبول ج2ص 267 ') ">
نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع» (1).
فأخبر أن يده اليمنى فيها الإحسان إلى الخلق ويده الأخرى فيها العدل والميزان الذي به يخفض ويرفع فخفضه ورفعه من عدله وإحسانه إلى خلقه من فضله" (2)
ثم قال أيضًا:" والله تعالى لا يظلم أحدا مثقال ذرة بل هو الحكم العدل القائم بالقسط كما قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3)
ثم قال ابن تيمية: الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها
…
وحينئذ فليس في الوجود ظلم من الله سبحانه بل قد وضع كل شيء موضعه مع قدرته على أن يفعل خلاف ذلك فهو سبحانه يفعل باختياره ومشيئته ويستحق الحمد والثناء على أن يعدل ولا يظلم
…
وأهل السنة أثبتوا ما أثبته لنفسه له الملك وله الحمد فهو على كل شيء قدير وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو خالق كل شيء وهو عادل في كل ما خلقه واضع للأشياء في مواضعها وهو قادر
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4684)، صحيح مسلم الزكاة (993)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3045)، سنن ابن ماجه المقدمة (197)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 313).
(2)
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة ج 8 ص 95. ') ">
(3)
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة ج 8 ص 505 ') ">