المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيا أو ميتاإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الرابع

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلاميالأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

- ‌كلمةمعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنميةالدكتور/ أحمد محمد علي

- ‌كلمةمعالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلاميالأستاذ/ أمين عقيل عطّاس

- ‌كلمةمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويتالشيخ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةالوفود المشاركةألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

- ‌التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنسانيإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌‌‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالدكتور عبد السلام داود العبّادي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الشيخ آدم عبد الله علي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاًإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة سيدي محمد يوسف جيري

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ عبد الله البسام

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ رجب بيوضي التميمي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌المثامنة في العقار للمصلحة العامةإعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتزاع الملكية للمصلحة العامةإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌انتزاع الملكية للمنفعة العامةإعدادأ. د. يوسف محمود قاسم

- ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌انتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادالدكتور محمود شمام

- ‌الإسلاموانتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر

- ‌سندات المقارضةإعدادالصديق محمد الأمين الضرير

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌سندات المقارضةوسندات الاستثمارإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌سندات المقارضةإعدادالقاضي محمد تقي عثماني

- ‌ضمان رأس المال أو الربحفي صكوك المضاربةأو سندات المقارضةإعدادالدكتور حسين حامد حسان

- ‌سندات المقارضةوسندات التنمية والاستثمارإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌سندات المقارنة وسندات الاستثمارإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبينسندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينهاوبين السندات الربويةإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌سندات المقارضة والاستثمارإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌البيان الختامي وتوصياتلندوةسندات المقارضة وسندات الاستثمارالتي أقامهامجمع الفقه الإسلامي بجدة

- ‌بدل الخلوإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌ موضوع (بدل الخلو)

- ‌بدل الخلوإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)إعدادفضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو

- ‌بدل الخُلُوِّفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌بدل الخلو وتصحيحهإعدادفضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادفضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالأستاذ مصطفى الفيلالي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالحاج شيت محمد الثاني

- ‌الوحدة الإسلاميةوالتعامل الدوليإعدادفضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري

الفصل: ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيا أو ميتاإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً

إعداد

معالي الدكتور محمد علي البار

عضو الكليات الملكية للأطباء بلندن وجلاسكو وأدنبره

مستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية ـ جامعة الملك عبد العزيز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين وآله الطيبين وصحبه الميامين.

أما بعد،

فإن موضوع غرس الأعضاء موضوع حساس لأنه يتصل بالأحياء والأموات، وقد تقدم الطب في العشرين عاماً الماضية تقدماً كبيراً بحيث فتح آفاقاً جديدة في هذا الميدان وخاصة بعد ظهور مفهوم موت الدماغ، وبعد التقدم الجراحي الواسع، وبعد استحداث عقاقير جديدة فعالة في تثبيط جهاز المناعة الذي يقوم برفض الأعضاء المغروسة.

وقد بحث الفقهاء الأجلاء هذا الموضوع بشكل من الأشكال منذ عهود بعيدة، عندما قام الأطباء بتوصيل العظام بعظام الأموات من بني البشر أو بعظام الحيوانات، وكانت هذه العظام الموصولة تفيد كثيراً، وإن كان الجسم يلفظها بعد فترة ويمتصها، وتأتي فائدتها من أنها تعمل كالسقالة التي يتم عليها البناء ثم تزال.

وقد توالت الفتاوى في هذا الموضوع منذ ظهور نقل الدم، الذي يعتبر طبياً، جهازاً من أجهزة الجسم يحتوي على خلايا متنوعة. ثم اتسع النطاق مع ظهور عمليات زرع (غرس) الأعضاء المختلفة.

وقد قسمنا هذا البحث إلى ثلاثة فصول لا بد منها:

الأول: في تاريخ غرس الأعضاء.

الثاني: في تعريفات وتصنيف غرس الأعضاء.

الثالث: الموقف الفقهي من غرس الأعضاء.

وفي نهاية الفصل الأخير ذكرنا الأسئلة التي يثيرها الأطباء العاملون في هذا الحقل. وذلك بعد حضور ندوة خاصة في هذا الموضوع نظمها المركز الطبي لنقل الكلى في الرياض في 28 محرم 1408 هـ (21/9/ 1987 م) وشارك فيها كاتب هذه السطور بإلقاء محاضرة أساسية عن مفهوم موت الدماغ بين الطب والدين والقانون، كما شارك في المناقشات التي تمت في موضوع غرس الأعضاء ومشاكله وصعوباته.

ص: 31

تاريخ غرس (زرع) الأعضاء

إن موضوع غرس الأعضاء ليس أمراً حديثاً يشهده القرن العشرون، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، ولكنه أمر قديم عرفته البشرية بشكل من الأشكال البدائية، وفي بعض الأحيان بصورة متقدمة نسبياًَ.

وقد عرف الإنسان في العصر البرونزي عملية التربنة Trephine وهي إزالة جزء من عظم القحفة (Cranium) نتيجة إصابة الرأس. وقد وصف جوثري في كتابه الطب

(1)

جمجمة أجريت لها عملية تربنة ثم أعيدت قطعة العظم المأخوذة بعد فترة وذلك منذ العصر البرونزي (وأوضح صورة تلك الجمجمة) .

ويبدو من الحفريات القديمة أن المصريين القدماء عرفوا عمليات زرع الأسنان التي أخذها عنهم اليونان والرومان فيما بعد (2) وتدل المكتشفات الأثرية على أن سكان الأمريكتين قد مارسوا زرع الأسنان قبل أن يعرفها الأوربيون، وكذلك عرف الأطباء المسلمون زرع الأسنان في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري)(3) .

وقد ورد في كتب السنة ((أن قتادة بن النعمان رضي الله عنه، أصيبت عينه يوم بدر ويرد في رواية يوم أحد فندرت حدقته فأخذها في راحته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأعادها إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً)) أخرجه البيهقي وابن عدي والطبراني وأبو نعيم وأبو يعلى) (4) . وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم. وهو أول زرع للعين Replatation (أو إعادة زرع)

(1) Guthrie D.A History of Medicine. Philadelphia USA. Lippincott co. 1946 P.12

(2)

Peer L.A. Transplantation of tissue Baltimore. USA Williams wikins co.

(3)

Peer L.A. Transplantation of tissue Baltimore. USA Williams wikins co.

(4)

نقلاً عن سعيد حواء في كتابه: " الرسول " ج2/ ص 97، الطبعة الثانية، 1971

ص: 32

وقد وصف الجراحون الهنود القدماء عمليات بارعة في إصلاح الأنف والأذن المقطوعة أو المتآكلة نتيجة مرض. وقد وصفوا بدقة ترقيع الجلد ونقله من الخد إلى موضع الأنف سنة 700 قبل الميلاد (كتاب سرسوتا سانهيتا)(1) .

وقد انتشرت هذه الطريقة البارعة في استخدام الرقعة الذاتية من الهنود إلى غيرهم من الأمم، ووصلت إلى اليونان ثم الرومان. ثم نقلها الجراحون الأوربيون وبالذات تاجليكوزي الإيطالي (القرن السادس عشر الميلادي) ولا تزال هذه الطريقة تستخدم مع بعض التعديلات الطفيفة إلى اليوم.

وفي عصر النبوة قام عرفجة بن أسعد رضي الله عنه باتخاذ أنف من الفضة بعد أن أصيبت أنفه يوم كلاب، فلما أنتنت أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب، فلم ينتن، ولا يدخل هذا في زرع الأعضاء بل يدخل في عمليات التجميل.

وقد ذكرنا هذا لنوضح أن الجراحين العرب حتى في العهد القديم كانوا على براعة غير متوقعة في إجراء عمليات تجميلية.

