الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صرف الزكاة لصالح صندوق
التضامن الإسلامي
إعداد
فضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد
مدير التعليم العربي بجمهورية تشاد
وعضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مصارف الزكاة حيث قال:
وفي تعريف كل واحد من هؤلاء الأصناف وما يتعلق بذلك من الأحكام تفصيل في المذاهب.
1) الحنفية:- قالوا: "الفقير" هو الذي يملك أقل من النصاب، أو يملك نصاباً غير تام يستغرق حاجته، أو يملك نصباً كثيرة غير تامة تستغرق الحاجة، فإن ملكها لا يخرجه عن كونه فقيراً، يجوز صرف الزكاة له، وصرفها للفقير العالم أفضل. والمسكين هو الذي لا يملك شيئاً أصلاً فيحتاج إلى المسألة لقوته أو لتحصيل ما يواري به بدنه، ويحل له أن يسأل لذلك، بخلاف الفقير فإنه لا يحل له المسألة ما دام يملك قوت يومه بعد سترة بدنه. "العامل" هو الذي نصبه الإمام لأخذ الصدقات والعشور، فيأخذ بقدر ما عمل. و"والرقاب" هم الأرقاء المكاتبون. "والغارم" هو الذي عليه دين ولا يملك نصاباً كاملاً بعد دينه، والدافع إليه لسداد دينه أفضل من الدافع للفقير. وفي سبيل الله هم الفقراء المنقطعون للغزو في سبيل الله على الأصح. "وابن السبيل" وهو الغريب المنقطع عن ماله، فيجوز صرف الزكاة له، بقدر الحاجة فقط، والأفضل له أن يستدين. وأما المؤلفة قلوبهم، فإنهم منعوا من الزكاة في خلافة الصديق – ويشترط لصحة أداء الزكاة النية المقارنة لإخراجها، أو لعذر ما وجب إخراجه.
هذا وللمالك أن يصرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورة في الآية الكريمة. أو لبعضهم، ولو واحد من أي صنف كان، والأفضل أن يقتصر على واحد إذا كان المدفوع أقل من نصاب، فإن دفع نصاباً كاملاً فأكثر، أجزأه مع الكراهة. إلا إذا استحق الزكاة مديناً، فإنه يجوز للمالك أن يسدد له دينه بالزكاة ولو كانت أكثر من نصاب، وكذا لو كان ذا عيال، فإنه يجوز أن يصرف له من الزكاة أكثر من نصاب. لكن بحيث لو وزع على عياله يصيب كل واحد منهم أقل من نصاب. ولا يجوز أن يصرف الزكاة في بناء مسجد أو مدرسة أو في حج أو جهاد أو في إصلاح طرق، أو قنطرة أو نحو ذلك من تكفين ميت، وكل ما ليس فيه تمليك لمستحق الزكاة، وقد تقدم أن التمليك ركن للزكاة ويجوز صرف الزكاة لمن يملك أقل من النصاب وإن كان صحيحاً ذا كسب. أما من يملك نصاباً من أي مال كان، فاضلاً عن حاجته الأصلية وهي مسكنه وأثاثه وثيابه وخادمه ومركبه وسلاحه، فلا يجوز صرف الزكاة لهم، ويجوز دفع الزكاة إلى ولد الغني الكبير إذا كان فقيراً، أما ولده الصغير، فلا يجوز دفع الزكاة له، وكذا يجوز دفعها إلى امرأة الغني وهي فقيرة، وإلى الأب المعسر إن كان ابنه موسراً، ويكره نقل الزكاة من بلد إلا أن ينقلها إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، ولو نقل إلى غيرهم أجزأه مع الكراهة. وإنما يكره النقل إذا أخرجها في حينها، أما إذا أعجلها قبل حينها، فلا بأس بالنقل. والمعتبر في الزكاة مكان المال حتى لو كان المالك في بلد آخر. تفرق الزكاة في مكان المال وإذا نوى الزكاة بما يعطيه لصبيان أقاربه، أو لمن يأتيه ببشارة ونحوها أجزأه. وكذا ما يدفعه للفقراء من الرجال والنساء في المواسم والأعياد. ويجوز التصدق على الذمي بغير مال الزكاة، ولا تحل لبني هاشم، بخلاف صدقات التطوع والوقت.
