المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمات الطبع والتحقيق]

- ‌تقدِيم بقَلم سَمَاحَةِ الشَّيخ أبي الحَسَن عَلي الحَسَني النَّدوي

- ‌تَقدمة بقلم الأستاذ عَبد الفتاح أبو غُدّة

- ‌حفظ الله تعالى للسنة:

- ‌نصيب المدينة من السنة أوفى نصيب وسَبْقُها في تدوين السنة:

- ‌تأليف مالك الموطأ:

- ‌تأريخ تأليف الموطأ:

- ‌الموطأ أوَّلُ ما صُنِّف في الصحيح:

- ‌مكانة "الموطأ" وصعوبة الجمع بين الفقه والحديث:

- ‌كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه:

- ‌الإمامة في علم تجتمع معها العامية في علم آخر:

- ‌يُسر الرواية وصعوبة الفقه والاجتهاد:

- ‌مزايا "الموطأ

- ‌كلمةٌ عن روايات الموطأ عن مالك:

- ‌كلمات في ترجمة محمد بن الحسن راوي الموطأ وكلمات في العمل بالرأي الذي يُغمَزُ به:

- ‌كلماتٌ في العمل بالرأي الذي يُغمزُ به محمد بن الحسن والحنفيةُ وغيرهم:

- ‌ظلم جملة من المحدثين لأبي يوسف ومحمد الفقيهين المحدثين:

- ‌كلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي:

- ‌تحجُّر الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث:

- ‌الردُّ على من قدح في أبي حنيفة بدعوى تقديمه القياس على السنة:

- ‌كلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي:

- ‌أهميةُ طبع كتاب التعليق الممجد:

- ‌مقدمة المحقِّق [د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة]

- ‌تَرجمَة "العَلاّمة فَخر الهِند عبد الحَي اللَّكنَوي" (من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواطر"، للشيخ السيد عبد الحيّ الحَسَني (م 1341 هـ) : 8/234)

- ‌مقَدِّمَة الشَّارح

- ‌مقَدمة: فيهَا فوائد مُهمَّة

- ‌[الفائدة] الأولى: في كيفية شيوع كتابة الأحاديث وبَدْء تدوين التصانيف، وذكر اختلافها مَقصِداً، وتنوّعها مسلكاً، وبيان أقسامها وأطوارها

- ‌الفائدة الثانية: في ترجمة الإمام مالك

- ‌الفائدة الثالثة: في ذكر فضائل الموطّأ وسبب تسميته به وما اشتمل عليه

- ‌الفائدة الرابعة: قد يُتَوَهَّم التعارض بين ما مرَّ نقله عن الشافعي

- ‌الفائدة الخامسة: من فضائل الموطّأ اشتماله كثيراً على الأسانيد التى حكم المحدثون عليها بالأصحية

- ‌الفائدة السادسة: قال السيوطي: في "تنوير الحوالك

- ‌الفائدة السابعة: [نسخ الموطأ]

- ‌الفائدة الثامنة: [عدد أحاديثه]

- ‌الفائدة التاسعة: في ذكر من علق على موطّأ الإمام مالك

- ‌الفائدة العاشرة: في نشر مآثر الإِمام محمد وشيخيه أبي يوسف وأبي حنيفة:

- ‌الفائدة الحادية عشرة: [أهمية رواية محمد، وترجيحها على رواية يحيى المشهورة]

- ‌الفائدة الثانية عشرة: في تعداد الأحاديث والآثار التي في موطأ الإمام محمد [بالتفصيل] :

- ‌خاتمة:

- ‌أبواب الصلاة

- ‌2 - (بَابُ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ)

- ‌5 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مسِّ الذَّكر)

- ‌8 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعاف)

- ‌10 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ)

- ‌12 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ)

- ‌15 - (بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ)

- ‌17 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يَوْمِ الجُمُعة)

- ‌18 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يومَ الْعِيدَيْنِ)

- ‌24 - (بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌25 - (باب المرأة ترى الصُّفرة والكُدْرة

- ‌26 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِل بعضَ أعضاءِ الرَّجُلِ وَهِيَ حَائِضٌ)