وتطورت زراعة الأعضاء وخاصة الزرع الذاتي Autograft في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وفي عام 1770 م استطاع Missa أن يقوم بعملية نقل وتر العضلة الباسطة للأصبع الوسطى إلى السبابة، وفي خلال القرن التاسع عشر تمت عمليات نقل الأوتار والعضلات والجلد والأعصاب والغضاريف والقرنيات والغدة الكظرية والدرقية والمبايض وأجزاء من الأمعاء والمثانة وذلك بالنسبة لحيوانات التجارب.

(1) woodruff M.f. the transplantation of tissues and organs. Springfield USA charles thomas co. 1960

ص: 33

أما بالنسبة للإنسان فقد تمت بنجاح خلال القرن التاسع عشر عمليات ترقيع الجلد، وخاصة الترقيع الذاتي Autograft كما تم الترقيع المتباين Allograft حتى إن ونستون تشرشل تبرع أثناء الحرب بقطعة من جلده لأحد زملائه وذلك عام 1898.

وفي القرن العشرين تكثف نشاط الجراحين بالنسبة لزرع القرنية في الفترة ما بين 1925و 1945 وانتشر كذلك نقل الدم بصورة واسعة.

وبدأ زرع الكلى على مستوى الحيوانات عام 1902 على يد أولمان Ulman في فيينا وفون دي كاستلو الذي نقل كلية من كلب إلى آخر.

وقام جابوليه في فرنسا (ليون) بزرع كلية حيوان لإنسان، وبطبيعة الحال فشلت تلك العملية على الفور.

واستطاع كاريل تلميذ جابوليه أن يحسن بشكل باهر عمليات توصيل الأوعية الدموية مما مكنه من إجراء العديد من عمليات نقل الأعضاء من فصيلة واحدة Allograft وبنجاح نسبي.

وقام الجراح الأوكراني Yu Vorony عام 1933 بأول عملية زرع كلية من إنسان لإنسان، واستمرت الكلية المنقولة في العمل لمدة ست ساعات فقط، وقد قام YO Vornoy بست عمليات مماثلة حتى عام 1949، وكلها باءت بالفشل.

وبدأ مورتون سيمونسون من الدينمارك في بداية الخمسينات دراسته لأسباب رفض الكلى وغيرها من الأعضاء.. وبدأت الدراسات تتوالى حول جهاز المناعة وأسباب الرفض، وفي عام 1653 قام هامبرجر Hamburger في باريس بنقل كلية من أم إلى ابنها واستمرت الكلية في العمل لمدة 22 يوما ثم رفضها الجسم.

ص: 34

وبدأت الدراسات المكثفة للتغلب على عمليات الرفض التي يقوم بها جهاز المناعة. ومنذ بداية الستينات من القرن العشرين ظهرت عدة محاولات للتغلب على مشكلة الرفض Rejection للأعضاء المزروعة

وتمثلت الوسائل في الآتي:

1) استخدام الأشعة للجسم بأكمله

وسرعان ما اندثرت هذه الطريقة لخطورتها.

2) استخدام العقاقير وبالذات Azathiopurine الذي ظهر عام 1961 واستخدم في عمليات زرع الكلى عام 1962

وتبعه بعد ذلك البريدينزلون (من مشتقات الكورتيزون)

وظل هذا العقار حجر الزاوية في معالجة مشكلة الرفض للأعضاء المزروعة حتى ظهر في 1968 عقار سيكلوسبورين الذي فتح آفاقاً أمام زرع الأعضاء وحقق نجاحاً طبياً في مجال مشكلة الرفض.

3) وبتحسن الوسائل الجراحية، وتحسن الديلزة Dialysis واكتشاف عقار السيكلوسبورين حققت عمليات زراعة الكلى نجاحاً كبيراً ومطرداً في مختلف أنحاء العالم. وفتحت مراكز متعددة لزراعة الكلى في مختلف الأقطار، حتى في البلاد النامية، رغم الكلفة العالية نسبياً لهذه العمليات، وتكلفة علاج مشكلة الرفض بالعقاقير الباهظة الثمن مدى الحياة.

ولم تقتصر عمليات زرع الأعضاء بطبيعة الحال على الكلى وإنما شملت كل الأعضاء تقريباً ما عدا الدماغ.

ولم تؤخذ الأعضاء من الأحياء والأموات فحسب، بل بدأ عهد جديد في أخذ الأعضاء والأنسجة من الأجنة.

ومنذ ظهر مفهوم موت الدماغ وتقبلته الدوائر الطبية أولاً ثم القانونية وذلك في السبعينات وبداية الثمانينات في القرن العشرين تمكن الجراحون من أخذ الأعضاء وهي لا تزال في حالة جيدة بسبب التروية الدموية المستمرة حتى لحظة نزع العضو أو قبيله مباشرة.

وقام مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان صفر 1407 أكتوبر 1986 بإصدار قراره التاريخي بالاعتراف بموت الدماغ واعتباره مساوياً لتوقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه.

وبدأ بذلك عهد جديد له ميزاته وله محاذيره ومخاطره.

ص: 35

تعريف وتصنيف (زرع) غرس الأعضاء

التعريفات:

غرس الأعضاء (زرع الأعضاء) : يقصد به نقل عضو سليم أو مجموعة من الأنسجة من متبرع Donner إلى مستقبل Recipient ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف.

المتبرع Donner: هو الشخص أو الحيوان الذي تؤخذ منه الأعضاء. ويمكن أن يكون المتبرع إنساناً وهو الغالب، أو حيواناً وهو أمر أصبح نادر الحدوث بسبب عمليات الرفض القديمة.

كذلك يمكن أن يكون المتبرع حياً، وذلك بالنسبة للأعضاء المزدوجة أو التي يمكن تعويضها مثل الدم ونخاع (نقي) العظام والجلد، أو ميتاً. وبما أن الأعضاء التي ستغرس ينبغي أن تكون في حالة جيدة وليست تالفة، لا بد أن تبقى هذه الأعضاء وهي تتلقى التروية الدموية عبر الدورة الدموية للشخص الذي مات.. أي لا بد أن يكون هذا الشخص قد مات نتيجة موت دماغه لا قلبه

ويبقى القلب في هذه الحالات يضخ الدم بمساعدة الأجهزة والعقاقير.. ويشترط أن يبقى ضغط الدم في حدود 100 مم زئبق للضغط الانقباضي حتى تتم تروية الأعضاء تروية جيدة لحين عملية نقل هذا العضو أو الأعضاء المتبرع بها.

المستقبل (المضيف)(Recipient (Hot: هو الجسم الذي يتلقى الغريسة (العضو) ويمكن أن يكون إنساناً أو حيواناً.

وبالنسبة للإنسان لا بد من توافر عدة شروط في المستقبل من ناحية السن ونوعية المرض ومدى استفحاله

إلخ.

الغريسة (الرقعة) graft (Transplant) ويقصد به العضو المغروس، وجمعها غرائس. والغريسة إما أن تكون عضواً كاملاً مثل الكلية والكبد والقلب.. إلخ، أو تكون جزءاً من عضو كالقرنية (وهي الجزء الشفاف الخارجي من العين) أو تكون نسيجاً أو خلايا كما هو الحال في نقل الدم ونقي العظام وغرس جزر لانجرهان من البنكرياس.

ص: 36

وتصنيف الغرائس تصنيفات عدة، وأول هذه التصانيف هي حسب طبيعة ترويتها الدموية، فهناك غرائس ذات تروية دموية مباشرة مثل القلب والكبد والكلية. وهناك غرائس لا تحتاج إلى أوعية دموية ترتبط مباشرة، مثل غرس طبقة من الجلد، وهناك غرائس لا تحتج مطلقاً إلى أوعية دموية مثل القرنية التي تصاب بالتلف إذا تخللتها الأوعية الدموية.