2) الحنابلة:- قالوا: "الفقير" هو من لم يجد شيئاً أو لم يجد نصف كفايته، "والمسكين" هو من يجد نصفها أو أكثر فيعطى كل واحد منهما من الزكاة تمام كفايته مع عائلته سنة، "والعامل عليها" هو كل ما يحتاج إليه في تحصيل الزكاة فيعطى منها بقدر أجرته، ولو غنيا، "المؤلف" هو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يرجى قوة إيمانه أو إسلام نظيره من الكفار أو يحتاج إليه في جبايتها ممن لا يعطيها، فيعطى منها ما يحصل التأليف، "والرقاب" هو المكاتب ولو قبل حلول شيء من دين الكتابة، ويعطى ما يقضي به دين الكتابة، "والغارم" قسمان أحدهما: من استدان للإصلاح ببين الناس. ثانيهما: من استدان لإصلاح نفسه في أمر مباح أو محرم وتاب، ويعطى ما يفي به دينه. "وفي سبيل الله" هو الغازي إن لم يكن هناك ديوان ينفق منه عليه، ويعطى ما يحتاج إليه من سلاح أو فرس أو طعام أو شراب وما يفي بعودته، "وابن السبيل" وهو الغريب الذي فرغت منه النفقة في غير بلده في سفر مباح، أو محرم وتاب ويعطى ما يبلغه لبلده، ولو وجد مقرضاً، سواء كان غنياً أو فقيراً، ويكفي الدفع لواحد من هذه الأصناف الثمانية، ويجوز أن يدفع الجماعة زكاتهم لواحد كما يجوز للواحد أن يدفع زكاته لجماعة، ولا يجوز إخراج الزكاة بقيمة الواجب، إنما الواجب إخراج عين ما وجب، ولا يجوز دفع الزكاة للكافر ولا لرقيق ولا لغني بمال أو كسب، ولا لمن تلزمه نفقته ما لم يكن عاملاً أو غازياً أو مكاتباً، أو ابن السبيل أو غارماً لإصلاح ذات بين، ولا يجوز أيضاً أن تدفع الزوجة زكاتها لزوجها، وكذلك العكس، ولا يجوز دفعها لهاشمي، فإن دفعها لغير مستحقها جهلا ثم علم عدم استحقاقه لم تجزئ ويستردها ممن أخذها، وإن دفعها لمن يظنه فقيراً أجزأه، كما يجزئه تفرقتها للأقارب إن لم تلزمه نفقتهم، والأفضل تفرقتها لفقراء بلده. ويجوز نقلها لأقل من مسافة القصر من البلد الذي فيه المال، ويحرم نقلها إلى مسافة القصر وتجزيه.
3) الشافعية:- قالوا: "الفقير" هو من لا مال له أصلاً، ولا كسب من حلال، أو له مال، أو كسب من حلال يكفيه، بأن كان أقل من النصف الكافي، ولم يكن له منفق يعطيه ما يكفيه بالنسبة للزوجة، والكفاية تعتبر بالنسبة لعمره الغالب، وهو اثنان وستون سنة، إلا إذا كان له مال يتجر فيه فيعتبر ربحه في كل يوم على حدة، فإن كان ربحه في كل يوم أقل من نصف الكفاية في ذلك اليوم، فهو فقير، وكذا إذا جاوز العمر الغالب، فالعبرة بكل يوم على حدة، فإن كان عنده من المال أو الكسب ما لا يكفيه في نصف اليوم، فهو فقير. "والمسكين" من قدر على مال أو كسب حلال، يساوي نصف ما يكفيه في العمر الغالب المتقدم، أو أكثر من النصف، فلا يمنع من الفقر والمسكنة وجود مسكن لائق به أو وجود ثياب كذلك، ولو كانت للتجميل، وكذا لا يمنع من وصف المرأة بالفقر والمسكنة وجود حلي لها تحتاج للتزين بها عادة، وكذا وجود كتب العلم الذي يحتاج لها للمذاكرة، أو المراجعة، كما أنه إذا كان له كسب من حرام أو مال غائب عنه بمرحلتين أو أكثر أو دين له مؤجل، فإن ذلك كله لا يمنعه من الأخذ من الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة. "والعامل على الزكاة" هو من له دخل في جمع الزكاة: كالساعي، والحافظ، والكاتب، وإنما يأخذ العامل منها إذا فرقها الإمام، ولم يكن له أجرة مقدرة من قبله فيعطى بقدر أجر مثله. "والمؤلفة قلوبهم" هم أربعة أنواع: الأول ضعيف الإيمان الذي أسلم حديثاً فيعطى منها ليقوى إسلامه، الثاني: من أسلم وله شرف في قومه، ويتوقع بإعطائه من الزكاة إسلام غيره من الكفار، الثالث: مسلم قوي الإيمان يتوقع بإعطائه أن يكفينا شر من وراءه من الكفار، الرابع: من يكفينا شر مانع الزكاة. "والرقاب" هو المكاتب يعطى من الزكاة ما يستعين به على أداء نجوم الكتابة، ليخلص من الرق، وإنما يعطى بشروط: أن تكون كتابته صحيحة وأن يكون مسلماً، وأن لا يكون عنده وفاء بما عليه من دين الكتابة، وأن لا يكون مكاتباً لنفس المزكي. "الغارم" هو المدين وأقسامه ثلاثة: الأول: مدين للإصلاح بين المتخاصمين، فيعطى منها ولو غنياً، والثاني: من استدان في مصلحة نفسه ليصرف في مباح، أو غير مباح، بشرط أن يتوب، الثالث: من عليه دين بسبب ضمان لغيره، وكان