الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يَبْنِيَ (1) عَلَى مَا صَلَّى، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَتَكَلَّمَ ويتوضَّأ وَيَسْتَقْبِلَ صَلاتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (2) رحمه الله.
8 - (بَابُ فَضْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يُستحبُّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل
173 -
أخبرنا مالك، أخبرنا (3)
حدث في الصلاة، ولعلَّ محمداً نظر إلى قوله:(كبَّر)، فحمله على الدخول في الصلاة وإلى قوله:(ثم رجع وعلى جلده أثر الماء) ، فحمله على أنه توضأ، وحمل قوله:(فصلّى) على أنه بنى، وأيَّده بأنه أشار إليهم أن امكثوا، ولم يتكلَّم كما هو شأن الباني، فاستنبط منه ما استنبط.
(1)
قد ذكرت الأحاديث الدالة على هذا في باب الوضوء من الرعاف، فانظر هناك.
(2)
وبه قال جماعة، وخالفهم جماعة في البناء كما مرَّ منّا ذكره في باب الوضوء من الرعاف.
(3)
قوله: أخبرنا عبد الرحمن، قال الحافظ ابن حجر: هذا هو المحفوظ، رواه جماعة عن مالك، فقالوا عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبيه، أخرجه النسائي والإسماعيلي والدارقطني وقالوا: الصواب الأول.
عبدُ الرَّحْمَنِ (1) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ (2) أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (3) الخُدْري أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا (4) مِنَ اللَّيْلِ يَقْرَأُ:{قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يردِّدها (5) ، فَلَمَّا أَصْبَحَ حدَّث النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كأنَّ (6) الرَّجُلَ (7) يُقَلِّلُها (8)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنها (9)
(1) قوله: عبد الرحمن، الأنصاري المازني، وثقه النسائي وأبو حاتم، مات في خلافة المنصور كذا في "الإسعاف".
(2)
هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة التابعي الثقة، كذا قال الزرقاني.
(3)
سعد بن مالك بن سنان.
(4)
هو قتادة بن النعمان أهو أبي سعيد الخدري لأمِّه كما صرح به في رواية "مسند أحمد".
(5)
لأنه لم يحفظ غيرها، أو لما رجاه من فضيلتها قاله أبو عمر (في الأصل:"أبو عمرو") .
(6)
بفعل ماض أو بشد النون.
(7)
بالنصب أو الرفع الذي جاء وذكر، وهو أبو سعيد.
(8)
أي: يعتقد أنها قليلة.
(9)
قوله: إنها لتعدل (أخرجه البخاري في: 66 - كتاب فضائل القرآن، 13 - باب فضل: قل هو الله أحد)، أي: تساوي ثلث القرآن لأن معاني القرآن ثلاثة علوم: علم التوحيد، وعلم الشرائع، علم تهذيب الأخلاق. وسورة الإخلاص يشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للقسمين، وهو علم التوحيد، وقال الطِّيبي: ذلك لأن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص، وأحكام، وصفات الله و {قل هو الله
…
} متمحِّضة للصفات فهي ثلث القرآن، وقيل:
لَتَعْدِلُ ثُلُثَ (1) القرآن".
ثوابها يضاعف بقدر ثلث القرآن، فعلى الأول لا يلزم من تكريرها استيعاب القرآن وختمه وعلى الثاني يلزم، وقال ابن عبد البر: من لم يتأوَّل هذا الحديث أخلص ممن اختار الرأي، وإليه ذهب أحمد وإسحاق، فإنهما حَمَلا الحديث على أن معناه أن لها فضلاً في الثواب تحريضاً على تعلُّمها لا أن قراءتها ثلاث مرات كقراءة القرآن، قال: وهذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة، كذا في "مرقاة المفاتيح"(4/349، وانظر: فتح الباري 8/60) .
(1)
قوله: ثلث القرآن، قد وقع النزاع بين طَلَبَتي المستفيدين مني بحضرتي سنة إحدى وتسعين بعد الألف والمائتين في أنه إذا قرأ سورة الإخلاص هل يجد ثواب قراءة تمام القرآن؟ فقال بعضهم: نعم، مستنداً بهذا الحديث، ورده بعضهم بأن جميع الأثلاث إنما يبلغ إلى الواحد التام إذا كانت من جنس واحد، وإلا فلا، وليس في الحديث تصريح بشيء من ذلك، فحضروا لديّ سائلين تحقيق الحق في ذلك، فقلت: قد صرّح جمع من الفقهاء والمحدثين بذلك فقالوا: غرضنا أنه هل يُستنبط ذلك من هذا الحديث أم لا؟ فقلت: إن كانت الثلثية معللة باشتمالها على ثلث معاني القرآن، وهو التوحيد كما هو رأي جماعة. فلا دلالة لهذا الحديث على حصول ثواب ختم القرآن بالتثليث لأن التثليث حينئذٍ يكون تثليثاً لآيات التوحيد فقط ولا يشتمل على ما (في الأصل:"ما في القرآن"، والصواب:"على ما في القرآن") في القرآن، وإن حُمل ذلك على كون ثوابه بقدر ثواب ثلث القرآن مع قطع النظر عن ما ذكر يمكن ثواب الختم التام بالتثليث، فانقطع النزاع منهم. ثم وجدت في "معجم الطبراني الصغير "أنه أخرج عن أحمد بن محمد البزار الأصبهاني، نا الحسن بن علي الحلواني، نا زكريا بن عطية، نا سعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم، حدثني عمي سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ {قل هو الله أحد} بعد صلاة الصبح اثني عشر مرة، فكأنما قرأ القرآن أربع مرات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذٍ إذا اتقى، فصار هذا أدل على المقصود قاطعاً للنزاع.
