المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الرابع

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلاميالأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

- ‌كلمةمعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنميةالدكتور/ أحمد محمد علي

- ‌كلمةمعالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلاميالأستاذ/ أمين عقيل عطّاس

- ‌كلمةمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويتالشيخ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةالوفود المشاركةألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

- ‌التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنسانيإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌‌‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالدكتور عبد السلام داود العبّادي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الشيخ آدم عبد الله علي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاًإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة سيدي محمد يوسف جيري

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ عبد الله البسام

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ رجب بيوضي التميمي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌المثامنة في العقار للمصلحة العامةإعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتزاع الملكية للمصلحة العامةإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌انتزاع الملكية للمنفعة العامةإعدادأ. د. يوسف محمود قاسم

- ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌انتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادالدكتور محمود شمام

- ‌الإسلاموانتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر

- ‌سندات المقارضةإعدادالصديق محمد الأمين الضرير

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌سندات المقارضةوسندات الاستثمارإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌سندات المقارضةإعدادالقاضي محمد تقي عثماني

- ‌ضمان رأس المال أو الربحفي صكوك المضاربةأو سندات المقارضةإعدادالدكتور حسين حامد حسان

- ‌سندات المقارضةوسندات التنمية والاستثمارإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌سندات المقارنة وسندات الاستثمارإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبينسندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينهاوبين السندات الربويةإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌سندات المقارضة والاستثمارإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌البيان الختامي وتوصياتلندوةسندات المقارضة وسندات الاستثمارالتي أقامهامجمع الفقه الإسلامي بجدة

- ‌بدل الخلوإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌ موضوع (بدل الخلو)

- ‌بدل الخلوإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)إعدادفضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو

- ‌بدل الخُلُوِّفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌بدل الخلو وتصحيحهإعدادفضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادفضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالأستاذ مصطفى الفيلالي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالحاج شيت محمد الثاني

- ‌الوحدة الإسلاميةوالتعامل الدوليإعدادفضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري

الفصل: ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

‌زكاة الأسهم في الشركات

إعداد

فضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

عضو مجمع الفقه الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين.. أمر بإيتاء الزكاة وأخذها من أموال المسلمين ليطهرهم ويزكيهم، إنه هو العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذا بحث متواضع حول موضوع من الموضوعات المطروحة أمام أعضاء "مجمع الفقه الإسلامي" الموقر، للفتوى فيه، في دورته الثالثة القادمة. كما اقترحته لجنة التخطيط، وهو (زكاة أسهم الشركات) .

فالزكاة معروفة: لغة، وشرعاً، وحكماً، لدى عامة المسلمين، وكذلك الأسهم والشركات، لاسيما إذا أضيف بعض هذه الكلمات إلى بعض.

ولعل أن الأمر الذي جعلها غريبة، حتى احتيج إلى إفتاء شرعي في حكم زكاة أسهمها، هو ما طرأ في الشركات المعاصرة من تنوع وتكاثر، وما تضمنته من قيود لا تمت إلى قواعد الشريعة، وما حدث في أسهمها وألقابها المتداولة، حتى اشتبه لدى بعض من العلماء الكبار أسهم الشركات المالية بوثيقتها الكتابية، فأفتى مرة بعدم وجوب الزكاة فيها، ومرة بوجوبها.

فلكي نفهم بوضوح، ونقرر فتواها الشرعية بثقة، فلا بد لنا من استعراض الموضوع من جوانبه الثلاثة مع مقاصد الشريعة من تشريع الزكاة، حتى يتضح لنا الحكم الشرعي في زكاة مال الشركات الإسلامية وأسهمها.

وبطبيعة الحال لا أتكلم عن الشركات غير الإسلامية وأسهمها، لعدم تعلق الزكاة بها، ولأنها تحتاج إلى دراسة واسعة

كما لا أتكلم عن الشركات الدولية التي لا يمتلكها أشخاص معينون؛ لأن الزكاة لا تجب فيها.

فليكن بحثنا إذاًَ محصوراً في الشركات الإسلامية التي يملكها أفراد معينون وأسهمها، وحكم الزكاة فيها

وسيكون كلامي في هذا الموضوع منقسماً إلى ثلاثة مراحل: مبحثين، وخلاصة، مع حفظ الإيجاز في كل. إن شاء الله.

المبحث الأول: حول كل من: الشركة، والسهم، والزكاة: لغة، واصطلاحاً، وحكماً وحكمة.

المبحث الثاني: في أنواع الشركات.

الخلاصة: في تقرير المسألة مما سبق في المبحثين.

ص: 545

المبحث الأول

فصل: في الشركات: لغة، وشرعاً، وحكمها في الأصل، وحكمة تشريعها.

الشركات في اللغة العربية: جمع شركة (بكسر الشين وسكون الراء) ، وقد تفتح الشين وتكسر الراء، والأول أفصح، ومعناها خلط أحد المالين بالآخر، بحيث لا يمكن التمييز بينهما.

ويقال: شركته في الأمر، أشركه شركة وشركة إذا صرت له شريكاً.

ويقال أيضاً: شاركه في شركة، أي صار شريكه فيها، كما يقال: اشتركا في كذا وتشاركا في كذا، في البيع، والشراء، وفي الإرث، وما إلى ذلك من العقود والامتلاك.

والشركة في اصطلاح الفقهاء: ثبوت الحق شائعاً في شيء واحد، أو عقد يقتضي ذلك، وهي أيضاً عبارة عن عقد بين شخصين فأكثر على الاشتراك في رأس المال وربحه، أو في الربح وحده إذا لم يكن رأس مال، أو كان المال من طرف والعمل من طرف آخر.

ولكنها تختلف باختلاف أنواعها؛ لأنها تتنوع إلى عدة أنواع، كما سنذكره إن شاء الله.

وحكم الشركة مبدئياً: الإباحة، فقد أباحتها الشريعة بمصادرها الأساسية: الكتاب، والسنة، والإجماع.

ففي الكتاب قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} النساء: 13: قد بينت الآية أن إخوة الميت الذي ليس له ولد ولا والد يشتركون في ثلث المال الموروث. وفي الحديث القدسي: قوله تعالى: ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما)) رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقي.

وفي الحديث النبوي: قوله صلى الله عليه وسلم: ((يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا)) ، رواه الدارقطني، فالشركة محمودة ومبرورة إذا حفظ كل شريك حق شريكه الآخر فيها.

وقد وقع التشارك في الأموال وتنميتها بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض من أصحابه، كما حصل بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنه.

وأبرمت الشركات بين كثير من الصحابة من بعضهم البعض، كما ثبت في الأخبار والآثار.

والإجماع منعقد على إباحة أصل الشركة، إلا ما قام الدليل على حرمتها، أو أصبح ذريعة لأكل أموال الناس بالباطل، كما نقل الشوكاني في "نيل الأوطار" عن ابن بطال، وكما نقل محقق كتاب "خبايا الزوايا" للزركشي عن ابن حزم في "مراتب الإجماع " وكما في "بداية المجتهد" لابن رشد.

وحكمة مشروعية الشركة في نظر الإسلام: التعاون بين أفراد المجتمع بالمحافظة والتنمية والتوفير. وفتح مجال العمل والاستثمار أمام المجتمع، كما في شركة المضاربة بصورة ظاهرة، فقد يكون لدى أحد الأشخاص مال، ولكن لا يستطيع استثماره، كما قد يكون لدى أحد الأفراد خبرة واستعداد في التجارة ولكنه خالٍ عن رأس مال.

ومن هنا أجاز الإسلام عقود الشركات كالمضاربة.

ص: 546

فصل في الأسهم، لغة، واصطلاحاً

اعلم أن الأسهم في اللغة: جمع سهم، وهو الرمح، والنصيب، والحظ، ويجمع على سهام، وسهمان، وأسهم، وسهمة.

والسهم هو الرمح في باب الرمي والصيد، وهو: النصيب والحظ في المال في باب الشركة، والغنيمة والإرث.

وهو النصيب والحظ في الشيء المشترك، وهذا الأخير هو المراد في:"باب الشركة" عند الفقهاء.

وبهذا كله نعلم أن السهم في اصطلاح الفقهاء في باب الشركة الذي نحن فيه، هو نصيب الشريك في مال الشركة، أياً كانت الشركة، أي مقدار ما يمتلكه فيها من رأس مال وربح، إذا كان هناك رأس مال، أو من ربح فقط إن لم يكن هناك رأس مال.

والله أعلم.

فصل في الزكاة، لغة، وشرعاً وحكماً وحكمة

الزكاة في اللغة: التطهير، والنماء، والزيادة، والإصلاح، وأصلها من زيادة الخير، قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} الشمس: 9.

ويقال: زكاة الزرع إذا نما، وزكا يزكو زكاة، وكل شيء إذا زاد فقد زكا.

وأما الزكاة شرعاً: فهي اسم لأخذ شيء مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة، لطائفة مخصوصة؛ قاله في المجموع.

ويقال: هي تمليك مال مخصوص لمستحقه، بشرائط مخصوصة، قاله الجزائري في "الفقه على المذاهب الأربعة".

وهي: عبادة مالية مفروضة على كل مسلم يملك النصاب، قاله ابن قدامة في "المغني".

وهي: "حق يجب في المال"، كما هي: إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه، غير متصف بمانع شرعي يمنع من التصرف فيه، ذكره الشوكاني في "نيل الأوطار"، والمودودي في "فتاوى الزكاة" له.

والزكاة: هي الركن الخامس من أركان الإسلام عند جميع الأمة، فيكفر جاحدها، ويفسق من لو يؤدها.

قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43.

وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103.

وفي الحديث الصحيح: ((بني الإسلام على خمس..)) وقال فيه: ((

وإيتاء الزكاة..)) رواه: البخاري ومسلم في الصحيحين.

وفي حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: ((اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة مالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم)) ، رواه: الترمذي وحسنه وصححه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، كما نقله الحافظ الزيلعي في نصب الراية.

ص: 547

فصل في مقاصد الزكاة، والأموال التي وجبت فيها

للزكاة مقاصد كثيرة وحكم عالية؛ إذ هي قبل كل شيء غرس لمشاعر الحنان، وتوطيد لعلاقات التعاون بين الناس، وهي مظهر التعاون، وعلامة الأخوة بين المسلمين، ووسيلة التكافل بين طبقات المجتمع وأفراده.

ومبعث حكمها ومدار مقاصدها:

أنها تقوم على تضامن الأفراد؛ لأن نزول الأغنياء من مبلغ معلوم زائد عن حاجتهم الأساسية لمن يستحقه من الفقراء فيه تحقيق معنى التضامن الذي أوجبه الله بين المسلمين، قياماً بحق الفقراء، وسد حاجاتهم، وحفظ كرامتهم عن ذل السؤال، فيطهر قلوبهم من الحقد والحسد للأغنياء، ففي الآية الكريمة إشارة إلى ذلك:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103 أي: تطهر نفوسهم وتزكي أعمالهم، كما فسرها بعض المجتهدين كالماوردي في "الأحكام السلطانية" وابن تيمية في فتاويه، والقرطبي في تفسيره.

ويقول الزمخشري عقب تفسير قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد: 7: (إن هذه الأموال التي بين أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها وخولكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فليست هي أموالكم في الحقيقة، وما أنتم إلا بمنزلة الوكلاء، والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله، وليهن عليكم الإنفاق منها، كما يهون على الرجل الإنفاق من مال غيره إذا أذن له) الكشاف 3/200.

ويقول القاضي ابن العربي: إن الله خص بعض الناس بالأموال دون بعض، نعمة منه عليهم، وجعل شكر ذلك منهم: أن يتضح في صورة إخراج سهم يردونه إلى من لا مال له. نيابة عنه سبحانه، فيما ضمنه بفضله في قوله:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} هود: 6، كما في أحكام القرآن.

ويقول الإمام الرازي في التفسير الكبير: "إن الفقراء عيال الله، والأغنياء خزان الله؛ لأن الأموال التي في أيديهم أموال الله، فليس بمستبعد أن يقول المالك لخازنه: اصرف مبلغاً مما في تلك الخزانة إلى المحتاجين من عيالي" 16/103.

وإنها تطهر النفس من وباء الشح ومرض البخل، فيستحقون الفوز والفلاح، قال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر: 9.

وإن الأموال التي تجب فيها الزكاة فهي معروفة مبينة في كتب الفقه وهي: الأموال النامية بطبيعتها، أو المعدة للنماء.

كالأنعام السائمة التي قصد منها التناسل، وكالزروع المزروعة للاقتيات وغيره وكالنقود وعروض التجارة.

فالزكاة تجب في هذه الأموال النامية، سواء كانت أموالاً مشتركة أو خاصة بشروطها المعروفة.

ص: 548

وإليك شيء يسير من أدلة وجوب زكاة تلك الأنواع: فما يستدل لوجوب زكاة الأنعام: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البر صدقته)) رواه الحاكم بإسنادين صحيحين عن أبي ذر، كما في سبل السلام، والمغني، ونصب الراية.

وتوضيح مقادير هذه الصدقة مروية في كتب السنة والصحاح: مثل حديث أنس رضي الله تعالى عنه، وهو المعروف "بكتاب أبي بكر"، وهو في البخاري، وسنن أبي داود والحاكم والطحاوي.

وفي كتاب عمر رضي الله تعالى عنه مثله، عن أبي داود والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والحاكم.

وكتاب عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه مثل ذلك، كما أخرجه: النسائي، وأبو داود والطبراني، وابن حبان، وعبد الرزاق.

ومن أدلة زكاة النقود: قوله صلى الله عليه وسلم:

((هاتوا ربع العشر، من كل أربعين درهماً درهم، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإن كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك)) . رواه: الدارقطني، وأبو داود والبيهقي.

والإجماع منعقد على ذلك كما نقله ابن حزم في مراتب الإجماع، وابن رشد في بداية المجتهد.

ص: 549

ومن أدلة زكاة الزروع قوله: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} الأنعام: 141.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فيما سقت السماء والسيل والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) رواه: البيهقي والحاكم وصححه.

والاجتماع منعقد عليه كما نقله ابن حزم في مراتب الإجماع، وابن رشد في بداية المجتهد.

ومن أدلة زكاة التجارة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} البقرة: 267 فقد قال مجاهد: إنها نزلت في التجارة.

وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع)) رواه أبو داود، والدارقطني، والبزار.

وقد اختلف العلماء في زكاة التجارة إلى مذهبين:

فالمذهب الأول: تجب الزكاة إذا حال الحول، وهو قول جماهير العلماء من السلف والخلف، وقال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة، وهو مذهب: الثوري والأوزاعي، والشافعي، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيدة. ومالك يوافقهم في نوع، وفي نوع يقول فيه: زكاة عام واحد.

والمذهب الثاني: لا تجب الزكاة في التجارة، وهو مذهب: داود وغيره من أهل الظاهر.

ص: 550

وأما زكاة الشركات التي نحن بصددها: فإن الزكاة فيها بغير خلاف معتبر.

وأدلتها هي نفس الأدلة السابقة عموماً. والأحاديث التي وردت بلفظ الخلطة بصفة خاصة، مثل خبر أنس رضي الله تعالى عنه وفيه: ((

لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) رواه البخاري وغيره.

وفي الخبر المشهور بكتاب عمر رضي الله تعالى عنه: "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، ومثله ما في كتاب عمرو بن حزم، عند أبي داود والنسائي، وغيرهما.

هذا وتجب الزكاة في العملات المعدنية والورقية للقوة الشرائية التي منحت لها بحكم القانون، فقامت بذلك مقام الذهب والفضة، وهو قول جمهور الفقهاء، فقد أجمع الفقهاء الثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة فيها، وخالفت الحنابلة فقط.

ولوجوب زكاة الأموال –سواء كانت أموالاً مشتركة أو خاصة- شروط الزكاة المعروفة، ونذكر منها:

- أن يبلغ المال المملوك "نصاباً"، وهذا المقدار هو الذي يعتبره الإسلام مظهر الغنى، مع من يعولهم من الأهل. قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} البقرة: 219 والعفو: ما زاد من الضرورات اللازمة.

وفي الحديث: ((إنما الصدقة عن ظهر غنى)) رواه أحمد والبخاري، وهذا هو حد الكفاية عند حسابات الزكاة، وهو المسمى (بالنصاب) ، قاله حجة الله الدهلوي.

- وأن يحول عليه الحول، وهذا شرط لوجوب زكاة جميع الأموال، ما عدا الزرع والركاز والمعدن، والربح والنتاج. ففي حديث علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا زكاة في مال حتى يحول الحول)) رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وابن عدي ومالك في الموطأ والشافعي في مسنده وابن ماجه والبيهقي وأبو عبيد في كتاب الأموال، نقله الحافظ الزيلعي في نصب الراية.

ص: 551

وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول الحول)) رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي وابن أبي شيبة، كلهم موقوفاً إلا الترمذي فمرفوعاً.

ومن هذا كله نعلم أن الزكاة تجب في أموال الشركة إذا بلغت نصاباً، ولو لم تبلغ كل حصة من حصص المشتركين فيها النصاب وحدها كما يقول الشافعي، ويؤيده أحاديث الخلطة السابقة، فللخلطة والشركة عند الشافعي ومالك وآخرين من الفقهاء تأثير في وجوب الزكاة ومقدارها، في المواشي والزراعة والنقود وعروض التجارة كما ذكره صاحب "كفاية الأخبار" وبداية المجتهد، نقل ذلك المودودي في "فتاوى الزكاة" له مع تعليق صاحب التعليق.

والأحسن أن تقوم الشركة بعد طرح نفقاتها من أجر ومرتب العمال غير المشتركين مع طرح الأسهم التي لم تبلغ الحول منذ دخولها في الشركة، بأداء زكاة سائر الأسهم بإذن أصحابها على الأصح؛ لأن لها تسهيلات إدارية وليس هناك أي أصل من أصول الشريعة ينافي ذلك، قاله المودودي في فتاوى الزكاة، مع توسع بسيط.

هذا ما ذهب إليه الشافعي ومالك من الفقهاء، فقد اتفقوا: أن الشركاء يزكون عن شركتهم زكاة المال الواحد، باعتبار المقدار الواجب.

وتنظر العروض التجارية إذا حال الحول –من تاريخ البدء- إلى ما بقي لدى معارضها ومخازنها من رصيدها، فتقومها وتجمع القيمة إلى ما عندها من نقود، ثم تؤدي زكاة المجموع، وتنظر –أيضاً- إلى النصاب في أول الحول وآخره، ولا تنظر ما طرأ خلال الحول من زيادة أو نقصان، قاله المودودي.

وتقع مسؤولية ما إذا قل سهم من أسهم الشركة عن النصاب –وقلنا طرح مثل ذلك السهم- على مالكه، فإن كان لديه ما يكمله من شركة أخرى، أو رأس مال آخر، فعليه زكاة ذلك المطروح مع ما لديه، وإلا فلا. قاله المودودي.

ومن ساهم في الشركة بعمله فقط، فإن لم يأخذ حصته من الربح ولم يقسم له حتى حال الحول الثاني –مثلاً- فإن في سهمه الزكاة. كما قاله المودودي في "فتاوى الزكاة".