معسراً هو والمضمون إذا كان الضمان بإذنه، فإن تبرع هو بالضمان بدون إذن المضمون يعطى متى أعسر هو، ولو أيسر المضمون، ويعطى الغارم في القسمين الآخرين ما عجز عنه من الدين، بخلاف القسم الأول فيعطى منها ولو غنيا. "وفي سبيل الله" هو المجاهد المتطوع للغزو، وليس له نصيب من المخصصات للغزاة في الديون، ويعطى منها ما يحتاج إليه ذهاباً وإياباً وإقامة، ولو غنياً، كما تعطى له نفقة من مؤونة وكسوة، وقيمة سلاح وفرس، ويهيأ له ما يحمل متاعه وزاده إن لم يعتد حملها. "ابن السبيل" هو المسافر من بلد الزكاة أو المار بها، فيعطى منها ما يوصله لمقصده، أو لماله إن كان له مال بشرط أن يكون محتاجاً حين السفر أو المرور، وأن لا يكون عاصياً بسفره، وأن يكون سفره لغرض صحيح شرعاً، ويشترط في أخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية زيادة على الشروط الخاصة لكل صنف شروط خمسة: الأول: الإسلام، الثاني: كمال الحرية، إلا إذا كان مكاتباً، الثالث: أن لا يكون من بني هاشم، ولا بني المطلب، ولا عتيقاً لواحد منهم، ولو منع حقه من بيت المال ويستثنى من ذلك الحمال والكيال، والحافظ للزكاة، فيأخذون منها ولو كفاراً، أو من آل البيت؛ لأن ذلك أجره على العمل، الرابع: أن لا تكون نفقته واجبة على المزكي، الخامس: أن يكون القابض للزكاة، وهو البالغ العاقل حسن التصرف. ويجب في الزكاة تعميم الأصناف الثمانية إن وجدوا، سواء فرقها الإمام أو المالك. إلا أن المالك لا يجب عليه التعميم. إلا إذا كانت الأصناف محصورة بالبلد ووفى بهم المال، والأوجب إعطاء ثلاثة أشخاص من كل صنف، وإن فقد بعض الأصناف أعطيت للموجود، واختار جماعة جواز دفع الزكاة ولو كانت زكاة مال لواحد، وتشترط نية الزكاة عند دفعها للإمام أو المستحقين أو عند عزلها، ولا يجوز للمالك نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، ولو كان قريباً، متى وجد مستحق لها في بلدها، أما الإمام فيجوز له نقلها، وبلد الزكاة هو المحل الذي تم الحول والمال موجود فيه. وهذا فيما يشترط فيه الحول: كالذهب، وأما غيره كالزروع فبلد زكاته المحل الذي تعلقت الزكاة به وهو موجود فيه.
4) المالكية قالوا: "الفقير" هو من يملك من المال أقل من كفاية العام فيعطى منها. ولو ملك نصاباً، وتجب عليه زكاة هذا النصاب. وليس من الفقير من وجبت عليه نفقته على غيره متى كان ذلك الغير غنياً قادراً على دفع نفقته، فلا يجوز أن يعطي الزكاة لوالده الفقير، ولو لم ينفق عليه بالفعل؛ لأنه قادر على أخذ نفقته منه برفع الأمر للحاكم، وأما إذا كان شخص ينفق على فقير تطوعاً بدون أن تجب عليه نفقته فإنه يجوز له أن يصرف الزكاة له، ومتى كانت له حرفة يتحصل منها على ما يكفيه أو له مرتب كذلك، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة، فإن كان المرتب لا يكفيه أعطي من الزكاة بقدر كفايته. "والمسكين" من لا يملك شيئاً أصلاً، فهو أحوج من الفقير، ويشترط في الفقير والمسكين ثلاثة شروط:- الحرية، والإسلام، وأن لا يكون كل منهما من نسل هاشم بن عبد مناف، إذا أعطوا ما يكفيهم من بيت المال، والأصح إعطاؤهم، حتى لا يضر بهم الفقر، وأما بنو المطلب أخي هاشم فليسوا من آل النبي صلى الله عليه وسلم، فتحل لهم الزكاة، وأما صدقة التطوع، فتحل لبني هاشم وغيرهم. "والمؤلفة قلوبهم" هم كفار، يعطون منها ترغيباً في الإسلام، ولو كانوا من بني هاشم، وقيل: هم مسلمون حديثو عهد بالإسلام، فيعطون من الزكاة ليتمكن الإيمان من قلوبهم، وعلى القول الثاني فحكمهم باقٍ لم ينسخ، فيعطون من الزكاة الآن، وأنا على التفسير الأول. ففي بقاء حكمهم وعدمه خلاف، التحقيق أنه إذا دعت حاجة الإسلام إلى استئلاف الكفار أعطوا من الزكاة وإلا فلا. "والعامل على الزكاة" كالساعي والكاتب، والمفرق والذي يجمع أرباب المواشي لتحصيل الزكاة منهم، ويعطى العامل منها ولو غنياً؛ لأنه يستحقها بوصف العمل، لا لفقر، فإن كان فقيراً استحق بالوصفين، ويشترط في أخذه منها أن يكون حراً مسلماً غير هاشمي، ويشترط في صحة توليته عليها أن يكون عدلاً عارفاً بأحكامها، فلا يولى كافر، ولا فاسق، ولا جاهل بأحكامها، وإذا ولى السلطان عاملاً عبداً، أو هاشمياً، نفذت توليته ويعطى الأجرة من بيت المال لا من الزكاة. "وفي الرقاب" الرقبة رقيق مسلم يشترى من الزكاة ويعتق ويكون ولاؤه للمسلمين، فإذا مات ولا وارث له، وله مال فهو في بيت مال المسلمين. "والغارم" هو المدين الذي لا يملك ما يوفي بد دينه من الزكاة، ولو بعد وفاته، وشرطه الحرية والإسلام، وكونه غير هاشمي، وأن يكون تداينه لغير فساد كشرب خمر، وإلا فلا يعطى منها إلا أن يتوب، ويشترط أن يكون الدين لآدمي فإن كان لله: كدين الكفارات، فلا يعطى من الزكاة لسداده، والمجاهد يعطى من الزكاة إن كان حراً مسلماً غير هاشمي، ولو غنياً، ويلحق به الجاسوس، ولو كافراً، فإن كان مسلماً، فشرطه أن يكون حراً غير هاشمي، وإن كافراً فشرطه الحرية فقط. ويصح أن يشترى من الزكاة سلاح وخيل للجهاد، ولتكن نفقة الخيل من بيت المال. "ابن السبيل" هو الغريب المحتاج لمن يوصله لوطنه فيعطى من الزكاة إن كان حراً مسلماً غير هاشمي، ولا عاصياً بسفره، كقاطع الطريق، ومتى استوفى الشروط أخذ، ولو غنياً ببلده، إن لم يجد من يسلفه ما يوصله إليها ، وإلا فلا يعطى. كمن فقد أحد الشروط، ويجب في الزكاة أن ينوي مخرجها أن هذا القدر المعطى زكاة، وتكون النية عند توزيعها أو ينوي عند العزل، فإن نوى عند عزل مقدار الزكاة أنه زكاة، كفاه ذلك، فإن تركت النية أصلاً، فلا يعتد بما أخرجه من الزكاة، ولا يلزم إعلان الأخذ بأن ما أخذه هو من الزكاة ، بل يكره لما فيه من كسر قلب الفقير، ويتعين تفرقة الزكاة بموضع الوجوب أو قربه، ولا يجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشد حاجة من أهل محل الوجوب، فيجب نقل الأكثر لهم، وتفرقة الأقل على أهله ، وأجرة نقلها من بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد بيت مال بيعت واشتري مثلها بالمحل الذي يراد النقل إليه، أو فرق ثمنها بذلك المحل على حسب المصلحة، وموضع الوجوب هو مكان الزروع والثمار، ولو لم تكن في بلد المالك ومحل المالك.
هذا في العين، وأما الماشية فموضع وجوبها محل وجودها إن كان هناك ساعٍ وإلا فمحل المالك، ولا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء، بل يجوز دفعها ولو لواحد من صنف واحد، إلا العامل فلا يجوز دفعها كلها إليه إذا كانت زائدة على أجرة عمله.
فهذه هي الأصناف الثمانية التي أمرنا الله أن نوجه الزكاة إليها دون غيرها. إذاً فهل يمكننا صرف مبلغ من أموال الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نتعرف على هذا الجهاز الإسلامي الهام ونقف على الأنشطة التي قام بها فعند ذلك يتضح لنا الأمر ويكون الرد في متناولنا إن شاء الله.
تاريخ إنشاء الصندوق:
أنشئ صندوق التضامن الإسلامي بموجب قرار صادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد بمدينة لاهور في جمهورية باكستان الإسلامية عام 1394هـ، الموافق 1974م.
وقد صادق المؤتمر الإسلامي الخامس، المنعقد بمدينة كوالالمبور عاصمة ماليزيا في شهر جمادى الآخرة 1394، الموافق يوليو 1974م على النظام الأساسي للصندوق.
أهداف الصندوق:
يضطلع الصندوق بالعمل على كل ما من شأنه رفع مستوى المسلمين في العالم في جميع المجالات، فبجانب ما يقدمه الصندوق من دعم للشعب الفلسطيني بالتأييد المادي والمعنوي، والوقوف معه ضد المؤامرات الصهيونية الرامية إلى تهويد القدس الشريف والأماكن الأخرى في فلسطين، فإن أهم أهداف الصندوق هي:
1-
تشجيع البحث العلمي والتقني، وإنشاء وتمويل الجامعات الإسلامية استجابة لاحتياجات العالم الحديث، حيثما كان ذلك مطلوبا، ودعم الجامعات القائمة فعلاً.
2-
التحقق من آثار نتائج الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية والظروف الاجتماعية التي تتعرض لها البلاد والمجتمعات الإسلامية وتوجيه المساعدات المادية الممكنة لذلك.
3-
تنظيم منح المساعدات والمعونات المادية للبلاد والأقليات والجاليات الإسلامية بغية رفع مستواها الديني والثقافي والاجتماعي والمساهمة في بناء المساجد والمستشفيات والمدارس التي يحتاج إليها المسلمون.
4-
تنظيم نشر الدعوة الإسلامية ورسالتها وتعاليم الإسلام ومثله العليا ودعم المراكز الإسلامية داخل الدولة الإسلامية وخارجها لخير المجتمعات الإسلامية ونشر الفكر الإسلامي.
5-
دعم وتنظيم نشاط الشباب المسلم في العالم روحياً واجتماعياً ورياضياً.
6-
تنظيم الحلقات الدراسية التي تضم نخبة من الخبراء والمتخصصين في قضايا التشريع والإدارة والاقتصاد والثقافة والعلوم التي يحتاج العالم الإسلامي إلى بلورة الفكر الإسلامي بشأنها.
7-
تنفيذ جميع المشروعات التي يقرها المؤتمر الإسلامي، ويعتبر تنفيذها من اختصاص صندوق التضامن الإسلامي.
أهم إنجازات الصندوق
إن صندوق التضامن الإسلامي وهو يعمل على تأكيد وإبراز التضامن الإسلامي بين الدول والشعوب الإسلامية، فقد اختار بصفة خاصة تبني المشروعات الكبيرة ذات الأثر الملموس على البنية الحضارية في المجتمعات التي تقام فيها تلك المشروعات. وبإلقاء نظرة سريعة على محصلة النتائج لمختلف نشاطات صندوق التضامن الإسلامي نلمس مدى فاعلية هذا الجهاز الإسلامي الجدير بالاهتمام على كافة مستويات الأمة الإسلامية دولاً وأفراداً، وشعوباً وجماعات.
1-
دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني:
إن دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني يمثل الهدف الرئيسي من إنجازات منظمة المؤتمر الإسلامي، لذا نجد أن الصندوق قد أفرد باباً مستقلاً من أبواب ميزانيته السنوية للإنفاق على هذا الجانب.
هذا بخلاف ما يقدمه الصندوق من مساعدات للشعب الفلسطيني في إطار الأبواب الأخرى من الميزانية، ويتم ذلك كله بالتنسيق الكامل مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة صندوق القدس.
2-
إنشاء ودعم الجامعات الإسلامية:
لقد قطع الصندوق شوطاً طويلاً، وجهداً ملموساً في سبيل إنشاء الجامعات الإسلامية مثل الجامعة الإسلامية بالنيجر، والجامعة الإسلامية في أوغندا والكلية الأمريكية الإسلامية بشيكاغو، والمركز الإسلامي في غينيا بيساو وتحويل مركز تمبكتو بمالي إلى معهد للبحوث. وقدم الصندوق لهذه المشاريع الجليلة الجزء الأكبر من موارده منذ إنشائه حتى الآن، هذا بخلاف دعم ومساعدة الجامعات القائمة فعلاً والتي تعمل في مجال الخدمة الإسلامية.
3-
تقديم العون في حالات الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية:
يقدم الصندوق مساعدات عينية ومالية لبعض الدول والمجموعات الإسلامية التي تحل بها الكوارث الطبيعية وذلك للتخفيف من آثارها.
4-
دعم وإنشاء المساجد والمدارس والمستشفيات والمراكز الإسلامية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
5-
نشر الدعوة الإسلامية:
يقوم الصندوق بالعمل في مختلف السبل التي تؤدي إلى نشر الدعوة الإسلامية مثل إرسال الدعاة وتدريب المختصين في شؤون الدعوة في مختلف أركان العالم وأيضاً طبع وترجمة معاني القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، وإنتاج وتوزيع الأفلام الدينية.
6-
أنشطة الشباب المسلم:
يقوم الصندوق بدعم أنشطة الشباب المسلم روحياً واجتماعياً ورياضياً، وغرس روح البذل والتضحية والعطاء والمبادرة بين الشباب المسلم في شتى أرجاء العالم.
7-
الحلقات الدراسية:
لقد تعاون الصندوق في التنظيم والمشاركة لعدة ندوات تخدم قضايا إسلامية حساسة ومعاصرة وذلك مع مختلف الحكومات والهيئات الإسلامية.
8-
الاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري:
لقد مول الصندوق البرامج الوطنية والعالمية التي أعدتها منظمة المؤتمر الإسلامي بمناسبة الاحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري، وهذه المناسبة تدعو جميع المسلمين إلى أن يجددوا على أنفسهم العهد على التمسك بمعتقداتهم الأساسية ومبادئهم ومفاهيمهم الإسلامية، وعلى السعي الحثيث لبعث "أمة واحدة" ذات حضارة حية فعالة ومؤثرة هدفها تحقيق المساواة الصحيحة والعدل والسلم العالمي والتقدم والسعادة لجميع البشر.
وسع بعض العلماء في معنى (سبيل الله) وهو المصرف السابع من مصارف الزكاة فقالوا بأن معنى (سبيل الله) على الجهاد وما يتعلق به وإنما يشمل سائر المصالح والقربات وأعمال الخير والبر.
من ذلك ما نبه عليه الإمام الرازي في تفسيره حيث ذكر: إن ظاهر اللفظ في قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} لا يوجب القصر على الغزاة. ثم قال: فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد؛ لأن قوله:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} عام في الكل.
ولم يبين من هم هؤلاء الفقهاء ولكن المحققين من العلماء لا يطلقون وصف الفقيه إلا على المجتهد، كما أن الرازي لم يعقب على نقل القفال بشيء مما يوحي بميله إليه.
ونسب ابن قدامة في (المغني) هذا الرأي إلى أنس بن مالك والحسن البصري فقد قالا: "ما أعطيت الجسور والطرق فهي صدقة ماضية" فدلت هذه العبارة على جواز صرف الزكاة في إنشاء الجسور والطرق وإصلاحها، فهي صدقة ماضية أي جائزة ومقبولة.
وفي الروضة الندية لسيد صديق حسن خان، وهو على مذهب أهل الحديث المستقلين: قال: أما سبيل الله، فالمراد هنا: الطريق إليه عز وجل والجهاد وإن كان أعظم الطرق إلى الله عز وجل لكن لا دليل على اختصاص هذا السهم به بل يصح صرف ذلك في كل ما كان طريقاً إلى الله عز وجل. هذا معنى الآية لغة، والواجب الوقوف على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعاً.
ثم قال: ومن جملة سبيل الله الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية فإن لهم في مال الله نصيباً، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين، وبهم تحفظ بيضة الإسلام، وشريعة سيد الأنام.
آراء المحدثين: القاسمي:
ذكر الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في تفسيره ما ذكره الرازي من أن ظاهر اللفظ لا يوجب القصر على الغزاة، وما نقله القفال عن بعض الفقهاء في ذلك، ثم ذكر قول صاحب (التاج) : كل سبيل أريد به الله عز وجل وهو بر داخل في سبيل الله. وسكت عن هذه النقول، ولم يعقب عليها، وهو يوحي بموافقة ضمنية أو بعدم الاعتراض.
أما السيد رشيد رضا – صاحب المنار رحمه الله فقد قال في تفسير آية المصارف ما نصه:
"التحقيق أن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها؛ لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام، لا من المصالح الدينية الدولية
…
ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج إن لم يوجد لذلك مصرف آخر.
وذكر صاحب المنار بعد ذلك بقليل أن سبيل الله يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاذ أمر الدين والدولة وأولها (وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب لشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة، وهذه بالنسبة للحرب الإسلامية والجيوش الإسلامية التي تقاتل لإعلاء كلمة الله فحسب) . وتقدم مثله عن محمد بن عبد الحكم، ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال إن كان مما يبقى كالسلاح والخيل وغير ذلك؛ لأنه لا يملكه دائماً بصفة الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة عنه في سبيل الله، ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية وكذا الخيرية العامة: وإشراع الطرق وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية العسكرية، لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة والمطارات الحربية والحصون والخنادق، ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قبل جمعيات منظمة، تمدهم بالمال الكافي، كما يفعله الكفار في تبشير دينهم، وقد ورد تفصيل هذه المصلحة العظيمة في تفسير قوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} آل عمران: 104.
وكذا فسر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله (سبيل الله) بأنه (المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد، فملكها لله، ومنفعتها لخلق الله، وأولاها وأحقها: التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي وتحفظ الكرامة، ويشمل العدد والعدة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات عسكرية ومدنية، ويشمل تعبيد الطرق ومد الخطوط الحديدية وغير ذلك مما يعرفه أهل الحرب والميدان، ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين، يظهرون جمال الإسلام وسماحته، ويفسرون حكمته، ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم.
(وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظة القرآن الذين تواتر – ويتواتر- بهم نقله كما أنزل –من عهد وحيه إلى اليوم، وإلى يوم الدين إن شاء الله) .
وهو تأييد لما ذهب إليه صاحب المنار رحمه الله.
وعلى هذا الأساس أفتى من سأله عن جواز صرف الزكاة في بناء المساجد فكان جوابه:
(إن المسجد الذي يراد إنشاؤه أو تعميره إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية، أو كان بها غيره ولكن يضيق بأهلها ويحتاجون إلى مسجد آخر، صح شرعاً صرف الزكاة لبناء هذا المسجد أو إصلاحه والصرف على المسجد في تلك الحالة يكون من المصرف الذي ذكر آية المصارف الواردة في سورة التوبة باسم {سَبِيلِ اللَّهِ} .
وهذا مبني على اختيار أن المقصود بكلمة {سَبِيلِ اللَّهِ} المصالح العامة التي ينتفع بها المسلمون كافة، ولا تخص واحداً بعينه، فتشمل المساجد والمستشفيات ودور التعليم ومصانع الحديد والذخيرة، وما إليها مما يعود نفعه على الجماعة.
وأحب أن أقرر هنا أن المسألة محل خلاف بين العلماء (ثم ذكر الشيخ ما نقله الرازي في تفسيره عن القفال من صرف الصدقات في جميع وجوه الخير
…
) إلى أن قال: وهذا ما أختاره وأطمئن إليه وأفتي به، ولكن مع القيد الذي ذكرناه بالنسبة للمساجد، وهو أن يكون المسجد لا يغني عنه غيره، وإلا كان الصرف إلى غير المسجد أولى وأحق.
وسئل الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق عن جواز الدفع لبعض الجمعيات الخيرية الإسلامية من الزكاة فأفتى بالجواز مستنداً إلى ما نقله الرازي عن القفال وغيره في معنى {سَبِيلِ اللَّهِ} .
أورد الشيخ القرضاوي في الصفة 657 من الجزء الثاني من كتاب فقه الزكاة الحديث التالي: أوثر عدم التوسع في مدلول {سَبِيلِ اللَّهِ} بحيث يشمل كل المصالح والقربات. كما أرجح عدم التضييق فيه بحيث لا يقصر على الجهاد بمعناه العسكري المحض.
إن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان كما يكون بالسيف والسنان. قد يكون الجهاد فكرياً أو تربوياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً كما يكون عسكرياً، وكل هذه الأنواع من الجهاد تحتاج إلى الإمداد والتمويل.
المهم أن يتحقق الشرط الأساسي لذلك كله وهو أن يكون (في سبيل الله) أي في نصرة الإسلام وإعلاء كلمته في الأرض، فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، أياً كان نوع هذا الجهاد وسلاحه.
يقول الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} : (يعني وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقته وشريعته التي شرعها لعباده، بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار) .
والجزء الأول من كلام شيخ المفسرين واضح ومقبول، وهو يشمل كل نفقة في نصرة الإسلام وتأييد شريعته، أما قتال أعداء الله وغزو الكفار فليس إلا وجهاً واحداً من أوجه النصرة لهذا الدين.
فالنصرة لدين الله وطريقته وشريعته تتحقق بالغزو والقتال في بعض الأحوال، بل قد يتعين هذا الطريق في بعض الأزمنة والأمكنة لنصرة دين الله. ولكن قد يأتي عصر –كعصرنا - يكون فيه الغزو الفكري والنفسي أهم وأبعد خطراً وأعمق أثراً، من الغزو المادي العسكري.
فإذا كان جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة قديما، قد حصروا هذا السهم في تجهيز الغزاة والمرابطين على الثغور، وإمدادهم بما يحتاجون إليه من خيل وكراع وسلاح فنحن نضيف إليهم في عصرنا غزاة ومرابطين من نوع آخر، أولئك الذين يعملون على غزو العقول والقلوب بتعاليم الإسلام، والدعوة إلى الإسلام، أولئك هم المرابطون بجهودهم وألسنتهم وأقلامهم للدفاع عن عقائد وشرائع الإسلام.
ودليلنا على هذا التوسع في معنى الجهاد:
أولاً: أن الجهاد في الإسلام لا ينحصر في الغزو الحربي والقتال بالسيف؛ فقد صح عن النبي (ص) أنه سئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال: ((كلمة حق عند سلطان جائر)) .
كما روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن رسول الله (ص) قال:
((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) .
ثانياً: إن ما ذكرناه من ألوان الجهاد والنشاط الإسلامي لو لم يكن داخلاً في معنى الجهاد بالنص، لوجب إلحاقه به بالقياس، فكلاهما عمل يقصد به نصرة الإسلام والدفاع عنه، ومقاومة أعدائه، وإعلاء كلمته في الأرض.
وقد رأينا من فقهاء المسلمين من ألحق بالعاملين على الزكاة كل من يعمل في مصلحة عامة للمسلمين: قال ابن رشد: والذين أجازوها للعامل، وإن كان غنياً أجازوها للقضاة، ومن في معناهم، ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين. كما رأينا من فقهاء الحنفية من ألحق بابن السبيل كل من هو غائب عن ماله، غير قادر عليه، وإن كان في بلده؛ لأن المعتبر هو الحاجة وقد وجدت.
فلا عجب أن نلحق بالجهاد –بمعنى القتال- كما يؤدي غرضه، ويقوم بمهمته من قول أو فعل؛ لأن العلة واحدة، وهي نصرة الإسلام. ومن قبل رأينا للقياس مدخلاً في كثير من أبواب الزكاة، ولم نجد مذهبا إلا قال به في صورة من الصور.
وبذلك يكون ما اخترناه هنا في معنى سبيل الله هو رأي الجمهور مع بعض التوسعة في مدلوله.
وأود أن أنبه هنا على أن بعض الأعمال والمشروعات قد تكون في بلد ما وزمن ما وحالة ما جهاداً في سبيل الله، ولا تكون كذلك في بلد آخر أو وقت آخر أو حال آخر.
فإنشاء مدرسة في الظروف العادية عمل صالح وجهد مشكور يحبذه الإسلام، ولكنه لا يعد جهاداً، فإذا كان بلد ما قد أصبح فيه التعليم وأصبحت المؤسسات التعليمية في يد المبشرين أو الشيوعيين أو اللادينيين العلمانيين، فإن من أعظم الجهاد إنشاء مدرسة إسلامية خالصة، تعلم أبناء المسلمين وتحصنهم من معاول التخريب الفكري والخلقي، وتحميهم من السموم المبثوثة في المناهج والكتب، وفي عقول المعلمين، وفي الروح العامة التي توجه المدارس والتعليم كله.
