المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الرابع

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلاميالأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

- ‌كلمةمعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنميةالدكتور/ أحمد محمد علي

- ‌كلمةمعالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلاميالأستاذ/ أمين عقيل عطّاس

- ‌كلمةمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويتالشيخ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةالوفود المشاركةألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

- ‌التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنسانيإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌‌‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالدكتور عبد السلام داود العبّادي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الشيخ آدم عبد الله علي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاًإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة سيدي محمد يوسف جيري

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ عبد الله البسام

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ رجب بيوضي التميمي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌المثامنة في العقار للمصلحة العامةإعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتزاع الملكية للمصلحة العامةإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌انتزاع الملكية للمنفعة العامةإعدادأ. د. يوسف محمود قاسم

- ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌انتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادالدكتور محمود شمام

- ‌الإسلاموانتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر

- ‌سندات المقارضةإعدادالصديق محمد الأمين الضرير

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌سندات المقارضةوسندات الاستثمارإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌سندات المقارضةإعدادالقاضي محمد تقي عثماني

- ‌ضمان رأس المال أو الربحفي صكوك المضاربةأو سندات المقارضةإعدادالدكتور حسين حامد حسان

- ‌سندات المقارضةوسندات التنمية والاستثمارإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌سندات المقارنة وسندات الاستثمارإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبينسندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينهاوبين السندات الربويةإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌سندات المقارضة والاستثمارإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌البيان الختامي وتوصياتلندوةسندات المقارضة وسندات الاستثمارالتي أقامهامجمع الفقه الإسلامي بجدة

- ‌بدل الخلوإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌ موضوع (بدل الخلو)

- ‌بدل الخلوإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)إعدادفضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو

- ‌بدل الخُلُوِّفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌بدل الخلو وتصحيحهإعدادفضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادفضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالأستاذ مصطفى الفيلالي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالحاج شيت محمد الثاني

- ‌الوحدة الإسلاميةوالتعامل الدوليإعدادفضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري

الفصل: ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة

إعداد

الدكتور عبد السلام العبادي

ممثل المملكة الأردنية الهاشمية في المجمع

ونائب رئيس المجمع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلامًا عل رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد:

1-

فهذه دراسة مكثفة حول موقف الشريعة الإسلامية من موضوع "نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة (1) أعتمد فيها بصفة أساسية على الدراسة التفصيلية التي كنت قدمتها عن هذا الموضوع وغيره في رسالتي للحصول على الدكتوراة سنة 1392 هـ الموافق سنة 1972م والتي طبعت في ثلاثة أجزاء بعنوان: (الملكية في الشريعة الإسلامية طبيعتها ووظيفتها وقيودها ودراسة مقارنة بالقوانين والنظم الدينية) .

2 -

والواقع أن هذا الموضوع على جانب كبير من الأهمية لأسباب عديدة منها:

أ- أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية الملكية والموقف منها وهي أمر اختلفت فيه النظم والقوانين اختلافًا واسعًا.

ب - يتداخل هذا الموضوع في الدراسات المعاصرة مع موضوع التأميم ، وهو من التأميم ، وهو من القضايا الاقتصادية التي كانت محل اختلاف واسع.

ج - باتت الحاجة ملحة في هذه الأيام للجوء إلى نزع الملكية للمنفعة العامة أمام توسع العناية بالمرافق العامة وضرورة تنظيم المدن ونمو وسائل المواصلات وغيرها.

ونعرض في هذه الدراسة الموجزة لموضوع نزع الملكية للمنفعة العامة من جوانب:

الأول: حرص الشريعة الإسلامية على حماية الملكية الخاصة.

الثاني: التملك القهري ومدى معرفة الشريعة الإسلامية له (حالات نزع الملكية الخاصة في الشريعة) .

(1) نشر مكتبة الأقصى ، عمان – الأردن سنة 1394 هـ الموافق 1974 م

ص: 696

الثالث: حكم نزع الملكية للمنفعة العامة والضوابط التي قررها الفقهاء لذلك.

أولا: حرص الشريعة الإسلامية على حماية الملكية الخاصة:

أ. اهتمت الشريعة الإسلامية بالملكية الخاصة ووضعت القواعد الكفيلة بحمايتها ومنع الاعتداء عليها لتؤدي دورها الفاعل في المجتمع الإنساني.

والأدلة على مشروعية الملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة النبوية الشريفة كثيرة ومتعددة بما يدل على معارضة الإسلام التامة لإلغاء الملكية (1)

قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2)

وقال سبحانه: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (3)

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا في شهركم هذا. .)) .

وأخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((:كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)) .

(1) انظر في استعراض هذه الأدلة الملكية في الشريعة الإسلامية د. عبد السلام العبادي ج 1 ص 396 – 403

(2)

الأنعام: 152.

(3)

النساء:7.

ص: 697

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة وغيره بألفاظ متقاربة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قالها ، فقد عصم مني ماله ودمه ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله)) .

وإن في تحريم الإسلام للسرقة والغصب، وإيجاب رد المال لصاحبه، ومعاقبة السارق بالحد، والغاصب بالتعزير، ما يدل على حماية الإسلام التامة للملكية الخاصة وتحريمها لأي اعتداء عليها. يقول الله تعالى:

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1) ويقول صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ متقاربة عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما:((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)) . ويقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وغيرهم عن سمرة بن جندب: ((: على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) .

ويقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم ومالك والنسائي وابن ماجه وغيرهم بألفاظ متقاربة ، عن عبد الله بن مسعود وأبي أمامة الحارثي:((: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ، فقد أوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة. فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك)) . قالها ثلاث مرات. وعند البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود بلفظ: ((: من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)) .

(1) المائدة: 38.

ص: 698

ويقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود وابن حبان والترمذي عن عبد الله بن السائب بن يزيد ، عن أبيه ، عن جده:((: لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا ولا جادا ، ومن أخذ عصا أخيه ، فليردها)) .

بل قد قرر الإسلام من قتل وهو يدافع عن ماله فهو شهيد ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجاهد فيما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان وابن ماجه وغيرهم:((: من قتل دون ماله فهو شهيد)) .

وبعد ذكر هذا العدد من الأدلة، نستطيع القول بأن إقرار الإسلام للملكية الخاصة أمر ليس فيه أدنى شبهة أو ريبة، فهو مما يصح أن يقال فيه: إنه مما يعلم من الدين بالضرورة (1)

وقد وضعت الشريعة مبدأ ضمان الأموال المتلفة لأصحابها، ومبدأ تحريم أكل الأموال بالباطل، كما تعددت النصوص التي تقرر أن الأساس في انتقال ملك الإنسان إنما هو رضاه: إما على سبيل التجارة وتبادل الأموال ، وإما على سبيل الهبة والإعطاء ، ففي كل الأحوال لا بد من الرضا وطيب النفس والاختيار. يقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2)

وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} استثناء منقطع، والمعنى: ولكن إذا كانت تجارة عن تراض منكم، فإنها لا تدخل في النهي السابق.

ويقول سبحانه: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (3) فالأساس هو طيب النفس والإعطاء عن طواعية واختيار.

(1) انظر تخريج الأحاديث، المرجع السابق في المواضيع السابقة.

(2)

النساء: 29.

(3)

النساء: 4.

ص: 699

وأخرج البيهقي وابن ماجه وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما البيع عن تراض)) . وفي زوائد ابن ماجه للبوصيري (إسناده صحيح ورجاله موثقون، ورواه ابن حبان في صحيحه) وهو عند البيهقي بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ألفين الله عز وجل من قبل أن أعطي أحدا من مال أحد شيئا بغير طيب نفسه، إنما البيع عن تراض)) (1)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والدارقطني والبزار وابن حبان بألفاظ متقاربة ، عن أبي حميد الساعدي وابن عباس وابن عمر وأبي حرة الرقاشي وغيرهم:((: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) . (2)

وقد نص الفقهاء على أن التملك القهري خلاف مقتضى الملك. . (3)، ويقول صديق حسن خان في كتابه إكليل الكرامة:(وقد ثبت بالقطع الذي لا يخالف فيه مسلم أن أصل أموال العباد التحريم، وأن المالك للشيء مسلط عليه يحكم فيه، ليس لغيره فيه إقدام ولا إحجام إلا بدليل يدل على ذلك كالحقوق الواجبة في الأموال. . فمن ادعى أنه يحل له أخذ مال أحد من عباد الله ليضعه في طريق من طرق الخير وفي سبيل من سبل الرشد ، لم يقبل منه إلا بدليل يدل على ذلك بخصوصه ولا يفيده أنه يريد وضعه في موضع حسن، وصرفه في مصرف صالح، فإن ذلك ليس إليه بعد أن صار المال ملكًا لمالكه، وهذا لا يخفى على أحد ممن له أدنى علم بهذه الشريعة المطهرة، وبما ورد في الكتاب والسنة)(4) .

(1) سنن البيهقي جـ 6 ص 17، الفتح الكبير: جـ 1 ص 435، سنن ابن ماجة: جـ 2 ص 737.

(2)

سنن البيهقي: جـ6 ص 97 - 10، جـ9 ص 358، مجمع الزوائد: ج4 ص 171، الزواجر لابن حجر: جـ1 ص 212، سبل السلام - الطبعة المنيرية: جـ3 ص 82، الفتح الكبير: جـ3 ص 359 سنن الدارقطنى: جـ1 ص 26.

(3)

طريقة الخلاف القاضي حسين: و200 ب.

(4)

إكليل الكرامة: ص 198.

ص: 700

وقال الشافعي: (لا يزول ملك المالك إلا أن يشاء، ولا يملك رجل شيئًا إلا أن يشاء إلا في الميراث. . قال الله عز وجل: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2) فلم أعلم أحدًا من المسلمين خالف في أنه لا يكون عل أحد أن يملك شيئًا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث، فإن الله عز وجل نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاؤوا أو أبوا ألا ترى أن الرجل لو أوصي له، أو وهب له أو تصدق عليه، أو ملك شيئًا لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء.

(ولم أعلم أحدًا من المسلمين اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه، ببيع أو هبة أو غير ذلك، أو عتق أو دين في ذمة ، فيباع في ماله، وكل هذا فعله ، لا فعل غيره)(3)

ويقول صاحب إكليل الكرامة: "وسأضرب لك ههنا مثلًا يزيدك فائدة ويوضح لك ما ذكرناه، وهو أن رجلًا لو كان له مال كثير، وقد أخرج زكاته الواجبة عليه، وفعل ما يجب عليه، فقال من له سلطان: لا عذر لهذا الرجل الغني الكثير المال من إخراج بعض ماله يصرف في فقراء المسلمين، وفي محاويج العباد. . مستدلا على ذلك بما تقدم من الآيات التي ذكر فيها الأمر بالإنفاق، والترغيب فيه، قائلًا: هذا الإنفاق من جملة ما يدخل تحت هذه الآيات، وتصدق عليه (4) ثم تسأل: هل هذا الذي فعله وأمر به صواب أم خطأ وظلم وتصرف في مال غيره بما لم يأذن الله به؟ ثم قرر إجابة على هذا السؤال أن تصويب فعله مخالفة لإجماع المسلمين وتجويز لما لم يجوزه أحد من سلف هذه الأمة وخلفها.

وواضح أن في هذا الكلام ردا على ما أخذنا نسمعه في هذه الأيام من تبرير لنزع أموال الناس بدون حق أنها ستنفق في مصالح الأمة، مع أنه ليس في هذا التصرف إلا الإضرار بالناس، وضياع أموالهم وحقوقهم وفساد أحوالهم العامة والخاصة.

(1) النساء: 29.

(2)

البقرة: 275

(3)

الأم: جـ3 ص 218 - 219.

(4)

إكليل الكرامة: ص 118.

ص: 701

هذا وقد أنيط بقضاء المظالم مراقبة الولاة والعمال لمنعهم من أن يجوروا على الناس ويغصبوا أموالهم ويعتدوا على حقوقهم ، وقد أوضح الفقهاء ذلك عند حديثهم عن قضاء المظالم وما يناط به من وظائف خاصة ما يتعلق بإعادة الأموال المغصوبة عن هذا الطريق لأصحابها، فالماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) يبين الأمور التي يختص بالنظر فيها والي المظالم، ويذكر منها:

1 -

جور العمال فيما يجبونه من الأموال وأساس معرفة ذلك كما يقرر الماوردي القوانين العادلة في دواوين الأئمة فيحمل والي المظالم الناس عليها ، ويأخذ العمال بها ، وينظر فيما استزادوه عما هو مطلوب من الناس، فإن رفعوه إلى بيت المال ، أمر برده ، وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه (1) وذكر الماوردي أن هذا الأمر من جملة ما يختص به والي المظالم ولو لم يتظلم منه أحد.

2 -

رد الغصوب، وقد بين أنها ضربان:

الضرب الأول: غصوب سلطانية قد تغلب عليها ولاة الجور، كالأملاك المقبوضة عن أربابها، إما لرغبة فيها ، وإما لتعد على أهلها، فهذا إن علم به والي المظالم عند تصفح الأمور ، أمر برده قبل التظلم، وإن لم يعلم به ، فهو موقوف على تظلم أربابه.

الضرب الثاني: ما تغلب عليها ذوو الأيدي القوية، وتصرفوا فيه تصرف الملاك بالقهر والغلبة ، فهذا موقوف على تظلم أربابه، ولا ينزع من يد غاصبه إلا بأحد أمور أربعة:

الأول: اعتراف الغاصب وإقراره.

الثاني: علم والي المظالم ، فيجوز له أن يحكم على الغاصب بعلمه.

الثالث: بينة تشهد على الغاصب بغصبه ، أو تشهد على المغصوب منه بملكه.

الرابع: تظاهر الأخبار الذي ينفي عنها التواطؤ (2)

(1) الأحكام السلطانية للماوردي، ص 80.

(2)

الأحكام السلطانية للماوردي: ص 81 - 82 وانظر الأحكام السلطانية - أبو يعلى/ ص 76 - 78.

ص: 702

ويظهر من كلام الماوردي وغيره من الفقهاء في هذا المجال أن قضاء المظالم يملك سلطات واسعة في مراقبة سلوك الحكام وأصحاب الجاه والنفوذ في تعاملهم مع الرعية، وذلك من أجل حمايتهم من كل أنواع الظلم وصنوف العدوان. هذا وقد بين الدكتور عبد الحميد الرفاعي في محاضراته في الحقوق الإدارية أن قضاء المظالم قد سبق بأشواط ما عليه القضاء الإداري اليوم في مراقبة تصرفات الدولة وذوي الجاه والسلطان: إن في تنظيماته، أو اختصاصاته أو أقضيته (1)

وقد تعرض الغزالي في كتابه (شفاء الغليل) إلى أنه لا يجوز للإمام مصادرة أموال المسرفين، ووضعها في بيت المال، وأوضح أن هذه المسألة لا يمكن أن تقاس على مسألة جواز توظيف ضرائب جديدة على أموال الناس إذا توافرت شروط جوازه، فقال: (فإن قال قائل:إذا رأى الإمام جمعا من الأغنياء يسرفون في الأموال ويبذرون ويصرفونها إلى وجوه من الترفه والتنعم وضروب من الفساد، فلو رأى المصلحة في معاقبتهم بأخذ شيء من أموالهم، ورده إلى بيت المال ، وصرفه إلى وجوه المصالح، فهل له ذلك؟

(قلنا: لا وجه له، فإن ذلك عقوبة بتنقيص الملك وأخذ المال، والشرع لم يشرع المصادرة في الأموال عقوبة على جناية، مع كثرة الجنايات والعقوبات، وهذا إبداع أمر غريب لا عهد به، وليست المصلحة فيه متعينة، فإن العقوبات والتعزيرات مشروعة بإزاء الجنايات ، وفيها تمام الزجر ، فأما المعاقبة بالمصادرة ، فليس من الشرع، وليس هذا كالمثال السابق - يقصد جواز توظيف ضرائب جديدة على أصحاب الأموال، فإن الأموال مأخوذة بطريق إيجاب الإنفاق منهم على جند الإسلام، لحماية مصلحة الدين والدنيا ، لا بطريق العقاب

ومسالك الإنفاق والإرفاق مقيدة من الشرع، أما المعاقبة بالمصادرة ، فليس مشروعًا ، والزجر حاصل بالطرق المشروعة ، فلا يعدل عنها مع مكان الوقوف عليها.

ثم قال: فإنه قيل: روي أن عمر رضي الله عنه شاطر خالد بن الوليد على ماله حتى أخذ رسوله فردة نعله، وشطر عمامته.

(1) انظر محاضرات في الحقوق الإدارية - د. عبد الحميد الرفاعي: ص 34 - 35.

ص: 703

(قلنا: والمظنون بعمر رضي الله عنه أنه لم يبدع العقاب بأخذ المال على خلاف المألوف من الشرع، وإنما ذلك لعلمه باختلاط ماله بالأموال المستفادة من الولاية ، فلعله خمن الأمر فرأى شطر ماله من فوائد الولاية وثمراتها، فيكون ذلك كالاسترجاع للحق بالرد إلى نصابه ، فأما أخذ المال المستخلص للرجل عقابًا على جناية ، شرع الشرع فيها عقوبات سوى أخذ المال ، فهو مصلحة غريبة لا تلائم قواعد الشرع ، وقد ذهب إلى تجويز ذلك ذاهبون، ولا وجه له)(1)

ثم إن العلماء قد بينوا أن مصادرة الأموال، وتقييد حرية الناس في الاكتساب والتحصيل يقتل روح العمل، ويؤدي إلى تكاسل الناس، وعدم انطلاقهم إلى الإبداع والإنتاج، ومن ثم تأخر المجتمع، واختلال أحواله، وفساد أوضاعه ، وقد عقد ابن خلدون في مقدمته فصلًا في أن الظلم مؤذن بخراب العمران، أوضح فيه خطورة التعدي على أموال الناس، وآثاره على الأفراد والجماعات، بتحليل رائع وبيان مشرق ، فليراجع هناك.

ثانيًا: أجازت الشريعة الإسلامية نزع الملكية الفردية من صاحبها في صور متعددة عندما تدعو الضرورة إليه، وذاك إما مراعاة لمصلحة فردية أخرى أولى بالاعتبار من مصلحة المالك، وإما مراعاة لمصلحة عامة (2)

أولًا: الصور التي أجازت الشريعة فيها نزع الملكية مراعاة لمصلحة فردية أخرى أولى بالاعتبار من مصلحة المالك

(1) انظر شفاء الغليل: ص 343 - 345 وانظر مباحث التعليل - الكبيسي: ص 133.

(2)

أحكام المعاملات الشرعية - الشيخ علي الخفيف: ص 106 - 109، المعاملات الشرعية المالية، أحمد إبراهيم: ص 72 - 73، الملكية ونظرية العقد - أبو زهرة، ص 143 - 145 الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي، د. النبهان ص 187 - 189.

ص: 704

قد تتعارض المصالح الخاصة ببعضها مع بعض ، فتقدم الشريعة أولى المصلحتين بالاعتبار ، وانطلاقًا من هذا المبدأ ، أجازت الشريعة نزع الملكية الفردية مراعاة لمصلحة فردية جديرة بالعناية والاعتبار، وذلك في صور متعددة منها:

أ- الشفعة

الشفعة صورة من صور نزع الملكية جبرًا على صاحبها، رعاية لمصلحة فردية أخرى أولى من مصلحة المالك.

وقد اختلفت تعريفات الفقهاء للشفعة نتيجة اختلاف مذاهبهم فيها:

فعرفها المالكية بأنها: استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه، أو هي طلب الشريك بحق أخذ مبيع شريكه بثمنه (1)

وعرفها الحنفية بأنها: تملك البقعة جبرًا بما قام على المشتري بالشركة والجوار (2)

وعرفها الشافعية بأنها: تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث فيما ملك بعوض (3)

وعرفها الحنابلة بأنها: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه إن كان مثله أو دونه بعوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد (4)

ويلاحظ هنا أن تعاريف المالكية والشافعية والحنبلية تعاريف متقاربة، لاتفاق مذاهبهم في سبب الشفعة ، أما تعريف الحنفية فيختلف؛ لأنهم يخالفون في سبب الشفعة كما يظهر في الفقرة التالية:

(1) شرح حدود ابن عرفة: ص356.

(2)

التعريفات – الجرجاني، ص 112 وانظر عقود الجواهر المنيفة: جـ2 ص88

(3)

حاشية الباجوري: جـ2 ص15 حاشية قليوبي: جـ3 ص 42.

(4)

كشاف القناع: جـ2 ص375

ص: 705

وقد تعددت مذاهب الفقهاء في الشفعة واختلفوا فيها على عدة أمور أهمها:

أولًا: مدى الأخذ بالشفعة:

أ- فذهب أبو بكر الأصم وابن علية إلى عدم ثبوت الشفعة بحال. ونقل هذا عن جابر بن زيد من التابعين.

ب - وذهب جمهور الفقهاء (الشافعية والمالكية والحنبلية والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور (إلى ثبوت الشفعة للشريك في الملك فقط. وذلك فيما يقبل القسمة.

ج - وذهب الحنفية والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة إلى ثبوتها للشريك في الملك ثم للشريك في حقوقه ثم للجار الملاصق.

د - وذهب فقهاء البصرة وعبد الله العنبري إلى ثبوتها بالشركة في الملك، ثم بالشركة في حقوقه ، والواقع أن سبب ثبوت الشفعة هو الاتصال بين العقار المبيع وعقار الشفيع. والفقهاء متفقون على ذلك، ولكنهم مختلفون في شموله لكل صور الاتصال، أم أنه قاصر على بعضها. .

وصور الاتصال ثلاث:

1-

اتصال شركة على الشيوع بين العقارين.

2 -

اتصال شركة في حقوق الارتفاق.

3 -

اتصال مجاورة.

وقد رجح ابن القيم ثبوتها بالجوار ، بالإضافة إلى ثبوتها بشركة الملك، وذلك إذا كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك، من طريق أو ماء أو نحو ذلك، وإذا لم يكن بينهما حق مشترك البتة، فلا شفعة (1) .

(1) إعلام الموقعين: جـ2 ص 130 - 131.

ص: 706

وقال: (والقياس الصحيح يقتضي هذا القول، فإن الاشتراك في حقوق الملك شقيق الاشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه ، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة على البائع ولا على المشترى)(1)

ثانيًا: فيما تثبت فيه الشفعة من الأشياء:

أ- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشفعة تثبت في العقار، ولا تثبت في غيره.

ب - وذهب الظاهرية، وفي رواية عن الإمام أحمد. . إلى ثبوتها في كل شيء، سواء كان عقارًا أم منقولًا ، وقد رجح هذا المذهب ابن القيم (2) والشيخ إبراهيم الدسوقي الشهاوي (3)

ثالثًا: نوعية الضرر المراد دفعه بها:

اتفق الفقهاء على أن الشفعة قد شرعت لدفع الضرر عن الشفيع، واختلفوا في نوعية هذا الضرر:

أ- فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الضرر المراد دفعه هو ضرر مؤنة القسمة، من الكلفة ودفع أجرة القسام، والضيق في المنزل، واستحداث المرافق في حصته بعد القسمة.

ب - وذهب الحنفية إلى أن الضرر الذي قصد الشارع دفعه هو ضرر سوء الجوار، والشركة في العقار والأرض، فالجار قد يسيء الجوار، ويؤذي جاره بأنواع مختلفة من الأذى، لذلك رتب الشارع حقوقا كثيرة بين الجيران ، فهي قد وجبت لدفع الضرر وسوء العشرة الدائم الذي قد يلحق الشفيع من المشتري (4)

(1) إعلام الموقعين: جـ2 ص 131 - 132.

(2)

إعلام الموقعين:ج2 ص 121، 123 - 124.

(3)

المذاهب الفقهية في الرهن والشفعة: ص 63.

(4)

انظر في مذاهب العلماء في الشفعة وأدلتهم: المراجع والمصادر المشار إليها في الملكية في الشريعة الإسلامية جزء (2) ص 171.

ص: 707

وقد استدل الذين خالفوا في مشروعية الشفعة بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) وبقوله صلى الله عليه وسلم ((: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) (2) . ورد هذا الاستدلال بأن الشفعة قد ثبتت بعدد كبير من الأحاديث النبوية، فلا مجال للاجتهاد والقول بالرأي أمام النصوص الثابتة.

وقد رفض السرخسي في المبسوط مجرد القول بأن الشفعة ثابتة على خلاف القياس، فقال:(وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله أن القياس يأبى ثبوت حق الشفعة؛ لأنه يتملك على المشتري ملكا صحيحًا له بغير رضاه، وذلك لا يجوز، فإنه نوع من الأكل بالباطل، وتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) . ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره ، ولكننا نقول: تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب.

(والأصح أن نقول: إن الشفعة أصل في الشرع، فلا يجوز أن يقال: إنه مستحسن من القياس، بل هو ثابت، وقد دلت على ثبوته الأحاديث المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم (3) . وبين ابن القيم في (إعلام الموقعين) أن مشروعية الشفعة أصل من الأصول المقررة في الشريعة، فقال: (من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة، ولا يليق بها غير ذلك، فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن، فإن لم يكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقاه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ، ولما كانت الشركة تنشئ الضرر في الغالب، فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض، شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا بالقسمة تارة، وانفراد كل من الشريكين بنصيبه. وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة، فإذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك، فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه ، كان شريكه أحق بدفع العوض من الأجنبي.

(1) النساء: 29.

(2)

في تخريجه: انظر القسم الثاني من الملكية: ص 167.

(3)

المبسوط: جـ 14 ص 90 وقارن الملكية ونظرية العقد لأبي زهرة: ص 145، حيث بين أن الفقهاء قد قرروا أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل والقياس.

ص: 708

ويزول عنه ضرر الشركة، ولا يتضرر البائع، لأنه يصل إلى حقه من الثمن، وكان هذا أعظم العدل، وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد. ومن هنا يعلم أن التحيل لإسقاط الشفعة مناقض لهذا المعنى الذي قصده الشارع ومضاد له) (1)

قال في مكان آخر: (قال المنبثق للشفعة: إنما كان الأصل عدم انتزاع ملك الإنسان منه إلا برضاه ، لما فيه من الظلم له والإضرار به. فأما ما لا يتضمن ظلما ولا إضرارًا، بل مصلحة له بإعطائه الثمن، فلشريكه دفع ضرر الشركة عنه. . فليس الأصل عدمه، بل هو مقتضى أصول الشريعة، فإن أصول الشريعة توجب المعاوضة للحاجة والمصلحة الراجحة، وإن لم يرض صاحب المال. وترك معاوضته هنا لشريكه مع كونه قاصدا للبيع ظلم منه وإضرار بشريكه، فلا يمكنه الشارع منه ، بل من تأمل مصادر الشريعة ومواردها تبين له أن الشارع لا يمكن هذا الشريك من نقل نصيبه إلى غير شريكه، وأن يلحق به الضرر مثل ما كان عليه، أو أزيد منه، مع أنه لا مصلحه له في ذلك (2)

ويقول الأستاذ الشيخ إبراهيم الشهاوي: (فحرية الحصول على الأموال والتعاقد عليه ليست مطلقة، بل هي مقيدة بقيود تمنع الضرر بالغير، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) . على أنه لا ضرر في الأخذ بالشفعة على الأجنبي؛ لأنه سيحصل على ما دفعه ثمنًا لما اشتراه ، وكل ما في الأمر أن الصفقة أخذت منه، فحاله بعد أخذ الصفقة هوحاله قبل أخذها.

(ولو سلمنا أن في أخذها منه ضررًا، فإن ضرر الشفيع أعظم بالتضييق عليه والظهور على عوراته ، ورفع أعظم الضررين واجب، ولذلك جاءت الأحاديث متضافرة على ثبوت الشفعة، وأنها حق للشريك أو الجار إذا طلبها ، فكانت مخصصة للعموم في حديث: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه)) (3) وهكذا يظهر أن الشفعة قيد يحد من حرية المالك في نقل أمواله عنه قررته الشريعة ، لما يترتب عليه من مصالح معتبرة، وفي ذلك توضيح؛ لأن أصول الشريعة توجب المعاوضة للحاجة أو المصلحة الراجحة، وإن لم يرض صاحب المال. كما ذكر ابن القيم في قوله السابق.

ب - الحجر على المدين وبيع أمواله جبرًا عنه وفاء لديونه:

(1) إعلام الموقعين: جـ2 ص 120.

(2)

إعلام الموقعين: ج1 ص 123.

(3)

المذاهب الفقهية والشفعة: في الرهن ص 11.

ص: 709

قد تستغرق الديون أموال المدين وتحيط به، ويصبح الدائنون مهددين بضياع ديونهم إذا قام المدين بالتصرف في أمواله تصرفًا يضر بهم ، فهل يجب على الحاكم الحجر عليه ومنعه من التصرف إذا طلب الدائنون ذلك حفظًا لديونهم؟ وهل له أن يبيع أمواله إذا امتنع عن بيعها ليسدد ديونه ويقسمها بين غرمائه بالحصص؟ اختلف الفقهاء في ذلك (1)

1-

فذهب جمهور الفقهاء (المالكية، والشافعية، والحنبلية، وأبو يوسف ومحمد من الحنفية) إلى وجوب ذلك على الحاكم إذا كانت الديون مستغرقة لأموال المدين، وطلب غرماؤه الحجر عليه. وأما بيع أموال المدين الممتنع عن السداد، فللحاكم ذلك، سواء أكانت الديون مستغرقة لأموال المدين، أم لم تكن مستغرقة لها.

2 -

وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يحجر على المدين بحال، كما أنه لا يجوز أن يبيع الحاكم أمواله عليه لوفاء ديونه، بل يحبسه حتى يقضي ديونه ، فلا يجوز عنده بيع المال على حر رشيد. ولست هنا بصدد الحديث عن تفصيلات الحجر على المدين، إنما يهمني الإشارة إلى نقطتين:

الأولى: أن الشريعة أجازت الحجر على المدين لمنعه من التصرف في أمواله حفظًا لحق دائنيه ، وعلى خلاف بين الفقهاء.

الثانية: أن الشريعة أجازت نزع مال المدين، وبيعه عليه لسداد ديونه على خلاف بين الفقهاء (2) هذا وقد استدل أبو حنيفة لما ذهب إليه بعدد من الأدلة منها:

(1) انظر في مراجع ذلك ومصادره الملكية في الشريعة الإسلامية جـ2 ص 173.

(2)

المذاهب الفقهية والقوانين الوضعية متفقة على وجوب ترك قدر معين من المال للمدين لتستمر به حياته على خلاف بينها في مقداره، انظر المقارنات والمقابلات: ص 81 - 84.

ص: 710

ا - أن المالك حر في أمواله لا يجوز التعرض له فيها بحال، يدل على هذا المعنى آيات وأحاديث متعددة منها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (1) فالآية الكريمة تقرر أن أساس البيوع هو التراضي، وهو لا يوجد قطعًا عند بيع الحاكم مال المدين جبرًا عنه، فلا يكون ذلك لا أكلًا للأموال بالباطل كما هو نص الآية. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) (2)

2 -

ثم إن المدين مطالب بالوفاء، ولا يتعين البيع سبيلًا للوفاء ، فقد يرزق مالا آخر يسدد به دينه. نعم للحاكم إجباره على الوفاء بحبسه والتضييق عليه، والحبس هو الثابت المتفق عليه، فلا يصح تجاوزه إلى غيره.

فأبو حنيفة يتمسك بالحرية التامة للمالك، ويرفض أية قيود عليها، ولو كانت لمصلحة المالك نفسه؛ لأن المالك أدرى بمصلحته ، ثم الضرر الذي يصاب به عنده بإهدار أمواله، وعدم اعتبار تصرفاته أكبر بكثير من الضرر الذي يصيبه إذا خسر ماله، أو بعض ماله.

وقياس هذا الكلام يتطلب القول بأن الحاكم لا يجوز له أن يحبس المدين أيضًا لجبره على الوفاء بديونه؛ لأن الحبس فيه إضرار بشخص المدين وكرامته ، فلا يستقيم كلام أبي حنيفة حجة لمنع الحجر على المدين، ومنع بيع أمواله، ما دام أن أبا حنيفة قد قال بالحبس (3)

والواقع أن للجمهور أدلتهم القوية على ما ذهبوا إليه ، منها:

1-

ما أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وغيرهم بألفاظ متقاربة عن أبي سعيد الخدري وغيره قال: ((أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه. فتصدق الناس عليه ، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلا ذلك ")) (4)

(1) النساء: 29.

(2)

في تخريجه: انظر القسم الثاني من الملكية ص 167.

(3)

انظر أبو حنيفة لأبي زهرة: ص 408 - 409.

(4)

الذخيرة: جـ7 ص193 - 194. وانظر تخريج الحديث الملكية ص 175 - 176.

ص: 711

ولم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلع ماله لهم، ولم يحبسه

2 -

وكان رجل من جهينة زمن عمر بن الخطاب يشتري الرواحل ، فيغلي بها. ثم يسرع السير ، فيسبق الحجاج ، فأفلس. فخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال:(يا أيها الناس، إياكم والدين، فإن أوله هم ، وآخره حزن، وإن أسيفع جهينة (1) قد رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج. فأدان معرضًا ، فأصبح وقد دين به ، ألا إني بائع عليه ماله ، فقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص ، فمن كان عليه دين فليفد) . ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكان هذا اتفاقًا منهم على أنه يباع مال المديون عليه (2)

3 -

ثم إن مصلحة الناس تتحقق بالحجر عليه، لأنه لو نفذت تصرفاته وإقراراته لكان في ذلك إضاعة لحقوق الدائنين، لأنه قد يلجأ إلى تهريب أمواله بالبيع الصوري، ويهبها لأقربائه ، فيجب الاحتياط لحفظ الأموال، خاصة وهو ظالم بالامتناع عن تسديد ديونه.

(1) وأسيفع: اسم رجل، وهو تصغير الأسفع، وجهينة: قبيلة. المبسوط للسرخسي: 24، 164 غلب بالدين طلبة الطلبة: ص 142 - 143. انظر الحاوي للماوردي: جـ7 و13 الذخيرة جـ7 ص 163 - 194، الإشراف على مسائل الخلاف: ب2 ص11 ، وانظر هذا الأثر بألفاظ مقاربة في الموطأ لشرح الزرقاني: جـ4 ص 75 - 76، جواهر العقود للسيوطي جـ1ص 162.

(2)

اللؤلؤ والمرجان: جـ2 ص 147، صحيح مسلم بشرح النووي: جـ 0 1 ص 227 - 228، سبل السلام جـ2 ص 83.

ص: 712

كما أن في إعطاء هذا الحق للقاضي تشجيعًا للناس على التعامل دون خوف من ضياع حقوقهم وأموالهم، إذا استغرقت الديون أموال المدينين ، ثم والامتناع عن سداد الديون ظلم يجب رفعه، وللحاكم ولاية ذلك ببيع ماله عليه. . فعن أبي هريرة رضي الله عنه، فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء ، فليتبع)) (1) وعن عمرو بن الرشيد عن أبيه فيما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لي الواجد يحل عرضه وعقوبته))

ونشير هنا إلى أن القوانين الوضعية قد نصت على أنه إذا أفلس التاجر وجب إعلان إفلاسه والحجر عليه، وبيع ماله في ديونه (2) ويلاحظ على قواعد إعلان الإفلاس في هذه القوانين أن فيها تشهيرا بالمدين المفلس بصرف النظر عن أسباب إفلاسه ، بدل مساعدته والأخذ بيده.

ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية قد قررت رصد جزء من ميزانية الزكاة لمساعدة الغارمين، وهم المدينون في غير معصية، كما رغبت في إنظار المعسر حتى يوسر. قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (3)

جـ - صور أخرى:

وهنالك صور أخرى نص فيها الفقهاء على نزع الملكية، مراعاة لمصلحة خاصة جديرة بالاعتبار (4) ومنها:

(1) وهذا الحديث علقه البخاري. البخاري بشرحه - فتح الباري طبعة الحلبي جـ6 ص 459 سنن ابن ماجه جـ2 ص 811 المستدرك: جـ4 ص 102، حيث صححه الحاكم ، ووافقه الذهبى، سنن البيهقي جـ6 ص 51، تلخيص الحبير: جـ3 ص 29.

(2)

انظر المقارنات والمقابلات جـ3 ص 81.

(3)

البقرة: 279.

(4)

بل نص الفقهاء على أنه إذا امتنع من الإنفاق على بهائمه ، فإنه يجبر على الإنفاق أو البيع، كذا أطلق كثير من الحنابلة. وقال ابن الزاغوني: إن أبى باع الحاكم عليه. انظر قواعد ابن رجب ص 22.

ص: 713

1) إذا امتنع الراهن من بيع الرهن، فإن الحاكم يجبره عليه ويحبسه ، فإذا هو أصر باع عليه، وبعض الحنابلة يقولون: الحاكم مخير: إن شاء أجبره على البيع، وإن شاء باع عليه ، وهو المجزوم به في المغني (1)

2) وذكر ابن رجب في قواعده التالية: (من اتصل ملكه بملك غيره متميزًا عنه، وهو تابع له ولم يمكن فصله منه بدون ضرر يلحقه، وفي إبقائه على الشركة ضرر، ولم يفصله مالكه، فلمالك الأصل أن يتملكه بالقيمة من مالكه، ويجبر المالك على القبول ، وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل، فالمشهورأنه ليس له تملكه قهرًا: لزوال ضرره الفصل) ثم ذكر عددًا من المسائل التي تتخرج على هذه القاعدة (2)

3) وجاء في تبصرة الحكام: (الأشياء التي تنقسم أو في قسمتها ضرر ، يجوز أن يجبر على البيع من أباه إذا طلب البيع أحدهما. وإنما جبر على البيع من أباه، دفعًا للضرر اللاحق بالطالب؛ لأنه إذا باع نصيبه مفردا نقص ثمنه (3) وواضح من هذا النص أنه يقرر مبدأ البيع الجبري لإزالة الشيوع في الأموال غير القابلة للقسمة أو التي في قسمتها ضرر، إذا طلب أحد الشركاء ذلك (4)

4) وجاء في الأحكام لابن حزم (يؤخذ الملك من مالكه كرهًا فيما لزمه من نفقة زوجه التي هي لعلها أغنى منه وأقدر على المال، وفي أشياء كثيرة من أروض ما أتلف، بخطأ ، وبغير قصد، وبقصد (5) . وسيأتي في مبحث الوظيفة العائلية للملكية أن نفقة القريب المعسر تؤخذ كرها إذا امتنع القريب الموسر عن دفعها.

ثانيًا: الصور التي أجازت الشريعة فيها نزع الملكية مراعاة لمصلحة عامة: قررت الشريعة مبدأ تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فيما إذا تعارضت المصلحتان ولم يمكن التوفيق بينهما. . لذلك أجازت الشريعة نزع الملكية الخاصة مراعاة لمصلحة عامة في صور كثيرة منها:

(1) قواعد ابن رجب: ص 32.

(2)

قواعد ابن رجب: ص 174 -150.

(3)

تبصرة الحكام: جـ2 ص 216.

(4)

قارن المدخل الفقهي العام - الطبعة الثامنة -: ص 283 - 285.

(5)

الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: ج1 ص 48.

ص: 714

أ- بيع الطعام المحتكر جبرًا عن صاحبه عند الحاجة إليه. وقد سبق ذكر نصوص الفقهاء في ذلك (1)

ب - استملاك الأراضي المجاورة للمسجد جبرًا عن صاحبها، إذا ضاق المسجد بالناس (2)

جـ- استملاك الأراضي المجاورة للطرق العامة جبرًا عن أصحابها إذا احتاج الناس إليها (3)

هذا وقد نصت المادة (1216) من مجلة الأحكام العدلية على ما يلي: لدى الحاجة يؤخذ ملك كائن من كان بالقيمة بأمر السلطان ويلحق بالطريق، ولكن لا يؤخذ من يده ما لم يؤد له الثمن (4)

وقال في شرح المنهج المنتخب: (إذا اجتمع ضرران أسقط الأكبر الأصغر، ومن ثم يجبر المحتكر على البيع، وجار المسجد إذا ضاق، وجار الطريق والساقية إذا أفسدهما السيل (5)

د - ويظهر عند الحديث عن الوظيفة الاجتماعية للملكية أن الحقوق التي تجب في المال كالزكاة، للحاكم أخذها من المالك إذا امتنع عن دفعها رغما عنه.

(1) انظر القسم الثاني من الملكية: ص 148 - 149

(2)

البهجة شرح التحفة: ج 2 ص 76، شرح المجلة - الأتاسي: ج 4 ص 158، المدخل الفقهي الزرقاء م1 ص 227، الذخيرة:ج6 ص 33، الدين الخالص: جـ3 ص 250- 251

(3)

البهجة شرح التحفة: جـ2 ص 76 وجاء في المقارنات التشريعية جـ1 ص386: يؤخذ ملك الفرد، وإن كان حرمًا محرمًا لمنفعة الجماعة، ولا يجيز أحد على (إخراج ملكه ببيع أو هبة) أو أي تصرف إلا لسعة مسجد أو مقبرة أو طريق أو شق مجرى ماء أو نحو ذلك من المصالح العامة مع وجوب دفع التعويض عن ملكه من بيت المال.

(4)

انظر في نصوص الحنفية بهذا الصدد شرح المجلة - الأتاسي: جـ4 ص 158.

(5)

شرح المنهج: و188 ب.

ص: 715

هذا وقد نظمت القوانين الوضعية أحكام نزع الملكية للمنفعة العامة، وبينت أن ذلك لا بد أن يكون مقابل تعويض عادل معقول، ووضعت القواعد التي تكفل حقوق الأفراد بهذا الصدد (1) هذا وقد نص دستور جمهورية مصر العربية الصادر سنة 1971 في المادة 34 منه على ما يلي:(الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض وفقا للقانون وحق الإرث فيها مكفول) .

وتنص المادة (11) من الدستور الأردني على ما يلي: لا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل، حسبما يعين في القانون) .

وتنص المادة (12) منه على ما يلي: لا تفرض قروض جبرية، ولا تصادر أموال منقولة أو غير منقولة إلا بمقتضى القانون (ويلاحظ هنا أن قانون استملاك الأراضي للمشاريع العامة الأردني الصادر سنة 1953 تنص المادة 21 منه في فقرتها الأولى على أنه إذا كان القسم المستملك من الأرض لا تزيد مساحته على ربع مجموع مساحتها، فإنه لا يدفع تعويض عنه إلا إذا ثبت أنه سيحصل لصاحبها ضرر كبير إذا لم يدفع التعويض، وأوجبت الفقرة الثالثة من هذه المادة التعويض عن الأبنية والأشياء المقامة في الأرض، ولو كان المستملك لا يزيد على ربع مساحة الأرض.

ونصت الفقرة الرابعة على أنه إذا زادت المساحة عن الربع ، فإنه يدفع تعويض عما زاد عن الربع ، انظر مجموعة القوانين الأردنية جـ2 ص 242 - 250 الجريدة الرسمية لسنة 1961 ص 36 (2)

(1) انظر بالتفصيل نزع الملكية للمنفعة العامة فقها وقضاء - حسن البغال، طبعة ثانية سنة 1966

(2)

مجموعة القوانين الأردنية: جـ1 ص 6.

ص: 716

ويقول الدكتور سليمان الطماوي بعد عرض من النصوص التي تقرر صيانة حق الملكية الخاصة في دستور مصر الصادر عام 1964: (ومقتضى هذه النصوص أن إجراءات نزع الملكية هي إجراءات استثنائية. لخروجها على حق أساسي مقرر في صلب الدستور، ولهذا يجب أن تفسر تفسيرًا ضيقًا. كما أن عدم اتباع الإدارة للإجراءات التي نص عليها قانون نزع الملكية، باستيلائها على أموال الأفراد تعنتًا يعد غصبًا يرفع عن قراراتها صفتها العامة، ويجعلها أعمالًا مادية يختص بها القضاء العادي، فنحكم بعدم تعرض الإدارة للأفراد، وبالتعويضات إذا نابهم ضرر من جراء تصرف الإدارة المعيب) .

وذهب أغلب الشراح في القانون الوضعي إلى أن اغتصاب الإدارة مالا مملوكًا للأفراد وتخصيصه للنفع العام لا يمكن أن يحول المال الخاص إلى مال عام، إذ على الإدارة أن تكتسب المال بإحدى الطرق المشروعة قانونًا ثم تخصيصه بعد ذلك للمنفعة العامة.

ثالثًا: حكم نزع الملكية للمنفعة العامة والضوابط التي قررها الفقهاء لذلك:

يحتاج البحث في موضوع نزع الملكية للمنفعة العامة بيان جملة من الأمور هي:

1-

المقصود بنزع الملكية للمنفعة العامة وعلاقته بمفهوم التأميم.

2 -

الأسس والقواعد التي تضبط عملية تدخل الدولة في الملكيات الخاصة عن طريق نزع الملكية أو غيره.

3 -

بيان الحكم في كل الصور التي يمكن أن تندرج تحت عنوان التأميم.

4 -

حكم التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة.

وفيما يلي بيان لكل أمر من هذه الأمور:

الأمر الأول: المقصود بنزع الملكية للمنفعة العامة وعلاقته بمفهوم التأميم:

التأميم هو أشد صور تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية فعالية وأثرًا، إذ فيه تنقل الدولة ملكية أموال معينة من دائرة الملكية الخاصة لتصبح ملكًا لمجموع الأمة، وتقوم الدولة بإدارتها واستغلالها والإشراف عليها نيابة عنهم، بطريقة تستبعد فيها مشاركة الرأسماليين في الربح والإدارة (1) . فهو إحلال للإدارة العامة محل الاستغلال الرأسمالي (2) في ملكية أموال معينة.

(1) محاضرات في القانون الإداري - الأستاذ عبد الحميد الرفاعي: ص30

(2)

المشروعات المؤممة - برنار شينو: ص 16.

ص: 717

يقول الدكتور الطماوي: (المدلول الأصيل للتأميم ينحصر في تحويل مشروع خاص على قدر من الأهمية إلى مشروع عام يدار بطريقة المؤسسة العامة، أو في شكل شركة تملك الدولة كل أسهمها)(1) . فهو يقوم على نزع ملكية المشروعات الخاصة ذات النفع الحيوي للأمة، وتحويلها إلى ملكية الدولة (2)

والتأميم في الدولة الرأسمالية وكثير من الدول الاشتراكية كان مقابل تعويض، وإن اختلفت مسالك الدول في تقديره وكيفية دفعه. والأفكار الماركسية وحدها هي التي نادت بتأميم جميع وسائل الإنتاج بدون تعويض، واعتبرت هذا التأميم نزعًا للملكية من غاصبي الملكية (3) فلا يستحقون عليه أي تعويض، بل يجب أن تسارع الدولة إلى القيام به بكل حزم وصرامة.

ونشير هنا إلى أن هناك فرقًا بين التأميم وكل من المصادرة ونزع الملكية للمنفعة العامة في الاصطلاح القانوني، فالمصادرة عبارة عن عقوبة بأخذ المال، فلا مجال فيها للقول بالتعويض. ونزع الملكية للمنفعة العامة غالبًا ما ينصب على ملكية عقارية يتطلب النفع العام نزع ملكيتها، أما التأميم فهو يتناول مختلف أنواع المشروعات الاقتصادية من أجل أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة (4)

والواقع أننا نبحث في نزع الملكية للمنفعة العامة في ما هو أوسع من الملكية العقارية كما يظهر من هذا البحث.

(1) مبادئ القانون الإداري. د. الطماوي ص9

(2)

مبادئ القانون الإداري: ص 510 وما بعدها.

(3)

المشروعات المؤممة: ص 37 - 38. وقال س. أكروسلاند: ولكن حدث أخيرًا أن أدرك أن المصادرة الكاملة للملكية الخاصة عن طريق التأميم لا تنم عن عدل أو كياسة وأن لا بد من دفع تعويض معقول) . التخطيط الاشتراكي والمساواة الاجتماعية - له ص 169.

(4)

هناك فروق أخرى بين هذه الأنواع ، لسنا بصدد استيعابها.

ص: 718

الأمر الثاني: الأسس والقواعد التي تضبط عملية تدخل الدولة في الملكيات الخاصة عن طريق نزع الملكية أو غيره.

تتعدد الأسس والقواعد التي يقوم عليها تدخل الحاكم المسلم في أمور الناس تنظيما وتقييدًا، وذلك بما يكفل تحقيق المصلحة العامة، وإقامة العدل، ومنع الضرر، ورفع الحرج.

وإن تلك الأسس والقواعد لتعتبر الأساس لجميع وجوه التدخل التي يقوم بها الحاكم المسلم في الملكية الفردية.

ونذكر فيما يلي أهم تلك الأسس والقواعد:

1-

الأحكام الشرعية مشروعة لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة.

2 -

مسؤولية الحاكم عن أحوال الرعية.

3 -

سلطة ولي الأمر في تقييد المباح، واتخاذ الإجراءات الاستثنائية.

4 -

الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم.