وثاني هذه التصانيف هو تصنيف الغريسة حسب علاقتها بالجسم المستقبل وهي كالتالي:

1) غرائس ذاتية Auto Graft: وفي هذه الحالة تؤخذ الغريسة (العضو) من منطقة إلى منطقة أخرى في نفس الجسم. ويحدث هذا كثيراً في نقل الجلد وخاصة في الحروق. حين يقوم الجراح بنقل جزء من جلد المصاب من الجهة السليمة ليغطي الجزء المحروق. كذلك قد يستخدم الجراح غضاريف من الأضلاع التي تستخدم لسد الفجوة في العظام نتيجة استئصال ورم أو كسر كبير متهشم.

2) غرائس متماثلة Isograft: ومثالها أن ينقل عضو من الأخ لأخيه التوأم المتماثل Identical twin والتوائم نوعان:

أ) التوائم المتماثلة: وهي التي نتجت عن بويضة واحدة مخصبة ثم انقسمت إلى خليتين مستقلتين وأنتجت كل واحدة منها جنيناً. وهذه التوائم متماثلة في جميع الخصائص الوراثية.

ب) التوائم غير المتماثلة: وهي التي نتجت عن تلقيح بويضتين أو أكثر في وقت واحد. وتم تلقيح كل بويضة بحيوان منوي. ولذا فهي مختلفة من الناحية الوراثية. ولا تتشابه إلا كما يتشابه الإخوة من أب وأم. وقد تكون إحداها ذكراً والآخر أنثى.

وتتميز الغرائس المتماثلة بأنها لا تحتاج إلى عقاقير خفض المناعة؛ لأن الجسم لا يرفضها بل يعتبرها جزءاً منه. وهي بطبيعة الحال أفضل أنواع الغرائس، وأطولها عمراً وأكثرها فائدة، وأقلها تعرضاً للتلف، ولا تحتاج إلى استخدام عقاقير خفض المناعة.

ص: 37

3) الغرائس المتباينة Allugraft: وهي الغرائس التي تؤخذ من أشخاص مختلفين من جنس واحد

أي من إنسان لإنسان أو من أرنب لأرنب.. وهكذا. ويدعى هذا النوع أحياناً الغريسة المتجانسة Homorgraft لحدوثة بين فصيلة متجانسة.

وهذا النوع من الزرع هو الأكثر انتشاراً وقد يكون المتبرع حياً Living Donner أو ميتاً Cadaver Donner. وكلاهما يسبب رفض الغريسة (العضو المزروع) بواسطة المستقبل Recipient، ولذا لا بد من إعطاء العقاقير الخافضة للمناعة Immu-nosuppressants مدى الحياة، وفي ذلك من الخطورة ما فيه.

4) الغريسة الغربية أو الدخيلة Xenograft: وهي الغرائس المنقولة بين جنسين أو فصيلتين مختلفتين.. ومثالها غرس عضو من كلب لقط أو من قرد لإنسان

وقد وقع هذا كثيراً ولا يزال في مجال الحيوانات على سبيل التجارب، واستخدمت عظام الحيوانات للإنسان، وقد ذكر الفقهاء منذ أزمنة قديمة استخدام عضو الحيوان لتوصيل العظام.

قال الإمام النووي في منهاج الطالبين (1) : " ولو وصل عظمه بنجس لفقد طاهر فمعذور وإلا وجب نزعه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، وقيل: وإن خاف، فإن مات لم ينزع على الصحيح. وعلق الإمام الشربيني في مغني المحتاج (2) على ذلك بقوله: " وظاهر هذا أنه لا فرق بين الآدمي المحترم وغيره. وهو كذلك ". وقال: " ولو صل عظمه " لانكساره مثلاً واحتياجه إلى الوصل (بنجس لفقد طاهر) الصالح للوصل، أو وجده، وقال أهل الخبرة: إنه لا ينفع ووصله بنجس (فمعذور) في ذلك تصح صلاته معه للضرورة ".

وذكر القزويني في عجائب المخلوقات (3) أن من خواص عظم الخنزير أنه يوصل بعظم الإنسان ويلتئم سريعاً ويستقيم من غير اعوجاج!!

(1) مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين: ج 1/190

(2)

مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين: ج1/ 190

(3)

زكريا القزويني: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، تقديم فاروق سعد، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة 1978: ص 422

ص: 38

وبما أن العظام تبقى فترة طويلة بعد أن تموت حتى يمتصها الجسم ويحل محلها عظم جديد ولذا تعمل كسقالة Scaffolding لذا فإن عملية الرفض في العظام غير مهمة كثيراً، وقد قام الأطباء حديثاً بمحاولة زرع قلب قرد في طفلة، وأدى ذلك إلى رفض الجسم بسرعة لهذا القلب.

لهذا يتجنب الأطباء عمليات الغرس من الحيوانات للإنسان، على الأقل في الوقت الراهن، ومع هذا فإن استخدام بعض أجزاء من الحيوان للإنسان أمر يستخدم حتى اليوم، ومثاله الأنسولين البقري أو الخنزيري الذي يستخدم لعلاج مرض البدل السكري (الديابيطس) أو استخدام صمامات القلب من البقر والخنازير لإبدال الصمامات التالفة في الإنسان، إذا لم يتمكن الجراح من إصلاح الصمام التالف، أو أخذ صمام من أوردة المصاب ذاته. وفي الوقت الراهن قل استخدام هذه الصمامات البقرية والخنزيرية مع التقدم الجراحي في هذا الميدان، وازدياد مقدرة الجراحين في إصلاح الصمامات المعطوبة.

ص: 39

موضع الغرس:

قد يوضع العضو المغروس (الغريسة) في مكان العضو التالف ويسمى هذا النوع الموضع السوي Ortho topic ومثاله غرس القلب والرئتين والكبد والقرنية. وقد تغرس الأعضاء في غير موضعها المعهود ويسمى ذلك الموضع المختلف Hetero topic ومثاله زرع الكلى التي توضع في الحفرة الحرقفية بدلاً من موضعها في الخاصرة.

أنواع الغرس (الزرع) :

لقد قام الأطباء بزرع مختلف الأعضاء والأنسجة، وأكثر هذه الأنواع شيوعاً نقل الدم، حيث تنقل ملايين اللترات من الدم سنوياً وينقذ بذلك مئات الآلاف من الأشخاص في كل عام. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتم نقل 12 مليون عملية نقل دم سنوياً (1) ونظراً لكثرة استخدام نقل الدم وعدم وجود أي مضاعفات خطيرة من نقله، إذا أعطي ضمن الشروط المعتبرة، فإن هذا الإجراء لا يذكر عادة ضمن موضوع غرس الأعضاء K وإن كان في الأصل داخلاً فيه.

ويلي نقل الدم، استخدام الجلد وغرسه. وهو إجراء واسع الانتشار أيضاً وقليل المضاعفات وخاصة إذا كان ذاتياً (أي من نفس الشخص) .

وانتشر في الوقت الراهن نقل الكلى (غرس الكلى) . وأنشئت مراكز في معظم بلدان العالم بما في ذلك ثلاثة مراكز في المملكة العربية السعودية التي تم فيها حتى الآن إجراء قرابة خمسمائة عملية نقل كلى تمت بنسبة نجاح كبيرة.

كذلك ينتشر منذ زمن نقل القرنية، ومشاكل غرسها محدودة جداً؛ لأن القرنية لا تعتمد على التروية ورفضها محدود جداً. وتوجد مراكز لنقل القرنية في مصر والسعودية وبعض البلاد العربية الأخرى.

ولا يزال غرس القلب قاصراً على الدول المتقدمة تقنياً لصعوبته البالغة وكلفته العالية، وإن كان قد تم في الأردن إجراء عمليات زرع قلب كما تم في الرياض بالمملكة العربية السعودية إجراء هذه العملية بنجاح.

ويواجه غرس الكبد والرئتين مصاعب كثيرة حتى في البلاد المتقدمة تقنيا. وبدأ يحقق بعض النجاح بعد استخدام عقار السيكلوسبودين لمعالجة مشاكل الرفض

وأنشئت مراكز عدة في مختلف الأقطار لزرع العظام ولا أظن أن هناك مشاكل عويصة لا يمكن التغلب عليها في هذا المجال، وكذلك أنشئت مراكز لنقل المفاصل، وهي لا تزال في مراحلها الأولى.

(1) merk manual of diagnosis and therpay. (1982. 14 th edition Merk sharp & dohme NJ. p.p 1093 - 1098.

ص: 40

أما نقل البنكرياس، أو بعض خلاياه، فقد حقق في الآونة الأخيرة نجاحاً مطرداً بعد فترة فشل طويلة.

وحقق غرس نقي العظام نجاحاً طيباً بعد استخدام عقار السيكلوسبودين. وهناك موضوع غرس الأعضاء التناسلية والغدد التناسلية وما يثيره من مشاكل بالنسبة للمسلمين، وكذلك غرس الأجنة المجمدة وموضوع الرحم الظئر وما يعتورهما من مشاكل أخلاقية وقانونية ودينية.

وقد فتح باب جديد مؤخراً، وهو تنمية الأجنة في المختبرات واستخدام أنسجتها للغرس في مختلف الأمراض، وهو باب جديد له مشاكله الأخلاقية والدينية العديدة.

ولا يدخل في موضوع غرس الأعضاء إدخال أجزاء من المعادن أو غيرها مثل السيلكون والداكرون والتيفلون، ومثالها صمامات القلب الصناعية، وصمامات الأوعية الدموية، والأوعية الدموية الصناعية

والمفاصل الصناعية والصفائح والمسامير التي توضح لتجبير العظام المكسورة.

وفي العادة لا تدخل أيضاً الصمامات المستخرجة من الخنازير والبقر والتي تستخدم أحياناً لإصلاح صمامات القلب المعطوبة في الإنسان، ولا تذكر عادة ضمن موضوع غرس الأعضاء، وإن كانت في الأصل ضمن هذا الموضوع.

ص: 41

فترة نقص التروية الدافئة Warm ischaemic Time: ويقصد بها المدة الزمنية التي يستطيع العضو أن يتحملها بعد انقطاع التروية الدموية عنه. ولا يستطيع الدماغ أن يعيش أكثر من أربع دقائق بدون تروية دموية، وربما يبدأ الفساد بعد دقيقتين فقط من توقف التروية الدموية عن الدماغ، ويستطيع القلب البقاء لعدة دقائق، أما الكلى فيمكن أن تصمد بدون تروية دموية لمدة أقصاها 45 دقيقة. ويبقى الجلد لفترة زمنية طويلة نسبياً (12 ساعة) وكذلك القرنية. أما العظام والغضاريف فإنها تتحمل انقطاع الدم عنها لمدة يوم أو يومين.

فترة نقص التروية الباردة Cold Ischaemic time: ويقصد بها المدة الزمنية التي يمكن أن يبقى فيها العضو بعد استقطاعه من الجسم ووضعه في محلول مثلج في درجة حرارة منخفضة. ويمكن للكلى أن تبقى دون فساد في درجة حرارة 4 مئوية في محلول مبرد لمدة 24 ساعة على الأكثر، وإذا استخدمت صدمات دفقية محددة بواسطة المحلول المبرد فإنه يمكن الاحتفاظ بالكلى لمدة 72 ساعة دون حدوث نخر أنبوبي حاد Acute Tubular Necvosis ويمكن الاحتفاظ بالقلب في السوائل المبردة بالدفق الخاص لمدة ساعتين فقط. (1) أما الأنسجة والخلايا فيمكن الاحتفاظ بها تحت النتروجين السائل في درجة حرارة منخفضة جداً (76 تحت الصفر) لمدة طويلة، ويمكن الاحتفاظ بالمني والأجنة المجمدة وغيرها من الأنسجة والخلايا لمدة عشر سنوات أو أكثر. وقد حددت القوانين في بعض البلاد الغربية وأستراليا أقصى مدة للاحتفاظ بالمني والأجنة المجمدة بعشر سنوات.

(1) Ascher N. etal; multiple organ Donnatson from a cadaver. In (eds) ; Simmons R. Finch M. Ascher N. Najerant. Manual of vogular Access. organ Donnation & transplantation. Springer - Verlog ltd. New York Berline - Tokyo. 1984 pp. 105 118

ص: 42

ويمكن الاحتفاظ بالكبد بعد التبريد بواسطة المحلول المبرد بالدفق المحدد لمدة 8 ساعات فقط وتبقى البنكرياس في مثل هذه الحالة لمدة 72 ساعة

Warm Ischaemic time

Cold Ischaemic time

بقاء الأعضاء دون تروية في درجة حرارة عادية

بقاء الأعضاء بعد تبريدها بواسطة محلول مثلج بالدفق المحدد (أي بعد أخذها من الجثة أو الجسم)

العضو دقائق ساعات

الدماغ مدة أقصاها 4 دقائق نهاية الحياة

القلب مدة أقصاها بضع دقائق (يبرد موضعياً) ساعتان

الكلى مدة أقصاها 45 دقيقة 72 ساعة

الكبد 8 دقائق 8 ساعات

البنكرياس مدة أقصاها 20 دقيقة 12 ساعة كل البنكرياس 72 ساعة جزء من البنكرياس

الجلد 24 ساعة

العظام 24 ساعة

القرنية 24 ساعة إذا كان الجلد مبرداً 48 ساعة ـ وبطريقة ماكاري كوفمان 4 أيام أما الحفظ بالتجميد فيمكث فترة طويلة ولكنه يحتاج إلى مستوى فني عال

ص: 43

الموقف الفقهي من غرس الأعضاء

رغم أن غرس الأعضاء يعتبر من المواضيع المستحدثة والمستجدة في القرن العشرين إلا أن بدايات هذا الموضوع قد تمت منذ عصور قديمة (1) .

وأول ذكر لغرس الأعضاء أو إعادة غرس عضو لنفس الشخص الذي فقد ذلك العضو في التاريخ الإسلامي هو ((ما حدث لقتادة بن النعمان رضي الله عنه الذي فقد عينه في معركة أحد (وفي رواية في معركة بدر) ثم أعادها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً.))

وتحدث الفقهاء منذ أزمنة متطاولة عن وصل العظام بعظم إنسان ميت أو عظم حيوان طاهر أو نجس، ومثال ذلك ما ذكره الإمام النووي في منهاج الطالبين حيث قال:" ولو وصل عظمه بنجس لفقد الطاهر فمعذور وإلا وجب نزعه"(2) وما ذكره الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج من أن وصل العظم الذي انكسر بعظم آدمي (محترم أو غير محترم) جائز شرعاً متى قال ذلك أهل الخبرة. وكذلك جواز وصل العظم بعظم حيوان طاهر (مذكى) أو نجس (غير مذكى أو خنزير) متى ما قرر ذلك أهل الخبرة أو أن عظم الآدمي غير متوفر (3) .

وتحدث الفقهاء أيضاً في موضوع الغرس الذاتي منذ أزمنة بعيدة. ويذكر الدكتور محمد فوزي فيض الله أن الإمام النووي قرر في هذه المسألة وجهين: أحدهما لأبي إسحاق وقد استجازه، لأنه إحياء نفس بعضو، فجاز، كما يجوز أن يقطع عضواً إذا وقعت فيه الأكلة وذلك إحياء لنفسه، والآخر لا يجوز، لأنه إذا قطع عضواً منه كانت المخافة عليه أكثر" (4)

(1) انظر تاريخ غرس الأعضاء ص 2ـ 4

(2)

مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين للإمام النووي (شرح الخطيب الشربيني) دار الفكر ج 1/ 190

(3)

مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين للإمام النووي (شرح الخطيب الشربيني) دار الفكر ج 1/ 190

(4)

د. محمد فوزي فيض الله، التصرف في أعضاء الإنسان مجلة الوعي الإسلامي العدد 276 ذو الحجة 1407 هـ (أغسطس 1987 م) .

ص: 44

ومنذ ظهور مسألة نقل الدم كتب العديد من الفقهاء المحدثين فتاواهم في إباحته، نذكر منهم فضيلة الشيخ حسن مأمون (مفتي مصر) فتوى رقم 1065، وفتوى الدكتور أحمد فهمي أبو سنة (بحث مقدم للمجمع الفقهي رابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة 1405 وسبق نشره في مجلة التضامن) كما ظهر كتاب بعنوان نقل الدم وأحكامه الشرعية للشيخ محمد صافي (سورية حمص ـ مؤسسة الزعبي 1392 هـ/ 1973) وقد أباحت هذه الفتاوى وغيرها كثير، إجراء نقل الدم واعتبرته من أعمال البر والخير، وذلك لما فيه من إنقاذ حياة أشخاص كثيرين.

وكذلك ظهرت كتابات وفتاوى متعددة في موضوع نقل الأعضاء وكلها قد أباحته، وكان لبعض هؤلاء بعض الشروط التي سنذكرها في حينها.

ونذكر من هذه الفتاوى ما يلي كأمثلة فحسب:

1) فتوى فضيلة الشيخ محمد خاطر (في 3 ذي الحجة 1392/ 3 فبراير 1973) بإباحة سلخ جلد الميت لعلاج حروق الأحياء بفتوى رقم 1069 واشترط في الإباحة الاقتصار على الموتى الذين لا أهل لهم، أو الموتى الذين أوصوا بذلك في حياتهم، أو الموتى الذين أذن أهلهم بذلك.

2) فتوى فضيلة الشيخ حسن مأمون (6 شوال 1378 هـ/ 4 إبريل 1959 م) برقم 1087 في إباحة نقل عيون الموتى إلى الأحياء، وأن ذلك جائز بإذن الموتى الذين لهم أهل أو الميت الذي أوصى بذلك، أو الميت الذي لا أهل له (بدون إذن) .

3) فتوى الشيخ أحمد هريدي (23 أكتوبر 1966) برقم 993 بجواز سلخ قرنية العين من ميت وتركيبها لحي، وذلك من الميت الذي لا أهل له، أو الميت الذي أذن أهله بذلك، أو الميت الذي أوصى بذلك قبل وفاته.

ص: 45

4) فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في 15 محرم 1400/ 5 ديسمبر 1979 برقم 1323 بإباحة نقل الأعضاء من إنسان إلى آخر، وقد أباح نقل الأعضاء بشروط تشبه الشروط السابقة المذكورة أعلاه (الميت الذي لا أهل له. أو الذي أذن أهله بذلك) وأما المتبرع الحي فتبرعه مقيد بأن لا يتبرع بعضو ينتج عنه هلاكه.

5) بحث الدكتور أحمد فهمي أبو سنة المقدم إلى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (الدورة الثامنة 1405 هـ) بعنوان حكم العلاج بنقل دم الإنسان أو نقل أعضائه أو أجزاء منها.

6) فتاوى مقدمة لقسم الطب الإسلامي مركز الملك فهد للبحوث الطبية ـ جامعة الملك عبد العزيز بجدة ـ والأبحاث مقدمة من الشيخ السيد أحمد الشاطري والسيد عمر حامد الجيلاني والدكتور محمد عبد الجواد محمد. وجميعها أباحت نقل الأعضاء واعتبرته عملاً نبيلاً لإنقاذ حياة الكثيرين.

7) بحث فضيلة الشيخ عبد الله البسام حول زرع الأعضاء والمقدم إلى المجمع الفقهي، رابطة العالم الإسلامي (الدورة الثامنة 1405 هـ) وقد أباح الزرع بشروط عدم الإضرار بالمتبرع ضرراً بالغاً ولا يجوز التضحية بحياة المتبرع من أجل شخص آخر.

8) بحث فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا قباني حول زرع الأعضاء والمقدم إلى المجمع الفقهي، رابطة العالم الإسلامي في الدورة الثامنة 1405 هـ، وقد أباح أيضاً الزرع بشروط أهمها عدم حصول الضرر على المتبرع.

9) الفتوى الصادرة u ن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت برقم 132/ 79 (بتاريخ 5 صفر 1400 هـ 24/12/ 1979 م) . وقد أجازت اللجنة نقل الأعضاء سواء من الميت أو من الحي، على أنه إذا كان المنقول ميتاً جاز النقل سواء أوصى أم لم يوص. إذ إن الضرورة في إنقاذ الحي تبيح المحظور ويقدم الموصي له في ذلك عن غيره، كما يقدم الآخذ من جثة من أوصى أو سمحت أسرته بذلك عن غيره. أما إذا كان المنقول منه حياً، فإذا كان الجزء المنقول يفضي إلى موته كالقلب والرئتين أو فيه تعطيل له عن واجب كاليدين والرجلين معاً، فإن النقل يكون حراماً مطلقاً سواء أذن أم لم يأذن، أما نقل إحدى الكليتين أو العينين أو إحدى الأسنان أو بعض الدم فهو جائز بشروط الحصول على إذن المنقول منه.

ص: 46

10) فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بقرار رقم 99 في 6/11/ 1402 هـ والقاضي بإباحة نقل الأعضاء من المتبرع الحي أو من الميت.

11) بحث الدكتور أحمد شرف الدين بعنوان الأحكام الشرعية للأعمال الطبية تناول فيه موضوع زرع الأعضاء وموت الدماغ ببحث مطول (إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1402 هـ/ 1982 م) .

12) قامت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع وزارة الصحة بالكويت بتنظيم ندوة تحت عنوان " الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي " في الفترة ما بين 24 ـ 26 ربيع الآخر 1405 هـ (15 ـ 17 يناير 1985 م) شارك فيها نخبة من الفقهاء والأطباء ودرست موضوع الدماغ ووافقت على اعتبار موت الدماغ موتاً للإنسان وارتأت زيادة بحث الموضوع في فترة لاحقة.

13) قام مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بدراسة مفصلة لموضوع موت الدماغ استغرقت دورتين إحداهما في جدة (1406 هـ/ 1986 م) والثانية في عمان (صفر 1407 هـ، أكتوبر 1986 م) . وصدر في نهايتها القرار التاريخي باعتبار موت الدماغ موتاً للإنسان، وقد نص القرار على الآتي:

" يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك، إذا تبينت إحدى العلامتين التاليتين:

أ) إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.

ب) إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطيل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة.

ص: 47

وستتضح الأهمية البالغة لهذا القرار في موضوع غرس الأعضاء عند مناقشة نقل الأعضاء من الموتى.

14) قام مجمع الفقه الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي بدراسة موضوع موت الدماغ في الدورة الثامنة (1405 هـ) والدورة التاسعة (1406 هـ) ولكنه لم يصدر قراراً بهذا الشأن.

