المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمات الطبع والتحقيق]

- ‌تقدِيم بقَلم سَمَاحَةِ الشَّيخ أبي الحَسَن عَلي الحَسَني النَّدوي

- ‌تَقدمة بقلم الأستاذ عَبد الفتاح أبو غُدّة

- ‌حفظ الله تعالى للسنة:

- ‌نصيب المدينة من السنة أوفى نصيب وسَبْقُها في تدوين السنة:

- ‌تأليف مالك الموطأ:

- ‌تأريخ تأليف الموطأ:

- ‌الموطأ أوَّلُ ما صُنِّف في الصحيح:

- ‌مكانة "الموطأ" وصعوبة الجمع بين الفقه والحديث:

- ‌كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه:

- ‌الإمامة في علم تجتمع معها العامية في علم آخر:

- ‌يُسر الرواية وصعوبة الفقه والاجتهاد:

- ‌مزايا "الموطأ

- ‌كلمةٌ عن روايات الموطأ عن مالك:

- ‌كلمات في ترجمة محمد بن الحسن راوي الموطأ وكلمات في العمل بالرأي الذي يُغمَزُ به:

- ‌كلماتٌ في العمل بالرأي الذي يُغمزُ به محمد بن الحسن والحنفيةُ وغيرهم:

- ‌ظلم جملة من المحدثين لأبي يوسف ومحمد الفقيهين المحدثين:

- ‌كلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي:

- ‌تحجُّر الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث:

- ‌الردُّ على من قدح في أبي حنيفة بدعوى تقديمه القياس على السنة:

- ‌كلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي:

- ‌أهميةُ طبع كتاب التعليق الممجد:

- ‌مقدمة المحقِّق [د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة]

- ‌تَرجمَة "العَلاّمة فَخر الهِند عبد الحَي اللَّكنَوي" (من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواطر"، للشيخ السيد عبد الحيّ الحَسَني (م 1341 هـ) : 8/234)

- ‌مقَدِّمَة الشَّارح

- ‌مقَدمة: فيهَا فوائد مُهمَّة

- ‌[الفائدة] الأولى: في كيفية شيوع كتابة الأحاديث وبَدْء تدوين التصانيف، وذكر اختلافها مَقصِداً، وتنوّعها مسلكاً، وبيان أقسامها وأطوارها

- ‌الفائدة الثانية: في ترجمة الإمام مالك

- ‌الفائدة الثالثة: في ذكر فضائل الموطّأ وسبب تسميته به وما اشتمل عليه

- ‌الفائدة الرابعة: قد يُتَوَهَّم التعارض بين ما مرَّ نقله عن الشافعي

- ‌الفائدة الخامسة: من فضائل الموطّأ اشتماله كثيراً على الأسانيد التى حكم المحدثون عليها بالأصحية

- ‌الفائدة السادسة: قال السيوطي: في "تنوير الحوالك

- ‌الفائدة السابعة: [نسخ الموطأ]

- ‌الفائدة الثامنة: [عدد أحاديثه]

- ‌الفائدة التاسعة: في ذكر من علق على موطّأ الإمام مالك

- ‌الفائدة العاشرة: في نشر مآثر الإِمام محمد وشيخيه أبي يوسف وأبي حنيفة:

- ‌الفائدة الحادية عشرة: [أهمية رواية محمد، وترجيحها على رواية يحيى المشهورة]

- ‌الفائدة الثانية عشرة: في تعداد الأحاديث والآثار التي في موطأ الإمام محمد [بالتفصيل] :

- ‌خاتمة:

- ‌أبواب الصلاة

- ‌2 - (بَابُ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ)

- ‌5 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مسِّ الذَّكر)

- ‌8 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعاف)

- ‌10 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ)

- ‌12 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ)

- ‌15 - (بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ)

- ‌17 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يَوْمِ الجُمُعة)

- ‌18 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يومَ الْعِيدَيْنِ)

- ‌24 - (بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌25 - (باب المرأة ترى الصُّفرة والكُدْرة

- ‌26 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِل بعضَ أعضاءِ الرَّجُلِ وَهِيَ حَائِضٌ)

- ‌27 - (باب الرجل يغتسلُ أو يتوضأ بِسُؤْرِ الْمَرْأَةِ

- ‌28 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الهِرّة)

- ‌29 - (باب الأَذَانِ وَالتَّثْوِيبِ

- ‌30 - (بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ)

- ‌34 - (باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌39 - (باب السهو في الصلاة)

- ‌42 - (بَابُ السُّنَّةِ فِي السُّجُودِ)

- ‌43 - (بَابُ الْجُلُوسِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌44 - (بَابُ صَلاةِ الْقَاعِدِ)

- ‌45 - (بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)

- ‌46 - (بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ)

- ‌7 - (بابُ الحدَثِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌8 - (بَابُ فَضْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يُستحبُّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل

- ‌50 - (باب الرجلان يصلِّيانِ جَمَاعَةً)

- ‌52 - (بَابُ الصلاةِ عِنْدَ طلوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا)

- ‌53 - (بابُ الصلاةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)

- ‌54 - (بَابُ الرَّجُل يَنْسَى الصلاةَ أَوْ تفوتُهُ عَنْ وَقْتِهَا)

- ‌56 - (بَابُ قَصْرِ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌57 - (بَابُ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ المِصْرَ أَوْ غيرَه مَتَى يُتِمّ الصلاةَ)

- ‌58 - (باب الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌59 - (بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ)

- ‌60 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الدَّابَةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌61 - (بَابُ الرَّجُلِ يصلِّي فَيَذْكُرُ أنَّ عَلَيْهِ صَلاةً فَائِتَةً)

- ‌64 - (بَابُ فَضْلِ الْعَصْرِ وَالصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ)

- ‌65 - (بَابُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ وَالدِّهَانِ

- ‌66 - (بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الصَّمْتِ

- ‌67 - (بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ وَأَمْرِ الْخُطْبَةِ)

- ‌68 - (بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ العيد أبو بَعْدَهُ)

- ‌69 - (بَابُ القراءةِ فِي صَلاةِ الْعِيدَيْنِ)

- ‌70 - (بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ

- ‌72 - (بابُ القنوتِ فِي الْفَجْرِ)

- ‌73 - (بَابُ فضلِ صلاةِ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَمْرِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)

- ‌74 - (بَابُ طولِ القراءةِ فِي الصَّلاةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ التَّخْفِيفِ)

- ‌75 - (بابُ صلاةِ المغربِ وترُ صلاةِ النَّهار)

الفصل: ‌70 - (باب التكبير في العيدين

يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ قَالَ: كَانَ (1) يَقْرَأُ بقاف (2) والقرآن المجيد (3) ، واقتربت السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (4) .

‌70 - (بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ

(5))

237 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، قَالَ: شهدتُ (6) الأَضْحَى والفطرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فكبَّرَ (7) فِي الأُولَى سبعَ تَكْبِيرَاتٍ (8) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الآخِرَةِ (9) بِخَمْسِ تكبيرات قبل القراءة.

العيد بسورٍ شتّى، وليس في ذلك عند الفقهاء شيءٌ لا يُتَعَدّى، وكلهم يستحب ما روى أكثرهم. وجمهورهم:{سَبِّحِ اسمَ} و {هَلْ أَتَاكَ} .

(2)

قوله: بقاف، في الباب عن النعمان بن بشير عند مسلم، لكن ذكر {سَبِّحِ} و {هَلْ أَتَاكَ} ، وعن ابن عباس عند البزّار، لكن ذكر بـ {عَمَّ يَتَسَاءَلونَ} ، و {والشَّمْسِ وَضُحاها} ، كذا في "التلخيص الحبير" (في الأصل:"تلخيص الحبير"، وهو خطأ) لابن حجر، رحمه الله.

(3)

في الركعة الأولى.

(4)

في الثانية، قال العلماء: حكمة ذلك ما اشْتَمَلَتا عليه من الإِخبار بالبعث والقرون الماضية، وهلاك المكذِّبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث.

(5)

أي في صلاة العيدين.

(6)

أي: حضرت صلاتهما مقتدياً به.

(7)

قوله: فكبر، قال مالك: هو الأمر عندنا، وبه قال الشافعي: إلَاّ أن مالكاً عدَّ في الأولى تكبيرة الإِحرام، وقال الشافعي سواها، والفقهاء على أن الخمس في الثانية غير تكبيرة القيام، قاله ابن عبد البر.

(8)

هذا لا يكون رأياً إلَاّ توقيفاً يجب التسليم له.

(9)

في نسخة: الأخيرة.

ص: 615

قَالَ مُحَمَّدٌ: قَدِ اخْتُلِفَ (1) الناسُ فِي التكبيرِ في العيدين، فما

(1) قوله: قد اختلف الناس، لاختلاف الأخبار الواردة في ذلك على ما بسطه الزيلعي والعيني وابن حجر وغيرهم، فأخرج أبو داود وابن ماجه، عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين في الأولى بسبع تكبيرات، وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرتي الركوع. وفي سنده عبد الله بن لهيعة متكلَّم فيه، وفي سنده اضطراب ذكره الدارقطني في "علله" وذكر الترمذي في "علله الكبرى" أن البخاري ضعَّف (في نسخة:"ضعيف"، وهو تحريف) هذا الحديث. وأخرج أبو داود وابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً:"التكبير في الفطر سبعٌ في الأولى وخمسٌ في الثانية، والقراءة بعدهما كتيهما". وفي سنده عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ضعَّفه ابن معين، ونقل الترمذي أنه سأل البخاريَّ عن هذا الحديث فقال: صحيح. وأخرج الترمذي وحسنه، وقال: هو أحسنُ شيء رُوي في الباب عن كثير بن عبد الله بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ في الأَولَى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة، وفيه كثير بن عبد الله متكلَّم فيه، وأخرج ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد، عن سعد، عن عمار، عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبِّر في العيدين في الأُوْلى سبعاً قبل القراءة وفي الأخرى خمساً قبل القراءة. وكذا أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر، وهو الموافق لما أخرجه مالك عن أبي هريرة من فِعْله. وأخرج أبو داود عن مكحول، قال: أخبرني أبو عائشة جليسٌ لأبي هريرة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفَةَ: كيف كان رسول الله يكبِّر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبِّر أربعاً تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق. وفيه عبد الرحمن بن ثوبان، متكلَّم فيه.

هذا اختلاف الأخبار المرفوع (انظر نصب الراية 3/217 و 218) . وأما الآثار فأخرج عبد الرزاق، عن علقمة والأسود أن ابن مسعود كان يكبِّر في العيدين تسعاً: أربعاً قبل قراءة، ثم يكبِّر فيركع، وفي الثانية يقرأ، فإذا فرغ كبَّر أربعاً، ثم ركع وأخرج أيضاً عنهما أن

ص: 616

أخذتَ بِهِ فَهُوَ حَسَنٌ (1) وَأَفْضَلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يكبِّر في كل عيد (2) تسعاً:

ابن مسعود كان جالساً وعنده حذيفة وأبو موسى فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في العيد، فقال حذيفة سُئل الأشعريّ فقال: سَلْ عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا، فسأله فقال ابن مسعود: كان يكبِّر أربعاً، ثم يكبِّر فيركع فيقوم إلى الثانية فيقرأ، ثم يكبِّر أربعاً، بعد القراءة. وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق: كان ابن مسعود يعلِّمنا التكبير تسع تكبيرات، خمس في الأولى وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين، وأخرج عبد الرزاق، عن عبد الله بن الحارث: شهدت ابنَ عباس كبَّرَ في العيد بالبصرة تسعَ تكبيرات، ووالى بين القراءتين وشهدتُ المغيرة فعل ذلك. وأخرج ابنُ أبي شيبة، عن عطاء أن ابن عباس كبَّرَ في عيد ثلاث عشرة، سبعاً في الأولى، وستاً في الأخرى بتكبيرة الركوع، كلُّهن قبل القراءة. وأخرج أيضاً عن عمار أن ابن عباس كبَّر في عيد ثِنْتي عَشْرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الأخرى بتكبيرة الركوع. وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً، عن عبد الله بن الحارث: صلّى ابن عباس بالبصرة صلاة عيد، فكبَّر تسع تكبيرات: خمساً في الأولى وأربعاً في الآخرة ووالى بين القراءتين. وهذا الاختلاف الوارد في المرفوع والآثار، كلُّه اختلاف في مباح، كما أشار إليه محمد بقوله: فما أخذت به فهو حسن، فلا يجوز لأحد أن يُعنِّف فيه على خلاف ما يراه، واختلاف الأئمة في ذلك إنما هو اختلاف في الراجح، كما أشار إليه محمد بقوله: وأفضل ذلك

إلخ، فإن اختار أحد غير ما روي عن ابن مسعود فلا بأس به أيضاً (انظر بسط المذاهب وأدلتها في أوجز المسالك 3/355) .

(1)

قوله: فهو حسن، ونظيره اختلافهم في تكبيرات صلاة الجنازة لاختلاف الأخبار والآثار في ذلك، فما أخذت به فهو حسن.

(2)

أي: في مجموع الركعتين.

ص: 617

خَمْسًا (1) وَأَرْبَعًا (2) ، فيهنَّ تَكْبِيرَةُ الافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ، ويوالي بين القراءتين، ويؤخِّر (3) ها (4) فِي الأُولَى، ويقدِّمها فِي الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

71 -

(بَابُ قِيَامِ شَهْرِ (5) رَمَضَانَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ)

238 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى (6) في

(1) في الركعة الأولى، واحدة منها تكبيرة الافتتاح، وواحدة تكبيرة الركوع، والثلاث زوائد.

(2)

في الركعة الثانية، واحدة منهن تكبيرة الركوع والثلاث زوائد.

(3)

بيان للموالاة.

(4)

أي: القراءة عن التكبيرات في الركعة الأولى.

(5)

قوله: شهر رمضان، ويسمّى التراويح جمع ترويحة لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.

(6)

قوله: صلّى

إلخ، قال ابن عبد البر: تفسيره هذه الليالي التي صلّى فيها بما رواه النعمان بن بشير قال: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلةَ ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، ثم قمنا معه ليلةَ خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندركَ الفلاح. أخرجه النسائي. وأما عدد ما صلّى، ففي حديث ضعيف أنه صلّى عشرين ركعة والوتر، أخرجه ابن أبي شيبة، من حديث ابن عباس (أخرجه عبد بن حميد في مسنده رقم الحديث 653، قال في مجمع الزوائد 3/172: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه أبو شيبة إبراهيم وهو ضعيف) ، وأخرج ابن حبان في صحيحه (انظر نصب الراية 1/293) من

ص: 618

الْمَسْجِدِ (1) ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ كَثُرُوا مِنَ الْقَابِلَةِ (2) ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ أَوِ الرَّابِعَةَ (3) ، فكثُرُوا، فَلَمْ يَخْرُجْ (4) إِلَيْهِمْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ (5) قَالَ: قَدْ رأيتُ الذي (6) قد صنعتُم (7)

حديث جابر: أنه صلّى بهم ثمان ركعات ثم أوتر، وهذا أصح، كذا في "التنوير".

(1)

قوله: في المسجد، في رواية عَمْرَة، عن عائشة عند البخاري: صلّى في حجرته، وليس المراد بها بيته، بل الحصير التي كان يحتجر بها بالليل في المسجد، فيجعلها على باب بيت عائشة، فيصلّي فيه، وقد جاء ذلك مبنيَّاً من طريق سعيد المَقْبُري، عن أبي سلمة، عن عائشة، رواه البخاري في اللباس.

(2)

أي: في الليلة المستقبلة.

(3)

قوله: أو الرابعة، بالشك في رواية مالك، ولمسلم من رواية يونس، عن ابن شهاب: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية، فصلّوا معه فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة، فصلوا بصلاته، فلما كانت الرابعة عجز المسجد عن أهله.

(4)

قوله: فلم يخرج إليهم، وفي رواية أحمد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب: حتى سمعت ناساً منهم يقولون: الصلاة، وفي رواية سفيان بن حسين فقالوا: ما شأنه؟ وفي حديث زيد: ففقدوا صوته وظنوا أنه قد تأخَّر فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج، وفي لفظٍ، عن زيد: فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب. رواهما البخاري.

(5)

في رواية للبخاري: فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهَّد ثم قال: أما بعد فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم.

(6)

في نسخة: ما.

(7)

من حرصكم الصلاة معي.

ص: 619

الْبَارِحَةَ (1) ، فَلَمْ يمنَعْني (2) أَنْ أخرجَ إِلَيْكُمْ إلَاّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يُفرَضَ (3)(4) عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.

239 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُري، عَنْ أبي

(1) أي: الليلة الماضية.

(2)

قوله: فلم يمنعني

إلخ، ظاهره أنه كان يحب أن يصلي بالناس في ليالي رمضان على الدوام، ولم يمنعه إلَاّ خشية أن يُفرض عليهم، فاستُفيدت منه المواظبة الحُكمية وإن لم توجد المواظبة الحقيقية، ومدار السنية المواظبة مطلقاً فيكون قيام رمضان سنَّة مؤكدة (اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعاً، والراجح عند الأئمة الأربعة كونها سنَّة مؤكدة لمواظبة الخلفاء الراشدين للرجال والنساء إجماعاً. وذكر في "الاختيار" أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عنها وما فعله عمر، فقال: التراويح سنَّة مؤكدة، لم يتخرَّصه عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعاً، ولم يأمر به إلَاّ عن أصلٍ لديه، وعهدٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أوجز المسالك 2/293) . وعليه جمهور أصحابنا وجمهور العلماء. وأما ما نقله بعض أصحابنا أن التراويح مستحب، فهو مخالف للدراية والرواية، وبهذا بعينه يثبت استنان الجماعة في التراويح واستنان التراويح في جميع الليالي خلافاً لما قاله بعض الفقهاء: إن السنَّة هو التراويح بقدر ختم القرآن، وبعده يبقى مستحباً، وقد حققت كلَّ ذلك مع ما له وما عليه بتحقيقٍ أنيق في رسالتي "تحفة الأخيار في إحياء سنَّة سيِّد الأبرار".

(3)

قوله: أن يُفرَض عليكم، قال الباجي: قال القاضي أبو بكر: يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنه إن واصل هذه الصلاة معهم فَرَضَها عليهم، ويحتمل أنه ظنَّ أن ذلك سيُفرض عليهم لما جرت عادَتُهُ بأنَّ ما داوم عليه على وجه الاجتماع من القُرَبِ فُرِض على أمته، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليه وجوبَها.

(4)

صلاة الليل فتعجزوا عنها كما في رواية يونس عند مسلم.

ص: 620

سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَتْ صلاةُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ (1) رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ في رمضان ولا غيرِه على إحدى (2)

(1) قوله: ما كان يزيد

إلخ، هذا بحسب الغالب، وإلَاّ فقد ثبت عنها أنها قالت: كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم صلّى إحدى عشرة ركعة، وترك ركعتين، ثم قُبض حين قُبض وهو يصلّي تسع ركعات. أخرجه أبو داود. وثبت عنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلّى ثلاث عشرة ركعة، أخرجه مالك. وثبت من حديث زيد بن خالد وابن عباس أيضاً ثلاث عشرة. فمن ظن أخذاً من حديث عائشة المذكور ههنا أن الزيادة على إحدى عشرة بدعة، فقد ابتدع أمراً ليس من الدِّين وقد فصَّلته في رسالتي "تحفة الأخيار".

(2)

قوله: إحدى عشر ركعة، روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبغوي والبيهقي والطبراني، عن ابن عباس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعشرين ركعة والوتر في رمضان. وفي سنده إبراهيم بن عثمان أبو شيبة جد ابن أبي شيبة صاحب المصنَّف، وهو مقدوح فيه، وقد ذكرت كلام الأئمة عليه في "تحفة الأخيار". وقال جماعة من العلماء - منهم الزيلعي وابن الهمام والسيوطي والزرقاني -: إن هذا الحديث مع ضعفه معارض بحديث عائشة الصحيح في عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فيُقبل الصحيح ويُطرح غيره، وفيه نظر: إذ لا شكّ في صحة حديث عائشة وضعف حديث ابن عباس، لكن الأخذ بالراجح وترك المرجوح إنما يتعيَّن إذا تعارضا تعارضاً لا يمكن الجمع، وههنا الجمع ممكن بأن يُحمل حديث عائشة على أنه إخبار عن حاله الغالب كما صرَّح به الباجيّ في "شرح الموطأ" وغيره، ويُحمل حديث ابن عباس على أنه كان ذلك أحياناً

ص: 621

عَشْرة رَكْعَةً (1) ، يصلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنهنَّ (2) وطولهنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا (3) فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنهنَّ وطولهنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا (4)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ (5) قَبْلَ أَنْ توتر؟ فقال: يا عائشة

(قلت: قد يُعمل بالضعيف لتقويته بالتعامل وغيره، يؤيِّد حديث ابن عباس عملُ الفاروق فقد تلقّته الأمة بالقبول، واستقر أمر التراويح في السنة الثانية من خلافته كما في طبقات ابن سعد 3/202) .

(1)

أي: غير ركعتي الفجر، كما في رواية القاسم عنها.

(2)

أي: إنهن في نهاية من الحُسْن والطول مستغنيات بظهور ذلك عن السؤال.

(3)

قوله: ثم يصلي أربعاً، وأما ما سبق من أنه كان يصلي مثنى مثنى، ثم واحدة فمحمول على وقت آخر، فالأمران جائزان، كذا في "إرشاد الساري".

(4)

قوله: ثم يصلي ثلاثاً، قال الزرقاني: يوتر منها بواحدة، كما في حديثه فوق هذا الحديث: كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة. انتهى. أقول: كأنه رام الجمع بين هذا الحديث الدال على أنه صلّى الوتر ثلاثاً، وبين حديثها السابق في (باب صلاة الليل) الذي يدلُّ بظاهره على أن الوتر واحدة، وليس بذلك أما أوَّلاً: فلأن للخصم أن يقول: معنى (يوتر بواحدة) يجعل الشفعَ بضم الواحدة وتراً، فلا يتعيَّن طريق الجمع في ما ذكره، وأما ثانياً: فلأنَّ الجمع بالحمل على اختلاف الأحوال ممكن بل هذا هو الصحيح، كيف وقد ثبت من حديثها صريحاً أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يسلِّم في ركعتي الوتر، كما ذكرنا في باب صلاة الليل، وإني لفي غاية العجب من الفقهاء حيث يجهدون فيما اختلف فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باختلاف الأحوال في إبداء تأويلات ركيكة ليؤول كل الروايات إلى ما ذهبوا إليه، وأنَّى يتيسر لهم ذلك؟.

(5)

قوله: أتنام قبل أن توتر، بهمزة الاستفهام لأنها لم تعرف النوم قبل الوتر، لأن أباها كان لا ينام حتى يوتر، وكان يوتر أول الليل، قال ابن عبد البر: في الحديث تقديم وتأخير ومعناه: أنه كان ينام قبل صلاته. وهذا يدل على أنه كان يقوم، ثم ينام، ثم يقوم، ثم ينام، ثم يقوم، فيوتر.

ص: 622

عَيْنَايَ تَنَامَانِ (1) وَلا ينامُ قَلْبِي (2) .

240 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنّ (3) رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يرغِّبُ النَّاسَ فِي قِيَامِ (4) رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يأمُرَ (5) بِعَزِيمَةٍ، فيقول: من قام رمضان إيماناً (6)

(1) لأن القلب إذا قويت حياته لا ينام إذا نام البدن، ولا يكون ذلك إلَاّ للأنبياء كما قال عليه السلام: إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا.

(2)

قوله: ولا ينام، لا يعارضه نومه في الوادي لأن رؤية الفجر متعلق بالعين لا بالقلب، كذا حققه الشرّاح وفي المقام تفصيل مظانُّه الكتب المبسوطة.

(3)

قوله: أن

إلخ، قال السيوطي: ليحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلخ، قال ابن عبد البر: اختلفت الرواة، عن مالك، فرواه يحيى بن يحيى هكذا متصلاً، وتابعه ابن بكير وسعيد بن عفير وعبد الرزاق وابن القاسم ومعن بن زائدة، ورواه القعنبي وأبو مصعب ومطرف وابن وهب، وأكثر رواة الموطأ، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة مرسلاً، لم يذكروا أبا هريرة.

(4)

أي: صلاة التراويح قاله النووي: وقال غيره: بل مطلق الصلاة الحاصل بها قيام الليل.

(5)

قوله: يأمر، قال النووي: معناه لا يأمرهم أمرَ إيجابٍ وتحتيم، بل أمر ندب وترغيب، ثم فسَّره بقوله: فيقول: إلخ، وهذه الصنيعة تقتضي الترغيب والندب دون الإِيجاب.

(6)

قال النووي: معناه تصديقاً بأنه حق معتقداً فضيلته، وأن يريد به وجْهَ الله، ولا يقصد رؤيَة الناس ولا غير ذلك.

ص: 623

وَاحْتِسَابًا غُفر لَهُ مَا تقدَّم (1) مِنْ ذَنْبِهِ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ (2) النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ (3) عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا (4) مِنْ خِلافَةِ عمرَ عَلَى ذَلِكَ.

241 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ (5)

(1) قوله: ما تقدم من ذنبه، قال النووي: المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، وقال بعضهم: يجوز أن يخفِّف من الكبائر إذا لم يصادفه صغيرة، وقال ابن حجر: ظاهره يتناول الصغائر والكبائر، وبه جزم ابن المنذر، وأخرج ابن عبد البر من طريق حامد بن يحيى، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعاً: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر (أخرجه البخاري في: 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان، ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، رقم الحديث 174) ، كذا في "التنوير".

(2)

قال الباجي: هذا مرسل أرسله الزهري.

(3)

قوله: والأمر على ذلك، قال الباجي: معناه أن حال الناس على ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الناس والندب إلى القيام، وأن لا يجتمعوا فيه على إمام يصلي بهم خشية أن يُفرض عليهم ويصحّ أن لا يكونوا يصلون إلَاّ في بيوتهم، أو يصلي الواحد منهم في المسجد، ويصح أن يكونوا لم يجمعوا على إمام واحد، ولكنهم كانوا يصلون أوزاعاً متفرقين.

(4)

أي: في أوائل خلافته.

(5)

بالتنوين بلا إضافة.

ص: 624

الْقَارِيِّ (1) : أَنَّهُ خَرَجَ (2) مَعَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا الناسُ أوزاعٌ (3) متفرِّقون، يصلِّي الرجلُ (4) فيصلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ (5)، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّنِي لَوْ جمعتُ هَؤُلاءِ عَلَى قارئٍ (6) واحدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ (7) ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ (8) على أبيّ بن

(1) بشد الياء نسبة إلى القارة بطن من خُزيمة.

(2)

في المسجد النبوي.

(3)

أي: جماعات متفوقون.

(4)

بيان لما مأجمله أولاً.

(5)

ما بين الثلاثة إلى العشرة.

(6)

لأنه أنشط لكثير من المصلين ولما في الاختلافِ من افتراقِ الكلمة.

(7)

قوله: لكان أمثل، قال ابن التين وغيره: استنبط عمر من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم مَن صلّى ما هو في تلك الليالي وإن كان كره لهم ذلك، فإنما كرهه خشية أن يُفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم حصل الأمنُ من ذلك، ورأى عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق الكلمة.

(8)

في سنة أربعَ عشرةَ من الهجرة.

ص: 625

كعب (1)(2) ،

(1) قوله: على أبيّ بن كعب، كأنه اختاره عملاً بحديث يؤمُّ القومَ أقرؤهم، وقد قال عمر: أقرؤنا أبيٌّ، ذكره ابن عبد البر وابن حجر، وتبعهما من جاء بعدهما، وقد استخرجت لذلك أصلاً آخر لطيفاً، وهو أنه قد علم أن أُبَيّاً كان يصلي بالناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحبّ عمر أن يجمع الناس به، وذلك لما أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أناسٌ في رمضان يصلّون في ناحية المسجد، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء ناسٌ ليس معهم قرآن وأبيُّ بن كعب يصلِّي وهم يصلون بصلاته، فقال: أصابوا، ونِعْمَ ما صنعوا. وقال ابن حجر (انظر فتح الباري 4/252، وبذل المجهود 7/159، وحديث مسلم بن خالد مؤيَّد بروايات عديدة كما في الأوجز 2/291. وهذا الحديث صريح في أن الصلاة بجماعة كانت شائعة في زمانه صلى الله عليه وسلم وليس المراد من جمع عمر الناس على أبيّ إلَاّ مثل جمع عثمان على القرآن) : فيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف والمحفوظ أن عمر هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب. انتهى. وفيه نظر فإن مسلم بن خالد وإن ضعَّفه ابن معين في رواية وأبو داود، لكن وثقه ابن معين في رواية ابن حبان، وأما كون عمر أول من جمع الناس على أبيّ كما هو المعروف، فهو لا ينافي ذلك لأن صلاة أبيّ مع الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من اهتمامه، ولم يكن من أمره والاهتمام به، والإِجماع على إمام واحد إنما كان في زمن عمر، فهو أول من فعل ذلك، وقد حقَّقت المرام في "تحفة الأخيار".

ثم جمع الناس على أبيّ في عهد عمر إنما كان للرجال، وأما النساء فكان إمام آخر كما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عروة أن عمر جمع الناس على أبيّ بن كعب، فكان يصلّي بالرجال، وكان تميم الداري يصلي بالنساء، وفي رواية محمد بن نصر في "كتاب قيام الليل" في ذكر إمام النساء سليمان بن أبي حَثْمة، قال ابن حجر: لعل ذلك كان في وقتين. انتهى. وعلى هذا يُحمل اختلاف ما رواه مالك، عن السائب أن عمر أمر أبي بن كعب وتميماً أن يكون بإحدى عشرة ركعة، مع ما رواه هو والبيهقي أن عمر جمع الناس على ثلاث وعشرين ركعة، مع الوتر، فيحمل ذلك على أن الاقتصار على الأول كان في البداء، ثم استقر الأمر على عشرين، ذكره ابن عبد البر.

(2)

أي: جعله إماماً لهم.

ص: 626

قَالَ: ثُمَّ خرجتُ مَعَهُ (1) لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يصلّون (2) بصلاة (3) قارئهم (4)، فقال: نِعْمَتْ (5)

(1) أي: مع عمر.

(2)

قوله: يصلّون

إلخ، هو صريح في أن عمر لم يكن يصلي معهم لأنه كان يرى أن الصلاة في بيته، ولا سيَّما في آخر الليل أفضل، كذا في "التنوير".

(3)

قوله: بصلاة، فيه دليل على أن عمر لم يكن يصلي معه، وكذا ورد في رواية الطحاوي وغيره، عن ابن عمر وجماعة من التابعين أنهم كانوا لا يصلّون مع الإِمام، بل في بيوتهم، فدلَّ ذلك على أن الجماعة في التراويح سنة على الكفاية (قال النووي في شرح مسلم 3/39: اختلفوا في أنَّ الأفضل صلاتها منفرداً في بيته أم في جماعة في المسجد؟ فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم: الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمرّ عمل المسلمين عليه، لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد، وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية: الأفضل فرادى في البيت. اهـ.

ولا يذهب عليك أن اختيار الموالك أفضلية البيت مقيَّد بعدم تعطل المساجد كما صرَّح به في "مختصر خليل") .

(4)

أي: إمامهم المذكور.

(5)

قوله: نعمت البدعة، يريد صلاة التراويح، فإنه في حيِّز المدح وفيه تحريض على الجماعة المندوب إليها وإن كانت لم تكن في عهد أبي بكر، فقد صلاّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قطعها إشفاقاً من أن تُفرض على أمته، وكان عمر ممَّن

ص: 627

البدعةُ (1) هَذِهِ، وَالَّتِي (2) يَنَامُونَ عَنْهَا أفضلُ (3) مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ فِيهَا. يُرِيدُ آخرَ اللَّيْلِ وَكَانَ الناسُ يَقُومُونَ (4) أَوَّلِهِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ، لا بأسَ بالصَّلاة فِي شَهْرِ رمضانَ أَنْ يصليَ النَّاسُ تطوُّعاً (5) بإِمَامٍ، لأَنَّ المسلمينَ قد أَجمعوا على ذلك (6)

نبَّه عليها، وسنَّها على الدوام فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كذا في "الكاشف عن حقائق السنن" للطيبي.

(1)

قوله: البدعة، فيه إشارة إلى أنها ليست ببدعة شرعية حتى تكون ضلالة، بل بدعة لغوية وهي حسنة، وقد حقَّقت الأمر في ذلك في رسالتي "إقامة الحجة على أن الإِكثار في التعبد ليس ببدعة".

(2)

أي: الصلاة التي.

(3)

قال ابن حجر: هذا التصريح بأن الصلاة آخر الليل أفضل.

(4)

قوله: يقومون، أي: في الابتداء، ثم جعله عمر في آخر الليل لقول ابن عباس: دعاني عمر أتغدّى معه في رمضان، يعني السحور، فسمع هَيْعَة الناس حين انصرفوا، فقال عمر: أما إن الذي بقي من الليل أحب مما مضى، كذا ذكره الزرقاني.

(5)

قوله: تطوُّعاً، إطلاق التطوُّع على التراويح باعتبار أنها زائدة على الفرائض، وبهذا المعنى يطلق التطوع على جميع السنن، فلا ينافي ذلك كونه سنة مؤكدة، كما صرح به الجمهور من أصحابنا وغيرهم، أخذاً من المواظبة النبوية الحُكْمية، ومن المواظبة الحقيقية من الصحابة، ومن المواظبة التشريعية من الخلفاء.

(6)

قوله: على ذلك، أي: على صلاتهم بإمامهم في ليالي رمضان في زمان الخلفاء عمر وعثمان وعلي فمَنْ بعدَهم إلى يومنا هذا.

ص: 628

ورأَوْه حسناً (1) .

(1) قوله: ورأوه حسناً، كما يدل عليه قول عمر: نعمت البدعة، قال ابن تيمية في "منهاج السنة": إنما سمّاه بدعة لأنَّ ما فُعل ابتداءً بدعة في اللغة، وليس ذلك بدعةً شرعية، فإن البدعة الشرعية التي هي ضلالة ما فُعل بغير دليل شرعي كاستحباب ما لم يُحبه الله، وإيجاب ما لم يوجبه الله، وتحريم ما لم يحرمه الله. انتهى. وبه يندفع ما يقال: إن قول عمر نعمت البدعة مخالف لحديث "كل بدعة ضلالة" بأن المراد بالبدعة في الكلية البدعة الشرعية، وتوصيف الحسن للبدعة اللغوية ولم يُرْوَ عن أحد من الصحابة في زمان الخلفاء فمن بعدهم الإِنكار على ذلك، بل قد وافقوا عمر في كونه حسناً، وباشروا به، وأمروا، واهتموا به، فأخرج ابن أبي شيبة في "المصنَّف" عن وكيع، عن هشام، عن أبي بكر بن أبي مُلِيْكة أن عائشة أعتقت غلاماً لها عن دبر، فكان يؤمُّها في رمضان في المصحفِ، وعلقه البخاري في "باب إمامة العبد" بلفظ: وكانت عائشة يؤمها ذكوان من المصحفِ. وأخرج محمد في كتاب "الآثار" عن إبراهيم النَّخَعي أن عائشة تؤمُّ النساء في شهر رمضان فتقوم وسطاً، وأخرج البيهقي عن السائب: كانوا يقومون على عهد عمر في شهر رمضان بعشرين ركعة، وأخرج عن عروة أن عمر أوَّل من جمع الناس على قيام رمضان، الرجال على أُبَيّ بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حَثْمة، زاد ابن سعد: فلما كان عثمان جمع الرجال والنساء على إمام واحد سليمان بن أبي حَثْمة. وأخرج البيهقي عن شبرمة - وكان من أصحاب عليّ - أنه كان يؤمُّهم في رمضان، فيصلّي خمس ترويحات. وأخرج أيضاً أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعلي مثله، وأخرج أيضاً عن عرفجة: كان عليٌّ يأمر الناس بقيام رمضان. ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال عرفجة: فكنت أنا إمامَ النساء. وعن أبي عبد الرحمن السُّلَمي: أن عليّاً دعا القُرّاء في رمضان، فأمر رجلاً بأن يصلّي بالناس عشرين ركعة، وكان عليٌّ يوتر بهم. وروي عن علي أنه قال: نوَّر الله قبر عمر كما نوَّر علينا مساجدنا،

ص: 629

وَقَدْ رُوي (1) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ذكره ابن تيمية. وفي الباب آثار كثيرة.

فإن قلت: قد روى الطحاويُّ وغيره تخلُّفَ ابن عمر وعروة وجماعة من التابعين عن صلاة الجماعة في ليالي رمضان فكيف يصح قول محمد: لأن المسلمين أجمعوا على ذلك؟ قلت: تخلّفهم لأنهم كانوا يَرَوْن الصلاة في البيوت أو في آخر الليل أفضل، لكن لم يُنقل عن أحد منهم أنهم أنكروا على اجتماعهم على إمام واحد في المسجد، ورأَوْه قبيحاً، فإنْ لم يثبت الإِجماع على المباشرة فلا مناص عن ثبوت الإِجماع على كونه حسناً، وهو مراد محمد، فإنَّ ضمير قوله:(على ذلك) يَرجع إلى ما ذكره بقوله لا بأس إلى آخره، فليس غرضه الإِجماع على المباشرة، بل الإِجماع على أنه لا بأس بذلك، وعلى أنه حسن، وبالجملة المواظبة التشريعية ثابتة من الصحابة، فمن بعدهم، على حسن أداء التراويح عشرين ركعة بالجماعة (قال الكساني: إن عمر رضي الله عنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبيّ بن كعب فصلّى بهم كل ليلة عشرين ركعة، ولم ينكر عليه أحد، فيكون إجماعاً منهم على ذلك. اهـ. وفي المغني 1/803: وهذا كالإِجماع) ، أما روايات التراويح في عهد عمر على وجوه: منها إحدى عشر ركعة وثلاث وعشرون ركعة في الموطأ قال ابن عبد البر: روى غير مالك في هذا الحديث إحدى وعشرون وهو الصحيح ويقول: إن الأغلب أن قوله إحدى عشر وهم رجحه الشيخ في أوجز المسالم 2/301 ولكن نسب الوهم إلى محمد بن يوسف لأن نسبة الوهم إلى الإمام مالك أبعد من النسبة إليه، وإن لم يثبت الإِجماع الفعلي من جميعهم، فافهم، فإنه من سوانح الوقت.

(1)

قوله: وقد رُوي

إلى آخره، أقول: هذا صريح في أن "ما رآه المؤمنون حسناً" الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزل الفقهاء والأصوليون من أصحابنا وغيرهم يذكرونه مرفوعاً، وكلمات جماعة من المحدثين شهدت بأنه ليس بمرفوع، بل هو قول ابن مسعود، بل نص بعضهم على أنه لم يوجد مرفوعاً من

ص: 630

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طريق أصلاً، وكنت قد مِلْت إليه في رسالتي "تحفة الأخيار"، ففي "المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة"(المقاصد الحسنة ص 367، وأخرجه البزّار في كشف الأستار 1/80) لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي: حديث: "ما رآه المسلمون حسناً"، أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود من قوله، وكذا أخرجه البزّار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في "حلية الأولياء" في ترجمة ابن مسعود، بل هو عند البيهقي في "الاعتقاد" من وجه آخر عن ابن مسعود، انتهى. كلامه من نسخة مقروءة عليه، وعليها خطّه في مواضع، وفي نسخة أخرى للمقاصد: حديث: "ما رآه المسلمون" أخرجه (سقط من الأصل: "أخرجه") أحمد في كتاب "السنَّة" - ووهم من عزاه للمسند - من حديث أبي وائل، عن ابن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد، فاختار له أصحاباً فجعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيه، "فما رآه المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن"، وكذا أخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في ترجمة ابن مسعود من "الحلية"، بل هو عند البيهقي في "الاعتقاد" من وجه آخر، عن ابن مسعود. انتهى. وفي "الأشباه والنظائر" للزين بن نُجَيم المِصْري عند ذكر القاعدة السادسة من النوع الأول من الفن الأول، وهي أن العادة محكمة، أصلها: قوله عليه السلام "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن"، قال العلائي: لم أجده مرفوعاً في شيء من كتب الحديث أصلاً، ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال، وإنما هو من قول ابن مسعود موقوفاً عليه، أخرجه أحمد في "مسنده" انتهى.

وفي "حواشي الأشباه" للسيد أحمد الحموي عند قوله: (أخرجه أحمد في "مسنده") قال السخاوي في "المقاصد الحسنة": حديث ما رآه المسلمون حسناً رواه أحمد في كتاب "السنة" - ووهم من عزاه للمسند - من حديث أبي وائل، عن ابن مسعود، وهو موقوف حسن. انتهى. فكأنَّ العلائي تبع من وهم في نسبه إلى

ص: 631

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"المسند" انتهى. ثم منحني الله تعالى باشتراء قطعة من "مسند الإِمام أحمد" فإذا فيه في مسند عبد الله بن مسعود، قال أحمد: نا أبو بكر، نا عاصم، عن زرّ ابن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خيرَ قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيِّئٌ، انتهى. فعلمت أن نسبة الوهم إلى من نسبه إلى "مسند أحمد" كما صدر عن السخاوي وغيره وهم، لعله صدر من عدم مراجعة "مسند أحمد"، أو يكون ذلك لاختلاف النسخ (قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/177 و 178: أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون) ثم بحثت عن رفع هذا الخبر ظناً مني أنه لا بد أن يكون في كتاب من الكتب طريق له مرفوعاً، وإن كان مقدوحاً، وإلاّ فيُستبعد أن ينسبه الجم الغفير من المفسرين والفقهاء والأصوليون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجود طريق مرفوع له فإن منهم المحدثين الذين بحثوا عن الإِسناد، وكشفوا الغطاء عن وجه المراد، فيستبعد منهم وقوع ذلك وإن لم يستبعد ممن لا يعدّ من المحدثين، ذلك لعدم مهارته في ما هنالك، فبعد كثرة التتّبع اطَّلعت على سند مرفوع له في "كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" لابن الجوزي، لكن لا سالماً من القدح، بل مجروحاً بغاية الجرح، وهذه عبارته في (باب فضل الصحابة) من كتاب الفضائل: أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: أنا محمد بن إسماعيل بن عمر البجلي، قال: أنا يوسف بن عمر، قال: قُرئ على أحمد بن أبي زهير البخاري وأنا أسمع، قيل له: حدثكم علي بن إسماعيل؟ قال: أنا أبو معاذ رجاء بن معبد، قال: نا سليمان بن عمرو النخعي وأنا أسمع، قال: حدثنا أبان بن أبي عياش وحميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله نظر في قلوب العباد، فلم يجد قلباً أتقى من أصحابي فذلك أخيارهم، فجعلهم أصحاباً، فما استحسنوا فهو عند الله حسن، وما استقبحوا فهو عند الله قبيح، قال المؤلف - أي ابن الجوزي -: تفرد به النخعي، قال أحمد بن حنبل: كان

