المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمات الطبع والتحقيق]

- ‌تقدِيم بقَلم سَمَاحَةِ الشَّيخ أبي الحَسَن عَلي الحَسَني النَّدوي

- ‌تَقدمة بقلم الأستاذ عَبد الفتاح أبو غُدّة

- ‌حفظ الله تعالى للسنة:

- ‌نصيب المدينة من السنة أوفى نصيب وسَبْقُها في تدوين السنة:

- ‌تأليف مالك الموطأ:

- ‌تأريخ تأليف الموطأ:

- ‌الموطأ أوَّلُ ما صُنِّف في الصحيح:

- ‌مكانة "الموطأ" وصعوبة الجمع بين الفقه والحديث:

- ‌كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه:

- ‌الإمامة في علم تجتمع معها العامية في علم آخر:

- ‌يُسر الرواية وصعوبة الفقه والاجتهاد:

- ‌مزايا "الموطأ

- ‌كلمةٌ عن روايات الموطأ عن مالك:

- ‌كلمات في ترجمة محمد بن الحسن راوي الموطأ وكلمات في العمل بالرأي الذي يُغمَزُ به:

- ‌كلماتٌ في العمل بالرأي الذي يُغمزُ به محمد بن الحسن والحنفيةُ وغيرهم:

- ‌ظلم جملة من المحدثين لأبي يوسف ومحمد الفقيهين المحدثين:

- ‌كلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي:

- ‌تحجُّر الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث:

- ‌الردُّ على من قدح في أبي حنيفة بدعوى تقديمه القياس على السنة:

- ‌كلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي:

- ‌أهميةُ طبع كتاب التعليق الممجد:

- ‌مقدمة المحقِّق [د. تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة]

- ‌تَرجمَة "العَلاّمة فَخر الهِند عبد الحَي اللَّكنَوي" (من "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواطر"، للشيخ السيد عبد الحيّ الحَسَني (م 1341 هـ) : 8/234)

- ‌مقَدِّمَة الشَّارح

- ‌مقَدمة: فيهَا فوائد مُهمَّة

- ‌[الفائدة] الأولى: في كيفية شيوع كتابة الأحاديث وبَدْء تدوين التصانيف، وذكر اختلافها مَقصِداً، وتنوّعها مسلكاً، وبيان أقسامها وأطوارها

- ‌الفائدة الثانية: في ترجمة الإمام مالك

- ‌الفائدة الثالثة: في ذكر فضائل الموطّأ وسبب تسميته به وما اشتمل عليه

- ‌الفائدة الرابعة: قد يُتَوَهَّم التعارض بين ما مرَّ نقله عن الشافعي

- ‌الفائدة الخامسة: من فضائل الموطّأ اشتماله كثيراً على الأسانيد التى حكم المحدثون عليها بالأصحية

- ‌الفائدة السادسة: قال السيوطي: في "تنوير الحوالك

- ‌الفائدة السابعة: [نسخ الموطأ]

- ‌الفائدة الثامنة: [عدد أحاديثه]

- ‌الفائدة التاسعة: في ذكر من علق على موطّأ الإمام مالك

- ‌الفائدة العاشرة: في نشر مآثر الإِمام محمد وشيخيه أبي يوسف وأبي حنيفة:

- ‌الفائدة الحادية عشرة: [أهمية رواية محمد، وترجيحها على رواية يحيى المشهورة]

- ‌الفائدة الثانية عشرة: في تعداد الأحاديث والآثار التي في موطأ الإمام محمد [بالتفصيل] :

- ‌خاتمة:

- ‌أبواب الصلاة

- ‌2 - (بَابُ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ)

- ‌5 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مسِّ الذَّكر)

- ‌8 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الرُّعاف)

- ‌10 - (بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ)

- ‌12 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ)

- ‌15 - (بَابُ الاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ)

- ‌17 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يَوْمِ الجُمُعة)

- ‌18 - (بَابُ الاغْتِسَالِ يومَ الْعِيدَيْنِ)

- ‌24 - (بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌25 - (باب المرأة ترى الصُّفرة والكُدْرة

- ‌26 - (بَابُ الْمَرْأَةِ تَغْسِل بعضَ أعضاءِ الرَّجُلِ وَهِيَ حَائِضٌ)

- ‌27 - (باب الرجل يغتسلُ أو يتوضأ بِسُؤْرِ الْمَرْأَةِ

- ‌28 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الهِرّة)

- ‌29 - (باب الأَذَانِ وَالتَّثْوِيبِ

- ‌30 - (بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ)

- ‌34 - (باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌39 - (باب السهو في الصلاة)

- ‌42 - (بَابُ السُّنَّةِ فِي السُّجُودِ)

- ‌43 - (بَابُ الْجُلُوسِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌44 - (بَابُ صَلاةِ الْقَاعِدِ)

- ‌45 - (بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)

- ‌46 - (بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ)

- ‌7 - (بابُ الحدَثِ فِي الصَّلاةِ)

- ‌8 - (بَابُ فَضْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يُستحبُّ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل

- ‌50 - (باب الرجلان يصلِّيانِ جَمَاعَةً)

- ‌52 - (بَابُ الصلاةِ عِنْدَ طلوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا)

- ‌53 - (بابُ الصلاةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)

- ‌54 - (بَابُ الرَّجُل يَنْسَى الصلاةَ أَوْ تفوتُهُ عَنْ وَقْتِهَا)

- ‌56 - (بَابُ قَصْرِ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌57 - (بَابُ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ المِصْرَ أَوْ غيرَه مَتَى يُتِمّ الصلاةَ)

- ‌58 - (باب الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌59 - (بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ)

- ‌60 - (بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الدَّابَةِ فِي السَّفَرِ)

- ‌61 - (بَابُ الرَّجُلِ يصلِّي فَيَذْكُرُ أنَّ عَلَيْهِ صَلاةً فَائِتَةً)

