الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن سعد في"الطبقات" عن مالك أنه لما حجّ المنصور قال لي: عزمت على أن آمر بكتبك هذة التي وضعتها، فتُنسخ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوا إلى غيرها فقلت لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم الأقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، ودانوا به، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم. كذا في عقود الجمان. انتهى.
الفائدة الثامنة: [عدد أحاديثه]
- قال الأبهري أبو بكر: جملة ما في الموطّأ من الآثار، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثاً المسند منها ستمائة حديث، والمرسل مائتان واثنان وعشرون، والموقوف ستمائة وثلاثة عشر، ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون. وقال ابن حزم في كتاب "مراتب الديانة" أحصيت ما في موطّأ مالك، فوجدت من المسند خمسمائة ونيفاً، وفيه ثلاث مائة ونيف مرسلاً، وفيه نيف وسبعون حديثاً قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيه أحاديث ضعيفة وهّاها جمهور العلماء. كذا أورده السيوطي (تنوير الحوالك 1/8) .
قلت: مراده بالضعف الضعف اليسير كما يعلم مما قد مر، وليس فيه حديث ساقط ولا موضوع كما لا يخفى على الماهر.
الفائدة التاسعة: في ذكر من علق على موطّأ الإمام مالك
.
- لا يخفى أنه لم يزل هذا الكتاب مطرحاً لأنظار النبلاء، ومعركة لآراء الفضلاء، فكم من شارح له، ومحشٍّ، وكم من ملخص له، ومنتخب.
- فمنهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن السّيد بكسر السين البطليوسي المالكي نزيل بلنسية، ذكره أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله بن خاقان - المتوفى سنه خمس وثلاثين وخمسمائة على ما في "روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر"، لمحمد بن الشحنة الحلبي - في كتابه "قلائد
العقيان" (ص 221) . وبالغ في وصفه بعبارات رائقة كما هو دأبه في ذلك الكتاب، وذكر له كثيراً من النظم والنثر يدل على جودة طبعه وقوة بلاغته، وقال السيوطي أحد شراح الموطّأ - وسيأتي ذكره - في "بغية الوعاة في طبقات النحاة" في ترجمته: كان عالماً باللغات والآداب، متّبحراً فيهما، انتصب لإقراء علم النحو، وله يد طولى في العلوم القديمة، وكان لابن الحجاج صاحب قرطبة ثلاثة من الأولاد من أجمل الناس صورة، رحمون وعزون وحسون، فأولع بهم، وقال فيهم:
أخفيت سقمي حتى كاد يخفيني * وهمت في حب عزون فعزوني
ثم ارحموني برحمون فإن ظمئت * نفسي إلى ريق حسون فحسوني
ثم خاف على نفسه، فخرج من قرطبة، صنّف: 1 - شرح أدب الكاتب، 2 - شرح الموطّأ، 3 - شرح سقط الزند، 4 - شرح ديوان المتنبي، 5 - إصلاح الخلل الواقع في الجمل، 6 - الخلل في شرح أبيات الجمل، 7 - المثلث، 8 - المسائل المنثورة في النحو، 9 - كتاب سبب اختلاف الفقهاء، ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ومات في رجب سنة إحدى عشرة وخمسمائة. ومن شعره:
أخو العلم حيٌّ خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماشٍ على الثرى * يُظَنّ من الأحياء وهو عديم
انتهى ملخصاً.
ونسبته إلى بطليوس: بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وضم الياء المثناة التحتية بعدها واو بعدها سين مهملة: مدينة بالأندلس، وهو بفتح الألف وسكون النون وفتح الدال المهملة وضم اللام آخره سين مهملة، إقليم بلاد المغرب، مشتمل على بلاد كثيرة، كذلك ذكره أبو سعد السمعاني (هو أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار المتوفي سنة 563 هجري (ش)) في كتاب
"الأنساب"(2/241، 242)، والسيوطي في "لب اللباب في تحرير الأنساب" (1/ 160) . وذكر السيوطي في مقدمة شرحه "تنوير الحوالك" نقلا عن القاضي عياض أن اسم شرح البطليوسي "المقتبس". وقال: هو، في حواشيه على تفسير البيضاوي المسماة بنواهد الأبكار وشواهد الأفكار، في تفسير سورة البقرة: قد رأيت في "تذكرة الإمام تاج الدين" مكتوباً بخطه: قال الإمام أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي في كتاب "المقتبس شرح موطأ مالك بن أنس": قد اختلف الناس في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "اشتكت النار إلى ربِّها"، فجعله قوم حقيقة، وقالوا: إن الله قادر على أن ينطق كل شيء إذا شاء، وحملوا جميع ما ورد من نحوه في القرآن والحديث على ظاهره، وهو الحق والصواب، وذهب قوم إلى أن هذا كلَّه مجاز، وما تقدم هو الحق من حمل الشيء على ظاهره حتى يقوم دليل على خلافه، هذا لفظه بحروفه، مع أن البطليوسي المذكور كان من الأئمة المتبحرين في المعقولات والعلوم الفلسفية والتدقيقات، وهؤلاء هم الذين يقولون بالتأويل وإخراج الأحاديث عن ظواهرها، ويرون أن ذلك من التحقيق والتدقيق، انتهى كلامه.
- ومنهم: ابن رشيق القَيرواني المالكي المتوفّي سنة 456 هجري ذكره صاحب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، وهو العلامة البليغ الشاعر أبو علي حسن بن رشيق، على وزن كريم، صاحب "العمدة في صناعة الشعر" و "الأنموذج في شعراء القيروان"، و "والشذوذ في اللغة"، قال ياقوت: كان شاعراً نحويا لغوياً أديباً حاذقاً، كثير التصنيف حسن التأليف، تأدب على محمد بن جعفر القيرواني النحوي، ولد سنة تسعين وثلاث مائة، ومات بالقيروان سنة ست وخمسين وأربع مائة. كذا في بغية الوعاة (2/109) . وذكره أبو عبد الله الذهبي في "سير النبلاء"(18 /325) ، وقال علمه أبوه صناعة الشعر، فرحل إلى قيروان، ومدح ملكها، فلما أخذته العرب واستباحوه دخل إلى صقلية، وسكن مازرا (من مدن صقلية "معجم البلدان" 5/ 40) إلى أن مات سنة ثلاث
وستين وأربعمائة، ويقال: في ذي القعدة سنة ست وخمسين (وقد صحح ابن خلكان القول الأول، أما الثاني فقد قاله ياقوت في "معجمه" 8/ 111، وذكر أنه مات بالقيروان وتابعه على ذلك السيوطي في "بغية الوعاة" 2/ 109، وقال القفطي في "أنباه الرواة" 1/ 303، مات بمأزر في حدود سنة خمسين وأربعمائة) . انتهى.
ونسبته إلى القيروان، قال السمعاني (5/ 130) : بفتح القاف وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحت وفتح الراء المهملة والواو، في آخرها النون، بلدة في المغرب عند إفريقية.
- ومنهم: أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي نسبة إلى قرطبة: بضم القاف والطاء المهملة بينهما راء مهملة ساكنة، مدينة بالأندلس، المالكي (له ترجمة في: الديباج المذهب 154، ومرآة الجنان 2/122، وطبقات السيوطي 237)
قال السيوطي في "البغية"(2/109) ذكره الزبيدي في الطبقة الثانية من نحاة اندلس، وقال في "البلغة": إمام في النحو واللغة والفقه والحديث، وقال ابن الفرضي: كان نحوياً شاعراً حافظاً للأخبار والأنساب متصرفاً في فنون العلم حافظاً للفقه ولم يكن له في الحديث ملكة ولا يعرف صحيحه من سقيمه، صنف "الواضحة" و"إعراب القرآن" و"غريب الحديث" و"تفسير الموطأ" و"طبقات الفقهاء" وغير ذلك، مات سنة ثمان، وقيل سنة تسع وثلاثين ومائتين عن أربع وستين سنة. انتهى.
