المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمات الطبع والتحقيق]

- ‌تقدِيم بقَلم سَمَاحَةِ الشَّيخ أبي الحَسَن عَلي الحَسَني النَّدوي

- ‌تَقدمة بقلم الأستاذ عَبد الفتاح أبو غُدّة

- ‌حفظ الله تعالى للسنة:

- ‌نصيب المدينة من السنة أوفى نصيب وسَبْقُها في تدوين السنة:

- ‌تأليف مالك الموطأ:

- ‌تأريخ تأليف الموطأ:

- ‌الموطأ أوَّلُ ما صُنِّف في الصحيح:

- ‌مكانة "الموطأ" وصعوبة الجمع بين الفقه والحديث:

- ‌كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه:

- ‌الإمامة في علم تجتمع معها العامية في علم آخر:

- ‌يُسر الرواية وصعوبة الفقه والاجتهاد:

- ‌مزايا "الموطأ

- ‌كلمةٌ عن روايات الموطأ عن مالك:

- ‌كلمات في ترجمة محمد بن الحسن راوي الموطأ وكلمات في العمل بالرأي الذي يُغمَزُ به:

- ‌كلماتٌ في العمل بالرأي الذي يُغمزُ به محمد بن الحسن والحنفيةُ وغيرهم:

- ‌ظلم جملة من المحدثين لأبي يوسف ومحمد الفقيهين المحدثين:

- ‌كلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي:

- ‌تحجُّر الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث:

- ‌الردُّ على من قدح في أبي حنيفة بدعوى تقديمه القياس على السنة:

- ‌كلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي:

- ‌أهميةُ طبع كتاب التعليق الممجد:

- ‌مقدمة المحقِّق [د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة]

- ‌تَرجمَة "العَلاّمة فَخر الهِند عبد الحَي اللَّكنَوي" (من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواطر"، للشيخ السيد عبد الحيّ الحَسَني (م 1341 هـ) : 8/234)

- ‌مقَدِّمَة الشَّارح

- ‌مقَدمة: فيهَا فوائد مُهمَّة

- ‌[الفائدة] الأولى: في كيفية شيوع كتابة الأحاديث وبَدْء تدوين التصانيف، وذكر اختلافها مَقصِداً، وتنوّعها مسلكاً، وبيان أقسامها وأطوارها

- ‌الفائدة الثانية: في ترجمة الإمام مالك

- ‌الفائدة الثالثة: في ذكر فضائل الموطّأ وسبب تسميته به وما اشتمل عليه

- ‌الفائدة الرابعة: قد يُتَوَهَّم التعارض بين ما مرَّ نقله عن الشافعي

- ‌الفائدة الخامسة: من فضائل الموطّأ اشتماله كثيراً على الأسانيد التى حكم المحدثون عليها بالأصحية

- ‌الفائدة السادسة: قال السيوطي: في "تنوير الحوالك

- ‌الفائدة السابعة: [نسخ الموطأ]

- ‌الفائدة الثامنة: [عدد أحاديثه]

- ‌الفائدة التاسعة: في ذكر من علق على موطّأ الإمام مالك

- ‌الفائدة العاشرة: في نشر مآثر الإِمام محمد وشيخيه أبي يوسف وأبي حنيفة:

- ‌الفائدة الحادية عشرة: [أهمية رواية محمد، وترجيحها على رواية يحيى المشهورة]

- ‌الفائدة الثانية عشرة: في تعداد الأحاديث والآثار التي في موطأ الإمام محمد [بالتفصيل] :

- ‌خاتمة:

- ‌أبواب الصلاة

- ‌2 - (بَابُ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ)

- ‌5 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مسِّ الذَّكر)

- ‌8 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعاف)

- ‌10 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ)

- ‌12 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ)

- ‌15 - (بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ)

- ‌17 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يَوْمِ الجُمُعة)

- ‌18 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يومَ الْعِيدَيْنِ)

- ‌24 - (بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌25 - (باب المرأة ترى الصُّفرة والكُدْرة

- ‌26 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِل بعضَ أعضاءِ الرَّجُلِ وَهِيَ حَائِضٌ)

- ‌27 - (باب الرجل يغتسلُ أو يتوضأ بِسُؤْرِ الْمَرْأَةِ

- ‌28 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الهِرّة)

- ‌29 - (باب الأَذَانِ وَالتَّثْوِيبِ

- ‌30 - (بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ)

- ‌34 - (باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌39 - (باب السهو في الصلاة)

- ‌42 - (بَابُ السُّنَّةِ فِي السُّجُودِ)

- ‌43 - (بَابُ الْجُلُوسِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌44 - (بَابُ صَلاةِ الْقَاعِدِ)

- ‌45 - (بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)

- ‌46 - (بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ)

- ‌7 - (بابُ الحدَثِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌8 - (بَابُ فَضْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يُستحبُّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل

- ‌50 - (باب الرجلان يصلِّيانِ جَمَاعَةً)

- ‌52 - (بَابُ الصلاةِ عِنْدَ طلوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا)

- ‌53 - (بابُ الصلاةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)

- ‌54 - (بَابُ الرَّجُل يَنْسَى الصلاةَ أَوْ تفوتُهُ عَنْ وَقْتِهَا)

- ‌56 - (بَابُ قَصْرِ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌57 - (بَابُ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ المِصْرَ أَوْ غيرَه مَتَى يُتِمّ الصلاةَ)

- ‌58 - (باب الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌59 - (بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ)

- ‌60 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الدَّابَةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌61 - (بَابُ الرَّجُلِ يصلِّي فَيَذْكُرُ أنَّ عَلَيْهِ صَلاةً فَائِتَةً)

- ‌64 - (بَابُ فَضْلِ الْعَصْرِ وَالصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ)

- ‌65 - (بَابُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ وَالدِّهَانِ

- ‌66 - (بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الصَّمْتِ

- ‌67 - (بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ وَأَمْرِ الْخُطْبَةِ)

- ‌68 - (بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ العيد أبو بَعْدَهُ)

- ‌69 - (بَابُ القراءةِ فِي صَلاةِ الْعِيدَيْنِ)

- ‌70 - (بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ

- ‌72 - (بابُ القنوتِ فِي الْفَجْرِ)

- ‌73 - (بَابُ فضلِ صلاةِ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَمْرِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)

- ‌74 - (بَابُ طولِ القراءةِ فِي الصَّلاةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ التَّخْفِيفِ)

- ‌75 - (بابُ صلاةِ المغربِ وترُ صلاةِ النَّهار)

الفصل: ‌39 - (باب السهو في الصلاة)

فَقَالَ (1) : يُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ، وَلا يُؤَمِّنُ الإمام (2) .

‌39 - (باب السهو في الصلاة)

137 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بن

الحَلبة" (في الأصل: "الحلية"، وهو تحريف) حيث قال: السرّ هو السنة، وبه قالت المالكية، وفي قول عندهم يجهر في الجهرية، وعند الشافعي إن كانت جهرية جهر به الإمام بلا خلاف، والمنفرد على المعروف، والمأموم في أحد قوليه، ونصّ النووي على أنه الأظهر، وقد ورد في السنَّة ما يشهد لكل من المذهبين، ورجح مشايخنا ما للمذهب بما لا يعرى عن شيء لمتأمِّله. فلا جرم أنْ قال شيخنا ابن الهمام (فتح القدير 1/257) : ولو كان إليّ في هذا شيء لوفَّقت بأن رواية الخفض يراد بها عدم القرع العنيف ورواية الجهر بمعنى قولها: في زبر الصوت وذيلها. انتهى.

(1)

قوله: فقال، وجَّهوا قوله بحديث:"إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين"، فإنه يدل على القسمة وهو تنافي الشركة، ولا يخفى ما فيه، والأحاديث الصريحة في قول الإمام آمين واردة عليه، فلهذا لم يأخذ المشايخ بهذه الرواية.

(2)

قوله: ولا يؤمِّن الإمام، قد يقال: يخالفه قوله في كتاب "الآثار": فإنه أخرج فيه عن أبي حنيفة، عن حمّاد، عن إبراهيم النخعي قال: أربع يخافت بهن الإمام: سبحانك اللَّهم، والتعوُّذ، وبسم الله، وأمين، ثم قال: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة. فهذا يدل على أن أبا حنيفة أيضاً قائل بقول الإمام آمين سرّاً، أو يجاب عنه بوجهين: أحدهما: أن الرواية عنه مختلفة، فذكر إحداهما ههنا، وذكر الأخرى هناك. وثانيهما: إن أبا حنيفة فرَّع الجواب في المسألة على قولهما كما فرَّع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها، وإن كان خلاف مختاره.