5 -

المصالح المرسلة.

6 -

لا ضرر ولا ضرار، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

7 -

الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة.

ولست بصدد دراسة تفصيلية لهذه الأسس والقواعد ويمكن العودة لدراسة تفصيلية عنها. (1) .

(1) انظر كتاب الملكية في الشريعة الإسلامية جـ 2 ص 255 - 278.

ص: 719

ويهمنا أن نشير هنا إلى المعيار الذي يضبط تدخل الحاكم المسلم في حريات الناس وملكياتهم ، فقد بين بعض الباحثين أن مقياس تدخل ولي الأمر ما دام مسؤولا عن تنفيذ التكاليف الشرعية ينقبض وينبسط تبعًا لمستوى السلوك الخلقي السائد في الأمة، فإذا التزم الأفراد بتعاليم الإسلام الخلقية عن طواعية واختيار خفت مؤنة الدولة، وقلت حاجة ولي الأمر، إلى التدخل لإلزامهم بها، واذا هبط مدى تمسكهم بها كبر دور ولي الأمر في التدخل لحمل الأفراد على تنفيذها، هذا بالإضافة إلى الظروف الاستثنائية التي قد يتعرض لها المجتمع وتهدد كيانه. وبالتالي فإنه لا توجد قاعدة جامدة يتقيد بها ولي الأمر، تحدد مدى تدخله لتنفيذ تعاليم الإسلام الخلقية في تنظيم المجتمع، بما في ذلك ملكية المال ، فهو له الحق في التدخل بكل ما يكفل تنفيذ التكاليف الشرعية، وأما كيف يكون التنفيذ فأمر تعالجه السياسة الشرعية في كل بلد إسلامي على ضوء ظروف هذا البلد وواقعه (1)

والواقع أن الأمر ليس إلا اجتهادًا في معرفة الحكم الشرعي في وضع حادث أو قضية مستجدة. والشريعة نظمت عملية الاجتهاد، وحددت وسائله، ووضعت القواعد التي بها يستنبط الحكم الشرعي للحوادث المستجدة، مما لست هنا بصدد تفصيله ، وهو يرتبط بأدلة الأحكام الشرعية المختلفة، من كتاب وسنة وإجماع وقياس واستحسان ومصالح مرسلة وغيرها، ويعتمد على ما قررته الشريعة من قواعد لضبط عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

وواضح أن الحوادث والقضايا المستجدة تختلف الأحكام فيها من حادثة إلى حادثة، ومن قضية إلى قضية، لاختلاف الظروف والأوضاع من حال إلى أخرى. وعليه فإن الشريعة قد وضعت القواعد الكفيلة بمعالجة كل ما يتعرض له المجتمع من قضايا ومشكلات ، ومنهج الشريعة يقوم على معالجة المشكلة بعد وقوعها، وليس قبل وقوعها وفق نظر أساسه أن الإسلام نظام متكامل جاء لمعالجة مشكلات البشرية كلها بأنظمة متناسقة تتعاون جميعها في حل هذه المشكلات ، ولكل حكم جزئي مكانه من البناء الإسلامي الكامل.

(1) الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد المعاصر د. محمد عبد الله العربي، المؤتمر الثالث، ص 229 - 231.

ص: 720

ومما يذكر هنا أن الناظر في نصوص العلماء بخصوص فرض ضرائب جديدة على أموال الناس يتضح له أن علماء الشريعة يجيزون للحاكم المسلم فرض ضرائب جديدة على أموال الناس إذا توافرت الشروط التالية:

1 -

أن يكون الحاكم بحيث تجب طاعته، أي: تتوافر فيه الشروط التي اشترطتها الشريعة في الحاكم.

2 -

أن تقوم حاجات حقيقية للمال من أجل الدفاع عن البلاد، وسد نفقات الدولة وغير ذلك من فروض الكفاية.

3 -

أن لا يكون هنالك مال في بيت المال يمكن أن يقوم بهذه الحاجات.

4 -

أن تكون هذه الضرائب بالقدر الذي يكفي لسد هذه الحاجات.

وقد بين علماء الشريعة أن للحاكم أن يختار في سبيل ذلك ما يراه مناسبًا وصالحًا من الطرق والوسائل.

والواقع أن سلطة الحاكم المسلم مقيدة دائما بقواعد الشريعة وأحكامها. فليس له حرية التدخل في أموال الناس وملكياتهم، دون قيد أو ضابط، وإذا كان مبدأ المصالح المرسلة يعطيه سلطات واسعة لتحقيق مصالح المجتمع الإسلامي، فإن لهذا المبدأ قواعد مقررة، وشروطًا محددة، ولا بد أن تراعى عند تطبيقه والأخذ به ، فلم تترك الشريعة أمر تقدير المصالح لأهواء الحكام والمجتهدين، فقد بين فقهاء الشريعة الشروط التي يجب توافرها في المصلحة التي يرد بها نص في كتاب أو سنة، حتى تتخذ أساسًا في استنباط الحكم الشرعي) . . وأهم هذه الشروط:

أ- أن تكون مصلحة قطعية غير موهومة، فلا يجوز أن تعارض مصلحة أهم منها، أومثلها.

ب - أن تكون مصلحة عامة تهم مجموع الناس، فلا وزن للمصالح النادرة التي تتعلق بآحاد الناس أو بعضهم.

ص: 721

جـ- أن تكون مصلحة ضرورية، بالأخذ بها رفع حرج لازم عن مجموع الأمة.

د - أن تكون من جنس المصالح التي جاءت الشريعة لتحقيقها، وإن لم يشهد لها دليل خاص بالاعتبار فلا تصادم أدلة الشريعة وأحكامها المقررة، إنما تتفق معها وتلائمها. (1)

والتحقق من وجود هذه الشروط في كل مصلحة على حدة من وظيفة المجتهدين الذين تتوافر فيهم أهلية الاجتهاد وشروطه، والذين يتبعون ما قررت الشريعة من قواعد لضبط عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها.

الأمر الثالث: بيان الحكم في كل الصور التي يمكن أن تندرج تحت حكم التأميم. ويمكن إيجاز القول في حكم التأميم على ضوء ما يقصد بهذا الاصطلاح في كلام الدارسين والباحثين والمهتمين فيما يلي:

إذا كان التأميم يعني مصادرة الأموال التي حيزت عن طريق محرم وإعادتها لأصحابها إذا كانوا معروفين، أو لبيت المال لصرفها في مصالح المسلمين، أو للتصدق بها على فقرائهم إذا لم يكونوا معروفين، كما بينت عند الحديث عن حكم الأموال التي تحاز عن طريق محرم في فضل قيود أسباب الملك (2) فإن هذا جائز، بل واجب على الحاكم ملزم بالقيام به ، فالملكية لا تقوم على الأموال التي تحاز عن طريق محرم، وبالتالي يجب أن لا تحترم ولا تصان حيازة هذه الأموال. وواضح أنه في هذه الحال تتم مصادرة هذه الأموال واستعادتها دون أي تعويض، بل للحاكم أن يعزر المصادر بالعقوبة المناسبة جزاء على ما ارتكب من حرام، وردعًا لغيره أن يفعل مثل ما فعل.

وقد أرسى هذا المبدأ من الناحية التطبيقية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعله مع ابن اللتبية عندما استعمله على الصدقات، وكذلك عمر بن الخطاب عندما كان يحاسب ولاته بدقة، فإذا ثبت له أنهم حازوا مالا عن طريق غير مشروع صادره.

(1) انظر القسم الثاني من كتابه الملكية: ص271 -273.

(2)

الملكية جـ2 ص 54 -64.

ص: 722

وقد يقال بهذا الصدد: إن هناك ملكيات كبيرة قائمة في المجتمع تستأثر بمعظم الثروة العامة، وتتحكم فيها كما تشاء، وتستغل وتظلم كما تريد، وإن كثيرًا منها كان سبب قيامه عن طريق غير مشروع، ولكن التحقيق في أصلها جمعيًا لاكتشاف ما حيز منها عن طريق مشروع وما لم يحز، أمر مستحيل بسبب قدم العهد وتفرق الأموال بالإرث والشراء وغيرهما

وهذا يشبه ما واجهه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عندما أراد أن يسترد الأراضي التي كانت لبيت المال، والتي سمح خلفاء بنى أمية ببيعها رغم ذلك ولكنه وجدها قد حيزت في المواريث، وعن طريق البيع لأيدٍ كثيرة، فعدل عن استردادها ومنع بيعها مستقبلا. (1)

ولكن الأمر في هذه الأيام ليس بهذه الصعوبة، فنحن جميعًا نريد أن نزيل انحرافًا ورثناه في كثير من بلادنا عن عهود طويلة من الاستعمار المستغل الذي لعب في مقدراتنا ، وشجع كل ما يدعم استعماره ويديمه، وعاث فسادًا في قوانيننا وأنظمتنا، وأقام بيننا فئات رضعت لبنه، ونفذت أفكاره ، وعملت لمصالحه، وأطلق لها العنان لتمص دماء الأمة وتستحوذ على أموالها، فسلكت كل السبل لتعيش بترف، تجتر الشهوات وتغرق في المتع الحرام، وجماهير الأمة تعيش في فقر ومرض وجهل ، لذا يجب ألا نصغي لقول من يقول: إن الأموال التي في يد هؤلاء المستغلين هي أموال ملكوها ، ولا نعرف السبب الذي ملكوها عن طريقه، فملكيتهم عليها محترمة، لأن الشريعة تحترم الملكية وتحميها ، ولكن يجب ألا ينقلب الأمر إلى الأخذ بالتهمة، دون روية وبحث، إنما تشكل لذلك اللجان المتخصصة والمخلصة والواعية والتي تخاف الله في سرها وعلنها.

ب- وإذا كان التأميم يعني استرجاع أموال الأمة من أيدي الشركات الأجنبية فهو واجب، ذلك أنه لا يجوز في الشريعة أن يسمح للحربيين بالتحكم في المسلمين والسيطرة على مقدراتهم. يقول الشيخ علي الخفيف: (وأما ما ذهبت إليه بعض البلاد العربية من منع الأجانب أن يمتلكوا من أراضيها الزراعية شيئًا، فذلك ما يتسق مع ما للحربي والمستأمن من عدم إقرارهما على البقاء في ديارنا، إلا أن يتحولا ذميين، فيكون لهما ما للمسلمين ، وعليهما ما على المسلمين ، وإذا لم يكن للأجنبي أن يقيم في ديار المسلمين إلا بعهد موقت ، لم يكن من المعقول أن يملك عقارًا يستمر تملكه له؛ لأنه إن خرج حربيا كان ماله فيئًا للمسلمين ، وكان منعهم من التملك متسقا مع أحكامه.

(1) انظر القسم الأول من الملكية: ص 323.

ص: 723

وعلى هذا فليس ما يمنع شرعًا من حظر تملك الأراضي الزراعية في البلاد الإسلامية على الأجانب ، بل ربما كان ذلك هو الأقرب لتحقيق ما تهدف إليه الشريعة الإسلامية قصدًا إلى المحافظة على سلامة الدولة، واستئثار أهلها بثروتها القومية) (1)

ومما يذكر هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة عمل جاهدًا على تخليص سوق المدينة من سيطرة اليهود.

وقد نص الفقهاء الحنفية على جواز أن يجبر الحاكم أهل الذمة على بيع ما امتلكوه من دور في أمصار المسلمين إذا رأى في ذلك مصلحة للمسلمين. (2)

جـ- وإذا كان التأميم يعني إعادة الأموال التي يجب أن تكون لمجموع الأمة، والتي لا يصح أن تقع تحت التملك الفردي إلى وضعها هذا بعد أن تكون قد دخلت تحت التملك الفردي، فهذا أيضًا واجب ، لا غبار عليه (3)

. . والتعويض في هذه الحال والتي قبلها لا يكون إلا في مقابل ما أقيم من منشآت لاستغلال هذه الأموال، ولا يكون مقابل هذه الأموال نفسها، لأن الملكية القائمة عليها ليست مشروعة ، أما المنشآت وما يلحق بها ، فهي من جملة الممتلكات التي يجب أن يعوض عنها أصحابها إذا صحت ملكيتهم لها ، ولم يمنع من تعويضهم مانع شرعي.

(1) الملكية في الشريعة الإسلامية: جـ1 ص96.

(2)

مشتمل الأحكام: و 26 أ، الأحكام المرعية في الأراضي المصرية: ص 22.

(3)

بينت كيف استرد رسول الله ملح مأرب عندما تبين له أنه كالماء العذب. انظر القسم الأول من هذه الرسالة ص -356.

ص: 724

د - واذا كان المراد بالتأميم نزع ملكية أحد الأفراد في ظروف استثنائية، أو عند قيام حاجة عامة مقابل تعويض عادل لمصلحة يراها الحاكم المسلم بعد مشورة أهل الرأي والخبرة والتقوى ، فهذا أيضا لا غبار عليه، تطبيقًا لمبدأ الضرورة، ومبدأ الحاجة العامة التي تنزل منزلة الضرورة. ويستدل على ذلك ما أخرجه أبو داود والبيهقي، عن سمرة بن جندب ((أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار. قال: ومع الرجل أهله. قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به، ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه ، فأبى ، فطلب إليه أن يناقله ، فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه ، فأبى، فطلب إليه أن يناقله ، فأبى، قال: فهبه له، ولك كذا وكذا. أمر رغبة فيه ، فأبى ، فقال: أنت مضار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: اذهب فاقلع نخله)) (1)

وقال المجيزون بعد ذكر هذا الحديث: (فهذا انتزاع للملك جبرًا عن صاحبه حين أدت ملكيته إلى ضرر جاره. فكيف إذا أدت إلى ضرر المجتمع؟!)(2)

ورد المانعون هذا الاستدلال بأن الأرض في هذا الحديث ملك للأنصاري وليس لسمرة بن جندب إلا النخل ، وهو الذي سبب بقاؤه في أرض الأنصاري ضررًا له ، وقد تعين دفع هذا الضرر بالقلع، بعد أن امتنع سمرة من قبول ما عرض عليه، إذ لا ضرر ولا ضرار.

وواضح أن المجيزين لا يخالفون في هذا، ولا يقولون بأن الأرض كانت لسمرة بن جندب، إنما مدار استدلالهم على نزع ملكية سمرة لنخله، وقد كان يملكه ملكًا خاصا.

(1) انظر في تخريج هذا الحديث القسم الثاني من الملكية: ص 13.

(2)

اشتراكية الإسلام: ص 162.

ص: 725

ثم قال المانعون: إن بعض العلماء - الخطابي - قد بينوا أنه ليس في هذا الحديث إلا الأمر بإزالة الضرر، فليس فيه أنه قلع نخله، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك ليردعه به عن الإضرار. فالحديث لا يدل على أن هنالك قلعا محققا، وإنما الأمر ردع وزجر عن الإضرار (1)

والحقيقة أن هذا الحديث يقرر جواز المساس بالملكية الفردية إذا اقتضت ذلك ضرورة رفع الضرر الغالب عن غير صاحبها، وضمن هذا الإطار فقط، سواء قلنا: إن القلع قد تم أم لا ، فالمهم أن رسول الله قد قرر بقوله:((أنت مضار)) وقوله ((اذهب فاقلع نخله)) هذا المبدأ.

وقد قال ابن القيم في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على سمرة بن جندب: (وإن كان عليه في ذلك ضرر يسير، فضرر صاحب الأرض ببقائها في بستانه أعظم ، فإن الشارع الحكيم يدفع أعظم الضررين بأيسرهما. فهذا هو الفقه والقياس والمصلحة وإن أباه من أباه، والمقصود أن هذا دليل على وجوب البيع لحاجة المشترى، وأين حاجة هذا من حاجة عموم الناس إلى طعام وغيره (2)

هذا بالإضافة إلى ما نقل من نزع للملكية بخصوص توسعة المسجد النبوي في المدينة المنورة في أوقات متعددة زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم.

هـ - وإذا كان المراد بالتأميم أن يكون وسيلة لتحقيق المساواة المادية بين الناس، أو إيجاد وضع - بالتدريج - تكون فيه أدوات الإنتاج ووسائله مملوكة ملكية عامة، أو مطاردة الملكيات الكبيرة بصرف النظر عن ظروف قيامها وطريقة تنميتها وزيادتها، فإن الشريعة لا تجيزه؛ وذلك لأنها لا تسعى إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الناس ، وتقيم نظامها الاقتصادي على أساس الاعتراف بالملكية الفردية، بل وتشجعها ما دامت ملتزمة بقواعد الشريعة، ولم تخرج من دائرة الملكية الفردية إلا أنواعًا من الأموال سبق بيانها عند الحديث عن الملكية العامة في القسم الأول من الملكية (3) وعند مناقشة أدلة المجيزين للتأميم (4)

(1) نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام ص 58 - 60 وعبارة الخطابي في معالم السنن: (وفيه من العلم أنه أمر بإزالة الضرر عنه، وليس في هذا الخبر أنه قلع نخله، ويشبه أن يكون أنه إنما قال ذلك ليردعه عن الإضرار) معالم السنن: جـ5 ص 240.

(2)

الطرق الحكمية: ص 310. وانظر الحسبة لابن تيمية ص 44.

(3)

انظر القسم الأول من الملكية: ص 33، 344 -353.

(4)

انظرالقسم الثاني من الملكية: ص 368 - 370.

ص: 726

وهذا الكلام لا يعني أن لا تكون للدولة أملاكها التي تستطيع زيادتها بكل الطرق المشروعة والتي تعمل عن طريقها على تحقيق أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي، في مثل مبدأ أدلة الثروة ومبدأ كفاية المحتاجين والفقراء. وقد كان من قرارات المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية (وأن أموال المظالم، وسائر الأموال الخبيثة، والأموال التي تمكنت فيها الشبهة، على من هي في أيديهم أن يردوها إلى أهلها أو يدفعوها إلى الدولة، فإن لم يفعلوا صادرها أولياء الأمر ليجعلوها في مواضعها ، وإن لأولياء الأمر أن يفرضوا من الضرائب على الأموال الخاصة ما يفي بتحقيق المصالح العامة وأن المال الطيب الذي أدي ما عليه من الحقوق المشروعة إذا احتاجت المصلحة العامة لشيء منه أخذ من صاحبه نظير قيمته يوم أخذه، وأن تقدير المصلحة وما تقتضيه هو من حق أولياء الأمر وعلى المسلمين أن يسدوا إليهم النصيحة إن رأوا في تقديرهم غير ما يرون)(1)

الأمر الرابع

حكم التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة ومناقشة من يقولون بعدم وجوب التعويض

بين الشيخ علي الخفيف في بحثه المقدم إلى المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية أنه عندما يحدد ولي الأمر للملكية حدا معينا ، فإنه يجب عليه أن يأخذ منها ما زاد على هذا الحد، ويعيده إلى ملك الأمة دون مقابل أو تعويض، شأنه شأن ما يجبى من الأموال العامة؛ لأن في ترك هذه الزيادة في أيدي أصحابها إبقاء على ثروتهم، وفيه إهمال وترك لهذا الواجب، ونقص لمقتضى الحد منها وعدم ثبوت ملكية صاحب الزيادة في يديه من زيادة، وعلى ذلك يجب أخذ هذه الزيادة، وانتقاص ملكية صاحبها بأخذها.

(1) انظر بحوث المؤتمر الأول: ص 394 - 395.

ص: 727

(ولا يتم هذا الانتقاص إلا إذا أخذت بلا بدل، ذلك أن في أخذها بالبدل إبقاء على مقدار ثروة صاحبها، وليس فيه إلا تغيير عناصرها. . وليس يعد هذا اعتداء على ملك محترم، لأنه لا ملك بعد الحد منها، ووجوب نفاذ ذلك شرعًا)(1) . وقد استدل على أن الزيادة تؤخذ بلا بدل بجملة من الأدلة منها:

أ- أنها تشبه المال الذي يؤخذ في تجهيز الجيوش والدفاع عن البلاد، فما يؤخذ في هذه الحالة يؤخذ بلا عوض، والأخذ في الحالين سواء، لأن كلا منهما تقضي به الضرورة.

ب- إن هذا الأخذ أخذ بحق، فلا يعتبر اعتداء على الملكية، تمامًا كأخذ الجائع المشرف على الهلاك من مال غيره ما يقيم حياته.

جـ- ثم إن في أخذ هذه الزيادة منعًا للمالك من الإضرار بغيره عن طريق الملكية، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خلع نخل سمرة بن جندب من بستان غيره.

د- ويدل على ذلك أيضًا مشاطرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولاته أموالهم عندما رأى في ذلك مصلحة عامة، وهي البعد بالولاية عن الشبهات، وعن اتخاذها مغنما، ووسيلة للاستكثار من الأموال.

وبعدما قرر هذه الأدلة قال: (وعلى ذلك يرى أن أخذ هذه الزيادة إذا ما دعت مصلحة عامة إلى أخذها بغرض انتقاص ملكية صاحبها، إنما يكون بلا بدل يعطى ، وعندئذ تكون هذه الزيادة ملكًا لكافة المسلمين، يوجهها ولي الأمر الوجهة التي من أجلها أخذت، لا لوجهة أخرى، وإلا كان أخذها اعتداء لا يستند إلى حق. ذلك ما انتهى إليه النظر في هذا الموضوع، وهو رأي رأيته، فإن كان صوابًا ، فمن الله، وإن كان خطأ فلا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشرع للناس (2) .

(1) انظر بحثه في المؤتمر الأول: ص 130.

(2)

بحثه في المؤتمر الأول: ص 131.

ص: 728

ولست مع الشيخ علي الخفيف في أن الزيادة عن المقدار المحدد تؤخذ بدون تعويض لما يلي:

1-

أن القول بأن الزيادة عن الحد المقرر تؤخذ بلا بدل يستقيم حاله ما إذ اكان الهدف من تحديد الملكية هو منع قيام التملك الكبير في المجتمع، وهذا واضح في قول الشيخ الخفيف:"ذلك أن في أخذها بالبدل إبقاء على مقدار ثروة صاحبها، وليس فيه إلا تغيير عناصرها ". والواقع أن الشريعة لا تطارد الملكيات الكبيرة، إنما تطارد الملكيات الظالمة المستغلة، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة. والضرورة هنا تقدر بقدرها، والاضطرار لا يبطل حق غير المضطر في التعويض والضمان (1) . هذا يدل على أنه لا وجه في الشريعة الإسلامية لتقرير أن الزيادة تؤخذ في هذه الحال دون تعويض أو بدل.

ثم إن تحديد الملكية الفردية لا يقوم حتى عند القائلين به إلا في أنواع معينة من الأموال؛ كالأراضي فيما سمي بقوانين الإصلاح الزراعي ، عندما تكون حيازة كميات كبيرة منها مسببة للضرر بمجموع الأمة، فهم لا يقولون بتحديد عام في جميع الأموال، فهدفهم هو منع الملكيات الكبيرة في نوع معين من الأموال، وليس منع مجاوزة التملك لأي مال عن حد معين، لذلك رأينا أن تحديد الملكية في معظم الدول التي أخذت به كان مقابل تعويض.

2-

قرر الفقهاء مبدأ التعويض في التملك القهري، ونصوا عليه بكل وضوح. جاء في حاشية الجمل:(ولا يحل تملك مال المسلم والذي بغير بدل قهرا (2) وبينوا الأساس في الإلزام بالتعويض. فقد قال ابن رجب: (

لأن التسليط على انتزاع الأموال قهرًا إن لم يقترن به دفع العوض، وإلا حصل به ضرورة فساد

وأصل الانتزاع القهري إنما شرع لدفع الضرر، والضرر لا يزال بالضرر (3) .

(1) انظر القسم الثاني من الملكية: ص 274.

(2)

حاشية الجمل: جـ 2 ص 263.

(3)

قواعد ابن رجب: ص 73.

ص: 729

وقال القرافي في الذخيرة: (إذا ثبت الملك في عين ، فالأصل استصحابه بحسب الإمكان، فإذا اقتضى سبب نقل ملك، أو إسقاطه، وأمكن قصر ذلك على أدنى الرتب، فعلنا. ولهذه القاعدة قلنا: إن الاضطرار يوجب نقل الملك إلى المضطر إليه، ولكن يمكن قصر ذلك على المرتبة الدنيا ، بأن يكون بالثمن، ولا حاجة إلى المرتبة العليا، وهي النقل بغير ثمن (1) وقال في الفروق: " إن الملك إذا دار بين المرتبة الدنيا والمرتبة العليا حمل على الدنيا، استصحابًا للملك بحسب الإمكان، وانتقال الملك بعوض هو أدنى رتب الانتقال، وهو أقرب لموافقة الأصول من الانتقال بغير عوض (2) وقال القاضي أبو عبد الله المقري:(إذا دار الملك بين أن يبطل بالجملة أو من وجه، فالثاني أولى، لأنه أقرب إلى الأصل) .

وقد تعرض ابن رجب في قواعده إلى مسألة: (هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن، أو يقع بدونه مضمونا في الذمة؟ (3) فبين أن هذا على ضربين: أحدهما: التملك الاضطراري، كمن اضطر إلى إطعام غيره، ومنعه منه، وقدر على أخذه، فإنه يأخذه مضمونًا، سواء أكان معه ثمن يدفعه في الحال أم لا، لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك.

والثاني: التمليكات المشروعة لإزالة الضرر كالأخذ بالشفعة وأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر، فقد اختلف الفقهاء فيها على مذهبين:

الأول: لا تملك إلا بعد دفع الثمن، وهو محكي عن ابن عقيل من فقهاء الحنبلية.

الثاني: تملك بدون دفع الثمن، ولكنه يقع مضمونا في الذمة، واختار هذا المذهب ابن تيمية (4)

3 -

وأما ما استدل به الشيخ علي الخفيف على أن الزيادة تؤخذ بلا عوض:

أ- فالبنسبة إلى دليله الأول فإن قياسه أخذ الزيادة في تحديد الملكية على أخذ الأموال لتجهيز الجيوش والدفاع عن البلاد، والذي يكون بدون عوض، بجامع أن كلا منهما تقضي به الضرورة، قياس مع الفارق؛ لأن الضرورة في حالة أخذ الأموال لتجهيز الجيوش تقضي باستهلاك هذه الأموال فيما أخذت له ، أما الضرورة في حال الزيادة في تحديد الملكية فهي تقضي بأخذ الزيادة، لا لتنفق، إنما لتعطى لغير المأخوذ منه، والهدف من ذلك هو منع قيام ملكية كبيرة في نوع معين من الأموال، وليس أخذ هذا المال لينفق في مصلحة عامة للأمة.

(1) الذخيرة. جـ 5 ص 30.

(2)

الفروق جـ 1 ص 195-196 جـ4 ص9، وانظر شرح المنهج المنتخب: و 157 أ.

(3)

القاعدة 50 من قواعد ابن رجب.

(4)

قواعد ابن رجب: ص 72 - 73.

ص: 730

ب - وبالنسبة إلى دليله الثاني ، فليس الأخذ بحق، يعني أن يكون بلا تعويض ، فقد قضت الضرورة بالأخذ دون رضا صاحب المال، والضرورة تقدر بقدرها فيكون الأخذ مقابل تعويض عادل ، وهذا ما نص عليه الفقهاء في صور التملك القهري.

جـ – وبالنسبة إلى دليله الثالث ، فإن الأمر في حديث سمرة يختلف عما نحن فيه، فقد تعين دفع الضرر الذي كان يسببه سمرة للأنصاري بالقلع بعد أن امتنع عن قبول ما عرض عليه من الأنصاري، ثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد عرض الأنصاري عليه البيع أو المناقلة، وعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع أو المناقلة أو الهبة، ولكنه أبى ، مما يدل على أن الأصل هو دفع المقابل، وإلا لما كان هناك أي وجه لما عرض عليه، والأمر بالقلع إنما كان لبيان أنه لابد من إزالة الضرر، أما وجوب التعويض في حالات نزع الملكية الفردية ، فالحديث يشير إليه هذه الإشارة، بالإضافة إلى ما تقرره الأدلة الأخرى ، وقد اعتبر ابن القيم هذا الحديث دليلًا على وجوب البيع والمعاوضة لحاجة المشتري بثمن المثل (1) وعلى أية حال ، فإذا فهم من هذا الحديث إيجاب القلع دون تعويض ، فإن الأمر يكون عقوبة على الإصرار على إيصال الضرر إلى الآخرين.

هذا، وقد بين بعض العلماء أنه ليس في هذا الحديث إلا الأمر بإزالة الضرر، فليس فيه أنه خلع نخله، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك ليردعه عن الإضرار، فالحديث لا يدل على أن هناك قلعا محققا، وإنما الأمر أمر ردع وزجر عن الإضرار (2)

وعلى أية حال فكل ما يقرره حديث سمرة هو جواز المساس بالملكية الفردية إذا اقتضت ذلك ضرورة رفع الضرر الغالب عن غير صاحبها، سواء أقلنا: إن القلع قد تم أم لا.

وبالنسبة إلى دليله الرابع فإن مشاطرة عمر لولاته كانت مصادرة للمال الذي اعتبره عمر بن الخطاب مجازًا بطريق غيرمشروع، فلا حق لهم فيه ، لذلك كان أخذه بلا تعويض.

وهكذا يظهر أن نزع الملكية الفردية دون تعويض لا يجوز، إلا إذا كان النزع من قبيل استعادة الحق، أو استيفاء القدر الواجب في المال الخاص، قيامًا بحاجة عامة أو خاصة.

(1) انظر القسم الثاني من الملكية: ص 313، 314.

(2)

انظر القسم الثاني من الملكية: ص 378.

ص: 731