- ومنهم: الحافظ ابن عبد البرّ قد طالعت شرحه "الاستذكار" وهو نفيس جداً، يستحسنه الأخيار، مبسوط كاف مع اختصاره وبسيط واف مغن عن غيره، وقد بسط في ترجمته شيخ الإسلام الذهبي في "سير النبلاء" و"تذكرة الحفاظ" وغيرهما، وغيره في غيره، ولم يزل من جاء بعده من المحدثين يقرون بفضله، ويستمدون من تصانيفه. قال في "سير النبلاء" (سير أعلام النبلاء 18/153) : الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري
الأندلسي القرطبي المالكي، صاحب التصانيف الفائقة، مولده سنة ثمان وستين وثلاث مائة في الربيع الآخر، وقيل: في جمادى الأولى، وطلب العلم بعد سنة 390 هـ، وأدرك الكبار، وطال عمره، وعلا سنده وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف، ووثق وضعَّف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، وكان فقيهاً، عابداً، متهجِّداً، إماماً ديِّناً، ثقة، متقناً، علاّمة، متبحراً، صاحب سنة واتباع، وكان أولاً أثرياً ظاهراً فيما قيل، ثم تحولّ مالكياً مع ميل بيِّن إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم وقوة الفهم وسيلان الذهن. وقال الحميدي: فقيه حافظ مكثر عالم بالقراآت والخلاف، وبعلوم الحديث والرجال. وقال أبو علي الغساني: لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد وأحمد بن خالد، ولم يكن ابن عبد البر بدونهما، وكان من النمر بن قاسط طلب، وتقدم ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه وأبا الوليد بن الفرضي، ودأب في الحديث وبرع براعة فاق بها من تقدم من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطةٌ كثيرةٌ في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه، فكان في المغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس فسكن دانية وبلَنسِية وشاطبية (كذا في الأصل: وفي "سير أعلام النبلاء": "شاطبية"، قال ياقوت: هي مدينة في شرقي الأندلس وشرقي قرطبة، وهي مدينة كبيرة قديمة، يجوز أن يقال إن اشتقاقها من الشطبة، وهي السعفة الخضراء الرطبة") وبها توفي (انظر "الصلة" 2/ 678، و"وفيات الأعيان" 7/66 - 66) . وقال أبو داود المقرئ: مات ليلة الجمعة سلخ الربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة. قال أبو علي الغساني، ألف أبو عمر في "الموطّأ" كتباً مفيدة، منها: كتاب "التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد"، فرتبّه على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءً. قلت: هي أجزاء ضخمة جداً، قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه. ثم صنع كتاب "الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطّأ من معاني الرأي والأثار" هو مختصر التمهيد شرح
فيه الموطّأ على وجهه، وجمع كتاباً جليلاً مفيداً، وهو "الاستيعاب في أسماء الصحابة"، وله "كتاب جامع في بيان فضائل العلم وما ينبغي في حمله وروايته" إلى غير ذلك، وكان موفقاً في التأليف معاناً عليه، ونفع الله بتواليفه. وله كتاب "الكافي" في مذهب مالك خمسة عشر مجلداً (قد طبع في جزأين باسم "كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي" في مكتبة الرياض) ، وكتاب "الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو"، وكتاب "التقصي في اختصار الموطّأ"، وكتاب "الإنباه عن قبائل الرواة"، وكتاب "الانتقاء لمذاهب علماء مالك وأبي حنيفة والشافعي"، وكتاب "البيان في تلاوة القرآن"، وكتاب "الكنى"، وكتاب "المغازي"، وكتاب "القصد والأمم في نسب العرب والعجم"، وكتاب "الشواهد في إثبات خبر الواحد"، وكتاب "الإنصاف في أسماء الله"، وكتاب "الفرائض"، وكتاب "أشعار أبو العتاهية". انتهى ملتقطاً.
وذكره السمعاني في "الأنساب"(10/98) في نسبة القرطبي وقال: هو بضم القاف وسكون الراء، وضم الطاء المهملة في آخره الباء، هذة النسبة إلى قرطبة وهي بلدة كبيرة من بلاد المغرب بالأندلس، وهي دار ملك السلطان. انتهى.
- ومنهم: أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي (نسبة إلى تجيب بالضم وكسر الجيم، قبيلة من كندة، قاله في "لب اللباب" (ش)) الأندلسي، القرطبي الباجي الذهبي المالكي، أصله من مدينة بطليوس فتحول جده إلى باجة (وهي من أقدم مدن الأندلس، وتقع اليوم في البرتغال على بعد 140 كم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة) ، بليدة بقرب إشبيلية فنسب إليها وما هو من باجة المدينة التي بإفريقية التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الباجي، وابنه أحمد. ولد أبو الوليد سنة ثلاث وأربعمائة، وأخذ عن جماعة، وارتحل سنة ست وعشرين فحجّ، ولو مد الرحلة إلى أصفهان والعراق لأدرك إسنادا عالياً، ولكنه جاور بمكة ثلاثة أعوام ملازماً للحافظ أبي ذر الهروي، فأكثر عنه، ثم ارتحل إلى دمشق، وأخذ عن جماعة، وتفقه بالقاضي أبي الطيب، والقاضي أبي عبد الله
الصيمري، وذهب إلى الموصل، فأقام بها على القاضي جعفر السمناني المتكلم، فبرز في الحديث والفقه والكلام والأصول والأدب، فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنع اليسير، حدث عنه أبو عمر بن عبد البر وأبو بكر الخطيب وغيرهما، وتفقه به أئمة، واشتهر اسمه، وصنف كتاب "المنتقى" في الفقه، وشرح الموطّأ، فجاء في عشرين مجلداً عديم النظير، وكتاباً كبيراً سماه "الاستيفاء"، وله كتاب "الإيماء" في الفقه خمس مجلدات، وكتاب "السراج" في الفقه ولم يتم، وكتاب "اختلاف الموطّآت" وكتاب "الجرح والتعديل"، وكتاب"التسديد إلى معرفة التوحيد"، وكتاب "الإشارة" في أصول الفقه، وكتاب "أحكام الفصول في إحكام الأصول"، وكتاب "الحدود"، وكتاب "سنن الصالحين وسنن العابدين"، وكتاب "سبل المهتدين"، وكتاب "فرق الفقهاء"، وكتاب "سنن المنهاج وترتيب الحجاج"، وغير ذلك. وقد وَلِيَ قضاء الأندلس وهنئت الدنيا به وعظم جاهه وكان يستعمله الأعيان في ترسيلهم، ويقبل جوائزهم، وحصل له مال وافر إلى أن توفي في المرية تاسع عشر رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وقال الإمام أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين، فقيه، متكلم، أديب، شاعر، درس الكلام وصنّف، وكان جليل القدر، رفيع الخطر. هذا خلاصة ما في "سير النبلاء" ومن شاء الاطلاع على أزيد منه فليرجع إليه (سير أعلام النبلاء 18/535)
- ومنهم: القاضي أبو بكر بن العربي المالكي (له ترجمة في سير أعلام النبلاء 20/197) ، سمى شرحه "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس". قال إبن خلِّكان (المتوفي سنة 681 هجري على مافي كشف الظنون، وترجمته مع وجه شهرته بابن خلكان مبسوطة في تعليقاتي على "الفوائد البهية في تراجم الحنفية" المسماة بالتعليقات السنية. (ش)) أبو العباس أحمد في تاريخه المسمى بـ "وفيّات الأعيان في أنباء أبناء الزمان"، مترجماً له: أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العربي المعافري الأندلسي الإشبيلي الحافظ المشهور، ذكره ابن بشكوال في كتاب الصلة (2/591)، فقال: هو الحافظ المتبحِّر ختام
