الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعاف)
(1)
36 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا رعفَ (2) رَجَعَ فتَوَضَّأَ (3) وَلَمْ يتكلَّمْ، ثُمَّ رَجَعَ (4) فَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى.
37 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا يزيدُ (5) بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ قُسيط، أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَعَفَ وَهُوَ يصلِّي فَأَتَى حُجْرة (6) أمِّ سَلَمَةَ زوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأُتي (7) بوَضوءٍ (8) فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَع فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى.
38 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الَّذِي يَرْعُفُ فيَكْثُرُ (9) عَلَيْهِ الدَّمُ كَيْفَ يصلِّي؟ قَالَ: يُومئ إيماءً
(1) قوله: الرعاف، قال المجد: رعف كنصر ومنع وكرم وعني وسمع، وخرج من أنفه الدم رعفاً ورعافاً كغراب، والرعاف أيضاً الدم بعينه.
(2)
بفتح العين وضمها.
(3)
حالية، ولو تكلم بال عذر بطلت صلاته.
(4)
إلى مُصَلَاّه.
(5)
قوله: يزيد، قال في "التقريب": يزيد بن عبد الله بن قسيط - بقاف وسين مهملتين مصغَّراً - ابن أسامة الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج ثقة، مات سنة 122 هـ. انتهى.
(6)
لأنها أقرب موضع إلى المسجد ليقلّ المشي.
(7)
أي: أتاه آتٍ بالماء.
(8)
بالفتح ماء الوضوء.
(9)
أي: يكثر سيلانه ولا يحتبس.
بِرَأْسِهِ (1) فِي الصَّلاةِ.
39 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُجَبَّر (2) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ يُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فِي أَنْفِهِ أَوْ (3) إِصْبَعَيْهِ ثُمَّ يُخْرِجُهَا وَفِيهَا (4) شَيْءٌ من دم (5) فيَفْتِلُهُ (6)
(1) مخافة تلويث ثيابه وتنجيس موضع سجوده.
(2)
قوله: المُجَبَّر، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد موحدة مفتوحة فراء، وإنما قيل له المجبَّر لأنه سقط فتكسَّر فجُبِّر، كذا قاله ابن عبد البر، وفي "جامع الأصول": المجبر بن عبد الرحمن الأصغر بن عمر، يقال اسمه عبد الرحمن. انتهى. وفي "مشتبه النسبة" للحافظ عبد الغني: مجبر بالجيم والباء، والمجبر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، روى مالك عن ابنه عبد الرحمن. وفي "شرح الموطأ" للزرقاني: عبد الرحمن بن المجبر القرشي العدوي، روى عن أبيه وسالم، وعنه ابنه محمد ومالك وغيرهما، ووثقه الفلاس وغيره، وقال ابن ماكولا: لا يُعرف في الرواة عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن، ثلاثة في نسق واحد إلَاّ هذا، فإن اسم المجبر عبد الرحمن، وأبوه عبد الرحمن الأصغر. قال الزبير بن بكار: إنه مات وهو حمل، فلما وُلد سمته حفصة باسم أبيه وقالت: لعل الله يجبره. وقال في "الاستيعاب": كان لعمر ثلاثة أولاد كلهم عبد الرحمن، أكبرهم صحابي، وأوسطهم يكنى أبا شحمة، وهو الذي ضربه أبوه عمر في الخمر، والثالث والد المجبر بالجيم والموحدة الثقيلة. انتهى ملتقطاً.
(3)
شك من الراوي.
(4)
أي: في الأصبع.
(5)
خرج من أنفه.
(6)
بكسر التاء، أي: يحرّكه.
ثُمَّ يصلِّي وَلا يتوضَّأ (1) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كلِّه (2) نَأْخُذُ، فَأَمَّا الرُّعَاف فَإِنَّ مالكَ بْنَ أَنَسٍ كَانَ لا يَأْخُذُ بِذَلِكَ (3) ، وَيَرَى (4) إِذَا رَعَفَ الرجُلُ في صلاته أن
(1) قوله: ولا يتوضَّأ، لأنه دم غير سائل. ونظيره ما ذكره البخاري تعليقاً أن عبد الله بن أبي أوفى بزق دماً فمضى في صلاته، وذكر أيضاً عن الحسن أنه قال: ما زال المسلمون يُصَلُّون في جراحاتهم، وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن يونس، عن الحسن: أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلَاّ ما كان سائلاً. قال العيني في "عمدة القاري": وإسناده صحيح وهو مذهب الحنفية وحجة لهم على الخصم.
