الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مسِّ الذَّكر)
11 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (1) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ مصعبِ (2) بنِ سَعْدٍ (3) قَالَ: كنتُ أمسكُ (4)(5)
(1) قال ابن معين: ثقة حجة مات سنة 134 هـ، كذا قال السيوطي.
(2)
قوله عن مصعب بن سعد، هو مصعب بن سعد بن أبي وقّاص الزّهري أبو زرارة المدني، ثقة مات سنة 103 هـ، وأبوه سعد بن أبي وقّاص مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري أبو إسحاق أحج العشرة المبشّرة بالجنة، مناقبه كثيرة، وهو آخر العشرة وفاة، مات على المشهور سنة 55 هـ وابن ابنه إسماعيل بن محمد بن سعد أبو محمد المدني ثقة حجة من التابعين، مات سنة 134 هـ، كذا في "تقريب التهذيب".
(3)
ابن أبي وقّاص.
(4)
أي آخذه.
(5)
قوله: قال كنت أمسك....إلخ، هذا الأثر أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" عن أبي بكرة، عن أبي داود، ثنا شعبة، عن الحكم قال: سمعت مصعب بن سعد بن أبي وقّاص يقول: كنت أمسكُ المصحف على أبي فمسست فرجي فأمرني أن أتوضأ، ثم روى عن إبراهيم بن مرزوق. نا أبو عامر، نا عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، عن مصعب بن سعد: كنت أمسك المصحف على أبي، فاحتككت فأصبت فرجي، فقال: أصبتَ فرجك؟ قلت: نعم، قال: اغمس يَدَك بالتراب، ولم يأمرني أن أتوضأ. ثم روى عن خزيمة، نا عبد الله بن رجاء، نا زائدة، عن إسماعيل، عن أبي خالد، عن الزبير ابن عدي، عن مصعب بن سعد مثله غير أنه قال: قُم فاغسل يدك، ثم قال الطحاوي: فقد يجوز أن يكون الوضوء الذي رواه الحكم في حديثه عن مصعب هو غسل اليد على ما بيَّنَه عنه الزبير حتى لا تتضاد الروايتان.
المصحفَ عَلَى سَعْدٍ (1) فَاحْتَكَكْتُ (2) فَقَالَ: لعلّكَ مسستَ (3) ذَكَرَكَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قُمْ فَتَوَضَّأْ (4) قَالَ: فقُمتُ فتوضَّأتُ (5) ثُمَّ رَجَعْتُ.
12 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي ابن شهاب، عن سالمِ (6) بن عبد الله (7) ، عَنْ أَبِيهِ (8) أَنَّهُ كَانَ يغتسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ،
(1) أي لأجله حال قراءته.
(2)
أي تحت إزاري.
(3)
بكسر السين الأولى وفتحها أي لمست بكف يدك.
(4)
لأنه لا يمس القرآن إلا طاهر.
(5)
قوله: فتوضأت، يحتمل أن يُراد به الوضوء اللغوي دفعاً لشبهة ملاقاة النجاسة، قاله القاري وهو مستبعد.
(6)
قوله: عن سالم، هو سالم بن عبد الله بن عمر أبو عمرو، أو أبو عبد الله، المدني الفقيه، قال مالك: لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل منه، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: أصح الأسانيد ابن شهاب الزهري عن سالم، عن أبيه، وقال العِجلي: مدني تابعي ثقة، مات سنة 106 هـ على الأصح. وأبوه علد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفَيل القرشي أبو عبد الرحمن، أسلم قديماً وهو صغير وهاجر مع أبيه، وشهد الخندق والمشاهد كلّها، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبد الصالح، وله مناقب جمّة، مات سنة 73 هـ وقيل 74 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر.
(7)
ابن عمر.
(8)
قوله: عن أبيه، هذا الأثر يكشف أن ابن عمر كان يرى الوضوء من مسّ الذكر، ويشيده ما رواه مالك في "الموطأ" عن نافع، عن سالم قال: كنت مع =
فَقَالَ (1) لَهُ: أَمَا يُجْزيك الغُسلُ مِنَ الْوُضُوءِ (2) ؟ قال: بلى (3)
= ابن عمر في سفر فرأيته بعد أن طَلَعَتْ الشمس توضَّأ ثم صلّى، فقلت له: إن هذه الصلاة ما كنت تصليها، قال: إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن أتوضأ، فتوضأت وعدتُ لصلاتي. وقال الطحاوي في "شرح معاني الآثار": لم نعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتى بالوضوء منه غير ابن عمر وقد خالفه في ذلك أكثر الصحابة. انتهى.
أقول: ليس كذلك فقد علمنا أن جمعاً من الصحابة أفتى بمثله، منهم عمر بن الخطاب، وأبو هريرة على اختلافٍ عنه، وزيد بن خالد الجُهني، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص في رواية أهل المدينة عنه، كذا في "الاستذكار" وفيه أيضاً: ذهب إليه من التابعين سعيد بن المسيب في رواية عبد الرحمن بن حرملة رواه عنه ابن أبي ذئب وحاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن عنه: أن الوضوء واجب على من مسّ ذكره، وروى ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب: أنه كان لا يتوضأ منه. وهذا أصح عندي من حديث ابن حرملة، لأنه ليس بالحافظ عندهم كثيراً. وكان عطاء بن أبي رباح، وطاووس، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وأبان بن عثمان، ومجاهد، ومكحول، الشّعبي، وجابر بن زيد، والحسن، وعكرمة، وجماعة من أهل الشام والمغرب كانو يَرَون الوضوء من مسّ الذكر وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد الشافعي وأحمد وإسحاق، واضطرب قول مالك، والذي تقرر عنه عند أهل المغرب من أصحابه أن من مَسّ ذَكره أمره بالوضوء ما لم يصلِّ، فإن صلى أمره بالإعادة في الوقت فإن خرج فلا إعادة عليه. انتهى.
(1)
أي ابنه سالم.
(2)
أي أما يكفيك لا سيما مع سبق الوضوء الذي هو السنة.
(3)
أي يجزي.
وَلَكِنِّي أَحْيَانًا (1) أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ (2) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا وضوءَ فِي مسِّ الذَّكَرِ (3) وَهُوَ (4) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (5) ، وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ (6) كَثِيرَةٌ.
13 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ (7) بْنُ عُتبة التَّيْميّ قَاضِي
(1) أي في بعض الأوقات بعد الغسل.
(2)
لا لأن الغسل لا يُجزي.
(3)
أي لا يجب، نعم يُستحب اعتباراً لموضع الخلاف.
(4)
أي عدم الوضوء.
(5)
قوله: قول أبي حنيفة، وإليه ذهب أصحابه وجمهور علماء العراق، وروي ذلك عن علي وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وأبي الدرداء وعمران بن حصين، لم يُختلف عنهم في ذلك، واختلف في ذلك عن أبي هريرة وسعد، وبه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وشريك والحسن بن صالح بن حيّ، كذا في الاستذكار. وفي جعله ابن عباس ممن لم يُختلف عنه نظر، فقد روى الطحاوي عن سليمان بن شعيب، نا عبد الرحمن بن زياد نا شعبة عن قتادة كان ابن مسعود وابن عباس يقولا في الرجل يمس ذكره يتوضأ، فقلت لقتادة: عمّن هذا؟ قال: عن عطاء ابن أبي رباح. ثم روى بإسناده عن ابن عباس: أنه كان لا الوضوء منه. فثبت الاختلاف عنه. وروى الطحاوي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أيضاً أنهما كانا لا يريان الوضوء.
(6)
المراد بالأثر أعمّ من المرفوع والموقوف كما مرّ.
(7)
قوله: أيوب، هو أيوب بن عُتبة - بضم العين - أبو يحيى قاضي اليمامة من بني قيس بن ثعلبة، مختلف في توثيقه وتضعيفه، قال ابن حجر في =
اليَمَامة (1)، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ (2) أَنَّ أَبَاهُ (3) حدَّثه: أَنَّ رَجُلا (4) سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ
= "تهذيب التهذيب": روى عن يحيى بن أبي كثير وعطاء وقيس بن طلث الحنفي وجماعة، وعنه أبو داود الطيالسي وأسود بن عامر ومحمد بن الحسن وأحمد بن يونس وغيرهم، قال حنبل، عن أحمد: ضعيف، وقال في موضع آخر: ثقة إلا أنه لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير، وقال الدُّوري عن ابن معين: قال أبو كامل: ليس بشيء، وقال ابن المديني والجوزجاني وعمرو بن على ومسلم: ضعيف، زاد عمرو: وكان سيِّئ الحفظ، وهو من أهل الصدق، وقال العجلي: يُكتب حديثه وليس بالقويّ، وقال البخاريّ: هو عندهم ليِّن. انتهى ملخَّصاً. وشيخ أيوب قيس بن طلق من التابعين صدوق، وأبوه طلق بن علي بن المنذر الحنفي نسبة إلى قبيلة بني حنيفة أبو على اليمامي معدود في الصحابة، ذكره ابن حجر في "التقريب" وغيره.
(1)
بالفتح اسم بلدة.
(2)
ابن علي.
(3)
أي: طلق.
(4)
قوله: أن رجلاً....إلخ، قال محيي السُّنَّة البغويّ في "المصابيح": حديث طَلْق منسوخ، لأن طلقاً قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد النبوي وذلك في السنة الأولى، وقد روى أبو هريرة وهو أسلم سنةَ سبع، أنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أفضى أحدُكُم بيده إلى ذكَرِه ليس بينه وبينها شيء فليتوضأ. انتهى. وتعقَّبه شارح "المصابيح" فضل الله التوربشتي على ما نقله الطيبي في "شرح المشكاة" بأن ادِّعاء النسخ فيه مبنيّ على الاحتمال، وهو خارج عن الاحتياط إلاّ أن يثبت أن طلقاً توفي قبل إسلام أبي هريرة أو رجع إلى أرضه ولم يبقَ له صحبة بعد ذلك، وما يدري أن طلقاً سمع هذا الحديث بعد إسلام أبي هريرة. وقد ذكر الخطابي أن أحمد بن حنبل كان يرى الوضوء من مس الذكر، وكان ابن معين يرى خلاف ذلك، وفي ذلك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= دليل ظاهر على أن لا سبيل إلى معرفة الناسخ والمنسوخ منهما. انتهى. قلت: فيه ما فيه، فإن احتمال أن يكون طلقاً سمع هذا الحديث بعد إسلام أبي هريرة مردود بما جاء في رواية النِّسائي عن هناد، عن ملازم، نا عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه، قال: خرجنا وفداً حتى قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلَّينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله ما تَرى في رجلٍ مسَّ ذَكَرَه في الصلاة؟ قال: "وهل هو إلاّ مضغة منك أو بَضعة منك". ومثله في رواية ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما. فظاهر هذه الروايات أن سماع طلق هذا الحديث كان عند قدومه في المجلس النبوي، ومن المعلوم أن قدومه كان في السنة الأولى من الهجرة، ولم يثبت أنه قدم مرة ثانية أيضاً وسمع الحديث عند ذلك.
وتَعَقَّبَ العينيُّ في "البناية" كلامَ محيي السُّنَّة، بأن دعوى النسخ إنما يصح بعد ثبوت صحة حديث أبي هريرة ونحن لا نسلم صحته. انتهى.
وفيه أيضاً ما فيه، فإن حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في "المستدرك" وصحَّحه، وأحمد في "مسنده" والطبراني، والبيهقي، والدارقطني، وفي سنده يزيد بن عبد الملك متكلَّم فيه، لكن ليس بحيث يُترك حديثه، مع أن حديث النقض مرويّ من طرق عن جماعة الصحابة، منهم أم حبيبة، وعائشة، وعبد الله بن عمر، وبُسْرة، وأبو أيوب، بل قد روي عن طلق بن علي راوي عدم النقض، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مسَّ ذكره فليتوضأ". أخرجه الطبراني في "معجمه"، عن الحسن بن على، عن حماد بن محمد الحنفي، عن أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه، والأَوْلى أن يُتَعَقَّب كلام محيي السُّنَّة بما في "فتح المنان" وغيره أن رواية الصحابي المتأخر الإسلام لا يستلزم تأخُّر حديثه، فيجوز أن يكون المتأخِّر سمعه من صحابي متقدم، فرواه بعد ذلك، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. =
مسَّ ذَكَرَه، أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: هَلْ هُوَ إِلا بَضْعة (1) من جسدك (2) .
= والإنصاف في هذا البحث أن يُقال: لا سبيل إلى الجزم بالنسخ في هذا البحث في طرف من الطرفين، لكن الذي يقرب أنه إن كان هناك نسخ فهو لحديث طلق لا بالعكس.
(1)
هو بالفتح: القطعة من اللحم. وقد تُكسر، ومنه "فاطمة بَضعة مني"، ومنه:"وهل هو إلَاّ بضعة"، كذا في "مجمع البحار".
(2)
قوله: من جسدك، هذا الحديث رواه عن قيس بن طلق الحنفي جماعة، منهم أيوب بن عتبة، كما أخرجه محمد ها هنا، وأخرجه الطحاوي أيضاً، عن محمد بن العباس اللؤلؤي، نا أسد، نا أيوب. ومنهم محمد بن جابر، أخرجه ابن ماجه، عن على بن محمد، نا وكيع، نا محمد بن جابر، سمعت قيس بن طلق الحنفي، عن أبيه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن نس الذكر" قال:"ليس فيه وضوء إنما هو منك". وأخرج الطحاوي، عن يونس، نا سفيان، عن محمد بن جابر، عن قيس، وعن أبي بكرة، نا مسدد، نا محمد بن جابر. ومنهم الأسود أخرجه الطحاوي، عن أبي أمية، نا الأسود عن عامر، وخلف بن الوليد وأحمد بن يونس وسعيد بن سليمان، عن أسود عن قيس. وذكر أبو داود أنه قد رواه هشام بن حسان وسفيان الثوري وشعبة، وابن عيينة وجرير الرازي، عن محمد بن جابر، عن قيس. ومنهم عبد الله بن بدر، أخرجه النسائي عن هناد، عن ملازم عنه، عن قيس، عن أبيه: خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلَّينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله ما ترى في رجلٍ مسَّ ذكره في الصلاة؟ قال: "وهل هو إلَاّ مضغة منك أو بضعة منك". وأخرج الترمذي، عن هناد بإساند النسائي، وقال: هذا الحديث أحسن شيء في الباب. وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر، عن جابر. وقد تكلَّم أهل الحديث في أيوب ومحمد، وحديث ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس، عن أبيه: أصح وأحسن. انتهى. ورواه أبو داود، عن مسدد، عن ملازم بالسند المذكور =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولفظه: قدمنا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبيّ الله، ما ترى في مسِّ الرجل ذكَرَه بعدما يتوضأ؟ فقال:"هل هو إلاّ مضغة منك أو بضعة منك؟ " وقال الطحاوي: حديث ملازم مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا في متنه. انتهى.
وفي رواية ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، عن طلق: خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلَّينا معه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، ماترى في مسِّ الذكر في الصلاة؟ فقال:"وهل هو إلاّ بضعة منك". وفي رواية ابن حبّان عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن أحدنا يكون في الصلاة فيحك فيصيب بيده ذكره قال لا بأس به، إنه كبعض جسدك، فهذه طرق حديث طلق وألفاظه، ومما يشيِّده ما أخرجه ابن منده من طريق سلام بن الطويل، عن إسماعيل بن رافع، عن حكيم بن سلمة، عن رجل من بني حنيفة يقال له خُريسة: أن رجلاً أتيى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أكون في صلاتي، فتقع يدي على فرجي، فقال:"امضِ في صلاتك". قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة في أحوال الصحابة": سلام ضعيف، وكذا إسماعيل. انتهى. وأخرج ابن ماجه، عن أبي أمامة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسِّ الذكر؟ فقال: "إنما هو جزء منك". وفي طريقه جعفر بن الزبير الراوي، عن القاسم الراوي، عن أبي أمامة. قال شعبة: كذّاب، وقال النسائي والدارقطني متروك الحديث كذا في تهذيب التهذيب، وأخرج الدارقطني عن عِصْمة بن مالك الخَطْميّ (في الأصل:"الحطمي"، وهو تحريف) رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله، إني احتككت في الصلاة، فأصابت يدي فرجي، فقال: وأنا أفعل ذلك، وفي سنده الفضل بن مختار، قال ابن عَدي: أحاديثه منكرة، كذا قال الزيلعي، وأخرج أبو يعلى في مسنده، عن سيف بن عبد الله، قال: دخلت أنا ورجل معي على عائشة، فسألناها عن الرجل، يمس فرجه أو المرأة؟ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أبالي إياه مسست أو أَنْفي".
14 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو المكِّي (1) ، أَخْبَرَنَا عطاءُ بنُ أَبِي رَباح (2)، عَنِ ابْنِ عباس (3) قال: في مسِّ
(1) قوله: أخبرنا طلحة بن عمرو....إلخ، هو طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي متكلَّم فيه، قال في "تهذيب التهذيب": روى عن عطاء بن أبي رباح ومحمد بن عمرو بن علقمة وابن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهم، وعنه جرير بن حازم والثوري وأبو داود الطيالسي ووكيع وغيرهم، قال أحمد: لا شيء، متروك الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء ضعيف، وقال الجوزجاني: غير مرضيّ في حديثه، وروى له ابن عدي أحاديث، وقال: روى عنه قوم ثقات وعامة ما يرويه لا يُتابَع عليه، وقال عبد الرزاق: سمعت معمراً يقول: اجتمعت أنا وشعبة والثوري وابن جريح، فقَدِم علينا شيخ، فأملى علينا أربعة آلاف حديث عن ظهر قلب، فما أخطأ إلَاّ في موضعين ونحن ننظر الكتاب، ولم يكن الخطأ منّا ولا منه، إنما كان من فوق، وكان الرجل طلحة بن عمرو. انتهى ملخَّصاً. وهذا الضعف لا يضر في أصل المقصود، فقد تابعه عن عطاء وعكرمةُ بن عمار، وتابع عطاء سعيد بن جبير في رواية الطحاوي.
(2)
قوله: عطاء بن أبي رباح، بفتح الراء المهملة، هو عطاء بن أبي رباح أسلم، أبو محمد القُرشي المكي، روى عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وخلق، وعنه الأَوزاعي وابن جريج وأبو حنيفة والليث وغيرهم، ثقة، فقيه، فاضل، مات سنة 114 هـ على المشهور، كذا في "كاشف" الذهبي و"تقريب" ابن حجر.
(3)
قوله: عن ابن عباس، هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الحبر والبحر لكثرة علمه، وله فضائل شهيرة مذكورة في كتب الصحابة، "كأسد الغابة" و"الإصابة" وغيرهما، مات سنة 68 هـ، وقيل سنة 69 هـ، وقيل سنة سبعين، ذكره في "التهذيب". قال العيني في "البناية شرح الهداية" في كتاب الحج في بحث الوقوف بمزدلفة: إذا أطلق ابن عباس لا يُراد به إلَاّ عبد الله بن عباس. انتهى. وذكر أيضاً =
الذكرِ وأنتَ (1) فِي الصَّلاةِ، قَالَ: مَا أُبالي (2) مسستُهُ أَوْ مَسَسْتُ أَنْفي.
15 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا إبراهيم (3)
= في "البناية" في كتاب "الحظر والإباحة": أن المحدثين اصطلحوا على أنهم إذا ذكروا عبد الله من غير نسبة يريدون به عبد الله بن مسعود، وإن كان يتناول غيره بحسب الظاهر، وكذلك يقولون: قال ابن عمر ويريدون به عبد الله بن عمر، مع أن عمر له أولاد غير عبد الله. انتهى. وقال عليّ القاري المكي في "جمع الوسائل بشرح الشمائل" أي: شمائل الترمذي: اصطلاح المحدثين على أنه إذا أُطلق عليّ في آخر الأسماء فهو علي بن أبي طالب، وإذا أُطلق عبد الله فهو ابن مسعود، وإذا أُطلق الحسن فهو الحسن البصري، ونظيره إطلاق أبي بكر وعمر وعثمان، انتهى.
وقال القاري أيضاً في كتابه "الأثمار الجنية في طبقات الحنفية": إذا أُطلق ابن عباس لا يُراد به إلَاّ عبد الله، وكذا إذا أطلق ابن عمر وابن الزبير، وأما إذا أطلق عبد الله، فهو ابن مسعود في اصطلاح العلماء من الفقهاء والمحدثين. انتهى. فَلْيُحفظ هذا، فإنه نافع.
(1)
خطاب عام.
(2)
قوله: ما أبالي، متكلِّم من المبالاة، أي: لا أخاف، يعني مسّ الذكر ومس الأنف متساويان في عدم انتقاض الوضوء به، فلا أُبالي مسست ذَكَري أو أنفي. وبمثله أخرج الطحاوي عن أبي بكرة، نا يعقوب بن إسحاق. نا عكرمة بن عمار، نا عطاء، عن ابن عباس، أنه قال: ما أبالي إياه مسست أو أنفي، وأخرج أيضاً، عن صالح بن عبد الرحمن، نا سعيد بن منصور، نا هشيم، أنبأنا الاعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه كان لا يرى في مس الذكر وضوء.
(3)
قوله: إبراهيم بن محمد، هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، واسمه سمعان الأسلمي، أبو إسحاق المدني مختلف في توثيقه وتضعيفه. قال في "تهذيب =
ابن محمد المَدَني (1)(2) ، أخبرنا صالح (3)
= الكمال" و"تهذيب التهذيب": روى عن الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وصالح مولى التَّوأمة، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم، وعنه الثوري والشافعي، وأبو نعيم، قال أبو طالب، عن أحمد: لا يُكتب حديثه، كان يروي أحاديث منكرة لا أصل لها، وقال الشافعي: ثقة في الحديث، وقال ابن عدي: سألت أحمد بن محمد بن سعيد، يعني ابن عقدة: هل تعلم أحداً أَحسن القول في إبراهيم غير الشافعي، فقال: نعم، نا أحمد بن يحيى، سمعت حمدان بن الأصبهاني قلت: أتدين بحديث إبراهيم؟ قال: نعم، قال لي أحمد بن محمد بن سعيد: نظرت في حديث إبراهيم كثيراً وليس بمنكر الحديث، قال ابن عدي: وهذا الذي قاله كما قال، وقد نظرت أنا أيضاً في حديثه الكثير، فلم أجد فيه منكراً إلَاّ عن شيوخ يحتملون، وهو في جملة من يُكتب حديثه، وله "الموطأ" أضعاف "موطأ مالك" مات سنة 184 هـ، وقيل: سنة 191 هـ. انتهى ملخصاً.
(1)
وفي نسخة محمد بن المدني.
(2)
هو بفتحتين نسبة إلى المدينة السكنية.
(3)
قوله: صالح، هو صالح بن أبي صالح نبهان المديني، روى عن ابن عباس، وعائشة، وأبي هريرة، وغيرهم، وعنه ابن أبي ذئب، وابن جريج، والسفيانان، وغيرهم، قال بشر بن عمر: سألت مالكاً عنه، فقال: ليس بثقة، وقال أحمد بن حنبل: كأن مالكاً أدركه وقد اختلط، فمن سمع منه قديماً فذاك، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة وهو صالح الحديث ما أعلم به بأساً، وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سمعت ابن معين يقول: صالح مولى التوأمة ثقة حجة، قلت إن مالكاً ترك السماع منه، فقال: إن مالكاً إنما أدركه بعد أن كَبِرَ وخرَّف، وقال الجوزجاني: تغيَّر أخيراً، فحديث ابن أبي ذئب عنه، مقبول لسماعه القديم، والثوري جالسه بعد التغيُّر، وقال ابن عدي: لا بأس به، إذا روى القدماء عنه مثل =
مولى التَّوأَمة (1) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ (2) فِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءٌ.
16 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ (3) بْنُ أَبِي ذُبَابٍ (4)، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ (5) بْنَ المسيِّب (6) يَقُولُ: لَيْسَ في مسِّ الذَّكَر وضوء.
= ابن أبي ذئب وابن جريج، وزياد بن سعد، وقال العجلي: تابعي ثقة، مات سنة 125 هـ. كذا في "تهذيب التهذيب".
(1)
قوله: مولى التوأمة، بفتح التاء المثناة الفوقية، ثم الواو الساكنة بعدها همزة بعدها ميم ثم تاء، هي بنت أمية بن خلف المدني أخت ربيعة بن أمية بن خلف، وكانت معها أخت لها في بطنها، فسُمِّيَت تلك باسم التوأمة، وإليها يُنسب صالح نبهان المدني، كذا قال أبو سعد السمعاني في كتاب "الأنساب".
(2)
أي: لا يجب.
(3)
قوله: الحارث بن أبي ذباب، هو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد، وقيل المغيرة بن أبي ذباب الدَّوْسي المدني، روى عن أبيه وعمه وسعيد بن المسيب، ومجاهد وغيرهم، وعنه ابن جريج وإسماعيل بن أمية وغيرهم، قال أبو زرعة: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من المُتْقنين، مات سنة 126 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب".
(4)
بضم الذال المعجمة، كذا في "التقريب".
(5)
قوله: سعيد بن المسيب، هو أبو محمد القرشي المدني، من سادات التابعين، قال مكحول: طفتُ الأرض كلَّها فلم ألقَ أعلم من ابن المسيب، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر، ومات سنة 93 هـ، كذا ذكره صاحب المشكاة في "أسماء رجال المشكاة".
(6)
بفتح الياء أشهر من كسرها.
17 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو العوَّام الْبَصْرِيُّ (1)، قَالَ: سَأَلَ رجلٌ عطاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ (2) رَجُلٌ مسَّ فرجَه (3) بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ (4) : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: إن كنتَ
(1) قوله: ابو العوام البصري، قال ابن حجر في "التقريب": عبد العزيز بن الرُّبَيِّع - بالتشديد - الباهلي أبو العَوَّام البصري ثقة من السابعة، وفي "تهذيب التهذيب": عبد العزيز بن الرُّبَيِّع الباهلي أبو العوّام البصري، روى عن أبي الزبير المكي وعطاء، وعنه الثوري والنضر بن شميل ووكيع وروح بن عبادة، قال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". انتهى.
وظن بعض أفاضل عصرنا أن أبا العوّام البصري المذكور في هذه الرواية هو عمران بن دَاوَرَ أبو العوّام القطّان البصري، قال في " تهذيب التهذيب" في ترجمته: روى عن قتادة ومحمد بن سيرين وأبي إسحاق الشيباني وحُمَيد الطويل، وعنه ابن مهدي وأبو داود الطيالسي وأبو علي الحنفي وغيرهم، قال عبد الله عن أبيه أحمد: أرجو أنه صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: صدوق يهم، وقال العجلي: بصري، ثقة. انتهى ملخصاً.
(2)
كنية لعطاء.
(3)
قوله: مسَّ فرجَه، بفتح الفاء وسكون الراء، قال النووي في "التهذيب"، قال أصحابنا: الفرج يُطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة، ومما يُستدل به لإطلاق الفرج على قُبُل الرجل حديث عليّ قال: أرسلنا المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"توضَّأ وانضح فرجك" رواه مسلم.
(4)
أي الحاضرين في ذلك المجلس.
تَسْتَنْجِسُه (1)(2) فاقطَعْهُ، قَالَ عَطَاءُ (3) بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هَذَا واللهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
18 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ حَمَّادٍ (4) ، عن إبراهيم (5) النَّخعي،
(1) أي الفرج.
(2)
أي تعتقده نجساً ذاته.
(3)
لما سمع من الرجل هذا الكلام.
(4)
قوله: عن حماد، هو حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري أبو إسماعيل الكوفي الفقيه، قال معمر: ما رأيت أحداً أفقه من هؤلاء الزهري وحماد وقتادة، وقال ابن معين: حماد ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال العجلي: كوفي ثقة كان أفقه أصحاب إبراهيم، وقال النِّسائي: ثقة إلاّ أنه مرجئ، مات سنة 120 هـ، وقيل سنة 119 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب".
(5)
قوله إبراهيم النَّخَعي، بفتح النون والخاء المعجمة بعدها عين مهملة، نسبة إلى نخَع قبيلة من العرب نزلت الكوفة، ومنها انتشر ذكرهم، قال ابن ماكولا: من هذه القبيلة علقمة والأسود وإبراهيم، كذا في "أنساب" السمعاني، وذكر في "تهذيب التهذيب": إن إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو أبو عمران النخعي الكوفي مفتي أهل الكوفة كان رجلاً صالحاً فقيهاً، قال الأعمش: كان خيراً في الحديث، وقال الشعبي: ما ترك أحداً أعلم منه، وقال أبو سعيد العلائي: وهو مكثر من الإرسال وجماعة من الأئمة صحَّحو امراسيله، وقال الأعمش قلت لإبراهيم: أَسْنِدْ لي عن ابن مسعود فقال: إذا حدَّثتكُم عن رجل عن عبد الله فهر الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحج، وقا لا، حاتم: لم يلق النخعي أحداً من الصحابة إلَاّ عائشة ولم يسمع منها، وأدرك أنساً ولم يسمع منه، مات سنة 96 هـ، وولادته سنة 55 هـ.
عَنْ عَلِيِّ (1) بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي مسِّ الذَّكَر، قَالَ: مَا أُبَالِي (2) مسستُهُ أَوْ طرفَ أَنْفِي (3) .
19 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ ابنَ مَسْعُودٍ (4) سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ مسِّ الذكر؟
(1) قوله: عن عليّ، هو ابن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، له مناقب كثيرة، استشهد سنة 40 هـ كما في "أسد الغابة" وغيره، وبه يُعلم أن رواية إبراهيم النخعي عنه مرسلة لأنه لم يدرك زمانه.
(2)
قوله: ما أبالي، هكذا رواه محمد في كتاب "الآثار" أيضاً. وأخرج الطحاوي بسنده عن قابوس عن أبي ظبيان عن علي أنه قال: ما أبالي أنفي مسست أو أذني أو ذكري. وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" عن قيس بن السكن أن علياً وابن مسعود وحذيفة وأبا هريرة لا يَرَوْن من مَس الذكر وضوء.
(3)
أي حيث هما عضوان طاهران وفي حق المسِّ متساويان.
(4)
قوله: أن ابن مسعود..إلخ، وكذا أخرجه الطحاوي عن قيس بن السكن قال: قال ابن مسعود: ما أبالي ذكري مسست في الصلاة أم أذني أم أنفي. وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع، عن سفيان، عن أبي قيس، عن هذيل أن أخاه سأل ابن مسعود، فقا: إنّي أحكّ بيدي إلى فرجي فقال: إنْ علمتَ أنَّ منك بضعة نجسة فاقطعها. وأخرج عن قيس بي السكن قال: قال عبد الله: ما أبالي مسست ذكري أو أذني أو إبهامي أو أنفي. وابن مسعود هو عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي من خواصّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب نعليه وسواكه، هاجر الحبشة وشهد بدرا وما بعدها، وولي قضاء الكوفة في خلافة عمر إلى صدر خلافة عثمان، ثم صار إلى المدينة فمات بها سنة 32 هـ، كذا في "أسماء رجال المشكاة".
فَقَالَ: إنْ كَانَ نَجِسًا (1) فاقْطَعْه.
20 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مُحلٌّ (2) الضَّبِّي (3) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعي فِي مسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلاةِ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ بَضْعة منك (4) .
(1) قوله: نجساً، بفتح الجيم هو المشهور عند الفقهاء ويُراد به عين النجاسة بخلاف كسرها فإنه المتنجس عندهم وهما مصدران في أصل اللغة.
(2)
قوله: محل الضبي، قال القاري في "شرحه" بكسر الميم والحاء المهملة كسجل اسم جماعة من المحدثين. انتهى. وهذا القدر لا يكفي في هذا المقام، وفي "التقريب" مُحِلّ - بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد اللام - ابن خليفة الطائي الكوفي، ثقة من الرابعة، ومُحِل بن مُحرز الضَّبي الكوفي لابأس به، من السادسة، سنة 53 هـ أي بعد المائة. انتهى. وهو يؤذن أن محل الضبي بضم أوله وكسر الثاني وتشديد الثالث، وبه صرَّح محمد طاهر الفَتَّني حيث قال في "المغني": محل بن خليفة بمضمومه وكسر حاء مهملة، وقيل بفتحها وشدة لام، وكذا محل بن محرز. انتهى. وبه ظهر خطأ القاري والعلم عند الباري، وفي "كاشف" الذهبي: محل بن خليفة الطائي عن جده عدي بن حاتم وأبي السمح، وعنه شعبة وسعد أبو مجاهد، فأما محل بن محرز الضبي عن الشعبي فإنه أصغر منه. انتهى.
(3)
بتشديد الموحدة.
(4)
قوله: إنما هو بضعة منك، هذه الآثار كلها تشهد بصحة حديث طلق وتوافقه، وهناك أحاديث مرفوعة معارضة لها. فمن ذلك ما أخرجه ابن ماجة عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مس فرجه فليتوضأ. ونقل الترمذي عن أبي زرعة أنه قال: إن حديث أم حبيبة أصح في هذا الباب، وهو حديث العلاء، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، ونقل صاحب "الاستذكار" عن أحمد بن حنبل أنه قال: هو حسن الإسناد، وأعلَّه الطحاوي بأن فيه انقطاعاً فإن مكحولاً لم يسمعه عن عنبسة، بل سمع أبا مسهر عنه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومنها ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك" وصححه وأحمد والطبراني والدارقطني من حديث أبي حريرة مرفوعاً " من أفضى (هكذا في الأصل وفي "المستدرك" (1/136) : إذا أفضى..إلخ) أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل فليتوضأ. ولفظ البيهقي: من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فعليه وضوء الصلاة. وفي سنده يزيد بن عبد الملك، قال البيهقي: تكلموا فيه، وقال أحمد: لا بأس به، وقال الطحاوي: هو منكر الحديث لا يساوي حديثه شيئاً.
ومنها ما أخرجه ابن ماجة عن أبي أيوب مرفوعاً: من مسّ فرجه فليتوضأ. وفيه إسحاق بن أبي فروة، قال أحمد لا تحل الرواية عنه، وقال النسائي: متروك الحديث، كذا في "تهذيب التهذيب".
ومنها ما أخرجه ابن ماجة عن جابر مرفوعاً: إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء. ولفظ البيهقي: إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ.
ومنها ما أخرجه أبو نعيم وابن منده والدارقطني عن أروى بنت أنيس مرفوعاً: من مسّ فرجه فليتوضأ وفي سنده هشام بن زياد ضعيف، كذا في "الإصابة".
ومنها ما أخرجه الدارقطني عن عائشة مرفوعاً: ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضَّؤون، قالت بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة. وفي سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري، قال النسائي: متروك، كذا في "ميزان الاعتدال".
ومنها ما أخرجه الدارقطني والطحاوي عن ابن عمر مرفوعاً: من مسّ ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة. وفي سنده صدقة بن عبد الله ضعيف، قاله الطحاوي.
ومنها ما أخرجه أحمد والبزار والطبراني عن زيد بن خالد مرفوعاً: من مسّ فرجه فليتوضأ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومنها ما أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" عن طلق بن علي مرفوعاً: من مسّ ذكره فليتوضأ. وفيه حماد بن محمد الحنفي ضعيف.
ومنها ما أخرجه أحمد والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: أيما رجل مسّ فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مسّت فرجها فلتتوضأ.
وقد أخرج ابن عدي من حديث ابن عباس، والحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص وأم سلمة. وأحاديثهم لا تخلو من علة، ذكره العيني.
ومنها - وهو أجودها - ما أخرجه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مسّ الذكر الوضوء، قال عروة " ما علمتُ بهذا، فقال مروان: أخبرتني بُسْرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مَسّ أحدكم ذكره فليتوضأ. وأخرجه ابن ماجة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة (في الأصل: "البسرة" وهو تحريف) بنت صفوان مثله، وأخرجه الترمذي بلفظ: من مسّ ذكره فلا يصل حتى يتوضأ. وقال هذا حديث حسن صحيح، ونقل عن البخاري أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة. وأخرج حديث بسرة أبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني وابن حبان والبيهقي وغيرهم بألفاظ متقاربة، وذكر ابن عبد البر في "الاستذكار" أن أحمد كان يصحح حديث بسرة، وأن يحيى بن معين صححه أيضاً.
وفي الباب أخبار أُخَر توافق هذه الأحاديث لولا قصد الاختصار لأتيتُ بها، وقد طال الكلام في هذا المبحث من الجانبين والنزاع من الفريقين، أما الكلام من القائلين بعدم الانتقاض على قائلين الانتقاض فمن وجوه:
منها: أن أحاديث النقض ضعيفة. وفيه أن ضعف أكثرها لا يضرّ بعد صحة بعضه وضعف الكل ممنوع. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومنها أن حديث بسرة الذي صححوه مروي من طريق مروان، ومعاذ الله أن نحتج به. وفيه أنه صرّح ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" أنه كان لا يتهم (في الأصل:"لا يهتم في الحديث" وهو خطأ) في الحديث.
ومنها: أن بسرة مجهولة. وفيه أنها بسرة بنت صفوان بن نوفل القرشية الأسدية، لها سابقة قديمة وهجرة، وروى عنها جماعة من الصحابة وغيرهم كما لا يخفى على من طالع"الإصابة" وغيره من الكتب المصنفة في أحوال الصحابة.
ومنها: أن خبر الآحاد فيما يعم به البلوى غير مقبول. وفيه أنه قد رواه جمع من الصحابة مع أن في ثبوت هذه القاعدة نظراً.
ومنها: أن الحكم بالنقض منسوخ بحديث طلق، وفيه أن النسخ لا يُحكم به بالاحتمال، بل إذا ثبت أن حديث طلق مؤخر، وليس كذلك بل الأمر بالعكس لأن قدوم طلق كان أول سنة من الهجرة كما صرح به ابن حبان وغيره، وكان سماعه الحديث في عدم النقض في ذلك المجلس، وحديث النقض رواه أبو هريرة الذي أسلم سنة سبع، وغيره من أحداث الصحابة.
ومنها: أن النقض خلاف القياس. وفيه أنه لا دخل له بعد ورود الأخبار.
أما الكلام من القائلين بالنقض فمن وجوه أيضاً:
منها: تضعيف رواة أخبار عدم النقض كأيوب ومحمد بن جابر، وفيه أنه لا عبرة به بعد ثبوت طريق عبد الله بن بدر.
ومنها: كثرة طرق أحاديث النقض وهي من وجوه الترجيح.
ومنها: كون حديث طلق منسوخاً. وفيه أن رواية الصحابي المتأخر الإسلام لا تدل على النسخ لجواز أن يكون سمع من متقدم الإسلام، فيجوز أن تكون أحاديث النقض. مقدمة على حديث العدم. =
21 -
قال محمد: أخبرنا سلام بن سُلَيْم الحنفي (1) ،
= هذا ملخص الكلام فيما بينهم، وقد سلك جماعة مسلك الجمع:
فمنهم: من حمل الوضوء في أحاديث النقض على غسل اليدين، وفيه أنه يأباه صريح ألفاظ بعض الروايات.
ومنهم من قال: مسُّ الذكر كناية عن البول. وفيه أنه يُنكره صريح كثير من الروايات.
ومنهم من قال: أمر التوضُّؤ للاستحباب، وفيه أيضاً ما فيه.
وسلك جماعة أخرى مسلك التعارض وقالوا: إذا تعارضت الأخبار المرفوعة تركناها ورجعنا إلى آثار الصحابة، وفيه أن آثار الصحابة أيضاً مختلفة، والإنصاف في هذا المبحث أنه إن اختير طريق النسخ فالظاهر انتساخ حديث طلق لا العكس، وإن اختير طريق الترجيح ففي أحاديث النقض كثرة وقوة، وإن اختير طريق الجمع فالأَولى أن يُحمل الأمر على العزيمة، وعدم النقض على الضرورة (ويمكن التطبيق بينهما بأن الأمر للاستحباب تنظيفاً والنفي لنفي الوجوب فلا حاجة إلى النسخ، كما قال في الدر المختار (1 - 152) ولكن يندب للخروج من الخلاف لا سيما للإمام) .
(1)
قوله: سلاّم بن سُليم الحنفي، الاسم الأول بتشديد اللام وفتح السين، والثاني بضم السين وفتح اللام، والنسبة إلى بني حنيفة قبيلة، قال السمعاني في "الأنساب": الحنفي بفتح الحاء المهملة والنون نسبة إلى بني حنيفة، هم قوم أكثرهم نزلوا اليمامة وكانوا تبعوا مُسَيْلَمة الكذاب المتنبئ، ثم أسلموا زمن أبي بكر، والمشهور بالنسبة إليها جماعة كثيرة. انتهى. وفي "تهذيب التهذيب": سلام بن سليم الحنفي مولاهم أبو الأحوص الكوفي، روى عن أبي إسحاق السبيعي وسماك بن حرب وزياد بن علاقة والأسود بن قيس ومنصور وغيرهم، وعنه وكيع وابن مهدي وأبو نعيم وسعيد بن منصور وغيرهم، قال العجلي: كان ثقةً صاحب سنَّة واتِّباع، وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". =
عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ (1) ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ (2) ، عن أرقمَ (3) بنِ شُرَحْبِيل،
= قال البخاري: حدَّثني عبد الله بن أبي الأسود قال: مات سنة 79 هـ يعني ومائة. انتهى ملخَّصاً. وفي "مغني" الفَتَّني: سلام كله بالتشديد إلَاّ عبد الله بن سلام، وأبو عبد الله محمد بن سلام شيخ البخاري، وشدَّده جماعة، وفي غير الصحيحين ثلاثة أيضاً: سلام بن محمد، ومحمد بن عبد الوهاب بن سلام، وسلام بن أبي الحقيق. انتهى. وفيه أيضاً: سليم كله بالضم إلَاّ سليم بن حيان. انتهى.
ورأيت في "شرح القاري" أنه وجّه نسبة الحنفي بقوله: منسوب إلى أبي حنيفة بحذف الزوائد كالفرضي. انتهى. وهو خطأ واضح، الظن أنه من نُساخ كتابه لامنه.
(1)
قوله: عن منصور بن المعتمر، بضم الميم وسكون العين وفتح التاء وكسر الميم الثانية، هو أبو عَتّاب بفتح العين وتشديد التاء السلمي الكوفي ثقة ثبت، مات سنة 132 هـ، روى عنه الثوري وشعبة وسليمان التيمي وغيرهم، كذا في "جامع الاصول" لابن الأثير الجزري "وتقريب" ابن حجر.
(2)
قوله: عن أبي قيس، اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأَودي، بفتح الهمزة وسكون الواو في آخرها دال مهملة، نسبة إلى أود قبيلة من مذحج، كذا في "الأنساب"، وفي "كاشف" الذهبي: عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الأودي عن شريح، وعنه شعبة وسفيان ثقة. انتهى. وفي "التقريب": عبد الرحمن بن ثروان بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة أبو قيس الأودي الكوفي، صدوق مات سنة عشرين ومائة.
(3)
قوله: عن أرقم بن شرحبيل، الاسم الأول بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح القاف، والثاني بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء وكسر الباء وسكون الياء بعدها لام، كذا ضبطه الفتَّني وغيره، وقال في "تهذيب التهذيب": أرقم بن شرحبيل الكوفي الأودي روى عن ابن عباس وابن مسعود، وعنه أبو إسحاق وأخوه هذيل بن شرحبيل، قال أبو زرعة: ثقة، واحتج أحمد بن حنبل بحديثه، وقال ابن عبد البَرّ: هو حديث صحيح وأرقم ثقة جليل، وأورد العقيلي بسند صحيح عن =
قَالَ: قلتُ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِنِّي أحكُّ جسدي و (1) أنا فِي الصَّلاةِ فأمسُّ ذَكَرِي، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ بَضْعةٌ (2) منك.
22 -
قال محمد: أخبرنا سلَاّم بن سُلَيم، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنِ السَّدُوسيِّ (3) ، عَنِ الْبَرَاءِ (4) بْنِ قيسٍ، قَالَ: سألتُ حذيفةَ (5)
= أبي إسحاق السَّبيعي قال: كان هذيل وأرقم ابنا شُرحبيل من خيار أصحاب ابن مسعود. انتهى ملخصاً.
(1)
الواو حالية.
(2)
بفتح الباء.
(3)
قوله: عن السدوسي، هو بالفتح فضم نسبة إلى سدوس بن شيبان، وبضمتين إلى سدوس بن أصبغ بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد الطائي، وليس في العرب سدوس بالضم غيره، كذا ذكره السيوطي في كتابه "لب اللباب في تحرير الأنساب"، والمراد به ههنا هو إياد بن لَقيط كما صرح به في الرواية الآتية، ضبطه الفَتَّني في "المغني" بكسر الهمزة وفتح الياء المثنّاة التحتية في آخره دال مهملة، واسم أبيه بفتح اللام، وقال في "تهذيب التهذيب": إياد ين لقيط السدوسي، روى عن البراء بن عازب والحارث بن حسان العامري وأبي رمثة وغيرهم، وعنه ابنه عبيد الله والثوري ومسعر وغيرهم، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". انتهى.
(4)
قوله: عن البراء بن قيس، قال ابن حبان في ثقات التابعين: البراء بن قيس أبو كبشة الكوفي، عداده في أهل الكوفة يروي عن حذيفة وسعد، وروى عنه الناس.
(5)
قوله: حُذَيفة بن اليمان، بضم الحاء المهملة بعدها ذال مفتوحة، واسم =
ابن اليمانِ (1) ، عَنِ الرجُلِ مسَّ ذكَرَه، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ كمسِّه رأسَه.
23 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مِسعَرُ (2) بْنُ كِدَام، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ (3) النَّخَعي، قَالَ: كنتُ فِي مجلسٍ فِيهِ عَمّارُ بنُ ياسر (4) فذكر مسَّ الذَّكر،
= اليمان حِسْل بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين، ويقال حُسَيْل - بالتصغير - بن جابر بن عمرو بن ربيعة العبسي حليف بني عبد الأشهل من الانصار، ولُقِّب والده باليمان لأنه أصاب دماً في قومه فهرب إلى المدينة وحالف الأنصار فسماه قومه اليمان لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن، أسلم حذيفة وأبوه وشهدا أحداً وقُتل اليمان في غزوة أحد، قتله المسلمون خطأً، فوهب حذيفة لهم دمه، وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وله مناقب كثيرة، مات بالمدائن سنة ست وثلاثين، كذا في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي.
(1)
كذا أخرجه عنه الطحاوي وابن أبي شيبة أيضاً.
(2)
قوله: مِسعَر بنِ كِدام، بكسر الميم وسكون السين وفتح العين بعدها راء وبكسر الكاف وفتح الدال، ابن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، مات سنة 153 هـ وقيل سنة 155 هـ، كذا في "التقريب" وغيره.
(3)
قوله: عن عمير بن سعد، وقيل سعيد النخعي الصُّهباني - بضم الصاد المهملة وسكون الهاء - نسبة إلى صُهبان بطن من النخع، كنيته أبو يحيى، ثقة ثبت، مات سنة سبع وقيل خمس عشرة ومائة، كذا في "الأنساب" و"التقريب".
(4)
قوله: عمار بن ياسر، هو أبو اليقظان عَمَّار - بفتح العين وتشديد الميم - ابن ياسر - بكسر السين - ابن عامر بن مالك بن كنانة، أسلم وهاجر إلى الحبشة والمدينة، وشهد بدراً والمشاهد كلَّها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية، فقُتل بالصفّين مع علي رضي الله عنه، قتله أصحاب معاوية سنة سبع ثلاثين، كذا في "جامع الأصول" لابن الأثير (في الأصل:"أثير") الجزري.
فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ بَضْعةٌ مِنْكَ (1) وإنَّ لكَفَّك لَمَوْضِعًا غَيْرَهُ (2) .
24 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مِسْعَر بْنُ كِدام، عَنْ إِيَادِ بنِ لَقيط (3)، عَنِ الْبَرَّاءِ بنِ قيسٍ قَالَ: قَالَ حذيفةُ بنُ الْيَمَانِ فِي مسِّ الذَّكَرِ مِثْلُ أَنْفِكَ.
25 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بنُ كِدام، حَدَّثَنَا قَابُوسُ (4) ، عَنْ أَبِي ظَبيان (5) ، عَنْ عليِّ بنِ أَبِي طالبٍ رضي الله عنه، قال: ما
(1) وفي رواية الطحاوي: إنما هو بضعة منك مثل أنفي وأنفك.
(2)
يعني الأَولى أن لا يمس من غير ضرورة.
(3)
على وزن كريم.
(4)
قوله: حدثنا قابوس، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": قابوس بن أبي ظبيان - بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية - الجَنْبي - بفتح الجيم وسكون النون بعدها باء موحدة - الكوفي، فيه لين. انتهى. وفي "أنساب" السمعاني: الجنبي بفتح الجيم وسكون النون في آخرها الباء المنقوطة بواحدة، نسبة إلى جنب عدة قبائل، وقيل قبيلة من مذحج، والمنتسب إليه أبو ظبيان الجنبي، واسمه حُصَين بن جندب، يروي عن علي رضي الله عنه وابن مسعود، وابنه قابوس بن أبي ظبيان الجنبي، انتهى ملخَّصاً.
(5)
قوله: عن أبي ظبيان، قال عبد الغَنيّ وابن ماكولا: هو بكسر الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها ياء تحتانية مثناة. وقال الحازمي: أكثر أهل الحديث واللغة يقولونه بفتح الظاء وسكون الباء، اسمه حُصَين - بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة - ابن جندب بن عمرو بن الحارث بن وحشي بن مالك بن ربيعة الجَنْبي المَذْحِجِي - بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة - نسبة إلى مذحج قبيلة من أهل الكوفة، تابعي مشهور سمع علياً =
أُبَالِي إِيَّاهُ (1) مسستُ أَوْ أَنْفِي أَوْ أُذُني.
26 -
قال محمد: أخبرنا أو كُدَيْنة (2) يَحْيَى بنُ المُهَلَّب، عَنْ أَبِي إسحاقَ الشَّيْباني (3) ،
= وعماراً وأسامة بن زيد، وروى عنه ابنه قابوس والأعمش، مات بالكوفة سنة 90 هـ، كذا ذكره ابن الأثير الجزري في "جامع الأصول"، وفي "تهذيب التهذيب": روى عن عمر وعلي وابن مسعود وسلمان وأسامة بن زيد وعمار وحذيفة وأبي موسى وابن عباس وابن عمر وعائشة، ومن التابعين عن علقمة وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم، وعنه ابنه قابوس وأبو إسحاق السَّبيعي وسلمة بن كهيل والأعمش وسماك بن حرب، قال ابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي والدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وسُئل الدارقطني: " أَلَقي أبو ظبيان عمر وعليّاً؟ قال: نعم، قال ابن أبي عاصم: مات سنة 89 هـ، وقال ابن سعد وغيره: مات سنة 90 هـ، وقيل غير ذلك انتهى.
(1)
أي الذَّكَر.
(2)
قوله: أبو كُدّيْنة، بضم الكاف وفتح الدال المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها نون يحيى بن المُهّلَّب بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام المفتوحة، كذا ضبطه الفَتَّني في "المغني"، قال في " التقريب": يحيى بن المهلب أبو كدينة البجلي الكوفي ثقة صدوق من أثبات التابعين.
(3)
قوله: عن أبي إسحاق الشيباني، نسبة إلى شيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الباء المثَّناة التحتية بعدها باء موحدة، قبيلة في بكر بن وائل، ذكره السمعاني في "الأنساب"، وهو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني مولاهم الكوفي، روى عن عبد الله بن أبي أوفى، وزرّ بن حُبَيش، وأبي بردة بن أبي موسى، وعبد الله بن شدّاد بن الهاد، وعبد العزيز بن رفيع، وعكرمة، وإبراهيم =
عَنْ أَبِي قَيسٍ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَرْوان (1) ، عَنْ عَلْقَمَةَ (2) ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنِّي مسستُ ذَكَرِي وأنا في
= النخعي، وغيرهم، وعنه ابنه إسحاق، وأبو إسحاق السبيعي، وإبراهيم بن طهمان، وابن عيينة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة حجة، وقال ابن أبي حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال العجلي: كان ثقة من كبار أصحاب الشعبي، قال يحيى بن بكير: مات سنة 129 هـ، وقال ابن نمير: مات سنة 139 هـ، واسم أبيه فيروز، ويقال: خاقان، وقيل: مهران، كذا في "تهذيب التهذيب".
(1)
بفتح الثاء المثلثة وسكون الراء المهملة بعدها واو ثم ألف ثم نون، كذا ضبطه الحافظ عبد الغني في كتاب "مشتبه النسبة".
(2)
عن علقمة، قال القاري في "شرحه": هو علقمة بن أبي علقمة بلال مولى عائشة أم المؤمنين، روى عن أنس بن مالك عن أمه، وعنه مالك بن أنس وغيره. انتهى. والذي في ظني أنه غيره، لأن علقمة بن بلال عداده في أهل المدينة، والرواة في هذا السند من تقدم ومن تأخر كلُّهم من أهل الكوفة، فالظنّ أن علقمة هذا أيضاً من أهل الكوفة، وقد ذكر في "تهذيب التهذيب" و"تقريب التهذيب" رجالاً من أهل الكوفة مسمَّوْن بعلقمة، أحدهم: علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكندي الكوفي، روى عن أبيه، والمغيرة بن شعبة، وعنه أخوه عبد الجبار، وابن أخيه سعيد، وعبد الملك بن عمير، وعمر بن مرة، وسماك بن حرب، وسلمة بن كهيل
…
وغيرهم، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وثانيهم: علقمة بن مرثد الحضرمي أبو الحارث الكوفي، روى عن سعد بن عبيدة، وزرّ بن حبيش، وكارق بن شهاب، والمستورد بن الأحنف، وسليمان بن بريدة، وحفص بن عبد الله بن أنيس، والقاسم بن مخيمرة.. وغيرهم. وروى عنه شعبة، والثوري، ومسعر، المسعودي، وإدريس بن يزيد الأودي، والحكم بن ظهير، وأبو حنيفة، وحفص بن سليمان القاري.. وغيرهم. قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثَبْت في الحديث، وقال أبو حاتم: صالح في الحديث، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". وثالثهم: علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة أبو شبيل النخعي الكوفي عم الأسود النخعي، وُلد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وحذيفة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وأبي موسى، وخالد بن الوليد، وسلمة بن يزيد الجعفي، وعائشة.. وغيرهم. وعنه ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، وابن أخته إبراهيم بن يزيد النخعي، وابراهيم بن سويد النخعي، وعامر الشعبي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم، قال ابن المديني: أعلم الناس بعبد الله بن مسعود علقمة والأسود وعبيدة والحارث، وثَّقه ابن معين وشعبة وابن سيرين وغيرهم وأثثَوْا عليه خيراً، وهو من أجلّ أصحاب ابن مسعود. مات سنة 161 هـ، وقيل سنة 162 هـ، وقيل سنة 163 هـ، وقيل سنة 165 هـ، وقيل سنة 172 هـ، وقيل بعده.
هذا فلينظر في أن علقمة المذكور في هذه الرواية أيّهم، ولم يظهر لي إلى الآن تشخيصه، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، والظاهر أنه علقمة بن قيس وإن "عن" في الكتاب من النُّسَّاخ، وعبارته علقمة بن قيس كما هو في بعض النسخ، وإن كان عن قيس كما وجدنا في أكثر النسخ، فالظاهر أن المراد بقيس هو قيس ابن السكن الكوفي بدليل ما في "شرح معاني الآثار": حدثنا أبو بكرة، ثنا يحيى بن حماد، نا أبو عوانة، عن سليمان، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، قال عبد الله بن مسعود: ما أبالي مسست في الصلاة ذَكَري أم أُذُني أم أَنْفي.
حدثنا بكر بن إدريس، قال نا آدم بن أبي إياس، نا شعبة، نا أبو قيس، قال: سمعت هُذَيلاً يحدث عن عبد الله نحوه.
حدثنا صالح، نا سعيد، نا هشيم، أنا الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن =
الصَّلاةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلا قطعتَه؟ (1)، ثُمَّ قال: وهل ذكَرُكَ إلَاّ كسائر (2)
= قيس بن السكن، عن عبد الله مثله. انتهى.
قال في "التهذيب" و"تهذيبه": قيس بن السكن الأسدي الكوفي روى عن ابن مسعود والأشعث بن قيس، وعنه ابن النعمان وأبو إسحاق السبيعي، وعمارة بن عمير، وسعد بن عبيدة، والمنهال بن عمرو وأبو الشعثاء المحاربي، قال ابن معين: ثقة، وعدّه أبو الشَّعثاء في الفقهاء من أصحاب ابن مسعود، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: توفي في زمن مصعب بن الزبير، له عندهما حديث واحد في صوم عاشوراء، وقال ابن سعد: توفي في زمن مصعب بالكوفة وله أحاديث، وكان ثقة. انتهى.
قوله: عن علقمة، بعدما كتبت ما كتبت سالفاً مَنَّ الله عليَّ بمطالعة كتاب الحج، فإذا فيه هذا الأثر بعينه سنداً ومتناً وفيه: عن علقمة بن قيس فظهر قطعاً صحة ما في بعض النسخ، وأن المراد بعلقمة هو ثالث الثلاثة الذين ذكرناهم، وتُيقِّن أنَّ ما فسَّره به القاري خطأ بلا شبهة. ولله الحمد على إظهاره ما تمنَّيْتُ ظهوره.
(1)
أي إنْ كنتَ تزعم أنه نجس العين فإن وجوده مانع لصحة الصلاة.
(2)
قوله: إلَاّ كسائر جسدك، قد يعارض ما يفيده هذا الأثر وغيره من الآثار المتقدمة من تسوية الذكَر مع سائر الأعضاء وكونه كسائر الجسد بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا بال أحدكم فلا يأخذنَّ ذَكَرَه بيمينه. أخرجه البخاري وأبو داود وغيرهما. فلو كان الذكر بمنزلة الإبهام والأنف والأذن وسائر الجسد بكان لا بأس علينا أن نمسَّه بأيماننا. ويُجاب عنه بأنَّ النهي عن مَسّ الذكَر باليمين ليس مطلقاً بل إذا بال، بناء على أن مجاور الشيء يُعطى حكمه، وما ورد من الأحاديث المطلقة في النهي محمول على ذلك، كذا حقَّقه ابن أبي جمرة في "بهجة النفوس" شرح مختصر صحيح البخاري، واستدل على الإباحة في غير حالة البول بحديث طلق "إنما هو بضعة منك". لكن قد ذهب جماعة من العلماء إلى أن النهي عنه مطلق غير مقيَّد بحالة البول.
جَسَدِكَ (1) ؟
27 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ المهلَّب، عَنْ إسماعيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ (2) ، عَنْ قيسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ (3)، قَالَ: جَاءَ رجلٌ إِلَى سعدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: أيحلُّ لِي أَنْ أمسَّ ذَكَري وَأَنَا فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: إنْ علمتَ أنَّ مِنْكَ (4) بِضْعَةً نَجِسَةً فَاقْطَعْهَا (5) .
(1) لا بأس بمسّه.
(2)
قوله: عن إسماعيل، هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي مولاهم الكوفي، نسبة إلى أَحْمس - بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة - طائفة من بجلة نزلوا الكوفة كما ذكره السَّمعاني، روى عن أبيه وأبي جحيفة وعبد الله بن أبي أوفى، وقيس بن أبي حازم - وأكثر عنه - وغيرهم، وعنه شعبة، والسفيانان، وابن المبارك، ويحيى القطان، وغيرهم. قال ابن معين، وابن مهدي، والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال أبو حاتم: لا أقدم عليه أحداً من أصحاب الشعبي، وهو ثقة مات سنة 126 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب".