علماء الأندلس وآخر أئِمتها وحُفّاظها، لقيته بمدينة إشبيلية ضحوة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمسمائة، فأخبرني أنه رحل مع أبيه إلى المشرق يوم الأحد مستهل الربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وأنه دخل الشام، ولقي بها أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، وتفقه عنده، ودخل بغداد، وسمع بها جماعة من أعيان مشايخها، ثم دخل الحجاز، فحج في موسم سنة 489 هـ، ثم عاد إلى بغداد، وصحب بها أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي، ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين، فكتب عنهم، ثم عاد إلى الأندلس سنة 493 هـ، وقدم إلى إشبيليا بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة بالمشرق، وكان من أهل التفنن في العلوم والجمع لها، مقدَّماً في المعارف، متكلّماً في أنواعها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كلِّه آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف، واستُقضي ببلده فنفع الله به أهله، ثم صُرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثِّه، وسألته عن مولده، فقال: ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي بالعدوة، ودفن بمدينة فاس في الربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. انتهى كلام ابن بشكوال، قلت أنا: وهذا الحافظ له مصنفات، منها "عارضة الأحوذي في شرح جامع الترمذي"(طبع بمصر في (13) مجلداً سنة 1931 م؛ وطبع في الهند سنة 1299 هـ، ضمن مجموعة فيها أربعة شروح على جامع "الترمذي". انظر"معجم المطبوعات"(1977) وغيره، والعارضة: القدرة على الكلام، والأحوذي: الخفيف في الشيء لحذقه. انتهى كلام ابن خلكان بتلخيصه (وفيات الأعيان 4/296، 297) . ونسبته إلى إشبيلية بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة، بلدة من أمهات بلاد الأندلس. والمعافري: نسبة إلى معافر، بفتح الأول، وكسر الرابع، بطن من قحطان. كذا في "الأنساب". (2/19، 20) .
فائدة: رأيت في بعض شروح"مناسك النووي" أن ابن عربي اشتهر به اثنان: أحدهما: القاضي أبو بكر هذا، وثانيهما: صاحب الولاية العظمى والرواية الكبرى، محيي الدين بن عربي، مؤلف "الفتوحات المكية"، و"فصوص الحِكَم"
وغيرهما من التصانيف الجليلة، ويُفَرَّق بينهما بأنه يقال للقاضي ابن العربي بالألف واللام، وللشيخ الأكبر ابن عربي بغيره (مقدمة أوجز المسالك 1/48) .
- ومنهم: الخطابي مؤلف "معالم السنن" شرح سنن أبي داود، وغيره، ذكره صاحب كشف الظنون ممن انتخب الموطأ، ولخّصه وهو بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الطاء المهملة، نسبة إلى الجد، فإنه حَمْد بن محمد بن إبراهيم البُستي، بالضم، نسبة إلى بُست بلدة من بلاد كابل، بين هراة وغزنة، أبو سليمان الخطابي الشافعي، وهو إمام فاضل كبير الشأن، جليل القدر، له "شرح صحيح البخاري"، و"شرح سنن أبي داود"، وكتاب "غريب الحديث"، وغيرها، سمع أبا سعيد بن الأعرابي بمكة، وأبا بكر بن داسة بالبصرة، وإسمعيل بن محمد الصفّار ببغداد وغيرهم، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغافر الفارسي، وجماعة كثيرة، وذكره الحاكم أبو في "تاريخ نيسابور"، وتوفي سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة. كذا في "أنساب" السمعاني (5/175، 159. وله ترجمة في وفيات الأعيان 2/214، ومعجم المؤلفين 1/450) .
وفي "تاريخ ابن خلكان"(2/214) : كان فقيهاً محدثاً أديباً، له التصانيف المفيدة، منها:"غريب الحديث"(طبع الكتاب في جامعة أم القرى - مكة - سنة 1402 هـ، بتحقيق عبد الكريم إبراهيم العزباوي) ، و"معالم السنن في شرح سنن أبي داود"(طبع الكتاب في حلب 1920 - 1934، وطبع في القاهرة بتحقيق أحمد محمد شاكر وحامد الفقي) ، و"أعلام السنن في شرح صحيح البخاري"، وكتاب "الشجاج"(وقع في وفيات الأعيان 2/214، (الشحاح) بالحاء المهملة في الحرفين) ، وكتاب "شأن الدعاء"(طبع الكتاب في دار المأمون للتراث دمشق سنة 1404 هـ 1984 م) ، وكتاب"إصلاح غلط المحدثين"(طبع الكتاب في دمشق، بتحقيق الدكتور محمد علي عبد الكريم الرّديني سنة 1987 م) ، وغير ذلك، وكانت وفاته في
الربيع الأول سنة 388 هـ بمدينة بست، والخطابي نسبة إلى جده، وقيل: إنه من ذرية عمر بن الخطاب، وقد سُمع في اسمه أحمد أيضاً بالهمزة، والصحيح الأول، قال الحاكم: سألت أبا القاسم المظفر بن طاهر بن محمد البستي الفقيه عن اسم أبي سليمان أحمد أو حمد، فقال: قال: اسمي الذي سُمِّت به حمد، ولكن الناس كتبوا أحمد فتركته عليه. انتهى ملخَّصاً.
وقد ذكر السيوطي في "تنوير الحوالك" نقلاً عن القاضي عياض جمعاً كثيراً ممن اعتنى بالموطأ شرحاً أو تلخيصاً أو غير ذلك ممن ذكرناه ومن لم نذكره، حيث قال: قال القاضي عياض في "المدارك": لم يُعتَنَ بكتاب من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ، فممن شرحه ابن عبد البر في "التمهيد" و "الاستذكار"، وأبو الوليد بن الصفّار وسماه "الموعب"، والقاضي محمد بن سليمان بن خليفة، وأبو بكر بن سابق الصقلي وسماه "المسالك"، وابن أبي صفرة، والقاضي أبو عبد الله بن الحاج، وأبو الوليد بن الفؤاد، وأبو محمد السِّيْد البطليوسي النحوي وسماه "المقتبس"، وأبو القاسم بن أمجد الكاتب، وأبو الحسن الإشبيلي، وابن شراحيل، وابن عمر الطلمنكي، والقاضي أبو بكر بن العربي وسماه "القبس"، وعاصم النحوي، ويحيى بن مزين وسماه "المستقصية"، ومحمد بن أبي زمنين وسماه "المقرب"، وأبو الوليد الباجي، وله ثلاثة شروح:"المنتقى"، و "الإيماء" والاستيفاء"، وممّن ألف في شرح غريبه: البرقي، وأحمد بن عمران الأخفش، وأبو القاسم العثماني المصري، وممن ألف في رجاله: القاضي أبو عبد الله بن الحذَّاء، وأبو عبد الله بن مفرح، والبرقي، وأبو عمر الطلمنكي، وألّف "مسند الموطأ" قاسم بن أصبغ، وأبو القاسم الجوهري، وأبو الحسن القابسي في كتابه "الملخص"، وأبو ذر الهروي، وأبو الحسن علي بن حبيب السجلماسي، والمطرز، وأحمد بن بهزاد الفارسي، والقاضي ابن مفرج، وابن الأعرابي، وأبو بكر أحمد بن سعيد بن فرضخ الأخميمي، وألّف القاضي إسماعيل "شواهد الموطأ"، وألف أبو الحسن الدارقطني كتاب "اختلاف الموطآت"، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي، وألَّف "مسند الموطأ" رواية القعنبي: أبو عمرو الطليطلي،
وإبراهيم بن نصر السرقسطي، ولابن جوصا "جمع الموطأ" من رواية ابن وهب وابن القاسم، ولأبي الحسن بن أبي طالب كتاب "موطأ الموطأ"، ولأبي بكر بن ثابت الخطيب كتاب "أطراف الموطأ"، ولابن عبد البر "التقصي في مسند حديث الموطأ ومرسله"، ولأبي عبد الله بن عيشون الطليطلي "توجيه الموطأ"، ولحازم بن محمد بن حازم "السافر عن آثار الموطأ"، ولأبي محمد بن يربوع كتاب في الكلام على أسانيده، سماه، "تاج الحلية وسراج البغبة". انتهى كلام القاضي (2/80) والسيوطي (ص 12) .
