الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة الأسهم في الشركات
إعداد
فضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي
، أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة دمشق، والمعار حاليا إلى جامعة الإمارات ـ كلية الشريعة والقانون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا بحث في زكاة الأسهم في الشركات.
سبب وجود التعامل بالأسهم والسندات:
إن الإنسان حريص دائما على تحقيق الأرباح وابتغاء فضل الله من خلال التجارة الفردية أو الخاصة، والجماعية أو العامة، وذلك عملا بترغيب الشريعة واستجابة لحب النفس الفطري في تنمية المال واستثماره؛ كيلا تأكله الصدقة، وتستأصل الزكاة أصل رأس المال مع مرور السنوات والأعوام.
وقد لا يتمكن رأس المال الخاص في الغالب من تمويل المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية الكبرى، التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، كالشركات المساهمة التي تتطلب أموالا كثيرة لوجودها، فظهر في العصر الحديث طريقة تجزئة رأس المال الكبير بواسطة ما يسمى بالأسهم التي تطرح في الحياة الاقتصادية، وتسدد قيمتها من مئات أو آلاف الناس.
وقد تحتاج الشركة القائمة إلى الاقتراض من الأفراد، فتلجأ إلى ما يسمى بالسندات في مقابل دفع فائدة مقطوعة معينة.
وكل من الأسهم والسندات تسمى في العرف الاقتصادي الحديث بالأوراق المالية، التي يتداولها الناس عامة فيما بينهم، إما بواسطة الإعلان في الجرائد أو الصحف اليومية، وإما في أسواق خاصة تسمى بورصات الأوراق المالية.
وقد تساءل الناس منذ ظهور الشركات المساهمة من أكثر من أربعين عاما عن حكم التعامل بالأسهم والسندات حلا وحرمة، وعن حكم الزكاة الواجبة فيها، ومن تجب عليه الزكاة؟ وأفتى علماء العصر بفتاوى متشابهة في مشروعية التعامل بالأسهم وحرمة التعامل بالسندات، لما تشتمل عليه من الربا بسبب دفع فائدة مقطوعة على مبالغ الديون المدونة فيها. واختلفوا في نسبة الواجب في الزكاة أهي ربع العشر أم العشر؟ كما اختلفوا فيمن تجب عليه زكاة الأسهم، أهو مالك السهم أم الشركة؟ ولكنهم اتفقوا على وجوب الزكاة على كل من الأسهم والسندات إذا بلغت قيمتها النصاب الشرعي، وإن اختلطت السندات بالحرام وصاحبها الربا وخبث الكسب؛ لأن الحرمة المصاحبة لجزء من المال لا تمنع من فرض الزكاة، بل إنه على العكس لا سبيل إلى التخلص من المال الحرام إلا بالصدقة به.
تعريف الأسهم والسندات:
الأسهم: عبارة عن صكوك متساوية القيمة، غير قابلة للتجزئة، وقابلة للتداول بالطرق التجارية، وتمثل حقوق المساهمين في الشركات التي أسهموا في رأس مالها.
فالسهم يمثل جزءا من رأس مال الشركة، وصاحبه مساهم، والأسهم تتصف بالخصائص التالية:(1)
أـ أنها متساوية القيمة الاسمية: فلا يجوز إصدار أسهم بقيمة مختلفة، والقيمة المتساوية هي القيمة الاسمية التي يصدر بها السهم، والتي يحددها القانون بنسبة تتراوح في بعض البلاد، كالإمارات، بين درهم ومائة درهم.
والقيمة الاسمية للسهم تختلف عن كل من قيمته التجارية والحقيقية، فالقيمة الاسمية هي القيمة المبينة في الصك والتي تدون عليه، ويحسب على أساسها مجموع رأس مال الشركة.
أما القيمة التجارية: فهي قيمة السهم في السوق أو البورصة، وهي قيمة متغيرة حسب العرض والطلب وأحوال السوق وسمعة الشركة وسلامة مركزها المالي.
وأما القيمة الحقيقية للسهم فهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وتقسيم موجوداتها على عدد الأسهم.
