الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موزونات عقائده وأعماله أي: فمن كانت له عقائد وأعمال صالحة يكون لها وزن عند الله تعالى وقدر (1)
وقال القرطبي: قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} (الأعراف:8) ابتداء وخبر، ويجوز أن يكون الحق نعته، والخبر يومئذ، ويجوز نصب الحق على المصدر، والمراد بالوزن وزن أعمال العباد (2)
وقال البخاري: (وأقيموا الوزن):يريد لسان الميزان
(1) تفسير البيضاوي ج4 ص:168. ') ">
(2)
تفسير القرطبي ج: 7 ص:164 ') ">
المبحث الثاني:
الميزان بين الإثبات والإنكار
وفيه مطلبان:
الأول: عند أهل السنة
الثاني: عند المعتزلة
أولاً: أجمع علماء الأمة من أهل السنة والجماعة على إثبات الميزان، قال تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} (الأعراف: 8 - 9).
{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (المؤمنون:102 - 103){فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} (القارعة:6){وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} (القارعة:8).
وأخرج ابن حبان بسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال حدثنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديثه الطويل؛ حديث جبريل المشهور، قال:«يا محمد، ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان» (1)
وقال ابن أبي العز: ونؤمن بالميزان، قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء:47)، وقال تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (المؤمنون 102 - 103)، قال القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحسبها قال: وقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الأنبياء: من الآية47) يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة، توزن فيها الأعمال ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع
(1) صحيح ابن حبان ج 1 ص 397، 398
الأعمال الموزونة، والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان (1)(2)
أخرج الحاكم بسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل هذا، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، (ولا يثقل مع اسم الله شيء)» (3).
ثم قال الحاكم: "هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين وهو صحيح على شرط مسلم فقد احتج بأبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص /تراجم وعامر بن يحيى مصري ثقة /تراجم /تراجم والليث بن سعد إمام /تراجم /تراجم ويونس المؤدب ثقة متفق على إخراجه في الصحيحين/تراجم ".
وهكذا روى الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا من حديث الليث
(1) شرح العقيدة الطحاوية ج: 1 ص: 472 - 473
(2)
شرح العقيدة الطحاوية ج: 1 ص: 472 - 473 ') ">
(3)
سنن الترمذي الإيمان (2639)، سنن ابن ماجه الزهد (4300)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 213).
زاد الترمذي «ولا يثقل مع اسم الله شيء» (1)، وفي سياق آخر «توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة
…
» (2) الحديث وفي هذا السياق فائدة جليلة وهي أن العامل يوزن مع عمله (3)
ويشهد له ما روى البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال: اقرؤوا إن شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (الكهف: من الآية105).» (4)
وعن يحيى بن بكير عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد مثله (5)
وروى الإمام أحمد بسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه «كان يجتني سواكا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد» (6)
(1) سنن الترمذي الإيمان (2639)، سنن ابن ماجه الزهد (4300)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 213).
(2)
سنن الترمذي الإيمان (2639)، سنن ابن ماجه الزهد (4300)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 222).
(3)
المستدرك على الصحيحين ج 1 ص 46 ') ">
(4)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4729)، صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2785).
(5)
صحيح البخاري ج 4 ص 1759 [4452] ') ">
(6)
مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 420 رقم 3991، وأخرجه الطبراني في الكبير ج9 ص 78 رقم 8452.
ثانيًا: اشتهر عن المعتزلة أنهم أنكروا الميزان الحقيقي، وادّعوا أن الميزان هو العدل في قوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء:47)، أي: العدل وقالوا: لا يحتاج إلى الوزن إلا البقالون ونحوهم، فأما الرب تعالى فليس بحاجة إلى أن ينصب ميزانًا؛ لأنه يعدل بين عباده، قال تعالى:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف:49)، فأبطلوا دلالة هذه النصوص الصريحة التي فيها ذكر الميزان، كقوله صلى الله عليه وسلم:«والحمد لله تملأ الميزان» (1) ونحو ذلك من الأحاديث.
وأهل السنة أقروا بأنه ميزان حقيقي، وأن الله تعالى ينصبه لكل أحد، وأن كل إنسان له ميزان توزن فيه أعماله، سواءً كان ميزانًا واحدًا توزن فيه أعمال العباد، أو موازين متعددة؛ ليكون ذلك أدل على العدل، وعلى عدم الظلم، وأنه لا يعذب إلا من استحق العذاب.
قال الطبري: قال جل ثناؤه: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} (الأعراف:8)، {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعَْلُونَ} (الجاثية: 28) موازين عمله الصالح {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يقول: فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح وأدركوا الفوز بالطلبات والخلود والبقاء في الجنات لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «ما وضع في الميزان شيء أثقل من حسن الخلق» (2) ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزان يوزن به الأعمال على
(1) صحيح مسلم الطهارة (223)، سنن الترمذي الدعوات (3517)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (280)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 342)، سنن الدارمي كتاب الطهارة (653).
(2)
سنن الترمذي كتاب البر والصلة (2002)، سنن أبو داود الأدب (4799)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 451).