وذكر صاحب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" من شرّاح الموطأ زين الدين عمر بن الشماع الحلي. ولإِبراهيم بن محمد الأسلمي المتوفِّى سنة 784 هـ موطأ أضعاف موطأ مالك، ولخص موطأ مالك أبو الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي، وهو المشهور بملخص الموطأ، مشتمل على خمسمائة وعشرين حديثاً متصل الإِسناد، واقتصر على رواية عبد الرحمن بن القاسم المصري من رواية أبي سعيد سحنون بن سعيد عنه. انتهى ملخصاً.
ومن المعتنين بالموطأ الجلال السيوطي الشافعي، فإنه أفرد لرجاله كتاباً سماه "إسعاف المبطَّأ برجال الموطَّأ"، وقد طالعته واستفدتُ منه، وصنّف شرحاً كبيراً سماه "كشف المغطا" وشرحاً آخر مختصراً منه، سماه "تنوير الحوالك" وقد طالعته، قال فيه: هذا تعليق لطيف على موطأ الإمام مالك على نمط ما علقته على صحيح البخاري المسمى "بالتوشيح"، وما علقته على صحيح مسلم المسمى بالديباج، وأوسع منهما قليلاً لخَّصته من شرحي الأكبر الذي جمع فأوعى، وعمد إلى الجَفْلى حين دعا، وقد سمَّيْت هذا التعليق "تنوير الحوالك على موطَّأ مالك". انتهى.
وهو خاتمة الحفاظ عبد الرحمن جلال الدين السُّيُوطي (انظر: حسن المحاضرة 1/335 - 344. وله ترجمة في: شذرات الذهب 8/51 - 55، البدر الطالع 1/328 - 335، معجم المؤلفين 5/128) بضم الأَوَّلَيْن، وقد
يقال: الأُسيوطي، بضم الهمزة وسكون السين المهملة، نسبة إلى بلدة أسيوط من البلاد المصرية، ابن كمال الدين أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمج بن يوسف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري كذا ساق نسبة هو في كتابه "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" وترجم لنفسه ترجمة طويلة، وذكر فيها (قد ذكر بعض الفضلاء المعاصرين في رسالته "الجنة بالأسوة الحسنة بالسنة" وغيرُه أنه من تلامذة ابن حجر العسقلاني، وتعقبتُه في منهيات "النافع الكبير" أن وفاة ابن حجر سنة 852 هـ وولادة السيوطي سنة 849 هـ فأنَّى يَصِحّ له التلمذة؟ ثم أصرّ على ما كتبه في رسالة أظنها "هدية السائل إلى أجوبة المسائل"، وكتب في منهيته: هكذا ذكره الشوكاني فقط. وهو أمر ليس بدافع للتعقّب، فإن التواريخ تكذّب الشوكاني، ثم ذكر في رسالة أخرى نحوه، وكتب في منهيّته عبارة لعلّي القاري في "المرقاة شرح المشكاة" دالّة على أن السيوطي روى عن الحافظ، وهو أيضاً لم يشفِ العليل، فإنَّ مثل هذا الإيراد وارد عليه أيضاً، ولو اكتفى على النقل عن الشوكاني أو القاري أولاً لسلم من الإيراد، فإن الناقل من حيث إنه ناقل لا يرد عليه شيء، والقول الفيصل أن السيوطي ليس له تلامذة ولا إجازة خاصة من الحافظ، بل لم يكن له قابلية لذلك عند وفاة الحافظ، لكنه أحضره والده مرة مجلس الحافظ، وهو ابن ثلاث سنين كما ذكره في "النور السافر"، ولعل الحافظ في ذلك المجلس أجاز إجازة عامَّة لمن فيه فدخل السيوطي فيها، ويشهد لما ذكرنا أن السيوطي ترجم نفسه في "حسن المحاضرة" وذكر أساتذته ومراتبه، ولم يذكر تلمذة من الحافظ مع أنه فخر عظيم أي فخر (ش)) أن ولادته كانت ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمان مائة، وحفظ القرآن، وله دون ثمان سنين، وشرع في الاشتغال بالعلم من سنة 864 هـ، فأخذ الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، والفرائض عن فرضيّ زمانه شهاب الدين الشارمساحي، ولازم في الفقه شيخ الإسلام علم الدين البُلقيني إلى أن مات، ثم لازم ولده، وبعد وفاته سنة 878 هـ لازم شرف الدين المُناوي، ولزم في الحديث والعربية التقيّ الشُمُنِّي الحنفي شارح "مختصر الوقاية" وأخذ عن محيي الدين الكافِيَجي الحنفي جميعاً من الفنون، ولازمه أربع عشرة سنة، وذكر أن له إلى الآن ثلاث مائة تأليف سوى ما غسلت عنه ورجعت عنه، ثم ذكر تصانيفه في التفسير كالإتقان، والدر
المنثور، وحاشية تفسير البيضاوي، وغيرها. وفي الحديث تعليقات الصحاح الستة وغيرها، وفي الفقه كثيراً من الرسائل المشتَّتة في المسائل المتفرقة، وفي فن العربية والتاريخ والأدب، وجملة ما ذكرها فيه: في التفسير خمسة وعشرون تأليفاً، وفي الحديث ومتعلَّقاته تسع وثمانون، وفي الفقه ومتعلَّقاته أربع وستون، وفي فن العربية ومتعلَّقاته اثنان وثلاثون، وفي الأصول والبيان والتصوُّف اثنان أو ثلاث وعشرون، وفي الأدب والتاريخ سبع وأربعون تصنيفاً. وقد طالعت كثيراً من هذه التصانيف وغيرها، وكلُّها مشتملة على فوائد لطيفة، وفرائد شريفة، وله تصانيف كثيرة لم يذكرها ههنا حتى إنه ذكر بنفسه في بعض رسائله أن مصنفاته بلغت خمسمائة. وتآليفه كلها تشهد بتبحُّره وسعة نظره، ودقة فكره، وأنه حقيق بأن يُعَدّ من مجدِّدي الملة المحمدية في بدء المائة العاشرة، وآخر التاسعة كما ادَّعاه بنفسه في "شرح سنن أبي داود" وغيره، وشهد بكونه حقيقاً به من جاء بعده كعليّ القاري المكي في "المرقاة شرح المشكاة" وغيره.
وقال عبد القادر العَيْدَروس (هو ابن عبد الله بن عبد الله أبو بكر اليمني الحضْرمَوْتي الهندي المتوفَّى بأحمد آباد سنة 1130 هـ) في "النور السافر في أخبار القرن العاشر"(ص 51 - 54. انظر ترجمته في: الضوء اللامع 4/65 - 70، شذرات الذهب 8/51 - 55، البدر الطالع 1/328 - 335، حسن المحاضرة 1/188 - 195) : في يوم الجمعة سنة إحدى عشرة أي بعد تسعمائة، وقت العصر تاسع الجمادى الأولى توفي الشيخ العلاّمة الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن عثمان السيوطي الشافعي، ودُفن بشرقي باب القرافة، مرض ثلاثة أيام، وجد بخطه أنه سمع ممن يوثق به أن والده كان يذكر أن جده الأعلى كان عجمياً، أو من المشرق، وأمه أم ولد تركية، وكان يلقَّب بابن الكتب، لأن أباه كان من أهل العلم، واحتاج إلى مطالعة كتاب فأمر امرأته أن تأتي به من بين كتبه، فذهبت لتأتي به، فأجاءها المخاض، وهي بين الكتب، فوضعته، ثم سمّاه والده بعبد الرحمن، ولقَّبه جلال الدين، وكنّاه شيخه قاضي القضاة عز الدين أحمد بن
إبراهيم الكناني، لما عرض عليه، وقال له: ما كنيتك؟ فقال: لا كنية لي، فقال: أبو الفضل، وتوفي والده ليلة الاثنين خامس صفر من سنة 865 هـ، وجعل الشيخ كمال الدين بن الهُمام وصيّاً عليه، فلحظه بنظره. وأحضره والده وعمره ثلاث سنين مجلس شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر وحضر هو وهو صغير مجلس المحدث زين الدين رضوان العقبي، ثم اشتغل بالعلم على عدة مشايخ، وحج سنة 869 هـ، ووصلت مصنفاته نحو ستمائة سوى ما رجع عنه وغسله، وَوُلِّيَ المشيخة في مواضع متعددة من القاهرة، ثم إنه زهد في جميع ذلك، وانقطع إلى الله بالروضة، وكانت له كرامات، وكان بينه وبين السخاوي منافرة كما يكون بين الأكابر. انتهى كلامه.
وقد ترجمه شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري تلميذ الحافظ ابن حجر في كتاب "الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع"(4/65 - 70) ، بترجمة طويلة مشتملة على حطّ مرتبته ونقص رتبته، ولن يُقبل كلامه وكذا كلام تلميذه أحمد القسطلاني، صاحب "المواهب اللدنَّية" و"إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" وغيرهما فيه، كما لا يُقبل كلامه على السخاوي في مقامته المسماة بـ"الكاوي على السخاوي" لما عُلم من المنافرة بينهم، ولا يُسمع كلام الأقران بعضهم في بعضهم.
ومن المعتنين به الزرقاني (انظر ترجمته في: هدية العارفين 2/311، سلك الدرر 4/32 - 33، فهرس الفهارس 1/342 - 343) المالكي، محمد بن عبد الباقي بن يوسف تلميذ أبي الضياء علي الشَّبْرَامَلِّسي، بشين معجمة فموحدة فراء مهملة، على وزن سَكْرى، مضافاً إلى مَلِّس، بفتح الميم وكسر اللام المشدَّدة والسين المهملة، نسبة إلى شبراملس، قرية بمصر، المتوفَّي سنة سبع وثمانين بعد الألف. وشَرْحه للموطأ شرح نفيس مشتمل على ما لا بُدَّ منه، ذكر في أوائله أنه ابتدأه سنة تسع بعد مائة وألف.
وقال في آخره (شرح الزرقاني على الموطأ: 4/436) : وقد أنعم الله الجواد الكريم الرؤوف الرحيم بتمام هذا
الشرح المبارك على الموطأ لجامعه العبد الفقير الحقير محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي، ووافق الفراغ من تسويده وقت أذان العصر يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة سنة ثنتي عشرة بعد مائة وألف
…
إلخ. وله شرح نفيس على "المواهب اللدنَّية"
وكانت وفاته على ما في كشف الظنون في السنة الثانية والعشرين بعد ألف ومائة.
- ومنهم: الشيخ سلام الله الحنفي، من أولاد الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي، له شرح على الموطأ برواية يحيى، سماه "المحلَّى بأسرار الموطَّا"(فرغ من تأليفه في سنة 1215 هـ، لم يُطبع بعد، ونصفه الأخير موجود في مكتبة المدرسة العلية مظاهر علوم في سهارنفور - الهند. توفي رحمه الله سنة 1229 هـ على الراجح، وقيل سنة 1223 هـ. مقدمة أوجز المسالك 1/51) ، وله شرح شمائل الترمذي، وغير ذلك.
- ومنهم: الشيخ ولي الله المحدث الحنفي الدهلوي (انظر ترجمته في الجزء اللطيف، وأنفاس العارفين، والإمام الدهلوي تأليف سماحة الشيخ الندوي. طبع دار القلم - الكويت - سنة 1985 م) ، قطب الدين أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين الشهيد بن معظم بن منصور بن أحمد، وتنتهي سلسلة نسبه إلى عمر الفاروق رضي الله عنه. وُلِدَ رحمه الله كما ذكر في بعض رسائله يوم الأربعاء رابع شوال من سنة أربع عشرة بعد ألف ومائة، وختم حفظ القرآن وسنُّه سبع سنين، واشتغل بتحصيل العلوم على حضرة والده، وكان من تلامذة السيد الزاهد الهروي ولأجله صنف السيد الزاهد حواشيه المشهورة على "شرح المواقف"، وفرغ من جميع الفنون الرسمية حين كان عمره خمس عشرة سنة، وتوفي والده حين كان عمره سبع عشرة سنة، فجلس مجلسه في التدريس والإفادة، وراح إلى الحرمين الشريفين سنة ثلاث وأربعين، وأخذ عن جمع من المشائخ، منهم: الشيخ أبو طاهر المدني، وعاد إلى الوطن سنة خمس وأربعين، وكانت وفاته سنة ست وسبعين بعد مائة وألف، وقيل أربع وسبعين، وله تصانيف كثيرة كلها تدل على أنه كان من أَجِلَّة النبلاء وكبار العلماء، موفّقاً من الحق سبحانه بالرشد والإنصاف، متجنِّباً التعصب والاعتسافِ، ماهراً في العلوم الدينية متبحِّراً في
المباحث الحديثية، منها: 1 - "إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء"، كتاب عديم النظير في بابه، 2 - و"حجة الله البالغة"، 3 - و"قرة العينين في تفضيل الشيخين"، 4 - و "الفوز الكبير في أصول التفسير"، 5 - و "عقد الجيد في أحكام التقليد"، 6 - و "الإنصاف في بيان سبب الاختلاف"، 7 - و "البدور البازغة" في الكلام، 8 - و "سرور المحزون"، 9 - و "فتح الرحمن ترجمة القرآن"، 10 - و "فتح الخبير"، 11 - و "فيوض الحرمين"، 12 - و "إنسان العين في مشائخ الحرمين"، 13 - و "الانتباه في سلاسل أولياء الله"، 14 - و "الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين"، 15 - و "النوادر من أحاديث سيد الأوائل والأواخر"، 16 - و "القول الجميل"، 17 - و "الهمعات"، 18 - و "التفهيمات الإلهية"، 19 - و "ألطاف القدس"، 20 - و "المقالة الوضيئة في النصيحة"، 21 - و "تأويل الأحاديث"، 22 - و "اللمعات"، 23 - و "السطعات"، 24 - و "المقدمة السنية في انتصار الفرقة السنّية"، 25 - و "أنفاس العارفين"، 26 - و "شفاء القلوب"، 27 - و "الخير الكثير"، 28 - و "الزهراوين".. وغير ذلك. وقد شرح الموطَّأ برواية يحيى شرحين: 29 - أحدهما باللسان الفارسية سمّاه "المصفى"، جرّد فيه الأحاديث والآثار، وحذف أقوال مالك وبعض بلاغاته، وتكلم فيه ككلام المجتهدين، 30 - وثانيهما بالعربية وسمّاه بـ "المسوى"، اكتفى فيه على ذكر اختلاف المذاهب، وعلى قدر من شرح الغريب وغيره مما لابدَّ منه، كذا قاله ابنُهُ الشيخ عبد العزيز الدهلوي، صاحب التصانيف الشهيرة والفتاوى المشهورة، كتفسير فتح العزيز والتحفة الاثنا عشرية في الرد على الشيعة وغير ذلك، المتوفَّى على ما قيل سنة تسع وثلاثين بعد الألف والمائتين.