ب ـ أنها غير قابلة للتجزئة: أي لا يمكن أن تتمثل في صورة كسور حين يتعدد مالكو السهم في مواجهة الشركة.
ج ـ أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية: أي يمكن انتقال ملكية الأسهم من شخص إلى آخر بالطرق التجارية المعروفة، ودون ما حوالة مدنية من قبل الشركة.
وإن كان السهم إذنيا (أي يصدر لإذن أو أمر المساهم) فإن تداوله يتم بطريق التظهير.
وإن كان السهم لحامله (أي يصدر من دون ذكر صاحبه) فإن تداوله يتم بمجرد التسليم؛ أي: المناولة اليدوية.
ومعظم القوانين تستلزم أن تصدر الأسهم اسمية وبعضها يجيز إصدار الأسهم لحاملها بشروط.
(1) انظر الشركات التجارية للدكتور حسين غنايم: ص 189 وما بعدها
والخلاصة: أن الأسهم تمثل حصصا في شركة أموال.
أما السندات فهي جمع سند، والسند صك مالي قابل للتداول، يمنح للمكتتب لقاء المبالغ التي أقرضها، ويخوله استعادة مبلغ القرض، علاوة على الفوائد المستحقة، وذلك بحلول أجله. وبعبارة أخرى: السند: تعهد مكتوب بمبلغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة.
والسند يشبه السهم من حيث وجود قيمة اسمية لكل منهما، ومن حيث قابليتها للتداول بالطرق التجارية، وعدم قابليتها للتجزئة.
والفارق الأساسي بين السهم والسند: أن السهم يمثل حصة في الشركة، بمعنى أن صاحبه شريك، في حين أن السند يمثل دينا على الشركة، أو يمثل جزءا من قرض على شركة أو دولة، بمعنى أن صاحبه مقرض أو دائن.
وبناء عليه، يحصل صاحب السهم على أرباح حين تحقق الشركة أرباحا فقط، أما صاحب السند فيتلقى فائدة سنويا، سواء ربحت الشركة أم لا.
وتكون الأسهم في الغالب اسمية، ضمانا لرقابة الدولة على حاملي الأسهم، أما السندات فتكون إما اسمية أو لحاملها.
التعامل بالأوراق المالية التجارية:
التعامل بالأسهم جائز شرعا؛ لأن أصحاب الأسهم شركاء في الشركة بنسبة ما يملكون من أسهم عشرة أو عشرين أو مائه مثلا، أما التعامل بالسندات فحرام شرعا؛ لاشتمالها على الفائدة الربوية المقطوعة، بغض النظر عن الربح والخسارة، فهي قروض بفائدة، وقد جاء في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت عام 1403هـ/1983م أن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين الغربيين ومن تابعهم هو عين الربا المحرم شرعا، وجاء في الاجتماع الأول للفتوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية بالقاهرة عام 1403هـ/1983م أنه بإجماع الآراء لا يصح للبنك الإسلامي استثمار جزء من أمواله في شراء أسهم الشركات التي لا يكون هدفها التعامل بالربا، لكن موارد تلك الشركات ونفقاتها تشتمل على فوائد مدفوعة وفوائد مقبوضة.
زكاة السندات:
أشير فقط إلى حكم زكاة السندات؛ لأنه ليس من موضوع بحثي، فأقول: بالرغم من تحريم السندات فإنه تجب زكاتها؛ لأنها تمثل دينا لصاحبها، وتؤدى زكاتها عن كل عام؛ عملا برأي جمهور الفقهاء غير المالكية؛ لأن الدين المرجو (وهو ما كان على مقر موسر) تجب زكاته في كل عام. وشهادات الاستثمار أو سندات الاستثمار هي في الحقيقة سندات، وتجب فيها الزكاة، وإن كان عائدها خبيثا وكسبها حراما، وتزكى السندات كزكاة النقود أو عروض التجارة أي بنسبة 2.5 % من قيمتها
؛ وذلك لأن تحريم التعامل بالسندات لا يمنع من وجود التملك التام، فتجب فيها الزكاة، أما المال الحرام كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة والتزوير والاحتكار والغش والربا ونحوها، فلا زكاة فيه؛ لأنه غير مملوك لحائزه، ويجب رده لصاحبه الحقيقي؛ منعا من أكل الأموال بالباطل، فإن بقي في حوزة حائزه وحال عليه الحول، ولم يرد لصاحبه، فتجب فيه زكاته؛ رعاية لمصالح الفقراء.
زكاة أسهم الشركات:
يتناول هذا الموضوع بحث أمور ثلاثة: هي وجوب الزكاة في الأسهم والنسبة أو المقدار الواجب إخراجه ومن تجب عليه الزكاة أهو صاحب السهم أم الشركة؟
أراء العلماء المعاصرين في زكاة الأسهم:
من الطبيعي أنه ليس للعلماء القدامى رأي في زكاة الأسهم؛ لأنه موضوع معاصر حديث، وإنما تكلم فيه العلماء المعاصرون ولم أجد كلام واحد منهم صوابا شاملا فيما اجتهد فيه، وإنما وجد جانبا من الصواب، والحق في كل اجتهاد، فلكل عالم بحث هذا الموضوع إصابة في جهة وخطأ في جهة أخرى، وسأعرض هذه الآراء وأبين مدى الإصابة والخطأ فيها، ثم أذكر رأيي نهائيا في الموضوع:
1ـ رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى:
يقسم الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه " المعاملات الحديثة وأحكامها" الأسهم إلى نوعين بحسب موضوع استثمارها: (1)
أـ أسهم الشركات الصناعية
ب ـ أسهم الشركات التجارية
أما أسهم الشركات الصناعية المحضة التي لا تمارس عملا تجاريا كشركات الصباغة وشركات التبريد، وشركات الفنادق، وشركات الإعلانات، وشركات السيارات، والترام، وشركات النقل البري والبحري، وشركات الطيران، فلا تجب الزكاة فيها، إلا فيما تنتجه هذه الأسهم من ربح يضم إلى مال المساهم ويزكيه معها زكاة المال بعد مضي الحول عليه وبلوغه النصاب الشرعي؛ لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والإدارات والمباني ونحوها.
وأما أسهم الشركات التجارية وهي التي تشترى البضائع وتبيعها كشركات التجارة الخارجية، وشركات الاستيراد والتصدير، وشركات بيع المصنوعات الوطنية، أو التي تقوم بتصنيع بعض المواد الخام أو تشتريها مثل شركات البترول وشركات الغزل والنسيج، وشركات الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فتجب الزكاة فيها؛ لأنها تمارس عملا تجاريا، سواء معه صناعة أو لا، وتقدر الأسهم بقيمتها الحالية بعد حسم قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات، وتقدر هذه القيمة للأصول الثابتة إما بالربع أو أكثر أو أقل.
وهذا يعني أن الشركات التجارية المحضة تجب زكاة أسهمها بحسب قيمتها التجارية في الأسواق، مع أرباحها المقررة لها في نهاية العام، كزكاة العروض التجارية بنسبة 2.5 % إذا كان أصل رأس المال والربح نصابا شرعيا، والزكاة على المحل التجاري من حيث البناء والتجهيزات التي فيه.
(1) وقد ذكر الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي ذلك في كتابه "فقه الزكاة": 1/23 وما بعدها، وكذلك الدكتور خليفة بابكر الحسن في كتابه "بحوث ودراسات إسلامية" ص:101
أما الشركات الصناعية- التجارية كشركات السكر والنفط والمطابع وصناعة السفن والطائرات والسيارات، فتقدر الأسهم بقيمتها التجارية الحالية، مع حسم قيمة المباني والآلات وأدوات الإنتاج.
وهذا الرأي متفق مع المقرر في المذاهب الأربعة، وهو أن المصانع والعمارات الاستغلالية لا زكاة فيها، وإنما الزكاة على أرباحها السنوية إذا بلغت النصاب الشرعي وحال الحول عليها (أي: مضى عام عليها في يد صاحبها) ، وهو الرأي الذي أخذ به مجمع الفقه الأسلامي في جدة في دورته الثانية لعام 1406هـ /1985، وقرر فقهاء المذاهب أنه لا زكاة على سلاح الاستعمال وكتب العالم وآلات المحترفين؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، ولسيت بنامية أصلا، وسبب الزكاة ملك النصاب النامي ولو تقديرا بالقدرة على الاستنماء.وجاء في المعيار المعرب 1/402 لأبي العباس الونشريسي:
وسئل عن الصناع يمر عليهم الحول، وبأيديهم من مصنوعاتهم ما إذا قوموها وأضافوها إلى مالهم من النقد اجتمع فيه نصاب، هل يجب عليهم التقويم؟ ويزكون ما حضر بأيديهم أم لا؟ فأجاب بأن قال: الحكم في ذلك أن الصناع يزكون ما حال الحول على أصله من النقد الذي بأيديهم إذا كان نصابا، ولا يقومون صناعاتهم ويستقبلون بأثمانها الحول؛ لأنها فوائد كسبهم استفادوها وقت بيعهم، إلا أن ما وضع فيه الصانع صناعته، من جلد أو خشب أو حديد أو نحو ذلك، يقومه المدير بعيدا من الصناعة إذا كان اشتراه للتجارة.
وهي فتوى في غاية الدقة والتيسير على الصناع، كصناعة الأحذية والمفروشات والخزائن الحديدية ونحوها.
وإني لمؤيد رأي الشيخ عبد الرحمن عيسى المذكور آنفا، مع ملاحظة إيجاب الزكاة على الشركات الصناعية، إذا كانت منتوجاتها تجارية، معدة للبيع أو التصدير، بعد استقطاع قيمة الآلة والبناء، فالمطابع مثلا تزكي كل ما تنتجه في آخر العام من أوراق وكتب مملوكة لها؛ كما تزكي أرباحها المستفادة من أجور طبع ما تطبعه لحساب المتعاملين معها، وتحسم قيمة آلة الطباعة وآلة التجليد ونحوهما من مجموع رأس المال.
لكن الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي لم يرتض هذا الرأي وأوجب الزكاة في أسهم الشركات جميعها، صناعية وتجارية، وقال عن تفرقة الشيخ عبد الرحمن عيسى بين نوعي الأسهم: هي نتيجة يأباها عدل الشريعة التي لا تفرق بين متماثلين. ثم استصوب الرأي الثاني للأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة ومن وافقه الذي لا يفرق بين نوعي الأسهم تبعا لنوع شركاتها، ورأى أنه أوفق بالنظر إلى الأفراد، وأيسر في الحساب، ثم قال: بخلاف ما إذا قامت دولة مسلمة وأرادت جمع الزكاة من الشركات، فقد أرى الاتجاه الأول (رأي الشيخ عيسي) أولى وأرجح، والله أعلم. (1)
2-
رأي الأساتذة عبد الوهاب خلاف ومحمد أبي زهرة (2) : يرى هؤلاء الأساتذة أن الأسهم والسندات- الأوراق المالية- إذا كانت قد اتخذت للتجارة، فإنها تكون عروضا تجارية، يجب فيها ما يجب في عروض التجارة من زكاة أي 2.5 %، وتكون الزكاة ربع العشر من الأصل والنماء، على حسب ما قرره جمهور الفقهاء.
ورجح الدكتور القرضاوي هذا الاتجاه قائلا: ولعل هذا الاتجاه والإفتاء أوفق بالنظر إلى الأفراد من الاتجاه الأول، فكل مساهم يعرف مقدار أسهمه ويعرف كل عام أرباحها، فيستطيع أن يزكيها بسهولة، بخلاف الاتجاه الأول وما فيه من تفرقة بين أسهم في شركة، وأسهم في أخرى، فبعضها تؤخذ الزكاة من إيرادها، وبعضها تؤخذ زكاته من الأسهم نفسها حسب قيمتها، مضافا إليها الربح، وفي هذا شيء من التعقيد بالنظر إلى الفرد العادي.
ولكني أرى أن الاتجاه الأول هو المقرر فقها، وهو الذي جرى عليه العمل منذ ظهور الشركات المساهمة وبدأ انتشارها في الأربعينات، ولا تعقيد في الأمر، فالمسلم يعرف أن الآلات الصناعية لا زكاه فيها، فإذا وظف ماله بطريق الأسهم في شركات صناعية، يحسم ما يقابل تلك الآلات، وإذا وظف ماله في أسهم شركات تجارية، زكاها كزكاة الأموال التجارية. (3) وللأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة رأي قديم فيه تفصيل، ورد في تقرير حلقة الدراسات الاجتماعية لجامعة الدول العربية المنعقدة بدمشق سنة 1952، وهو الرأي الذي أعلنه أيضا في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1965، ومفاده: أن الأسهم والسندات إذا اتخذت للتجارة أو بغرض المضاربة وإعادة بيعها في أسواق الأوراق المالية، والكسب من تجارتها، تعتبر من عروض التجارة، ويؤخذ منها الزكاة بتقدير قيمتها في أول العام وقيمتها في آخره، بنسبة 2.5 % ربع العشر من الأصل والنماء متي بلغت نصابا.
(1) فقة الزكاة: 1/525، 528
(2)
حلقة الدراسات الاجتماعية الثالثة: ص242، بحث الأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة، في مجمع البحوث الإسلامية – المؤتمر الثاني في القاهرة، في أيار مايو 1965 م.
(3)
انظر ص 137، وأشار إليه الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في كتابه "التطبيق المعاصر للزكاة " ص 118، واعتمده في بحثه.
أما إذا كانت بغرض الاستثمار وتوظيف الأموال، لا المضاربة والكسب من البيع والشراء، وإنما تقتنى للكسب من عائدها، وما تدره عليه من ربح سنوي، فإن الزكاة الواجبة على الشركة تكفي عن الزكاة على حملة الأسهم.
وهذا الرأي ينظر إلى الأسهم من جهة الشخص الذي يمتلكها، وعلى وفق نيته فيها: هل يقصد الاتجار أم الاستثمار؟
وهو رأي ينسجم مع الوقت الذي لم تكن الشركات فيه تزكي أموالها أو تسأل عن كيفيه الزكاة.
ولا أرى حاجة لهذا التفصيل؛ لأن الهدف من شراء الأسهم واحد، وهو الاتجار والاسترباح، وأن هذه الأسهم تزكى مثل زكاة عروض التجارة.
3-
فتوى هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني:
جاء في الفتوى رقم 17 حول أسس إخراج زكاة أسهم بنك فيصل الإسلامي السوداني لهيئة الرقابة الشرعية من غير أن تستفتى، ما يلي:
رأت الهيئة بأغلبية الأعضاء (1) أن يخرج البنك زكاة أسهمه على الأسس التالية:
1-
يخرج البنك زكاة الأسهم عند مضي الحول بمقدار ربع العشر 2.5 % من النقود، الموجودة من المدفوع من قيمة الأسهم، زائدا قيمة عروض التجارة الخاصة بالأسهم، ولا زكاة في عروض القنية (الأصول الثابتة) زائدا ربح الأسهم.
2-
العقارات التي يشتريها البنك بمال الأسهم إن كان اشتراها للتجارة فيها بالبيع والشراء، وزكاها زكاة عروض التجارة؛ أي: يضيف قيمتها إلى النقود الموجودة من الأسهم، وإن كان اشتراها لمؤجرها، فإنه يزكيها زكاة الأصول الثابتة؛ بإخراج العشر 10 % من أجرتها عندما يتسلمها.
3-
إذا كان البنك أعطى بعض مال الأسهم لمن يعمل فيه مضاربة – التمويل، زكى رأس المال الذي وكل به المضارب ونصيبه الربح.
