الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ)
(1)
46 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا صفوانُ بنُ سُلَيم، عَنْ سعيدِ بنِ سلمةَ بنِ (2) الأَزْرَقِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُردة، عن أبي هريرة (3) : أن
وفي المذهب الأول ثلاث روايات: التحريك باليد، والتحريك بالغسل، والتحريك بالوضوء.
فالمجموع اثنا عشر مذهباً لأصحابنا، فإذا ضممته إلى ما تقدَّم، صار المجموع خمسة عشر، ولقد خضت في بحار هذه المباحث وطالعت لتحقيقها كتب أصحابنا المبسوطة، وكتب غيرهم المعتمدة، فوضع لنا ما هو الأرجح منها، وهو الثاني، ثم الثالث، ثم الرباع، وهو مذهب قدماء أصحابنا وأئمتنا، والباقية مذاهب ضعيفة، وقد أشبعنا الكلام فيها في السعاية (ص 280) .
(1)
قوله: بماء البحر، قد جاء عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو كراهة الوضوء بماء البحر، وليس فيه لأحد حجة مع خلاف السنَّة، وقد روى قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي: سألت ابن عباس، عن الوضوء بماء البحر، قال: هما البحران لا تبالي بأيهما توضَّأت. كذا في "الاستذكار".
(2)
في نسخة آل بني.
(3)
قوله: عن أبي هريرة، هذا الحديث أخرجه الشافعي من طريق مالك، وأصحابُ السنن الأربعة، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، وصححه البخاري، وتعقَّبه ابن عبد البر بأنه لو كان صحيحاً لأخرجه في صحيحه، وردَّه ابن دقيق العيد وغيره بأنه لم يلتزم استيعاب كل الصحيح، ثم حكم ابن عبد البر بصحته لتلقّي العلماء له بالقبول. فقبله من حيث المعنى وردَّه من حيث الإسناد، وقد حكم بصحة جملة من الأحاديث التي لا تبلغ درجة هذا، ورحج ابن مَنْدَهْ صحته، وصحَّحه الضياء وابن المنذر والبغوي، ومداره على صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أبي هريرة. قال الشافعي: في إسناده من لا أعرفه، قال البيهقي: يحتمل أنه يريد سعيداً، أو المغيرة، أو كليهما، مع أنه لم يتفرَّد به سعيد، فقد رواه عن المغيرة يحيى بن سعيد الأنصاري، إلَاّ أنه اختلف عليه، فرواه ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن رجل من العرب يقال له المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، أن ناساً من بني مدلج أتَوْا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكره، وقيل: عنه، عن المغيرة، عن رجل من بني مدلج، وقيل: عنه، عن المغيرة عن أبيه، وقيل: عنه، عن المغيرة بن عبد الله أو عبد الله بن المغيرة، وقيل عنه عن عبد الله بن المغيرة عن أبيه عن رجل من بني مدلج اسمه عبد الله وقيل عنه عن المغيرة عن عبد الله بن المغيرة عن أبي بردة مرفوعاً، وقيل: عنه، عن المغيرة، عن عبد الله المدلجي، ذكر هذا كلَّه الدراقطني، وقال: أشبهها بالصواب قول مالك، فأما المغيرة فقد روى عن أبي داود، أنه قال: المغيرة، عن أبي بردة معروف، وقال ابن عبد البر: وجدت اسمه في مغازي موسى بن نصير، ووثَّقه النسائي، فمن قال: إنه مجهول لا يعرف فقد غلط. واما سعيد بن سَلَمة - بفتحتين - فقد تابع صفوان على روايته له عنه أبو كثير الجلاّح، رواه عنه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث وغيرهما، ومن طريق الليث رواه أحمد والحاكم والبيهقي، وسياقه أتم، واختُلف في اسم السائل في هذا الحديث، فوقع في بعض الطرق التي ذكرها الدارقطني أن اسمه عبد الله المدلجي، وأورده الطبراني في من اسمه عبد، وتبعه أبو موسى فقال: اسمه عبد بن زمعة البلوي، وقال ابن مَنيع: بلغني أن اسمه عبد، وقيل: عبيد - مصغراً -، وقال السمعاني في الأنساب إن اسمه العركي وهو غلط فإنما العركي وصف له وهو ملاح السفينة، وقال البغوي: اسمه حميد بن صخر. هذا ملخَّص ما في: "التلخيص الحبير (في الأصل: "تلخيص الحبير"، وهو تحريف) في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير" للحافظ ابن حجر العسقلاني. وفي "إسعاف المبطأ": صفوان بن سُليم - بالضم - المدني الزهري مولاهم الفقيه، روى عن مولاه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وابن عمر، وأنس،
رجلا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نركبُ البَحْرَ (1) ونحمِلُ معنا القليلَ من الماء،
وجماعة، وعنه مالك وزيد بن أسلم ومحمد بن المنكدر والليث والسفيانان، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عابداً، وقال: هو رجل يستشفى بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره، مات سنة 184 هـ، وسعيد بن سلمة - بفتحتين - المخزومي روى عنه صفوان والجلاح، وثقه النسائي، والمغيرة بن أبي بردة حجازي من بني عبد الدار، وثقه النسائي. انتهى. وقال الترمذي في جامعه: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح، فقلت. إن هشيماً يقول: فيه المغيرة بن بَرْزة - أي: بفتح الباء الموحَّدة وسكون الراء المهملة ثم زاي معجمة - فقال: وهم فيه، إنما هو المغيرة بن أبي بردة - أي بضم الباء وسكون الراء المهلمة بعدها دال مهملة. انتهى. وفي الإكمال: سئل أبو زرعة عن اسم والد المغيرة، فقال: لا أعرفه. انتهى. وفي "الإلمام بأحاديث الأحكام" لابن دقيق العيد: ذكرنا في كتاب "الإمام" وجوهَ التعليل التي يُعلَّل بها هذا الحديث، وحاصلها راجع إلى الاضطراب في الإسناد. والاختلاف في بعض الرواة، ودعوى الجهالة في سعيد بن سلمة، لكونه لم يروِ عنه إلَاّ صفوان فيما زعم بعضهم، وفي المغيرة بن أبي بردة، وأيضاً فمن العلل الاختلاف في الإسناد والإرسال. ويقدم الأحفظ المرسل على المسند الأقل حفظاً.
وهذا الأخير إذا ثبتت عدالة المسند غير قادح على المختار عند أهل الأصول، وأما الجهالة المذكورة في سعيد، فقد قدمنا من كلام ابن منده ما يقتضي رواية الجلاّح عنه مع صفوان، وذلك - على المشهور عند المحدثين - يرفع الجهالة عن الراوي، وأما المغيرة، فقد ذكرنا من كلام ابن منده أيضاً موافقة يحيى بن سعيد لسعيد بن سلمة في الرواية، عن المغيرة أيضاً، ووقع لنا ثالث يروي عن المغيرة، وهو يزيد بن يحيى القرشي، وأما الاختلاف والاضطراب، فقد ذكرنا ما قيل في الجواب عنه في "الإمام".
(1)
المَلِح لأنه المتوهَّم فيه، لأنه مالح وريحه منتن.
فإنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشنا (1)(2)، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هُوَ (3) الطَّهورُ (4) مَاؤُهُ الحَلالُ مَيْتَتُهُ (5) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نأخُذُ: ماءُ البحرِ طهورٌ كغيرِه (6) مِنَ المياه،
(1) بكسر الطاء.
(2)
أي: نحن ورفقاؤنا.
(3)
قوله: هو الطهور
…
إلخ، كذا أخرجه النسائي والترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن حبّان، وفي رواية الدارمي في سننه من حديثه: أتى رجال من بني مُدلِج، فقالوا: يا رسول الله، إنّا أصحاب هذا البحر نعالج الصيد على رمث فنغرب فيه الليلة والليلتين والثلاث والأربع، ونحمل معنا من العَذب لشفاهنا، فإن نحن توضَّأنا خشينا على أنفسنا، وإن نحن آثرنا بأنفسنا وتوضأنا من البحر وجدنا في أنفسنا من ذلك، فقال:"توضؤوا منه، فإنه الطاهر ماؤه الحلال ميتته"، أخرج نحوه ابن ماجة والحاكم وابن حبان والدارقطني وأحمد وأبو نعيم من حديث جابر والحاكم من حديث علي، وعبد الرزاق من حديث أنس، والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس، وابن عبد البر من حديث الفِرَاسي، والدارقطني والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو، وابن حبان والدارقطني من حديث أبي بكر.
(4)
أي: الطاهر في ذاته المطهِّر لغيره.
(5)
قوله: الحلال ميتته، قال الرافعي: لما عرف النبي صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكمُ ميتته، وقد يُبتلى بها راكب البحر فعقَّب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة، كذا في "التنوير".
(6)
قوله: كغيره من المياه، من ماء السماء والثلج والبرَد وغير ذلك، وأما كراهة التوضّؤ به كما هو منقول عن ابن عمر وابن عمرو فليس لأمر في طهارته، بل لأن تحت البحر ناراً، البحار تسجر يوم القيامة ناراً، كما ذكره عبد الوهاب الشعراني في "اليواقيت".
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْعَامَّةِ (1) .
13 -
(بَابُ الْمَسْحِ (2) عَلَى الخُفَّين)
47 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شهابٍ الزُّهري، عَنْ عبَّادِ بنِ زِيَادٍ (3) مِن وُلْدِ (4)
(1) أي: عامة العلماء.
(2)
قوله: المسح على الخفين، نقل ابن المنذر، عن ابن المبارك: ليس في مسح الخفين عن الصحابة اختلاف، فإنَّ كلّ من رُوي عنه إنكاره رُوي عنه إثباته، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً أنكره إلَاّ مالكاً في رواية، أنكرها أكثر أصحابه، والروايات الصحيحة عنه مصرّحة بإثباته، وموطؤُه يشهد للمسح، وعليها جمع أصحابه وجميع أهل السنَّة، كذا قال الزرقاني.
(3)
أبو حرب، وثَّقه ابن حبان، ولاّه معاوية سجستان، ومات سنة 100 هـ، كذا في "الإسعاف".
(4)
قوله: من وُلد
…
إلخ، وهم من مالك وإنما هو مولى المغيرة، قاله الشافعي ومصعب الزبيري وأبو حاتم والدارقطني وابن عبد البر، قال: وانفرد يحيى وعبد الرحمن بن مهدي بوهم ثانٍ فقالا "عن أبيه" ولم يقُله من رواة الموطأ غيرهما. وإنما يقولون عن المغيرة بن شعبة ثم هو منقطع فعبّاد لم يسمع المغيرة ولا رآه وإنما يرويه الزهري، عن عباد، عن عروة حمزة ابنَي المغيرة، عن المغيرة، وربما حدَّث الزهري، عن عرو وحده. قال الدارقطني: فوهم مالكٌ في إسناده في موضعين، أحدهما قوله عباد من وُلد المغيرة، والثاني إسقاطه عروة وحمزة، كذا في "تنوير الحوالك".
وههنا وهم آخر من صاحب هذا الكتاب أو من نسّاخه، وهو إسقاط المغيرة بن شعبة، فإن هذا الحديث معروف من حديثه، ومرويّ كذلك في جميع
المغيرةِ (1) بنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَب لحاجتِهِ (2) فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ (3)، قال (4) : فذهبت معه بماء (5)، قال: فجاء
كتب الحديث، ونُسَخ هذا الكتاب على ما رأينا ستّ نُسخ، والسابعة التي عليها شرح القاري ليس فيها ذكر المغيرة بل عبارتها عن عباد بن زيد مِنْ وُلْد المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم....الحديث، مع أن نفس عبارة الحديث تشهد بأن القصة مع صحابيّ لا مع عباد، كما يُستفاد بسبب سقوط ذكر المغيرة.
(1)
قوله: المغيرة: هو ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي، يُكنى أبا عبد الله أو أبا عيسى، أسلم عام الخندق وقدم مهاجراً، وقيل: أول مشاهده الخندق، توفي سنة خمسين بالكوفة، كذا في "الاستيعاب".
(2)
أي: لقضاء حاجة الإنسان.
(3)
قوله: في غزوة تبوك، زاد مسلم وأبو داود "قبل الفجر" وكانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة، وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، وهي من أطراف الشام المقاربة للمدينة، وقيل: سمِّيت بذلك لأنه عليه السلام رأى أصحابه يبوكون عين تبوك، أي يُدخلون فيها القدح ويحرِّكون ليخرج الماء، فقال: ما زلتم تبوكونها بوكاً.
(4)
أي: الراوي وهو المغيرة.
(5)
قوله: بماء، وللبخاري في الجهاد: أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة وأنه انطلق حتى توارى عني، فقضى حاجته، ثم أقبل فتوضأ، وعند أحمد عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية من قربة كانت جلد ميتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: سلها إن كانت دبغتها فهو طهورها، وأنها قالت: والله دبغتها، كذا في "ضياء الساري" شرح "صحيح البخاري" لعبد الله بن سالم البصري المكيّ.
النبيُّ صلى الله عليه وسلم (1) ، فسكبتُ (2) عَلَيْهِ (3)، قَالَ: فغسَلَ وجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ (4) يَدَيْهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ (5) مِنْ ضيقِ كُمَّي (6) جُبَّتِهِ (7) فَأَخْرَجَهُمَا (8) مِنْ تَحْتِ (9) جُبَّتِهِ فغسَلَ يَدَيْهِ ومسَحَ برأسهِ (10) ومسَحَ عَلَى الخفَّين، ثُمَّ جَاءَ (11) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ يؤمُّهم (12) قَدْ صلى بهم
(1) بعد قضاء حاجته.
(2)
سكب الماء يسكبه: صبّه.
(3)
فيه جواز الاستعانة في الوضوء.
(4)
أي: من كُمَّيْه.
(5)
قوله: فلم يستطع، فيه لُبس الضَّيِّق من الثياب، بل ينبغي أن يكون ذلك في الغزو مستحباً لما في ذلك من التأهُّب والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في لباسه مثل ذلك في السفر، وليس به بأس في الحضر، وفيه أن العمل الذي لا طول فيه جائز في أثناء الوضوء، ولا يلزم من ذلك استئناف الوضوء.
(6)
بضم الكاف.
(7)
هي ما قطع من الثياب مشمَّراً.
(8)
زاد مسلم: وألقى الجُبَّة على منكبيه.
(9)
أي: من داخلها من طرف الذيل.
(10)
في رواية مسلم: بناصيته.
(11)
قوله: جاء، لابن سعد: فأسفر الناس بصلاتهم حتى خافوا الشمس، فقدَّموا عبد الرحمن.
(12)
قوله: يؤمهم، فيه أنه إذا خِيف فوت وقت الصلاة أو فوت الوقت المختار لم يُنتظر الإمام وإن كان فاضلاً جداً، وقد احتج الشافعي بأنَّ أول الوقت أفضل بهذا الحديث.
سَجْدَةً (1) ، فَصَلَّى مَعَهُمْ (2) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3) ، ثُمَّ صَلَّى الرُّكعة (4) الَّتِي بَقِيَت، ففزِعَ الناسُ (5) لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: قَدْ أَحْسَنْتُمْ (6) .
48 -
أَخْبَرَنَا مالكٌ: حدَّثنا سعيدُ (7) بنُ عَبْدِ الرحمن بنِ رُقَيش (8) أنه قال:
(1) أي: ركعة، زاد مسلم وأبو داود:"من صلاة الفجر".
(2)
زاد مسلم وأبو داود وراء عبد الرحمن بن عوف. قوله: فصلّى معهم، أخرج ابن سعد في "الطبقات" بسند صحيح، عن المغيرة أنه سئل: هل أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أحد من الأمة غير أبي بكر، قال: نعم، كنا في سفر، فلما كان من السَّحَر انطلق وانطلقتُ معه حتى تبرَّزنا عن الناس. فنزل عن راحلته فتغيَّب عني حتى ما أراه، فمكث طويلاً، ثم جاء، فصببت عليه، فتوضأ ومسح على خفيه، ثم ركبنا، فأدركنا الناس وقد أقيمت الصلاة فتقدَّمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلّى ركعة وهم في الثانية، فذهبت أوذنه فيها فنهاني، فصلَّينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين صلّى خلف عبد الرحمن:"ماقُبض نبيٌّ قطّ حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته"، كذا في "التنوير".
(3)
فيه جواز صلاة الفاضل خلف المفضول.
(4)
قوله: ثم صلّى الركعة
…
إلخ، كان فعله هذا كقوله:"إنما الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه".
(5)
قوله: ففزع الناس، لسبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، وأكثروا التسبيح رجاء أن يشير إليهم (في الأصل:"بهم"، وهو خطأ) هل يعيدونها أم لا.
(6)
فيه دليل على أنه ينبغي أن يُحمد ويُشكر كل من بدر إلى أداء فرضه.
(7)
الأشعري المدني، ثقة من صغار التابعين، قاله الزرقاني.
(8)
بضم الراء، وبالقاف والشين.
رَأَيْتُ أَنَسَ (1) بنَ مالكٍ أَتَى قِبَاءَ، فَبَالَ، ثُمَّ أَتَى بِمَاءٍ، فتوضأَ، فغسَلَ وجهَهُ ويدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ومسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ (2) ، ثُمَّ صَلَّى.
49 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نافعٌ وعبدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ (3) : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَدِمَ الكوفَة عَلَى سعدِ (4) بْنِ أبي وقّاص (5) وهو أميرها (6) ،
(1) قوله: رأيت
…
إلخ، لم يُرْوَ عن أحد من الصحابة إنكارُ المسح على الخفين إلَاّ عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة، أما ابن عباس وأبو هريرة فقد جاء عنهما بالأحاديث الحسان خلاف ذلك وموافقة سائر الصحابة، ولا أعلم أحداً من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخُفَّين ممن لم يُختلف عنه فيه إلا عائشة (ولا يثبت عنها أيضاً. انظر (معارف السنن 1/332) . وقال القاري في (المرقاة 2/78) : أما عائشة، ففي صحيح مسلم أنها أحالت ذلك على علم عليّ رضي الله عنه. وفي رواية، قالت - وسئلت عنه أعني المسح -: مالي بهذا علم) ، كذا في "الاستذكار".
(2)
في الاستدلال بفعل الصحابة بعده عليه السلام إيماء إلى أن المسح على الخفين ليس من منسوخ الأحكام.
(3)
أبو عبد الرحمن المدني، مولى عبد الله بن عمر، وثقه أحمد، مات سنة 127 هـ كذا في "الإسعاف"..
(4)
أبو إسحاق أحد العشرة المبشَّرة، مات سنة خمس وخمسين، وقيل سنة ست، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وقيل أربع.
(5)
مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
(6)
من قبل عمر.
فَرَآهُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ يمسَحُ عَلَى الخفَّين، فَأَنْكَرَ (1) ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ أَبَاكَ إِذَا قَدِمتَ (2) عَلَيْهِ، فَنَسِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَسْأَلَهُ حَتَّى قَدِم (3) سَعْدٌ، فَقَالَ (4) : أسألتَ أَبَاكَ؟ فَقَالَ: لا (5) ، فَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ (6) : إِذَا أدْخَلْتَ (7) رجليكَ
(1) قوله: فأنكر ذلك عليه، فيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجليَّة في الشرع ما يطَّلع عليه غيره، لأن ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قِدَم صحبته وكثرة روايته، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر ومع ذلك فالفائدة بحالها زاد القسطلاّني: وأما السفر، فقد كان ابن عمر يعلمه كما رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه الكبير" وابن أبي شيبة في "مصنفه" من رواية عاصم، عن سالم، عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين في السفر، كذا في "ضياء الساري".
(2)
المدينة.
(3)
أي: المدينة.
(4)
لابن عمر.
(5)
قوله: فقال لا، وفي رواية لأحمد من وجه آخر: فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد: سل أباك.
(6)
ولابن خزيمة، فقال عمر: كنا ونحن مع نبيِّنا صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأساً.
(7)
قوله: إذا أدخلتَ
…
إلخ، قد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الشعبي، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عن الشعبي يونس، وابن أبي إسحاق، وزكريا بن أبي زائدة، وقال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع الفقهاء على أنه لا يجوز المسح على الخفين إلَاّ لمن لبسهما على طهارة، إلَاّ أنهم اختلفوا في من قدَّم في وضوئه غَسْل رجليه، ولبس خُفَّيْه، ثم أتمَّ وضوءه هل يمسح عليهما أم لا، وهذا إنما يصح على قول من أجاز تقديم أعضاء الوضوء بعضهما على بعض ولم يوجب النسق ولا الترتيب، كذا في "الاستذكار".
فِي الخُفين وُهَمَا (1) طَاهِرَتَانِ (2) فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ (3) : وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مِنَ الْغَائِطِ (4) ؟ قَالَ: وَإِنْ جَاءَ أحدُكُم مِنَ الْغَائِطِ.
50 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابنَ عُمَرَ بَالَ بِالسُّوقِ (5)(6) ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ برأسه، ثم دُعي
(1) قوله: وهما طاهرتان، استدلَّ الشافعية على اشتراط اللُّبْس على طهارة كاملة بأحاديث، منها ما في الصحيحين من حديث المغيرة "دعهما فإني أدخلتُهما طاهرتين". ومحل الخلاف يظهر في مسألتين: إحداهما: إذا أحدث ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين ثم مسح عليهما ثم أكمل وضوءه. الثانية: إذا أحدث ثم توضأ، فلما غسل إحدى رجليه لبس عليها الخُف، ثم غسل الأخرى ثم لبس الخُف، فإن هذا المسح جائز عندنا في الصورتين خلافاً لهم، وهم يطلقون النقل عن مذهبنا ويقولون: الحنفية لا يشترطون كمال الطهارة في المسح، كذا في "نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية" للزيلعي رحمه الله.
(2)
أي: عند وجود الحدث بعد المسح.
(3)
قوله: قال عبد الله وإن جاء أحدنا
…
إلخ، وفي البخاري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، عن سعد: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وابن عمر سأل أباه عن ذلك فقال: نعم، إذا حدَّثك شيئاً سعدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره.
(4)
قوله: من الغائط، الغوط عمق الأرض الأبعد، ومنه قيل للمطمئنّ من الأرض غائط، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة الغائط، لأن العادة أن تُقضى في المنخفض من الأرض حيث هو أستر له، ثم اتُّسع فيه حتى صار يُطلق على النَّجو نفسه، وقد تكرر في الحديث بمعنى الحدث والمكان، كذا في "النهاية".
(5)
لعله في موضع أُعِدَّ هناك لذلك.
(6)
سُمِّي السوق به لأن الناس يُساقون إليه، وقيل: هو بالفتح اسم موضع.
لِجَنَازَةٍ (1) حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ (2) لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ (*) ، فمَسَح (3) عَلَى خُفَّيْهِ (4) ثُمَّ صَلَّى (5)(6) .
51 -
أَخْبَرَنَا مالكٌ، أَخْبَرَنِي هشامُ بنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى (7) أباه يمسَحُ على الخُفَّين
(1) أي: للصلاة على جنازة.
(2)
النبوي.
(*) هكذا في الأصل، والصواب:"عليها" كما في نسخ الموطأ. انظر (الأوجز: 1/249)
(3)
قوله: فمسح على خفيه، قال أبو عمر: تأخير مسح الخفين محمول عند أصحابنا أنه نسي، وقال غيره: لأنه كان برجليه علَّة، فلم يمكنه الجلوس حتى أتى المسجد، فجلس ومسح، والمسجد قريب من السوق، وقال الباجي: يُحتمل أنه نسي، وأنه اعتقد جواز تفريق الطهارة، وأنه لعجز الماء عن الكفاية، وقد قال ابن القاسم في "المجموعة": لم يأخذ مالك ابن عمر في تأخير المسح، كذا قال الزرقاني، وفيه ما لا يخفى.
(4)
فيه جواز تفريق فرائض الوضوء خلافاً للمالكية، فإن الولاء عندهم ضروري، وقد أوَّلوا هذا الأثر بتأويلات ركيكة.
(5)
على الجنازة.
(6)
ومن المعلوم أنه لا فرق بين صلاة الجنازة وغيرها في اعتبار شرائطها
(7)
قوله: أنه رأى أباه، قال القاري: أي الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة. انتهى. وهو مبني على أن ضمير "أباه" راجع إلى عروة المذكور في قوله عن أبيه وكذا ضمير أنه لكن في موطأ يحيى وشرحه للزرقاني مالك عن هشام بن عروة، أنه رأى أباه يمسح على الخفين قال هشام وكان عروة لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح ظهورهما ولا يمسح بطونهما. انتهى. ومثله في "استذكار" ابن عبد البر، فعلى هذا، الضميران راجعان إلى هشام، والمراد
عَلَى ظهورِهما (1) لا يَمْسَحُ بُطُونَهُمَا، قَالَ: ثُمَّ يرفعُ العمامة فيمسَحُ برأسِه.
بالأب في كلا الموضعين هو عروة بن الزبير والد هشام، لا الزبير والد عروة، ويكون قوله:"أنه رأى أباه" بياناً لقوله: "عن أبيه"، والمعنى: أخبرني هشام عن حال أبيه عروة وهو أنه أي هشام رآه يمسح على الخفين
…
إلخ.
(1)
قوله: على ظهورهما
…
إلخ، لم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب وصفه ابن شهاب أنه يدخل إحدى يديه تحت الخف والأخرى تحته (هكذا في الأصل والصواب فوقه. انظر (الاستذكار 1/284)) ، إلا أنه لا يرى الإعادة على من اقتصر على مسح ظهور الخفين إلَاّ في الوقت. وأما الشافعي فقد نصَّ أنه لا يجزئه المسح على أسفل الخف ويجزئه على ظهره فقط، ويُستحب أن لا يُقْصر أحد عن مسح ظهور الخفين وبطونهما معاً كقول مالك. وهو قول عبد الله بن عمر، ذكره عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يمسح ظهور خُفِّيه وبطونهما، والحجة لمالك والشافعي حديث المغيرة بن شعبة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله، رواه ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، ولم يسمعه ثور من رجاء، وقد ذكر علَّته في "التمهيد:، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: يمسح ظهور (قال أبو حنيفة: يجزئه قدر ثلاثة أصابع، وقال مالك بالاستيعاب، وقال الشافعي: ما يقع عليه اسم المسح، وقال أحمد: الأكثر"أوجز المسالك 1/254) الخفين دون بطونهما، وبه قال أحمد وإسحاق وداود، وهو قول عليّ بن أبي طالب وقيس بن سعد بن عبادة والحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح، وجماعة، والحجة لهم ما ذكره أبو داود، عن عليّ، قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أَولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهره. وروى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهور الخفين. وهذان الحديثان يدلان على بطلان قول أشهب ومن تابعه أنه يجوز الاقتصار في المسح على باطن الخف، كذا في "الاستذكار".
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كلِّه (1) ، نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَنَرَى (2) المسحَ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً (3) وثلاثَةَ أيامٍ ولياليَها للمسافر.
(1) من نفس المسح، وكونه على الظهر، وجواز التفريق بينه وبين باقي الفرائض، وجوازه في الحضر والسفر بعد لُبسه على طهارة كاملة، وغير ذلك.
(2)
أي: نعتقد.
(3)
قوله: يوماً وليلة هكذا ورد في حديث عليّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه جعل المسح ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم. أخرجه مسلم وأبو داود، وأخرج الترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجة، عن صفوان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنَّا سَفراً أن لا ننزعَ خفافنا ثلاثة أيام وليالِيَهن إلا عن جنابة، وأخرج أبو داود والترمذي، عن خزيمة مرفوعاً: المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة. وأخرج نحوَه أحمد وإسحاق والبزّار والطبراني من حديث عوف بن مالك، وابن خزيمة، والطبراني من حديث أبي بكرة.
فبهذه الأخبار وأمثالها قال أصحابنا بالتوقيت، وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي، والحسن بن حَيّ، والشافعي، وأحمد، وداود، كذا في "الاستذكار". وفيه أيضاً "ثبت التوقيتُ عن عليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص على اختلاف عنه، وعمار بن ياسر، وحذيفة، وأبي مسعود، والمغيرة، وهو الاحتياط عندي. انتهى.
وقالت طائفة: لا توقيت في المسح، يُروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك، كذا ذكره العيني. وذكر ابن عبد البَرّ، أنه رُوي مثله عن عمر وسعد وعقبة بن عامر، وابن عمر، والحسن البصري. والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة، قلت: يا رسول الله، أَمْسَحُ على الخفين؟ قال: نعم، قلت: يوماً، قال: نعم، قلت: ويومين، قال: نعم، قلت: وثلاثة، قال: نعم، وما شئت. أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارقطني، وهو حديث ضعيف ضعَّفه البخاري، وقال أبو داود: اختُلف في إسناده وليس بالقوي، وقال أبو زرعة: رجاله
وَقَالَ مالكُ بنُ أَنَسٍ (1) : لا يمسَحُ الْمُقِيمُ عَلَى الخُفَّين.
وعامَّةُ هَذِهِ الآثَارِ (2) الَّتِي رَوَى مَالِكٌ فِي الْمَسْحِ إِنَّمَا هِي فِي الْمُقِيمِ، ثُمَّ (3) قَالَ: لا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ (4) عَلَى الخُفَّين.
لا يعرفون، وقال ابن حبان: لستُ أعتمد على إسناد خبره، وقال ابن عبد البر: لا يثبت وليس إسناده بقائم، كذا ذكره الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث شرح الوجيز للرافعي (ونقل النووي في شرح المهذب (1/484) اتفاق الأئمة على ضَعْفه. وانظر أحاديث عدم التوقيت في نصب الراية (1/175) وما بعدها) .
(1)
قوله: وقال مالك بن أنس
…
إلخ، هذا الذي حكاه عنه إنما هو رواية عنه غير معتمدة، فقد روي عنه في ذلك ثلاث روايات: إحداها: وهي أشد نكارة من إنكار المسح في الحضر والسفر، والثانية: كراهة المسح في الحضر وجوازه في السفر، والثالثة: إجازة المسح في الحضر والسفر، كذا ذكره ابن عبد البر. وذكر العيني نقلاً، عن النووي، أنه رُوي عنه ست روايات: إحداها: لا يجوز المسح أصلاً، ثانيها: يكره، ثالثها: يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه، ورابعها: يجوز مؤقتاً، وخامسها: يجوز للمسافر دون المقيم، وسادسها: يجوز لهما. وقال ابن عبد البر: موطأ مالك يشهد للمسح في الحضر والسفر.
(2)
قوله: وعامة هذه الآثار
…
إلخ، ردّ عل مالك بأن أثر ابن عمر وسعد وأنس وعمر التي ذكرها في الموطأ دالّة عل جواز المسح في الحضر، فكيف يجوز إنكاره مع ورودها. واحتج بعض أصحابه بأن المسح شُرع لمشقة السفر وهي مفقودة في الحضر، ورده ابن عبد البر بأن القياس والنظر لا يعرّج عليه مع صحة الأثر. ومنهم من قال: أحاديث المسح في الحضر لا يثبت شيء منها، وفيه مبالغة واضحة.
(3)
أي بعدما رواها.
(4)
قوله: المقيم، قال عبد الله بن سالم المكي في "ضياء الساري":
14 -
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمامة (1) والخِمار) (2)
52 -
أَخْبَرَنَا مالكٌ، قَالَ: بَلَغَنِي (3) عَنْ جَابِرِ (4) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (5) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعِمَامَةِ (6) ؟ فَقَالَ: لا، حَتَّى يمسَّ (7) الشعرَ الماءُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا (8) نَأْخُذُ، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
53 -
أَخْبَرَنَا مالكٌ، حدَّثنا نَافِعٌ قَالَ: رَأَيْتُ صفيَّة (9) ابنةَ
المعروف عن المالكية الآن قولان: الجواز مطلقاً، والجواز للمسافر دون المقيم، وجزم بهذا ابن الحاجب، وصحح الباجي الأول، ونقل أن مالكاً إنما كان يتوقّف فيه في خاصة نفسه مع إفتائه بالجواز.
(1)
بكسر العين ما يعتم به الرجل رأسه.
(2)
بالكسر ما تقنّع به المرأة رأسها.
(3)
قوله: بلغني، قال سفيان: إذا قال مالك بلغني فهو إسناد قويّ، كذا قال القاري.
(4)
قوله: عن جابر، أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو محمد، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعَ عَشْرَةَ غزوة، ولم يشهد بدراً، ومات بالمدينة، وقيل بمكة سنة ثمان وسبعين، وقيل تسع، وقيل أربع، كذا في "الإسعاف".
(5)
ابن عمرو بن حَرام بن ثعلبة الأنصاري المدني.
(6)
أي عن المسح عليها.
(7)
قوله: حتى يمسّ، من الإمساس أو المسّ أي يصيب (الشعرَ) بالنصب على أنه مفعول مقدّم، (الماء) بالرفع أو النصب.
(8)
أي بعدم جواز المسح على العمامة.
(9)
قوله: صفية، امرأة عبد الله بن عمر، تزوّجها في حياة أبيه، وأصدقها عمر عنه أربع مائة درهم، ووَلَدَت له واقداً، وأبا بكر، وأبا عبيدة، وعبيد الله، وعمر، وحفصة، وسودة، قال ابن مندَه: أدركت النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسمع منه، وأنكره الدارقطني، وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين، كذا قال الزرقاني.
أَبِي عُبيد (1) تتوضَّأُ وتنزِعُ خِمَارَها (2) ، ثُمَّ تمسَحُ بِرَأْسِهَا.
قَالَ نَافِعٌ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لا يُمسَحُ عَلَى الخِمار وَلا العِمامة (4) ، بَلَغَنا (5) أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى العِمامة كان (6) فتُرك، وهو قول
(1) ابن مسعود، الثقفية.
(2)
بكسر المعجمة: ما تغطي به المرأة رأسها.
(3)
لم يبلغ فلذلك رآها.
(4)
قوله: لا يمسح على الخمار ولا العمامة، اختلفت فيه الآثار، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عمامته من حديث عمرو بن أمية الضمري وبلال بن المغيرة بن شعبة وأنس، وكلها معلولة، وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين ذكرهم المصنفون: ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرهم. وبه قال الأَوزاعي وأبو عبيد القاسم بن سلاّم وأحمد بن حنبل وإسحاق، وللآثار الواردة في ذلك وقياساً على الخفّين؟ وقالت طائفة من هؤلاء بجواز مسح المرأة على الخمار، ورووا عن ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تمسح على خمارها.
وأما الذين لم يروا المسح على العمامة والخمار فعروة بن الزبير والقاسم بن محمد والشَّعبي والنَّخَعي وحمّاد بن أبي سليمان. وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم، والحجة ظاهر قوله تعالى:{ومسحوا برؤوسكم} ، ومن مسح على العمامة لم يمسح برأسه. كذا في "الاستذكار"(وقال في بذل المجهود في حل أبي داود (1/359) والحديث في العمامة محتمل التأويل فلا يُترك المتيقن للمحتمل والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس. انظر تفصيل أطراف هذا البحث في فتح المُلهِم (1/434) وما بعدها) .
(5)
قوله: بلغنا
…
إلخ لم نجد إلى الآن ما يدل على كون مسح العمامة منسوخاً، لكن ذكروا أن بلاغات محمد مسندة، فلعل عنده وصل بإسناده.
(6)
أي في بَدء الأمر.