وكانت ولادته في سنة تسع وخمسين بعد مائة وألف في كتابه "بستان المحدثين".
- ومنهم العلامة إبراهيم الشهير ببيرى زاده الحنفي، شرح الموطَّأ برواية محمد شرحاً حسناً، قال الفاضل محمد بن فضل الله المحبي الدمشقي في كتابه "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر"(خاصة الأثر 2/219 - 220، هدية العارفين 1/34، معجم المؤلفين 221) : الشيخ إبراهيم بن حسين بن أحمد بن
محمد بن أحمد بن بيرى، مفتي مكة، أحد أكابر الفقهاء الحنفية وعلمائهم المشهورين، ومن تبحَّر في العلم وتحرَّى في نقل الأحكام وحرَّر المسائل، وانفرد في الحرمين بعلم الفتوى، وجدَّد من مآثر العلم مادثَر، له الهمة العلية في الانهماك على مطالعة الكتب، سارت بذكره الرُّكبان بحيث إن علماء كل إقليم يشيرون إلى جلالته، أخذ عن عمِّه العلاّمة محمد بن بيرى، وعبد الرحمن المرشدي، وغيرهما، وأخذ الحديث عن ابن علان، وأجازه كثير من المشائخ، وله مؤلفات ورسائل تنيف على السبعين، منها حاشية على الأشباه والنظائر، سمّاه "عمدة ذوي البصائر"، وشرح الموطَّأ رواية محمد بن الحسن (في مقدمة أوجز المسالك (1/53) قلت: وقد رأيت هذا الشرح الوجيز في البلدة الطاهرة الطيبة، سمي بالفتح الرحماني، أكثر فيه الأخذ عن العلامة العيني، وقد أخذت منه في بعض المواضع، وهو موجود في المكتبة المحمودية بالبلدة الطاهرة بخط المؤلف) في مجلدين، وشرح تصحيح القدوري للشيخ قاسم، وشرح "المنسك الصغير" لملاّ علي القاري رحمه الله، ورسالة في جواز العمرة في أشهر الحج، وشرح منظومة ابن الشحنة في العقائد، والسيف المسلول في دفع الصدقة لآل الرسول، ورسالة في المنسك والزيارة، وأخرى في جمرة العقبة، وأخرى في الإشارة في التشهد، ورسالة في بيض الصيد إذا أدخل الحرم، ورسالة جليلة في عدم جواز التلفيق ردّ فيها على عصريِّة مكي بن فروخ وغير ذلك، وكانت ولادته في المدينة المنورة في نيِّف وعشرين وألف، وتوفي يوم الأحد سادس عشر شوال سنة تسع وتسعين وألف، ودُفن بمعلاة قرب السيدة خديجة وكان قلقاً من الموت، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له: يا إبراهيم مت، فإن لك بي أسوة حسنة، فقال: يارسول الله على شرط أن يُكتب لي ثواب الحج في كل سنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك ذلك. انتهى ملخَّصاً.
- ومنهم: صاحب العلم الباهر والفضل الظاهر الشيخ علي القاري الهروي ثم المكي (خلاصة الأثر 3/186، سمط النجوم 4/394، البضاعة المزجاة لمن يريد مطالعة المرقاة شرح المشكاة، وأفراده الأستاذ خليل إبراهيم قوتلاي بتأليف كتاب "الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث"، طبع في دار البشائر - بيروت - سنة 1987 م) ، له شرح على موطَّأ محمد في مجلدين مشتمل على نفائس لطيفة
وغرائب شريفة إلاّ أن فيه في تنقيد الرجال مسامحات كثيرة، كما ستطَّلع عليها إن شاء الله تعالى في مواضعها، وله تصانيف كثيرة، فمنها ما طالعته: 1 - "شرح المشكاة المسمَّى بالمرقاة"، 2 - و "شرح الشمائل المسمَّى بجمع الوسائل"، 3 - و "شرح الشفاء"، 4 - و"شرح شرح نخبة الفكر"، 5 - و "شرح الحصن الحصين" المسمّى بالحرز الثمين، 6 - و "شرح الشاطبية" في القراءة، 7 - و "سند الأنام شرح مسند الإِمام الأعظم الهمام"، 8 - و "شرح مختصر الوقاية" في الفقه، 9 - و "الأثمار الجنَّية في طبقات الحنفية"، 10 - و "رسالة في الاقتداء بالمخالف" مسمّاة بالاهتداء، 11 - و "رسالة في الرد على إمام الحرمين وصلاة القفال المسماة بتشييع الفقهاء الحنفية بتشنيع السفهاء الشافعية"، 12 - و "رسالة في نصب أول في حديث البخاري أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أول ما قدم المدينة نزل على أجداده"، 13 - ورسالة مسمّاة بـ "إعراب القاري على أول باب البخاري"، 14 - و "المشرب الوردي في مذهب المهدي"، 15 - و"المقالة العَذْبَة في العِمامَة والعَذَبَة"، 16 - و "الإِنباء بأن العصا من سنن الأنبياء"، 17 - و "رفع الجناح في أربعين حديثاً في النكاح"، 18 - ورسالة في البسملة أول براءة، 19 - ورسالة في حب الهرة من الإِيمان، 20 - ورسالة في الإِشارة في التشهد مسمّاة بـ "تزيين العبارة لتحسين الإِشارة"، 21 - وأخرى فيه مسمّاة بـ "التدهين للتزيين"، 22 - و "الحظ الأوفر في الحج الأكبر"، 23 - و "التجريد في إعراب كلمة التوحيد"، 24 - و "أربعون حديثاً في القرآن"، 25 - و "أربعون في جوامع الكَلِم"، 26 - و "فرائد القلائد البهية تخريج أحاديث شرح العقائد النسفية"، 27 - و "تذكرة الموضوعات"، 28 - ورسالة مختصرة في الموضوع مسسمّاة بالمصنوع، 29 - و "تبعيد العلماء عن تقريب الأمراء"، 30 - وشم العوارض في ذم الروافض، 31 - و "المورد الروي في المولد النبوي"، 32 - و "الدرر المضيئة في الزيارة المصطفية"، 33 - و "المقدمة السالمة في خوف الخاتمة"، 34 - و "فعل الخير إذا دخل مكة مَنْ حَجَّ عن الغير"، 35 - و"تحقيق الاحتساب في الانتساب"، 36 - و "النافعة للنُّساك في الاستياك"، 37 - والمعدن العدني في فضل أويس القرني"، 38 - و "الاعتناء بالفناء"،
39 -
و "كشف الخِدْر (في الأصل: "الحذر"، وهو تحريف) عن أمر الخضر"، 40 - و "فرّ العون من مدعي إيمان فرعون"، 41 - ورسالة في النية، 42 - ورسالة في وحدة الوجود، 43 - وأخرى في تكفير الحج الذنوب، 44 - وأخرى في ليلة البراءة وليلة القدر، 45 - و "شرح المنسك المتوسط لملاّ رحمة الله السندي المسمَّى بالمسلك المتقسِّط"، 46 - وشرح الفقه الأكبر، 47 - وله شرح ثلاثيات البخاري، 48 - وشرح المقدمة الجزرية، 49 - و "الناموس ملخص القاموس"، 50 - و "نزهة الخاطر في ترجمة الشيخ عبد القادر"، 51 - ورسالة في إبطال إرسال اليدين في الصلاة، وغير ذلك. وتصانيفه كلها جامعة مفيدة حاوية على فوائد لطيفة، ولولا ما في بعضها من رائحة التعصب المذهبي لكان أجود وأجود.