ص: 447

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) : إن أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبسَ (2) عَلَيْهِ حَتَّى لا يَدري كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ (3) أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَسْجُدْ (4) سَجْدَتَيْنِ (5) وَهُوَ جَالِسٌ.

138 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ (6) بْنُ الحُصَين (7) ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ (8) مَوْلَى (9) ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ،

(1) هذا حديث متفق عليه، ورواه الأربعة، كذا في "مرقاة المفاتيح".

(2)

بفتح الباء الموحدة الخفيفة، أي: خلط.

(3)

قوله: فإذا وجد، قال أبو عمر (في الأصل:"أبو عمرو"، وهو تحريف) : هذا الحديث محمول عند مالك وابن وهب وجماعة على الذي يكثر عليها السهو، ويغلب على ظنه أتم، لكن يوسوس الشيطان له، وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل، فيبنيه على يقينه.

(4)

ترغيماً للشيطان.

(5)

بعد السلام، كما في حديث عبد الله بن جعفر مرفوعاً: من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلِّم، رواه أحمد وأبو داود.

(6)

وثَّقه ابن معين، مات سنة 135، كذا في "الإسعاف".

(7)

بمهملتين مصغراً.

(8)

قوله: أبي سفيان، اسمه وهب، قاله الدارقطني، وقال غيره: اسمه قُزْمان، بضم القاف، قال ابن سعد: ثقة، قليل الحديث، روى له الستة، كذا في "شرح الزرقاني" و"التقريب".

(9)

هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش القرشي الأسدي، ذكره جماعة في ثقات التابعين، كذا قال الزرقاني.

ص: 448

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى (1) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الْعَصْرِ (2) ، فسلَّم (3) في ركعتين، فقام ذو اليدين (4)

(1) قوله: صلّى، قال أبو عمر في (الأصل أبو عمرو) بن عبد البر: كذا رواه يحيى ولم يقل "لنا"، وقال ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وقتيبة، عن مالك قالوا: صلّى لنا.

(2)

قوله: صلاة العصر، ورد في طريق البخاري الظهر أو العصر على الشك، وفي (أبواب الإمامة) ، عن أبي الوليد، عن شعبة: الظهر، بغير شك، وكذا لمسلم من طريق أبي سلمة، وله من طريق آخرى، عن أبي هريرة: العصر وفي (باب تشبيك الأصابع في المسجد) من صحيح البخاري، من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة بلفظ: إحدى صلاتي العشيّ، قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا. قال الحافظ ابن حجر: الظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة، وأبعَدَ من قال يُحمل على أن القصة وقعت مرتنين، بل روى النسائي من طريق ابن عون، عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة، فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيراً على الشك، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر، فجزم بها، وتارة العصر فجزم بها، ولم يختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر، فإن قلنا: إنهما قصة واحدة، فيترجَّح رواية من روى العصر في حديث أبي هريرة. انتهى. كذا في "ضياء الساري شرح صحيح البخاري".

(3)

سهواً.

(4)

قوله: ذو اليدين، قال ابن حجر: ذهب الأكثر إلى أن اسمه الخِرْباق، بكسر المعجمة وسكون الراء، بعدها موحَّدة، آخره قاف، اعتماداً على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم، ولفظه: فقام إليه رجل، يقال له الخرباق، وكان في يديه طول، وهذا صنيع من يوحِّد حديث أبي هريرة بحديث عمران، وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدّد، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياق، ففي حديث أبي هريرة أن السلام كان من

ص: 449

فَقَالَ (1) : أَقَصُرَتِ (2) الصَّلاةُ (3) يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ (4) لَمْ يَكُنْ، فَقَالَ: يا رسول الله قد كان بعض

اثنتين، وفي حديث عمران أنه كان من ثلاث (قال الحافظ في "فتح الباري": 3/78: والظاهر أن الاختلاف من الرواة، وأبعد من قال يُحمل على أن القصة وقعت مرتين

إلخ. وقال العيني في "عمدة القاري" 3/644: قلت: الحمل على التعدّد أولى من نسبة الرواة إلى الشك) .

(1)

قوله: فقال، أي: ذو اليدين: وهو غير ذي الشمالين المقتول في بدر، بدليل ما في حديث أبي هريرة ومن ذكرها معه من حضورهم تلك الصلاة ممن كان إسلامه بعد بدر، وقول أبي هريرة في حديث ذي اليدين: صلّى لنا رسول الله وصلّى بنا، وبينما نحن جلوس مع رسول الله، محفوظ من نقل الحفاظ، وأما قول ابن شهاب الزهري في هذا الحديث: إنه ذو الشمالين، فلم يُتابَع عليه، وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر، وغلط فيه (قلت: لم ينفرد به الزهري بل تابعه على ذلك عمران بن أنس، عند النسائي والطحاوي. انظر: نصب الراية 1/182، وبذل المجهود 5/360) والغلط لا يسلم منه أحد، كذا في "الاستذكار".

(2)

قوله: أقصرت، بفتح القاف وضم الصاد المهملة، أي: صارت قصيرة، وبضم القاف وكسر الصاد أي: أن الله قصَّرها، والثاني أشهر، وأصح، وفيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم، وإنما استفهموا لأن الزمان زمان نسخ، قاله الحافظ.

(3)

بالرفع على الفاعلية أو النيابة.

(4)

قوله: كل ذلك لم يكن، قال النووي: فيه تأويلان، أحدهما: أن معناه لم يكن المجموع، والثاني: وهو الصواب أن معناه: لم يكن ذاك، ولا ذا في

ص: 450

ذَلِكَ (1) ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ (2)، فَقَالَ: أَصَدَقَ (3) ذُوُ الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا (4) : نَعَمْ. فأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا (5) بَقِيَ عَلَيْهِ (6) مِنَ الصلاةَ ثُمَّ سلَّم، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ بعد التسليم.

ظني، بل ظني أني أكملت أربعاً، ويدل على صحة هذا التأويل أنه ورد في بعض روايات البخاري أنه قال: لم تُقْصر، ولم أَنسَ.

(1)

وأجابه في رواية أخرى بقوله: بلى، قد نسيت.

(2)

الذين صلّوا معه.

(3)

في رواية لأبي داود بإسناد صحيح: أن الجماعة أومؤوا، أي: نعم.

(4)

قوله: فقالوا: نعم، احتجَّ مالك وأحمد بقولهم: نعم، على جواز الكلام لمصلحة الصلاة، وليس كما قالا لما مرَّ أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما صرَّحت به الأحاديث الصحيحة أنه يجب إجابته في الصلاة بالقول والفعل، ولا تبطل به الصلاة، وحينئذٍ لا حاجة إلى ماروي، عن ابن سيرين أنهم لم يقولوا: نعم، بل: أومؤوا بالإشارة، كذا في "مرقاة المفاتيح".

(5)

وهو الركعتان.

(6)

قوله: ما بقي عليه، اختلفوا في الكلام في الصلاة بعد ما أجمعوا على أن الكلام عامداً إذا كان المصلي يعلم أنه في صلاة، ولم يكن ذلك لإصلاح صلاته مفسدٌ إلَاّ الأوزاعي فإنه قال: من تكلم في صلاته لإحياء نفس ونحو ذلك من الأمور الجسام لم يفسدها (في الأصل: "لم يفسد"، والظاهر: "لم يفسدها") . وهو قول ضعيف يردّه السنن والأصول؟ فالمشهور من مذهب مالك وأصحابه: إذا تكلم على ظنِّ أنه أتمَّ الصلاة لم يفسد عامداً كان الكلام أو ساهياً، وكذا إذا تعمَّد الكلام إذا كان في صلاحها وبيانها، وهو قول ربيعة وإسماعيل بن إسحاق. وقال الشافعي وأصحابه وبعض أصحاب مالك: إن المصلّي إذا تكلم ساهياً أو تكلم وهو يظن أنه أكمل صلاته لا يفسد وإن تعمَّد عالماً بأنه

ص: 451

139 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عن عطاء بن يسار أن (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم،