4-
إذا كان على البنك ديون تجارية حالة من مال الأسهم، وله ديون على غيره تزيد على الديون التي عليه، فإنه يطرح الديون التي عليه من الديون الموجودة التي له، ويزكي الباقي، وإدا كانت الديون التي على البنك تزيد عن الديون التي له، طرح الزائد من النقود التي عنده وزكى الباقي، وإدا كانت ديون التجارة التي للبنك مؤجلة ومرجوة، فإنها تُقَوَّم بعرض، ثم يقوم العرض بنقد حال، وتزكى هذه القيمة.
5-
إذا كان للبنك ديون (قرض) زكاها زكاة النقود الموجودة مادام سدادها مرجوا.
6-
يستفسر من أصحاب الأسهم الصغيرة التي لا تبلغ النصاب، هل يجب عليهم فيها زكاة إذا ضمت إلى غيرها؟ فإن قالوا: لا تجب فيها الزكاة؛ لأنهم لا يملكون ما يكملها نصابا، استبعدت قيمتها من جملة الأسهم.
(1) أربعة أعضاء من خمسة، ويرى العضو الخامس الدكتور خليفة بابكر الأخذ بالرأي الذي يعامل الأسهم معاملة الأموال الثابتة ويزكى ربحها فقط بمقدار العشر؛ أي: 10 % من الأرباح.
هذه الأسس تتفق في جملتها مع الرأي القائل: إن الأسهم تزكى عروض التجارة، ولكنها تختلف عنها في بعض التفصيلات؛ حيث إنه في هذه الأسهم اعتبرت قيمة الأسهم الحقيقية - أي: الاسمية - لا القيمة السوقية كما يرى القائلون باعتبارها عروض تجارة؛ وذلك لأن قيمة السوقية تقديرية، والقيمة الحقيقية تمثل الواقع، ولا يصح اللجوء إلى التقدير ما دامت معرفة الحقيقة ممكنة، كما أخرجت العقارات المتخذة للاستغلال وجعلت الزكاة من أجرتها، لا من قيمتها؛ لأنها ليست عروض تجارة في الواقع، واضح أن المدفوع من القسط الأول من الأسهم حتى قد حال عليه الحول ووجبت زكاته على البنك أن يستخرجها على الأسس المتقدمة، وإذا كان تطبيق هذه الأسس متعذرا في الوقت الحاضر، فإنه يجوز أن يخرج البنك بالنسبة للقسط الأول 2.5 % من المبالغ المدفوعة عنه، بعد طرح قيمة الأثاثات الثابتة، والأسهم التي لا تبلغ النصاب حتى ترد إفادة أصحابها.. على أن يفكر في الطريقة التي تمكن من تطبيق هذه الأسس كاملة مستقبلا.
وهذا الحل المؤقت لا يختلف عن الرأي القائل باعتبار الأسهم عروض تجارة تؤخذ الزكاة من قيمتها في السوق، مضافا إليها الربح بعد طرح قيمة الأثاثات الثابتة إلا في ناحيتين:
الأولى: اعتبار القيمة الاسمية للسهم.
الثانية: عدم إضافة الربح؛ لأنه غير معروف، وعدم طرح المنصرفات وإن كانت معروفة؛ لأن المفروض أن تغطى المنصرفات من الربح، لا من رأس المال، وما دام الربح لم يؤخذ في الاعتبار، فمن العدل ألا تؤخذ المنصرفات أيضا في الاعتبار، والله أعلم.
ومع تأييدي لهذه الفتوى في الجملة، فإني أعارضها في الأمور التالية:
أولا: العقارات المستغلة تزكى من أرباحها بنسبة 2.5 %، وليس العشر من أجرتها عندما يتسلمها، وذلك بعد مضي الحول عليها وهي قائمة في يد أصحابها أو لدى البنك.
ثانيا: تزكى الأسهم في الشركات زكاة الخليطين، ولو كانت أسهم المساهم لا تبلغ نصابا شرعيا وحدها بالنسبة إليه، كما سيأتي.
ثالثا: تقدر الأسهم بالقيمة التجارية الموجودة في الأسواق (بورصات الأوراق المالية) فإنها أصبحت معروفة، وقد تتجاوز القيمة الاسمية عشرات أو مئات المرات، كما حدث فعلا في بعض الأسواق. فإذا لم تعرف حاليا تجب زكاتها بمجرد معرفتها.