(2)
من انتقاض الوضوء بالرعاف والبناء به إذا حدث في الصلاة والاكتفاء بالإيماء إذا كثر، وعدم نقض غير السائل.
(3)
قوله: بذلك، أي: بانتقاض الوضوء بالرعاف، فإن عنده لا يُتَوَضَّأ من رعاف ولا قيء ولا قيح يسيل من الجسد، ولا يجب الوضوء إلَاّ من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو قبل، ومن نوم، وعليه جماعة أصحابه. وكذلك الدم عنده يخرج من الدبر لا وضوء فيه، لأنه يَشترط الخروج المعتاد، وقول الشافعيّ في الرعاف وسائر الدماء الخارجة من الجسد كقوله إلَاّ ما يخرج من المخرجين سواءٌ كان دماً أو حصاةً أو دوداً أو غير ذلك، وممن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين الوضوء طاووس ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو ثور، كذا قال ابن عبد البر في "الاستذكار". وذكر العيني في "البناية شرح الهداية" أنه قول ابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وجابر وأبي هريرة وعائشة.
(4)
أي: يعتقد ويظن مالك.
يغسل (1) الدَّمَ ويستقبِلَ الصلاة (2) .
(1) قوله: إن يغسل الدم، وحمل الآثار الواردة في ذلك على أن المراد بالوضوء غسل الدم، فإنه يسمّى وضوءاً لكونه مشتقاً من الوضاءة، بمعنى النظافة. وأيَّده أصحابه بأنه نُقل عن ابن عباس أنه غسل الدم وصلى، فحَملُ أفعالهم على الاتفاق منهم أَوْلى، كذا قال ابن عبد البر. ثم قال: وخالفهم أهل العراق في هذا التأويل فقالوا: إن الوضوء إذا أُطلق ولم يقيَّد بغسل دم أو غيره، فهو الوضوء المعلوم للصلاة وهو الظاهر من إطلاق اللفظ مع أنه معروف من مذهب ابن عمر وأبيه عمر إيجاب الوضوء من الرعاف، وأنه كان عندهما حدثاً من الاحداث الناقضة للوضوء إذا كان سائلاً، وكذلك كل دم سائل من الجسد. انتهى ("الاستذكار" 1/287) .
(2)
قوله: ويستقبل الصلاة، ظاهره أنه لا يجوِّز مالك البناء مطلقاً وليس كذلك لما يظهر من كلام ابن عبد البر، حيث قال: أما بناء الراعف على ما قد صلّى ما لم يتكلم، فقد ثبت ذلك عن عمر، وعليّ، وابن عمر، ورُوي عن أبي بكر أيضاً، ولا يخالف لهم من الصحابة إلَاّ المسور بن مخرمة وحده، ورُوي أيضاً البناء للراعف على ما قد صلّى ما لم يتكلم عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام، ولا أعلم بينهم خلافاً إلاّ الحسن البصري، فإنه يذهب في ذلك مذهب المسور أنه لا يبني من استدبر القبلة في الرعاف ولا في غيره، وهو أحد قولي الشافعي، وقال مالك: من رعف في صلاته قبل أن يصلّي بها ركعة تامَّة، فإنه ينصرف فيغسل عنه الدم، فيرجع فيبتدئ الإقامة والتكبير والقراءة، ومن أصابه الرعاف في وسط صلاته أو بعد أن يركع منها ركعة بسجدتيها، انصرف فغسل الدم وبنى على ما صلّى حيث شاء إلا الجمعة، فإنه لا يصلّيها إلاّ في الجامع، قال مالك: ولولا خلاف من مضى لكان أحب إليّ للراعف أن يتكلَّم ويبتدئ صلاته من أولها، قال مالك: ولا يبني أحد في القيء ولا في شيء من الأحداث ولا يبني إلَاّ الراعف وحده، وعلى ذلك جمهور أصحابه. وعن الشافعي في الراعف روايتان: إحداهما يبني والأخرى لا يبني. انتهى كلامه، فهذا يوضِّح أن مالك بن أنس
فَأَمَّا أَبُو حنيفةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِمَا رَوَى (1) مالكٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّه (2) ينصرفُ فيتوضّأ (3) ،
يجوز البناء للراعف في بعض الصور.