لم يتمَّها يفسد وإن كان لإصلاحها. وذهب الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري وغيرهم: إلى أن الكلام في الصلاة مفسد على كل حال، سهواً كان أو عمداً، لصلاح الصلاة أو لا، على ظن الإتمام أو لا، كذا ذكره ابن عبد البر. أما حجة المالكية والشافعية، فحديث ذي اليدين. وأما الحنفية، فاحتجّوا بقوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (سورة البقرة: رقم الآية 238)، أي: ساكتين، فإنه نزل نسخاً لما كانوا يتكلَّمون في الصلاة، كما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والطحاوي وغيرهم من حديث زيد بن أرقم. وطرقه مبسوطة في "الدر المنثور" للسيوطي، وأجابوا عن حديث ذي اليدين، بوجوه: منها، أنه كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وفيه مطالبة ما يدل على الاختصاص. ومنها، أنه كان حين كان الكلام مباحاً، وفيه أن تحريم الكلام كان بمكة على المشهور، وهذه القصة قد رواها أبو هريرة، وهو أسلم سنة سبع، وقال بعضهم: إن أبا هريرة لم يحضرها، وإنما رواها مرسلاً، بدليل أن ذا الشمالين قتل يوم بدر، وهو صاحب القصة، وردوه بأن رواية مسلم وغيره صريحة في حضور أبي هريرة تلك القصة والمقتول ببدر هو ذو الشمالين وصاحب القصة هو ذو اليدين وهو غيره (قلت: مدار البحث والاستدلال في هذه المسألة موقوف على أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد، وأنه استشهد ببدر، ولم يدركه أبو هريرة لأن إسلامه كان سنة سبع من الهجرة. وقد استوفى أدلة الفريقين الشيخ ظهير النيموي في "آثار السنن"(1/144) ، فارجع إليه) ، كما بسطه ابن عبد البر، وفي المقام كلام طويل لا يتحمّله المقام.

(1)

قوله: أنَّ، قال ابن عبد البر: هكذا روي الحديث عن مالك مرسلاً، ولا أعلم أحداً أسنده عن مالك إلَاّ الوليد بن مسلم، فإنه وصله، عن أبي سعيد الخدري.

ص: 452

قَالَ: إِذَا شكَّ (1) أحدُكم فِي صلاتِه، فَلا يَدْري كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فلْيَقُم (2) ، فليصلِّ (3) رَكْعة، ولْيَسْجُدْ (4) سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صلَّى خَامِسَةً شَفَعها (5)(6)

قلت: وصله مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد، كذا في "تنوير الحوالك".

(1)

أي: تردَّدَ من غير رجحان، فإنه مع الظن يبني عليه عندنا خلافاً للشافعي، كذا في "مرقاة المفاتيح".

(2)

وفي رواية مسلم: "فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن".

(3)

قوله فليصلِّ، قال ابن عبد البر: في الحديث دلالة قوية لقول مالك والشافعي والثوري وغيرهم أنَّ الشاكَّ يبني على اليقين، ولا يجزيه التحرِّي، قال أبو حنيفة: إن كان ذلك في أول مرة استقبل، وإن كان غير مرة تحرّى، وليس في الأحاديث فرق (وللإمام أحمد في ذلك ثلاث روايات: إحداها" البناء على اليقين. والثانية: البناء على التحرّي مطلقاً، والثالثة: البناءعلى اليقين للمنفرد والتحرّي للإمام وهو ظاهر مذهبه. وقالت الحنفية: إذا شكَّ أحد وهو مبتدئ بالشك لا مبتلىّ به استأنف الصلاة، وإن كان يعرض له الشك كثيراً بنى على أكبر رأيه، وإن لم يكن رأي بنى على اليقين. "عمدة القاري" 3/749، و"أوجز المسالك" 2/176) ، كذا قال الزرقاني.

(4)

قوله: وليسجد، قال القاضي عياض: القياس أن لا يسجد إذ الأصل أنه لم يزد شيئاً، لكن صلاته لا تخلو عن أحد خللين، إما الزيادة، وإما إداء الرابعة على التردد، فيسجد جبراً للخلل ولما كان من تسويل الشيطان وتلبيسه سمى جبره ترغيماً له، كذا في "مرقاة المفاتيح".

(5)

أي: ردَّها إلى الشفع.

(6)

قوله: شفعها، لأنها تصير ستّاً بهما، حيث أتى معظم أركان الصلاة. وقول ابن ملك ههنا:(وبه قال مالك، وعند أبي حنيفة: يصلّي ركعة سادسة) سهو

ص: 453

بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ ترغيمٌ (1) لِلشَّيْطَانِ.

140 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَج، عَنِ ابْنِ بُحَينَة (2) أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ (3) وَلَمْ يَجْلِس، فَقَامَ الناسُ فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَنَظَرْنَا (4) تَسْلِيمَهُ كَبَّر وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ (5) ثم سلَّم.

ظاهر لأنّ الكلام ههنا في المقدر، والخلاف إنما هو في المحقق كذا في "مرقاة المفاتيح"(3/23) .

(1)

أي: إغاظة له وإذلال.

(2)

قوله: عن ابن بُحَيْنة، بضم الباء بعده حاء مهملة مفتوحة ثم ياء ساكنة مصغّراً: هي اسم أمّه اشتهر به، وهو عبد الله بن مالك بن القشب الأزدي، من أجلَّة الصحابة، مات بعد سنة 50 هـ، كذا في "التقريب" وغيره.

(3)

زاد الضحاك بن عثمان، عن الأعرج:(فسّبحوا به فمضى) . أخرجه ابن خزيمة.

(4)

أي: انتظرنا.

(5)

قوله: قبل التسليم، فيه دليل على أن وقت السجود قبل السلام وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة والثوري: موضعُه بعد السلام. وتمسَّكَا بحديث ابن مسعود وأبي هريرة (وقال مالك وهو قول قديم للشافعي: إن كان السجود لنقصان قُدِّم، وإن كان لزيادة أُخِّر: "مرقاة المصابيح" 3/22) ، كذا في "الكاشف عن حقائق السنن"، حاشية المشكاة للطِّيبي.

ص: 454

141 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَفِيفُ بْنُ عَمْرِو (1) بْنِ الْمُسَيِّبِ السَّهْمِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار قَالَ: سَأَلْتُ عبدَ اللَّهِ (2) بنَ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وَكَعْبًا (3) عَنِ الَّذِي يَشُكُّ كَمْ صَلَّى ثلاثاُ أَوْ أَرْبَعًا، قَالَ: فَكِلاهُمَا قَالا: فليقُمْ وَلْيُصَلِّ (4) رَكْعةً أُخْرَى قَائِمًا ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ إِذَا صَلَّى.

142 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ النِّسْيَانِ، قَالَ: يَتَوَخَّى (5) أَحَدُكُمُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ من

(1) قوله: عَمرو، بفتح العين. قرأت بخط الذهبي: لا يُدرى من هو؟ أي: عفيف بن عمرو. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال النسائي: ثقة، كذا في "تهذيب التهذيب" لابن حجر.

(2)

قوله: عبد الله، هو أبو عبد الرحمن أو أبو محمد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام السهمي، لم يكن بينه وبين أبيه في السن إلَاّ إحدى عشر سنة، وأسلم قبل أبيه، وكان مجتهداً في العبادة، غزيرَ العلم، من أجلَّة الصحابة، مات سنة 63 هـ أو سنة 65 هـ أو سنة 68 هـ أو سنة 73 هـ أو سنة 77 هـ بمكة أو بالطائف أو بمصر أو بفلسطين: أقوال، كذا في "تهذيب التهذيب" وغيره.

(3)

هو من كبار التابعين، هو كعب بن قانع، أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار من مُسْلمة أهل الكتاب، مات سنة 32 هـ، كذا في "الإسعاف".

(4)

بانياً على ما تيقَّن.

(5)

يُقال: توخَّيْت الشيء أتوخأ إذا قصدت إليه، وتعمَّدت فعلَه، وتحرَّيْتُ فيه، كذا في "النهاية".

قوله: يتوخّى، هذا ظاهر في أنه يبني على اليقين، كذا قال ابن عبد البر وغيره، وفيه تأمُّل، بل هو ظاهر في التحرِّي والبناء عليه، وعليه حمله الطحاوي بعدما أخرجه من طرق.

ص: 455

صَلاتِهِ (1) .

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، إِذَا نَاءَ (2) لِلْقِيَامِ وتغيَّرتْ حالُه عَنِ الْقُعُودِ وَجَبَ (3) عَلَيْهِ لِذَلِكَ سَجْدَتَا السَّهْوِ. وكلُّ سهوٍ وجبتْ فِيهِ سَجْدَتَانِ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانِ فَسَجْدَتَا السَّهْوِ فيه بعد التسليم (4) . ومن

(1) في بعض النسخ: في الآخر، ثم يسجد سجدتين.