15) قدم محمد زين العابدين طاهر المدرس بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية فرع أسيوط أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان " نطاق الحماية الجنائية لعمليات زرع الأعضاء في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي " درس فيها موضوع زرع الأعضاء بتفصيل وما يتبع ذلك من أحكام فقهية.. وإعادة الأعضاء المقطوعة حداً (كالسرقة) وهل يجوز إعادة وصلها إلى جسم الإنسان وانتهى إلى عدم الجواز. وقد أوضح الباحث جواز نقل الأعضاء من الأحياء المتبرعين بأعضائهم بشرط أن لا يسبب ذلك خطراً على حياتهم. وجواز نقل الأعضاء من الموتى، وقد جاءت الأطروحة في 850 صفحة وأشرف عليها الأستاذ الدكتور يوسف محمد عبد المقصود والأستاذ حسنين صالح عبيد، ونال بها الباحث درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف.

16) قدم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بحثا قيماً بعنوان " انتفاع الإنسان بأعضاء إنسان آخر حياً أو ميتاً" إلى مجمع الفقه الإسلامي بجدة ليعرض في دورته الرابعة (1408 هـ/ 1987 م) وأجاز نقل الأعضاء من الحي بشرط أن لا يضر ذلك بالمتبرع كما أجاز نقل الأعضاء من الموتى بإذن الورثة، ومن المحكوم عليهم بالإعدام وغير المحترم ومن لا ولي له. وتحدث عن موت الدماغ باعتباره نذيراً للموت ولم يعتبره موتاً. ولذا لا يجوز أخذ الأعضاء الحيوية قبل توقف القلب توقفاً تاماً.

17) قدم الدكتور محمد فوزي فيض الله بحثاً بعنوان (التصرف في أعضاء الإنسان " إلى ندوة وزارة الصحة الكويتية " الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية " ونشرتها مجلة الوعي الإسلامي في عددها رقم 276 ذو الحجة 1407/ أغسطس 1987.

ص: 48

وقد أجاز التبرع بالأعضاء من الحي بشرط عدم الإضرار بالمتبرع كما أجاز الاقتطاع من الميت بعد تحقق الوفاة (ولم يتحدث عن موت الدماغ) ومنع الاقتطاع لمجرد قرب الوفاة كالمحكوم عليه نهائياً بالإعدام، ولا يجوز شراء أعضاء إنسان آخر غير أنه إذا اضطر المريض ولم يجد من يتبرع له بذلك العضو جاز له شراؤه والإثم في ذلك على البائع.

هذه مجموعة من الأبحاث التي تحت يدي ولا شك أن غيرها كثير في هذا الباب وتتلخص المشكلة فيما أحسب في الآتي:

1) الغرس (الزرع) من المتبرع الحي:

أجمع الفقهاء الذين كتبوا في هذا الموضوع على جواز التبرع بالأعضاء بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى ضرر بالغ بالمتبرع، واعتبروا ذلك من الإيثار الذي حث عليه الإسلام.

وقد جاء في فتوى لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية رقم 32/ 79 بتاريخ 5 صفر 1400/ 24/12/ 1979 جواز نقل الأعضاء من المتبرع الحي بشرط أن لا يفضي العضو المنقول إلى موت المتبرع كالقلب والرئتين مثلاً، أو فيه تعطيل له عن واجب كاليدين أو الرجلين معاً. أما نقل إحدى الكليتين أو العينين أو إحدى الأسنان أو بعض الدم فهو جائز بشرط الحصول على إذن المنقول منه.

ويعتبر نقل الدم من الأمور التي تحدث يومياً. ولا ضرر فيها على المتبرع ما لم يكن يعاني من فقر دم بل فيه فائدة له

وقد يحدث الضرر للمتلقي للدم، ولذا لا بد من توفر شروط عدة في الدم المنقول منها خلوه من الأمراض المعدية كالملاريا والزهري وفيروس الإيدز وفيروس التهاب الكبد من نوع B خاصة. ومنها مطابقة فصيلة الدم المنقول له.

ص: 49

ويتحاشى الأطباء نقل عين أو يد أو رجل من شخص حي لأن في ذلك ضرراً بالغاً وهو أمر غير مقبول لديهم وإن أفتى به بعض الفقهاء.

كما أنهم لا يقبلون المتبرعين بالكلى إلا إذا كانوا أقارب للمريض، رغم وجود عدد من المتبرعين الذين يلحون على الأطباء في قبول تبرعهم.

ويتحاشى الأطباء أخذ الكلى من المتبرعين غير أقارب المريض للأسباب التالية:

1) احتمال وجود عملية بيع وشراء في الخفاء بين المتبرع والمريض.

2) احتمال ندم المتبرع وخاصة إذا أصيبت كليته الباقية بمرض ما، وما يسببه من متاعب له

وربما ذهب إلى الملتقي (المستقبل) للغريسة ونغص عليه حياته.

3) هناك مجموعة من المساجين الذين أعلنوا استعدادهم للتبرع بكلاهم

أملا في العفو عنهم وهناك احتمال مضايقة المتلقي وابتزازه مالياً فيما بعد.

4) أن الكلى والأعضاء من الموتى يمكن أن تقوم مقام المتبرعين الأحياء. ولا ضرر في ذلك على أحد، بينما أخذ الأعضاء من الأحياء محفوف بالمخاطر وإن كانت نادرة الوقوع

ويعتبر التبرع من غير الأقارب من الأحياء مماثلاً للأخذ من الأموات.

وقد أجمع الفقهاء على عدم جواز بيع الأعضاء من الحر

ولكنهم لم يذكروا جواز أخذها من المملوك، وهذه نقطة تحتاج إلى إيضاح. وعلى أية حال فإن عصر المماليك قد انتهى.

ص: 50

ويعتبر الغرس من المتبرع الحي القريب للمريض ذا ميزات هي:

1) وجود تطابق في الأنسجة أكثر بكثير من غير الأقارب. ولذا تقل عمليات الرفض

وهي بذلك أفضل من الزرع (الغرس) من المتبرع الحي البعيد أو من الأموات

وأفضلها دون شك هو الزرع من التوائم المتماثلة حيث تتطابق الأنسجة تماماً ولا يحدث أي رفض مطلقاً.

2) وجود الترابط بين الأقارب. والاطمئنان إلى عدم وجود عملية بيع وشراء،

3) ندرة المشاكل التي تقوم بين المتبرع والمتلقي.

4) وجود وقت كاف لإجراء فحص تطابق الأنسجة بين المتبرع والمتلقي (المستقبل) . وتوضح اللوائح أو القوانين أن المتبرع ينبغي أن يكون عاقلاً بالغاً 18 عاماً فما فوقها مدركاً تماماً لما يمكن أن يحدث من مخاطر ولو كانت على سبيل الاحتمال، وينبغي أن يكون متزناً نفسياً.

وليس من حق الوالد أن يتبرع عن ولده القاصر ولا من حق الولي أن يتبرع عن وليه المجنون.

وهذه نقطة للبحث بالنسبة للفقهاء الأجلاء، حيث لم أجد في الفتاوى الموجودة بين يدي من أولاها عنايته.

ص: 51

الزرع من الموتى Cadaver Donner:

يعتبر الزرع للأعضاء من الميت هو الإجراء الأكثر شيوعاً الآن. وذلك للأسباب التالية:

1) حدوث مفهوم موت الدماغ وانتشار استخدامه في معظم مناطق العالم:

لقد ظهر لدى الأطباء مفهوم موت الدماغ وأول من نبه إليه المدرسة الفرنسية عام 1959 ولكن هذا الموضوع لم يلق الاهتمام الجدير به إلا بعد أن انتشر استخدام الآلات الحديثة للإنعاش (جهاز المنفسة) وقامت مجموعة هارفارد بوضع شروط ومواصفات موت الدماغ عام 1968 ثم تبعتها مجموعة مينسوتا عام 1971. ثم الكليات الملكية للأطباء في بريطانيا التي وضعت المواصفات عام 1976. وأخذ الأطباء في مختلف أصقاع العالم يدرسون هذه المواصفات ويطبقونها بعد أن اتفقوا عليها

وأخذت القوانين تعترف تباعاً بمفهوم موت الدماغ وأنه مساو لموت القلب. وقد أعلن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في عمان في دورته الثالثة صفر 1407/ أكتوبر 1986 قبوله لمفهوم موت الدماغ وأنه مساو لموت القلب.

وتأتي أهمية هذا المفهوم بالنسبة لنقل الأعضاء وغرسها أنه يتيح نقل الأعضاء وهي لا تزال حية تستطيع العمل

إذ إن هذه الأعضاء تفسد وتموت وتصبح غير صالحة للنقل إذا توقفت عنها التروية الدموية لفترة تختلف من عضو لآخر. وتسمى هذه الفترة، فترة نقص التروية الدافئة Warm Ischaemic time ولا يستطيع الدماغ أن يعيش أكثر من أربع دقائق بدون تروية دموية، وفي معظم الحالات يبدأ الفساد بعد دقيقتين، أما القلب فيمكن أن يبقى لبضع دقائق، بينما يمكن للكلى أن تبقى لمدة أقصاها 45 ـ 50 دقيقة قبل أن تصبح ميتة ولا تصلح للزرع، ويمكن للجلد أن يبقى لبضع ساعات، أما القرنية فيمكن أن تبقى لـ 12 ساعة

وتستطيع العظام والغضاريف أن تتحمل نقص التروية أو توقفها التام لمدة يوم أو يومين.

ص: 52

وفي تعريف موت الدماغ لا بد من موت الدماغ بما في ذلك جذع الدماغ الذي به مراكز التحكم في التنفس والدورة الدموية.. ويمكن أن يستمر القلب في الضخ والرئتان في التنفس بعد إعلان موت الدماغ. وفي الغالب، يتوقف القلب تماماً عن العمل مهما أعطي من منشطات واستخدمت من الآلات بعد موت الدماغ بساعات أو أيام قلائل، ولكن هناك حالة موثقة استمرت 68 يوماً بعد إعلان موت الدماغ. (1)(مجلة نيوإنجلند الطبية في 7 يناير 1982) .

لهذا فإن الفقهاء الذين أباحوا نقل الأعضاء من الموتى بشرط توقف القلب تماماً عن العمل، يلعنون في الواقع العملي هذه الإباحة. إذ لا فائدة من نقل عضو فسد وتحلل.

وهذه المشكلة تعتبر محلولة بالنسبة للفقهاء الذين قبلوا موت الدماغ باعتباره مساوياً لموت القلب. أما الفقهاء الذين لم يقبلوا بعد هذا المفهوم، فإنهم في الواقع لا يقبلون نقل الأعضاء.

2) كثرة حوادث المرور في العالم:

لقد ازدادت حوادث المرور في العالم أجمع

ويرجع ذلك إلى زيادة في تناول الخمور والمخدرات وإلى تهور كثير من السائقين. وترجع منظمة الصحة العالمية WHO، نصف حوادث المرور في العالم أجمع إلى شرب الخمر. وفي فرنسا ترجع السلطات 70 % من حوادث المرور لشرب الخمور.

ويوضح الجدول التالي ضحايا حوادث المرور يلاقون حتفهم سنوياً في بعض البلدان:

الولايات المتحدة 60.000

فرنسا 11.000

بريطانيا 10.000

المملكة العربية السعودية 3.500

وفي الغالب فإن أكثر ضحايا حوادث المرور ممن هم في مقتبل العمر ولا يعانون من أي أمراض مزمنة وتكون وفاة عدد كبير منهم نتيجة موت الدماغ، وبالتالي فإنهم من أكثر المجموعات الصالحة لنقل الأعضاء.

(1) Parisi etal: Brain Death with Prolonged Somatic survival. new Engl J Medicine 306: 14 - 16. 1982

ص: 53

3) النوبات الدماغية وأورام الدماغ:

تحدث النوبات الدماغية ونزف الدماغ نتيجة انفجار أحد شرايين الدماغ، كما تحدث أورام دماغية، وفي هذه الحالات قد يموت الدماغ قبل موت القلب

وفي كثير منها تصلح هذه الحالات لنقل الأعضاء.

4) الغرس من الموتى ليست له أي مخاطر من الناحية الطبية:

لا توجد أية محاذير بالنسبة للمتبرع الميت على عكس المتبرع الحي الذي قد يواجه بعض الأخطار المستقبلية عند التبرع بالكلية مثلاً.

ونتيجة التقدم الطبي في استخدام عقاقير خفض المناعة فإن استخدام أعضاء الموتى الذين تبقى أعضاؤهم سليمة بواسطة التروية بأجهزة الإنعاش، يعتبر أمراً لا ضرر منه حتى على المستقبل (المتلقي) .

وقد أمكن التوصل إلى درجة نجاح تبلغ 85 بالمائة بالنسبة لزرع (غرس) الكلى في السنة الأولى ثم تفشل بعد ذلك خمس حالات من كل مائة سنوياً. وارتفعت كذلك نسبة نجاح عمليات زرع القلب والبنكرياس والكبد. وقد وصلت نسبة نجاح عملية زرع البنكرياس 65 بالمائة في السنة الأولى بينما لم تكن تجاوز 30 بالمائة قبل بضع سنوات.

5) الزرع من الميت يوفر أعضاء عديدة لجملة من المرضى في وقت واحد:

يمكن أخذ العديد من الأعضاء من متبرع واحد وخاصة في المراكز المتقدمة حيث يمكن أخذ القرنيتين والقلب والكبد والبنكرياس والكلى والجلد والعظام إلخ

ومعظم المراكز المنتشرة حالياً لا تستطيع أخذ هذه الأعضاء.. وفي المملكة العربية السعودية يتم أخذ الكلى فقط. وليس هناك بطبيعة الحال أي تمثيل بالجثة في هذه الحالة.

6) الزرع من الميت يوفر أعضاء يستحيل توفيرها من المتبرع الحي:

وهي الأعضاء الأساسية مثل القلب والرئتين والكبد والبنكرياس.

ص: 54

الشروط المفروض توافرها لنقل الأعضاء من الموتى:

1) أن تكون هناك وصية من الشخص قبل وفاته يعلن فيها تبرعه. وتصدر مراكز الكلى بطاقات خاصة يعلن فيها الشخص تبرعه بكليته حال الوفاة.. وبطبيعة الحال لا تؤخذ الكلى إلا من الذين يتوفون نتيجة ما يسمى موت الدماغ، وبحيث تبقى أعضاؤهم صالحة للاستعمال بواسطة أجهزة الإنعاش.

2) في حالة عدم وجود وصية تشترط معظم البلدان موافقة الورثة على أخذ الأعضاء من ميتهم. وقد ذكرت ذلك معظم الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية وفتوى لجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية وفتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

وقد أفتى كثير من هؤلاء المفتين بجواز أخذ الأعضاء ممن لا أهل لهم، ويعتبر ولي الأمر في هذه الحالة وليه

كما أصدرت لجنة الفتوى في الكويت رأيها بالسماح بأخذ الأعضاء عند الحاجة من الموتى حتى مع عدم موافقة ذويهم. وهو أمر لم تقره وزارة الصحة الكويتية والبرلمان الكويتي.