(1)
أي: مستنداً بما روى.
(2)
فاعل يقول.
(3)
قوله فيتوضأ، بناءً على أن الخارج من غير السبيلين ناقض للوضوء إذا كان سائلاً، وبه قال العشرة المبشرة، وابن مسعود، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء، وثوبان، كذا ذكر العيني في "البناية"، وهو قول الزهري، وعلقمة، والأسود، وعامر الشعبي، وعروة بن الزبير، والنخعي، وقتادة، والحكَم بن عيينة، وحماد، والثوري، والحسن بن صالح بن حَيّ، وعبيد الله بن الحسين، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، كذا ذكره ابن عبد البر.
ويشهد له من الأخبار ما أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضَّأ، قال معدان بن أبي طلحة الراوي، عن أبي الدرداء: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت ذلك له، فقال: صدق، وأنا صببت له وضوءاً. قال الترمذي: هو أصح شيء في الباب، وحملُ الوضوء في هذا الحديث على غسل الفم، كما نقل البيهقي عن الشافعي غيرُ مسموع، إذ الظاهر من الوضوء الوضوء الشرعي، ولا يُصرف عنه الكلام إلَاّ عن ضرورة، وهي مفقودة ههنا.
ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجه، عن عائشة مرفوعاً: من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي، فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبنِ على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم. وفي سنده إسماعيل بن عياش متكلَّم فيه (وأجاب عنه الحافظ الزيلعي بأنَّ إسماعيل بن عياش قد وثقه ابن معين، وزاد في الإسناد "عن عائشة" والزيادة من الثقة مقبولة. نصب الراية (1/37)) .
ثُمَّ يَبني (1) عَلَى مَا صلَّى إنْ لَمْ يتكلَّم (2)(3) ،
ومن ذلك، ما أخرجه الدارقطني، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصلاة، فلينصرف فليتوضأ، ثم ليجئْ فليبنِ على ما مضى، وفي طريقه ضعف (قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/275، رقم 430) : رواه الدارقطني وإسناده حسن) حقَّقه ابن الجوزي في "التحقيق".
ومن ذلك ما أخرجه الدارقطني عن علي مرفوعاً: القلس حدث. وفي سنده سوار بن مصعب متروك.
ومن ذلك ما أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن زيد مرفوعاً: الوضوء من كل دم سائل، وأعلَّه بأحمد بن الفرج الحمصي (قال ابن أبي حاتم في كتاب "العلل": أحمد بن الفرج كتبنا عنه ومحلّه عندنا الصدق. نصب الراية (1/37)) .
وفي الباب أحاديث كثيرة أكثرها ضعيفة السند، لكن بجمعها تحصل القوة، كما حقَّقه ابن الهُمام في "فتح القدير" والعيني في "البناية"، والمتكفِّل للبسط في ذلك شرحي لشرح الوقاية المسَّى بالسعاية.
(1)
قوله: ثم يبني، وكذلك في سائر الأحداث العارضة في أثناء الصلاة، وبه قال ابن أبي ليلى وداود والزهري وغيرهم، ذكره ابن عبد البر.
(2)
قوله: إن لم يتكلم، وأما إذا تكلم فسدت صلاته لما مرَّ من حديث عائشة. وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن عمر، أنه قال: من رعف في صلاته فلينصرف، فليتوضأ، فإن لم يتكلم بنى على صلاته، وإن تكلم استأنف، وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مثله، وذكر عن سعيد بن المسيب، أنه قال: إن رعفت في الصلاة فاشدد منخريك، وصلِّ كما أنت، فإن خرج من الدم شيء فتوضأ وأتم على مامضى ما لم تتكلم.