رابعا: تضاف الأرباح عند معرفتها إلى أصل قيمة الأسهم؛ إذ ما من شركة إلا وتضع ميزانية شاملة في آخر كل عام، تبين فيها الأصول والخصوم بالتعبير التجاري، أو رأس المال والأرباح والديون.
المقدار الواجب إخراجه في زكاة الأسهم:
تزكى الأسهم – كما عرفنا – زكاة عروض التجارة، فيكون مقدار الواجب فيها هو ربع العشر 2.5 % من الأصل والنماء أو الربح. وإذا كنا قد استبعدنا التفصيل المذكور في الرأي القديم للأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة، واعتمدنا رأي الشيخ عيسى، مع ضرورة التمييز بين ما هو تجاري وما هو صناعي، فإن ما قرره أبو زهرة من زكاة الأسهم التجارية بنسبة 2.5 %، وزكاة الأسهم المتخذة للاستثمار؛ كزكاة الأصول الثابتة 10 % غير مناسب، ومخالف لما قرره فقهاؤنا في رأيهم المشهور من أن نسبة الزكاة في عروض التجارة هي 2.5 %. فيكون جعله نسبة زكاة أسهم الاستثمار 10 % غير متفق مع المذاهب الفقهية، ولا داعي للتفرقة بين أسهم التجارة وأسهم الاستثمار، وبخاصة فإنه في رأيه الأخير لم يذكر هذا التفصيل، واكتفى بالقول بوجوب الزكاة على الأسهم، مثل زكاة عروض التجارة.
والخلاصة: تجب زكاة الأسهم والسندات بنسبة ربع العشر 2.5 % من قيمتها التجارية مع ربحها في نهاية كل عام، ولا تزكى الأصول الثابتة من صافي الأرباح 10 %.
مَن تجب عليه زكاة الأسهم:
يرى الأساتذة أبو زهرة ومن معه أن ما يؤخذ من الأسهم والسندات لمن يتجر فيها غير ما يؤخذ من الشركات نفسها؛ لأن الشركات التي تؤخذ منها الزكاة تكون باعتبار أن أموال الشركة نامية بالصناعة ونحوها، أما الأسهم للمتجر فيها، فهي أموال نامية باعتبار عروض التجارة.
وقد انتقد الدكتور القرضاوي بحق هذا الازدواج لإيجاب الزكاة على الأسهم ذاتها مرتين باعتبار صاحب الأسهم مرة بوصفه تاجرا، فأخذنا من أسهمه وربحها جميعا ربع العشر، ثم مرة أخرى بوصفه منتجا، فأخذنا من ربع أسهمه أو من إيراد الشركة العشر، والراجح أن نكتفي بإحدى الزكاتين؛ إما الزكاة عن قيمة الأسهم مع ربحها بمقدار ربع العشر، وإما الزكاة عن غلة الشركة وإيرادها بمقدار العشر من الصافي؛ منعا للثني أو الازدواج.
وأرى أن زكاة الأسهم هي فقط ربع العشر 2.5 % من الأصل، مع الربح السنوي، وتُقَوَّم الأسهم كما تقوم عروض التجارة في آخر كل عام بحسب سعرها في السوق وقت إخراج الزكاة، لا بحسب سعر شرائها، وتضم الأسهم التجارية إلى بعضها عند التقويم، ولو اختلفت أجناسها في التجارة والصناعة بعد حسم قيمة الآلات الصناعية.
وتزكي الشركات جميع الأسهم؛ لأن للشركة ربحا من الأسهم، فهي شريك للمساهم، ولأن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة (1) وبما أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه، فإنها تجب على الشخص الاعتباري، حيث لا يشترط فيها التكليف الذي أساسه البلوغ مع العقل، وقياسا على زكاة الماشية في مذهب الشافعية الجديد القائلين بتأثير الخلطة في المواشي وغيرها، وهو مذهب المالكية والحنابلة أيضا في المواشي (2) عملا بعموم الحديث النبوي الثابت في الزكاة:((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) ، ولأن السهم يعبر عن قيمة مالية أو مبلغ من مال، فهو مال تجب فيه الزكاة، فأثرت الخلطة في زكاتها كالماشية، ولأن المالين كالمال الواحد في المؤن (التكليف) من مخزن وناطور وغيرهما، فهي - أي: غير المواشي - من النقود والحبوب والثمار وعروض التجارة كالمواشي، فتخف المؤونة إذا كان المخزن والميزان والبائع واحدا.