وهناك سؤال يطرحه الأطباء هو: مَن مِن الورثة له حق السماح بأخذ الأعضاء من ميتهم؟ وهل يشترط موافقة جميع الأسرة أو الورثة أو يكفي في ذلك واحدة منهم؟ وهذا السؤال لم أجد له جواباً. وهو سؤال مطروح من الأطباء الذين يعملون في هذا الحقل حيث لا توجد أمور واضحة بهذا الخصوص في الوقت الراهن.

3) في بعض البلاد مثل فرنسا وبعض دول أوربا يحق لولي الأمر أن يأمر باستقطاع الأعضاء من شخص توفي نتيجة موت الدماغ، بشرط أن لا يكون هذا الشخص قد أوصى في حياته بعدم أخذ أعضائه عند وفاته

ولا يعتبر في هذه الحالة رضا الورثة ضرورياً.

4) أن لا يكون المتوفى قد جاوز 55ـ 60 عاماً بالنسبة لزرع الكلى وأن لا يكون تجاوز خمسين عاماً بالنسبة لزرع القلب.

5) أن لا يكون المتوفى مصاباً بضغط الدم وضيق الشرايين.

ص: 55

6) أن لا يكون مصاباً بالأمراض المعدية مثل السل (الدرن) ، التهاب الكبد الفيروسي من فصيلة B، الإيدز (مرض نقصان المناعة المكتسب) الزهري

إلخ.

7) أن لا يكون هناك ورم خبيثي في الجسم ما عدا ورم الدماغ أو أورام الجلد غير المنتشرة.

8) أن لا يكون مصاباً بالبول السكري بدرجة شديدة تؤثر على أعضائه.

9) أن لا يكون هناك إنتان في الجسم Seps. S أو في الدم Septicaemic.

10) أن يكون العضو المراد استقطاعه صالحاً. ففي حالة استقطاع الكلية مثلاً لا بد أن يتم تشخيص موت الدماغ أولاً من قبل فريق لا علاقة له بفريق زرع الأعضاء..وينبغي أن يبقى الميت تحت أجهزة الإنعاش لحين استقطاع الأعضاء

وينبغي أن تكون الكلى تعمل بحيث تفرز البول بنسبة لا تقل عن 600 ملليلتر يومياً وأن تفرز الكلى البول بمقدار 200 ملليتر في الساعة الأخيرة قبل الاستقطاع. ويعطى الميت عقاقير تزيد إفراز البول مثل اللاسكي (فروسامايد Frusamide) مع المحاليل وأدوية رفع الضغوط بحيث لا يقل الضغط الانقباضي عن 90 مم زئبق.. ولا بد أن يكون العضو المراد استقطاعه خالياً من الأمراض.

11) أن تكون فصيلة الدم مطابقة للشخص الذي سينقل إليه العضو. ويجري فحص المقارنة المتصالب Cross matching لخلايا الدم الحمراء مع مصل الدم، وأن لا يكون هناك تعارض وتضاد بين دم المريض المتلقي (المستقبل) ودم الميت (المتبرع) .

12) لا يعد إجراء فحص مطابقة الأنسجة Tissue cross matching ضرورياً وإن كان مستحباً. وفي الغالب يكون من المتعذر إجراء هذا الفحص بالنسبة للجثث؛ لأن الفحص يتطلب وقتاً طويلاً نسبياً، بينما قد لا يبقى القلب ينبض بعد موت الدماغ إلا سويعات معدودة، وبما أنه من الضروري جداً الإسراع في أخذ الأعضاء قبل توقف سويعات معدودة، وبما أنه من الضروري جداً الإسراع في أخذ الأعضاء قبل توقف التروية الدموية فإن إجراء هذا الفحص لمطابقة الأنسجة يكون متعذراً في معظم الأحوال.

ص: 56

ويجرى نقل الأعضاء من الموتى في بعض المراكز دون إجراء فحص مطابقة الأنسجة، وخاصة بعد التقدم في مجال العقاقير الخافضة للمناعة Immuno suppressants وبالذات بعد استعمال عقار السيكلوسبودين.

الأسئلة المطروحة على الفقهاء الأجلاء:

1) بالنسبة للمتبرع الحي لا بد من تحديد مواصفات المتبرع الحي

والأعضاء التي يجوز له التبرع بها.

2) بالنسبة للموتى الذين لم يكتبوا وصية بالسماح باستقطاع أعضاء منهم:

أ) هل يكفي أمر ولي الأمر في ذلك؟

ب) في حال موافقة الورثة. مَن مِن الورثة له حق الموافقة؟ وهل لا بد من موافقتهم جميعاً؟ أو الاكتفاء بالأقرب، الأب أو الابن مثلاً؟

ج) الموتى مجهولو الهوية والذين لا أهل لهم هل يجوز أخذ أعضائهم دون إذن؟

3) بالنسبة للأعضاء التي تستقطع وتزرع:

هل يجوز استقطاع الأعضاء التناسلية؟ بالنسبة للمرأة التي تلفت مبايضها مثلاً هل يجوز لها أن تتبرع برحمها الذي لا فائدة منه، وتعطية لامرأة أخرى مبايضها سليمة ورحمها تالف؟ وهل يجوز استقطاع الأعضاء التناسلية (القضيب) مثلاً من الميت وزرعه في المجبوب؟ وهل يجوز نقل الخصيتين أو المبيضين أو إحداهما من الميت أو من الحي وزرعه في شخص آخر؟ وهي مشكلة خاصة حيث إن الحيوانات المنوية والبويضات ستعود إلى المتبرع لا للمتلقي.

وهل يجوز استخدام الأجنة التي تستنبت وتؤخذ منها الأنسجة؟ وهناك أجنة فائضة من مشاريع أطفال الأنابيب يمكن أن تستنبت في المختبر إلى فترة معينة من العمر، وقد سمحت لجنة وارنك في بريطانيا التي عينها البرلمان البريطاني باستخدام الأجنة واستنباتها إلى اليوم الرابع عشر منذ التلقيح، باعتباره بداية لتكوين الجهاز العصبي.

وهل يجوز نقل الأجنة الفائضة المجمدة إلى من يعانون العقم؟ وهناك فتاوى من المجامع الفقهية الموقرة تمنع دخول طرف ثالث في الإنجاب والمقصود بالطرف الثالث بويضة من متبرعة، حيوان منوي من متبرع، لقيحة، (جنين) جاهزة من متبرعين، استخدام الرحم الظئر (الأم المستعارة)

إلخ.

وهناك مجال جديد في زرع الأعضاء له مخاطره المستقبلية، فقد بدأ بالفعل زرع خلايا من الجهاز العصبي من الأجنة وزرعها لمعالجة بعض أمراض الجهاز العصبي.. كما تم بالفعل أخذ خلايا الغدة الكظرية (فوق الكلية) وزرعت في الدماغ لمعالجة مرض الشلل الرعاش (مرض باركنسون) .

وإذا تطور هذا المجال فيمكن غرس خلايا عصبية في الجهاز العصبي والدماغ. وذلك قد يؤثر على شخصية المتلقي.. إذ إن التفكير والعاطفة والإرادة

إلخ، مركزها في الدماغ. أو هكذا يبدو للعلم التجريبي في الوقت الراهن على الأقل. فهل تتأثر شخصية المتلقي بهذا الغرس؟

4) إعادة الغرس: بالنسبة للمحكوم عليهم بقطع اليد في السرقة أو القصاص، هل يجوز إعادة غرس (زرع) الجزء المستقطع؟ أفتى بعض الفقهاء بعدم جواز ذلك؟ لأن العبرة من إقامة الحد لم تتم في هذه الحالة، ومال بعضهم إلى أن الحكم قد نفذ ولا مانع من إعادة الجزء المستقطع.

هذه بعض الأسئلة المطروحة على الفقهاء الأجلاء التي يرغب الأطباء في معرفة جوابها.

ص: 57