وأعتبر أنه أصاب الحكم الحق في هذه المسألة. والله أعلم.

ص: 552

المبحث الثاني

أنواع الشركات

تنقسم الشركة إلى قسمين: "شركة أملاك"، و"شركة عقود":

1-

شركة أملاك: وهي أن يمتلك أكثر من واحد مالاً من غير عقد، سواء كان التملك تملكاً إجبارياً، كالتملك بالإرث ونحوه، أو تملكاً اختيارياً، كاشتراك اثنين فصاعداً عيناً معاًَ بالشراء مثلاً.

وهذا النوع من الشركة جائز عند الجميع، وبه وردت الآية الكريمة السابقة:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} . النساء: 12.

فإن بقي مثل ذلك المال مشتركاً حتى يحول الحول ولم ينقص عن النصاب، مع كونه مالاً زكوياً –كالماشية، والنقود، وعقود التجارة- فإن الزكاة تجب على المشتركين في هذا المال، على مقدار الأسهم.

ففي الماشية بلا خلاف، وفي غيرها على الأصح.

2-

وشركة عقود: وهي عبارة عن العقد الواقع بين شخصين فأكثر للاشتراك في مال وربحه.

وهي تنقسم إلى أقسام، هي:" شركة العنان "، و" شركة المفاوضة "، و" شركة الأعمال "، و" شركة الوجوه "، و" شركة المضاربة "، ولهذه الشركات أركان وشروط.

1-

شركة العنان: ويقال: الشركة بالأموال: هي أن يتعاقد اثنان فأكثر على الخلط للاشتراك بمبلغ معين من مالهما للتجارة فيه على أن يكون الربح بينهما، واشترطا على أن لا يتصرف أحدهما إلا بإذن صاحبه.

وبعبارة أخرى هي: أن يشترك أكثر من واحد في رأس مال بأسلوب عقد مشترك، على أن يكون الربح الناتج منه مشتركاً بينهما بقدر رأس مال كل منهما، إذا كان العمل على السواء، وإلا اعتبر لصاحب العمل في الربح عمله ورأس ماله.

ص: 553

وهذا النوع من الشركة جائز عند الجميع أيضاً.

ولشركة العنان أركان وشروط:

فأركانها: المتعاقدان، ورأس المال المشترك، والصيغة، عند أكثر العلماء، واقتصر بعضهم، وهم الحنفية ومن تبعهم على ركن واحد وهو الإيجاب والقبول كما نقل.

وأما الشروط: فيشترط لكل من المتعاقدين: الحرية، والرشد، والبلوغ.

والصيغة: أن تشتمل على ما يفيد الشركة عرفاً، والإذن بالتصرف لمن يتصرف منهما بالبيع والشراء ونحوهما.

ولرأس المال: اختلاط المالين من غير تمييز، واتحادهما في الجودة، ولو تفاضلاً في القدر، وكونهما معلومين لدى المتعاقدين.

ويشترط أيضاً أن يكون الربح والخسارة بحسب نسبة المالين، قلة وكثرة. وأن يكون الجزء المستحق لكل واحد من المشتركين من الربح جزءاً معلوماً مشاعاً.

وتلك الشروط مما اتفق فيه عند الأكثر.

وهذه الشركة جائزة عند الجميع كما سبق، وكما نقل الخطيب الشربيني في المغني على المنهاج.

وعمل الصحابة والتابعين جار.

وهذه الشركة: تجوز في جميع أنواع الأموال، فمن ادعى الاختصاص بنوع فعليه الدليل.

وفي الحديث: عن أبي المنهال: ((أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين، فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهما: أن ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان بنسيئة فردوه)) . رواه أحمد والبخاري، ودل هذا الحديث جواز الشركة في الدراهم والدنانير، وهو إجماع كما قاله ابن بطال ونقله الشوكاني في نيل الأوطار.

2-

وشركة الأبدان: وهي شركة الأعمال: أن يشترك محترفان فأكثر بعقد من غير مال، على أن يعملا معاً بأبدانهما، ويقتسما أجرة عملهما، وعلى أن يتقبلا الأعمال، ويكون الكسب بينهما، فيصير كل واحد منهما وكيلاً عن الآخر في تقبل الأعمال والعمل، فتكون الأضرار الناجمة عن الأعمال عليهما معاً، وإن لم يعمل بعض منهم.

وهذه الشركة – أي شركة الأعمال - قد أجازها كل من: الحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم، ومنعتها الشافعية.

ص: 554

وقد استدل الجمهور لجوازهما بأحاديث مثل حديث أبي عبيدة: عن عبد الله قال: "اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء"، رواه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.

وأجابت الشافعية عن مثل هذا الحديث: بأن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدفعها لمن يشاء، وأظن أن الحق في هذه المسألة مع الجمهور، والله أعلم.

3-

وأما شركة الوجوه: فهي: أن يشترك أكثر من شخص ليس لهما مال، ولكن لهما وجاهة عند الناس، على أن يشتريا تجارة بثمن مؤجل، ويكون الربح بينهما.

أو: أن يتفق ذو جاه مع خامل، على أن يبيع الوجيه تجارة الخامل، على أن يكون له جزء من الربح بدل الأجرة.

أو: أن يشتركا –أي المفلسان- في شراء تجارة بثمن في ذمتهما اعتماداً على وجاهتهما، ثم يبيعانه، والربح بينهما على ما اتفقا به.

وقد أجاز هذا النوع من الشركة: كل من الحنفية والحنابلة ومن تبعهم، ومنعها كل من الشافعية والمالكية ومن تبعهم.

ولعل الأصل يؤيد المجوزين، فقد قال الشوكاني في "نيل الأوطار": إن "الأصل جواز جميع أنواع الشركة المفصلة في كتب الفقه، فلا تقبل دعوى الاختصاص بالبعض إلا بدليل" الجزء الخامس صفحة (392) نشر وتوزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، والله أعلم.

ص: 555

4-

وأما شركة المفاوضة: فإنها هي أن يتعاقد اثنان فصاعداً على الاشتراك بأموالهما من غير خلط المالين ببعضهما البعض قبل العقد.

أو أنها: الاشتراك في استثمار المال مع تفويض كل واحد لصاحبه في الشراء والبيع والمضاربة والتوكيل، والبيع بالدين، والارتهان، والضمان، ما عدا الكسب النادر.

أو: اشتراك أكثر من واحد في الاتجار بماليهما على أن يكون لكل منهما نصيب في الربح بقدر رأس ماله، بدون تفاوت، مع التصرف المطلق لكل منهما، في البيع والشراء والغيبة والحضور.

أو: أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في ربح ماليهما، وما سيكون عليهما من ضمان من غير اختلاط المالين.

وهذا النوع من الشركة قد جوزه كل من الحنفية والمالكية ومن معهما، ومنعته الشافعية والحنابلة، وقد نقل عن الإمام الشافعي: أنه عد هذه الشركة من أشد العقود بطلاناً كما نقل عنه الخطيب الشربيني في المغني على المنهاج: قال: "قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا"، نقله في الجزء الثالث صفحة (212) ط: مطبعة الاستقامة بالقاهرة 1374هـ - 1955م، وأشار إلى ما فيها من غرر.

ودليل المجيزين: عموم أحاديث الشركة السابقة، مع ما نقلناه عن الشوكاني في "نيل الأوطار" قريباً.

5-

وشركة المضاربة: وهي: القراض: فإن الحنفية لم تعدها من أقسام الشركة، وقد عدها الآخرون منها.

وهي: عقد بين طرفين: صاحب مال، وعامل، على أن يشتركا في الربح –لاعتبار هذا، سمي العقد شركة - ورأس المال من طرف، والعمل من طرف آخر، ولاعتبار هذا لم تسم بشركة.

وهي مطلقة ومقيدة، وكلاهما جائز عند الفقهاء، كما قاله ابن حزم في مراتب الإجماع، حين قال:"لكل أبواب الفقه أصل من الكتاب والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلاً البتة، ولكنه إجماع مجرد".

ص: 556

وكان القراض معمولاً به في الجاهلية: ((قارض النبي صلى الله عليه وسلم في مال خديجة رضي الله تعالى عنها قبيل زواجه بها)) ، وأقره الإسلام، ومما يستدل لذلك آثار عديدة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

منها: ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه: "أنه أعطى مال يتيم مضاربة""رواه الشافعي والبيهقي وابن أبي شيبة ". ومنها: ما روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه "أنه أعطى مالاً مضاربة" رواه البيهقي.

ومنها: ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه أعطى زيد بن جليدة مالا مضاربة. رواه الشافعي والبيهقي.

ومنها ما روي أنه جرى بين عبد الله وعبيد الله ابني عمر رضي الله عنهما مع أبيهما في المال الذي أمرهما أبو موسى الأشعري من العراق ليتجرا به مضاربة إلى المدينة ويبلغاه إلى عمر رضي الله تعالى عنه، وقد فعلا ذلك وربحا منه، وتشاجرا مع عمر رضي الله تعالى عنه، فأخيراً قيل: إنها مضاربة. رواها مالك في الموطأ والشافعي والدارقطني. انظر المغني لابن قدامة والهداية ونصب الراية.

وإذا تتبعنا تلك الشركات ولا حظنا قواعدها وشروطها وقسنا عليها الشركات المعاصرة: نلاحظ أن الألقاب قد تغيرت والأساليب قد تعددت.

فإذا اعتبرنا أن هذه الشركات الإسلامية شركات مالية ذات ثروة طائلة، فإن الزكاة تجب فيها جملة واحدة، فإن أخرج من مجموعها فلا بد أنها ستكون على قدر الأسهم.

لأن الزكاة واجبة على مشتركيها في أموالها على مقدار الأسهم – رأس مال وربحاً.

فإن كانت الشركة كـ " شركة عنان " أو طابقت شروطها ومقاصدها، فالزكاة تجب على أصحاب الشركة إذا حال الحول ولم ينقص المال أي قيمته عن النصاب.

والأحسن –كما أشرت سابقاً- إن كان للشركة مركز إداري أو مدير عام أن يؤدي الزكاة من مركزها بعد سداد نفقاتها رأس مال وربحاً.

ص: 557

وكذلك نقول في أنواع الشركات الأخرى، إلا أنها تختلف بعض الشيء؛ لأن في شركة المضاربة مثلاً رأس المال لصاحب المال، فزكاته عليه، والربح مشترك على ما اتفقا فيه –من تساوٍ وتكاثر، فزكاته عليهما وزكاة سهم صاحب المال حولها حول رأس ماله- وزكاة سهم المضارب حولها من ظهور الربح. ولأن شركة الأبدان ليس فيها رأس مال كما هو واضح، وقس على ذلك البقية.

وهناك شركات غير إسلامية، فلا نطيل الكلام فيها كما قلت سابقاً، ولكن لا بأس بالإشارة إلى بعض منها.

فمن هذه الشركات "شركة التأمين" بأنواعها الثلاثة، فليست من الشركات الإسلامية؛ لما فيها من التغرير والقمار بأموال الناس.

لأن العقد الصحيح لا يقع إلا على "العين المعوضة" المأذون فيها، كالبيع أو "العين بلا عوض" كالهبة، أو "المنفعة المعوضة" كالإجارة، أو المنفعة بلا عوض كالعارية، وعقد قد خلا من هذه المظاهر الأربعة؛ لأنه وقع على نوع من الضمان ولم يكن هذا النوع عيناً ولا منفعة، انظر:" فقه السنة " 2/126 -198 -232- 388. ط: 1968م دمشق. والمدخل الفقهي لمصطفى الزرقا: 1/539 -541-549.

ومنها شركات البنوك الربوية.

ومنها شركة المساهمة بصورها المختلفة الحديثة: المدنية، التجارية، شركات الأموال، الشركات العامة.

فلا نتكلم عن زكاة هذه الشركات، ولا أسهمها؛ لأنها لا تتفق مع قواعد الشريعة في الشركات، فقد افتقدت العنصر الأول في الشبه لدى الشريعة الإسلامية، وهو: الجهد البشري، كما لا يخفى.

وافتقدت أيضاً شروطاً كثيرة من شروط الاشتراك، مثل: بقاء أهلية الشركاء؛ فإن تلك الشركات لا تتوقف لموت أحد من شركائها، فلهذا أو غيره نعلم أنها غير إسلامية، فلا نتكلم عن الزكاة فيها؛ لأن الزكاة عن مثل هذه الأموال لا تطهرها ولا تزكي أصحابها.. انظر " المجتمع الإسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية" للدكتور محمد الصادق العفيفي.

انتهى والله أعلم.

ص: 558

الخلاصة

لقد تقرر فيما سبق في المبحثين حول الموضوع ما يلي:

1-

أن الشركة: هي ثبوت الحق شائعاً في شيء واحد، كثبوت حقوق الورثة في المال الموروث.

وثبوت الحق شائعاً في شيء يعقد بين أكثر من واحد كثبوت أسهم الشركاء في المال المشترك بعقد، كما في " شركة العنان ".

أو كثبوت أسهم الشركاء في الربح المشترك بعقد كما في " شركة المضاربة " مطلقاً، و" المفاوضة " عند عدم الاختلاط، و"الوجوه" عند عدم رأس المال.

أو كثبوت أسهم الشركاء في الربح أو الأجر للمشتركين بعقد، كما في "شركة العمال". والله أعلم.

2-

وأن أصل الشركة جائز شرعاً إلا ما قام الدليل على منعه، أو أصبح ذريعة لأكل أموال الناس بالباطل.

والله أعلم.

3-

وأن من الشركات الجائزة شرعاً بالإجماع: الشركة بالامتلاك في الأشياء المباحة، كالمعادن المحفورة، والبئر.. و"شركة العنان" و"المضاربة" وما تفرع منهما مما لم يخرج عن قواعد الشريعة في حدود الشركات.. والله أعلم.

4-

وأن السهم في باب الشركة: هو نصيب الشريك في مال الشركة من رأس مال وربح، كما في "شركة العنان" مثلاً، أو في الربح كما في سائر شركات العقود من مضاربة وغيرها

والله أعلم.

ص: 559

5-

وأن السهم: هو من عين المال المشترك –أياً كانت نوعية المال- وليس هو الورقة المكتوبة لكل شريك، وأن هذه الورقة لا تعدو وثيقة الشركة وبيان مقدار الأسهم الحقيقية لكل المشتركين

والله أعلم.

6-

وأن الشركة مالها مال متحد، ولو تعدد ملاكه، أو تباعدت أماكنه، فإن كان هذا المال مالاً نامياً أو معداً للنماء، وأصبح مجموعه مبلغاً يظهر منه مظاهر الغنى لملاكه، ومظهر المطامع للمحتاجين، فلا بد أن فيه حقاً معلوماً مفروضاً؛ لأن حكمة وجوب الزكاة ومقاصدها متحققة ومجتمعة فيه، ومعظمها ما تشير إليه الآية الكريمة المنزلة في الزكاة المفروضة، قال الله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103. والله أعلم.

7-

وأن وجوب تلك الزكاة في تلك الشركات على المشتركين على مقدار الحصص، وهي الأسهم، فإن سلم أحد الشركاء مبلغ زكاة الشركة، فسيرجع على الآخرين بمقادير أسهمهم: إذا كانوا من أهل الزكاة

والله أعلم.

8-

وأن الأولى والأحسن، والأسهل، لأصحاب الشركة وعاملي الزكاة، إذا كان للشركة مركز عام، أو مدير عام، أن يؤدي هذا المركز أو ذلك المدير العام زكاة مال الشركة كلها، كوكيل عن الآخرين إن كان من أصحاب الأسهم، أو عن المالكين إن لم يكن منهم بإذنهم مقسومة على قدر الحصص بعد طرح المصروفات اللازمة، من أجرة العمال والكراوات

والله أعلم.

9-

وأن الشركات المعاصرة التي لا تتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية؛ لأنها تتوفر لها شروط، منها الجهد البشري وحمل رؤوس الأموال وعرضها على الربح والخسارة، وعدم التعامل بالربا والمقامرة، فلا نتكلم عن زكاتها؛ لأن الزكاة لا تطهر مثل هذه الأموال ولا تزكيها، ولا تنفع أصحاب تلك المعاملات صدقة يخرجونها منها، لا دنيا ولا آخرة. إلا إذا تابوا منها وأصلحوا أعمالهم فلهم رؤوس أموالهم..

والله الموفق، وهو يهدي إلى سواء السبيل.

والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.

15/7/1406-24/4/1986 الشيخ هارون خليف جيلي

ص: 560

أهم المراجع

1-

القران الكريم.

2-

تفسير ابن كثير.

3-

التفسير الكبير للرازي. من 16/103

4-

الكشاف للزمخشري. من 3/200

5-

مغني المحتاج للخطيب الشربيني: من 1/367 إلى 634 ومن: 2/211 إلى 216.

6-

الفقه على المذاهب الأربعة الجزائري. من 1/590 إلى 615

7-

مراتب الإجماع لابن حزم من: 40-37-105.

8-

نيل الأوطار للشوكاني. من: 4/129- 5/390

9-

خبايا الزوايا للزركشي. من 24-25-133-136-137-142-283

10-

نصب الراية للحافظ الزيلعي. من: 2/327- إلى 376.

11-

سنن أبي داود: من: 1/393 – إلى 395، ومن 2/251 – 252

12-

سبل السلام من: 1/598 إلى 616

13-

فتاوى الزكاة للمودودي من: 12-18-77-81-82-87-78-88

14-

جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد. للشيخ محمد سليمان المغربي من 1/214-215-218-387-389.

15-

الأموال وطرق استثماره للدكتور شوقي من: 212

16-

المجتمع الإسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية للدكتور محمد الصادق العفيفي من 310

17-

بداية المجتهد لابن رشد من: 1/197 ومن 2/251

18-

كتاب الأم للشافعي. من 2/20-24-38

19-

فقه السنة للسيد سابق. من: 2/295

20-

الموطأ للإمام مالك. من 1/246

21-

فتح الباري. من: 3/189

22-

المصباح المنير: 254

23-

مختار الصحاح: 273

24-

منجد اللغة والأعلام

25-

المحلى لابن حزم من: 5/234 -199 ومن: 6/69

26-

الأحكام السلطانية للماوردي: 119

27-

كتاب الأموال لأبي عبيد من: 235-439-688-409-413.

28-

أحكام القرآن من: 945

29-

المغني لابن قدامة من 1/625 ومن 2/433

30-

حجة الله الدهلوي من 2/506

31-

فتاوى ابن تيمية

32-

المجموع من: 5/324-325-434 ومن: 6/47-48.

33-

صحيح البخاري: 110-6: الإيمان والزكاة في: 189

34-

صحيح مسلم. 30-32 باب الصلاة وأركان الإسلام وفي: 315

35-

سنن الترمذي من 78 وفضل الصلاة

36-

سنن النسائي: من: 336

37-

سنن البيهقي من 104

38-

سنن ابن ماجه من: 2/66-129

39-

صحيح ابن حبان

40-

نهاية المحتاج من: 5/3

41-

بدائع الصنائع للكاساني من: 6/56

42-

النقود العربية للكرماني من: 9/18

43-

الاختيار لتعليل المختار للموصلي من: 2/27

ص: 561