(3)
ولو قرأ القرآن في طريقه فسدت صلاته أيضاً، كذا في "الذخائر الأشرفية".
وَهُوَ (1) قولُنا (2) .
وَأَمَّا إِذَا كَثُرَ (3) الرُّعَاف (4) عَلَى الرجُل فَكَانَ إنْ أَوْمَأَ (5) بِرَأْسِهِ إِيمَاءً، لَمْ يَرْعَُفُ وَإِنْ سَجَدَ رَعَفَ. أَوْمَأَ (6)(7) برأسِهِ إِيمَاءً،
(1) أي: قول أبي حنيفة.
(2)
أي: أصحاب أبي حنيفة.
(3)
شرط.
(4)
بحيث لم يمكنه دفعه.
(5)
أي: إن أشار.
(6)
جزاء.
(7)
قوله: أومأ برأسه، هذه المسألة من فروع قاعدة من ابتُلي ببليَّتين يختار أهونهما، فمن كثر رعافه وصار بحال لا ينقطع رعافه إذا سجد، فلو سجد يلزم انتقاض الوضوء به من غير خلف، ولو أومأ يلزم ترك السجدة لكن بخلف وهو الإيماء، فيختار الأهون وهو الإيماء، فإن في اختيار السجدة انتقاض الوضوء وتلويث الثياب والمكان، وفي اختيار الإيماء نجاة من كل ذلك، وقد وافَقَنا مالك في هذه المسألة كما قال ابن عبد البر في شرح أثر سعيد بن المسيب إذ أجاز لمن في الطين والماء الميحط به أن يصلي إيماء من أجل الطين، فالدم أولى بذلك. ولا أعلم مالكاً اختلف قوله في الراعف الذي لا ينقطع رعافه أنه يصلي بالإيماء، واختلف قوله في الصلاة، في الطين والماء الغالب، وفي الصلاة في الطين حديث مرفوع من حديث يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم وحضرت الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن، فإذَّن وأقام وتقدَّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلّى بهم على راحلته وهم على رواحلهم يومئ إيماءً ويجعل السجود أخفض من الركوع، وقد
وَأَجْزَاهُ (1) ، وَإِنْ كَانَ يَرْعَُفُ كُلَّ حَالٍ (2) سَجَدَ.
وَأَمَّا إِذَا أَدْخَلَ الرجُلُ إصبَعَهُ فِي أَنْفِهِ فَأَخْرَجَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ دَمٍ فَهَذَا لا وضوءَ فِيهِ (3) لأَنَّهُ غَيْرُ سَائِلٍ (4) وَلا قَاطِرٍ، وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ فِي الدَّمِ مِمَّا سَالَ أَوْ قطر، وهو قولُ أبي حنيفة (5) .
ذكرناه بإسناده في التمهيد. وعن أنس بن مالك وجابر بن زيد وطاووس أنهم صلّوا في الماء والطين بالإيماء. والدم أحرى بذلك، وذكر ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: إذا غلبه الرعاف، فلم يقدر على القيام والركوع والسجود أومأ برأسه إيماءً. انتهى.
(1)
أي: الإيماء.
(2)
في نسخة: على كل. أي: سواء أومأ أو سجد.
(3)
قوله: فهذا لا وضوء فيه، وكذا إذا عرض شيئاً بأسنانه، فرأي أثر الدم فيه، أو استنثر فخرج من أنفه الدم علقاً علقاً، وكذا إذا بزق ورأى في بزاقه أثر الدم، بشرط أن لا يكون الدم غالباً، إلى غير ذلك من الفروع المذكورة في كتب الفقه، وفيه خلاف زفر، فإنه يوجب الوضوء من غير السائل أيضاً لظاهر بعض الأحاديث، وقد ردَّه الحنفية في كتبهم بأحسن ردّ.
(4)
من مخرجه.
(5)
قوله: وهو قول أبي حنيفة، بل هو قول الكل إلاّ مجاهداً كما قال ابن عبد البر، فإن كان الدم يسيراً غير خارج ولا سائل فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم، وما أعلم أحداً أوجب الوضوء من يسير الدم إلاّ مجاهداً وحده، واحتجَّ أحمد بن حنبل في ذلك بأن عبد الله بن عمر عصر بثرة فخرج منها دم ففتله بإصبعه، ثم صلّى ولم يتوضأ، قال: وقال ابن عباس: إذا فحش، وعبد الله بن أبي أوفى بصق دماً ثم صلَّى ولم يتوضأ.