- ‌27 - (باب الرجل يغتسلُ أو يتوضأ بِسُؤْرِ الْمَرْأَةِ

- ‌28 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الهِرّة)

- ‌29 - (باب الأَذَانِ وَالتَّثْوِيبِ

- ‌30 - (بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ)

- ‌34 - (باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌39 - (باب السهو في الصلاة)

- ‌42 - (بَابُ السُّنَّةِ فِي السُّجُودِ)

- ‌43 - (بَابُ الْجُلُوسِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌44 - (بَابُ صَلاةِ الْقَاعِدِ)

- ‌45 - (بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)

- ‌46 - (بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ)

- ‌7 - (بابُ الحدَثِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌8 - (بَابُ فَضْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يُستحبُّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل

- ‌50 - (باب الرجلان يصلِّيانِ جَمَاعَةً)

- ‌52 - (بَابُ الصلاةِ عِنْدَ طلوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا)

- ‌53 - (بابُ الصلاةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)

- ‌54 - (بَابُ الرَّجُل يَنْسَى الصلاةَ أَوْ تفوتُهُ عَنْ وَقْتِهَا)

- ‌56 - (بَابُ قَصْرِ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌57 - (بَابُ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ المِصْرَ أَوْ غيرَه مَتَى يُتِمّ الصلاةَ)

- ‌58 - (باب الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌59 - (بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ)

- ‌60 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الدَّابَةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌61 - (بَابُ الرَّجُلِ يصلِّي فَيَذْكُرُ أنَّ عَلَيْهِ صَلاةً فَائِتَةً)

- ‌64 - (بَابُ فَضْلِ الْعَصْرِ وَالصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ)

- ‌65 - (بَابُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ وَالدِّهَانِ

- ‌66 - (بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الصَّمْتِ

- ‌67 - (بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ وَأَمْرِ الْخُطْبَةِ)

- ‌68 - (بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ العيد أبو بَعْدَهُ)

- ‌69 - (بَابُ القراءةِ فِي صَلاةِ الْعِيدَيْنِ)

- ‌70 - (بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ

- ‌72 - (بابُ القنوتِ فِي الْفَجْرِ)

- ‌73 - (بَابُ فضلِ صلاةِ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَمْرِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)

- ‌74 - (بَابُ طولِ القراءةِ فِي الصَّلاةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ التَّخْفِيفِ)

- ‌75 - (بابُ صلاةِ المغربِ وترُ صلاةِ النَّهار)

الفصل: ‌43 - (باب الجلوس في الصلاة)

فَأَمَّا (1) مَنْ أَصَابَهُ بَرْدٌ يُؤْذِي، وَجَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتِ كِسَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.

‌43 - (بَابُ الْجُلُوسِ فِي الصَّلاةِ)

152 -

أَخْبَرَنَا مالك، حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ صَلَّى إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ (2) ، فَلَمَّا جَلَسَ الرَّجُلُ تربَّع وَثَنَّى (3) رِجْلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ابنُ عُمَرَ عَابَ (4) ذَلِكَ عَلَيْهِ، قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّكَ تَفْعَلُهُ! قَالَ إِنِّي أَشْتَكِي (5) .

153 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ (6)

(1) قوله: فأما من، يشير إلى أن ما اختاره من إخراج اليدين عن البرنس في البرد الشديد ليس مما لا بدَّ منه.

(2)

قوله: رجل، لعله هو ابنه عبد الله على ما في الرواية الآتية، فقد أخرجها البخاري أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَبَاهُ يتربَّع فِي الصَّلاةِ

الحديث وفي آخره: فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رجليَّ لا تحملاني، وكذلك أخرجه أبو داود والنسائي.

(3)

أي: عطف إحداهما إلى الأخرى.

(4)

قوله عاب، فيه: أن التربُّع لا يجوز للجالس في صلاته من الرجال إذا كانوا أصحّاء، واختُلف فيه النسائي، وفيه دليل على أن من لم يَقدر على الإتيان بسنَّة الصلاة أو فريضة جاء بما يقدر عليه منها مما يناسبها، كذا في "الاستذكار".

(5)

قال الباجي: لأنه كان فُدِع بخيبر فلم تعد رجلاه إلى ما كانت عليه.

(6)

قوله: عن، في رواية معن وغيره، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الله، وكان عبد الرحمن سمعه من أبيه، عنه، ثم لقيه أو سمعه من معه، ذكره الحافظ.

ص: 479

عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَبَاهُ (2) يتربَّع فِي الصَّلاةِ إِذَا جَلَسَ (3)، قَالَ (4) : ففعلتُه (5) وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حديثُ السِّنِّ (6) فَنَهَانِي (7) أَبِي، فَقَالَ (8) : إِنَّهَا لَيْسَتْ بسنَّةِ الصَّلاةِ، وَإِنَّمَا سُنّة (9) الصَّلاةِ أَنْ تَنْصِبَ (10) رجلَكَ اليمنى وتثني (11) رجلَكَ اليُسرى.

(1) قوله: عبد الله بن عبد الله، بتكبير الإسمين، وهو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن المدني تابعي ثقة باتفاق. كان وصيّ أبيه، مات بالمدينة سنة 105 هـ، روى له الجماعة ما عدا ابن ماجه، كذا في "ضياء الساري"، وقد وُجد في كثير من نسخ هذا الكتاب، عن عبيد الله بن عبد الله.

(2)

وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب.

(3)

للتشهُّد.

(4)

أي: عبد الله.

(5)

أي: التربُّع.

(6)

أي: شابّ.

(7)

عن التربُّع.

(8)

وفي رواية: وقال، وفي رواية: قال.

(9)

هذه الصيغة حكمها الرفع.

(10)

أي: لا تلصقها بالأرض.

(11)

بفتح المثنّاة، أي: تعطفها، وقوله: وتثني رجلك اليسرى، لم يبيّن في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها: هل يجلس فوقها أو يجلس على وركه؟ ووقع في "الموطأ"، عن يحيى بن سعيد: أن القاسم بن محمد أَراهم الجلوس في

ص: 480

قال محمد: وبهذا (1) نأخذ،

التشهُّد، فنصب رجله اليُمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى، ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدَّثني أن أباه كان يفعل ذلك. فتبيَّن (قلت: إن رواية القاسم لا تكون بياناً لفعل ابن عمر، لأن هذا قول منه رضي الله عنه وإرشاد إلى فعل السنَّة، ورد نكير على من اقتدى بفعله، ولذا اعتذر عن فعله بأنه شكوى في رجله، لا يستطيع الجلوس على هذا النهج، فليتَ شعري كيف يكون فعلُهُ بياناً لقوله هذا، ولو كان كذلك لكان نكيره وردّه على ابنه عبد الله عبثاً، فلا يمكن أن يكون تفسير هذا القول إلاّ حديث النسائي القولي فتأمل. انظر: أوجز المسالك 2/122) من رواية القاسم ما أُجمل في رواية ابنه، كذا في "الفتح" (في نسخه:"كذا في فتح القدير") .

(1)

قوله: وبهذا نأخذ، حمل أثر ابن عمر على نصب اليمنى والقعود على اليسرى بعد ثَنْيِها وفَرشها كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه في جميع القعدات. وأقول: فيه نظر، فإن أثر ابن عمر هذا الذي رواه ههنا مجمل لا يكشف المقصود لأنّ ثَنْيَ الرِّجل اليسرى عام من أن يجلس عليها أو يجلس على الورك، وقد أوضحه ما أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، عن يحيى بن سعيد: أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس، فنصب اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدميه، ثم قال: أراني هذا عبدُ الله بن عبد الله بن عمر وقال: إن أباه كان يفعل ذلك. وكذا أخرجه مالك في "الموطأ"، عن يحيى، فهذا يدل على أن ثَنْيَ الرجل المذكور في رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر محمول على عطفها من غير جلوس عليها، بل على وركه. وهذا هو التورُّك المسنون عند الشافعية. فإذن الأثر المذكور ههنا صار شاهداً لمذهب الشافعية لا لمذهبنا، وعليه حمله شُرّاح "الموطأ"، وجعلوه شاهداً لمذهب مالك وهو التورُّك في جميع القعدات، وكذا حمله الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، حيث قال بعد إخراج أثر القاسم بن محمد وأثر عبد الله بن عبد الله: فذهب قوم إلى أن القعود في الصلاة كلِّها أن تنصب رجله اليمنى وتثنى اليسرى، وتقعد على

ص: 481

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة (1) رحمه الله

الأرض، واحتجوا في ذلك بما وصفه يحيى بن سعيد في حديثه من القعود، وبقول عبد الله بن عمر في حديث عبد الرحمن أن تلك سُنَّة الصلاة. انتهى. إلاّ أن يُقال: قد روى النسائي، عن يحيى، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه أنه قال: من سنة الصلاة أن تضجع رجلَك اليسرى وتنصب اليمنى، وفي رواية له بالطريق المذكور: من سُنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى. فهذا يكشف لك أن المراد بالثَني في رواية مالك وغيره المختصرة هو عطفها والجلوس عليها، وأما ما أراه القاسم يحيى من صفة القعود وأسنده عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أن أباه كان يفعل ذلك فهو محمول على الهيئة التي كان ابن عمر يقعد عليها بسبب العلة وعدم حمل رجله القعدة المسنونة، لكن يبقى حينئذٍ أنه يخالف ما ورد في رواية مالك وغيره أن القعود الذي كان ابن عمر يرتكبه لأجل العلة هو التربع، وهو مستعمل في معنيين:

أحدهما: أن يخالف بين رجليه فيضع رجله اليمنى تحت ركبته اليسرى ورجله اليسرى تحت ركبته اليمنى، والثاني: أن يثني رجليه في جانب واحد فتكون رجله اليسرى تحت فخذه وساقه اليمنى ويثني رجله اليمنى فتكون عند أليته اليمنى، كذا ذكره الباجي في "شرح الموطأ"، وقال: يشبه أن يكون هذه أي الأخيرة هي التي عابها ابن عمر على رَجُل تربَّع، وما أراه القاسم يحيى فيه نصب اليمنى فهو ليس بتربع، بأي معنى أُخذ فلا يمكن حمله على قعود ابن عمر للعلة (قلت: يمكن حمله على ذلك لأن ابن عمر لأجل شكوى في رجله يجلس كيفما تيسّر عليه، طوراً يجلس مُقعياً، وطوراً يجلس متربعاً، ويجلس متوركاً، وإن الجالس المعذور يجلس كيفما تيسر عليه، "أوجز المسالك" 2/123) .

(1)

قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال ابن المبارك والثوري وأهل الكوفة ذكره الترمذي، وذكر ابن عبد البر أنه مذهب حسن بن حيّ، وكذلك قال الشافعي في الجلسة الوسطى، وقال في الأخيرة: إنه إذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعاً

ص: 482

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فأخرجهما من وركه اليمنى وأفضى بمقعدته إلى الأرض. وأضجع اليسرى ونصب اليمنى، وقال أحمد كما قال الشافعي إلاّ في جلسة الصبح. انتهى. وحجتهم في ذلك ما رواه الجماعة إلاّ مسلماً من حديث أبي حميد في وصفه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا جلس، جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة أخَّر رجله اليسرى وقعد على شقِّه متوركاً، ثم سلم. وحمل أصحابنا هذا على العذر وعلى بيان الجواز وهو حمل يحتاج إلى دليل، ومال الطحاوي إلى تضعيفه، وتعقَّبه البيهقي وغيره في ذلك بما لا يزيد عليه، وذكر قاسم بن قطلوبغا في رسالته "الأسوس في كيفية الجلوس" في إثبات مذهب الحنفية أحاديث: كحديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى (في الأصل: "رجله" والصواب: "رجله اليسرى" كما في "صحيح مسلم" (1/358)) وينصب اليمنى، وحديث وائل: صلَّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قعد وتشهد فرش رجله اليسرى. أخرجه سعيد بن منصور، وحديث المسيء صلاتَه أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا جلست فاجلس على فخذك اليسرى. أخرجه أحمد وأبو داود، وحديث ابن عمر رضي الله عنه: من سنة الصلاة

إلخ. ولا يخفى على الفطن أن هذه الأخبار وأمثالها بعضها لا تدل على مذهبنا صريحاً، بل يحتمله وغيره وما كان منها دالاًّ صريحاً لا يدل على كونه في جميع القعدات على ما هو المدَّعى، وأخرج الطحاوي، عن وائل: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأحفظنَّ صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد أصابعه وجعل حلقة الإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى. قال الطحاوي: في قول وائل: ثم عقد أصابعه يدعو، دليل على أنه كان في آخر الصلاة. انتهى. وهذا يقضي (في الأصل:"يفضي"، والظاهر:"يقضي") منه العجب، فإن معنى يدعو بالأخرى: يشير بالإصبع الأخرى أي السبابة لا الدعاء الذي يكون في آخر الصلاة، فليس فيه دليل على ما ذكره، والإنصاف أنه لم يوجد حديث يدل صريحاً

ص: 483

وَكَانَ مَالِكُ (1) بْنُ أَنَسٍ يَأْخُذُ بِذَلِكَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوليين (2)، وَأَمَّا فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُفْضِي (3) الرَّجُلُ بأَلْيَتَيْه إِلَى الأَرْضِ، وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ إِلَى الْجَانِبِ الأَيْمَنِ.

154 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا صَدَقَة (4) بْنُ يَسَار، عَنِ الْمُغِيرَةِ (5) بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: رأيتُ ابنَ عُمَرَ يجلِسُ عَلَى عقِبيه (6) بين

على استنان الجلوس على الرجل اليسرى في القعدة الأخيرة، وحديث أبي حميد مفصل فَليُحمل المبهم على المفصل.

(1)

قوله: وكان مالك، هذا الذي نسبه قد نسبه غيره إلى الشافعي وأصحابه، وأما مذهب مالك، فالذي رأيته في كتب أصحابه المعتمدة كاستذكار ابن عبد البر وشرح الزرقاني ورسالة ابن أبي زيد وغيرها هو التورك في جميع القعدات، وذكروا في استناده أثر ابن عمر المذكور يحمله على التورك، فلعل محمداً اطَّلع على أن مذهب مالك هو التفصيل وهو أعلم منّا، وإن لم نجده في موضع من المواضع لا في كتب أصحابنا ولا في كتب المالكية ولا في كتب الشافعية، فإن الكل يذكرون أن التفصيل مذهب الشافعي، ومذهب مالك التورّك مطلقاً، ومذهب أصحابنا الافتراش مطلقاً.

(2)

أي: في القعدة الأولى.

(3)

أي: يمس أليته اليسرى بالأرض.

(4)

قوله: صدقة بن يسار، قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: هو ثقة من الثقات، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح وقال الآجرِّي، عن أبي داود: ثقة، قلت: من أهل مكة؟ قال: من أهل الجزيرة، سكن مكة، كذا في "تهذيب التهذيب".

(5)

قوله: عن المغيرة بن حكيم، روى عن أبي هريرة وابن عمر، وعنه نافع وابن جريج وجرير بن حازم، ثقة، كذا في "الكاشف" للذهبي.

(6)

قوله: عقبيه، بفتح العين وكسر القاف وبفتح عين وكسرها مع سكون القاف: مؤخَّر القدم إلى موضع الشراك، كذا في "مجمع البحار".

ص: 484

السَّجْدَتَيْنِ فِي الصَّلاةِ، فَذَكَرْتُ (1) لَهُ فَقَالَ (2) : إِنَّمَا فَعَلْتُهُ (3) مُنْذُ اشْتَكَيْتُ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَجُلُوسِهِ (4) فِي صَلاتِهِ،

(1) أي: ذكرت لابن عمر ذلك الجلوس مستفسراً عن حقيقة الأمر.

