الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
& بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقِّق [د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيَسُرّ المحقِّق ويسعده أن يقدِّم للقراء الكرام كتاب "التعليق الممجد على موطأ محمد" للإمام أبي الحسنات عبد الحي اللكنوي - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - في الطبعة القشيبة المشرقة.
كتاب الموطّأ من أشهر ما دُوِّن في النصف الأول من القرن الثاني، هو تأليف إمام دار الهجرة - على صاحبها الصلاة والسلام - أبي عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأَصبحي الحمريري القحطاني، أحد أعلام الإسلام، وأحد أعيان هذه الأمة، وأحد أركان الملَّة، وأحد من وُضع له القَبول في الأرض، وأحد من سلَّمت له الأمة الإمامة في الحديث والفقه معاً.
وكتاب الإمام أبي عبد الله البخاري "الجامع الصحيح المسند من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُننِه وأيامه" وإن كان أصبح أصح كتاب بعد كتاب الله العزيز عند جمهور العلماء لما له من مزايا في التزام أمور وشروط، وآداب وعادات، في تخريجه الحديث، وانتقائه ما لم يشاركه فيه أحد من معاصريه، ولا ممن سبقه، مع ذلك فإن موطَّأ الإمام مالك أصبح قدوة وأسوة للبخاري، ولمن جاء بعده، فهو الذي انتهج هذا المنهج، وسلك مسلك الانتقاء والاصطفاء، وفتح هذا الباب من الجمع
بين الحديث والفقه، وآثار الصحابة وأقوال التابعين، فللإمام مالك ولكتابه منَّة على رقاب الأمة جميعاً.
وتهافت على روايته وسماعه عن المؤلف الإمام محدِّثون وأئمة فقهاء، وعلماء وملوك، كما لم يتفق لغيره من الكتب ذلك، وقد أفرد له القاضي عياض باباً في المدارك ("ترتيب المدارك": 2/170) .
واشتهر من رواته جماعة نُسبت إليهم نُسَخ الموطَّأ: منهم الإمام محمد بن الحسن الشيباني الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام يحيى بن يحيى المصمودي الأندلسي، ونسخة يحيى هي المعروفة بين أهل العلم، قد شرحها جمع من المتقدمين والمتأخرين، ومنهم شيخنا المحدِّث الكبير محمد زكريا الكاندهلوي المتوفَّى سنة 1982 بالمدينة المنورة، على صاحبها الصلاة والسلام، وأسمى شرحه "أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك"، طُبع في القاهرة في خمسة عَشَرَ مجلداً.
وقد قام باستيفاء من شرحه قديماً وحديثاً من أقدم عهد إلى عهده في الفائدة العاشرة من الفصل الثاني من مقدمة الكتاب.
وأما نسخة محمد بن الحسن الشيباني، فلم يشرحها إلا الشيخ بيرى زاده، والشيخ علي القاري، ثم جاء بعدهما الإمام عبد الحي اللّكنَوي، فقام بشرح الكتاب فكفى وشفى.
والكتاب كان بالخط الفارسي، وطُبع في الهند مراراً طباعة حجرية دقيقة بحيث لا تكاد تبدو للناظر، وقد كان ذلك من أسباب زهد كثير من فضلاء العرب في الاستفادة منه، وانصرافهم عنه، وقد طال طلب إخواننا طبْع هذا الكتاب على الحروف الجديدة وفي الحروف العربية وحدها كما ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غُدّة في هامش "الرفع والتكميل"(في ص 65) ، وقد طُبع هذا الكتاب العظيم مرات كثيرة، وكلها
في الهند نسأل اللَّه أن ييسِّر لنا طبعه في بلادنا، فإن خلوَّ مكتبة العالم منه لَحِرمان كبير.
وقد أمرني سماحة الأستاذ الكبير أبو الحسن علي الندوي بتحقيق هذا الكتاب العظيم، وانتساخ هوامشه ووضعها في محلها، فاشتغلت به متوَكِلاً على الله تعالى.
إن هذا الشرح لموطأ مالك برواية الإمام محمد بن حسن الشيباني زينة الشروح، وصاحبه كان آية من آيات الله في العلم والإخلاص والتقوى، {واتَّقُوا اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (سورة البقرة: آية 282) .
هذا ويرى القارئ في الكتاب مسلكَ مالكٍ في السنن، وروحَ أبي حنيفة في الاستنباط، وعلمَ الشافعي في التأصيل والتفريع، وورع أحمد في الاحتياط.
عملي في هذا الكتاب:
-1 - انتسختُ هوامش الكتاب ووضعتها في محلها.
-2 - صحَّحتُ الكتاب وإذا وجدت فيه تحريفاً أو تغايراً ذا بال، نبَّهت إليه.
-3 - علَّقتُ على مواضع كثيرة من الكتاب بما يستكمل مقاصده ويزيد فرائده وفوائده.
-4 - وإذا ترددت في كلمة من الشرح رجعت إلى المصادر التي نقل منها المؤلف، وتأكّدتُ من صحتها.
-5 - كان المؤلف عليه الرحمة والرضوان - كعادته في أكثر كتبه - قد علَّق في حواشي الكتاب تراجم لكثير ممَّن ذَكَرَهم من العلماء وختمها بقوله: (منه) .
فإني وضعت محله (ش) إيذاناً بأنها من المؤلف الشارح.
-6 - وضعت فِهْرساً عامّاً للكتاب.
وفي الختام أسأله تعالى أن يتقبَّل منا ومن جمع من ساهم في إخراج هذا الكتاب، وأن يوفِّقنا لخدمة السُّنَّة المطهرة وعلومها، وأن يحسن ختامنا ويرحم والدينا ومشايخنا وسائر المسلمين، إنه وليُّنا ومولانا، ونعم النصير.
د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة