الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي يُغَيِّبُ ظَهْرَ (1) قَدَمَيْهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كُلِّهِ (2) نَأْخُذُ، فَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ توشَّح (3) بِهِ تَوَشُّحًا جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (4) رحمه الله.
46 - (بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ)
165 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أن رجلاً (5)
(1) في نسخة: ظهور. قوله: ظهر قدميها، قال الأشرف: فيه دليل على أن ظهر قدمها عورة يجب سترها، وفي "شرح المنية" أن في القدمين اختلاف المشايخ، والأصح أنهما ليستا بعورة، كذا ذكره في "المحيط". وهو مختار صاحب "الهداية" و"الكافي"، ولا فرق بين ظهر القدم وبطنه خلافاً لما قيل إن بطنه ليس بعورة وظهره عورة.
قلت: ظاهر الحديث يؤيد ما قيل، كذا في "مرقاة المفاتيح".
(2)
من المطالب التي أفادته الأحاديث المذكورة.
(3)
أي: اشتمل به اشتمالاً.
(4)
وبه قال الجمهور.
(5)
للنسائي: من أهل البادية، قوله: أن رجلاً، قال الحافظ: لم أقف على اسم السائل، ووقع في "المعجم الصغير" للطبراني أنه ابن عمر، لكنه يعكِّر عليه رواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر: أن رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل، وفيه: ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه، قال: فما أدري أهو ذلك الرجل أم غيره؟ ووقع عند محمد بن نصر في "كتاب الوتر" - وهو كتاب نفيس - من رواية عطية، عن ابن عمر أن أعرابياً سأل، قال: فيُحتمل أن يُجمع بتعدّد من سأل، كذا في "ضياء الساري".
سَأَلَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ الصلاةُ بِاللَّيْلِ؟ قَالَ (1) : مَثْنَى مَثْنَى (2) ، فَإِذَا خشي أحدُكم أن يُصْبحَ (3)
(1) يتبيَّن من الجواب أن السؤال وقع عن عددها أو عن الفصل والوصل.
(2)
أي: اثنين اثنين، فإعادته للمبالغة في التأكيد، قوله: مثنى مثنى، استُدلَّ به على تعيُّن الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل، قال ابن دقيق العيد: وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحَمَله الجمهور على أنه لبيان الأفضل (انظر فتح الباري 2/398) ، لما صحَّ من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه، واستُدِلَّ به أيضاً على عدم النقصان من ركعتنين في النافلة ما عدا الوتر، وقد اختلف العلماء فيه (اتفق أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد على أفضلية الرباعية نهاراً كما في "شرح المهذَّب" 5/75 و"المغني" 1/765، واتفق الشافعي وأحمد وأبو يوسف والثوري والليث على أفضلية الثنائية ليلاً والشافعي وأحمد منهم على أفضليتها نهاراً أيضاً، وشذَّ مالك في القول بعدم جواز الرباعية ليلاً استدلالاً بإفادة التركيب القصر، كما حكاه ابن دقيق العيد في "العمدة") : فذهبت طائفة إلى المنع وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وطائفة إلى الجواز وصحَّحه الرافعي واستدلَّ بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا، وبه قال أبو حنيفة، تُعُقِّب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة، وبأنه ورد في السنن وصحَّحه ابن خزيمة من طريق عليَّ الأزدي، عن ابن عمر مرفوعاً:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"، لكن تَعَقَّب ابن عبد البر ذكر النهار (قال في "فتح الباري": أكثر أئمة الحديث أعلّو هذه الزيادة وهو قوله: "والنهار إلخ". وقال ابن قدامة في "المغني" 1/765: وقد رواه عن ابن عمر نحو من خمسة عشر نفساً، لم يقل ذلك أحدٌ سواه، وكان ابن عمر يُصلي أربعاً، فيدلّ ذلك على ضعف روايته، أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره، والله أعلم. اهـ) بأنه من تفرُّد الأزدي، وحكم النسائي بأنه أخطأ فيها، وكذا يحيى بن معين، كذا في "الضياء".
(3)
استدل به على خروج وقت الوتر بدخول وقت الفجر.
فليصلِّ (1) رَكْعةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ (2) مَا قَدْ صَلَّى.