(2)

قوله: فقال: إنما فعلته منذ اشتكيت، كره الإقعاء في الصلاة مالك، وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وبه قال إسحاق وأبو عبيد، إلاّ أن أبا عبيد قال: الإقعاء جلوس الرجل على أليته، ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع، وهذا إقعاء مجتمع عليه لا يُختلف فيه. وأما الذين أجازوا رجوع المصلي على عقبيه وجلوسه على صدور قدميه بين السجدتين فجماعة، قال طاووس: رأيت العبادلة يُقعون: ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، قال أبو عمر (في الأصل:"أبو عمرو") : أما ابن عمر فقد ثبت عنه أنه لم يفعل ذلك إلاّ أنه كان يشتكي، وأن رجليه كانتا لا تحملاته، وقد قال: إن ذلك ليس سنَّة الصلاة، وكفى بهذا، وأما ابن عباس، فذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه: أنه رأى ابن عمر وابن الزبير وابن عباس يُقعون. وذكر أبو داود: نا يحيى بن معين، نا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاووساً يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء بين السجدتين؟ قال: هي السنَّة، فقلنا: إنّا لنراه جفاء بالرجل، فقال ابن عباس: هي السنَّة سنَّة نبيك، كذا في "الاستذكار".

(3)

المعنى أنه خلاف السنَّة إلَاّ أني فعلتُهُ لعذر.

(4)

قوله: كجلوسه في صلاته، أي: الافتراش والجلوس على اليسرى كما في حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان يهوي إلى الأرض فيجافي ثم يرفع رأسه، ويثني رجليه اليسرى، فيعتمد عليها، متفق عليه. وعن ميمونة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد أهوى بيديه وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى أخرجه النسائي، كذا ذكره قاسم بن قطلوبغا في "الأسوس في كيفية الجلوس".

ص: 485

وهوقول أبي حنيفة (1) رحمه الله.

(1) قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك وقتادة، وهو مذهب ابن عمر وعلي وأبي هريرة، وجوَّزه عطاء وطاووس وابن أبي مُلَيكة ونافع والعبادلة، كذا نقل العيني، عن ابن تيمية، وقد روى الترمذيُّ وابن ماجه عن علي مرفوعاً: نهى أن يُقعي الرجل في صلاته، وأخرج مسلم من حديث عائشة مرفوعاً: كان ينهى عن عُقبة الشيطان، وأخرج أحمد والبيهقي، عن أبي هريرة: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرةٍ كنقرة الدِّيك والتفاتٍ كالتفات الثعلب وإقعاء كإقعاء الكلب، وروى ابن ماجه، عن أنس مرفوعاً: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تُقِع كما يُقعي الكلب.

ويعارض هذه الأخبار ما أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما، عن ابن عباس أن الإقعاء بين السجدتين سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في ذلك: فمهم من قال حديث ابن عباس منسوخ، وردّه النووي بأنه غلط فاحش لعدم تعذّر الجمع، ولا تاريخ، فكيف يصح النسخ؟! ومنهم من سلك مسلك الجمع، وقالوا: الإقعاء على نوعين: أحدهما مستحَبّ وهو أن يضع أليتيه على عقبيه وركبتاه على الأرض وهو الذي روى مسلم عن ابن عباس، والثاني أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه، وهو إقعاء الكلب المنهيّ عنه. كذا ذكره النوويُّ، واختاره ابن الهُمام وغيره من أصحابنا، ولا يخفى على الفطن أن أثر ابن عمر الذي أخرجه محمد صريح في نهي الإقعاء بالمعنى الثاني أيضاَ ولذلك نص محمد بعده على أنه لا ينبغي، والقول الفيصل في هذا المقام أن الإقعاء بالمعنى الأول لا خلاف في كراهيتها، وبالمعنى الثاني مختلف فيه بين الصحابة، فأثبت ابن عباس كونه سنَّة ونفاه ابن عمر، والذي يظهر أن الجلوس بين السجدتين بالافتراش عزيمة، والإقعاء فيه بالمعنى الثاني رخصة، قد ظنَّها ابن عباس سنَّة، وقد أخذ أكثر العلماء في هذا البحث بما دلَّ عليه أثر ابن عمر من العزيمة، وللتفصيل موضعٌ آخر من تآليفي المبسوطة

ص: 486