الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصُّبْحِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ مِنْ أَوَّلِ المفصَّل (1) يردِّدهن (2) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةً.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقْرَأُ (3) فِي الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} وَنَحْوِهِمَا (4) .
59 - (بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ)
202 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عن ابن عمر: أن
(1) وهي من أول سورة الحجرات على الأشهر.
(2)
أي: يكرِّرها.
(3)
قوله: يقرأ
…
إلى أخره، يشير إلى دفع ما يُتوهَّم من أثر ابن عمر أن السنَّة في السفر كالسنَّة في الحضر من قراءة طوال المفصَّل وهو من {الحُجُرَاتِ} إلى {والسَّمَاءِ ذَاتِ البُروجِ} وليس كذلك، فإن للسفر أثراً في التخفيف، فينتقل الوظيفه فيه من الطوال إلى الأوساط، وقد أخرج ابن أبي شيبة، عن سويد قال: خرجنا حجاجاً مع عمر فصلّى بنا الفجر ب {ألم تر كيف} و {لإيلاف} وعن ابن ميمون صلى بنا عمر الفجر في السفر، فقرأ:{قل يا أيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} . وعن الأعمش، عن أبراهيم: كان أصحاب رسول الله يقرؤون في السفر بالسور القصار.
(4)
قوله: ونحوهما، بل إن قرأ أقصر من ذلك جاز لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الصبح بالمعوذتين، أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وأحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر.
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا (1) عَجِلَ (2) بِهِ السَّيْر جَمَعَ (3) بَيْنَ المغرب والعشاء.
(1) قوله: إذا عجل به السير، أورد البخاري في الباب ثلاثة أحاديث: حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جدَّ به السير، وحديث ابن عباس، وهو مقيَّد بما إذا كان سائراً، وحديث أنس وهو مطلق، واستعمل البخاري الترجمة المطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق، فكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائراً أم لا، كان سيره مجدّاً أم لا. وهذا مما وقع الاخلاف فيه، فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقاء الثوريّ والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقاً إلَاّ بعرفة والمزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه، وأجابوا عما ورد من الأحاديث في ذلك بأن الذي وقع جَمْع صوري، وتعقَّبه الخطّابي وغيره بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيِّقاً، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة، وقيل: يختص الجمع بمن يجدُّ في السير، قاله الليث وهو القول المشهور عن مالك، وقيل: يختص بالسائر دون النازل، وهو قول ابن حبيب، وقيل: يختص بمن له عذر، حُكِي ذلك عن الأوزاعي، وقيل: يجوز جمع التأخير دون التقديم، وهو مروي عن مالك وأحمد، واختاره ابن حزم، كذا في "فتح الباري".
(2)
بفتح العين وكسر الجيم، أسرع وحضر، ونسبة الفعل إلى السير مجاز، تعلَّق به من اشترط في الجمع الجدّ في السير، وردّه ابن عبد البر بأنه إنما حكى الحال التي رأى ولم يقل لا يجمع إلا أن يجدّ به.
(3)
قوله: جمع بين المغرب والعشاء، جمع تأخير، ففي "الصحيح" من رواية الزهري، عن سالم عن أبيه: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينهما. وبيَّنه مسلم من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر بعد أن يغيب الشفق. ولعبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، وموسى بن عقبة، عن نافع: فأخَّر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل.
203 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ (1) حِينَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي السَّفَرِ سَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ.
204 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ أَخْبَرَهُ (2)، قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّهِ يَجْمَعُ (3) بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرٍ (4) إِلَى تَبُوكَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. وَالْجَمْعُ (5) بَيْنَ الصلاتين أن تُؤخَّرَ
والبخاري في "الجهاد" من طريق أسلم عنه: حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل، فصلّى المغرب والعشاء. ولأبي داود، عن عبد الله بن دينار، عنه فسار حتى غاب الشفق وتصوَّبت النجوم.
(1)
قوله: إن ابن عمر حين جمع..إلخ، أخرج البخاري في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر: كنت مع ابن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت عبيد شدة وجَعٍ، فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل، فصلّى المغرب والعتمة، فأفادت هذه الرواية تعيين السفر وقت انتهاء السير والجمع.
(2)
قوله: أخبره قال
…
إلخ، قال ابن عبد البر: هكذا رواه أصحاب مالك مرسلاً إلاّ أبا مصعب في غير الموطأ ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن خالد ومطرفاً والحنيني وإسماعيل بن داود المخراقي، فإنهم قالوا: عن مالك، عن داود، عن الأعرج، عن أبي هريرة مسنداً.
(3)
جَمْعَ تقديم إنْ ارتحل بعد زوال الشمس، وجَمْعَ تأخير إن ارتحل قبل الزوال على ما روى أبو داود وغيره عن معاذ،
(4)
أي: في سفره في غزوة تبوك، وهو اسم موضع على وزن شكور، وهي آخر غزواته وقعت سنة تسع.
(5)
قوله: والجمع بين الصلاتين
…
إلخ، هذا هو الجمع الصُّوري الذي
الأُولى مِنْهُمَا، فتُصلَّى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وتُعجَّل الثَّانِيَةُ فتُصلَّى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا.
وَقَدْ بَلَغَنا (1) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ أخَّر الصلاة قبل أن تغيب الشفق (2) ، خلاف ما روى مالك.