ص: 632

أَنَّهُ قَالَ: مَا رَآهُ (1) المُؤْمِنُوْنَ حَسَنَاً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حسنٌ، وَمَا رآهُ المسلِمُونَ قَبيحاً فهو عندَ اللَّهِ قَبِيْحٌ.

يضع الحديث، وقال المؤلف أيضاً: قلت: هذا الحديث إنما يُعرف من كلام ابن مسعود. انتهت. فعلمت أن هذا هو وجه انتسابهم قول "ما رآه المسلمون حسناً"، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يخفى ما في الطريق المرفوع من وقوع سليمان بن عمرو النخعي، وهو كذاب على ما نقله ابن الجوزي، ونقل برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي في رسالته "الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث"، عن ابن عَدِيّ أنه قال: أجمعوا على أن سليمان بن عمرو النخعي يضع الحديث، وعن ابن حبان: كان رجلاً صالحاً في الظاهر إلَاّ أنه كان يضع الحديث وضعاً، وكان قَدَرياً، وعن الحاكم: لست أشك في وضعه للحديث. انتهى.

(1)

قوله: ما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن إلى آخره، اعلم أنه قد جرت عادة كثير من المتفقهين بأنهم يستدلون بهذا الحديث على حُسن ما حدث بعد القرون الثلاثة من أنواع العبادات وأصناف الطاعات ظنّاً منهم، أنه قد استحسنها جماعة من العلماء والصلحاء، وما كان كذلك فهو حسن عند الله، لهذا الحديث. ويُرَدُّ عليهم من وجهين: أحدهما: أنه حديث موقوف على ابن مسعود فلا حجة فيه، ويجاب عنهم بأنه إن ثبت رفع هذا الحديث على ما ذكره جمع منهم محمد فذاك، وإلَاّ فلا يضر المقصود لأن قول الصحابي: في ما لا يُعقل له حكم الرفع، على ما هو مصرَّح في أصول الحديث، فهذا القول وإن كان قولَ ابن مسعود لكن لمّا كان مما لا يُدرَك بالرأي والاجتهاد صار مرفوعاً حكماً، فيصح الاستدلال به، وثانيهما: أنه لا يخلو إما أن يكون اللام الداخلة على المسلمين في هذا الحديث للجنس أو للعهد أو للاستغراق ولا رابع، أما الأول فباطل، لأنه حينئذٍ تبطل الجمعية، ويلزم أن يكون ما رآه مسلم واحد أيضاً وإن خالفه الجمهور حسناً عند الله ولم يقل به أحد، وأيضاً يلزم منه أن يكون ما أحدثته الفرق الضالة من البدعات والمنهيات أيضاً حسناً لصدق رؤية مسلم حسناً، وهو باطل بالإِجماع، وأيضاً يخالف حينئذٍ قوله صلى الله عليه وسلم:"ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلَاّ واحدة"،

ص: 633

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من يعِش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أنه ليس كل ما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم وليس كل ما أحدثه مسلم من أمته حسناً، وإذا بطل أن يكون اللام للجنس تعيَّن أن يكون للعهد أو للاستغراق، أما على الأول: فالمعهود إما المسلمون الكاملون كأهل الاجتهاد كما قال عليّ القاري في "المرقاة": المراد بالمسلمين زُبدتهم وعُمدتهم، وهم العلماء بالكتاب والسنَّة الأتقياء عن الشبهة والحرام. انتهى. وإما الصحابة وهو الأظهر، بل لا يميل القلب الصادق إلى سواه، لكونه بعض حديث من حديث طويل مشتمل على توصيف الصحابة، والأصل في اللام هو العهد الخارجي، ويؤيده دخول الفاء على قوله:"ما رآه المسلمون" على ما هو أصل الرواية وإن اشتهر بحذفها على لسان الأمة فإذن لا يدل الحديث إلَاّ على حُسن ما استحسنه الصحابة أو ما استحسنه الكاملون من أهل الاجتهاد لا على ما استحسنه غيرهم من العلماء الذين حدثوا بعد القرون الثلاثة، ولا حظّ لهم من الاجتهاد، وما لم يدخل ذلك في أصل شرعي، وأما على الثاني: فإما أن يكون للاستغراق الحقيقي فلا يدل إلَاّ على حسن ما استحسنه جميع المسلمين، لا على حسن ما وقع الاختلاف فيه، وإما أن يكون للاستغراق العرفي وهو استغراق المسلمين الكاملين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين، وبعد اللُّتيّا واللَّتي أقول: كلام محمد - رحمه الله تعالى - ههنا صافٍ من الكدورات لأنه إنما استدل بهذا الحديث على حُسن قيام رمضان بالجماعة، وهو أمر استحسنه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون والعلماء الكاملون، وما استحسنه هؤلاء فهو عند الله حسن بلا ريب، وما استقبحه هؤلاء فهو عند الله قبيح بلا ريب، وبالجملة فهذا الحديث نِعْمَ الدليل على حسن ما استحسنه الصحابة وغيرهم من المجتهدين، وقبح ما استقبحوه، وأما ما استحسنه غيرهم من العلماء فالمرجع فيه إلى القرون الثلاثة، أو إلى دخوله في أصل من الأصول

ص: 634