9 -
(بَابُ الغَسل (1) مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ) (2)
40 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا الزُّهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ (3) بْنِ عَبْدِ الله، عن أمِّ قيس (4)
(1) بفتح الغين، أي غسل ما أصابه بوله.
(2)
قوله: بول الصبي، قال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على أن بول كل صبي يأكل الطعام ولا يرضع نجس كبول أبيه، واختلفوا في بول الصبي والصبية إذا كانا يرضعان ولا يأكلان الطعام، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: بول الصبيّ والصبية كبول الرجلين مرضعين كانا أو غير مرضعين، وقال الأوزاعي: لا بأس ببول الصبيّ ما دام يشرب اللبن، وهو قول عبد الله بن وهب صاحب مالك. وقال الشافعي: بول الصبيّ الذي لم يأكل الطعام ليس بنجس حتى يأكل الطعام، وقال الطبري: بول الصبية يغسل غسلاً، وبول الصبيّ يُتبع ماءً، وهو قول الحسن البصري، وذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج، عن ابن شهاب، قال: مضت السنَّة أن يُرش بول الصبي ويُغسل بول الجارية، وقد أجمع المسلمون على أنه لا فرق بين بول المرأة والرجل في القياس، فكذلك بول الغلام والجارية، وقد رُويت التفرقة بينهما في أن بول الصبي لا يُغسل، وبول الصبية يُغسل في آثار ليست بالقوية، وقد ذكرتها في التمهيد. انتهى. وفيه ما فيه.
(3)
قوله: عن عبيد الله بن عبد الله، هو عبيد الله بن عبد الله بن عبتة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، روى عن أبيه، وابن عباس، وابن عمر، والنعمان بن بشير، وعنه الزهري، وسالم أبو النضر، وطائفة، وثقه أبو زرعة، والعجلي وغير واحد، مات سنة أربع أو خمس وتسعين، وقيل ثمان وتسعين، كذا في "إسعاف المبطأ برجال الموطأ".
(4)
قوله: أم قيس، هو أخت عكاشة، أسلمت قديماً وهاجرت إلى المدينة، روى عنها مولاها عدي بن دينار، ووابصة بن معبد وغيرهما كذا في "الإسعاف"، وقال الزرقاني: اسمها جذامة وقيل: آمنة.
بنتِ مِحْصَن (1) : أَنَّهَا جاءتْ بابنٍ لَهَا (2) صغيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطعامَ (3) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حُجْره (4) ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ (5) فدعا بماءٍ فنضح (6)(7)
(1) بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن حرثان الأسدي.
(2)
قوله: بابن لها صغير، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسميته، قال: وروى النسائي أن ابنها هذا مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير.
(3)
قوله: لم يأكل الطعام، المراد بالطعام ماعدا اللبن التي ترضعه، والتمر الذي يُحنَّك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة، وغيرها، فكأنّ المراد لم يحصل له الإغتذاؤ بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضى كلام النووي في شرح صحيح مسلم وشرح المهذب، وقال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوّت بالطعام ولم يستغن عن الرضاع.
(4)
بفتح الحاء على الأشهر، تكسر وتضم: الحضن.
(5)
قوله: ثوبة، أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية، فقال: المراب به ثوب الصبي، والصواب الأول، قاله ابن حجر.
(6)
النضح هو رش الماء من غير دَلْك، والغسل إنما يكون بصب الماء من غير مبالغة.
(7)
قوله: فنضح، قال النووي في شرح صحيح مسلم: قد اختلف العلماء في كيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا، الصحيح المشهور المختار أنه يكفي النضح في بول الصبي، ولا يكفي في بول الجارية، بل لا بد من غسله كسائر النجاسات، والثاني أنه يكفي النضح فيهما، والثالث لا يكفي النضح فيهما، وهذان الوجهان حكاهما صاحب "التتمة" من أصحابنا، وهما شاذّان، وممن قال بالفرق: عليّ وعطاء بن أبي رباح والحسن
عليه (1) ولم يَغْسِلْه (2) .
البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف وأصحاب الحديث، وابن وهب من أصحاب مالك، وروي عن أبي حنيفة، وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما.
واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبيّ، ولا خلاف في نجاسته، ونَقل بعض العلماء الإجماع على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلَاّ داود الظاهريّ، قال الخطابيّ وغيره: وليس تجويز في جوّز النضح في الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس، ولكنه من أجل التخفيف في إزالته، فهذا هو الصواب، وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطّال ثم القاضي عياض عن الشافعية وغيرهم أنهم قالوا بطهارة بول الصبي فيُنضح فحكاية باطلة، وأما حقيقة النضح ههنا فقد اختلف أصحابنا فيها، فذهب الشيخ أبو محمد الجويني والبغوي إلى أن معناه أن الشيء الذي أصابه البول يُغمر بالماء كسائر النجاسات بحيث لو عُصر لا يُعصر، قالوا: وإنما يخالف هذا غيره في أن غيره يُشترط عصره على أحد الوجهين وهذا لا يُشترط، وذهب إمام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أني غمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتقاطره، وهذا هو الصحيح المختار، ويدلّ عليه "فنضحه ولم يغسله"(انظر "شرح مسلم" للنووي (باب حكم بول الرضيع)(1/139)) .
(1)
قوله: عليه، لمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب فلم يزد على أن نضح بالماء، وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب: فرشّه، وزاد أو عَوانة (في الأصل:"ابن عَوانة"، وهو خطأ) في صحيحه:"عليه".
(2)
قوله: ولم يغسله، قال ابن حجر: ادّعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب وأن الحديث انتهى عند قوله: "فنضحه"، قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة، قال: فرشّه، ولم يزد على ذلك.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ جَاءَتْ رخصةٌ (1) فِي بَوْلِ الغلام إذا كان لم يأكل الطعام،
انتهى. وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادّعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك، لكنه لم يقل: ولم يغسله، وقد قالهما مع مالك: الليثُ وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد، كلهم عن ابن شهاب، أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية، أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي، وعطاء، والحسن، والزهري، وأحمد، وإسحاق، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك، وقال أصحابه: هي رواية شاذة. والثاني يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكي عن مالك والشافعي. والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية: قال ابن دقيق العيد: اتبعوا في ذلك القياس وقالوا: المراد بقولها: لم يغسله أي غسلاً مبالغاً فيه، وهو خلاف الظاهر. ويُبعده ورود الأحاديث الأُخر في التفرقة، وقال الخطابي: ليس تجويز من جوّز النضح من أجل أن بول الصِّبيان غير نجس، وأثبت الطحاوي الخلاف، وكذا جزم به ابن عبد البَرّ وابن بطّال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما، ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة، وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب المذهب أعلم بمرادهم من غيرهم.
(1)
قوله: قد جاءت رخصة، أي بالنضح في بول الغلام ما لم يطعم الطعام دون الجارية كما في حديث أم قيس:"فنضحه ولم يغسله"، وفي سنن ابن ماجة من حديث علي مرفوعاً: يُنضح بول الغلام ويُغسل بول الجارية، وفيه عن لبابة قالت: بال الحسين بن علي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أعطني ثوبك والبَس ثوباً غيره، فقال: إنما يُنضح من بول الذكر ويُغسل من بول الأنثى، وفي سنن أبي داود عن علي ولبابة مثل ما مر، وعن أبي السَّمح قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولّني قفاك فأستره به، فأتي بحسن
وَأَمَرَ بغَسْلِ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وغَسْلُهما (1) جَمِيعًا أحبُّ إلينا وهو
أو حسين فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يُغسل من بول الجارية ويُرشّ من بول الغلام، وللنسائي من حديث أبي السمح مثله.