166 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا الزُّهري، عَنْ عُرْوَةَ، عن عائشة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يصلِّي (3) مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَة ركعة، يوتر
(1) قوله: فليصلِّ ركعة، فيه أن الركعة الواحدة هو الوتر، وأن كل ما تقدَّمها شفع، وسَبْقُ الشفع شَرطُ الكمال لا في صحة الوتر، وهو المعتمد عند المالكية، وقد صحَّ عن جمع من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة دون تقدُّم نفل قبلها، وروى محمد بن نصر وغيره: أن عثمان رضي الله عنه قرأ القرآن ليلةً في ركعة لم يصلِّ قبلها ولا بعدها. وفي البخاري: أن سعداً أوتر بركعة وأن معاوية أوتر بركعة، وصوَّبه ابن عباس، وقال: إنه فقيه، كذا في "شرح الزرقاني".
(2)
قوله: توتر له ما قد صلّى، قال ابن ملك: أي تجعل هذه الركعة الصلاةَ التي صلاّها في الوتر وتراً بعد أن كانت شفعاً، والحديث حجة للشافعي في قوله: الوتر ركعة واحدة. انتهى. وفيه أن نحو هذا قبل أن يستقر أمر الوتر، قاله ابن الهُمام. وهذا جواب تسليمي، فإنه قال أيضاً: ليس في الحديث دلالة على أنَّ الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة ليحتاج إلى الاشتغال بجوابه إذ يَحتمل كلَاّ من ذلك، ومن أنه إذا خشي الصبح صلّى واحدة متصلة. انتهى.
وأغرب ابن حجر حيث قال: خالف أبو حنيفة السنَّة الصحيحة، وأنت قد علمتَ أن الدليل مع الاحتمال لا يصلح للاستدلال، ومن أعجب العجاب أنَّ بعضهم كره وصلّى الثلاث، وأعجب منه أن القفّال قال ببطلان الثلاث، وبه أفتى القاضي حسين أخذاً من حديث لا يُعرف له أصل صحيح "لا توتروا بثلاث وأوتروا بخمسٍ أو سبع، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب"، ولا يوجد مع الخصم حديث يدل على ثبوت ركعة مفردة في حديث صحيح ولا ضعيف فيؤول ما ورد من مجملات الأحاديث للجمع بينها في "مرقاة المفاتيح" وفيه ما لا يخفى.
(3)
زاد يونس والأوزاعي، عن الزهري بإسناده: يسلِّم من كل ركعتين.
مِنْهُنَّ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ (1) مِنْهَا اضْطَجَعَ (2) عَلَى شِقِّه الأَيْمَنِ (3) .
167 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ (4) ؛ عَنْ عبدِ الله (5) بن قيس بن مخرمة،
(1) قوله: فإذا فرغ منها، قال ابن عبد البر: كذا في رواية يحيى، وتابعه جماعة من رواة "الموطأ". وأما أصحاب ابن شهاب فروَوْا هذا الحديث بإسناده، فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر، وزعم محمد بن يحيى الذهلي أن ما ذكروا في ذلك هو الصواب دون ما قاله مالك. قال ابن عبد البر: ولا يُدفع ما قاله مالك لموضعه من الحفظ والإتقان ولثبوته في ابن شهاب وعلمه بحديثه.
(2)
قوله: اضطجع، قال ابن حجر: من هذا الأحاديث أخذ الشافعي أنه يُندَب (إنه مستحبّ لمن يقوم بالليل لأجل الاستراحة لا مطلقاً، واختاره ابن العربي. فتح الباري 3/43) لكل أحد أن يفصل بين سنَّة الصبح وفرضه بضجعة على شقه الأيمن ولا يتركه ما أمكن، بل في حديث صحيح على شرطهما: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بها. وأغرب ابن حزم حيث قال بوجوب الاضطجاع وفساد صلاة الصبح بتركه، كذا في "مرقاة المفاتيح".
(3)
للاستراحة من طول القيام.
(4)
هو أبو بكر اسمه وكنيته واحد، وقيل: يكنى أبا محمد، ثقة، عابد، ذكره الزرقاني.
(5)
قوله: عن عبد الله، قال العسكري: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن أبي خيثمة والبغوي وابن شاهين في "الصحابة"، وذكره البخاري وابن أبي حاتم في كبار التابعين وأبوه صحابي، كذا في "شرح الزرقاني".
عَنْ (1) زَيْدِ (2) بْنِ خَالِدٍ الجُهَني (3) قَالَ: قُلْتُ: لأَرْمُقَنَّ (4) صلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فتوسَّدتُ (5) عَتْبَته (6) أَوْ فُسطاطَه، قَالَ: فقام فصلّى ركعتَيْن خفيفتَنْن، ثُمَّ صَلَّى ركعَتَيْن طويلتَيْن، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَهُمَا ثُمَّ صَلَّى ركعتَين دُونَ (7) اللَّتَيْن قَبْلَهُمَا، ثم أَوْتَر (8) .
(1) قوله: عن زيد، هذا هو الصواب، ووقع في رواية أبي أويس، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ: أن عبد الله بن قيس قال: لأرمقن
…
رواه ابن أبي خيثمة (في الأصل: "ابن خيثمة"، والصواب: "ابن أبي خيثمة") وهو خطأ.
(2)
قوله: زيد، أبو عبد الرحمن المدني. وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو زرعة، وكان صاحب لواء جهينة يوم الفتح مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة، وقيل: سنة ثمان وستين، وقيل: سنة خمسين بمصر، وقيل بالكوفة في آخر خلافة معاوية، كذا في "الإسعاف".
(3)
بالضم، نسبة إلى جهينة.
(4)
أصل الرمق: النظر إلى الشيء شزراً.
(5)
أي: جعلتها كالوسادة يُوضع الرأس (في الأصل: "رأس"، وهو تحريف) عليها.
(6)
قوله: عتبته أو فسطاطه، قال الباجي: العَتَبَة محرّكة: موضع الباب، والفسطاط نوع من القباب، والخبر بالتفسير الأول أشبه. ويحتمل أن ذلك شكٌ من الراوي.
(7)
قال الباجي: يعني في الطول.
(8)
قوله: ثم أوتر، اختلفت نسخ هذا الكتاب في هذا المقام، ففي بعضها كما في هذه النسخة، وعليها يكون عدد ركعاته قبل الوتر ثمانية، وفي بعضها قال: فقام، فصلّى ركعتين خفيفتين، ثم صلّى ركعتين طويلتين طويلتين، ثم صلّى ركعتين دونهما، ثم صلّى ركعتين دونهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم
168 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المنكدِر (1) ، عَنْ سَعِيدِ (2) بْنِ جُبَيْرِ (3)، عَنْ عَائِشَةَ (4) رضي الله عنها: أن
أوتر، وعلى هذه النسخة يكون عدد الركعات قبل الوتر عشرة. وفي "موطأ" يحيى: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلّى ركعتين طويلتين طويلتين، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فتلك ثلاث عشرة ركعة. قال في "المحلّى"، قوله: وهما دون اللتين قبلهما أربع مرات، قال صاحب "المشكاة": هكذا في مسلم والموطأ وسنن أبي داود وجامع الوصول: انتهى. وفي "شمائل الترمذي" كرر خمس مرات، وكذا وُجدت في نسخ هذا الكتاب يعني "الموطأ"، فقوله: ثم أوتر، على التقدير الأول بثلاث، وعلى الثاني بواحدة. انتهى ما في "المحلَّى". وذكر ابن عبد البر أن يحيى لم يذكر ركعتين خفيفتين، ولم يتابَع هو على ذلك، والذي عند جميع رواة "الموطأ" تقديم ركعتين خفيفتين (انظر أوجز المسالك 3/343، والزرقاني 1/427) .
(1)
وثَّقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة 130 هـ، كذا في "الإسعاف".
(2)
قوله: عن سعيد بن جبير، هو أبو عبد الله الكوفي أحد الأئمة الأعلام، كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم سعيد بن جبير، قتله الحجاج في شعبان سنة خمسة وتسعين، كذا في "الإسعاف".
(3)
وقع في رواية يحيى ههنا: عن رجل عنده رضاً. وفسره الشُّراح بأنه الأسود بن يزيد.
(4)
قوله: عن عائشة، جزم الحافظ بأن رواية سعيد، عن عائشة مرسلاً، وأخرج النسائي من طريق ابن جعفر الرازي، عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن الأسود بن يزيد النخعي، عن عائشة، وقال الحافظ العراقي: قد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة. وأخرج النسائي وابن ماجه والبزّار بإسناد صحيح.
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنَ امرئٍ تَكُونُ لَهُ صلاةٌ (1) بالليلِ يَغْلِبُهُ (2) عَلَيْهَا نومٌ إلَاّ كَتَبَ اللهُ لَهُ أجرَ صَلاتِهِ (3) وَكَانَ نومُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً (4) .
169 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ حُصَين، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (5) الأَعْرَجِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (6) قَالَ: مَنْ فَاتَهُ مِنْ حِزْبِهِ (7) شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ،
(1) أي معتادة.
(2)
قوله: يغلبه، قال الباجي ("شرح الموطأ" للباجي: 1/211) : يحتمل وجهين: أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة.
(3)
قال الباجي: يريد التي (في الأصل: "الذي"، وهو تحريف) اعتادها. قوله: أجر صلاته، قال الباجي: يحتمل ذلك عندي وجوهاً: أحدها أن يكون له أجرها غير مضاعف، ولو عملها لكان له أجرها مضاعفاً، لأنه لا خلاف أن الذي يصلّي أكمل حالاً. ويحتمل أن يريد أن له أجر نيَّته. ويحتمل أن يكون له أجر من تمنّى أن يصلّي مثل تلك الصلاة، ويحتمل أنه أراد أجر تأسُّفه على ما فاته منها، كذا في "التنوير".
(4)
قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به (في الأصل: "لا يحتسب به"، والصواب: "لا يحتسب عليه به" كما في "المنتقى" 1/211) يكتب له أجر المصلين.
(5)
قوله: عبد الرحمن الأعرج، في "الموطأ" برواية يحيى ذُكر عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ واسطة بين الأعرج وعمر.
(6)
قد أخرجه مسلم وأصحاب السنن، عن عمر مرفوعاً.
(7)
الحزب بالكسر، الورد يعتاده من قراءة أو صلاة أو نحوهما.
فَقَرَأَهُ مِنْ حِينِ (1) تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى صَلاةِ الظُّهْرِ فكأنَّه لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ.
170 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يصلِّي كلَّ لَيْلَةٍ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّي حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ للصلاة (2) ويتلو (3) هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ
(1) قوله: من حين
…
إلخ، قال ابن عبد البر: هذا وهم من داود لأن المحفوظ من حديث ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، وعبيد الله بن عبد الله، عن عبد الرجمن بن عبدٍ القاريّ، عن عمر: من نام عن حزبه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل. ومن أصحاب ابن شهاب من رفعه عنه بسنده، عن عمر. وهذا عند العلماء أَوْلى بالصواب من رواية داود حيث جعله من زوال الشمس إلى صلاة الظهر لأن ذلك وقتٌ ضيِّق، قد لا يسع الحزب ورُبَّ رجُلٍ حزبه نصف القرآن أو ثلثه أو ربعه ونحوُه، لأن ابن شهاب أتقن حفظاً وأثبت نقلاً.
(2)
قوله: للصلاة، أي: لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويُحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح، وأيما كان فإنه امتثل الآية.
(3)
قوله: ويتلو هذه الآية، أخرج ابن مردويه وابن النجار وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت: {وأمرْ أهلَكَ} (سورة طه: رقم الآية 132) الآية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء إلى باب علي رضي الله عنه صلاة الغداة ثمانية أشهر، فيقول: الصلاة، رحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً. وأخرج ابن مردويه، عن أبي الحمراء قال: حين نزلت هذه الآية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة، رحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً، كذا في "الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور" للسيوطي.
بالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ (1) عَلَيْهَا، لا نَسْأَلُكَ (2) رِزْقاً، نحنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ (3) للِتَّقْوَى} .
171 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مَخْرمةُ (4) بنُ سُلَيْمَانَ الوالِبي (5) ، أَخْبَرَنِي كُرَيْب مَوْلَى (6) ابْنِ عَبَّاسٍ (7) أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ (8) عِنْدَ ميمونةَ زوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فاضطجعتُ (9) فِي
(1) أي: اصبر.
(2)
لنفسك ولا لغيرك، أخرج ابن أبي حاتم، عن الثوري: معناه: لا نكلِّفك الطلب.
(3)
أخرج ابن أبي حاتم، عن السدّي، قال: العاقبة، الجنة.
(4)
بفتح الميم وسكون الخاء. قوله: مخرمة، الأسدي المدني وثَّقه ابن معين، قال الواقدي: قتلته الحَرُوريّة سنة 130 هـ بقُديد، كذا في "الإسعاف".
(5)
بكسر اللام نسبة إلى والبة، حيّ من أسد، ذكره السَّمعاني.
(6)
هو كريب بن أبي مسلم أبو رشد بن الحجازي، وثقه النسائي وابن معين وابن سعد، مات 98 هـ، كذا في "الإسعاف".
(7)
قوله: ابن عباس، هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن كان يقال له: الحبر والبحر، مات بالطائف سنة 68 هـ.
(8)
قوله: أنه بات، في بعض طرق أبي عَوَانة قال: بعثني أبي العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فوجدتُه جالساً في المسجد، فلم أستطع أن أكلِّمه، فلما صلّى المغرب قام فركع حتى أذَّن المؤذِّن لصلاة العشاء، زاد محمد بن نصر في "قيام الليل"، فقال لي: يا بُنيّ بتْ الليلةَ عندنا.
(9)
أي: وضعت جنبي بالأرض.
عَرْضِ (1) الْوِسَادَةِ (2) وَاضْطَجَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأهلُه فِي طُولِهَا (3) قَالَ: فَنَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا اتنصفَ الليلُ أو قبله (4) بقليل أو بعده
(1) قوله: في عرض، بفتح العين على المشهور، وبضمِّها أيضاً، وأنكره الباجيّ نقلاً، ومعنىً، قال: لأن العرض هو الجانب، وهو لفظ مشترك، ورده العسقلاني بأنه لما قال في طولها تعيَّن المراد، وقد صحَّت به الرواية فلا وجه للإنكار.
(2)
لمحمد بن نصر: وسادة من أدم حشوها ليف، قوله الوسادة، المراد به الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس، ونقل القاضي عياض، عن الباجي والأصيلي وغيرهما أن الوسادة ههنا الفراش لقوله اضطجع في طولها. وهذا ضعيف أو باطل. وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرآته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميَّزاً، قال القاضي: وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث، قال ابن عباس: بتُّ عند خالتي في ليلة كانت فيها حائضاً، قال: وهذه الكلمة وإن لم تصح طريقاً فهي حسنة المعنى جداً، كذا في "شرح صحيح مسلم" للنووي.
(3)
قوله: في طولها، قال ابن عبد البر: كان ابن عباس - والله أعلم - مضطجعاً عند أرجلهما أو عند رأسهما، وقال الباجي: هذا ليس بالبيّن لأنه لو كان كذلك لقال: توسَّدت عرضها، وقوله: فاضطجعت في عرض يقتضي أن العرض محل لاضطجاعه، ولأبي زرعة الرازي في "العلل"، عن ابن عباس أتيت خالتي ميمونة، فقلت: إني أريد أن أبيت عندكم، فقالت (في الأصل:"فقال"، والصواب:"فقالت") : كيف والفراش واحد، فقلت: لا حاجة لي بفراشكم، أفرش نصف إزاري وأما الوسادة فإني أضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثته ميمونة بما قلت، فقال أصبح هذا شيخ قريش، كذا في شرح الزرقاني.
(4)
قوله أو قبله: جزم في بعض طرقه بثلث الليل الأخير، قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين، ففي الأولى نظر إلى السماء، ثم تلا الآيات، ثم عاد لمضجعه، فقام في الثانية وأعاد ذلك، ثم توضأ وصلّى.
بِقَلِيلٍ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ النومَ (1) عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ (2) بِالْعَشْرِ (3) الآيَاتِ (4) الْخَوَاتِيمِ (5) مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ (6) ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ (7) معلَّق، فتوضَّأ منه (8) ،
(1) قوله: فمسح النوم، أي: أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبِّب أو عينيه من باب إطلاق اسم الحالّ على المحل.
(2)
قوله: ثم قرأ، قال النووي: فيه جواز القراءة للمحدث، وهذا إجماع المسلمين، وإنما تحرم الجنب والحائض. انتهى، وكذا ذكر جماعة من العلماء منهم: ابن بطّال وابن عبد البر، وفيه نظر، وهو أن نوم النبي صلى الله عليه وسلم ليس بناقض وتجديده الوضوء بعد الاستيقاظ إنما هو لزيادة الفضل كما صرَّحوا به في مواضع، فلا يدل قراءة القرآن بعد النوم منه على ما ذكروا إلَاّ إذا ثبت في هذا الحديث وقوع حدث آخر منه صلى الله عليه وسلم.
(3)
قوله: بالعشر، قال الباجي: يحتمل أن يكون ذلك ليبتدئ يقظته بذكر الله كما ختمها بذكره عند نومه، ويحتمل أن يكون ليذكر ما ندب إليه من العبادة وما وعد على ذلك من الثواب.
(4)
أولها: {إنَّ في خلق السموات....} إلى آخر السورة.
(5)
في نسخة: الخواتم، وبالنصب صفة للعشر.
(6)
قوله: من سورة....إلخ، فيه استحباب قراءة هذا الآيات عند القيام من النوم، وفيه جواز قول سورة البقرة وسورة آل عمران ونحوها، وكرهه بعض المتقدمين، وقال: إنما يُقال السورة التي يُذكر فيها آل عمران والتي يُذكر فيها البقرة. والصواب هو الأول، وبه قال عامة العلماء من السلف والخلف، وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة، كذا في "شرح صحيح مسلم" للنووي.
(7)
قوله: إلى شَنٍّ معلَّق، بفتح الشين وتشديد النون: قِرْبَةٌ خَلِقَهٌ من أدم، وذكر الوصف باعتبار لفظه، وفي رواية للبخاري معلقة.
(8)
قوله: منه، ولمحمد بن نصر: ثم استفرغ من الشنّ في إناء ثم توضأ.
فَأَحْسَنَ (1) وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ (2) يُصَلِّي: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فقمتُ فصنعتُ مثلَ (3) مَا صَنَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذهبتُ فقمتُ إِلَى جَنْبِهِ (4) فَوَضَعَ (5) رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدَه الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وأخَذ (6) بأُذُنِي اليمنى بيده اليمنى؛ فَفَتَلَها (7)
(1) قوله: فأحسن وضوءَه، وفي بعض طرقه، فأسبغ الوضوء، قال الحافظ: ويجمع بين هذا والرواية التي سبقت في باب تخفيف الوضوء: "فتوضأ وضوءاً خفيفاً" برواية الثوري، فإن لفظه: فتوضَّأ وضوءاً بين وضوءَين، ولم يكثر، وقد أبلغ، ولمسلم: فأسبغ الوضوء ولم يمسّ من الماء إلَاّ قليلاً، وزاد فيها: فتسوَّك.
(2)
قوله: ثم قام يصلي، لمحمد بن نصر: ثم أخذ برداء له حضرميّ، فتوشَّحه، ثم دخل البيت، فقام يصلّي.
(3)
قوله: مثل ما صنع، يقتضي أنه صنع جميع ما ذُكر من القول، والنظر إلى السماء، والوضوء والسواك، والتوشُّح، ويحتمل أن يُحمل على الأغلب، وزاد في رواية الدعوات في أوله: فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أني كنت أرقبه، كذا في "الفتح".
(4)
أي: الأيسر.
(5)
قال ابن عبد البر: يعني أنه أداره فجعله على يمينه، وهكذا ذكره أكثر الرواة في هذا الحديث ولم يذكره مالك.
(6)
فيه أن قليل العمل لا يفسد.
(7)
أي: دلكها، إمّا لينتبه من النعاس، أو إظهاراً لمحبته أو ليستعد لهيئة الصلاة، قوله: ففتلها، في بعض طرقه: فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني في ظلمة الليل وفي بعضها: فجعلت إذا أَغْفَيتُ أخذ بشحمة أذني، وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن له إنما كان في حال إدارته له من اليسار إلى اليمين متمسكاً بما في بعضها: فأخذ بأذني فأدارني، لكن لا يلزم من إدارته على هذا الصفة أن لا يعود
ثُمَّ قَالَ: فَصَلَّى (1) رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ سِتَّ مَرَّاتٍ (2) ، ثُمَّ أَوتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ (3) حِينَ جَاءَهُ المؤذِّن (4) ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ (5) فَصَلَّى الصُّبْحَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: صلاةُ الليلِ (6) عِنْدَنَا مَثْنَى مَثْنَى، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
إلى مسك أذنه لما ذكر من تأنيسه وإيقاظه لأن حاله كان يقتضي ذلك لصغر سِنِّه، كذا في "الفتح".
(1)
زاد ابن خزيمة: يسلِّم من كل ركعتين.
(2)
أي: ذكرها ستَّ مرات، فالجملة ثنتا عشرة ركعة، قوله: ست مرات رواية الباب يقتضي أنه صلّى ثلاث عشرة ركعة، وقد صرَّح بذلك في رواية الدعوات للبخاري وصرَّح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرها، لكن رواية شريك للبخاري في التفسير، عن كريب تخالف ذلك، ولفظه: فصلّى إحدى عشرة ركعة، ثم أذَّن بلال، فصلّى ركعتين، ثم خرج، فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف، وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكاً وروايتهم مقدّمة على روايته لما معهم من الزيادة ولكونهم أحفظ، وقد حمل بعضهم هذا الزيادة على سنَّة العشاء ولا يخفى بُعدُه، كذا في "الفتح".
(3)
للبخاري في رواية: فنام حتى نفخ ثم قام.
(4)
هو بلال.
(5)
من الحجرة إلى المسجد.
(6)
قوله: صلاة الليل مثنى مثنى، أي: الأفضل في صلاة الليل أن تؤدَّى ركعتين ركعتين، وأما صلاة النهار، فالأفضل فيها الأربع، وبه قال أبو يوسف، وحجَّته ما مرًّ من حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وقال الشافعي وأصحابه: الأفضل فيهما مثنى مثنى، له قوله عليه السلام: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، أخرجه
صَلاةُ الليلِ إنْ شئتَ صلَّيتَ (1) رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شئتَ صلَّيتَ أَرْبَعًا (2) ، وَإِنْ شئتَ سِتًّا، وَإِنْ شئتَ ثَمَانِيًا، وَإِنْ شئتَ (3) مَا شئتَ بِتَكْبِيرَةٍ
أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان من طريق على بن عبد الله الأزدي، عن ابن عمر، لكن قال الترمذي: رواه الثقات، عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر، فلم يذكروا النهار، وقال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ، وقال في "سننه الكبرى": إسناده جيد إلَاّ أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي، فلم يذكروا فيه النهار، منهم: سلم ونافع وطاووس، وقال ابن عبد البر: لم يقله أحد عن ابن عمر غير علي، وأنكروه عليه، وكان يحيى بن معين يُضعف حديثه هذا ولا يحتج به ويقول: نافع وعبد الله بن دينار وجماعة روَوْه بدون ذكر النهار، وقال الدارقطني في "العلل": ذكر النهار فيه وهم، ولهذا الحديث طرق أخر أيضاً وشواهد لا يخلو أكثرها عن علة كما بسطه الزيلعي في "تخريج أحاديث الهداية"، وابن حجر في "تخريج أحاديث الرافعي"(1/119، وانظر عمدة القاري 3/403) وغيرهما.
(1)
هذا هو المشهور من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل الثابت من حديث جماعة.
(2)
قوله: صلَّيت أربعاً، لما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل: يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهنّ وطولهن، ثم يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حُسنِهِنَ وطولهن، ثم يصلِّي ثلاثاً. وأخرج أبو داود والنسائي في "سننه الكبرى" من حديث عائشة، وأحمد والبزّار، من حديث ابن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بعد العشاء أربع ركعات.
(3)
قوله: وإن شئت ما شئت، هذا صريح في أنه لا يُكره الزيادة على ثماني ركعات بتسليمة واحدة خلافاً لما ذهب إليه بعض أصحابنا من أن ذلك مكروه، وعلَّلوه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ذلك بتحريمة واحدة، ويردّهم حديث
وَاحِدَةٍ (1) ، وَأَفْضَلُ (2) ذَلِكَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا. وَأَمَّا الْوِتْرُ فَقَوْلُنَا وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ وَاحِدٌ (3) ، وَالْوِتْرُ ثلاث (4)
عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلَاّ في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلِّم ثم يقوم، فيصلّي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا (أخرجه مسلم 1/256) .
(1)
أي: بتحريمة.
(2)
قوله: وأفضل ذلك، يعني أن الكل جائز، لكن الأفضل في الليل هو الأربع بتحريمة واحدة كما في النهار، وذكر أصحابنا في وجهه المنقول أحاديث دالَّة على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات في الليل والنهار، وأيَّدوه بالمعقول بأنه أكير مشقَّة، فيكون أزيد فضيلة. ولا يخفى ما فيه فإن أداء النبي عليه السلام أربع ركعات بتحريمة واحدة في الليل والنهار مما لا يُنكر لثبوته بالأحاديث الثابتة، لكن الكلام في ما يدلّ على أنه الأفضل وهو مفقود، والفضائل في مثل هذا الباب إنما يثبت بالتوقيف من الشارع لا من الأمر المعقول فقط.
(3)
قوله: واحد، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأنس وابن عباس وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز وحذيفة والفقهاء السبعة وابن المسيّب، وهو أحد أقوال الشافعي، والقول الثاني: إنه يوتر ثلاثاً بتسليمتين تسليمة بعد ركعتين وتسليمة بعد ركعة وبه قال مالك، والقول الثالث: إن شاء أوتر بركعة وإن شار بثلاث بتسليمة واحدة أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة كذا في "البناية".
(4)
قوله: ثلاث،
…
إلخ، لما أخرجه النسائي، عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر، ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين بلفظ: كان يوتر بثلاث لا يسلم إلَاّ في آخرهن. وأخرج محمد في "كتاب الآثار"، عن ابن مسعود أنه قال: ما أجزأت ركعة قط، وأخرجه الطبراني عن
لا يُفصل بينهنَّ بتسليم (1) .
إبراهيم قال: بلغ ابن مسعود أن سعداً يوتر بركعة فقال: ما أجزأت ركعة قط. وأخرج الطحاويّ، عن أنس أنه قال: الوتر ثلاث ركعات. وأخرج عن ثابت قال صلّى بي أنس الوتر أنا عن يمينه، وأم ولده خلفنا ثلاث ركعات، لم يسلِّم إلَاّ في آخرهن. وأخرج عن المِسْور، قال: دفنّا أبا بكر، فقال عمر: إني لم أوتر، فقام، فصففنا وراءه، فصلّى بنا ثلاث ركعات، لم يسلِّم إلا في آخرهن. وأخرج عن أبي الزناد عن الفقهاء السبعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وحارثة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم: أن الوتر ثلاث، لا يسلم إلَاّ في آخرهن. فهذه الآثار والأخبار كلَّها مؤِّيدة لمذهبنا. ويخالفها آثار أخر، فأخرج الطحاوي عن عبد الرحمن التيمي: وحدتُ حِسّ رجل من خلف ظهري، فنظرت فإذا عثمان بن عفان، فتقدَّم فاستفتح القرآن حتى ختم، ثم ركع وسجد، فقلت: أَوَهِمَ الشيخ؟ فلما صلّى قلت: يا أمير المؤمنين إنما صليتَ ركعة واحدة، قال: أجل هي وِتري. وأخرج أيضاً عن سعد بن أبي وقاص، أنه كان يوتر بركعة. وفي "صحيح البخاري"، عن معاوية وسعيد بن جبير أنه أوتر بركعة. وفي "سنن سعيد بن منصور" أن ابن عمر صلّى ركعتين من الوتر، ثم قال: يا غلام ارحل لنا، ثم قام فصلّى ركعة. والقول الفيصل في هذا المقام أن الأمر في ما بين الصحابة مختلف، فمنهم من كان يكتفي على الركعة الواحدة، ومنهم من كان يصلّي ثلاثاً بتسليمتين، ومنهم من كان يصلي ثلاثاً بتسليمة، والأخبار المرفوعة أيضاً مختلفة بعضها شاهدة للاكتفاء بالواحدة، وبعضها بالثلاث، والكل ثابت، لكن أصحابنا قد ترجَّحت عندهم روايات الثلاث بتسليمة بوجوه لاحت لهم، فاختاروه وحملوا المجمَل على المفصل.
(1)
أي: في القعدة الأولى.