المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حيا أو ميتاإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الرابع

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلاميالأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

- ‌كلمةمعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنميةالدكتور/ أحمد محمد علي

- ‌كلمةمعالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلاميالأستاذ/ أمين عقيل عطّاس

- ‌كلمةمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويتالشيخ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةالوفود المشاركةألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

- ‌التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنسانيإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌‌‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالدكتور عبد السلام داود العبّادي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الشيخ آدم عبد الله علي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاًإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة سيدي محمد يوسف جيري

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ عبد الله البسام

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ رجب بيوضي التميمي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌المثامنة في العقار للمصلحة العامةإعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتزاع الملكية للمصلحة العامةإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌انتزاع الملكية للمنفعة العامةإعدادأ. د. يوسف محمود قاسم

- ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌انتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادالدكتور محمود شمام

- ‌الإسلاموانتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر

- ‌سندات المقارضةإعدادالصديق محمد الأمين الضرير

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌سندات المقارضةوسندات الاستثمارإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌سندات المقارضةإعدادالقاضي محمد تقي عثماني

- ‌ضمان رأس المال أو الربحفي صكوك المضاربةأو سندات المقارضةإعدادالدكتور حسين حامد حسان

- ‌سندات المقارضةوسندات التنمية والاستثمارإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌سندات المقارنة وسندات الاستثمارإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبينسندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينهاوبين السندات الربويةإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌سندات المقارضة والاستثمارإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌البيان الختامي وتوصياتلندوةسندات المقارضة وسندات الاستثمارالتي أقامهامجمع الفقه الإسلامي بجدة

- ‌بدل الخلوإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌ موضوع (بدل الخلو)

- ‌بدل الخلوإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)إعدادفضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو

- ‌بدل الخُلُوِّفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌بدل الخلو وتصحيحهإعدادفضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادفضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالأستاذ مصطفى الفيلالي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالحاج شيت محمد الثاني

- ‌الوحدة الإسلاميةوالتعامل الدوليإعدادفضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري

الفصل: ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حيا أو ميتاإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

‌انتفاع الإنسان بأعضاء

جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً

إعداد

الدكتور عبد السلام داود العبّادي

ممثل المملكة الأردنية الهاشمية في المجْمَع، ونائب رئيس المجْمَع

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمدك ربي وأصلي وأسلم على رسولك الكريم، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه والتزم بشرعه إلى يوم الدين ـ وبعد:

فإن قضية انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً من القضايا المستحدثة بصفة عامة، وإن كان لها بعض النظائر الفقهية السابقة. وقد اهتم ببيان حكم الشريعة الإسلامية فيها عدد من الفقهاء المحدثين، وقد أصدرت عدد من اللجان والمجالس وجهات الإفتاء في العالم الإسلامي فتاوى فيها.. والواقع أن هذه القضية من الأهمية بمكان بعد أن أبرز التقدم الطبي الحاجة الماسة إليها، وضرورة بلورة النظر الفقهي فيها، بل متابعة ما يستجد فيها من صور جزئية وملابسات وتفصيلات دقيقة.. فقد كان الأمر في إطار محدود يتعلق بالاستفادة من بعض الأعضاء وبعد وفاة الإنسان العادية، مثل الاستفادة من قرنيات العيون أو الاستفادة من بعض الأعضاء في الإنسان الحي له نفسه أو لغيره؛ كالاستفادة من الدم والجلد، ثم تتابع االتقدم الطبي يثير قضايا الاستفادة من أعضاء أساسية كثيرة في الإنسان كالقلب والكلى ويثير قضايا موت الدماغ والتفريق بينه وبين الموت العادي، بل دخلت على هذا الموضوع اعتبارات جديدة غير ذلك تتعلق بنقل الخصية والمبيض وما يترتب عليه من اختلاط في الأنساب وتداخل في النسل.

كل ذلك دفع العلماء لاستمرار النظر في هذا الموضوع ومتابعته بالبحث والدراسة. وإن في تصدي مجمع الفقه الإسلامي لدراسة هذا الموضوع وبيان حكم الشريعة الإسلامية فيه محاولة جادة في هذا المجال لها وزنها العلمي؛ نظراً لما يتمتع به المجمع من مكانة وصفات على مستوى العالم الإسلامي تجعله يقدم صورة من أفضل صور الاجتهاد الجماعي المعاصر أمام القضايا الحادثة.. نسأل الله سبحانه وتعالى له العون والتوفيق.

وقد كان قرار المجمع في دورته الثالثة في عمان بخصوص موت الدماغ مما يكمل االبحث في هذا الموضوع ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً.

ص: 272

1-

والواقع أن معالجة هذه القضية تحتاج إلى نظر فقهي يقوم على ملاحظة جملة من المبادئ والقواعد والأصول الشرعية التي يمكن إيجازها فيما يلي:

أ - كرامة الإنسان واحترام شخصه وعدم جواز انتهاك حرمته حياً أو ميتاً في الشريعة الإسلامية.. قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم

} (1) وقال سبحانه: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) (3) وقال صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) (4) ونهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة.. ومما يرتبط بهذا المبدأ عدم جواز المتاجرة بأعضاء الإنسان، والبعد به عن كل ما يؤدي إلى التشويه والمثلة.

ب - المحافظة على حياة الإنسان والتنديد بكل ما يضره ويؤذيه، وترتيب الأجزية الرادعة على كل عدوان عليه بقتله أو إتلاف عضو من أعضائه مما هو معروف في أحكام القصاص والديات.

وإن مما ينسجم مع هذا المبدأ جواز الانتفاع بعضو الإنسان الآخر إذا كان ذلك يحفظ حياة المنتفع دون أن يضر بالمنتفع منه، وإن ذلك لا يجوز في حالة الإضرار بالمنتفع منه أو تسبيب هلاكه.. لأن حق الحياة في الناس في نظر الشريعة واحد، والضرر لا يزال بمثله، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

ج- حث الشريعة الإسلامية على التداوي ودعوتها إليه، وبيانها أن الكل داء دواء، وما على الإنسان إلا أن يبحث وينقب ليكتشف المرض والعلاج. والأحاديث النبوية في ذلك معروفة.

(1) الإسراء: 70

(2)

التين: 4

(3)

أخرجة البخاري ومسلم.

(4)

أخرجه أبوداود والنسائي وغيرهما.

ص: 273

د- أن من أهداف الشريعة ومقاصدها الأساسية في المجتمع الإنساني رعاية المصالح وتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وإن هذه الرعاية للمصالح تقوم على نظر متكامل يقدم الضروريات على الحاجيات على التحسينيات، بل إنه في إطار الضروريات يقيم نسقاً دقيقاً للمفاضلة بين المصالح عندما تتعارض.. فالضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة إلى غير ذلك مما يعرف بالرجوع إلى مظانه.

هـ - احترام إرادة الإنسان في نفسه وذاته وفي إطار أسرته وأقربائه.. فلابد من موافقة الإنسان أو أولياء أمره على التبرع بعضو من أعضائه، إن كان في حياته أو بعد مماته.. ومما يرتبط بهذا تحديد من هم الأقرباء الذين لهم الموافقة، وما الحكم في حالة مجهولي الهوية والذين لا أهل لهم.. وقد ذهب بعض العلماء أن الإذن معتبر في حالة الحي دون الميت، من منطلق أن مصلحة الأحياء مقدمة على المحافظة على جثث الموتى، وهو نظر يعارض ويناقش من أكثر من زاوية، ومما يرتبط بهذا أيضاً موضوع حكم الاستفادة من أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام؛ فقد نص بعض العلماء على جواز الانتفاع بأعضائهم، ولو بدون موافقتهم، ويتعلق بذلك حكم تبرع الولي بأعضاء من هو تحت ولايته، فهو لا يجوز لأن هذا الإذن لم يلاق محله ولم يتوافر فيه شرطه، فتصرف الولي على من تحت ولايته في الأمور النافعة أو الدائرة بين النفع والضرر، أما ما هو ضار به فلا يجوز، وعلى هذا يجوز التبرع بالدم إذا ثبت أنه لا يضره، أما التبرع بإحدى كليتي ابنه فلا يجوز.

ص: 274

3-

ومن المسائل التي بحثها الفقهاء السابقون في هذا المجال مما يتعلق بهذه القضية:

أ - حكم التناول من جثة الآدمي إذا لم يجد المضطر غيرها، فقد ذهب العديد من العلماء إلى جواز ذلك لسد الرمق وعللوه بأن حرمة االحي أعظم من حرمة الميت.

ب - ونص بعض فقهاء الشافعية وغيرهم على جواز جبر العظم المنكسر بعظم الآدمي إذا لم يجد ما يصلح لذلك ولو كان من حيوان نجس نجاسة مغلظة.

ج- ومما يذكره بعض الباحثين في هذا المجال ما نقلته كتب السيرة من ((أن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أصيبت عينه يوم بدر، وفي رواية يوم أحد فندرت حدقته، فأخذها في راحته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعادها إلى موضعها فكانت أحسن عينيه وأحدّها بصراً.))

فهم يذكرون أن هذا وإن كان من معجزاته عليه السلام إلا أن فيه زرعاً للعين أو إعادة زرع لها.

وواضح أن هذا ليس مما نحن فيه من حيث بيان الحكم الشرعي للانتفاع بأعضاء جسم الإنسان.

وقد كانت لجنة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية قد عالجت موضوع انتفاع إنسان بأعضاء إنسان آخر حياً أو ميتاً في فتوى أقرتها بتاريخ 20 جمادى الأولى سنة 1397 هـ الموافق 18/5/1977م.. وقد كانت اللجنة تتكون في تلك الفترة من كل من الشيخ محمد عبده هاشم، والشيخ محمد أبو سردانه، والدكتور عبد السلام العبادي، والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، والدكتور ياسين درادكة، والشيخ عز الدين الخطيب، والشيخ أسعد بيوض التميمي.

ص: 275

وفيما يلي نص الفتوى:

السؤال /

ما رأي الدين في تشريح الميت، وفي نقل عضو من أعضاء حي أو ميت، إلى إنسان حي، لحفظ حياته أو سلامة أعضائه، ونقل الدم من إنسان حي إلى آخر.

الجواب /

هذه المسائل من الحوادث المستجدة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعده من سلفنا الصالح، ولذا لم ينقل عنهم لها ولا لأمثالها حكم خاص بها، فليس هناك نص خاص من كتاب أو سنة يجيز نقل أعضاء الميت إلى شخص آخر حي لينتفع بذلك أو يمنع منه، وإنما يؤخذ حكمها من عموميات القواعد والأدلة الشرعية. والذي تراه لجنة الفتوى في المملكة الأردنية الهاشمية، أن التشريح ونقل الأعضاء ونقل الدم بالشكل الوارد في السؤال من الأمور الجائزة شرعاً، ويستدل على هذا:

أولا:

إن حفظ الكليات الخمس واجب شرعاً عند العلماء، ومن ذلك حفظ النفس بإنقاذ حياة مسلم أو سلامة عضو من أعضائه بنقله من حي أو ميت.

ثانيا:

ويستدل بروح الشريعة وقواعدها العامة التي تقول: (الضرورات تبيح المحظورات)(والضرورة تقدر بقدرها) ، (وللضرورة أحكام) ، (وإذا ضاق الأمر اتسع) ، (والمشقة توجب التيسير) ، (ولا ينكر ارتكاب أخف الضررين) .

ثالثاً:

ويستدل كذلك بما كتبه الفقهاء المتقدمون والمتأخرون في إجازتهم تشريح الميت للكشف عن جريمة قتل أو لمعرفة أسباب مرض ما؛ ليتمكن الأطباء من معالجة ذلك المرض في الأحياء أو ما إلى ذلك من الصور والأمثلة التي يتحقق فيها الصالح العام أو الخاص للمسلمين، فقد أفتى فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بإجازة تشريح امرأة ميتة لإخراج مولودها الحي من بطنها أو لإخراج مال ابتلعه الميت

إلى غير ذلك من المسائل التي ذكروها في كتبهم المعتمدة، فإذا أجاز العلماء التشريح لإخراج مال ابتلعه الميت، وقدر هذا المال بمقدار نصاب قطع يد السارق، وهو ربع دينار أي ثلاثة دراهم، فمن باب أولى أن يجاز التشريح هنا لصيانة نفس أو لإنقاذ حياة أو لسلامة عضو أو كشف لجريمة.

ص: 276

وفيما يلي نصوص الفقهاء في ذلك:

أ- جاء في كتاب رد المحتار على الدر المختار، وهو من كتب الحنفية المعتمدة:(حامل ماتت وولدها حي يضارب- أي في بطنها- يشق بطنها من الأيسر ويخرج ولدها. ولو بالعكس، وخيف على الأم (أي من الهلاك) قطع- أي الجنين ـوأخرج لو ميتاً. ولو بلغ مال غيره ومات هل يشق أم لا؟ قولان: الأول: نعم ـ رد المحتار على الدر المختار: جـ (1) ص (602) .

ب- وجاء في متن خليل من كتب المالكية في كتاب الجنائز قوله: (وبقر عن مال كثر، ولو ثبت بالبينة أو بشاهد ويمين) وقال الخرشي في شرحه والحطاب: جـ2 آخر كتاب الجنائز (البقر عبارة عن شق جوف الميت) يعني أن من ابتلع مالا له أو لغيره ثم مات، فإنه يشق جوفه فيخرج منه إن كان له قدر وبال بأن يكون نصاباً، أي كنصاب الزكاة، وقيل: كنصاب السرقة أي ربع دينار، وهو ما يساوي ثلاثة دراهم. ثم أورد مسألة شق بطن الحامل في هذه الحال وبقية أئمة المالكية قد أجازوا ذلك.

جـ- وجاء في المهذب في كتاب الجنائز: جـ1 ص 138 وهو من كتب الشافعية المعتمدة قوله: (وان ابتلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة) . وقوله: وإن ماتت امرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها؛ لأنه استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت فأشبه إذا اضطر لأكل جزء من الميت) .

د- وقال صاحب المغني موفق الدين بن قدامة الحنبلي: (وإن بلع الميت مالا فإن كان يسيراً ترك، وإن كثرت قيمته شق بطنه وأخرج؛ لأن فيه حفظ المال من الضياع ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله بمرضه) أي بمرض موته ـ انتهى المغني: جـ2 صفحة 459.

ص: 277

ولا يقال: إن هناك أدلة تعارض جواز تشريح جثة الميت أو نقل عضو من أعضائه لحي ينتفع، بحجة أن الشريعة الإسلامية كرمت الآدمي وحثت على إكرامه وأمرت بعدم إيذائه؛ لقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} إلى آخر الآية 70 من سورة الإسراء، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود على شرط مسلم والنسائي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بسند صحيح:((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) ، يعني في الحرمة، وقوله أيضاً فيما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال:((أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته)) ؛ إذ إن المقصود من الآية والحديثين هو تكريم الميت وعدم إهانته أو التمثيل به. كما يدل على ذلك سبب ورود حديث النهي عن كسر عظم الميت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حفاراً يكسر عظماً لميت بلا سبب مشروع فقال له:((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) . أما ما نحن بصدده فلا يقصد به الإهانة، وإنما يقصد به إنقاذ حياة إنسان أو سلامة عضوه، وهذا المقصود يحمل معنى تكريم الإنسان، لا إهانته، وبهذا الفهم الواعي أجاز العلماء السابقون تشريح جثة الميت لغرض مشروع؛ كإخراج مال ابتلعه الميت أو إخراج مولود حي من جوف امرأة ماتت.

هذا وإن لجنة الفتوى تنبه إلى أن جواز النقل أو التشريح يجب أن يكون مقيداً بالشروط الآتية، وذلك لحفظ كرامة الميت ولئلا يتخذ للعبث والإهانة:

1-

أن تكون هناك موافقة خطية من المتبرع في حياته ثم موافقة أحد أبويه أو وليه بعد وفاته، أو موافقة ولي الأمر المسلم إذا كان المتوفى مجهول الهوية.

2-

أن يكون المتبرع له محتاجاً أو مضطراً إلى العضو المتبرع به، وأن تتوقف حياة المنقول له على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة أحد أجهزة الجسم عليه، وذلك بتقرير من لجنة طبية موثوقة في دينها وعلمها وخبرتها.

3-

إن كان المنقول منه العضو أو الدم حيّا فيشترط ألا يقع النقل على عضو أساسي للحياة، إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع، ولو كان ذلك بموافقته.

4-

ألا يحدث النقل تشويها في جثة المتبرع.

5-

لا يجوز أن يتم التبرع مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.

هذا وإن اللجنة تذكر بأنه لابد من الاحتياط والحذر في ذلك (أي في التشريح أو نقل الأعضاء من حي إلى حي، أو من ميت إلى حي، أو نقل الدم من حي إلى آخر) حتى لا يتوسع فيه الناس بلا مبالاة، وليقتصر فيه على قدر الضرورة؛ إذ هي علة الحكم الذي يدور معها وجوداً وعدماً وليتّق الله الأطباء الذين يتولون ذلك وليعلموا أن الناقد بصير والمهيمن قدير والله يتولى هداية الجميع.

ص: 278

لجنة الإفتاء

وعلى ضوء هذه الفتوى وبالتنسيق مع لجنة الإفتاء صدر في الأردن قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان رقم 23 لسنة 1977م

ثم صدر قانون معدل له سنة 1980، وفيما يلي النص الكامل لهذين القانونين اللذين جاءا ملتزمين بنص الفتوى وبحيث يقدمان صورة متكاملة من المعالجة التشريعية الدقيقة لهذا الموضوع وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

عن الحسين الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية

بمقتضى الفقرة (1) للمادة (94) من الدستور

وبناء على ما قرره مجلس الوزراء بتاريخ 24/4/1977

نصادق بمقتضى المادة (31) من الدستور على القانون المؤقت الآتي ونأمر بإصداره ووضعه موضع التنفيذ المؤقت وإضافته إلى قوانين الدولة على أساس عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده:

قانون مؤقت رقم (23) لسنة 1977

قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان

المادة 1

يسمى هذا القانون (قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان لسنة 1977) ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

المادة 2

تكون للألفاظ والعبارات الواردة في هذا القانون المعاني المحددة أدناه إلا إذا دلت القرينة على غير ذلك:

الطبيب الاختصاصي: هو الطبيب المعترف به اختصاصياً بمقتضى القوانين والأنظمة المعمول بها.

المستشفى: أي مستشفى مرخص في المملكة الأردنية الهاشمية.

العضو: أي عضو من أعضاء جسم الإنسان أو جزء منه.

نقل العضو: نزعه أو إزالته من جسم إنسان حي أو ميت حسب مقتضى الحال وتثبيته أو غرسه في جسم إنسان حي آخر.

المادة 3:

لا يجوز إجراء عمليات على الأعضاء إلا في مستشفى يوافق عليه وزير الصحة.

المادة 4:

أ- للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات نقل العضو من إنسان حي إلى آخر بحاجة إليه وفقا للشروط التالية:

1-

أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع ولو كان ذلك بموافقته.

2-

أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاث أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع وتقرير أن نقل العضو من جسمه لا يشكل خطراً على حياته.

3-

أن يوافق المتبرع خطيا وهو بكامل إرادته وأهليته على نقل العضو من جسمه، وذلك قبل إجراء عملية النقل.

ب- لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.

ص: 279

المادة 5:

للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات التي يوافق عليها وزير الصحة نقل العضو من جسم إنسان ميت إلى جسم إنسان آخر حي يكون بحاجة لذلك العضو في أي من الحالات التالية:

أ - إذا كان المتوفى قد أوصى قبل وفاته بالنقل بإقرار خطي ثابت التوقيع والتاريخ بصورة قانونية.

ب - إذا وافق أحد أبوي المتوفى في حالة وجودهما على النقل أو وافق عليه الولي الشرعي في حالة عدم وجود الأبوين.

جـ- إذا كان المتوفى مجهول الهوية ولم يطالب أحد بجثته خلال (24) ساعة بعد الوفاة على أن يتم النقل في هذه الحالة بموافقة المدعي العام.

المادة 6:

للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات التي يوافق عليها وزير الصحة فتح جثة المتوفى ونزع أي من أعضائها إذا تبين أن هناك ضرورة علمية لذلك على أن يكون المتوفى قد وافق على ذلك خطيا بصورة قانونية صحيحة قبل وفاته، أو بموافقة وليه الشرعي بعد الوفاة.

المادة 7:

لا يجوز أن يؤدي نقل العضو في أية حالة من الحالات إلى إحداث تشويه ظاهر في جثة المتوفى.

المادة8:

لا يجوز فتح الجثة لأي غرض من الأغراض المنصوص عليها في هذا القانون إلا بعد التأكد من الوفاة بتقرير طبي، ويشترط في ذلك أن يكون الطبيب الذي يقرر الوفاة هو غير الطبيب الاختصاصي الذي يقوم بعملية النقل.

المادة 9:

تلغى أحكام أي قانون أو تشريع آخر إلى المدى الذي تتعارض فيه مع أحكام هذا القانون.

المادة 10:

لمجلس الوزراء إصدار الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون.

ص: 280

المادة 11:

رئيس الوزراء والوزراء المختصون مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون.

الحسين بن طلال

في 24/4/1977

وزير العمل: عصام العجلوني.

رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع: مضر بدران.

وزير المواصلات ووزير الصحة بالوكالة عبد الرؤوف الروابدة.

وزير المالية: محمد الدباس.

وزير الإنشاء والتعمير ووزير دولة للشؤون الخارجية: حسن إبراهيم.

وزير النقل: علي سحيمات.

وزير السياحة والآثار: غالب بركات.

وزير الداخلية: سليمان عرار.

وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية: كامل الشريف.

وزير الصناعة والتجارة: نجم الدين الدجاني.

وزير العدل: أحمد عبد الكريم الطراونه.

وزير الشؤون البلدية والقروية: إبراهيم أيوب.

وزير التموين ووزير الزراعة بالوكالة: مروان القاسم.

وزير الأشغال العامة: سعيد بينو.

وزير التربية والتعليم ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء: د. عبد السلام المجالي.

وزير الثقافة والشباب ووزير الإعلام بالوكالة: الشريف فواز شرف.

نحن الحسين الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية

بمقتضى الفقرة (1) للمادة (94) من الدستور

وبناء على ما قرره مجلس الوزراء بتاريخ 20/7/1980

نصادق بمقتضى المادة (31) من الدستور على القانون المؤقت الآتي ونأمر بإصداره ووضعه موضع التنفيذ المؤقت، وإضافته إلى قوانين الدولة على أساس عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده.

ص: 281

قانون مؤقت رقم (17) لسنة 1980

قانون معدل لقانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان

المادة 1-

يسمى هذا القانون (قانون معدل لقانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان لسنة 1980) ويقرأ مع القانون رقم (23) لسنة 1977 المشار إليه فيما يلي بالقانون الأصلي كقانون واحد، ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية:

المادة 2-

يلغى نص المادة (4) من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي:

أ- للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات المعتمدة من الوزير نقل العضو من إنسان حي إلى آخر بحاجة إليه وفقاً للشروط التالية:-

1-

أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع ولو كان ذلك بموافقته.

2-

أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع للتأكد من أن نقل العضو من جسمه لا يشكل خطراً على حياته. وتقديم تقرير بذلك.

3-

أن يوافق المتبرع خطياً.. وهو بكامل إرادته وأهليته على نقل العضو من جسمه وذلك قبل إجراء عملية النقل.

ب- إذا قرر الطبيب الشرعي تشريح جثة المتوفى لأغراض قانونية لمعرفة سبب الوفاة أو لاكتشاف جريمة فإنه يسمح له بنزع القرنية منها. وذلك وفقاً للشروط التالية:

1-

أن لا يؤثر نزعها على معرفة سبب الوفاة، ولو بعد حين.

2-

أن تؤخذ موافقة ولي أمر المتوفى خطياً ودون إكراه.

جـ- لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.

المادة 3:

يلغى نص المادة (7) من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي:

ص: 282

المادة 7:

لا يجوز أن يؤدي نقل العضو في أية حالة من الحالات إلى إحداث تشويه ظاهر في الجثة يكون فيها امتهان لحرمة المتوفى.

20/7/1980 الحسين بن طلال

وزير العمل ووزير الإنشاء والتعمير ووزير التنمية الاجتماعية بالوكالة: عمر النابلسي.

رئيس الوزراء ووزير الدفاع: د. قاسم الريماوي.

وزير المواصلات: د. محمد عضوب الزبن.

وزير السياحة والآثار: موفق الفواز.

وزير الصناعة والتجارة: المهندس علي النسور.

رئاسة الوزراء: سليمان عرار.

وزير العدل: نجيب إرشيدات.

وزير الصحة: د. زهير ملحس.

وزير التربية والتعليم: محمد نوري شفيق.

وزير التموين: د. جواد العناني.

وزير الخارجية: مروان القاسم.

وزير الأشغال العامة: معن أبو نوار.

وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية: كامل الشريف.

وزير المالية: سالم مساعده.

وزير دولة: حسن إبراهيم.

وزير الإعلام ووزير الثقافة والشباب بالوكالة: د. سعيد التل.

وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ووزير العمل: المهندس علي السحيمات.

وزير الشؤون البلدية والقروية والبناء: د. جمال الشاعر.

وفي سنة 1984 أصدرت لجنة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية فتوى حول حكم الشريعة الإسلامية في التبرع بقرنية العين فيما يلي نص الفتوى:

ص: 283

حكم الشريعة في التبرع بقرنية العين

ورد إلى دائرة الإفتاء سؤال موجه من سمو الأمير رعد بن زيد رئيس جمعية أصدقاء بنك العيون الأردني والوقاية من فقدان البصر لإبداء الرأي عن حكم تبرع المواطنين بقرنيات عيونهم بعد الوفاة لزرعها عند بعض المواطنين الكفيفي البصر.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد:

فإن قواعد الشريعة الإسلامية تبيح الاستفادة من قرنيات عيون الموتى لزرعها في عيون كفيفي البصر أو المهددين بالعمى، وذلك ضمن الشروط التالية:-

1-

التحقق من وفاة المتبرع.

2-

أن يكون هناك ظن غالب لدى الأطباء بنجاح عملية الزرع.

3-

أن يكون الميت قد تبرع قبل موته بقرنية أو رضي الورثة بذلك.

ومن الأدلة الشرعية المؤيدة لجواز الأمر:

أولا: إن نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء فيه حفظ للنفوس التي جاءت الشريعة الإسلامية بوجوب المحافظة عليها.

ثانياً: لاشك أن العمى أو فقد البصر ضرر يلحق بالإنسان ودفع هذا البصر ضرورة شرعية تبيح نقل قرنيات عيون الأموات إلى عيون الأحياء، وهذا يندرج تحت القواعد المتفق عليها مثل:

(الضرورات تبيح المحظورات) و (الضرورة تقدر بقدرها)(لا ينكر ارتكاب أخف الضررين)

ثالثاًً: إن أخذ قرنية الميت لزرعها في عين إنسان حي لاستعادة بصره لا يعد من قبيل المثلة لأن المثلة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، هي التي يقصد بها الاستخفاف بشأنه وانتهاك حرمته.

أما في هذه الحالة فهي تكريم للإنسان المتبرع حيث يفتح له باب الأجر والثواب. وتكريم الإنسان الحي الذي استعاد بصره وأعانه على التمتع بنعمة الله عليه بالبصر وشكرها.

ولهذا ذهب الفقهاء إلى جواز شق بطن الأنثى الحامل التي ماتت وذلك لإخراج الجنين الذي ترجى حياته، وكذلك جواز شق جوف الميت الذي ابتلع مالا لغيره وقد علل الفقهاء ذلك بقولهم:(إن حرمة الحي وحفظ نفسه أولى من حفظ الميت عن المثلة) . قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} . فاطر: 22.

رابعاً: دعت الشريعة الإسلامية إلى التداوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، تداووا، ولا تتداووا بحرام)) . ونقل قرنيات العيون من الأموات إلى الأحياء هو من قبيل التداوي والمعالجة.

خامساً: يدخل التبرع بقرنيات العيون إلى الآخرين المصابين بفقد البصر في مفهوم الصدقة التي حثت الشريعة الإسلامية على بذلها للآخرين من دون الحاجات، وحاجة الأعمى إلى البصر أشد من حاجة الفقير إلى المال، وأشد من حاجته إلى الطعام والشراب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ومن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)) . والله أعلم.

التاريخ 11/7/1404 هـ

الموافق 11/4/1984م لجنة الإفتاء

ص: 284