فهذه الأحاديث وأمثالها تشهد بالرخصة في بول الغلام بالنضح، والفرق (في الأصل: و"الرق"، وهو خطأ) بينه وبين بول الجارية، وحَمَل أصحابُنا النضحَ والرشَّ على الصبّ الخفيف بغير مبالغة ودَلك، والغسل على الغسل مبالغة، فاستويا في الغسل. وقالوا: النضح يُستعمل في الغسل كما في حديث عليٍّ في المذي من قوله صلى الله عليه وسلم: "فينضح فرجه"، أي يغسله، ويؤيده ما روى أبو داود عن الحسن عن أمه أنها أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلَته، وكانت تغسل من بول الجارية.
(1)
قوله: وغسلهما جميعاً أحب إلينا، لأنه يحتمل أن يكون المراد بالنضح صبّ الماء عليه، فقد يُسمى ذلك نضحاً، وإنما فُرِّق بينهما لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لمخرجه، وبول الجارية يتفرَّق لسعة مخرجه، فأمر في الغلام بالنضح أي صب الماء عليه في موضع واحد، وأراد بغسل بول الجارية أن ينقع في الماء لأنه يقع في مواضع متفرقة، كذا ذكره الطحاوي وأيّده بما أخرجه عن سعيد بن المسيب أنه قال: الرش بالرش، والصب بالصب، ثم أخرج حديث عائشة وفيه: فأتبعه الماء، وقال: وإتباع الماء حكمه حكم الغسل، ألا يرى أن رجلاً لو أصاب ثوبه نجاسة فأتبعه الماء طهر ثوبه، ثم أخرج عن أم الفضل قالت: لما وُلد الحسين أتيت (في الأصل: "أتيتُه به"، والظاهر"أتيتُ") ، به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعته على صدره فبال عليه، فأصاب إزاره، فقلت: يا رسول الله أعطني إزارك أغسله، فقال: إنما يُصَبّ من بول الغلام، ويغسلُ من بول الجارية، ثم قال: فثبت أن النضح أراد به الصب حتى لا يتضاد الحديثان المختلفان (انظر: "عمدة القاري" للعيني (1/893)) .
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (1) .
41 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هشامُ (2) بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ (3) ، عَنْ عَائِشَةَ (4) رضي الله عنها، أنها قالت:
(1) وكذا أبي يوسف، ذكره الطحاوي.
(2)
قوله: هشام بن عروة، هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، عن أبيه وعمِّه عبد الله بن الزبير، وعنه مالك وأبو حنيفة وشعبة، وثّقه أبو حاتم وغيره، مات سنة خمس وأربعين ومائة، كذا في "إسعاف المبطّأ برجال الموطأ" للسيوطي.
(3)
قوله: عن أبيه، عروة بن الزبير أبو عبد الله، عن أبيه وأخيه عبد الله، وعلي، وابنيه، وعائشة، وعنه بنوه عبد الله ومحمد وعثمان وهشام، مات سنة أربع وتسعين، كذا في "الإسعاف".
(4)
قوله: عن عائشة، بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أمها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس، تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين، هذا قول أبي عبيدة: بثلاث سنين، وابتنى بها بالمدينة وهي بنت تسع، وقال أبو الضحى عن مسروق: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس، توفيت سنة سبع وخمسين، وقيل سنة ثمانية وخمسين، لسبع عشرة خَلَتْ من رمضان، كذا في "الاستيعاب في أحوال الأصحاب" لابن عبد البر.
أُتي (1) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ (2) فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فأَتْبَعَه (3)(4) إِيَّاهُ (5) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ: تُتْبِعُه (6) إِيَّاهُ غَسْلا (7) حَتَّى تُنْقِيَهُ (8) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
(1) مجهول.
(2)
قوله: بصبيّ، يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس، ويحتمل أن يكون الحسن بن عليّ أو الحسين، كذا في "الفتح".
(3)
بإسكان المثناة.
(4)
الضمير المتصل للبول والمنفصل للماء، ويجوز العكس.
(5)
قوله: إيّاه، زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام:"ولم يغسله". ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام: "فصبّ عليه الماء". وللطحاوي "فنضحه عليه".
(6)
بصيغة الخطاب وكذا قرينه والخطاب عام، وفي بعض النسخ ننقيه ونتبعه بصيغة المتكلم.
(7)
أي غسلاً خفيفاً.
(8)
من الإنتقاء أو التنقية.