(2)

أي: بَعُد.

(3)

قوله: وجب عليه، فإن سبَّح به المؤتم أو تذكرَّ وهو قريب من القعود عاد، وإلا لا، لما روى أبو داود من حديث المُغيرة بن شعبة مرفوعاً: إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذَكر قبل أن يستوي قائماً، فليجلس وإن استوى قائماً، فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو. وأخرج ابن عبد البر في "التمهيد": أن المغيرة قام من ثنتين واعتدل فسبحوا به فلم يرجع وقال لهم كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن سعد بن أبي وقاص مثله.

(4)

قوله: بعد التسليم، قد ورد في هذا الباب ما يدل على السجود بعد التسليم وأحاديث تدل على السجود قبل التسليم.

فمن الأولى ما أخرجه أبو داود والطبراني وأحمد، عن ثوبان مرفوعاً:"لكل سهو سجدتان بعد السلام". وثبت السجود بعد السلام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، ومن حديث المغيرة أخرجه أبو داود والترمذي، ومن حديث أنس أخرجه الطبراني في "الصغير"، ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن سعد في "الطبقات".

وورد السجود قبل التسليم في حديث أبي هريرة. أخرجه أحمد وأبو داود، ومن حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه الترمذي وابن ماجه، ومن حديث ابن بُحَيْنة أخرجه مالك والبخاري وغيرهما، ومن حديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم، ومن حديث معاوية أخرجه الحازمي.

ومن ثَم اختلف العلماء في ذلك على ما بسطه الحازمي في كتاب "الاعتبار":

ص: 456

أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ الشكَّ (1) فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يدرِ (2) أَثَلاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَإِنْ كَانَ ذلك أولَ (3) ما لقي تكلَّمَ (4)

فمنهم من رأى السجود كله بعد السلام، وهو المروي، عن علي وسعد وابن مسعود وعمار بن ياسر وابن عباس وابن الزبير والحسن وإبراهيم وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح بن حَيّ وأبي حنيفة (في الأصل:"أبو حنيفة"، وهو خطأ والصواب أبي حنيفة) وأصحابه، ومنهم من قال: كلّه قبل التسليم، وبه قال أبو هريرة ومعاوية ومكحول والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة والأوزاعي والليث والشافعي وأصحابه. وقال مالك ونفر من أهل الحجاز: إن كان السهو بالزيادة فالسجود بعد السلام أخذاً من حديث ذي اليدين، وإن كان بالنقصان فقبلَه أخذاً من حديث ابن بُحَيْنة. وطريق الإنصاف أن الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده ثابتة قولاً وفعلاً، وتقدّم بعضها على بعض غير معلوم. فالكلّ جائز، وبه صرّح أصحابنا أنه لو سجد قبل السلام لا بأس به.

(1)

قوله: الشك في صلاته، ليس المراد به التردد مع التساوي بل مطلق التردد، وقال السيد أحمد الحَمَوي في "حواشي الأشباه والنظائر": اعلم أنّ مراد الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والطلاق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه، سواء كان الطرفان سواء أو أحدهما راجحاً فهذا معناه في اصطلاح الفقهاء. أما أصحاب الأصول، فإنهم فرّقوا بين ذلك فقالوا: التردد إن كان على السواء فهو الشك، فإن كان أحدهما راجحاً، فالراجح ظن والمرجوح وهم. انتهى كلامه نقلاً عن "فتح القدير".

(2)

(في نسخة) ليس المراد به نفي الدراية مطلقاً، بل مراده نفي اليقين، ويجوز أن يراد نفي دراية أحدهما بخصوصه فقط.

(3)

أي: كان الشك عرض له أول مرة وليس بعادة له.

(4)

قوله: تكلم واستقبل صلاته، لما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر، أنه قال في الذي لا يدري صلى ثلاثاً أم أربعاً قال: يعيد حتى يحفظه.

ص: 457

وَاسْتَقْبَلَ (1) صَلاتَهُ، وَإِنْ كَانَ يُبتلى بِذَلِكَ (2) كَثِيرًا مَضَى عَلَى أَكْثَرِ ظَنِّهِ (3) ورَأيِهِ (4) وَلَمْ يَمْضِ (5)

وفي لفظ: أما أنا إذا لم أدر كم صلّيتُ، فإني أعيد، وأخرج نحوه عن سعيد بن جبير وابن الحنفية وشريح. وأخرج محمد في كتاب "الآثار" نحوه، عن إبراهيم النَّخَعي.

(1)

أي استأنف صلاته وترك ما صلّى.

(2)

أي: بالشك.

(3)

قوله: مضى على أكثر ظنه، فإن لم يكن له ظن بنى على اليقين لحديث ابن مسعود مرفوعاً:"إذا شكَّ أحدكم فليتحرَّ الصواب فليتم عليه". أخرجه البخاري ومسلم، وأخرج محمد في "الآثار"، عن ابن مسعود موقوفاً: إذا شك أحدكم في صلاة ولا يدري أثلاثاَ صلى أم أربعاً، فليتحرّ فلينظر أفضل ظنه، فإن كان أكبرُ ظنه أنها ثلاث قام فأضاف إليها الرابعة، ثم يتشهد، ثم يسلم، ويسجد سجدتي السهو، وإن كان أكبر رأيه أنه صلّى أربعاً تشهد وسلم وسجد سجدتي السهو. وأخرج الطحاوي، عن عمرو بن دينار قال: سئل ابن عمر وأبو سعيد الخدري، عن رجل سها فلم يدرِ كم صلّى، قالا: يتحرى أصوب ذلك فيتمَّه ثم يسجد سجدتين.

(4)

ورأيه عطف تفسيري على الظن أو أكثر الظن، فإن الرأي يُطلق على المظنون وعلى ما يحصل بغلبة الظن، قال الحَمَوي في "حواشي الأشباه": اليقين هو طمأنينة القلب على حقيقة الشيء، والشك لغة مطلق التردد، وفي إصطلاح الأصول استواء طرفي الشيء وهو الموقوف بحيث لا يميل القلب إلى أحدهما فإن ترجّح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، فإن طرحه فهو غالب الظن وهو بمنزلة اليقين، وأما عند الفقهاء فهو كاللغة لا فرق بين المساوي والراجح. انتهى.

(5)

قوله: ولم يمضِ على اليقين، وفيه خلاف الشافعي ومالك والثوري وداود والطبري، فإنهم قالوا: يَبني على اليقين ولا يلزمه التحري لأحاديث (في الأصل: "لحديث"، والظاهر: "لأحاديث") أبي سعيد الخدري وابن عُمر وعبد الرحمن بن عوف الواردة في البناء على الأقلّ، وحملوا

ص: 458

عَلَى الْيَقِينِ (1) ، فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ ينجُ فِيمَا يَرَى مِنَ السَّهْوِ الَّذِي يُدخل عَلَيْهِ الشيطانُ، وَفِي ذَلِكَ (2) آثَارٌ كَثِيرَةٌ.

143 -

قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (3) أَنَّ أَنَسَ بن

حديث ابن مسعود: "فليتحرّ الصواب"، على أن معناه فليتحرّ الذي يظن أنه نقصه فيتمّه (وفي:"فتح الباري" 3/76، قال الشافعية: هو البناء على اليقين

إلخ، وهذا المعنى لا تساعده اللغة أصلاً. وذلك حيث قال العلامة الفتني: التحري القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تخصيص الشيء والقول، "مجمع بحار الأنوار" 1/501) ، فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه ويبني على ماستيقن، وأصحابنا سلكوا مسلك الجمع بين الأحاديث بدون صرف إلى الظاهر، فإن بعضها تدل على البناء على الأقل مطلقاً، وبعضها تدل على تحري الصواب، فحملوا الأولى على ما إذا لم يكن له رأي. والثانية على ما إذا كان له رأي، وقد بسطه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، بأحسن بسط فلْيُراجعْ.

(1)

قوله: على اليقين، قد يقال: لا يقين مع الشك، ويُجاب بأن المراد به المتيقَّن، مثلاً إذا شك ثلاثاً صلّى أم أربعاً؟ فالثلاث هو المتيقَّن، والتردد إنما هو في الزيادة. فلا يمضي على المتيقَّن، فإنه إن فعل ذلك - أي الإمضاء على الأقل المتيقَّن - من غير أن يتحرّى ويعمل بغالبِ ظنه لم ينجُ بضم الجيم، أي: لم يحصل له النجاة في ما يرى في ما يذهب إليه من أخذ المتيقن من السهو أي: الاشتباه الذي يُدخِلُ عليه الشيطان، فإنه وإن بنى على الأقل وأتمَّ صلاته بأداء ركعة أخرى، لكن لا يزول منه التردد والاشتباه الذي يُبتلى به كثيراً بوسوسة الشيطان، فيقع في حرج دائم وتردد لازم بخلاف ما إذا تحرّى وبنى على غالب رأية وطرح الجانب الآخر فإنه حينئذٍ يحصل له الطمأنينة، ولا يغلب عليه الشيطان في تلك الواقعة.

(2)

والظاهر أنه إشارة إلى جميع ما ذكر.

(3)

ابن قيس الأنصاري أبو سعيد المدني.

ص: 459

مَالِكٍ صَلَّى بِهِمْ فِي سفرٍ كَانَ (1) مَعَهُ فِيهِ فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ (2) ثُمَّ نَاءَ لِلْقِيَامِ، فسبَّح بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَرَجَعَ (3) ثُمَّ لَمَّا قَضَى (4) صَلاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.

قَالَ (5) : لا أَدْرِي أَقْبَلَ التَّسْلِيمِ أو (6) بعده.

40 -

(باب العبث (7) بالحصى فِي الصَّلاةِ وَمَا يُكره مِنْ تَسْوِيَتِهِ)

144 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ (8) قَالَ: رأيتُ ابْنَ عُمَرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يسجدَ سَوَّى (9)

(1) أي: كان يحيى مع أنس.

(2)

أي: ركعتين.

(3)

لعله لم يكن تباعد عن القعود، بل كان قريباً منه.

(4)

أي: أتمّ.

(5)

أي: يحيى بن سعيد.

(6)

في نسخة: أم.

(7)

بفتحتين: عمل لا فائدة فيه. الحصى: هي الحجارة الصغار تُفرش في المساجد ونحوها.

(8)

بالهمز في الآخر، ويجوز حذفه تخفيفاً، فيسكن الياء، نسبةً إلى قراءة القرآن، ذكره السمعاني، وذكره عند المنتسبين به، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ المدني مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، يروي عن ابن عمر، وعنه مالك، توفي سنة 132 هـ. انتهى.

(9)

ليزيل شغله عن الصلاة بما يتأذّى.

ص: 460

الْحَصَى (1) تَسْوِيَةً (2) خَفِيفَةً.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كُنْتُ يَوْمًا أُصَلِّي، وَابْنُ عُمَرَ وَرَائِي (3) ، فالتفتُّ فَوَضَعَ يده في قفاي فغمزني (4) .

(1) الحصى جمع حصاة (سنكريزة)(بالفارسية) . قوله: سوّى الحصى، حكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصباء وغيرها في الصلاة، وفيه نظر، لحكاية الخطابي، عن مالك أنه لم يَرَ به بأساً فكأنه لم يبلغه الخبر، كذا في الفتح والأَولى إن صح ذلك عن مالك أنه كان يفعله مرة واحدة مسحاً خفيفاً كفعل ابن عمر.

(2)

قوله: تسوية، أي: مرةً واحدة خفيفة تحرزاً عن الإيذاء، وعن العمل الكثير، وقد ورد ذلك مرفوعاً، فأخرج الأئمة الستة عن مُعَيْقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تمسح الحصى وأنت تصلي، فإن كنتَ لا بد فاعلاً فواحدة. وأخرج ابن أبي شيبة، عن جابر، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى، قال واحدة ولئن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدق وروى عبد الرزاق عن أبي ذر سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فقال: واحدة أو دعْ. وكذلك رواه ابن شيبة وأبو نعيم في "الحلية". وكذلك أخرجه أحمد عن حذيفة.

(3)

أي: واقفاً أو قاعداً خلفي.

(4)

الغمز: العصر والكبس باليد، قوله: فغمزني، تنبيهاً على كراهة الالتفات في الصلاة، أي: النظر يميناً وشمالاً، لما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي ذر مرفوعاً: لا يزال الله مُقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه. وأخرج البخاري عن عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة مرفوعاً: إياكم والالتفات في الصلاة، فإن أحدكم يناجي ربَّه ما دام في الصلاة.

ص: 461

145 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُسلم (1) بْنُ أَبِي مَرْيَمَ (2)، عَنْ عَلِيِّ (3) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعاوي (4) أَنَّهُ قَالَ: رَآنِي عبدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصَى فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا انصرفتُ (5) نَهَانِي (6) وَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ (7) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة

(1) وثَّقه أبو داود والنسائي وابن معين، مات في خلافة المنصور، كذا في "الإسعاف".

(2)

اسمه يسار المدني.

(3)

وثَّقه أبو زرعة والنسائي، كذا قال السيوطي.

(4)

بضم الميم، قال ابن عبد البر: منسوب إلى بني معاوية، فخذ من الأنصار، تابعي، مدني، ثقة، روى له مسلم وأبو داود، قاله الزرقاني.

(5)

أي: فرغت من الصلاة.

(6)

قوله: نهاني (عن ذلك لكراهته في الصلاة، ولم يأمر بالإعادة لأن العمل إذا لم يكثر لا يكون مفسداً، وهذا إجماع من الأئمة الأربعة، وإن كان العمل يسيراً، لم يبطلها، والمرجع في ذلك إلى العرف، مختصراً من أوجز المسالك 2/115) ، وإنما لم يأمره بالإعادة لأن ذلك والله أعلم كان منه يسيراً لم يشغله عن صلاته، ولا عن حدودها، والعمل اليسير في الصلاة لا يفسدها، كذا قال ابن عبد البر (الاستذكار 2/200) .

(7)

لعل عبثه كان في حالة الجلوس، فلذلك علَّمه كيفية الجلوس النبوي.

ص: 462

وَضَعَ كفَّه الْيُمْنَى (1) عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أصابعَه كلَّها (2) ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ (3) الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، ووضع كفَّه اليسرى على فخذه اليسرى.

(1) قوله: وضع كفه اليمنى، قال ابن الهُمام في "فتح القدير". لا شك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق حقيقةً، فالمراد - والله أعلم - وضعُ الكف ثم قبض الأصابع بعد ذلك للإشارة. وهو المرويّ عن محمد، وكذا عن أبي يوسف في "الأمالي". انتهى. وقال عليّ القاريّ في رسالته "تزيين العبارة لتحقيق الإشارة": المعتمد عندنا أنه لا يَعقد يُمناه إلا عند الإشارة لا ختلاف ألفاظ الحديث وأصناف العبارة، وبما ذكرنا يحصل الجمع بين الأدلة، فإن البعض يدل على أن العقد من أول وضع اليد على الفخذ، وبعضها يشير إلى أنه لا عقد أصلاً، فاختار بعضهم أنه لا يعقد ويشير بعضهم أنه يعقد عند قصد الإشارة ثم يرجع إلى ما كان عليه. والصحيح المختار عند جمهور أصحابنا أن يضع كفيه على فخذيه ثم عند وصوله إلى كلمة التوحيد يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام، ويشير بالمسبِّحة رافعاً لها عند النفي واضعاً عند الإثبات ثم يستمر ذلك لأنه ثبت العقد عند ذلك بلا خلاف ولم يوجد أمر بتغييره. فالأصل بقاء الشيء على ما هو عليه. انتهى.

(2)

قوله: وقبض أصابع كلها، ظاهره العقد بدون التحليق، وثبت التحليق بروايات أخر صحيحة فيُحمل الاختلاف الأحوال والتوسع في الأمر، وظاهر بعض الأخبار الإشارة بدون التحليق والعقد، والمختار عند جمهور أصحابنا هو العقد والتحليق، والثاني أحسن كما حققه عليَّ القاري في رسالته:"تزيين العبارة" بعد ما أورد نُبَذاً من الأخبار.

(3)

قوله: بإصبعه (وفي الحديث استحباب الإشارة بالسبابة وهو مجمع عليه عند الأئمة الأربعة. "أوجز المسالك" 2/116) ، وهي السبابة، زاد سفيان بن عُيَيْنة، عن مسلم بإسناده

ص: 463

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِصَنِيعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأخذ، وَهُوَ (1) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

المذكور وقال: هي مذبَّة للشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه. قال الباجي: فيه أن معنى الإشارة دفع السهو وقمع الشيطان.

(1)

قوله: وهو قول أبي حنيفة، قال القاري في رسالته: مفهومه أن أبا يوسف مخالف لما قام عنده من الدليل وما ثبت لديه من التعليل والله أعلم بصحته. وإن لم يكن لنا معرفة بثبوته. انتهى. وفيه نظر، فإن من عادة محمد في هذا الكتاب وكذا في كتاب "الآثار" أنه ينص على مأخوذه ومأخوذ أستاذه أبي حنيفة فحسب، ولا يتعرض لمسلك أبي يوسف لا نفياً ولا إثباتاً فلا يكون تخصيصه بذكر مذهبه ومذهب الإمام دالاً على أن أبا يوسف مخالفٌ لهما، وقد ذكر ابن الهُمام في "فتح القدير" والشُّمُنِّي في "شرح النقاية" وغرهما أنه ذكر أبو يوسف في "الأمالي" مثل ما ذكر محمد، فظهر أن أصحابنا الثلاثة اتفقوا على تجويز الإشارة (اختلفت الأئمة فيما بينهم في مسألتين: أولاهما في كيفية الإشارة، في "المغني" ثلاث صور: الأولى التحليق، والثانية العقد، والثالثة الإشارة باسطاً يديه ثم قال: والأول أولى وذكر في المندوبات في نيل المآرب وفي الروض المربع التحليق فقط دون غيره وأما الثانية: فهي تحريك الأصابع، فلا يحرك الإصبع عندنا الحنفية وكذا عند الحنابلة، وهي المفتى به عند الشافعية. وبه قال ابن القاسم من المالكية والمشهور عند المالكية التحريك. انظر أوجز المسالك 2/117) لثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بروايات متعددة وطرق متكثِّرة لا سبيل إلى إنكارها ولا إلى ردّها، وقد قال به غيرهم من العلماء، حتى قال ابن عبد البر: إنه لا خلاف في ذلك، وإلى الله المشتكى من صنيع كثير من أصحابنا من أصحاب الفتاوى كصاحب "الخلاصة" و"البزازية الكبرى" و"العتابية" و"الغياثية" و"الولوالجية" و"عمدة المفتي" و"الظهيرية" وغيرها حيث ذكروا أن المختار هو عدم الإشارة، بل ذكر بعضهم أنها مكروهة، والذي حملهم على ذلك سكوت أئمتنا عن هذه المسألة

ص: 464

فَأَمَّا تَسْوِيَةُ الْحَصَى فَلا بَأْسَ بِتَسْوِيَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ (1) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.

41 -

(بَابُ التَّشَهُّدِ (2) فِي الصَّلاةِ)

146 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تتشهَّد فَتَقُولُ: التحياتُ (3) الطيباتُ

في ظاهر الرواية، ولم يعلموا أنه قد ثبت عنهم بروايات متعددة ولا أنه ورد في أحاديث متكثرة، فالحذر الحذر من الاعتماد على قولهم في هذه المسألة مع كونه مخالفاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل وعن أئمتنا أيضاً، بل لو ثبت عن أئمتنا التصريح بالنفي وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الإثبات لكان فعل الرسول وأصحابه أحق وألزم بالقبول، فكيف وقد قال به أئمتنا أيضاً؟!

(1)

قوله: أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه". أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه.

(2)

هو تفعّل من تشهد، سمِّي به لاشتماله على النطق بالشهادة، والتشهُّد: ليس عند مالك في التشهد شيء مرفوع وإن كان غيره قد رفع ذلك، ومعلوم أنه لا يقال بالرأي. ولمّا علم مالك أن التشهد لم يكن إلَاّ توقيفاً، اختار تشهد عمر لأنه كان يعلِّمه الناس وهو على المنبر من غير نكير (قال الباجي 1/170: فإن قال قائل فقد أثبتم أن تشهد عمر بن الخطاب هو الصواب المأمور به وأن ما عداه ليس بمأمور به..فالجواب أن مالكاً رحمه الله اختار تشهُّد عمر بن الخطاب على سائر ما روي فيه بالدليل الذي ذكرناه إلَاّ أنه مع ذلك يقول: من أخذ بغيره لا يأثم ولا يكون تاركاً للتشهد في الصلاة

إلخ) ، كذا في "الاستذكار".

(3)

فسرها بعضهم بالمُلك وبعضهم بالبقاء وبعضهم بالسلام.

ص: 465

الصلواتُ (1) الزاكياتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُه، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبيُّ وَرَحْمَةُ الله وركاته، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ.

147 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) بْنِ عَبْدِ (3) الْقَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يعلِّم النَّاسَ التَّشَهُّدَ، وَيَقُولُ: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ (4) لِلَّهِ، الزَّاكِيَّاتُ (5) لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ (6) الصَّلَوَاتُ (7) لِلَّهِ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وركاته، السلام (8)

(1) أي: الدعوات الصافيات.

(2)

قوله: عبد الرحمن، عامل عمر على بيت المال، ذكره العجلي في ثقات التابعين، واختلف قول الواقدي فيه، قال تارة: له صحبة وقال تارة: تابعي، مات سنة 88 هـ، كذا قال ابن حجر.

(3)

بغير إضافة (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة بطن من خزيمة بن مدركة، كذا قال الزرقاني.

(4)

قوله: التحيات، عن القتبي أن الجمع في لفظ التحيات سببه أنهم كانوا يحيون الملوك بأثنية مختلفة كقولهم: أنعم صباحاً، وعش كذا سنة، فقيل: استحقاق الأثنية كلها لله تعالى، كذا في "التنوير".

(5)

قال ابن حبيب: هي صالح الأعمال.

(6)

أي: طيبات القول.

(7)

قوله: الصلوات، قال القاضي أبو الوليد: معناه أنها لا ينبغي أن يُراد بها غير الله، وقال الرافعي: معناه الرحمة لله على العباد.

(8)

قوله: السلام، قيل السلام هو الله، ومعناه الله على حفظنا، وقيل هو جمع سلامة.

ص: 466

عَلَيْنَا (1) وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ (2) ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.

148 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ (3) ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، وَالزَّاكِيَّاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ (4) أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ شهدتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَشِهِدْتُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

يَقُولُ (5) هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوليَين، ويدعو (6) بما بدا

(1) يريد به المصلِّي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة.

(2)

استنبط منه السبكي أن في الصلاة حقاً للعباد مع حق الله.

(3)

قوله: بسم الله، قد ذكر السخاوي في "المقاصد الحسنة" أن زيادة البسملة في التشهد غير صحيحة، وقد أوضحته في رسالتي "إحكام القنطرة في أحكام البسملة"، لكن لا يخفى أن سند مالك صحيح، وفيه الزيادة موجودة فيُحمل على كونها أحياناً ولا يُنكر أصل الثبوت.

(4)

قوله: السلام عليك، كذا رأيتُه في نسخ هذا الكتاب، وذكر الزرقاني في "شرح الموطأ"، برواية يحيى:"السلام على النبي" بإسقاط كاف الخطاب ولفظ: أيها.

(5)

أي: ابن عمر.

(6)

أي: ابن عمر، أجازه مالك في رواية ابن نافع، والمذهب كراهة الدعاء في التشهد الأول.

ص: 467

لَهُ (1) إِذَا قَضَى تشهُّدَه، فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ (2) إلَاّ أَنَّهُ يقدِّم التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ (3)، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ: السَّلامُ (4) عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. السَّلامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ (5) عَلَى الإِمَامِ، فَإِنْ سلَّم عَلَيْهِ (6) أَحَدٌ عن يساره ردَّ (7) عليه.

(1) قوله: ويدعو بما بدا له (ظاهر الحديث أن المصلي يدعو بما شاء، قال العيني: اعلم أن العلماء اختلفوا فيما يدعو به الإنسان في صلاته، فعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلاّ بالأدعية المأثورة أو الموافقة للقرآن العظيم، وقال الشافعي ومالك: يجوز أن يدعو فيها بكلّ ما يجوز أن يدعو به خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين. انظر: "أوجز المسالك" 2/137) ، فيه جواز الدعاء في التشهد الأول، وبه أخذ ابن دقيق العيد حيث قال: المختار أن يدعو في التشهد الأول كما في التشهد الأخير لعموم الحديث: "إذا تشهَّد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع". وتُعُقِّب بأنه ورد في الصحيح، عن أبي هريرة بلفظ: "إذا فَرَغَ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ

"، وروى أحمد وابن خزيمة، عن ابن مسعود: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في أول الصلاة وآخرها: فإذا كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد، وإذا كان في آخره دعا لنفسه ما شاء، وقال القاري: هذا عندنا محمول على السنن والنوافل.

(2)

أي: مثل ما مرَّ.

(3)

أي: ظهر له.

(4)

هذه زيادة، كان ابن عمر اختاره ليختمه بالسلام على النبي وعلى الصالحين.

(5)

أي: ينوي في سلامه الرد عليه.

(6)

بأن كان مصلياً مع الإمام.

(7)

أي: نواه في سلامه عن يساره.

ص: 468

قَالَ مُحَمَّدٌ: التشهُّد الَّذِي ذُكر كلُّه حَسَنٌ (1) وليس يشبه تشهُّد

(1) قوله: الذي ذُكر كلُّه حسن، قد رُوي عن جماعة (جملة من روى التشهد بألفاظ مختلفة من الصحابة أربعة وعشرون صحابياً كما في "التلخيص" وأشار إلى رواياتهم ومثله في "عمدة القاري" 3/178) ، من الصحابة التشهد مرفوعاً، وموقوفاً بألفاظ مختلفة عل ما بسطه الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث الرافعي".

فمنهم أبو موسى الأشعري، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا وبيَّن لنا سنَّتنا وعلَّمنا صلاتنا فقال: إذا صلَّيتم فكان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني.

ومنهم ابن عمر، أخرج أبو داود عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: التحيات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله - قال ابن عمر: زدتٌ فيها وبركاته - السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله - قال ابن عمر: زدت وحده لا شريك له - وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ورواه الدارقطني، عن ابن أبي داود، عن نصر بن علي، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عنه، وقال: إسناده صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي، عن شعبة، ووقفه غيرهما، ورواه البزار، عن نصر بن علي، وقال: رواه غير واحد، عن ابن عمر ولا أعلم أحداً رفعه، عن شعبة غيره، وقول الدارقطني يرد عليه، وقال يحيى بن معين: كان شعبة يضعِّف حديث أبي بشر، عن مجاهد، وقال: ما سمع منه شيئاً، إنما رواه ابن عمر، عن أبي بكر موقوفاً.

ومنهم عائشة، وروى الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي، عن القاسم بن

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

محمد قال: علَّمتني عائشة قالت: هذا تشهُّد النبي صلى الله عليه وسلم: التحيات لله والصلوات والطيبات

إلخ، ووقفه مالك، ورجَّح الدارقطني في "العلل" وقفَه، ورواه البيهقي من وجه آخر وفيه التسمية، وفيه محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث لكن ضعَّفها البيهقي لمخالفته من هو أحفظ منه.

ومنهم سمرة، روى أبو داود عنه مرفوعاً: قولوا: التحيات لله، الطيبات والصلوات، والمُلك لله، ثم سلِّموا على النبي وسلِّموا على أقاربكم وأنفسكم، وإسناده ضعيف.

ومنهم علي، أخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث عبد الله بن عطاء عن النهدي: سألت الحسن بن علي، عن تشهُّد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سلني عن تشهد علي، فقلت: حدِّثني بتشهد علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات (في الأصل: "الرابحات"، وهو تحريف) والزاكيات والناعمات السابغات الطاهرات لله، وإسناده ضعيف، وأخرجه ابن مردويه من طريق آخر ولم يرفعه وفيه زيادة: ما طاب فهو لله وما خبث فلغيره.

ومنهم ابن الزبير، أخرج الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من حديث ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد سمعت أبا الورد، سمعت ابن الزبير يقول: إن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسم الله وبالله خير الأسماء، التحيات لله والصلوات والطيبات أشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداًعبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم اغفر لي واهدني في الركعتين الأوليين.

ومنهم معاوية، أخرج الطبراني في "الكبير" مثل تشهُّد ابن مسعود.

ومنهم سلمان، أخرج الطبراني والبزّار مثل تشهد ابن مسعود، وقال في

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

آخره: قلها في صلواتك، ولا تزد فيها حرفاً ولا تنقص منها حرفاً، وإسناده ضعيف. ومنهم أبو حميد أخرج الطبراني عنه مرفوعاً مثله، ولكن زاد بعد الطيبات: الزاكيات، وأسقط واو الطيبات، وإسناده ضعيف.

ومنهم ابن عباس، أخرج مسلم والشافعي والترمذي عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا التشهُّد كما يعلِّمنا السورة من القرآن، فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي

إلخ، وأخرجه الدارقطني وابن ماجه وابن حبان وغيرهم.

ومنهم ابن مسعود، أخرج تشهُّدَه الأئمة الستة، ورواه أبو بكر بن مردويه في كتاب "التشهد" له من حديث أبي بكر مرفوعاً وإسناده حسن، ومن رواية عمر مرفوعاً وإسناده ضعيف، ومن حديث الحسين بن علي، ومن حديث طلحة بن عبيد الله وإسناده حسن. ومن حديث أنس وإسناده صحيح، ومن حديث أبي هريرة وإسناده صحيح، ومن حديث أبي سعيد وإسناده صحيح، ومن حديث الفضل بن عباس وأم سلمة وحذيفة والمطلب بن ربيعة وابن أبي أوفى، وفي أسانيدهم مقال، ومنهم عمر أخرجه مالك ومن طريقه الشافعي ورواه الحاكم والبيهقي، وفي رواية للبيهقي في أوله:(بسم الله خير الأسماء) وهي منقطعة، وقال الدارقطني: لم يختلفوا في أن هذا موقوف على عمر، ورواه البعض، عن ابن أبي أويس، عن مالك مرفوعاً، وهو وهم.

ومنهم جابر. أخرج النَّسائي وابن ماجه والطبراني والحاكم كلهم من طريق أيمن، عن أبي الزبير، عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: بسم الله وبالله، التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أسأل الجنة وأعوذ بالله من النار، ورجاله ثقات إلاّ أن أيمن أخطأ في إسناده، وخالفه الليث وهو من أوثق الناس في أبي الزبير، فقال: عن أبي الزبير، عن طاووس وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، وقال

ص: 471

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعِنْدَنَا (1) تشهُّدُه لأَنَّهُ (2) رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعليه العامة عندنا.

حمزة بن محمد الحافظ: قوله، عن جابر خطأ، ولا أعلم أحداً قال في التشهد باسم الله وبالله إلَاّ أيمن، وقال الدارقطني: ليس بالقويّ، خالف الناس.

هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر، فهذه التشهدات المروية مرفوعة أو موقوفة كلها حسنة دالة على كون الأمر موسَّعاً، وقد ذكر ابن عبد البر أنَّ الاختلاف في التشهُّد وفي الأذان والإقامة وعدد التكبير على الجنائز وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي عند الركوع والرفع في الصلاة ونحو ذلك كله اختلاف في مباح، وبمثله ذكر أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في "منهاج السنة" فليُحفَظ.

(1)

قوله: وعندنا، أي: المختار عندنا تشهُّد ابن مسعود، وعند الشافعي تشهد ابن عباس، وعند مالك تشهد عمر، ولكلٍّ وجوه توجب الترجيح ما ذهب إليه، والخلاف إنما هو في الأفضلية (وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها، كذا قال النووي في "شرح المهذب" 3/457) كما صرح به جماعة من أصحابنا، ويشير إليه كلام محمد ههنا، فما اختاره صاحب "البحر" من تعيين تشهد ابن مسعود وجوباً وكون غيره مكروهاً تحريماً مخالف الدراية والرواية فلا يُعوَّل عليه.