- ‌64 - (بَابُ فَضْلِ الْعَصْرِ وَالصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ)

- ‌65 - (بَابُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ وَالدِّهَانِ

- ‌66 - (بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الصَّمْتِ

- ‌67 - (بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ وَأَمْرِ الْخُطْبَةِ)

- ‌68 - (بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ العيد أبو بَعْدَهُ)

- ‌69 - (بَابُ القراءةِ فِي صَلاةِ الْعِيدَيْنِ)

- ‌70 - (بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ

- ‌72 - (بابُ القنوتِ فِي الْفَجْرِ)

- ‌73 - (بَابُ فضلِ صلاةِ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَمْرِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)

- ‌74 - (بَابُ طولِ القراءةِ فِي الصَّلاةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ التَّخْفِيفِ)

- ‌75 - (بابُ صلاةِ المغربِ وترُ صلاةِ النَّهار)

الفصل: ‌2 - (باب ابتداء الوضوء)

‌2 - (بَابُ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ)

5 -

أَخْبَرْنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَمرو (1) بنُ يَحْيى بنِ عُمَارة (2) بنِ أَبِي حَسَنٍ المازِنيُّ (3) ، عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى (4) أنَّه سَمِعَ (5) جدَّهُ أبا حَسَن (6) يَسألُ (7)

(1) بفتح العين، وثَّقه النّسائي وأبو حاتم، قاله السيوطي.

(2)

بضم العين وخفَّة الميم.

(3)

بكسر الزاي من بنى مازن، صفة لعمرو.

(4)

وثَّقه النسائي، قاله السيوطي.

(5)

قوله: سمع، وقع في رواية يحيى الأندلسي، عن مالك أنه - أي: يحيى بن عمارة - قال لعبد الله بن زيد، فنسب السؤال إليه وهو على المجاز.

(6)

قوله: جدَّه أبا حسن، قيل: اسمه كنيته، لا اسم له غير ذلك، وقيل اسمه تميم بن عبد عمرو، وهو جد يحيى بن عمارة والد عمرو بن يحيى شيخ مالك، مدني له صحبة، يقال: إنه ممَّن شهد العقبة وبدراً، كذا في "الاستيعاب في أحوال الأصحاب" لابن عبد البر (الاستيعاب 7/43) .

(7)

قوله: يسأل....إلخ، كذا ساقه سحنون في "المدوَّنة"، ولأبي مصعب وأكثر رواة الموطأ أن رجلاً قال لعبد الله، ولمعن بن عيسى، عن عمرو، عن أبيه يحيى، أنه سمع أبا حسن وهو جدّ عمرو بن يحيى، وعند البخاري من طريق وهيب، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد، وعنده أيضاً من طريق سليمان بن (كذا في الأصل والصواب "عن") عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: كان عمرو يكثر الوضوء، فقال لعبد الله، وفي المستخرج لأبي نعيم من طريق =

ص: 177

عبدَ اللَّهِ بنَ زَيْد بْنِ عَاصِمٍ (1) وَكَانَ (2) مِنْ أصحابِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: هل تستطيعُ (3)

= الدراوردي، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عمه عمرو بن أبي حسن. قال الحافظ ابن حجر: الذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال: اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى، فسألوه عن صفة الوضوء وتولّى السؤال منهم عمرو بن أبي حسن، فحيث نُسب إليه السؤال كان على الحقيقة، وحيث نُسب إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه أكبر، وحيث نُسب ليحيى، فعلى المجاز أيضاً، كذا في "تنوير الحوالك"(1/39، 40 وفي "أوجز المسالك" 1/189: والأوجه عندي أن يرجع الضمير إلى جد عمرو المذكور، إذ كون عبد الله بن زيد من الصحابة ظاهر، وكون السائل من الصحابة في حيِّز الخفاء بعد، مع أنه قريب لفظاً، وكونه سائلاً لصفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أيضاً يوهم عدم صحبته، فإذاً التنبيه على كونه صحابياً أشدّ احتياجاً من التنبيه على بيان صحبة عبد الله، والله أعلم) .

(1)

قوله: عبد الله بن زيد بن عاصم، وقع في رواية يحيى الأندلسي، عن مالك ها هنا: وهو جد عمرو بن يحيى، فظنوا أن الضمير يعود إلى عبد الله، وبناءً عليه قال صاحب الكمال وتهذيب الكمال في ترجمة عمرو بن يحيى بن عمارة أنه ابن بنت عبد الله بن زيد بن عاصم وليس كذلك، بل الضمير يعود إلى السائل، عن عبد الله، كذا في "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر.

(2)

قوله: وكان، أي: عبد الله بن زيد بن عاصم وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان، ووهم من قال باتحادهما، وذكر السيوطي أن عبد الله المازني هذا مات سنة 63 هـ.

(3)

قوله: هل تستطيع أن تريني، أي: أرني، قال الحافظ: فيه ملاطفة الطالب للشيخ، وكأنه أراد الإراءة بالفعل ليكون أبلغ في التعليم، وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون نسي ذلك لبُعد العهد، قاله الزرقاني (1/43) .

ص: 178

أَنْ تُرِيَني (1) كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ قَالَ عبدُ اللَّه بنُ زَيْدٍ: نَعْمَ (2) ، فَدَعَا بِوَضُوْءٍ (3) فَأَفْرَغَ (4) عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْن (5) ، ثُمَّ مَضْمَضَ (6)(7)(8) ،

(1) من الإراءة، أي: تبصرني وتعلِّمني.

(2)

أي: أستطيع.

(3)

قوله: بوضوء، هو بالفتح الماءُ الذي يُتَوَضَّأ به، وبالضم إذا أردت الفعل. وقال الخليل: الفتح في الوجهين، ولم يعرف الضم، وكذا عندهم الطُّهور والطَّهور والغُسل والغَسل، وحكى غسلا وغُسلاً بمعنى، وقال ابن الأنباري: الأوجه هو الأوَّل، أي: التفريق بينهما وهو المعروف الذي عليه أهل اللغة، كذا في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض.

(4)

أي: صبّ.

(5)

قوله: مرتين، قال الحافظ: كذا لمالك، ووقع في رواية وهيب عند التخاري، وخالد بن عبد الله عند مسلم، والدراوردي عند أبي نعيم:"ثلاثاً" فهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا، ورواياتهم مقدَّمة على رواية الحافظ الواحد، وفي رواية أبي مصعب "يده" بالإفراد على إرادة الجنس، كذا في "التنوير" (1/40 وانظر منتقى الباجي: 1/64) .

(6)

المضمضة تحريك الماء، وفي الاصطلاح استيعاب الماء في الفم (قال النووي: وأقلها أن يجعل الماء في فيه، ولا يُشترط الإدارة على المشهور عند الجمهور. شرح صحيح مسلم 1/505 باب صفة الوضوء) .

(7)

يحتمل مرتين نظراً لما قبله، ويحتمل ثلاثاً اعتباراً بما بعده.

(8)

قوله: ثم مضمض، واستنثر كذا في رواية يحيى، وفي رواية أبي مصعب بدله استنشق. قال الشيخ ولي الدين: فيه إطلاق الاستنثار على =

ص: 179

ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَاً، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْن (1) مَرَّتَيْن (2) ، ثُمَّ مَسَحَ (3)

= الاستنشاق، وفي "شرح مسلم" للنووي: الذي عليه الجمهور من أهل اللغة وغيرهم أن الاستننثار غير الاستنثاق، وأنه إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف، وأما الاستنشاق: فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنَّفَس إلى أقصاه، كذا في "التنوير"(1/40) .

(1)

تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس: العظم الناتئ في آخر الذراع.

(2)

قوله: مرتين مرتين، قال الشيخ وليّ الدين: المنقول في علم العربية أن أسماء الأعداد والمصادر والأجناس، إذا كُرِّرت كان المراد حصولها مكرَّرة لا التوكيد اللفظي، فإنه قليل الفائدة. مثال ذلك: جاء القوم اثنين اثنين أو رجلاً رجلاً، وهذا الموضع منه، أي: غسلهما مرتين بعد مرتين، أي: أفرد كل واحدة منهما بالغسل مرتين، وقال الحافظ: لم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين ولكن في مسلم من طريق حبان بن واسع، عن عبد الله بن زيد، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، وفيه وغسل يده اليمنى ثلاثاً ثم الأخرى ثلاثاً، فيُحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متَّحد، كذا في "تنوير الحوالك"(1/41) .

(3)

قوله: ثم مسح....إلخ، قال ابن عبد البر: روى سفيان هذا الحديث فذكر فيه مسح الرأس مرتين (قال النووي: مسح جميع الرأس مستحب باتفاق العلماء. شرح مسلم 1/520. والمشهور عند المالكية أن الاستيعاب واجب، وبعض الرأس عند الشافعي، وهما روايتان عن أحمد، وقال الموفق: ظاهر مذهب أحمد الاستيعاب في حق الرجل، ويكفي المرأة أن تمسح مقدَّم رأسها، وربع الرأس أو مقدار الناصية عند الحنفية. أوجز المسالك 1/193) وهو خطأ لم يذكره أحد غيره، وقال القرطبي: =

ص: 180

مِنْ مُقَدَّمِ رأسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا (1) إِلَى قَفَاه (2) ، ثُمَّ رَدّهُما إِلَى المكانِ الَّذِي مِنْهُ بَدَأَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْه (3) .

قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا حَسَنٌ (4) والوُضوءُ ثَلاثاً ثلاثاً (5) أفْضَلُ (6)

= لم يجيء في حديث عبد الله بن زيد للأذنين ذكر، ويمكن أن يكون ذلك لأن اسم الرأس يضمهما، وتعقَّبه الشيخ ولي الدين بأن الحاكم والبيهقي أخرجا من حديثه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ ماءً لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه.

وقالا صحيح، كذا في "التنوير"(1/42) .

(1)

أي: اليدين.

(2)

بالفتح منتهى الرأس من المؤخر.

(3)

زاد وهيب في روايته عند البخاري إلى الكعبين.

(4)

قوله: هذا حسن، إشارة إلى ما ورد في رواية عبد الله بن زيد من تثليث غسل بعض الأعضاء وتثنية غسل بعضها، وقد اختلفت الروايات، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك باختلاف الأحوال: ففي بعضها تثليث غسل الكُلّ، وفي بعضها تثنية غسل الكُلّ، وفي بعضها إفراد غسل الكُلّ، وفي بعضها تثليث البعض وتثنية البعض، وكذا مسح الرأس ورد في بعضها الإفراد، وفي بعضها التعدّد، والكل جائز ثابت، غاية ما في الباب أن يكون بعضها أقوى ثبوتاً من بعض.

(5)

أي: في المغسولات دون المسح.

(6)

قوله: أفضل، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوءٌ لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: هذا وضوءُ مَن يُضاعَفُ له الأجر مرتين، وتوضأ ثلاثاً وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، أخرجه الدارقطني والبيهقي، وروى نحوه ابن ماجه وأحمد والطبراني وابن حبان وغيرهم =

ص: 181

وَالاثْنَانِ يُجْزِيان، والواحدةُ إِذَا أَسْبَغَتْ (1) تُجزئ أَيْضًا (2) وَهُوَ (3) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

6 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا أبو الزِّناد (4) ،

= بأسانيد يقوِّي بعضها بعضاً، والمتكفّل لبسطه شرحي شرح الوقاية المسمّى "بالسعاية في كشف ما في شرح الوقاية"(1/49) .

(1)

قوله: أسبغت، بصيغة الخطاب أو بالتأنيث مجهولاً، أي: إذا استوعبت، كذا في "شرح الموطأ" لعليّ القارئ.

(2)

قوله: تجزئ أيضاً (والكل جائز إذا استوعب ولا إثم عليه، لأن الإثم بترك الواجب دون السنَّة، واختاره صاحب الهداية 1/6 وقال القاري: إن الواجب هو المرة الواحدة وتثليث الغسل سنَّة، مرقاة المفاتيح 2/15)، أي: بلا كراهة كما في "جامع المُضْمَرَات" عن شرح الطحاوي، أو مع كراهة كما هو ظاهر كلام الجمهور حيث عدّوا التثليث من السنن المؤكدة، وذُكر في "البناية" و"جامع المضمرات" و"المجتبى" و"الخلاصة" وغيرها أنه إ، اعتاد الاكتفاء بالواحدة أو الاثنين أثم وإلا لا.

(3)

قوله وهو، كون الثلاث أفضل، وجواز الاكتفاء بالواحدة والثِّنْتَين.

(4)

قوله: أبو الزِّناد، بكسر الزاي، هو عبد الله بن ذكوان وأبو الزناد لقبه، وكان يغضب منه لما فيه من معنى يلازم النار، ولكنه اشتهر به لجودة ذهنه، قال البخاري: أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عنه، قال الواقدي: مات سنة 130 هـ، كذا قال السيوطي وغيره (إسعاف المبطأ ص 22) .

ص: 182

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (1) الأعْرَج (2) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِذَا توضَّأ أحدُكُم فلْيَجْعَلْ فِي أنفِهِ (3) ، ثُمَّ لِيَستَنثِر (4) .

7 -

أَخْبَرَنَا مالكٌ، حَدَّثنا الزُّهري، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ (5) الخَولانيِّ (6)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من توضَّأ فَلْيَسْتَنثِر (7)

(1) هو عبد الرحمن بن هرمز، اشتهر بالأعرج، وثَّقه يحيى والعجلي، مات سنة 117 هـ بالإسكندرية، كذا قال السيوطي وغيره (إسعاف المبطأ ص 27) .

(2)

قوله: الأعرج: قال السَّمعاني في "الأنساب": الأعرج بفتح الألف وسكون العين المهملة وفتح الراء في آخره جيم، هذه النسبة إلى العرج، والمشهور بها أبو حازم عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان الأعرج مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب يروي عن أبي هريرة روى عنه الزهري وأبو الزِّناد.

(3)

رواه القعنبي وابن بكير وأكثر الرواة، فقالوا: في أنفه ماء، قاله السيوطي.

(4)

في نسخة: لينتثر. قال الفراء: يقال نثر وانتثر واستنثر إذا حرّك النثرة في الطهارة، وهي طرف الأنف.

(5)

قوله: أبي إدريس، اسمه عائذ الله بن عمرو القاري العابد أبوه صحابي، وُلد هو في العهد النبوي ثقة حجة، مات سنة 80 هـ، قاله السيوطي وغيره.

(6)

نسبة إلى قبيلة بالشام.

(7)

أي فليبالغ في استنشاقه فإن الشيطان يبيت على خياشيمه.

استنبطوا منه أن الاستنثار سنّة على حدة غير الاستنشاق. =

ص: 183

وَمَنِ اسْتَجْمَرَ (1) فَلْيُوتِر (2) ".

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا (3) نأخُذُ، ينبغي (4)

= وليس في الموطأ في حديث مسند لفظ الاستنشاق ولا يكون الاستنثار إلا بعد الاستنشاق، كذا في "الاستذكار".

(1)

الاستجمار المسح بالجمار، وهي الأحجار الصغار.

(2)

قوله: فليوتر، أي ندباً لزيادة أبي داود وابن ماجة بإسناد حسن: من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. وبهذا أخذ مالك وأبو حنيفة في أن الإيتار مستحب لا شرط، كذا قال الزرقاني.

(3)

أي بما أفاده هذا الخبر.

(4)

قوله: ينبغي....إلخ، المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء، فرضان في الجنابة عند أبي حنيفة وأصحابه والثوري، وعند الشافعي ومالك والأوزاعي والليث بن سعد والطبري سنتان فيهما، وعند ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه فرضان فيهما، وعند أبي ثور وأبي عبيد المضمضة سنة والاستنشاق واجب، كذا في "الاستذكار"(1/159)، وذكر ابن حجر في "فتح الباري": أن ظاهر أمر الاستنثار للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به القول بوجوبه، وهو ظاهر كلام "المغني" من الحنابلة. وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوبه. انتهى. إذا عرفت هذا فنقول: استعمال محمد "ينبغي" هاهنا مبنيّ على أنه أراد به المعنى الأعم لا الذي شاع في المتأخرين من كونه بمعنى "يُستحب". القدماء في ما هو أعلم من الاستحباب والاستنان والوجوب، وقس عليه أكثر المواضع التي استعمل فيها محمد "ينبغي" فتفسير ينبغي ها هنا بيُستحب كما صدر عن القارئ ليس كما ينبغي.

ص: 184

للمتوضِّئ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ويَسْتَنْثِرَ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَسْتَجمر (1) . والاستجمارُ: الاسْتِنْجَاءُ (2) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (3) .

8 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ (4) بْنُ عَبْدِ الله المُجْمر (5) ،

(1) قبل أن يشرع في التوضؤ.

(2)

قوله: الاستنجاء، هو إزالة النجو أي الأذى من المخرج بالماء أو الأحجار.

وقال ابن القصار: يجوز أن نقول: إنه مأخوذ من الاستجمار (أو المراد بالاستجمار التبخر كما يكون في الأكفان، وكان مالك يقوله أولاً ثم رجع عنه، انظر هامش "بذل المجهود" 1/85) بالبُخور الذي به يطيب الرائحة. وقد اختلف قول مالك في معنى الاستجمار المذكور في الحديث، فقيل: الاستنجاء، وقيل: المراد به في البخور أن يأخذ منه ثلاث قطع، أو يأخذ ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد الأخرى. قال عياض: والأول أظهر، وقال النووي: إنه الصحيح المعروف، كذا في "التنوير".

(3)

وهو قول أبي حنيفة، اختلف الفقهاء في الاستنجاء: هل هو واجب أم سنة؟ فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن ذلك ليس بواجب، وأنه سنة لا ينبغي تركها، فإن صلى كذلك فلا إعادة عليه، إلاّ أن مالكاً يستحب الإعادة في الوقت وأبو حنيفة يراعي ما خرج على فم المخرج مقدار الدرهم على أصله، وقال الشافعي وأحمد: الاستنجاء واجب لا يجزئ صلاة من صلى من دون أن يستنجي بالاحجار أو بالماء، كذا في "الاستذكار"(1/173) .

(4)

هو أبو عبد الله المدني، وثّقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما، قاله السيوطي.

(5)

قوله: المُجْمر، بضم الميم وسكون الجيم وكسر الميم صفة لنُعيم، بضم النون، لأنه كان يأخذ المجمر قُدّام عمر رضي الله عنه إذا خرج إلى الصلاة =

ص: 185

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ (1) : مَنْ توضَّأَ فَأَحْسَنَ (2) وَضَوءَهُ ثمَّ خَرَجَ (3) عَامِداً (4) إِلَى الصلاةِ (5) فهو في صلاةٍ (6)

= في رمضان، قاله ابن حبان، وقال ابن ماكولا: كان يُجمر المسجد، لزم نعيم أبا هريرة عشرين سنة، وروى عنه كثيراً، كذا في "أنساب السمعاني" وفي "فتح الباري": وُصف (في الأصل: "وصنف" وهو خطأ، والصواب: "وصف") هو وأبوه عبد الله بذلك لأنهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم بعض العلماء أنه وصف أبيه حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز، وفيه نظر.

(1)

قوله: يقول، أي موقوفاً، قال ابن عبد البر: كان نعيم يوقف كثيراً من حديث أبي هريرة، ومثل هذا لا يقال بالرأي فهو مسند، وقد ورد معناه من حديث أبي هريرة وغيره بأسانيد صحاح، كذا قال علي (في الأصل:"العلي القاري"، وهو تحريف) القاري.

(2)

قوله: فأحسن وضوءَه، بإتيانه بفرائضه وسننه وفضائله وتجنّب منهياته.

(3)

أي من بيته، وفيه دلالة على فضل الوضوء قبل الخروج،

(4)

أي قاصداً لها دون غيرها.

(5)

قوله: إلى الصلاة، فإن قلت: لو أراد الاعتكاف هل يدخل في هذا الحكم أم لا؟ قلت: نعم، إذ المراد أنه لا يريد إلا العبادة، ولما كان الغالب منها الصلاة فيه ذكر لفظ الصلاة، كذا في "الكواكب الدراري".

(6)

قوله: فهو في صلاة، أي في حكمها من جهة كونه مأموراً بترك العبث وفي استعمال الخشوع، وللوسائل حكم المقاصد، وهذا الحكم مستمر "ما دام يَعْمِد" بكسر الميم يقصد، وزناً ومعنىً، وما ضيه عَمَد كقَصَد، وفي لغة قليلة من باب فرح، ثم المراد أن يكون باعث خروجه قصد الصلاة وإنْ عرض له في خروجه أمر دنيوي فقضاه، والمدار على الإخلاص، وفي معناه ما روى الحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً: إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى =

ص: 186

مَا كَانَ يَعْمِدُ (1) وَأَنَّهُ (2) تُكْتَبُ (3) لَهُ بِإِحدى (4) خَطْوَتَيْهِ (5) حَسَنَةٌ، وتُمحى (6) عنه بالأخرى (7)

= يرجع فلا يفعل هكذا وشبّك بين أصابعه. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن كعب بن عجرة مرفوعاً: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءَه ثم خرج عامداً إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة، كذا قال الزرقاني.

(1)

قوله: ما كان يعمد، أي ما دام مستمراً على ما يريده، وفيه إشارة إلى ما ورد أن الحسنة تكتب بقصدها ونيتها وإن لم يفعلها، فإذا خرج عامداً إلى الصلاة فهو في صلاة حيث الثواب ما لم يبطل قصدها بعمل آخر مناف له.

(2)

بفتح الهمزة وكسرها.

(3)

مجهول من الكتابة.

(4)

هي اليمنى.

(5)

قوله: خطوتيه، بضم الخاء ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة، قاله الجوهري، وجزم اليعمري أنها ها هنا بالفتح، والقرطبي والحافظ بالضم، كذا قال الزرقاني.

(6)

قوله: وتمحي عنه....إلخ، قال الباجي: يحتمل أن يريد أنّ لخُطاه حكمين فيكتب له ببعضها حسنات، ويمحى عنه ببعضها سيآت، وأن حكم زيادة الحسنات غير حكم محو السيآت، وهذا ظاهر اللفظ، ولذلك فرّق بينهما، وقد ذكر قوم أن معنى ذلك واحد، وأن كتابة الحسنات بعينه محو السيآت، كذا في "التنوير".

(7)

قوله: بالأخرى، فيه إشعار بأن هذا الجزاء للماشي لا للراكب، أي بلا عذر، وروى الطبراني والحاكم وصححه البيهقي عن ابن عمر رفعه: إذا توضأ أحدكم، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا ينزعه إلاّ الصلاة لم تزل رجله اليسرى تمحو عنه سيئة وتكتب له اليمنى حسنة حتى يدخل المسجد، كذا قال الزرقاني.

ص: 187

سيِّئة، فإنْ سَمِعَ أحدُكم (1) الإقامةَ فَلا يَسْعَ (2)(3)، فإنَّ أعظَمَكم أَجْراً (4) أبعَدُكُم داراً (5) قالوا (6) :

(1) وهو ماشٍ إليها.

(2)

أي لا يسرع، بل يمشي على هيئته.

(3)

قوله: فلا يسع، فإن قلت قال الله تعالى:{فَاسْعَوا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} ، وهو يشعر بالإسراع، قلت: المراد بالسعي الذهاب، يقال: سعيت إلى كذا أي ذهبت إليه، كذا في "الكواكب".

(4)

قوله: فإن أعظمكم....إلخ، تعليل لما حكم به من عدم السعي لما يستبعد ذلك من أجل أن الإسراع والرغبة إلى العبادة أحسن، وحاصله أن أعظمكم أجراً من كان داره بعيدة من المسجد، وما ذلك إلا لكثرة خطاه الباعثة لكثرة الثواب فلهذا الوجه بعينه يحكم بعدم السعي لئلا تقلّ خطاه فيقلّ ثوابه، وقد ورد في "صحيح مسلم" من طريق جابر، قال: خَلَتْ البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ قالوا: نعم، قال: يا بني سلمة، دياركم تُكْتَبْ آثارُكُم، ديارَكم تُكْتَب آثارُكم. وورد مثله من حديث أنس في "صحيح البخاري" وغيره. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم بأتموا. هذا لفظ البخاري.

(5)

قوله: أبعدكم داراً، ولا ينافيه ما ورد من قوله عليه السلام:"شؤم الدار بُعدُها عن المسجد"، لأن شؤمها من حيث أنه قد يؤدي إلى تفويث الصلاة بالمسجد، وفضلها بالنسبة إلى من يتحمّل المشقة ويتكلّف المسافة، فشؤمها وفضلها أمران اعتباريان، قاله علي القاري.

(6)

أي الحاضرون في مجلسه.

ص: 188

لِمَ (1) يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: مِنْ أَجْلِ كَثْرةِ (2) الخُطَا (3) .

3 -

(بَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ (4) فِي الْوُضُوءِ) (5)

9 -

أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة (6) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُم (7) من نومِهِ (8)

(1) أي لأي شيء بُعد الدار أعظم أجراً؟

(2)

أي بسبب كثرة الأقدام في المشي.

(3)

بضم الخاء وفتح الطاء جمع خطوة بالضم.

(4)

قوله غسل اليدين، بفتح الغين بمعنى إزالة الوسخ ونحوه بإمرار الماء عليه، وأما بالضم، فهو اسم للاغتسال، وهو غسل تمام الجسد، واسم للماء الذي يُغتسل به، وبالكسر، اسم لما يُغسل به الرأس، كذا في "المُغْرب".

(5)

أي: في اتبدائه، وهو غسلهما إلى الرسغين.

(6)

قوله: عن أبي هريرة، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة الطحاوي وأحمد وغيرهم من حديثه بألفاظ متقاربة، وأخرج بنحوه ابنُ ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر وجابر. وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث استنان تقديم غسل اليدين إلى الرسغين عند بداية الوضوء، وقالوا: قيد الاستيقاظ من النوم اتِّفاقي.

(7)

فيه رمز إلى أن نوم النبي صلى الله عليه وسلم غير ناقض للوضوء.

(8)

قوله: من نومه، أخذ بعمومه الشافعيُّ والجمهور، فاستحبوه عقيب كل نوم، وخصَّه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث:"باتت يده"، لأن حقيقة المبيت تكون بالليل، وفي رواية لأبي داود ساق مسلمٌ إسنادها: "إذا قام أحدكم =

ص: 189

فَلْيَغْسِل يَدَه (1)

= من الليل"، وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح، ولأبي عَوَانة في روايةٍ ساق مسلمٌ إسنادَها أيضاً: "إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح". لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خُصَّ نوم الليل بالذكر للغلبة، قال الرافعي في "شرح المسند": يمكن أن يقال: الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشدّ منها لمن نام نهاراً، لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادةً.

ثم الأمر عند الجمهور للندب، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار، وعنه في روايةٍ استحبابُهُ في نوم النهار.

واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء، وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس. واستُدِلَّ لهم بما ورد من الأمر بإراقته. لكنه حديث أخرجه ابن عَدِيّ، والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب للجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك، لأن الشك لا يقتضي وجوباً في الحكم استصحاباً لأصل الطهارة. واستَدلَّ أبو عَوَانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشنّ المعلَّق بعد قيامه من النوم. وتُعُقِّب بأن قوله:"أحدكم" يقتضي اختصاصَه بغيره صلى الله عليه وسلم. وأجيب بأنه صحَّ عنه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء في حال اليقظة، فاستحبابه بعدم النومِ أَوْلى، ويكون تركه لبيان الجواز. وأيضاً فقد قال في هذا الحديث، في روايات مسلم وأبي داود وغيرهما:"فليغسِلْها ثلاثاً"، وفي رواية:"ثلاث مرات" والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على النَّدْبِيَّة. ووقع في رواية همّام، عن أبي هريرة عند أحمد:"فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسِلَها" والنهيُ فيه للتنزيه. والمراد باليد ها هنا الكفّ دون مازاد عليها، كذا في "فتح الباري".

(1)

قوله: فليغسل يده، في هذا الحديث من الفقه إيجاب الوضوء من النوم لقوله:"فليغسل يده قبل أن يدخلها". وهذا أمر مجمع عليه في النائم والمضطجع إذا غلب عليه النوم واستثقل نوماً أن الوضوء عليه واجب، كذا في "الاستذكار".

ص: 190

قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَها (1) فِي وَضُوئِهِ (2) ، فإنَّ أَحَدَكم (3) لا يَدري (4) أين باتت يَدُه (5) .

(1) قوله: قبل أن يدخلها، لمسلم وابن خُزيمة وغيرهما من طرق:"فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسِلَها"، وهو أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتَّب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع، فاغترف منه بإناء صغير من غير أن يلامس يده الماء، كذا في "فتح الباري".

(2)

قوله: في وضوئه، أي: الماء الذي أُعدَّ للوُضوء، وفي رواية مسلم:"في الإناء" ولابن خزيمة: "في إنائه أو وضوئه" على الشك. والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء، ويلتحق به إناء الغسل وكذا باقي الآنية قياساً، وخرج بذكر الإناء الحياضُ التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها. كذا في "الفتح".

(3)

قوله: فإن أحدكم، قال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة، لأن الشارع إذا ذكر حكماً وعقبه بعلَّة دلَّ على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في حديث المُحْرِم الذي سقط فمات، "فإنه يُبعث مُلَبِّياً" بعد نهيهم عن تطييبه، فنبَّه على علة النهي. وعبارة الشيخ أكمل الدين: إذا ذكر الشارع حكماً وعقبه أمراً مصدَّراً بالفاء كان ذلك إيماءً إلى أن ثبوت الحكم لأجله. نظيره الهرة ليست بنجسة، فإنها من الطوّافين عليكم والطوّافات.

وقال الشافعي: كانوا يستجمرون وبلارهم حارَّة، فربما عرق أحدهم إذا نام، فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر أو غير ذلك. وذكر غير واحد أن "باتت" في هذا الحديث، بمعنى صارت، منهم ابن عصفور كذا في التنوير.

(4)

أي: لا يدري تعيين الموضع الذي باتت يده فيه، فلعلها أصابتها نجاسة.

(5)

زاد ابن خزيمة والدارقطني "منه"، أي: من جسده.

ص: 191

قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا (1) حَسَن (2) ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يفعَلَ (3) وَلَيْسَ مِنَ الأَمْرِ الْوَاجِبِ الَّذِي إنْ تركه تاركٌ أَثِم (4) ،

(1) قوله: هذا حسن، أي: تقديم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء عند الاستيقاظ على ما دلَّ عليه الحديث (وذكر العينيُّ في عمدة القاري (1/755 إلى 761) عشرين فائدة مستنبطة من هذا الحديث) .

(2)

أي: مستحسن.

(3)

قوله: وهكذا ينبغي أن يفعل، إشارة إلى أن الأمر محمول على الندب كما صرَّح به، بقوله: وليس من الأمر الواجب، ولذا روى سعيد بن منصور في "سننه"، عن ابن عمر: أنه أدخل يده في الإناء قبل أن يغسل. وروى ابن أبي شيبة، عن البراء: أنه أدخل يده في المطهرة قبل أن يغسلها. وروى عن الشَّعبي: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدخِلون أيدِيَهم في الماء قبل أن يغسلوها. وهذا عند عدم تيقُّن النجاسة على يده وظنها، وأما عند ذلك، فلا يجوز إدخال اليد قبل الغسل لئلا يتنجَّس الماء.

(4)

قوله: الذي إن تركه تاركٌ أثم، قد زعم بعض من في عصرنا بأن الإثم منوط بترك الواجب وما فوقه، ولا يلحق الإثم بترك السنَّة المؤكَّدة، واغترَّ بهذه العبارة وأمثالها، وليس كذلك فقد صرَّح الأصوليّون كما في "كشف أصول البزدوي" وغيره أن تارك السنَّة المؤكَّدة يلحقه إثم دون إثم تارك الواجب، وصرَّح صاحب "التلويح" وغيره بأن ترك السنَّة قريب من الحرام. وهذا هو الصحيح لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس، ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً:"من رغب عن سنَّتي فليس مني"، وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" وابن حبّان والحاكم، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستَّة لعنتهم: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلِّط على أمتي بالجَبَرُوت ليُذلَّ من أعزَّه الله ويعزَّ من أذلَّه الله، والمستحِلّ لحرم الله، والمستحلّ من عِترتي، والتارك لسنَّتي"، =

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأخرج مسلم، عن ابن مسعود: (من سرَّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادى بهنّ

الحديث، وفيه ولو أنَّكم صلَّيتم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا الرجل المتخلِّف في بيته لتركتم سنَّة نبيكم، ولو تركتم سنَّة نبيكم لَضَلَلْتُم) ، وأخرج أبو نعيم في "حلية الأولياء"، عن معاذ بن جبل:(لا تقل إن لي مصلَّى في بيتي، فأصلّي فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنَّة نبيكم، ولو تركتم سنَّة نبيكم لضللتم) .

والأخبار المفيدة لهذا المطلب كثيرة شهيرة، وقد سلك ابن الهُمام في "فتح القدير" على أن الإثم منوط بترك الواجب، وردّه صاحب "البحر الرائق" وغيره بأحسن ردّ.

وإذا عرفت هذا كلَّه، فنقول: المراد من الواجب في الكتاب اللازمُ، أعمُّ من أن يكون لزومَ سنَّة أو لزومَ وجوب أو لزومَ افتراض، فإن اللزوم مختلف، فلزوم الفرض أعلى، ولزوم الواجب أوسط، ولزوم السنَّة أدنى، وعلى هذا الترتيت ترتيب الإثم، لا الوجوب الاصطلاحي الذي جعلوه قسيماً للافتراض والاستنان، وحينئذٍ فلا دلالة لكلام محمد على قصر الإثم على الواجب.

أو نقول: بعد تسليم أن المراد بالواجب في كلامه هذا مايشمل الفرض، والواجب دون السنَّة، إن التنوين في قوله "تاركٌ" للتنكير فلا يُستفاد منه، إلَاّ أن الواجب يَلحق تاركَهُ أيَّ تاركٍ كان، ولو تركه مرة: إثمٌ، وهو أمر لا ريب فيه، فإن الفرض والواجب يلزم من تركهما ولو مرَّة بشرط أن يكون لغير عذر إثم، ولا كذلك السنَّة، فإنَّه لو تركها (في الأصل:"تركه"، والظاهر:"تركها") مرة أو مرَّتين لا بأس به، لكن إن اعتاد ذلك أو جعل الفعلَ وعدمَه متساويَيْن أَثِم كما صرَّح به في "شرح تحرير الأصول" لابن أمير الحاج. فلا يفيد حينئذٍ كلامُه إلَاّ قصْرَ الإثم على سبيل العموم والإطلاق على الواجب لا قصر مطلق الإثم عليه. =

ص: 193

وهو (1) قول أبي حنيفة رحمه الله.

- (باب الْوُضُوءِ (2) فِي الاسْتِنْجَاءِ)

10 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى (3) بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَحلاء (4)، عَنْ عثمانَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَاهُ (5) أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ عمرَ بنَ الخطاب (6)

= أو نقول: المراد بالإثم مقابل الملامة التي تلزم بترك السنَّة المؤكَّدة، فلا يفيد كلامُه حينئذٍ إلَاّ قصر الإثم العظيم على الواجب لا مطلق الإثم.

وهذا كلُّه إذا سُلِّم دلالة كلامه على القصر، وإلَاّ فالافتراض (في الأصل:"فالاغترار"، وهو تحريف، والصواب:"فالافتراض") ساقط من أصله، وقد استدلَّ من لم يوجب بترك السنَّة إثماً بأحاديث لا تفيد مدَّعاه عند الماهر، ولولا خشيةُ التطويل لطوًّلتُ الكلام في ما له وما عليه.

(1)

أي: كونه حسناً لا واجباً.

(2)

قوله: الوضوء، بالفتح قد يُراد به غسل بعض الأعضاء، من الوضاءة وهي الحسن، كذا في "النهاية" وهو المراد ها هنا، والمقصود به غسل موضع الاستنجاء بالماء.

(3)

قوله: يحيى

إلخ، هو يحيى بن محمد بن طَحلاء المدني التيمي روى عن أبيه وعثمان، وعنه مالك والدَّراوردي وآخرون، ذكره ابن حبّان في ثقات التابعين، كذا ذكره الزرقاني.

(4)

بفتح الطاء ممدوداً.

(5)

قوله: أن أباه، هو عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي المدني، صحابي قتل مع ابن الزبير، وابنه عثمان من الخامسة ثقة، كذا في "التقريب".

(6)

قوله: عمر بن الخطاب، هو أبو حفص عمر بن الخطاب العَدَويّ =

ص: 194

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَوَضَّأُ (1)(2) وُضُوءً (3) لِمَا تَحْتَ إِزَارِهِ (4) .

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخَذُ وَالاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ أحبُّ (5) إلينا من غيره (6)

= القرشي أحد العشرة، وأحد الخلفاء الراشدين الملقّب بالفاروق، أسلم سنة ست من النبوة، وقيل سنة خمس، وظهر الإسلام بإسلامه، قال ابن مسعود: والله إني لأحسب لو أن علم عمر وُضع في كفة الميزان ووُضع علم سائر أهل الأرض في كفة لرجِّح علم عمر. له فضائل كثيرة، استُشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. كذا في "أسماء رجال المشكاة"، لصاحب المشكاة.

(1)

أي: يتطهَّر.

(2)

قوله يتوضأ، أدخل مالك هذا الحديث في "الموطأ" ردّاً على من قال: إن عمر كان لا يستنجي بالماء، وإنما كان استنجاؤه وسائر المهاجرين بالأحجار، وذَكَرَ قول سعيد بن المسيّب في الاستنجاء بالماء: إنما ذلك وضوء النساء، وذَكَرَ أبو بكر بن أبي شيبة: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همّام، عن حذيفة: أنه سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: إذاً لا يَزال في يدي نتن. وهو مذهب معروف عند المهاجرين.

وأما الأنصار، فالمشهور عنهم أنهم كانوا يتوضَّؤون بالماء، ومنهم من كان يجمع بين الطهارتين، فيستنجي بالأحجار ثم يُتبع بالماء، كذا في "الاستذكار".

(3)

زاد يحيى "بالماء".

(4)

كناية عن موضع الاستنجاء، أي: إنه بالماء أفضل منه بالحجر.

(5)

والجمع بينهما أفضل إجماعاً خلافاً للشيعة حيث لم يكتفوا بغير الماء.

(6)

قوله: من غيره، أي من الاكتفاء بالأحجار خلافاً للبعض أخذاً مما أخرجه ابن أبي شيبة عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: إذن لا يزال =

ص: 195

وَهُوَ (1) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

= في يدي نتن. وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء. وعن ابن الزبير: ما كنا نفعله.

ووجه كون الاستنجاء بالماء أفضل كونه أكمل في التطهير، وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري عن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به. وللبخاري أيضاً عن أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا تَبَرَّزَ لحاجته أتيتُه بماء فيغسل به. ولابن خزيمة عن جرير: أنه صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بأداوة، فاستنجى بها. وللترمدي عن عائشة قال: مُرْن أزواجَكُنَّ أن يغسلوا أثر البول والغائط: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. ولابن حبان من حديث عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قط إلَاّ استنجى من ماء.

وبهذه الأحاديث يُرَدُّ على من أنكر وقوع الاستنجاء بالماء من النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في "فتح الباري" و"إرشاد الساري".

وأما الجمع بين الماء والحجر فهو أفضل الأحوال، وفيه نزلت {فيه} أي في مسجد قُبا {رجالٌ يُحبون أن يتطَّهروا} وكان أهل قُبا يجمعون بينهما. أخرجه ابن خزيمة والبزار وغيرهما. وقد سقت الأخبار فيه في رسالتي "مذيلة الدراية لمقدمة الهداية" والمعلوم من الأحاديث المروية في الصحاح أن الجمع كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم وهذا كله في الاستنجاء من الغائط، وأما الاستنجاء من البول فلم نعلم فيه خبراً يدل على الإنقاء بالحجر إلا ما يحكىعن عمر أنه بال ومسح ذكره على التراب، وقد فصَّلته في رسالتي المذكورة.

(1)

أي كونه أحبّ.

ص: 196