وحينئذ لا يعفى من زكاة الأسهم في الشركات المساهمة أحد من المساهمين، ولو كانت حصته سهما واحدا، وتؤدى الزكاة من صافي مال الشركة المساهمة النامي ونمائه، بنسبة 2.5 % ربع العشر، فلا تحتسب قيمة الأموال والأصول الثابتة ـ عروض القنية ـ كالأراضي والمباني والآلات وغيرها؛ لأن السهم يمثل حصة في صافي الشركة المساهمة من أموال وأصول ثابتة وأموال وأصول متداولة (نقود وعروض تجارة) .
أما القول بزكاة الأسهم كزكاة الأصول الثابتة بنسبة 10 % من الأرباح فهو رأي ضعيف لا تقره آراء فقهائنا القدامى.
ثم إن في إلزام الشركة المساهمة بإخراج زكاة الأسهم جميعها نفعا محققا للفقراء، ويؤيد هذا الرأي أن الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة رأى في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1965 كما تقدم أنه إذا كانت الأسهم تتخذ للاستثمار، وهي ممثلة في رأس مال شركة مساهمة، فإن دفع الشركة للزكاة يغني عن دفع حامل السهم، إلا أن مجمع البحوث الإسلامية أوصى بأنه في الشركات المساهمة التي يساهم فيها عدد من الأفراد لا ينظر في تطبيق هذه الأحكام إلى مجموع أرباح الشركات، وإنما ينظر إلى ما يخص كل شريك على حدة.
لكني أخالف هذا الاتجاه للأسباب السابقة، أما في حال تفرقة الزكاة وتوزيعها فلا مانع من إعطاء صاحب الأسهم زكاته؛ ليتولى تفرقتها بالنيابة عن الشركة وأصالة عن نفسه.
(1) وهذا رأي الدكتور شوقي إسماعيل شحاتة في التطبيق المعاصر للزكاة ص 119
(2)
كتاب الفقه الإسلامي وأدلته 1/844 – 850
وقد قررت الجمعية العمومية لحاملي أسهم دار المال الإسلامي في المملكة العربية السعودية إعطاء الحق لمن يريد من المساهمين سحب الزكاة المستحقة على حصته من الأسهم لتوزيعها بمعرفته الشخصية. وكان القرار ينص على استمرار الدار في مباشرة خصم (حسم) مبالغها (الزكاة) والمستحقة شرعا. وعلى كل مساهم يرغب في القيام بصرف ما يخصه من مبالغ طلب ذلك قبل ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية؛ وذلك حتى تقوم الدار بتسلميها له وفق الإجراءات التي تقرها هيئة الرقابة الشرعية للدار.
والخلاصة: أرى أن تكون زكاة الأسهم في الشركات بحسب قيمتها التجارية المعلن عنها في الأسواق، لا بقيمتها الاسمية فقط، وأن تزكى زكاة عروض التجارة بنسبة 2.5 % إذا كانت الشركة تجارية، فإن كانت الشركة صناعية محضة لا تتاجر ولا تنتج سلعا تجارية، فلا تزكى الأسهم، أما إن أنتجت سلعا تجارية، كشركة إنتاج الثلاجات، فتزكى الأسهم بعد استقطاع ما يقابل قيمة الآلات الصناعية والمباني، وتقوم الشركة نفسها بتقدير زكاة الأسهم جميعها، وتزكيها وتعلم أصحاب الأسهم، ويمكنها أثناء توزيع الزكاة إعطاء صاحب الأسهم زكاتها ليقوم هو بإعطائها للفقراء، والله أعلم.
أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي.