الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِىَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (1)
«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (2) قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته (3)
ولو فرط أحد من المربين في مسؤوليته لكان سببًا في انهيار أخلاق الشباب وتردي سلوكياته وانحراف أفكاره.
(1) أخرجه الإمام البخاري – كتاب العتق – باب ما ينهى عن إضاعة المال وقوله تعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) 2/ 848 برقم 2416.
(2)
صحيح البخاري الجمعة (893)، صحيح مسلم الإمارة (1829)، سنن الترمذي الجهاد (1705)، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 121).
(3)
شرح النووي لصحيح مسلم - كتاب الإمارة - باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم – 12/ 213
المطلب السابع: تحقيق التكافل الاقتصادي ومحاربة الفقر والبطالة:
كثيرا ما يقع الشباب في الغزو الفكري نتيجة فقرهم، فقد استهدف أعداء الإسلام الفقراء كثيرًا في تنفيذ مخططاتهم لغزو المجتمعات المسلمة فكريًا، " وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الفقر
يشكل بيئة مناسبة للجنوح والانحراف الفكري والسلوكي، بسبب الحرمان الواقع علي تلك الفئات والناجم عن التفاوت الشديد بين الطبقات، حيث يمثل ذلك نوعا من المقاومة السلبية " (1) ولذلك كان حريًا بأبناء الإسلام إن أرادوا تحقيق الأمن الفكري لمجتمعاتهم أن يحققوا بينهم التكافل الاقتصادي، ويحاربوا الفقر ليسدوا أمام أعداء الإسلام هذا الثغر فلا يؤتى الإسلام من قبله، ولذلك دعا القرآن الكريم إلى تداول الثروة بين الأغنياء والفقراء، ومحاربة العوز والفاقة كوسيلة لتحقيق الأمن الفكري، قال الله تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .
وإنما قدر الله هذا التقدير، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين لـ {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} أي: مدوالة واختصاصا {بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فإنه لو لم يقدره، لتداولته الأغنياء الأقوياء، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء، وفي ذلك من الفساد، ما لا يعلمه إلا الله، كما
(1) وانظر بحثًا للدكتور تيسير بن حسين السعيدين بعنوان: دور المؤسسات التربوية في الوقاية من الفكر المتطرف – ص 35 بمجلة البحوث الأمنية – المجلد 14 – عدد 30
أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر؛ ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية والأصل العام، فقال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح [والدنيا والآخرة]، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فقال:{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} على من ترك التقوى، وآثر اتباع الهوى " (1)(2)
فعلى المسلمين أن يحسنوا تطبيق النظام الإسلامي في تداول المال فيما بينهم، ومحاربة الفقر وإشاعة التكافل الاجتماعي والاقتصادي، وأن يشعر الغني منهم بالمحتاج ويألم لألمه وينشط لسد حاجته والقيام على مصالحه وتفريج كربته.
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ
(1) تفسير السعدي - (1/ 850)
(2)
تفسير السعدي - (1/ 850) ') ">
وَالْحُمَّى» (1)
((مَثَل الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهمْ وَتَرَاحُمهمْ)) " فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه "(2)
وهذا الحديث صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض، وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلَا مَكْرُوه " (3) كما يحثهم على التكافل، وإعانة بعضهم بعضًا اجتماعيا واقتصادياً.
وكما حارب الإسلام الفقر فقد حارب البطالة:- " فقد نهى الإسلام عن البطالة والقعود عن طلب الرزق؛ لأن البطالة من أخطر المشكلات الاجتماعية التي توقع في الانحراف الاجتماعي والاقتصادي والفكري "(4) وقد سئل عروة بن الزبير: " ما شر شيء في العالم؟ قال البطالة "(5) "وقال الإمام أحمد إذا
(1) أخرجه الإمام أحمد – مسند الكوفيين- حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم – 4/ 267 برقم 18404.
(2)
فتح الباري لابن رجب - 1/ 21 ') ">
(3)
شرح النووي على مسلم - 16 / ') ">
(4)
انظر المذهب الاقتصادي الإسلامي د عدنان خالد التركماني ص 250 – توزيع مكتبة السوادي جدة. ') ">
(5)
رواه البيهقي في شعب الإيمان - 4/ 429 برقم 1864 - انظر: كشف الخفاء 1/ 250 ') ">
جلس الرجل ولم يحترف دعته نفسه إلى أن يأخذ ما في أيدي الناس " (1)
ويقول علي بن عثام: (ما أحب إلي من أن يكون المسلم محترفا، إن المسلم إذا احتاج أول ما يبذل دينه)(2)
وفي طريق الإسلام لحث المسلمين وتربيتهم على ترك البطالة حثهم على العمل والاجتهاد فيه واعتبره عبادة يتعبد فاعلها إلى الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .
" سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله"
(1) انظر: الحث على التجارة والصناعة والعمل للإمام أبي بكر محمد هارون بن الخلال ص 160 – تحقيق محمود الحداد – ط – دار العاصمة – الرياض - الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت - الطبعة الأولى، 1410.
(2)
أخرجه الإمام البيهقي: في كتاب: شعب الإيمان – باب: التوكل بالله عز وجل والتسليم لأمره تعالى في كل شيء- 2/ 89 – برقم 1240
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْتَرِفَ» . وفي رواية ابن عبدان: «الشاب المحترف» (1)
وهذا دليل على عظم شأن السعي وعلى الكسب المباح، وعظم أجر صاحبه.
(1) أخرجه الإمام البيهقي وهو أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: في كتاب: شعب الإيمان – باب التوكل بالله عز وجل والتسليم لأمره تعالى في كل شيء- 2/ 57– برقم 1237
(2)
أخرجه الإمام الطبراني في الكبير 13/ 419 برقم 15619 - وأورده الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. - 4/ 377 برقم 7709 – وقال عنه: رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح.- ط- م دار الفكر، بيروت، طبعة 1412 هـ، الموافق 1992 ميلادي.