قال في "خلاصة الأثر"(3/186) مترجماً له: علي بن محمد سلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي نزيل مكة، وأحد صدور العلم، فرد عصره، الباهر السمت في التحقيق وتنقيح العبارات، وشهرته كافية عن الإِطراء في وصفه، ولد بهراة ورحل إلى مكة، وأخذ بها عن الأستاذ أبي الحسن البكري والسيِّد زكريا الحسيني، والشهاب أحمد بن حجر المكي الهيثمي، والشيخ أحمد المصري تلميذ القاضي زكريا، والشيخ عبد الله السندي، والعلامة قطب الدين المكي، وغيرهم، واشتهر ذكره، وطار صيته، وألَّف التآليف الكثيرة اللطيفة، وكانت وفاته بمكة في شوال سنة أربع عشرة وألف، ودفن بالمعلاة، ولما بلغ خبرُ وفاته علماءَ مصر صلَّوا عليه بجامع الأزهر صلاة الغيبة في مجمع حافل يجمع أربعة آلاف نسمة فأكثر. انتهى ملخَّصاً.
ترجَمة الشَّارح
ترجمة العبد الضعيف جامع هذه الأوراق، أُوردها ليكون مذكِّراً ومعرِّفاً عن أحوالي، لمن غاب عني أو يأتي بعدي، فيذكرني بدعاء حسن الخاتمة، وخير الدنيا والآخرة، وقد ذكرت نُبَذاً منها في مقدمة "الجامع الصغير" للإمام محمد في الفقه الحنفي المسمّاة "النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير" بعد ما ذكرتُ تراجم شُرّاحه، ليحشرني ربي معهم، ويجعلني معهم، ولست منهم، والبسط فيها مفوَّض إلى كتاب تراجم علماء الهند، الذي أنا مشتغل بجمعه وتأليفه، وفقني الله لختمه، ونذكر قدراً منها ههنا من غير اختصار مُخِلّ ولا تطويل مُمِلّ، رجاء أن يحشرني ربي في زمرة الشُرّاح السابقين، ويجعلني في الدنيا والآخرة في عداد المحدثين ويناديني معهم يوم يدعو كلَّ أناس بإمامهم، فأقول: أنا الراجي عفو ربه القوي، كنيتي أبو الحسنات، كناني به والدي بعد بلوغي، واسمي عبد الحي، سمّاني به والدي في اليوم السابع من ولادتي، وحين سمّاني به قال له بعض الظرفاء: حذفتم من اسمكم حرف النفي (يعني: حرف لم) ، فصار هذا فألاً حسناً، لأن يطول عمري، ويحسن عملي، أرجو من الله تعالى أن يصدق هذا الفأل، ويرزقني ببركة اسمه المضاف إليه حياة طويلة، مع حسن الأعمال، وعيشاً مرضياً يوم الزلزال. ووالدي مولانا محمد عبد الحليم صاحب التصانيف الشهيرة والفيوض الكثيرة، الذي كان بفتخر بوجوده أفاضلُ الهند والعرب والعجم، ويستند به أماثل العالم، الفائق على أقرانه وسابقيه في حسن التدريس والتأليف، البارع السابق على أهل عصره ومن سبقه في قبول التصنيف، المتوفّى في السنة الخامسة والثمانين بعد الألف والمائتين، من هجرة رسول الثقلين، ابن مولانا محمد أمين الله، ابن مولانا محمد أكبر، ابن المفتي أحمد أبي الرحم، ابن المفتي يعقوب، ابن مولانا عبد العزيز، ابن مولانا محمد
سعيد ابن ملاّ قطب الدين الشهيد السهالوي، وينتهي نسبه إلى سيدنا أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرته في رسالتي التي ألفتها في ترجمة الوالد المرحوم المسماة بحسرة العالم في وفاة مرجع العالم، وتراجم كثير من أجدادي وأعزّتي مبسوطة في رسالتي "إنباء الخلان أنباء علماء هندوستان" فلتُطْلَب منها.
وكانت ولادتي في بلدة باندا، حين كان والدي مدرِّساً بمدرسة النواب ذي الفقار الدولة المرحوم، في السادس والعشرين من ذي القعدة، يوم الثلاثاء، من السنة الرابعة والستين بعد الألف والمائتين.
واشتغلت بحفظ القرآن المجيد من حين كان عمري خمس سنين، وقرأت في أثنائه بعض كتب الإِنشاء والخط وغير ذلك، وفرغت من الحفظ حين كان عمري عشر سنين، وصلَّيْتُ إماماً في التراويح حسب العادة عند ذلك، وكان ذلك في جونفور، حين كان والدي المرحوم مدرِّساً بها في مدرسة الحاج إمام بخش المرحوم.
ثم شرعت على حضرة الوالد في تحصيل العلوم، ففرغت من تحصيلها منقولاً ومعقولاً حين كان عمري سبع عشرة سنة، ولم أقرأ شيئاً من كتب العلوم على غيره إلاِّ كتباً عديدة من العلوم الرياضية قرأتها على خال والدي وأستاذه مولانا محمد نعمت الله ابن مولانا نور الله المرحوم، المتوفى في بنارس في المحرم سنة تسعين.
وقد ألقى الله في قلبي محبة التدريس والتأليف من بدء التحصيل، فصنفت الدفاتر الكثيرة في الفنون العديدة، ففي علم الصرف: 1 - "امتحان الطلبة في الصيغ المشكلة"، 2 - ورسالة أخرى مسماة بجاركَل، 3 - و "التبيان في شرح الميزان"، وفي علم النحو: 4 - "خير الكلام في تصحيح كلام الملوك ملوك الكلام"، 5 - و "إزالة الجمد عن إعراب أكمل الحمد"، وفي المنطق والحكمة: 6 - تعليقاً قديماً على حواشي غلام يحيى المتعلقة بالحواشي الزاهدية المتعلقة بالرسالة القطبية مسمى بهداية الورى إلى لواء الهدى، 7 - وتعليقاً جديداً عليها مسمّى بمصباح الدجى في لواء الهدى، 8 - وتعليقاً أجدّ مسمّى بنور الهدى لحملة لواء الهدى، 9 - و "التعليق العجيب لحل حاشية الجلال الدَّوَّاني على التهذيب"، 10 - و "حل المغلق في بحث المجهول المطلق"، 11 - و "الكلام المتين في تحرير البراهين" أي براهين إبطال
اللاتناهي، 12 - و "ميسِّر العسير في بحث المثناة بالتكرير"، 13 - و "الإِفادة الخطيرة في بحث سبع عرض شعيرة"، 14 - وتكملة حاشية الوالد المرحوم على النفيسي شرح الموجز في الطب، وفي علم المناظرة: 15 - "الهدية المختارية شرح الرسالة العضدية"، وفي علم التاريخ: 16 - "حسرة العالم بوفاة مرجع العالم"، 17 - و "الفوائد البهية في تراجم الحنفية"، 18 - و"التعليقات السنية على الفوائد البهية"، 19 - ومقدمة الهداية، 20 - وذيله المسمى بمذيلة الدراية، 21 - ومقدمة الجامع الصغير المسماة بالنافع الكبير، وفي علم الفقه والحديث: 22 - هذه الحاشية المسماة بالتعليق الممجَّد، 23 - و "القول الأشرف في الفتح عن المصحف"، 24 - و "القول المنشور في هلال خير الشهور"، 25 - وتعليقه المسمى بالقول المنثور، 26 - و "زجر أرباب الريان عن شرب الدخان"، 27 - وجعلته جزءاً لرسالة أخرى مسماة بترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان، 28 - و"الإِنصاف في حكم الاعتكاف"، 29 - و "الإِفصاح عن حكم شهادة المرأة في الرضاع"، 30 - و "تحفة الطلبة في مسح الرقبة"، 31 - وتعليقه المسمى بتحفة الكملة، 32 - وسباحة الفكر في الجهر بالذكر، 33 - و"أحكام القنطرة في أحكام البسملة"، 34 - و "غاية المقال في ما يتعلق بالنعال"، 35 - وتعليقه ظفر الأنفال، 36 - و "السهسهة بنقض الوضوء بالقهقهة"، 37 - و"خير الخبر بأذان خير البشر"، 38 - و "رفع الشر عن كيفية إدخال الميت وتوجيهه إلى القبلة في القبر"، 39 - و "قوت المغتذين بفتح المقتدين"، 40 - و "إفادة الخير في الاستياك بسواك الغير"، 41 - و"التحقيق العجيب في التثويب"، 42 - و "الكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل"، 43 - و "تحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار"، 44 - وتعليقه المسمى بنخبة الأنظار، 45 - و "إقامة الحجة على أن الإِكثار في التعبُّد ليس ببدعة"، 46 - و "تحفة النبلاء فيما يتعلق بجماعة النساء"، 47 - و"الفلك الدوّار فيما يتعلق برؤية الهلال بالنهار"، 48 - و "زجر الناس على إنكار أثر ابن عباس"، 49 - و "الفلك المشحون في انتفاع المرتهن بالمرهون"، 50 - و "الأجوبة الفاضلة للأسئلة العَشَرة الكاملة"، 51 - و"إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإِمام"، 52 - و "تدوير الفلك في
حصول الجماعة بالجن والملك"، 53 - و "نزهة الفكر في سبحة الذكر الملقَّبة بهدية الأبرار في سبحة الأذكار"، 54 - وتعليقه المسمى بالنفحة بتحشية النزهة، 55 - و "آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس"، 56 - و "الكلام المبرم في نقض القول المحقق المحكم"، 57 - والكلام المبرور في رد القول المنصور"، 58 - و "السعي المشكور في رد المذهب المأثور"، هذه الرسائل الثلاثة ألّفتُها ردّاً على رسائل من حج ولم يزر قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وافترى على علماء العالم، 59 - و "هداية المعتدين في فتح المقتدين"، 60 - و "دافع الوسواس في أثر ابن عباس رضي الله عنهما"، 61 - و "الآيات البيّنات على وجود الأنبياء في الطبقات"، وهذه الرسائل الستة باللسان الهندية.
هذه تصانيفي المدوَّنة إلى هذا الآن، وأما تصانيفي التي لم تتم إلى الآن، وفَّقني الله لاختتامها كما وفقني لبَدْئها: 1 - "المعارف بما في حواشي شرح المواقف"، 2 - و "دافع الكلال عن طلاب تعليقات الكمال على الحواشي الزاهدية المتعلقة بشرح التهذيب للجلال"، 3 - و "تعليق الحمائل على حواشي الزاهد على شرح الهياكل"، 4 - وحاشية بديع الميزان، 5 - ورسالة في تفصيل اللغات، 6 - ورسالة مسماة بتبصرة البصائر في الأواخر، 7 - ورسالة في الأحاديث المشتهرة، 8 - ورسالة في تراجم فضلاء الهند، 9 - ورسالة في الزجر عن الغيبة، 10 - وشرح شرح الوقاية المسمى بالسعاية.
وأما تعليقات المتفرقة على الكتب الدرسية، فهي كثيرة، أسأل الله أن يجعل جميع تصنيفاتي وتحريراتي خالصة لوجهه الكريم، ينفع بها عباده، ويجعلها ذريعة لفوزي بالنعيم.
وقد أجازني بجميع كتب الحديث، ومنها هذا الكتاب وجميع كتب المعقول والمنقول والفروع والأصول، كثير من المشائخ العظام والفضلاء الأعلام، فمنهم والدي المرحوم أجازني بجميع ما أجازه شيخ الإسلام ببلد الله الحرام مولانا الشيخ جمال الحنفي، المتوفّى في سنة أربع وثمانين بعد الألف والمائتين، ومفتي الشافعية بمكة المعظمة مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان، والمدرِّس بالمسجد النبوي
مولانا الشيخ محمد بن محمد الغرب الشافعي، ونزيل المدينة الطيبة مولانا الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أبي سعيد المجددي المتوفَّى في سادس المحرم من السنة السادسة والتسعين، ومولانا الشيخ علي ملك باشلي الحريري المدني، ومولانا حسين أحمد المحدث المليح آبادي المتوفي السنة السادسة والسبعين في ومضان، من تلامذة الشيخ عبد العزيز الدهلوي، وغيرهم، عن شيوخهم، وأساتذتهم على ما هو مبسوط في قراطيس إجازاتهم ودفاتر أسانيدهم، وأجازني أيضاً بلا واسطة مولانا السيد أحمد دحلان، عن شيوخه في السنة التاسعة والسبعين حين تشرفت بزيارة الحرمين (في الأصل:"بالحرمين") الشريفين، مع الوالد المرحوم، ومولانا الشيخ علي الحريري المدني شيخ الدلائل أجازني بدلائل الخيرات في أوائل المحرم من سنة ثمانين، حين دخلت المدينة الطيبة، وأيضاً مولانا الشيخ عبد الغني المرحوم تشرفت بملاقاته مرة ثانية في أوائل المحرم من السنة الثالثة والتسعين، ولم يتيسَّر لي طلب الإِجازة منه فلما وصلت إلى الوطن كتبت إليه رقعة بطلب الإِجازة، فكتب إليَّ إجازة بما أجازه به الشيخ مولانا محمد إسحق، والشيخ مخصوص الله ابن مولانا رفيع الدين، ومحدث المدينة مولانا الشيخ عابد السندي مؤلف "حصر (في الأصل:"الحصر الشارد"، وهو خطأ) الشارد" والشيخ إسماعيل أفندي، ووالده مولانا الشيخ أبو سعيد المجددي، وأيضاً أجازني مفتي الحنابلة بمكة المعظمة مولانا محمد بن عبد الله بن حميد المتوفى السنة الخامسة والتسعين، تشرفت بملاقاتة بمكة في ذي القعدة من السنة الثانية والتسعين، وبعث إليَّ ورقة إجازة في السنة الثالثة والتسعين بما أجازه السيد الشريف محمد بن علي السنوسي الحسني عن شيوخه، على ما هو مثبت في كتابه "البدور الشارقة في أثبات ساداتنا المغاربة والمشارقة"، والسيد محمد الأهدل، والسيد محمود أفندي الآلوسي، مفتي بغداد مؤلِّف التفسير المشهور بروح البيان، وغيرهم، وتفصيل أسانيد مشائخي وشيوخ مشائخي، موكول إلى رسالتي "إنباء الخلان بأنباء علماء هندوستان"، وفقني الله لإتمامه.