(2)

قوله: لأنه رواه

إلخ، هذا الوجه إنما يستقيم بالنسبة إلى ما رواه مالك من تشهد ابن عمر وعمر وعائشة موقوفاً وإلا فقد روى غير أبن مسعود أيضاً تشهده عن النبي صلى الله عليه وسلم كما مر بسطه، وهناك وجوه أُخر ترجح تشهد ابن مسعود على غيره، منها: أن حديثه أصح كما قال الترمذي: هو أصح حديث روي في التشهد، وقال البزّار: أصح حديث عندي في التشهد حديث ابن مسعود، روي عن نيِّف وعشرين وجهاً ولا يُعلم روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبتَ منه ولا أصح إسناداً ولا أشهر رجالاً ولا أشد تضافراً بكثرة الأسانيد، وقال مسلم: إنما اجتمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضاً، وغيره قد اختلف أصحابه، وقال

ص: 472

149 -

قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مُحِلّ بْنُ مُحرِز الضَّبِّي، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الأَسْدِيِّ (1) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا (2) إِذَا صلَّينا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

محمد بن يحيى الذهلي: حديث ابن مسعود أصح ما روي في التشهد، وروى الطبراني في "الكبير"، عن بريدة بن الخصيب قال: ما سمعتُ أحسن من تشهُّد ابن مسعود، كذا ذكره الحافظ ابن حجر ومنها: أن الأئمة الستَّة اتفقوا على تخريجه لفظاً ومعنى، وهو نادر، وتشهد ابن عباس من أفراد مسلم، وغيره في غيرهما، ذكره الزيلعي. ومنها: أن فيه تأكيد التعليم كما أخرجه أبو حنيفة، عن القاسم، قال: أخذ علقمة بيدي، فحدثني أن ابن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وعلَّمه التشهد، وليس ذلك في غيره، ذكره ابن الهمام. ومنها: أن فيه زيادة الواو وهي لتجديد الكلام بخلاف تشهد ابن عباس ذكره صاحب "الهداية" وغيره. ومنها: ما ذكره الزيلعي وابن الهُمام وابن حجر أن الترمذي أخرج بسنده عن خُصَيْف أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال:[ (زاد في نسخة) يا رسول الله إن الناس قد اختلفوا في التشهد، فقال:] عليك بتشهد ابن مسعود. ومنها: أنه وافقه جمع من الصحابة دون غيره (عدَّ الشيخ محمد حسن السنبهلي اثنين وعشرين وجهاً للترجيح ولكنها مدخولة. من شاء فليراجع "تنسيق النظام": ص 77) .

(1)

نسبة إلى أسد، بفتحتين، اسم عدة قبائل.

(2)

قوله: كنا

إلخ، فيه دليل على أن أوَّل ما فُرضت الصلاة لم يكن التشهُّد مشروعاً فيها لا فرضاً ولا سنَّة، يؤخذ ذلك من قوله: كنا إذا صلينا

إلخ، فدل على أنهم بقُوا زماناً كذلك إلى اليوم الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم وأمرهم بالتحيات لله والصلوات

إلخ، وفيه دليل على أن ما كان من زيادة ذكر أو دعاء في الصلاة لا يفسدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة التي تقدَّمت، كذا في "بهجة النفوس شرح مختصر البخاري" لابن أبي جَمرة.

ص: 473

قُلْنَا (1) السَّلامُ عَلَى اللَّهِ (2) ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاتَه ذاتَ يَوْمٍ (3) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: لا تَقُولُوا (4) السَّلامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ (5) هُوَ السَّلامُ (6)، وَلَكِنْ قولوا (7) : التحياتُ لله والصلواتُ والطيباتُ، السلام

(1) أي: في قعود التشهد.

(2)

قوله: على الله، وفي رواية البخاري ومسلم وغيرهما: السلام على الله قبل عباده، والسلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان أي على ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء، كذا في "المرقاة". (1/556) .

(3)

أي: في يوم من الأيام.

(4)

قوله: لا تقولوا، كان الصحابة يسلِّمون في القعود على الله وعلى الملائكة فنهاهم من التسليم على الله، وأما السلام على الملائكة فلم ينكر عليهم بل أرشدهم إلى ما يعمّ المذكورين وغيرهم بقوله:" وعلى عباد الله الصالحين"، وقال:"إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض"، وهذا من جوامع الكلام، كذا في "التوشيح شرح صحيح البخاري" للسيوطي.

(5)

في نسخة: فالله.

(6)

أي هو الذي يعطي السلام لعباده، فأنى يُدعى له، قوله: فإن الله هو السلام، بقي ههنا بحث وهو أنه: لِمَ نهاهم عن أن يقولوا: السلام على الله من عباده، ثم أمرهم أن يقولوا: التحيات؟ والانفصال عنه أن السلام هو الأمان وليس على الله خوفٌ من أحد فنهاهم لأنه تعالى يُطلب منه الأمان وهو الذي يؤمن، كذا في "بهجة النفوس".

(7)

قوله: قولوا، الأمر فيه للوجوب كما قاله ابن ملك فينجبر بسجود السهو، وكذا القعود الأول واجب، وأما الأخير ففرض عندنا، كذا في "مرقاة المفاتيح".

ص: 474

عَلَيْكَ (1) أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله

(1) قوله: السلام عليك

إلخ، ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم وما بعده في الخطاب (في بذل المجهود 5/283: لو كان كذلك كان ينبغي أن يُقال في حياته صلى الله عليه وسلم عند الغَيْبَة في السفر وغيره بدون لفظ الخطاب ولم يثبت بعد، بل كانوا يقولون في الحضور والغيبة بلفظ الخطاب، فينبغي أن يُقال بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أيضاً كذلك) ، ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عنه بعد أن ساق حديث التشهّد، قال: وهو بين أظهرنا (هكذا في أصل الكتاب والصواب بين ظهرانينا. وقال الحافظ جمال الدين الملطي في معتصره: 1/35 بعد ذكر الحديث المذكور من قوله: بين ظهرانينا - إلى - على النبي: منكر لا يصح، وذلك مخالف لما عليه العامة)، فلما قُبض قلنا: السلام يعني على النبي. وأخرجه أبو عَوَانة في صحيحه وأبو نعيم والبيهقي من طرق متعددة بلفظ: فلما قُبض قلنا السلام على النبي، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة. قال السبكي في "شرح المنهاج" بعد أن ساقه مسنداً إلى أبي عوانة وحده: إن صح عن الصحابة هذا دلَّ على أن الخطاب في السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير واجب. انتهى. قلت: قد صحَّ بلا ريب، وقد وجدتُ له متابعاً قوياً، قال عبد الرزاق: أنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حيّ: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، وإسناده صحيح. وأما ما روى سعيد بن منصور من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمهم (في الأصل:"علَّمه"، والظاهر:"علَّمهم" كما في "فتح الباري" 2/314) التشهد فذكره، قال: فقال ابن عباس: إنما كنا نقول: السلام عليك أيها النبي إذا كان حياً، فقال ابن مسعود: هكذا علَّمناه، وهكذا نعلِّم، فظاهره أن ابن عباس قاله بحثاً، وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصح لأن أبا عُبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف، فكذا في "فتح الباري".

ص: 475

وأشهد (1) أن محمداً عبد وَرَسُولُهُ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَكره (2) أَنْ يُزاد فيه حرف أو يُنقص (3) منه حرف.

(1) قوله: أشهد أن، قال الرافعي: المنقول أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول في تشهده أشهد أني رسول الله، ولا أصل لذلك، بل ألفاظ التشهد متواترة عنه صلى الله عليه وسلم، كان يقول: أشهد أن محمداً رسول الله أو عبده ورسوله، كذا في "التلخيص (في الأصل:"تلخيص الحبير"، وهو تحريف) الحبير في تخريج أحاديث الشرح الكبير" لابن حجر رحمه الله.

(2)

قوله: يَكره أن يُزاد، لأنه تلقّاه من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلَّمه كما كان يعلِّم السورة من القرآن، فأحب أن لا يُزاد فيه ولا ينقص. وقد أخرج الطحاوي عن المسيّب بن رافع أنه سمع عبد الله بن مسعود رجلاً يقول في التشهد: بسم الله، التحيات لله، فقال له: أتأكل؟ وأخرج أيضاً، عن الربيع بن خيثم أنه لقي علقمة فقال: إنه قد بدا لي أن أزيد في التشهد "ومغفرته"، فقال علقمة: ننتهي إلى ما عُلّمناه. وأخرج عن أبي إسحاق قال: أتيت أبا الأسود، فقلت إن أبا الأحوص قد زادَ "والمباركات"، قال: فأته، فقل له: إن الأسود ينهاك ويقول لك: إن علقمة بن قيس تعلَّمهن من عبد الله كما يتعلم السورة من القرآن عدَّهن عبد الله في يده (في "شرح معاني الآثار" 1/156: "إن أبا الأحوص قد زاد في خطبة الصلاة") .

(3)

قوله: أو ينقص، هذا ينافي ما روي أنه كان يقول بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم "على النبي"، وكذا روي عن غيره كما بسطه ابن حجر في "فتح الباري" ولعله كَرِه نقصاناً يخلُّ بالمعنى لا مطلقاً.

ص: 476