الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كنتُ أَعُدُّ ذلك في البعض تعصباً، إذ يَرى المنصفُ عند هذا البعض من العلم والفقه ما يَجدرُ أن يُتحمّل عنه، ويستفاد من عقله وعلمه، ولكن العصبية!!
ولقد وُجد لبعض المحدثين تراجمُ لأئمة أهل الرأي، يخجل المرء من قراءتها فضلاً عن تدوينها وما السبب إلاّ تخالُفُ المشرب، على توهم التخالف ورفض النظر في المآخذ والمدارك، التي قد يكون معهم الحقُ في الذهاب إليها، فإن الحق يستحيل أن يكون وقفاً على فئة معيّنة دون غيرها، والمنصفُ من دقّق في المدارك غاية التدقيق ثم حكم.
نعم، كان وَلَعُ جامعي السنة بمن طوَّفَ البلاد، واشتَهَر بالحفظ، والتخصص بعلم السنّة وجمعها، وعلماءُ الرأي لم يشتهروا بذلك، وقد أُشيع عنهم أنهم يُحكِّمون الرأي في الأثر! وإن كان لهم مرويات مسندةٌ معروفة رضي الله عن الجميع، وحشرنا وإياهم مع الذين أنعم الله عليهم". انتهى.
وقال شيخنا العلاّمة أحمد شاكر، رحمه الله تعالى في تعليقه على "مسند الإمام أحمد" (11: 13) : "أبو يوسف القاضي: ثقة صدوق، تكلموا فيه بغير حق، ترجمه البخاري في "الكبير" 4/397: 2، وقال: تركوه! وقال في "الضعفاء" ص 38: تركه يحيى وابن مهدي وغيرُهما وترجمه الذهبي في "الميزان" 447: 4، والحافظ في "لسان الميزان" 300: 6، والخطيبُ في "تاريخ بغداد" ترجمة حافلة 242: 14 - 262، وأعدلُ ما قيل فيه قول أحمد بن كامل عند الخطيب: ولم يَختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني في ثقته في النقل" انتهى.
كلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي:
- قال عبد الفتاح "وقد رأيت للشيخ الإمام ابن تيمية كلاماً حسناً، جلّى فيه شأنَ الرأي، وما يُذَمُّ منه وما لا يُذَمُّ، فأحببتُ إيراده هنا استيفاءً للمَقام وإن طال الكلام، فإنه قاطع للشغب على العمل بالرأي من كل مشاغب.
قال رحمه الله تعالى في كتابه: "إقامة الدليل على إبطال التحليل"(227: 3، ضمنَ "الفتاوى الكبرى") : "ما ورد في
الحديث والأثر من ذم الرأي وأهله، فإنما يتناوَلُ الحيل، فإنها أُحدِثَتْ بالرأي، وإنها رأيٌ محض، ليس فيه أثر عن الصحابة، ولا له نظير من الحِيَل ثَبَت بأصل فيقاسُ عليه بمثله، والحكمُ إذا لم يَثُبت بأصل ولا نظير، كان رأياً محضاً باطلاً.
وفي ذم الرأي آثار مشهورة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن عُمَر وغيرهم، وكذلك عن التابعين بعدَهم بإحسان، فيها بيان أن الأخذ بالرأي يُحلِّلٌ الحرام، ويُحرِّم الحلال.
ومعلوم أن هذه الآثار الذَامة للرأي، لم يُقصَد بها اجتهادُ الرأي على الأصولِ من الكتاب والسنة والإجماع، في حادثة لم توجد في كتاب ولا سنَّة ولا إجماع، ممن يَعرف الأشباه والنظائر، وفقهَ معاني الاحكام، فيقيسُ قياسَ تشبيه وتمثيل، أو قياسَ تعليل وتأصيل، قياساً لم يعارضه ما هو أولى منه، فإنَّ أدلة جواز هذا للمفتي لغيره والعاملِ لنفسِه، ووجوبه على الحاكم والإمام أشهَرُ من أن تُذكَر هنا، وليس في هذا القياس تَحليلٌ لما حرَّمه الله سبحانه، ولا تحريم لما حللَّه الله.
وإنما القياسُ والرأي الذي يَهدِمُ الإسلام، ويُحلِّل الحرام، ويُحرِّم الحلال: ما عارض الكتابَ والسنَّة، أو ما كان عليه سلفُ الأمة، أو معانيَ ذلك المعتبرة. ثم مخالفتُه لهذه الأصول على قسمين:
أحدُهما: أن يخالف أصلاً مخالفةً ظاهرة، بدون أصل آخر. فهذا لا يقعُ من مفتٍ إلَاّ إذا كان الأصل مما لم يبلغه علمُه، كما هو الواقع لكثير من الأئمة، لم يبلغهم بعض السُّنَن، فخالفوها خطأً. وأما الأصولُ المشهورة، فلا يخالفها مسلم خلافاً ظاهراً، من غير معارضة بأصل آخر، فضلاً عن أن يخالفها بعضُ المشهورين بالفتيا.
الثاني: أن يخالف الأصل بنوعِ تأويلٍ وهو فيه مخطئ، بأن يضَعَ الإسمَ على غير موضعه، أو على بعض موضعه، ويُراعي فيه مجرَّدَ اللفظِ دون اعتبار المقصود لمعنىً أو غيرِ ذلك.
وإنَّ من أكثر أهل الأمصار قياساً وفقهاً أهلَ الكوفة، حتى كان يقال: فقهٌ كوفي، وعبادةٌ بصريَّة. وكان عِظَمُ علمهم مأخوذاً عن عمر وعلى وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، وكان أصحابُ عبد الله، وأصحابُ عمر، وأصحابُ علي، من العلم والفقهِ بالمكان الذي لا يخفى.