(3)
قوله: عن قيس بن أبي حازم، هو أبو عبد الله البجلي الكوفي تابعي كبير، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفاتته الصحبة بليالٍ، وروى عن أبي بكر، وعمر، وغيرهما، وعنه بيان بن بشر، وإسماعيل بن أبي خالد وخلق، وثقوه. ويقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة المبشَّرة، مات بعد التسعين أو قبلها وجاوز المائة، كذا في "التقريب والكاشف"، وذكر ابن الأثير في "جامع الأصول"، أنه روى عن العشرة المبشرة إلَاّ عن عبد الرحمن بن عوف، قال ابن عيينة: ما كان بالكوفة أروى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قيس بن أبي حازم، واسم أبي حازم - بكسر الزاي - حصين بن عون، ويقال عبد عوف بن الحارث، وقيل عوف بن الحارث من بني أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار الأحمسي البجلي.
(4)
أي: من جملة أعضائك.
(5)
وفي رواية الطحاوي، عن إسماعيل بن قيس سُئل سعد عن مسّ الذكر، فقال: أن كان نجساً فاقطعه.
28 -
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا إسماعيلُ بنُ عيَّاش (1)، قَالَ: حدثني جَريرُ بنُ عثمان (2) ، عن حبيب (3) ،
(1) قوله إسماعيل بن عياش، هو إسماعيل بن عياش - بفتح العين وتشديد الياء - العنبسي أبو عتبة الحمصي، قال يعقوب بن سفيان: تكلم فيه قوم وهو ثقة، عدل أعلم الناس بحديث أهل الشام (في الأصل:"الشام"، والظاهر:"أهل الشام") ، وأكثر ما قالوا: يُغرب عن ثقات المدنيين والمكيين، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش، ما أدري ما سفيان الثوري، وقال عثمان الدارمي: أرجو أن لا يكون به بأس، وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن يحيى بن معين: ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإنّ كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم، مات سنة 181 هـ، وقيل سنة 182 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب".
(2)
قوله: حدَّثني جرير بن عثمان، بفتح الجيم وكسر الراء المهملة الأولى، ذكره السمعاني في "الأنساب" في نسبة الرَّحَبي - بفتحتين - نسبة إلى بني رَحَبة بطن من حمير، فقال: ومن المنتسبين إليه أبو عثمان جرير بن عثمان بن جبر بن أحمر بن أسعد الرحبي الحمصي، ويقال أبو عون، سمع عبد الله بن بسر الصحابي، وراشد بن سعد، وعبد الرحمن بن ميسرة وغيرهم، وروى عنه بقية، وإسماعيل بن عيَّاش، وعيسى بن يونس، ومعاذ بن معاذ العنبري، والحكم بن نافع، وجماعة سواهم، كان ثقة ثَبْتاً، قال العجلي: جرير شاميّ ثقة، وحَكى عنه أنه كان يشتمُ عليَّ بن أبي طالب: وحكَى رجوعَه عنه، وُلد سنة 80 هـ، ومات سنة 163 هـ. انتهى ملخَّصاً.
(3)
قوله: عن حبيب، قال في "تهذيب التهذيب": حبيب بن عبيد الرحبي أبو حفص الحمصي، روى عن العرباض بن سارية، والمقدام بن معديكرب،
عن عُبيد (1) ، عَنْ أَبِي الدَّردَاءِ (2) أَنَّهُ سُئل عَنْ مسِّ الذكر، فقال: إنما هو بَضعَةٌ منك.
وجبير بن نفير، وبلال بن أبي الدرداء، وغيرهم، وعنه جرير بن عثمان، وثور بن يزيد، ومعاوية بن صالح، قال النسائي: ثقة، وقال حبيب بن عبيد أركت سبعين رجلا من الصحابة وقال العجلي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. انتهى ملخَّصاً.
(1)
قوله: عن عبيد، بضم العين، لعله والد حبيب أو غيره، وفي كتاب "ثقات التابعين" لابن حبان كثير من الكوفيين والشاميين ممَّن اسمه عبيد ولم أدرِ إلى الآن تعيينه ها هنا، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. وهذا على ما وجدنا في بعض النسخ ولا أظنه صحيحاً، والصحيح ما في بعض النسخ المعتمدة "عن حبيب بن عبيد"، فالراوي عن أبي الدرداء هو حبيب بلا واسطة.
(2)
قوله: عن أبي الدرداء، بفتح الدالين المهملتين بينهما راء مهملة ساكنة عويمر بن عامر، وقيل عامر من بني كعب بن الخزرج الأنصاري، الخزرجي، وقد اختلفوا كثيراً في اسمه ونسبه، واشتهر بكنيته، والدرداء بنته، كان فقيهاً عالماً، شهد ما بعد أُحُد، وسكن الشام ومات بدمشق سنة 32 هـ، وقيل 31 هـ، وقيل سنة 34 هـ، كذا في "جامع الأصول".
6 -
(بَابُ الْوُضُوءِ (1) مِمَّا غيَّرت النَّارُ) (2)
29 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا وَهْبُ (3) بْنُ كَيْسان، قَالَ: سمعتُ جابرَ (4) بن عبد الله يقول: رأيتُ (5)
(1) قوله: الوضوء مما غيَّرت النار، قد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مسَّت النار، وممن ذهب إلى ذلك: ابن عمر، وأبو طلحة، وأنس، وأبو موسى، وعائشة، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعمر بن عبد العزيز، وأبو مجلز، وأبو قلابة، والحسن البصري، والزهري. وذهب أكثر أهل العلم وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مسَّت النار، ورأوْه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممَّن لم برَ منه وضوءاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأُبَيّ بن كعب، وأبو أمامة، وأبو الدرداء، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، ومن التابعين: عَبيدة السَّلْماني، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، ومالك، والشافعي، وأهل الحجاز عامَّتهم، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، كذا في "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار" للحازمي.
(2)
أي: طعام غيَّرته النار، ووصل فيه أَثَرُه.
(3)
قوله: وهب بن كَيسان، بفتح الكاف، قال في "الإسعاف": وهب بن كيسان القرشي مولاهم أبو نعيم المدني، وثَّقه النسائي وابن سعد، مات سنة 127 هـ.
(4)
قوله: جابر، هو أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرَام بن عمرو بن سواد بن سلمة الأنصاري، من مشاهير الصحابة، شهد بدراً - على ما قيل - وما بعدها، وأبوه أحد النقباء الاثني عشر، وكُفَّ بصر جابر آخر عمره، مات بالمدينة سنة 74 هـ وقيل سنة 77 هـ، وقيل سنة 78 هـ، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، كذا في "جامع الأصول".
(5)
قوله: رأيت....إلخ، أعلم مالكٌ الناظر في موطَّئه، أن عمل الخلفاء
أَبَا بكرٍ (1) الصِّدِّيق أَكَلَ لَحْمًا (2) ثُمَّ صلَّى وَلَمْ يتوضَّأْ.
30 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا زيدُ (3) بنُ أَسْلَمَ، عَنْ عطاءِ (4) بنِ يَسار، عَنِ ابْنِ عباس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكل (5)
الراشدين بترك الوضوء مما مسَّته النار دليل على أنه منسوخ، وقد جاء هذا المعنى، عن مالك نصاً: روى محمد بن الحسن، عن مالك، أنه سمعه يقول: إذا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وبَلَغَنا أنَّ أبا بكر وعمر عَمِلا بأحد الحديثين وتركا الآخر، كان ذلك دليلاً على أن الحق في ما عملا به، كذا في "الاستذكار".
(1)
قوله: أبا بكر الصدّيق، هو أبو بكر عبد الله بن عثمان أبي قُحافة - بضم القاف - ابن عامر بن عمرو بن كعب، الملقَّب بالعتيق، رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، الشاهد معه المشاهد كلّها، وهو أول من أسلم من الرجال، وله مناقب مشهورة، مات سنة 13 هـ، كذا في "أسماء رجال المشكاة".
(2)
أي: مطبوخاً.
(3)
قوله: زيد بن أسلم، هو أبو أسامة، وقيل أبو عبد الله زيد بن أسلم المدني الفقيه مولى عمر، قال أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد والنسائي وابن خراش: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالماً بالتفسير، مات سنة 136 هـ وقيل غير ذلك، كذا في "تهذيب التهذيب".
(4)
قوله: عطار بن يَسار، بفتح الياء أبو محمد الهلالي المدني مولى ميمونة أمّ المؤمنين، ثقة فاضل صاحب عبادة ومواعظ، من التابعين، مات سنة 94 هـ، وقيل بعد ذلك، كذا في "التقريب".
(5)
قوله: أكل جَنْب شاة، أي: لحمه، وللبخاري في الأطعمة "تعرق"، أي: أكل ما على العَرْق - بفتح العين وسكون الراء - هو العظم، وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة، كما عند البخاري من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم
جَنْبَ (1) شاةٍ، ثُمَّ صلَّى وَلَمْ يتوضَّأ (2) .
31 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا محمدُ بنُ المُنْكَدِر (3) ، عَنْ محمدِ (4) بنِ إبراهيم التَّيمي،
أكل عندها كتفاً ثم صلّى ولم يتوضَّأ، وهو خالة ابن عباس، كما أن ضباعة بنت عمه، كذا في "فتح الباري".
(1)
بفتح الجيم: القطعة من الشيء.
(2)
قوله: ولم يتوضأ، كان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مسَّت النار ناسخ لأحاديث الإباحة، والإباحة سابقة، واعتُرض عليه بحديث جابر:"كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسَّت النار"، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر ههنا الشأن والقصة لا مقابل النهي، وإن هذا الحديث مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة، فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر، ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مسّت النار، وأن وضوء الظهر كان لأجل حدث لا لأكل الشاة. وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبيَّن الراجح نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون، فرجحنا به أحد الجانبين. وجمع الخطَّابي بأن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، كذا في "الفتح".
(3)
قوله: محمد بن المنكدر، بضم الميم وسكون النون وفتح الكاف وكسر الدال المهملة، ابن عبد الله بن الهُدَير - بالتصغير - التيمي المدني ثقة فاضل، مات سنة 130 هـ أو بعدها، كذا في "التقريب".
(4)
قوله: عن محمد بن إبراهيم، ابن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني، ثقة، مات سنة 120 هـ على الصحيح، كذا في "التقريب".
عن ربيعةَ (1)، عن عبدِ اللَّهِ (2) : أَنَّهُ تعشَّى (3)(4) مَعَ عُمَرَ بنِ الخطاب (5) ،
(1) قوله: عن ربيعة، هو ربيعة بن عبد الله بن الهُدَير - بالتصغير - التيمي المدني، روى عن عمر، وطلحة، وأبي سعيد الخدري، وعنه ابنا أخيه محمد وأبو بكر ابنا المنكدر بن عبد الله، وابن أبي مليكة، ذكره ابن حبّان في "الثقات"، وقال ابن سعد: وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: تابعي مدني ثقة، مات سنة 93 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب" والدليل على أن المراد بربيعة المذكور ههنا هو هذا كلام الطحاوي في "شرح معاني الآثار": نا يونس، قال: نا ابن وهب، أن مالكاً حدَّثه، عن محمد بن المنكدر وصفوان بن سليم أنهما أخبراه، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهُديْر أنه تعشى مع عمر بن الخطاب ثم صلّى ولم يتوضَّأ، انتهى.
وقد أخطأ القاري حيث فسره بربيعة الرأي شيخ مالك حيث قال عن ربيعة أي ابن أبي عبد الرحمن تابعي جليل القدر أحد فقهاء المدينة سمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد وروى عنه الثوري ومالك مات سنة 136 هـ انتهى.
(2)
عن عبد الله هكذا في بعض النسخ، وعليه كتب القاري: "إذا أُطلق عبد الله عند المحدثين، فهو عبد الله بن مسعود. انتهى. فأشار إلى أنّ المتعشي مع عمر بن الخطاب هو ابن مسعود وأن ربيعة روى عنه ذلك، وفي بعض النسخ الصحيحة ربيعة بن عبد الله، أنه تعشى مع عمر، وهو الموافق لما ذكره الطحاوي من رواية مالك، فحينئذ يكون المتعشي مع عمر هو ربيعة بن عبد الله بن الهدير.
(3)
أي: أكل العشاء، وهو بفتح العين، الطعام الذي يؤكل في المساء، كذا في "النهاية".
(4)
طعاماً مسَّته النار.
(5)
قوله: مع عمر بن الخطاب
…
إلخ، قد أخرج الطحاوي، عن جابر: أكلنا مع أبي بكر خبزاً ولحماً ثم صلّى ولم يتوضأ، وأكلنا مع عمر خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يمس ماءاً، وأخرج عن إبراهيم، أن ابن مسعود وعلقمة خرجا من بيت عبد الله بن مسعود يريدان الصلاة، فجيء بقصعة من بيت علقمة فيها ثريد
ثمَّ صَلَّى (1) وَلَمْ يتوضَّأ.
32 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي ضَمْرَةُ (2) بنُ سعيدٍ المازنيّ، عن أبانَ (3)
ولحم فأكلا، فمضمض ابن مسعود وغسل أصابعه، ثم قام إلى الصلاة.
وأخرج عن عبيد، قال: رأيت عثمان أتي بثريد فأكل، ثم تمضمض ثم غسل يديه، ثم قام فصلّى بالناس ولم يتوضأ. أخرج عن أبي نوفل: رأيت ابن عباس أكل خبزاً ولحماً حتى سال الودك على أصابعه فغسل يديه وصلّى المغرب. وأخرج عن سعيد بن جبير أن ابن عباس أتي بجفنة من ثريد ولحم عند العصر، فأكل فغسل أطراف أصابعه، ثم صلّى ولم يتوضأ. أخرج عنه: دخل قوم على ابن عباس فأطعمهم طعاماً، ثم صلّى بهِم على طنفسة، فوضعوا عليها وجوههم وجباههم وما توضؤوا. وأخرج عن مجاهد، عن ابن عمر قال: لا نتوضأ من شيء نأكله. وأخرج عن أبي أمامة: أنه أكل خبزاً ولحماً، فصلّى ولم يتوضأ، وقال: الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل. وأخرج عن أنس: أكلنا أنا وأبو طلحة وأبو أيوب طعاماً قد مسَّته النار، فقمت لأتوضَّأ، فقال: أتتوضأ من الطيِّبات لقد جئت بها عراقية. وأخرج عن ابن مسعود، قال: لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إليَّ من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة.
فهذه الآثار ونحوها تشيّد عدم انتقاض الوضوء مما مسَّته النار.
(1)
أي: عمر.
(2)
قوله: ضمرة بن سعيد، بفتح الضاد المعجمية، ابن أبي حَنَّة بالفتح والنون المشددة، عمرو بن غزية الأنصاري المازني، نسبة إلى مازن بكسر الزاي قبيلة من الأنصار، وثقه ابن معين والنسائي، وأبو حاتم والعجلي، وذكره ابن حبّان في "الثقات" كذا في "تهذيب التهذيب".
(3)
قوله: عن أبان، بفتح الهمزة وخفة الباء الوحَّدة، هو ابن عثمان بن عفان أمير المؤمنين ثالث الخلفاء المهديين، أبو عبد الله المدني، تابعي له روايات
ابن عُثْمَانَ: أَنَّ عُثْمَانَ بنَ عفّانَ أَكَلَ لَحْمًا وخُبزاً (1) فتمضمضَ وغسَلَ يَدَيْهِ (2) ، ثُمَّ مَسَحَهُمَا (3) بِوَجْهِهِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
33 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى (4) بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عبدَ اللَّهِ بنَ عامرِ (5) بنِ ربيعة
كثيرة، ثقة مات سنة 105 هـ. وأبوه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ذو النورين، له مناقب جمَّة، استشهد في ذي الحجة، 35 هـ، كذا في "التقريب" و"جامع الأصول".
(1)
بالضم.
(2)
قوله: غسل يديه، في استحباب غسل اليدين بعد الفراغ من الأكل، وورد استحبابه أيضاً عند بَدْء الأكل في عدة روايات، وأخطأ من أنكر استحبابه.
(3)
قوله: ثم مسحهما بوجهه، لعله خشي أن يعلق به شيء من الطعام.
(4)
قوله أخبرنا يحيى بن سعيد، هو شيخ الإسلام أبو سعيد يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني قاضي المدينة، حدث عن أنس، والسائب بن يزيد، وأبي أمامة، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد وغيرهم، وعنه شعبة، ومالك، والسفيانان، والحمّادان، وابن المبارك وخلق سواهم، قال أيوب السختياني: ما تركت بالمدينة أفقه منه، وقال يحيى القطان: هو مقدَّم على الزهري، وقال أبو حاتم: ثقة يوازي الزهرن، وقال العجلي: ثقة فقيه فاضل، مات بالهاشمية سنة 143 هـ، كذا في "تذكرة الحفاظ" للذهبي.
(5)
قوله: عبد الله بن عامر بن ربيعة، هو عبد الله بن عامر بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة بن حجير بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رُفيدة - بالضم مصغراً - بن عَنز - بالفتح ثم السكون - بن وائل بن قاسط العنزي، وفي نسبه خلاف، أبو محمد، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله أربع أو خمس سنين، وله أخ أكبر منه يسمى بعبد الله واستشهد الأكبر يوم الطائف، ومات الأصغر سنة 85 هـ وقيل سنة
العَدَوي (1) ، عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُصِيبُ الطَّعَامَ (2) قَدْ مسَّته النَّارُ (3) أَيَتَوَضَّأُ (4) مِنْهُ؟ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَبِي (5) يفعلُ ذَلِكَ (6) ، ثُمَّ لا يَتَوَضَّأُ.
34 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن بُشَير بْنِ يَسَارٍ (7) مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ (8) ، أَنَّ سُويد (9)
70 هـ، وأبوهما عامر كان حليفاً لبني عدي بن كعب، ولذلك يقال له العدوي، هاجر الهجرتين وشهد بدراً وما بعده، مات سنة 32 هـ وقيل سنة 33 هـ وقيل سنة 35 هـ، كذا في "جامع الأصول" لابن الأثير الجزري.
(1)
بفتحتين نسبة إلى بني عدي.
(2)
أي: يأكله.
(3)
صفة للطعام بجعل لامه للعهد الذهني.
(4)
بهمزة الاستفهام.
(5)
أي: عامر بن ربيعة، وهو ممن هاجر الهجرتين.
(6)
أي: يأكل ما مسّته النار.
(7)
قوله: عن بشير، هو بشير - بالضم - بن يَسار - بالفتح - الحارثي الأنصاري مولاهم المدني، قال ابن معين: ثقة، وقال ابن سعد: كان شيخاً كبيراً فقيهاً قد أدرك عامة الصحابة وكان قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، كذا في "تهذيب التهذيب".
(8)
من الأنصار.
(9)
قوله: سويد، هو بالضم ابن نعمان بن مالك بن عائد بن مجدعة بن حشم بن حارثة الأنصاري الأوسي، شهد بَيْعة الرضوان، وقيل أحداً وما بعدها، يُعَدّ في أهل المدينة وحديثه فيهم، كذا في "جامع الأصول".
ابن نُعْمَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ (1) خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَر (2)(3) حَتَّى إِذَا كَانُوا بالصَّهباء (4) - وَهِيَ (5) أَدْنَى خَيْبَرَ - صلَّوا الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا (6) رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَزْوَادِ (7) ، فَلَمْ يُؤْتَ إلَاّ بالسَّويق، فَأَمَرَ بِهِ (8) فثُرِّيَ (9) لَهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَكَلَ (10) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأكَلنا، ثُمَّ قام إلى المغرب، فمضمض (11)
(1) أي: سويد.
(2)
أي: عام غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي سنة سبع من الهجرة.
(3)
قوله: خيبر، بخاء معجمية مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وراء، غير منصرف، مدينة كبيرة على ثمانية بُرد من المدينة إلى جهة الشام.
(4)
بفتح المهملة والمدّ.
(5)
قوله: وهي أدنى خيبر، أي: طرفها مما يلي المدينة، وقال أبو عبيد البكري في "معجم البلدان": هي على بريدين من خيبر، وبيَّن البخاري من حديث ابن عبيد أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيد أدرجت، كذا في "فتح الباري".
(6)
فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلاً.
(7)
جمع زاد: وهو ما يؤكل في السفر.
(8)
أي: بالسويق.
(9)
قوله: فثُرِّي، بلفظ مجهول الماضي من التثرية، أي: بُلَّ، يقال: ثريت السويق إذا بلَّلته، والسويق: ما يؤخذ من الشعير والحنطة وغيرها للزاد، كذا في "الكواكب الدراري".
(10)
أي: منه.
(11)
قوله: فمضمض، أي: قبل الدخول في الصلاة، وفائدة المضمضة من السويق وإن كان لا دسم له أنه يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله، كذا في "الفتح".
وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (1) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا (2) نَأْخُذُ، لا وُضُوءَ مِمَّا مسَّته النَّارُ وَلا مِمَّا دَخَلَ (3)(4) ، إِنَّمَا الوضوءُ (5) مِمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَدَثِ (6) ، فَأَمَّا مَا دَخَلَ مِنَ الطَّعَامِ مِمَّا مسَّته النَّارُ أَوْ لَمْ تمسَسه فَلا وضوءَ فيه (7) ،
(1) قوله: ولم يتوضأ: قال الخطابي: فيه دليل على أن الوضوء مما مسَّت النار منسوخ لأنه متقدم. وخيبر كانت سنة سبع، قلت: لا دلالة فيه، لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في "صحيح مسلم"، وكان يُفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم كذا في "الفتح".
(2)
أي بما أفادته (في الأصل: "أفاده"، والظاهر: "أفادته") هذه الأخبار.
(3)
في جوف الآدمي.
(4)
من غير ما مسَّته النار.
(5)
قوله: إنما الوضوء مما خرج، كأنه يشير إلى ماروي عن عباس، أنه قال: الوضوء مما خرج وليس مما دخل، أخرجه الدارقطني، وأخرج أيضاً في كتاب "غرائب مالك" عن ابن عمر مرفوعاً: لا ينقض الوضوء إلَاّ ما خرج من قُبُل أو دبر. قال ابن الهُمام في "فتح القدير": ضُعِّف بشعبة مولى ابن عباس، وقال في الكمال: بل بالفضل بن المختار، وقال سعيد بن منصور: إنما يحفظ هذا من قول ابن عباس، وقال البيهقي: رُوي عن عليّ من قوله. انتهى.
(6)
قوله: من الحدث، كالغائط والبول والدم السائل والمذي والقيء وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقه.
(7)
قوله: فلا وضوء فيه، لما مرَّ من الأخبار المرفوعة والآثار الموقوفة، ويعارضها أحاديث الأمر بالوضوء مما مسَّته النار، فروى ابن ماجه، عن أبي هريرة مرفوعاً: توضَّؤوا مما غيَّرت النار، فقال ابن عباس: أتوضأ من الحميم؟ فقال: يا ابن أخي إذا سمعتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلا تضربْ له الأمثال.
وروي عن عائشة مرفوعاً: توضؤوا مما مسَّت النار.
وروى أبو داود، عن أبي هريرة مرفوعاً: الوضوء مما أنضجت النار.
وروي عن سعيد بن المغيرة: أنه دخل على أم حبيبة، فسقته قدحاً من سويق فدعا بماء، فمضمض، فقالت: يا ابن أختي ألا توضأ؟ إن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: توضَّؤوا مما غيَّرت النار.
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: الوضوء مما مسَّت النار ولو من ثور أقط. فقال له ابن عباس: أنتوضأ من الدهن، أنتوضأ من الحميم؟ فقال: يا ابن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أخي، إذا سمعت حديثاً فلا تضرب له مثلاً.
وروى النسائي عن المطلب بن عبد الله، قال: قال ابن عباس: أنتوصَّأ من طعام أجده حلالاً في كتاب الله، لأن النار مسَّته؟ فجمع أبو هريرة حَصى وقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "توضؤوا مما مسَّت النار".
وروى النسائي، عن أبي أيوب مرفوعاً: توضؤوا مما غيَّرت النار.
وعن أبي طلحة مرفوعاً مثله.
وعن زيد بن ثابت مرفوعاً: توضؤوا مما مسَّت النار.
وروى الطحاوي، عن أبي طلحة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ثور أقط، فتوضأ منه.
وروى عن زيد بن ثابت مرفوعاً: توضؤوا مما غيَّرت النار.
وعن أم حبيبة مرفوعاً: توضؤوا مما مسَّتْ النار.
وعن القاسم مولى معاوية: أتيتُ المسجد، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ يحدِّثهم، قلت: من هذا؟ قالوا: سهل بن الحنظلة، فسمعته يقول: قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل لحماً فليتوضأ".
وعن أبي قلابة، عن رجل من الصحابة قال: كنا نتوضَّأ مما غيَّرت النار، ونمضمض من اللبن.
وعن أبي هريرة بأسانيد متعددة نحو ما مرَّ.
وعن جابر أن رجلاً قال: يا رسول الله، أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:"إن شئت فعلت وإن شئت لا تفعل"، قال: يا رسول، أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:"نعم".
وروى ابن ماجه، عن البراء: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها".
ورُوي عن جابر: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم.
ومثله في سنن أبي داود وغيره، عن البراء وغيره.
ولاختلاف الأخبار في هذا الباب اختلف العلماء فيه، فمنهم من جعله ناقضاً، بل جعله الزهري ناسخاً لعدم النقض، ومنهم من لم يجعله ناقضاً وحكموا بأنَّ الأمر منسوخ بحديث جابر وغيره وعليه الأكثر، ومنهم من قال: من أكل لحم الإبل خاصة وجب عليه الوضوء وليس عليه الوضوء في غيره أخذاً من حديث البراء وغيره، وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث وهو مذهب قوي من حيث الدليل، وقد رجَّحه النووي وغيره.
وقد سلك بعض العلماء مسلك الجمع، فاختار بعضهم أن الأمر للاستحباب، واختار بعضهم أن الأمر عزيمة والترك رخصة، واختار بعضهم أن الوضوء في أحاديث الأمر محمول على غسل اليدين. وهو قول باطل أبطله
وهو (1) قول أبي حنيفة رحمه الله.
7 -
(باب الرجل والمرأة يتوضأان (2) مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ)
35 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ (3) ،
ابن عبد البَرّ وغيره، والكلام في هذا المبحث طويل (انظر السعاية في كشف ما في "شرح الوقاية" 1/268) .
(1)
أي: عدم الوضوء فيه.
(2)
بأن يكون الماء موضوعاً في إناء واحد ويغترفان منه.
(3)
قوله: حدَّثنا نافع، قال شيخ الإسلام الذهبي في "تذكرة الحفاظ": نافع أبو عبد الله العدوي المدني حدَّث عن مولاه ابن عمر، وعن عائشة، وأبي هريرة، وأم سلمة، ورافع بن خديج، وطائفة، وعنه أيوب، وعبيد الله، وابن جريج، والأوْزاعي، ومالك، والليث، وخلق، قال البخاري وغيره: أصح الأسانيد مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال ابن وهب: حدَّثني مالك، قال: كنت آتي نافعاً وأنا غلام حديث السنّ فيحدِّثني، وكان يجلس بعد الصبح في المسجد لا يكاد يأتيه أحد، قال حماد بن زيد ومحمد بن سعد: مات نافع سنة 117 هـ، وقال يحيى بن معين: نافع ديلمي، وعن نافع، قال: خدمت ابن عمر ثلاثين سنة، فأُعطي ابن عمر فيَّ ثلاثين ألفاً، فقال: إني أخاف أن تفتني دراهم، فأعتقني. انتهى ملخَّصاً.
وفي "جامع الأصول": نافع بن سَرْجِس - بفتح السن المهملة الأولى وسكون الراء المهملة وكسر الجيم - مولى ابن عمر كان ديلمياً من كبار التابعين المدنّيين من المشهورين بالحديث، ومن الثقات الذي يُجمع على حديثهم ويُعمل به، ومعظم حديث ابن عمر عليه دار، قال مالك: كنت إذا سمعت حديث نافع، عن ابن عمر لا أبالي أن لا أسمعه من أحد، مات سنة 117 هـ، وقيل سنة 120 هـ.
عن ابنِ عمر (1) :
انتهى. ومثله في "إسعاف المبطَّأ برجال الموطأ" للسيوطي، فإنه قال: نافع بن سرجس الديلمي مولى ابن عمر المدني عن مولاه، ورافع بن خديج، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وطائفة، وعنه بنوه عبد الله، وأبو بكر، وعمر، والزهري، وموسى بن عقبة، وأبو حنيفة، ومالك، والليث، وخلق.
قال البخاري: أصح الأسانيد مالك، عن نافع، عن ابن عمر، مات سنة 117 هـ. انتهى. والذي يعلم من ثقات ابن حبان أن نافعاً مولى ابن عمر ليس بابن سرجس بل هو غيره، فإنه قال أولاً في حرف النون نافع مولى ابن عمر، أصابه ابن عمر في بعض غزواته، كنيته أبو عبد الله، اختُلف في نسبه ولم يصح فيه عندي شيء فأذكره، يروي عن ابن عمر، وأبي سعيد، روى عنه الناس، مات سنة 117 هـ. انتهى. ثم قال: نافع بن سرجس الحجازي مولى بني سباع كنيته أبو سعيد، يروي عن أبي واقد الليثي، روى عنه عبد الله بن عثمان بن خشيم. انتهى وذكر صاحب المشكاة في "أسماء رجال المشكاة" في نسبه مثل ما في "جامع الأصول"، حيث قال: نافع بن سرجس - بفتح السين الأولى وسكون الراء وكسر الجيم - كان ديلمياً من كبار التابعين، سمع ابن عمر وأبا سعيد، وعنه خلق كثير، منهم مالك والزهري. انتهى. وذكر في "التقريب" و"التهذيب" و"تهذيبه" و"الكاشف": نافع أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر، مات سنة 117 هـ، من غير ذكر نسبه.
(1)
قوله: عن ابن عمر، المراد به حيث أُطلق عبد الله بن عمر بن الخطاب وإن كان له أبْناء آخرون أيضاً، كما أنه يُراد بابن عباس وابن مسعود وابن الزبير عند الإطلاق هو عبد الله. ترجمته مبسوطة في "تذكرة الحفاظ" للذهبي وغيره، وفي "الإسعاف" عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عبد الرحمن المكي، أسلم قديماً مع أبيه وهو صغير، بل روي أنه أوَّل مولود وُلد في الإسلام، واستُصغر يوم أحد، وشهد الخندق وما بعدها، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه رجل صالح"، ورى
كان الرجالُ (1) والنساءٌ يتوضَّؤون (2) جميعاً (3)
عنه بنوه: سالم، وحمزة، وعبد الله، وبلال، وعبيد الله، وعمر، وزيد، وحفيده محمد بن زيد، وأبو بكر بن عبيد، ومولاه نافع، وزيد بن أسلم، وعطاء، وخلق، ومسنده عند بقيّ بن مخلد ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثاً، توفي سنة 73 هـ وقيل سنة 74 هـ. انتهى.
(1)
قوله: كان الرجال.... إلخ، فإن قلت: يعارضه ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وَضوء المرأة، قلت: حديث الإباحة أصح، كذا في "الكواكب الدراري".
(2)
قوله: يتوضؤون، قال الرافعي: يريد كل رجل مع امرأته، وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد، وكذلك ورد في بعض الروايات. قلت: ما تكلم على هذا الحديث أحسن من الرافعي، فلقد خلط فيه جماعة، كذا في "التنوير".
(3)
زاد ابن ماجه، عن هشام بن عروة، عن مالك في هذا الحديث: من إناء واحد. وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: ندلي فيه أيدينا. وظاهر قوله "جميعاً" أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة، وحكى ابن التِّين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعاً في موضع واحد، هؤلاء على حده وهؤلاء على حده، والزيادة المتقدمة في قوله: من إناء واحد تردّ عليه. وإن كان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب، فقد أجاب ابن التِّين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه: كان الرجال يتوضؤون فيذهبون، ثم تأتي النساء فتتوضأن. وهو خلاف الظاهر من قوله جميعاً، وقد وقع مصرَّحاً بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طرق معتمر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهَّر منه، والأَولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده بالزوجات والمحارم، كذا في "فتح الباري".
فِي زمنِ (1) رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ (3) بِأَنْ تتوضَّأ المرأةُ وتغتسلُ مع الرجلُ من
(1) قوله: في زمن
…
إلخ، يُستفاد منه أن الصحابي إذا أضاف فعلاً إلى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح، كذا في "الفتح".
(2)
وفي نسخة زيادة " من إناء واحد".
(3)
قوله: لا بأس..إلخ، قد وردت بذلك أخبار كثيرة: فمن ذلك ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس، عن ميمونة قالت: أجنبتُ فاغتسلتُ من جفنة، فبقيَتْ فيها فضلة، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، فقت له، فقال: الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه. هذا لفظ الدارقطني، وقد أعلَّه قوم بأن فيه سماك بن حرب الراوي عن عكرمة، وكان يَقبل التلقين. وردَّه ابن حجر في "فتح الباري" بأنه قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلَاّ صحيح حديثهم.
وروى الشيخان وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونه كانا يغتسلان من إناء واحد.
وأخرج الطحاوي، عن عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.
وعن أم سلمة: كنت إغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من مركن واحد نفيض على أيدينا حتى ننقيها، ثم نفيض علينا الماء.
وعن عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يبدأ قبلي، وفي رواية: من إناء واحد تختلف فيه أيدينا من الجنابة.
وعن عروة: أن عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم كانا يغتسلان من إناء واحد يغترف قبلها وتغترف قبله.
وعن ابن عباس، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلتُ من جنابة، فجاء
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فقالت له، فقال:"إن الماء لا ينجسه شيء".
وهناك أخبار وردت بالمنع عن الوضوء بفضل المرأة: ففي سنن أبي داود والنسائي، عن داود بن عبد الله قالت: لقيتُ رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً.
وفي سنن أبي داود، عن الحكم، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة.
ولابن ماجه، عن عليّ: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهله يغتسلون من إناء واحد، ولا يغتسل أحدهما بفضل صاحبه.
وله، عن عبد الله بن سَرْجِس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل (وفي الأصل:"الرجل"، والظاهر:"وضوء الرجل") ، ولكن يشرعان جميعاً.
ولاختلاف الأخبار اختلفت الآراء على خمسة أقوال:
الأول: كراهة تطهُّر المرأة بفضل الرجل وبالعكس.
والثاني: كراهة تطهر الرجل بفضل طهور المرأة وجواز العكس.
والثالث: جواز التطهر إذا اغترفا جميعاً وإذا خلت المرأة فلا خير في الوضوء بفضلها.
والرابع: أنه لا بأس بتطهُّر كل منهما بفضل الآخر شَرَعا (في الأصل: "شرعاً"، وهو خطأ، والصواب: "شَرَعا") جميعاً أو تقدّم أحدهما وعليه عامة الفقهاء.
والخامس: جواز ذلك ما لم يكن الرجل جنباً والمرأة حائضاً.
وقد رُوي عن ابن عباس وزيد وجمهور الصحابة والتابعين جواز الوضوء
إناءٍ (1) واحدٍ (2) إِنْ بدأتْ قَبْلَهُ أَوْ بَدَأَ قَبْلَهَا (3) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (4) رحمه الله.
بفضل المرأة إلَاّ ابن عمر، فإنه كره فضل وضوء الجنب والحائض، كذا في "الاستذكار".
والجواب للجمهور عن أحاديث النهي بوجوه: أحدها: أنها ضعيفة بالنسبة إلى أحاديث الإباحة، والثاني: أن المراد النهي عن فضل أعضائها، أي: المتساقط منها. والثالث: أن النهي للاستحباب والأفضل، كذا قال النووي في شرح صحيح مسلم.
(1)
بأن يأخذا الماء منه لا أنهما يتوضأان فيه.
(2)
قوله: من إناء واحد، نقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال المرأة والرجل من الإناء الواحد، وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر، عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه، ونقل النوويّ أيضاً الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس، وفيه نظر أيضاً، فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي، وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع، لكن مقيَّداً بما إذا كان جنباً، وأما عكسه فصحَّ عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا عن التطهير بفضل المرأة، وبه قال أحمد وإسحاق، لكن قيَّده بما إذا خَلَتْ به، كذا في "الفتح".
(3)
أي: سواء كانت بداية المرأة قبل الرجل أو بالعكس.
(4)
وأبي يوسف، ذكره الطحاوي.