حمل عليه أصحابنا الأحاديث الواردة في الجمع، وقد بسط الطحاوي الكلام فيه في "شرح معاني الآثار" لكن لا أدري ماذا يُفعل بالروايات التي وردت صريحاً بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت، وهي مرويّة في صحيح البخاري وسنن أبي داود وصحيح مسلم وغيرها من الكتب المعتمدة على ما لا يخفى على من نظر فيها، فإن حُمل على أن الرواة لم يحصل التمييز لهم فظنوا قرب خروج الوقت خروج الوقت، فهذا أمر بعيد عن الصحابة الناصِّين على ذلك، وإن اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخَلَل في الإسناد فهو أبعد وأبعد مع إخراج الأئمة لها، وشهادتهم بتصحيحها، وإ، عُورض بالأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى آخر الوقت والتقديم في أول الوقت، فهو أعجب، كان الجمع بينها بحملها على اختلاف الأحوال ممكن، بل هو الظاهر، وبالجملة فالأمر مشكل، فتأمل لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
(1)
قوله: وقد بلغنا
…
إلخ، لما ورد على تأويل الجمع الصُّوري بأنه وإن تيسَّر في حديث ابن عمر والأعرج بحسب الظاهر لكنه لا يتيسر في أثر ابن عمر. أجاب عنه، بأنه قد بلغنا أنه جمع قبل غروب الشفق، فيكون جمعه أيضاً جمعاً صورياً، ولقائل أن يقول: ما أخرجه مالك سنده أصح الأسانيد لا اشتباه في طريقه، فيجمع بينه وبين هذا البلاغ باختلاف الأحوال ولا يقدح ثبوت أحدهما في ثبوت الآخر.
(2)
قوله: قبل أن تغيب الشفق، أخرج الطحاوي، عن أسامة بن زيد، عن نافع أن ابن عمر جدّ به السير فراح روحة لم ينزل إلاّ للظهر والعصر، وأخَّر المغرب، حتى صرخ سالم: الصلاة، فصمت ابن عمر حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق نزل
205 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَمَعَ الأُمَرَاءُ (1) بَيْنَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ (2) جَمَعَ مَعَهُمْ فِي الْمَطَرِ.
قَالَ: لَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا، لا نَجْمَعُ (3) بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي وقتٍ
فجمع بينهما، ففي هذا الحديث أن نزوله للمغرب كان قبل أن يغيب الشفق فاحتمل أن يكون قول نافع بعدما غاب الشفق إنما أراد به قُربه من غيبوبة الشفق لئلا يتضادّ ما روي في ذلك، ثم أخرج عن العطاف بن خالد، عن نافع: أقبلنا مع ابن عمر حتى إذا كان ببعض الطريق استصرخ على زوجته بنت عبيد فراح مسرعا حتى غابت الشمس فنودي بالصلاة فلم ينزل، حتى إذا كاد الشفق أن يغيب نزل فصلى المغرب وغاب الشفق فصلى العشاء، وقال: هكذا كنا نفعل مع رسول الله إذا جدّ بنا السير.
(1)
جمع أمير، قال القاري: وكانوا هم الأئمة في الصدر الأول.
(2)
قال القاري: أي حذراً من فوات الجماعة.
(3)
قوله: لا نجمع
…
إلخ، استدل له أصحابنا منهم الطحاوي بأحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر حتى يدخل وقت صلاة الأخرى". أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي قتادة في قصة ليلة التعريس، ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم، عن ابن مسعود، قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى صلاةً لغير وقتها إلا بجَمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجَمع وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها - أي: قبل وقتها المعتاد - ومنها حديث: "من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر"، أخرجه الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعاً. وفي طريقه حسين بن قيس الرحبي. قال أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين وأبو زرعة: ضعيف، وقال البخاري: أحاديثه منكرة جداً ولا يُكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك، وقال أحمد في ما نقله ابن الجوزي: كذاب، وفيه أقوال أخر بسطها ابن حجر في
واحدٍ إلَاّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (1) بعرَفَةَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بمُزدلفة، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
قال محمد: بَلَغَنا عن عمر بن الخطاب أَنَّهُ كَتَبَ فِي الآفَاقِ (2) يَنْهَاهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وَيُخْبِرُهُمْ أنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي وَقْتٍ واحدٍ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ. أَخْبَرَنَا بذلك الثقات (3) عن العلاء بن
"تهذيب التهذيب"، وقال: حديثُهُ من جمع بين صلاتين الحديث لا يُتابع عليه ولا يُعرف إلا به ولا أصل له وقد صحَّ عن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر. انتهى. ومنها ما أخرجه الحاكم، عن أبي العالية، عن عمر قال: جَمعُ الصلاتين من غير عذر من الكبائر، قال: وأبو العالية لم يسمع عن عمر، ثم أسند عن أبي قتادة أن عمر كتب إلى عامل له: ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلاّ من عذر والفرار من الزحف
…
الحديث، قال: وأبو قتادة أدرك عمر فإذا انضمَّ هذا إلى الأول صار قوياً. وأجاب المجوِّزون للجمع عن حديث ابن عباس وأثر عمر أنه على تقدير صحتهما لا يضرّنا، فإنهما يدلان على المنع من الجمع من غير عذر والعذر قد يكون بالسفر وقد يكون بالمطر وبغير ذلك ونحن نقول به إلاّ أن هذا لا يتمشّى في ما ذكره محمد ههنا من أثر عمر، فإنه ليس فيه التقييد بالعذر، وقالوا أيضاً: من عرَض له عذر يجوز له الجمع إذا أراد ذلك وأما إذا لم يكن له ذلك ولم يُرد الجمع بل ترك الصلاة عمداً إلى أن دخل وقت الأخرى فهو إثم بلا ريب وبه يجتمع الأخبار والآثار. والكلام في هذا المقام طويل ليس هذا موضعه، والقدر المحقق هو ثبوت الجمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة السفر ولعذر فليتدبَّر.
(1)
لورود جمع التقديم بعرفة وجمع التأخير بمزدلفة بالأحاديث الصحيحة.
(2)
أي: أطراف مملكته.
(3)
أي: الرواة العدول.