174 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سعيدَ بنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ معاذُ بْنُ جَبَلٍ (1) : لأَنْ أذكرَ اللهَ مِنْ بُكرة (2) إِلَى اللَّيْلِ أحبُّ (3) إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْمِلَ عَلَى جِياد (4) الْخَيْلِ مِنْ بُكرة حَتَّى اللَّيْلِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ذِكْرُ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (5)
175 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) قوله: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن المدني شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها، وكان أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومات في طاعون عَمَواس، كذا في "الإسعاف".
(2)
أي: من أول النهار.
(3)
قوله: أحبّ إليَّ
…
إلخ، فيه تفضيل الذكر على الجهاد وهو أمر توقيفي لا يُدرك بالرأي، وقد ورد به حديث مرفوع أيضاً، وورد بعض الأحاديث بتفضيل الجهاد على جميع الأعمال، والجمع بينهما أن الجهاد الكامل المتضمِّن لبذل المال وإظهار الحجة والبيان وتدبير الأمور بالرأي والتوجه بالدعاء والقلب والقتال باليد أفضل الأعمال مطلقاً، وما سواه من أنواعه يفضل عليه الذكر، كذا حققه برهان الدين إبراهيم بن أبي القاسم بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الشافعي في "عمدة المتحصنين شرح عدة الحصن الحصين".
(4)
بالكسر جمع جيد.
(5)
قوله: على كل حال، حتى حالة التغوط والجماع فإنه وإن كان الذكر اللساني منهياً عنه عند ذلك لكن لا شبهة في حُسن الذكر القلبي، وقد ورد من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه.
قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ (1) الإِبِلِ المُعَلَّقة (2) ، إِنْ عاهَدَ (3) عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ.
49 -
(بَابُ الرَّجُلِ يُسلَّم (4) عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي)
167 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عمرَ مرَّ عَلَى رجلٍ يصلِّي، فسلَّم عَلَيْهِ (5) فردَّ (6) عليه السلام، فَرَجَع إِلَيْهِ ابنُ عمرَ، فَقَالَ: إِذَا سُلِّم عَلَى أَحَدِكُمْ وَهُوَ يصلِّي فلا يتكلَّم (7)
(1) قال الطِّيبي: وذلك لأن القرآن ليس من كلام البشر، بل كلام خالق القُوى والقُدر، وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث، وهو قديم، والله سبحانه بلطفه منَّ عليهم ومنحهم هذه النعمة.
(2)
العقال: الحبل الذي يُشدّ به ذرع البعير، كذا في "مرقاة المفاتيح".
(3)
المعاهدة: المحافظة وتجديد العهد.
(4)
بصيغة المجهول.
(5)
أي: سلّم ابن عمر عليه، ولعله لم يدرِ أنه يصلي.
(6)
أي: كلاماً.
(7)
برد السلام لأنه مفسد، قوله: فلا يتكلم، فيه إشارة إلى أن السلام كلام لأن فيه خطاباً ومواجهة بالغير، والكلام في الصلاة منهي عنه، وقد دلَّت عليه أحاديث مرفوعة أيضاً، فأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود قال: كنا نقوم في الصلاة، فنتكلم ويسارّ الرجل صاحبه، ويخبره، ويردّون عليه إذا سلَّم حتى أتيتُ فسلَّمت فلم يردوا عليَّ، فاشتدَّ ذلك عليَّ، فلما قضي النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلاّ أنّا أُمرنا أن نقوم قانتين. وأخرج أيضاً عنه:
وَلْيُشِرْ (1) بيدِهِ.
كنا نتكلم في الصلاة، فسلَّمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يردّ عليَّ، فلما انصرفت قال: لقد أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة، ونزلت:{وقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} (سورة البقرة: آية 238) . وأخرج أيضاً عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عوّدني أن يردَّ عليَّ السلام في الصلاة فأتيتُهُ ذات يوم فسلَّمت فلم يردَّ عليّ، وقال: إنَّ الله يحدث في أمره ما شاء، وإنه قد أحدث لكم أن لا يتكلم أحد إلا بذكر الله وما ينبغي من تسبيح وتمجيد {وقوموا للَّهِ قَانِتِينَ} ، وأخرج البخاريّ ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عنه: كنا نسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه فلم يردّ علينا، فقلنا: كنا نسلِّم عليك، فتردّ علينا، فقال: إنَّ في الصلاة شغلاً.
(1)
قوله: وليشر بيده، أي: بأصبعه لما أخرج أبو داود والترمذي، عن صهيب: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، فسلَّمت عليه فردَّ إليَّ إشارةً، وأخرج البزار، عن أبي سعيد أن رجلاً سلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فردّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إشارة، فلما سلّم قال له: إنّا كنا نرد السلام في صلاتنا، فنُهينا عن ذلك، وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير في الصلاة.
وبه أخذ الشافعي، فاستحب الرد إشارة، وعن أحمد كراهة الرد بالإشارة في الفرض دون النفل، وعن مالك روايتان، ذكره العيني. واختلف أصحابنا: فمنهم من كرهه ومنهم الطحاوي وحملوا الأحاديث على أن إشارته صلى الله عليه وسلم كان للنهي عن السلام لا لرده، وهو حَملٌ يحتاج إلى دليل مع مخالفته لظاهر بعض الأخبار، ومنهم من قال لا بأس به