ومثل ذلك يقال في إنشاء مكتبة للمطالعة، وتكون هذه المكتبة إسلامية في مواجهة المكتبات الهدامة، وكذلك إنشاء مستشفى إسلامي لعلاج المسلمين وإنقاذهم من استغلال الإرساليات التبشيرية البشعة، وإن كانت المؤسسات الفكرية والثقافية تظل أشد خطراً، وأبعد أثراً. ولا شك أن من أهم ما ينطبق عليه معنى الجهاد في عصرنا هو: العمل لتحرير الأرض الإسلامية من حكم الكفار الذي استولوا عليها، وأقاموا فيها حكمهم بدل حكم الله، سواء أكان هؤلاء الكفار يهوداً أم نصارى أم وثنيين أم ملحدين، لا يدينون بدين، فالكفر كله ملة واحدة.
فالرأسمالي والشيوعي والغربي والشرقي والكتابي واللاديني، كلهم سواء في وجوب محاربتهم إذا احتلوا جزءاً من ديار الإسلام، يقوم بذلك أدنى البلاد إلى هذا الجزء، يعاونهم الأقرب فالأقرب، حسب الحاجة، إلى أن يشمل الوجوب المسلمين جميعاً، إن لم تقم الكفاية إلا بالجميع. ولم يبتل المسلمون في عصر كما ابتلوا اليوم، بوقوع كثير من ديارهم في قبضة الكفرة المستعمرين، وفي مقدمة هذه الديار فلسطين التي سلط عليها شذاذ الآفاق من اليهود، ومثل ذاك كشمير التي تسلط عليها الهندوس المشركون وأريتريا والحبشة وتشاد والصومال الغربي وقبرص، التي تسلطت عليها الصليبية الحاقدة الماكرة، ومثل ذلك سمرقند وبخارى وطشقند وأزبكستان وألبانيا وغيرها من البلاد الإسلامية العريقة التي تسلطت عليها الشيوعية الملحدة الطاغية.
واسترداد هذه البلاد كلها، وتخليصها من براثن الكفر، وأحكام الكفار واجب على كافة المسلمين بالتضامن، وإعلان الحرب المقدسة لإنقاذها فريضة إسلامية.
فإذا قامت حرب في أي جزء من هذه الأجزاء بهذا القصد ولهذه الغاية: فإن تخليص البلد من أحكام الكفر وطغيان الكفرة فهي – بلا نزاع - جهاد في سبيل الله يجب أن يمول ويعاون، وأن يدفع له قسط من مال الزكاة، يقل ويكثر حسب حصيلة الزكاة من جهة، وحسب حاجة الجهاد من جهة ثانية، وحسب حاجة سائر المصارف الأخرى شدة وضعفاً من جهة ثالثة، وكل هذا موكول لأهل الحل والعقد، وذوي الرأي والشورى من المسلمين إن وجدوا".
يتضح لنا من خلال هذا الحديث الهام ومما سبق ذكره بأن الأنشطة التي يقوم بها صندوق التضامن الإسلامي تدخل ولا شك في المعنى الموسع لكلمة {سَبِيلِ اللَّهِ} .
فإنشاء مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا أو في أي دولة مسيحية في العالم؛ ليقف هذا المسجد إزاء كنيسة أو معبد، فهو جهاد في سبيل الله؛ لأن في ذلك إعلاء لكلمة الله.
وكذلك إنشاء مسجد في دولة إسلامية فقيرة لتوفير أحسن الظروف للمصلين، فهو إعلاء لكلمة الله وجهاد في سبيله.
وأن إنشاء مكتبات إسلامية ومراكز إسلامية وتزويدها بالكتب الإسلامية لتتصدى للأفكار المسيحية واليهودية والإلحادية، والتي تتمثل في المكتبات الغربية التي أنشأنها الجمعيات الكنسية والهيئات الإلحادية والمجمعات اليهودية، وزودتها بالكتب المسمومة لمحاربة الإسلام وثقافته، فإن إنشاء مكتبات ومراكز إسلامية إزاءها لجهاد في سبيل الله.
وإذا كانت الدول الصليبية واليهودية مثل أفريقيا الجنوبية وإسرائيل تبحث عن أرقى التكنولوجيا لتصنيع القنبلة الذرية لمجابهة الدول الإسلامية فإنه يحق على الدول الإسلامية أن تقيم مراكز للأبحاث وتصنيع قنبلة مماثلة لما تصنعه هذه الدول، ويكون ذلك جهاداً في سبيل الله؛ لأن الدفاع عن الدول الإسلامية دفاع عن الإسلام.
وأن مؤازرة ومساندة كل أمة مسلمة اغتصبت أرضها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لتحرير هذه الأرض، فهو جهاد في سبيل الله، وأن إغاثة المسلمين المنكوبين من الجفاف والجوع والمرض وغيرها من الكوارث الطبيعية يعتبر ذلك من أعمال الخير والبر، وبالتالي فهو إنفاق على الفقراء والمساكين.
وعليه، فإن كانت الأنشطة التي يقوم بها صندوق التضامن الإسلامي هي هذه، فإنه لأحوج في صرف جزء من أموال الصدقة لصالحه.
والله أعلم.
تيجاني صابون محمد