الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدل الخلو وتصحيحه
إعداد
فضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو بدل الخلو؟
يطلق هذا الاصطلاح على المبلغ المدفوع لقاء فسح المجال لقيام الدافع باستئجار محل ما.
ورغم أنه متعارف في المحال التجارية إلا أنه لا يختص بها فقد يتصور وقوعه في غيرها.
والدواعي المتصورة هنا متعددة منها:
أ - التمتع باستئجار المحل لقاء مبلغ الإجارة القليل.
ب - التمتع بالموقع الممتاز للمحل.
أنواعه:
والمعروف منها نوعان:
النوع الأول: أن يقوم المستأجر بتخلية المحل لمستأجر ثان لقاء أخذ بدل الخلو.
النوع الثاني: أن يقوم المؤجر نفسه بأخذ مبلغ تحت هذا العنوان لكي يؤجر المحل للمستأجر.
الإشكال المطروح هنا والداعي لهذا البحث يتلخص في الأمور التالية:
أ - في مالية ما يدفع بدل الخلو لقاءه لئلا تأتي قاعدة (حرمة أكل المال بالباطل) والباطل هنا هو ما لا مالية عرفية له.
ب - مدى استحقاق الأخذ (سواء كان المستأجر والمؤجر) .
جـ- ما هو موقف الأطراف من هذا العمل؟ مثلا ما هو موقف المالك إذا أخذ المستأجر الأول هذا البدل أو ما هو موقف المستأجر الأول إذا أخذه المالك وأجَّر المحل على مستأجر آخر؟
فهل يمكن تصحيح هذه المعاملة؟
أما بالنسبة للنوع الأول فهناك فروض:
الفرض الأول: أن يقوم المستأجر الطبيعي وغير المشترط مسبقا لشيء ما بشرط صريح بعد انتهاء مدة إجارته بهذا العمل أي يسلم المحل لمستأجر آخر لقاء (بدل الخلو) .
وهذا العمل في الوهلة الأولى واضح البطلان لأنه مع افتراض انتهاء مدة الإجارة لم يبق له أي حق في أي شيء فهو إذن يستلم المبلغ لقاء ماذا؟ هذا أولا ثم هو يتصرف في مال غيره دونما إذن منه وهو محرم.
إلا أن هذا العمل يقع بين أهل الحرف والتجارات فما هو الوجه لتصحيحه – إن كان هناك وجه؟
ربما يقال هنا: إن هذا المقدار من التنازل حق من حقوق المستأجر الأول – وهو حق عرفي يعترف به المالك أيضا - ولذا فهو يقدمه على غيره عند انتهاء مدة الإجارة ومن هنا فهو يأخذ هذا البدل لقاء هذا التنازل عن الحق.
ولكن هذا المعنى يجب أن نحلله إلى فرضين:
فتارة نفترض أن المالك راضٍ بهذا العمل وأنه عازم على تقديم المستأجر الأول لو طلب التمديد فإنه حينئذ يمكننا أن نصحح أخذ البدل لقاء عدم قيامه بمزاحمة المستأجر الثاني وفسح المجال له كي يتم العقد مع المالك ويكون ذلك بنحو (الهبة المعوضة) أو بنحو الجعالة (بناء على أنه يكفي في الجعالة أن لا يعمل شيئا إذا كان عدم العمل أمرا له مالية عند العقلاء) .
كما يمكننا أن نفترض حقا عرفيا هنا له مالية يتنازل عنه المستأجر الأول لقاء بدل الخلو هذا دونما حاجة لإجراء الهبة المعوضة أو الجعالة.
وربما استدل له برواية عن الإمام الصادق جاء فيها:
(عن الرجل يرشو الرشوة على أن يتحول عن منزله فيسكنه غيره قال: لا بأس)(1) .
ولكنه قيل في جوابه بأن الرواية واردة في المنازل التي هي مشتركة كالمدارس الوقفية (حيث الوقف لمن سبق) .
وعلى أي حال فهو عمل لا غبار عليه.
وأخرى: نحاول أن نجبر المالك على القبول بهذه المعاملة والرضوخ للإجارة الثانية وهذا ما لا نجد فيه ابتداء أي ملزم ويأتي فيه إشكال التصرف في مال الغير.
(1) وسائل الشيعة / الباب 82 من أبواب ما يكتسب به
إلا أنه حاول البعض تصحيحه من خلال افتراض كون هذا العرف الجاري مشكلا لشرط ضمني ارتكازي من قبل المستأجر على المالك كي يسمح له في نهاية المدة بالقيام بهذا العمل ذلك أن بناء العرف وخصوصا في هذه الأزمنة قائم على أساس أن المالك لا يخرج المستأجر إلا برضاه ولا يتخلف عن تجديد العقد معه عند انتهاء مدة الإجارة.
والشرط الضمني المرتكز كالشرط المصرح به تماما كما لو باع شخص كتابا بثمن فإنه لا يحق للمشتري أخذ الكتاب واحتساب المبلغ دينا بذمته لأن نقدية الثمن شرط ضمني لجريان العرف على التسليم.
وقد رفض بعض العلماء هذا النوع من الاستدلال بحجة أن العرف هنا غير ملزم للمالك وإنما هو محبذ لتجديد العقد لا غير وأضاف: (ومن البعيد جدا أن يكون المؤجر حين عقد الإيجار يقصد إنشاء هذا الحق للمستأجر)(1) .
بل وحتى لو كان العرف يراه حقا إلزاميا فهو حق تبعي لحصول الإجارة لا يأتي إلا بعد حصولها فلا يمكن أن يكون شرطا ضمنيا فيها، لو قبلنا بهذا لزم أن نحول كل الظروف المماثلة إلى شروط ضمنية فمن المتعارف أن تخدم الزوجة في بيت الزوج ولكن ذلك لا يحول الأمر إلى شرط ضمني في ذلك بحيث تجب عليها الخدمة.
ولكننا نستطيع أن نصحح هذا العمل لو افترضنا وضوح العادة العرفية وعموميتها بحيث يتصور المتعاقدان هذا المعنى تماما عند القيام بالعقد ويحسب كل منهما لهذا الحق حسابه.
ولا يقاس هذا على موارد كخدمة الزوجة لأن الزواج يتم بكل وضوح على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووفق الظروف الشرعية التي وضحت الحقوق والواجبات ولا يتجاوز الفهم العرفي مسألة العادة العائلية المنبية على الخدمة الطوعية للزوجة لا غير أما إشكال التبعية في هذا الحق فهو واضح البطلان فصحيح أنه يأتي دوره بعد العقد ولكنه متصور حين العقد بنحو يجعله شرطا.
الفرض الثاني: أن تأتي هذه المعاملة في ظل قانون حكومي يفرض على المؤجر أن يجدد العقد تباعا متى ما شاء المستأجر والاشتراط هنا أوضح والتصحيح أسهل.
(1) بحوث فقهية للمرحوم الشيخ حسين الحلي، ص149
الفرض الثالث: أن يستأجر المحل لعشرين سنة مثلا ويشترط لنفسه الحق في إيجاره من غيره، ولا مانع في هذه الصورة من القيام بأخذ بدل الخلو وتأجير المحل إلى تمام المدة المذكورة وفقا للتخريجات الماضية.
الفرض الرابع: أن يستأجر المحل ويشترط في عقد الإجارة أن يوكله في التأجير الثاني، وهذه الوكالة ملزمة لأنها شرط في عقد لازم ولا مانع حينئذ من القيام بهذا العقد الثاني.
الفرض الخامس: أن يستأجر المحل بلا دفع (بدل الخلو) لأحد إلا أنه يشترط في عقد الإيجار أنه ليس للمالك إجباره على التخلية وللمستأجر حق البقاء في المحل وتجديد عقد الإجارة سنويا لنفسه فقط وفق مبلغ معين.
فإن للمستأجر أن يتنازل عن المحل ويخليه للمستأجر الثاني لقاء (بدل الخلو) على أن يتفق هذا الثاني مع المالك على الإيجار الجديد فهذا البدل إنما يتم لقاء الخلو لا بإزاء انتقال حق التصرف منه إلى المستأجر الثاني.
وهكذا وجدنا في هذه الفروض أن المصحح لأخذ بدل الخلو من قبل المستأجر هي حالة ما إذا كان للمستأجر حق البقاء بنحو من الأنحاء (حتى ولو كان ذلك بالأولوية العرفية) فإن له التنازل عن هذا الحق لقاء بدل الخلو.
النوع الثاني من أنواع التعامل ببدل الخلو وهو أن يقوم المالك بأخذ هذا البدل ابتداء.
فما هو المصحح لأخذ هذا البدل؟
وهل للمالك أن يمنع المستأجر الأول من إيجاره لآخر مع أخذ بدل الخلو منه؟
أما عن المصحح لأخذ هذا البدل، فقد قيل بأن حق الإيجار هو أمر إضافي على نفس منافع المحل ولذلك فيمكنه أن يأخذ في قباله مبلغا معينا يسمى هنا ببدل الخلو ولا نرى مانعا من ذلك.
إلا أن البعض لما لم يستطع تصور كون هذا الحق مما يقبل التعويض راح يتصور وجوهًا أخرى.
منها: أن المالك يشترط هنا شرطين في عملية الإقراض:
الأول: أن يدفع المستأجر مبلغا معينا.
الثاني: أنه يشترط على نفسه أن يسلطه على إيجار المحل لمن شاء عند انتهاء مدة الإجارة أو قبلها.
ومنها: أن يتصالح الطرفان على أن يدفع المستأجر مبلغا من المال بإزاء عدم مزاحمة المالك للمستأجر في إيجار المحل لمن شاء عند انتهاء المدة أو قبلها.
ومنها: أن يجعل بدل الخلو جزءا من مبلغ الإجارة ويقبل بأن تكون مشروطة بأن تتجدد عند انتهائها بمقدار الجزء الآخر أو أنه يمكن أن يقوم المستأجر بتسليمها إلى مستأجر آخر بنفس المقدار من الإجارة وحينئذ يكون له أخذ بدل خلو يتفق عليه مع المستأجر الثاني.
ومنها: أن يؤجره المحل بألف مثلا ويشترط في ضمن الإجارة أن يكون المستأجر وكيلا في إيجار المحل لنفسه أو لغيره بذلك المبلغ ووكيلا في توكيل الثالث ويكون بدل الخلو في قبال هذه الوكالة التي تعود لازمة لاشتراطها ضمن عقد لازم.
إلا أننا نرى أن نفس إقدام المالك على عقد الإيجار حق له ماليته العرفية التي يمكن أن تقابل بمبلغ ما.
يبقى أن المستأجر في قبال ذلك يشترط شروطا تضمن له الاستفادة من هذه الفرصة فهذا أمر آخر (كأن يشترط وفق الصور الماضية) بل وحتى لو لم يشترط شيئا يؤهله لأخذ بدل الخلو بعد ذلك ولم يقبل المالك أي شرط من هذا القبيل ولكن المستأجر يرى أن نفس تأجيره المحل بهذا المبلغ الزهيد رغم موقعه الممتاز وتعهد المالك بإدامة المبلغ وتجديد العقد له بالخصوص على هذا النمط هو مكسب له فإنه يستطيع الإقدام على هذا التعامل.
نعم لو لم يكن في العقد أي شرط لصالح المستأجر – حتى بشكل ضمني – فإن العرف يفهم من ذلك أن مبلغ الإجارة يساوي بدل الخلو زائدا المبلغ المسمى للإيجار.
أما التساؤل حول ما إذا كان بإمكان المالك أن يمنع المستأجر الأول من إيجاره لآخر مع أخذ بدل الخلو منه فذلك يتبع وجود الاشتراط الصريح أو الضمني وعدمه ولا علاقة له بالمبلغ المدفوع في بدء المعاملة إذا لم يتم الاشتراط.
محمد علي التسخيري
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، لدينا في هذه الجلسة بدل الخلو، وبيع الاسم التجاري والترخيص، وكان من المقرر أن يكون فيه عارضان، أحدهما الشيخ محمد الأشقر لكنه تخلف عن الحضور، والشيخ وهبة الزحيلي نرجو أن يتفضل بعرض عن هذا الموضوع. عن بدل الخلو فقط.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد، هذا الموضوع، موضوع بدل الخلو أصبح من الموضوعات المهمة في حياتنا المعاصرة ويتطلب إبداء حكم شرعي فيه بسبب تنازع الناس واختلافهم الشديد حول هذه القضية والناس وإن طغت القوانين الوضعية على أفكارهم لكن ما يزال فيهم أصالة من خير ولله الحمد فكثير منهم يتعففون وينأون عن أخذ بدل الخلو سواء في المحلات التجارية، أو في الدور والعمارات أو في غير ذلك من الأماكن. لهذا لا يجد الناس سبيلا لأن يطمئنوا على حكم هذا الموضوع من الناحية الشرعية إلا اللجوء إلى الإفتاءات الفردية، ولذا أصاب المجمع وأحسن حينما جعل هذا الموضوع أحد الموضوعات التي تدرس في هذه الدورة لما له من أهمية لينضم إلى الفتاوى الفردية الفتوى الجماعية ويرتفع الحرج عن كثير من الناس في هذا الموضوع سواء ممن يقول بالمنع أو يقول بالحل والإباحة أو يتوسط، ويأخذ الأمور بحسب ما تقرره القواعد الشرعية والمبادئ الفقهية.
أما تعريف بدل الخلو، فهو مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار عن حقه في الانتفاع به. وهذا الموضوع يتطلب بيان حكمه الشرعي بحث أمور أو حالات ثلاثة.
الحالة الأولى:
هي أن للمالك المؤجر أن يأخذ من المستأجر مقدارا مقطوعا من المال. بالإضافة إلى الأجرة السنوية أو الشهرية إذا تراضيا على ذلك وهو ما يدفع عادة في بداية عقد الإيجار، يدفع بدل مقدم كبير نسبيا ثم تدفع أجور شهرية أو سنوية دورية. فالحقيقة هذا أمر لا مانع منه ويعتبر هذا المبلغ الذي يدفع أولا مقسطا على سنوات أو شهور أو أيام الإيجار. فأجد أن هذا لا مانع منه شرعا وتكون الأجرة شاملة لما دفع كمبلغ معجل مقطوع أولا. ثم ما يضم إليه من أجور تدفع سنويا أو شهريا أو ما شاكل ذلك. هذه هي الحالة الأولى.
أما الحالة الثانية:
وهي ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من المالك المؤجر من أجل فسخ عقد الإيجار.
الرئيس:
ممكن تلخيص الأولى يا شيخ.
الشيخ وهبة الزحيلي:
تلخيص الأولى: يأتي شخص يريد استئجار محل تجاري وهو ذو موقع استراتيجي مهم فيطلب منه مالك هذا المحل التجاري، يتفق معه على إيجار سنوي مثلا عشرين ألف ريال في السنة ثم يقول له أو يتفق معه، لكن على أن تدفع فروغ أو بدل خلو مثلا مائة ألف ريال الآن، فهنا يصبح ما يأخذه المالك من مستأجر هذا المحل التجاري أجرة سنوية دورية كل عام والمبلغ المقطوع الذي يدفعه المستأجر قبل أن يتسلم هذا المحل التجاري، فرأيت أن هذا المبلغ المدفوع رضي به المستأجر مع المالك ويعتبر أجزاء هذا المبلغ المدفوع مقسطة على مدة الإيجار طوال السنوات المتفق عليها ولا مانع من أن تدفع الأجرة كلها معجلة أو مقسطة أو مؤجلة بحسب الاتفاق والتراضي الذي يحدث بينهم. هذه هي الحالة الأولى. أما الحالة الثانية وهي كثيرا ما تحدث، يريد مالك منزل أن يخرج المستأجر من هذا المنزل أو المحل التجاري فيطلب منه تسليمه المكان فيأبى المستأجر من تفريغ هذا المكان إلا إذا دفع له مالك هذا العقار المأجور مبلغا من المال. تكييف هذا الموضوع.
هو أن يأخذه المستأجر بحسب القواعد الفقهية يكون في نظير فسخ عقد الإيجار. وحينئذ أردت أن أبين هذا الموضوع في ضوء ما يقرره فقهاؤنا من أنه هل يجوز أن يأخذ الإنسان عوضا آخر مخالفا للعوض الأصلي الذي تم الاتفاق عليه بسبب إقالة العقد وفسخه أو أنه لا تصح الإقالة إلا بنفس العوض السابق ولا يجوز أن يأخذ عنه زيادة مما دفع. الحقيقة الفقهاء في هذا الموضوع اتجهوا اتجاهين: الاتجاه الأول رأي الجمهور غير المالكية والإمام أبي يوسف أن هذا الذي يأخذه المستأجر يعتبر كسبا حراما غير مباح شرعا لأن إقالة عقود المعاوضات المالية أو فسخها كالبيع والإيجار لا يجوز إلا بنفس العوض الذي تم التعاقد عليه في رأي الإمام أبي حنيفة الذي يجعل الإقالة فسخا في حق العاقدين وبيعا جديدا في حق شخص ثالث غيرهما. فبناء على هذا الرأي لا يصح أن يأخذ المستأجر من المال شيئا لأن الإقالة يجب أن تتم بنفس العوض السابق وهذا رأي أبي حنيفة يوافقه عليه أيضا زفر الذي يجعل الإقالة فسخا في حق الناس كافة وليس في حق العاقدين فقط كما ارتأى أبو حنيفة فلذلك أيضا لا يجوز أخذ هذا العوض. وكذلك أيضا الشافعية والحنابلة الذين قرروا بطلان الإقالة في هذه الحالات إذا طلب عوض زائد عن الثمن الأصلي وبسبب هذا الشرط الفاسد وهو أنه قال له بعتك الشيء مثلا ثم أقاله على أن يدفع له أزيد - يدفع أي المشتري إلى البائع - أزيد من الثمن الذي دفعه أولا فهذا أيضا عند الشافعية والحنابلة والحنفية كما بينا ما عدا أبا يوسف كل ذلك لا يجوز أخذ زيادة عليه مقابل الفسخ عملا بالحديث النبوي الإقالة نوعا من التعاون ((من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة)) فلذلك لا يعتبر نوعا من الإرفاق والتعاون ورفع هذا الندم الذي حل بالمشتري. فلذلك يجب أن يكون عملا من أعمال المعروف ولا يأخذ زيادة عما دفعه المشتري سابقا.
أما الإمام مالك فيرى أن الإقالة بيع جديد، وإذا كانت بيعا جديدا فيجوز فيها الزيادة أو النقصان. وهو أيضا قول أبي يوسف الذي يجعل الإقالة بيعا جديدا في حق العاقدين وغيرهما، إلا أن يتعذر جعلها بيعا، فتجعل فسخا. بناء على هذا الرأي الثاني يصح للمالك المؤجر دفع زيادة عن الأجرة المقبوضة إلى المستأجر الذي دفعها، نظير فسخ الإجارة وتسليم المأجور من المستأجر إلى مالكه.
أما إذا وهب المؤجر باختياره ورضاه بعد انتهاء الإجارة من المال للمستأجر يسميه الناس الآن (مقابل الخلو) لأجل إخراج المستأجر من المأجور، فهو أمر جائز باتفاق العلماء، لأن الهبة تبرع، وقد تم الدفع بالتراضي. يعني لا ندخل هذا تحت المشارطات وتحت المفاوضات وإنما أراد أن يكرم هذا المالك ذلك المستأجر عندما سلمه هذا العقار المأجور وربما كان في بعض البلاد لا تسمح أكثر البلاد الآن إلا ما عدا الحمد لله البلاد المحظية بتطبيق الشريعة الإسلامية إلى حد كبير في ديارها هناك قوانين تحمي المستأجرين وهي تكاد تُمَلِّك المستأجر هذا العقار فييأس الملاك من استرداد عقاراتهم والناس يصرون على أن يأخذوا بدل الخلو، وكان هذا المستأجر متعففا متدينا وَرِعًا ثم أراد المالك أن يكرمه فقدم له شيئا من المال هبة وتطوعا ودون مفاوضات ولا مشارطات ففي الحقيقة هذا داخل في التبرع، والتبرع لا نزاع في جوازه. هذه الحالة الثانية.
أما الحالة الثالثة وهي الحالة الغالبة والتي تثير النزاع:
ويقع الخلاف فيها بين الناس في الوقت الحاضر وهي ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من شخص آخر غير المالك المؤجر، ليتنازل عن اختصاصه بمنفعة العقار، ليحل محله ذلك الشخص الجديد في الانتفاع في العقار. هذه الحالة جائزة أيضا بشرط أن يكون التنازل من المستأجر إلى مستأجر آخر ضمن مدة عقد الإجارة. فإذا كانت المدة سنة، أمضى المستأجر في العقار ستة أشهر منها مثلا، جاز له التنازل لشخص آخر للانتفاع بالمأجور بقية المدة المتفق عليها بين المالك والمستأجر. وإذا كانت مثلا الإيجارة سنوية دون تحديد مدة قصوى، وهذا ما أجازه الفقهاء غير الشافعية - مسانأة أو معاومة أو مشاهرة - يعني العقد يتجدد تلقائيا كل سنة أو شهر. وهذا ما يحدث الآن في كثير من البلاد من عقود الإيجارات. فهذا أيضا العقد جائز وحينئذ تكون المدة غير محددة لا يحدد أقصاها. فحينئذ يستطيع المستأجر أن يتنازل عن العقار الذي يشغله إلى شخص آخر، وهذا ما يعرف في القوانين بالتأجير من الباطن. وفقهاؤنا قالوا إن المستأجر يتملك المنفعة وحقه خلاف ما يقرره القانونيون أن حق المستأجر حق شخصي وفقهاؤنا قرروا أن حق المستأجر حق عيني وبالتالي يستطيع أن يستوفي المنفعة بنفسه أو بغيره ويجوز له أن يتنازل عن هذه المنفعة إلى الغير إما بعوض أو بغير عوض. فكل ذلك جائز ما دام ضمن مدة الإيجار.
ويؤيد هذا أن فقهاء الحنفية أفتوا صراحة بجواز النزول عن الوظائف بمال كالإمامة والخطابة والأذان ونحوها، استنادا إلى الضرورة وتعارف الناس، وبالقياس على ترك المرأة قسمها لضرتها لصاحبتها للزوجة الأخرى لأن كلا منهما مجرد إسقاط للحق، وقياسا على أنه يجوز لمتولي الأوقاف عزل نفسه عند القاضي ومن العزل الفراغ عن وظيفة النظر أو غيره وقد جرى العرف بالفراغ بعوض. فهذا دليل على الجواز أيضا: التنازل عن الاختصاصات مقابل عوض جائز كما صرح الحنفية. كذلك استدل بعض العلماء على جواز مسألة (النزول عن الوظائف بمال) بما صنعه سيدنا الحسن رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من تنازله عن الخلافة وقبوله الراتب. ولكن ربما نوقش هذا الكلام بأن ما كان يأخذه السيد الإمام رضي الله عنه، لم يكن عوضا عن التنازل عن أمر الخلافة فحسب، لأن الخلفاء قد تعودوا منح الوظائف والرواتب غيره كثيرا من الصحابة والتابعين، فلم يكن راتب سيدنا الحسن عوضا عن تنازله عن الخلافة. يعني الحقيقة الاستدلال بهذه الواقعة التي استدل بها بعض الفقهاء غير سديد. ولكن أردت أن أذكر ذلك وإن كنت مقتنعا بالرد الذي رد به عليهم من أجل الإحاطة بالموضوع. أيضا الشافعية صرحوا أثناء كلامهم في كتاب (واضح بجرم الخطيب) في الصفحة الثانية في عقد البيع على أنه يجوز التنازل عن الاختصاص بعوض أو بغير عوض. والاختصاصات كل المنافع التي تكون تحت تصرف الإنسان كما قال الحنفية من إمامة وخطابة وغير ذلك أجازوا التنازل عنها بعوض.
إلا أن ذلك كما قلت مقيد شرعا - حال تنازل المستأجر عن منفعة المأجور- بمدة الإيجار المتفق عليها. فإن تنازل المستأجر لغيره بعوض بعد انتهاء مدة الإيجار، فلا يجوز ذلك شرعا إلا برضا المالك، وإبرام عقد إجارة جديد. لأن العقد يجب أن يحترم وإنما البيع عن تراض وكل العقود يجب أن يتم فيها التراضي خلافا لما نجد من عقود قهرية وبالإكراه وبالقسر. عقود إجارات كثيرة في كثير من البلدان التراضي فيها غير متوفر إلا بحماية القوانين الجائرة.
وكذلك المالكية أيضا كالشافعية، وجدت في رسالة أطلعني عليها المرحوم زين العابدين خضر حسين شقيق شيخ الأزهر السابق الذي كان مقيما في دمشق بالميدان، أطلعني على رسالة لمتأخرين من علماء المالكية بعنوان (جملة تقارير وفتاوى في الخلوات والإنزالات عند التونسيين) طبعا إخوتنا التونسيون يعرفون هذه الرسالة معرفة تامة لمفتي المالكية إبراهيم الرياحي بتونس والشيخ محمد بيرم التونسي إلى آخره كلهم جاء في هذه الرسالة ما يدل على تجويز المعاوضة عن الخلوات عملا بالعرف والعادة ولأن المستأجر يملك المنفعة فله أن يتنازل عنها بعوض كالإجارة وتعتبر عوض كالإعارة. وأيضا نقل البناني عن البرزلي في النزول عن الوظيفة ما يقتضي جوازه، ونقل فتوى الفاسيين بجواز بيع الخلو وقال الشيخ محمد بيرم: وما أشبه الخلو بالمغارسة غير أن الخلو لا تحمل به ملكية الرقبة لتعلقه بالمنفعة.
أما الحنابلة: فلم يجيزوا أخذ العوض على الاختصاصات، لأن محل حق الاختصاص الانتفاع فقط، ولا يملك أحد مزاحمة مستحقه، لكن الاختصاص يجري فيما هو محرم شرعا كعصير العنب المتخمر عند المسلم، ويجري في بعض المباحات كتحجير الأرض الموات، أما المملوكات الجارية في الأعيان والمنافع فيجوز التنازل عنها بعوض.
والخلاصة: أن بدل الخلو جائز شرعا إذا كان ضمن مدة الإيجار مع المالك المؤجر وأما بعد انتهاء المدة فلا يجوز التنازل عن المنفعة، ولا أخذ البدل عنها إلا برضا مالك العقار، بإبرام عقد آخر مع المستأجر الجديد، وإلا كان أخذ البدل سحتا حراما، والمتنازل غاصبا، وآكلا أموال الناس بالباطل، وكذلك يكون المتنازل معتديا على حقوق الآخرين. والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ محمد أحمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: في البداية لا بد من توضيح أن ظاهرة الخلو بحثها الفقهاء الأقدمون على سبب أو على ظاهرة غير الظاهرة التي تعاني منها بعض البلاد العربية ولذلك أجازها بعض الفقهاء القدامى أجاز أخذ الخلو، ومنعه البعض. واستندوا إلى قياس الصداق المؤجل والصداق المعجل.
ولكن ظاهرة الخلو أو بدل الخلو في عهدنا الحاضر ظاهرة غير الظاهرة التي كانت أو التي اعتمد عليها أو أسس عليها الفقهاء القدامى لذلك أباحوا أن يؤخذ الخلو باعتباره مؤجلا أو على أساس البيع بالتقسيط. اعتبروا الخلو جزءا من الإيجار ثم يدفع المستأجر الأجر الشهري أو السنوي أقل من أجرته الحقيقية: على هذين الأساسين فيما علمت أو فيما درست بنى الفقهاء القدامى جواز أخذ الخلو. لكن نحن هنا نعاني في عصرنا الحاضر في بعض البلاد العربية من الخلو معاناة غير المعاناة التي كانوا يعانون منها. السبب في ذلك أن بعض البلاد العربية أخذت ببعض القوانين الغربية فجمدت الإيجارات أو أجور العقار. البلاد الغربية نفذت هذا المبدأ أو هذا القانون تنفيذا مؤقتا ثم عادت عنه لكن بعض البلاد العربية تمسكت بهذا القانون وهو تجميد الأجور، سبب تجميد أجور العقار في هذه البلاد العربية ظلما للملاك. استمرت الأجور مثلا خمسين عاما في بلد عربي معروف كما هي بينما ارتفعت أسعار الأغذية والأكسية والأطعمة، الملاك تظلموا من هذا التجميد ومن هذا الظلم القانوني في بلادهم حتى أحدث ظاهرة أخرى الآن في هذه البلاد العربية وهي أن الملاك الجدد أصبحوا يملكون عماراتهم للتمليك لا للتأجير فأحدث أزمة سكن في هذه البلاد العربية نتيجة لظلم القانون، ظلم قانون الدولة التي فرضت تجميد أجور العقار.
إذا اضطر الملاك أن يفرضوا نتيجة لما يقاسونه من ظلم وعنت خلوا لأنهم يعلمون يقينا أن هذا المستأجر لن يخرج من أملاكهم ولن يزيد في أجورها سنويا أو بعد عدة سنوات. فالسبب هنا غير السبب الذي أسس عليه الفقهاء القدامى جواز أخذ الخلو باعتباره كبيع التقسيط أو كالمهر المؤجل والمعجل. هناك كان فيه شبه تعاون أو تخفيف بين المالك والمستأجر في أن يدفع خلوا مبلغا ما، ثم يقسط الأجرة شهريا أو سنويا بأقل من الأجرة المعتبرة أو كمقدمة صداق ومؤخرة صداق. فهنا ينبغي للمجمع الموقر أن ينظر إلى أسباب الخلو الآن، وما يعانيه الملاك بسبب تجميد أجور عقارهم وما أحدث ذلك من في عقار ولجوء الملاك إلى تمليك العقار لا إلى تأجيره، فيكون وضع الإباحة أو الجواز أو المنع على هذا الأساس على أساس ما جاء في الأبحاث المقدمة من استنادات شرعية سابقة لا تتفق مع ظروف الخلو في الوقت الحاضر.
الرئيس:
شكرا. في الواقع إن ما ذكره الشيخ أحمد مهم جدا حتى يحدد ويحسم البحث الذي نريده وهو أن السبب في إحالة بدل الخلو إلى المجمع ليس هو قضايا التحكير والصبرة وما جرى مجراها، وإنما هو قضية القانون أو مواد القانون التي فرضت على المالك ألا يخرج المستأجر من ملكه، وأن يكون بنفس الأجرة التي تم عليها العقد حتى ولو فرض أن العقار زاد أضعافا مضاعفة إلى ما شاء الله من الأضعاف.
ولهذا فقد ترون مناسبا أن تكون المداولات والنقاش في ضوء ما نتج عن هذا السبب سواء أريد في حالاته الثلاثة التي تفضل بها الشيخ وهبة من المالك إلى المستأجر، أو من المستأجر للمالك أو بين المستأجر الأصلي مستأجر آخر. وبهذا يكون الموضوع متوحدا في هذه القناة وبه يحسن أن يبحث الأصل وهو قضية صدور هذه المادة. هل هي شرعية أو لا؟ فإذا كانت غير شرعية فهل أخذ المستأجر المالك ضمانة أمام هذا القانون الذي لا حيلة له في التصرف فيه أن يأخذ بدل خلو من المستأجر في مدى شرعية هذا؟ ثم المستأجر مع المالك إذا امتنع من الإخلاء إلا ببدل. ثم المستأجر الأصلي مع مستأجر آخر إذا أخذ يضارب أو يؤجر غير ما هو يملك وفيما هو خارج عن مدة الإجارة. وأرجو أن تروا مناسبا أن تكون المداولة في هذه الحدود حتى يمكن لنا أن تكون مجدية وأن ننطلق من الواقع الأعم الأغلب وإن كانت قضايا التحكير والصبرة لا تزال قائمة لكن ليس لها من الشمول والعموم وقوة القانون مثل ما لمسألة عدم تمكين المالك من إخراج مستأجر أو زيادة الأجرة.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة هذه الكلمات التي تفضلتم بها جميعا كلمات مفيدة وتساعدنا في الوصول إلى الغاية. أنا كنت أود من خلال اطلاع سريع على الأوراق التي قدمت ومن خلال ما سمعت الآن يجري أن الحديث في بدل الخلو حول حكمته، مقصده، نشأته أسبابه تكييفه الشرعي الفقهي، التمييز الذي ذكره الأستاذ أحمد جمال بين أسباب نشأته في الماضي وأسباب نشأته في الحاضر ما معنى الخلو عند القدامى؟ ولكن أريد أن أختصر الآن لأصل إلى نقطة. إذا كان بدل الخلو في ضوء القوانين الحديثة – القوانين الوضعية - هو يعتبر بمثابة تعجيل الأجرة إلا أن الدكتور الزحيلي لم يتكلم عن نقاط أخرى طبعا قد لا تتسع لها الورقة. ختم عرضه بجملة فهمت منها أن عقد الإجارة إذا انتهى فلا يستطيع المستأجر أن يطالب المالك يعني إذا آل المأجور إلى المالك لا يستطيع أن يطالبه ببدل الخلو وقد استشكلت هذا للسبب التالي. لنفرض مثلا أنني دفعت عند عقد الإيجار بدل خلو قدرت أن هذا يعدل أجرة خمس سنوات مقدما ثم لسبب طارئ انتهت الإجارة بعد سنتين فكيف لا يجوز لي أن أطالب المالك بحصة من هذا المبلغ المدفوع مقدما والذي اعتبرناه إجارة؟ وشكرا.
الدكتور أنس مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم. . يبدو لي من بين الدراسات المقدمة دراسة من قبل الدكتور محمد الأشقر وجدت أنني كاقتصادي أوافق تقريبا على كل ما أتى فيها من تقسيمات وما انتهى إليه فيها من نتائج وأرى أن البند الرابع من الخلاصة في بحث الدكتور الأشقر وهي في الصفحة عشرين تلخص الموضوع بطريقة يمكن إصدار قرار بها. فلا أقرأها الآن فهي موجودة بين أيديكم. إنما أولا أؤكد تماما ما ذكره الأستاذ أحمد جمال من ملاحظات مهمة جدا وذات علاقة بالموضوع وألاحظ أن بحث الدكتور الأشقر والذي أؤيد النتيجة التي انتهى إليها في البند 4 من خلاصته لم تتعرض لحالة كثيرة الوقوع في ظل القوانين المعاصرة التي تقيد الإجارة على خلاف الأصل الشرعي وهي الحالة التالية: (في ظل قانون مخالف للأصل الشرعي ويقيد الإجارة إما سعرا أو يقيدها من حيث المدة فيلزم المالك لا يستطيع إخراج المستأجر مهما طال العقد ولا يغير الأجرة. في ظل مثل هذا الوضع لو أتى إنسان ودفع بدل خلو للمالك نفترض عمارة جديدة واستأجرها ملحوظ في بدل الخلو في ظل نظام من هذا النوع هو نظام جائر ولكن في ظل هذا النظام الجائر دفع بدل الخلو والمالك يعلم أن هذا يعني أن المستأجر أن يبقى في هذا البيت إلى ما شاء الله. فالآن في مثل هذه الحالة لو بعد حين من الزمن أراد هذا المستأجر أن ينتقل إلى مكان آخر، أليس من حقه أن يأخذ بدل الخلو، بدل الخلو الذي يرضى به سواء كان من المالك، أو من مستأجر لاحق، ما دام دفع الخلو الأصلي جرى في ظل قانون جائر ولاحظ فيه الطرفان أن دخول المستأجر إلى هذا المنزل يعني حقه قانونا في البقاء فيه إلى المدى الذي يشاء) .
ففي ظل هذه الحالة الخاصة التي لم أر أن بحث الدكتور الأشقر تعرض إليها كما أني ما سمعته من كلام فضيلة الدكتور الزحيلي أيضا لم يتعرض إليها. ألا يحق لنا هنا أن نقول في هذه الحالة الخاصة إن للمستأجر حق أخذ الخلو في هذه الحالة؟ والسلام عليكم.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. يبدو أننا لا بد أن نلجأ بين الحين والآخر إلى مسألة تحديد محل بحث أو تحرير محل نزاع. فهذا سيبلور الأمر وسيزيد الموضوع جلاء. أولا: ما سمعته في التلخيص الجيد لبحث زميلنا وأخينا الأستاذ الدكتور وهبة. النقطة الأولى أظن أنها خارجة عن محل البحث. عندما نتكلم عن إقالة العقد أو فسخ العقد مقابل مال فعلا هذا شيء مبحوث في كتب الفقه ومحل خلاف ولكن ليست هذه هي المشكلة المطروحة.
الرئيس:
هذه هي الحالة الثانية يا شيخ.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
نعم الثانية. المشكلة المطروحة أن عقد الإيجار ينتهي، عقد الإيجار إما مشاهرة أو عقد سنوي. في نهاية العام انتهى العقد آليا ومع ذلك فإن المالك يدفع الخلو في سبيل إخراج المستأجر. إذن هذه الصورة لا تنطبق على ما قاله الفقهاء من المراوضة أو المحاورة في سبيل إقالة عقد أو في سبيل فسخ عقد. هذا لا علاقة لنا به إطلاقا.
الموضوع الآخر، تنازل المستأجر عن المنفعة التي يملكها أثناء امتلاكه لها، أي أثناء جريان العقد. أيضا هذا ذكره كثير من الفقهاء ومنهم كثير من متأخري الحنفية. هذا الإنسان يملك حقا وثم فهل يملك أن يتنازل عن هذا الحق مقابل بدل أم لا؟ شيء مبحوث، إلا أن بحثا ليس جاريا في هذا الموضوع قط. مدة الإيجار تنتهي وتطوى المنفعة وتفرغ يده من الانتفاع بها ومع ذلك فهو يطالب المالك أو يطالب المستأجر الآخر ببدل. إذن هذا أيضا لا علاقة له بما ذكره الفقهاء.
إذن نحن أمام الحالة التالية: عقد الإيجار انتهى ولم يعد للمستأجر حق في المنفعة أو الانتفاع ومع ذلك فهو يطالب المالك أو يطالب المستأجر الآخر ببدل. هذا البدل ما هو غطاؤه الشرعي؟ هذا هو المبحوث عنه. الغطاء الوحيد هو ما أشار إليه الأستاذ أحمد. إننا أمام وضع جائر، أمام قانون ألجأ المستأجر في بعض الأحيان والمالك في بعض الأحيان إلى أن يقتص لنفسه من بريء وأن يطالب لحق من إنسان ليس هو المُفْتَئِت عليه في هذه الحالة. إذا تصورنا الأمر بهذا الشكل فأعتقد أنني سأقول: إن هذا البدل بدل غير سائغ ولا وجه له. أما ما ذكره الأستاذ الدكتور أنس من أن هذا الخلو بما أنه جاء نتيجة قانون جائر فإن من حق من أصبح ضحية لهذا القانون أن ينتصف لنفسه إما من مستأجر قادم أو من المالك الذي أجر. هذا الكلام لا مسوغ له لأن ما جر إليه الباطل فهو باطل، ولأن هذا الكلام يفتح ثغرة كبرى وهو يتنافى مع مبدأ سد الذرائع. خير من معالجة هذا الوضع الذي جاء ثمرة لقانون غير سوي، خيرا من هذا أن نعود إلى القانون أصله فنعالجه ونعيده إلى وضعه الطبيعي والسوي. إذن فممكن لموضوع إقالة العقد، أو فسخ العقد أن نسير مع الرأي القائل ندفع المال في سبيل إقالة العقد. هنالك من قال ذلك ولا حرج. ممكن أيضا أثناء جريان عقد الإيجار أن آخذ مالا مقابل المنفعة التي أعطيتها لشخص آخر ليستفيد منها، لا ضير، ولكن عندما ينتهي عقد الإيجار وقبل أن يبتدئ العام الآخر، نعم لا أستطيع أن أكيف هذا الأمر بشكل شرعي. ولكم الشكر.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. إن قضية بدل الخلو ليست وليدة قانون جاء، ولكنها قضية نشأت منذ قرون في العالم الإسلامي وقد نص فقهاء مصر على أن كثيرا من الدكاكين كان خلوها حبسا وكان ملكها لشخص آخر. الخلو حق الانتفاع بمقابل في الدكان أو في الحانوت هو للمصالح العامة على مسجد والمالك الذي يأخذ الإيجار هو شخص أو عائلة أو ولد. وهذا نشا من عهود قديمة ثم في عهد السلطان الغوري كما نعلم لما بنى الدكاكين التي بناها اشترط على كل من يكتري منه دكانا أن يدفع له قيمة جملية تعطيه حق البقاء في ذلك المحل ووقع في كثير من بلدان العالم الإسلامي أنه جرى العرف والعادة أن من يكتري محلا لا يخرج منه، وعلى هذا خرج كثير من الفقهاء قضية الخلو هذا باعتبار أن ما كان موجودا بالعرف وقت العقد، فمعنى ذلك أن المتعاقدين قد دخلا عليه. حينئذ لا بد أن نفرق بين الإجارة حسب ما قررها الفقهاء في العهود الأولى. فالإجارة إما أن تكون لمدة معينة تنتهي بانتهائها أو تكون وجيبة تتكرر كلما تكررت المدة إلى أن يفسخ أحد الطرفين في نهاية المدة أو ينبه على الآخر بفسخ العقد هذا أمر جرى عليه المسلمون قرونا. ثم حدث وهذا أمر جديد، حدث على الأنحاء التالية:
أولا: أن يطلب المالك من المستأجر - ممن يستأجر المحل - أن يدفع له مقابلا من الأول صبرة زيادة على قيمة الإيجار. هذه واحدة.
الأمر الثاني: هو أن لا يدفع إليه شيئا ولكن العرف الجاري هو الذي مكن المستأجر من البقاء في المحل وعلى هذا وقع. فإذا ما أراد أن يتنازل عن هذا الحق. أله حق في أن يأخذ مقابلا؟ ها هنا جاءت فتاوى العلماء قديما ليس بعد هذا قانون على جواز ذلك. فالقضية يجب ألا ننظر إليها على أنها وضع جديد ولكن على أنها وضع قديم وقد وجد هذا في الأبحاث التي بين أيدينا مطولا ومتتابعا وتكلم من أول ما تكلم به ينسب فيه إلى المالكية ولكن تكلم فيه المالكية وتكلم فيه الحنفية وتكلم فيه غيرهم. والقضية هي قضية العرف ومقدار تأثير العرف.
الشيخ محمد على التسخيري:
شكرا سيدي الرئيس: أنا أعتقد أن النقطة الأساسية هنا أن بدل الخلو يعطى في قبال التنازل عن حق، وهذا الحق إما أن يأتي من بقاء مدة مقررة في العقد ويتنازل المستأجر عن ذلك مثلا، أو من شرط اشترط في العقد وهو يستفيد من هذا الشرط، أو حتى من مجرد الإقدام على الإيجار من قبل المالك فله الحق ألا يقدم أو حتى من عدم الاستفادة من حق الأولوية إذا منح هذا الحق المالك للمستأجر وأراد المستأجر أن يستفيد من حق الأولوية هذه في الاستمرار في الإيجار. والشرط الذي أشرت إليه قد يكون صريحا، وقد يكون ضمنيا. الشرط الضمني قد يكون في إطار قوانين حكومية تمنع من إخراج المستأجر هذه القوانين تضيف شرطا يتراضى عليه المتعاقدان عند الاستئجار ويخول المستأجر مثلا أن يأخذ بدل الخلو عند انتهاء مدة الإجارة. وقد يكون هذا الشرط شرطا متعارفا تعارفا عرفيا يشكل ارتكازا، هذا الارتكاز يجعل الشرط كأنه شرط صريح في العقد وحينئذ يستطيع المستأجر أن يستفيد من هذا الحق المشترط عرفه. أشير هنا إلى بعض الملاحظات بشكل سريع، هناك مسألة حق الولاية التي أشار إليها الأستاذ وهبة. ما نعتقده أن حق الولاية، ولاية الأمر لا يمكن التنازل عنها مطلقا ولا يقبل الإسقاط.
الملاحظة الثانية: ملاحظة الأستاذ أحمد في مسألة تجميد الأجور أعتقد أن مسألة قوانين تجميد الأجور أو الإيجارات، هذه القوانين بالعنوان الأول وبطبيعة الحال غير جائزة ولكن إن رأى ولي الأمر الشرعي أن هناك أزمة اجتماعية ضخمة سوف تحدث إن لم يظل مثل هذا القانون فإنه يستطيع أن يستفيد من حق تدخل ولي الأمر في المنطقة المباحة والإلزام ببعض الأمور وبعض الشروط ويصدر مثل هذا القانون للحفاظ على أصل النظام وهو الأهم. طبعا إذا كان القانون جائرا أو صادرا من ولي غير شرعي، ففي هذه الحالة إن استطاع هذا القانون أن يؤثر شرطا في العقود فله أثره وإلا لا قيمة له. وشكرا.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
في الحقيقة يجب علينا أن نلاحظ أمورا منها أن الأصل في مال الغير عدم جواز أخذه إلا بوجه شرعي. {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . فالتراضي على كل حال أمر مشترط والتراضي يعني ألا يكون هناك إكراه من قانون جائر أو حاجة ملحة بحيث يجب التعاون مع المحتاج إزاءها ويمكن بسبب هذا التعاون أن يتوصل هذا المحتاج إلى ما يحتاج إليه.
فبدل الخلو إنما يبحث الآن في ضوء الأوضاع الحاضرة والأوضاع الحاضرة كما تعلمون في كثير من بلاد الإسلام تسلطت عليها قوانين غير شرعية، غير جائزة في الفقه الإسلامي فمن هذه الناحية وحسب ما سمعنا من الأستاذ أحمد جمال وحسب ما سمعنا من الشيخ وهبة في تقسيمه حق الخلو إلى ثلاثة أقسام. ينبغي أن ننظر في هذه الأقسام الثلاثة كما تفضل معالي رئيس الجلسة. وحسب رأي الخلو الذي يأخذه صاحب العقار إن كان صاحب العقار اتفق من أول الأمر مع أحد على إيجار معين لمدة معينة بعض هذا الإيجار مقدم وبعض هذا الإيجار مقسط فالإيجار المقدم حكمه كحكم الإيجار المقسط من حيث استحقاقه له، لكن مع مراعاة مضي المدة، أي مع مراعاة إبقاء ذلك العقار في يد مستأجره إلى أن تمضي المدة فإذا أراد المستأجر أن يتخلى عن ذلك الإيجار مع أن هذا الإيجار مقدم كان إيجارا له قسط كبير فينبغي أن يرد إليه بالمحاصَّة مقدار ما تبقى من المدة التي اتفق عليها الجانبان. أما إذا كان هذا الإيجار يأخذه هذا المستأجر من شخص آخر يريد أن يستأجر منه هذا العقار في المدة المتفق عليها من أول الأمر بين الجانبين في المدة الشرعية التي يقرها الشرع بين الجانب المؤجر والجانب المستأجر ويأتي مستأجر آخر. هنا لا أجد مانعا منه، أما في ضوء القوانين غير الشرعية، في الأوضاع الحاضرة بحيث لا يمكن لصاحب الملك أن يتوصل إلى الانتفاع بملكه ما دام هنالك عقد بينه وبين غيره، هذا العقد ولو كان لملك غير محدد لمدة معينة يبقى ساريا إلى ما نهاية له. فهنا أخذ المستأجر لهذا الخلو في مثل هذه الحالة يجب أن ينظر فيه لأن الوعيد في الأموال وعيد شديد. هذا الذي أردت أن أقوله لكم وتفضلوا بالنظر.
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم، سيادة الرئيس الذي وددت أن أقوله هو ما ذكرته في بحثي المقدم أمام حضراتكم باختصار هو أن المبلغ الذي يأخذه المؤجر سلفا والذي أجازه فضيلة أستاذنا وهبة الزحيلي هل هو جزء من الأجرة أو هو خارج عن الأجرة؟ فإذا كان جزءا من الأجرة يدفعه المستأجر للمؤجر على شكل أقساط أو ما أشبه ذلك فلا باس في هذه الحالة على ما أرى. ولكن إن كان ما يأخذه بدلا عن الخلو فأقول: إن المؤجر هو المالك وهو صاحب الحق فإن كان مقابل تنازله عن حقه فقد تنازل عنه بالأجرة التي هي بدل الإيجار.
لهذا لا أرى مسوغا للمؤجر أن يأخذ شيئا إلا إذا اعتبره جزءا من الأجرة. هذا بالنسبة للحالة الأولى.
الحالة الثانية: حق استئجار المنفعة من قبل المستأجر خلال المدة أمر جائز ولا أرى بأسا في ذلك كما قرره معظم فقهاء المسلمين رحمهم الله تعالى.
أما الحالة الثالثة التي ذكرها الأستاذ الفاضل الزحيلي بعد انتهاء العقد. فالذي أقوله هنا إذا انتهى العقد بأي حق يجوز للمستأجر أن يتمتع بهذا العقار؟ انتهت مدة عقد الإجارة بأي حق يجوز للمستأجر أن يتمتع بهذا العقار؟ فلا أرى له مسوغا شرعيا أن يطالب ببدل خلو من المؤجر أو لا أرى له من مسوغ شرعي أن يتنازل عن حقه بعد انتهاء فترة العقد إلى رجل أجنبي ثالث لقاء مبلغ من المال. هذا ما وددت بيانه وشكرا لكم.
الرئيس:
شكرا. نكتفي بهذا القدر من المناقشات وترفع الجلسة وتكون العودة إن شاء الله تعالى في الساعة الخامسة مساء وبالله التوفيق..
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نستأنف الجلسة بإعطاء المناقشة للشيخ خليل
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام في موضوع بدل الخلو في الحقيقة لا بد له من مقدمة وسؤال. لماذا جميع الأنظمة تراعي زيادة الراتب مع هبوط العملة ولم يراع أحد زيادة الأجرة مع هبوط العملة؟ هذا أمر. إذن الذي جعل كل دولة أو كل رب عمل يزيد في الأجر مع اتفاقه سلفا على أجرة معينة وإذا به يزيد في الأجر شعورا منه بإنصاف هذا المستأجر وهل هناك فرق بين العين المستأجر وما بين الإجارة التي ترد على منفعة الأشياء؟
أمر آخر، إن الأنظمة غالبا ما نراها تتوسل إلى العامة على حساب الخاصة. مثلا إن الأنظمة تتوسل إلى العمال، أو ما يسمى بالشعب فتضغط على أرباب الأعمال لصالح الشعب. ولماذا هذه القيود على الملكية؟ قيدت الملكية لأن أغلب قوانين الدول معاصرة أنها تورد قيودا على المالك بينما لا تورد قيودا على المستأجر، لنضرب لذلك مثلا. إن الإجارة في بلادنا - ولا أدري في المملكة كيف شأنها - الإجارة صارت عقدا ملزما تنتهي المدة وتبقي الإجارة بنفس الأجر السابق وهذا أمر لا شك أنه مخالف للشريعة الإسلامية.
فإذا كنا نراعي حال المستأجر فلماذا لا نراعي حال المالك؟ وهذه الخلوات وإن كان فيها الظلم، لكن الظلم الأشد في تلك التشديدات التي يراعى بها وضع القيود على الملكية. وللأسف نلاحظ كل القوانين الحديثة المستقاة من الدول الأوروبية مثلا تتقرب من العمال على حساب رب العمل، تتقرب من المستأجرين على حساب المالكِين. هذا التوجه الذي لا يخفى خلفيته، وإن الملجأ الوحيد لهذا الأمر لا شك إلى عقد الإجارة كما صوره فقهاء المسلمين، والإجارة كما هو معلوم عقد على منفعة تتجدد ساعة فساعة. وقد ضربوا له الشهر أو الأسبوع وما إلى ذلك وإذا بالشهر يصير سنة وإذا بالسنة تصير جيلا وجيلين كما هو معروف في كثير من الدول يموت المؤجر والمستأجر ويرث أبناء المستأجر العين المستأجرة بنفس تلك القيمة التي أجرت فيها والقوانين لا تواكب في تطوراتها بالإجارة كما تواكب القوانين الإنصاف للعمال. فبينما نلاحظ في الحقيقة أن كثيرا من القوانين المستقاة من الدول الغربية كأن فيها جورا على الملكية لصالح الشعب وبينما الإسلام كما هو معروف {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} إذن في النتيجة لماذا لا نصدر تعميما أو فتوى تناسب بأن عقد الإجارة عندما يكون سنويا أو مسانهة كما قيل في نهايته إما أن يعدل في الأجرة وإلا فإن المستأجر يأكل مالا حراما. والله أعلم.
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. لعل من الخير عندما نتكلم عن هذا الموضوع الهام أن نتذكر بعض النصوص وبعض القواعد الأصولية التي وضعها العلماء وعلى رأس هذه النصوص قوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما)) وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم أنه ((لا ضرر ولا ضرار)) ومن القواعد الشرعية التي تعلمناها وحفظناها أن بعض الأحكام قد تتغير بتغير الأزمان وبتغير الأحوال ولا بأس بذلك ما دام هذا التغير لا يناقض نصا أو لا يعارض نصا من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والصور الثلاثة التي ذكرها الأخ الفاضل الدكتور وهبة والصورة الأولى منها أن للمالك المؤجر أن يأخذ من المستأجر مقدارا مقطوعا من المال بالإضافة إلى الأجرة السنوية أو الشهرية، وجميل منه أن يقول إذا تراضيا على ذلك. أرى أن هذه المسألة جائزة ولا شيء فيها ما دام قد حدث التراضي لأن هذا التراضي لا يتم إلا عن مصلحة يراها كل طرف من المؤجر والمستأجر.
وما دام هناك تراض حقيقي وهناك أيضا إيجاب وقبول ففي هذه الحالة أرى بأنه لا بأس من أن يأخذ المالك المؤجر من المستأجر مقدارا معينا ولكن النقطة التي وقفت أمامها أن فضيلته جعل ما يأخذه المالك وقام المؤجر بعدها بتسليم العقار إلى المستأجر مؤثرا إياه على غيره من المستأجرين الذي وقفت أمامه ويعد المأخوذ جزءا معجلا من الأجرة المشروطة في العقد في تصوري أن الأجرة المشروطة في العقد هي تلك الأجرة السنوية أو الشهرية وما أخذه المالك زيادة على ذلك إنما أخذه بناء على مصلحة يراها وارتضاها المستأجر أيضا هذه المصلحة كما هو حادث في بعض البلاد أن صاحب العقار مثلا عندما يبني عمارة ويريد أن يعرض شققها للإيجار لا يحكمه في هذه الحالة قانون العرض والطلب وإنما الذي يحكمه أنه بعد أن يؤجر الشقة بمائة جنيه مثلا تأتي بعد ذلك لجنة معينة فتخفضها إلى خمسين جنيها مثلا، وهذا حاصل وموجود وفي هذه الحالة المالك عندما أخذ الزيادة إنما أخذها احتياطا لغبن قد يقع عليه عند تقدير هذه اللجنة لأن هذا الإيجار هو لا يملكه في الحقيقة وإنما الذي تملكه بعد ذلك هي جهة معينة هذه الجهة تقدر أن إيجار هذه الشقة هو كذا وفي هذه الحالة تطالب المالك إذا كان قد حرر العقد بزيادة عن هذا التقدير الذي قدرته اللجنة عليه أن يرد للمستأجر ذلك. فالمالك في هذه الحالة مسكين يرى أن هذا الإيجار فيه غبن شديد وفي هذه الحالة هو يلجأ إلى أن يأخذ حقه بهذا الطريق وما دام في رأي أن المستأجر قد رضي بذلك فلا بأس في هذه الحالة. النقطة التي وقفت أمامها قول الأخ الفاضل الدكتور وهبة - ويعد المأخوذ جزءا معجلا من الأجرة المشروطة في العقد - في الحقيقة أنا الذي أفهمه أن الأجرة المشروطة في العقد هي ما أشار إليه فضيلته من أنها الأجرة السنوية أو الشهرية المحددة.
بالنسبة للنقطة الثانية، يرى فضيلته أن جمهور الفقهاء يرون أن ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من المالك المؤجر لفسخ عقد الإيجار ضمن مدة العقد وتسليمه الشيء المؤجر لصاحبه يعد كسبا حراما، وهذا كما هو أمامنا رأي الجمهور.
في الحقيقة الإنسان أيضا يعود إلى تلك القاعدة التي حفظناها وهي أن بعض الأحكام قد تتغير بتغير الزمان وبتغير الأحوال فأنا في الأحوال التي أراها الآن سائدة في كثير من الدول، عندما يأخذ المستأجر من المالك شيئا ربما بعض الملاك يقبل يديه، يقبل يد المستأجر لأن المستأجر في هذه الحالة يريد أن يأخذ من المالك شيئا لكي يذهب إلى مسكن آخر يلائمه أو يلائم مركزه الاجتماعي وهو هذا المسكن بأجر ضئيل وقد مضى عليه عشرات السنين فيذهب إلى مكان آخر فربما دفع المستأجر ضعف ما أخذه من المالك لأنه يريد أن يتحول إلى مكان آخر وفي الوقت نفسه المالك استفاد استفادة عظمى لأنه بعودة هذا الملك إليه يستطيع أن يربح من ورائه أضعاف أضعاف ما كان يربحه من وراء هذا المستأجر الأصلي.
فما دامت الأمور مبنية على التراضي، المستأجر قد انتفع لأنه ذهب إلى مسكن آخر ودفع فيه هذا المبلغ الذي أخذه من المالك أو دفع أكثر أو دفع أقل، والمالك قد انتفع بمسكنه لأنه يستطيع أن يؤجره بعد إدخال تعديلات معينة عليه، يستطيع أن يؤجره بإيجار أضخم وأضخم وتراضيا على ذلك عن طواعية وعن اختيار وبدون استغلال. فأرى أن هذا ليس فيه شيء من الحرام، ولذلك أنا أميل إلى رأي المالكية ورأي الإمام أبي يوسف في هذه المسألة.
فيما يتعلق بالمسألة الثالثة، وهي الحالة الغالبة المثيرة للنزاع وهو ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من شخص آخر غير المالك المؤجر مقابل تنازله إلى آخره. أنا أرى أن المسألة أيضا لا ضير فيها بشرط أن يكون قد نص في العقد على أن من حق هذا المستأجر أن يؤجر العين لغيره في المدة المحددة للإيجار أو لا بد أن يكون هناك شرط لأن الملكية الخاصة محترمة في شريعة الإسلام. فالمالك ما دام مالكا لهذه العين فلا يصح للمستأجر بحال من الأحوال أن يتصرف في هذه العين إلا بإذن المالك وإذا تصرف فإنما يكون تصرفه في حدود ما يملكه من أخشاب، من أدوات هو يملكها. أما التصرف في العين بأي صورة من صور التصرف فلا بد أن يكون بإذن من المالك، فلا يصح لهذا المستأجر أن يؤجرها من الباطن لغيره، ولعل هذا هو الذي تأخذ به البلاد فيما يتعلق بالتأجير من الباطن وهو أنه لا بد أن يكون بإذن من المالك لأن الملكية الخاصة محترمة ما دامت قد أتت عن طريق الحلال وما دام صاحبها يؤدي حق الله ويؤدي حق المجتمع فيجب أن لا تمس ويجب أن يحافظ عليها محافظة تامة وبالله التوفيق.
الشيخ محمود شمام:
بسم الله الرحمن الرحيم، لي ملاحظة شكلية قبل الدخول في الأصل. الموضوع له علاقة متينة بموضوع الاسم التجاري فأنا أرجو، لأن الموضوع يشكل فرعين الاسم التجاري وبدل الخلو، فأنا أرجو قبل إصدار قرار فيما يتعلق ببدل الخلو مناقشة الاسم التجاري ولي كلمة حول الاسم التجاري تشمل بدل الخلو أرجئها لما بعد. وشكرا.
الشيخ أحمد محمد جمال:
الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. أحب في البداية أولا أن أعقب على كلمة فضيلة الشيخ خليل الميس عما لاحظه من ظاهرة الظلم النازل بالملاك وعدم تغيير الأجرة لسنوات طويلة وأقول له وأعطيه مثلا حكيما في ذلك وهو أن المملكة العربية السعودية هنا منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله كان يصدر أمره حسب ظروف ارتفاع تكاليف المعيشة وارتخائها، يصدر أمره أحيانا بتخفيض الأجرة 25 % ثم بعد سنتين أو ثلاث عندما يرى تغير الأحوال الاقتصادية يرفعها إلى25 % هكذا كان جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله يراعي الظروف الطارئة في المجتمع السعودي ولا يترك الملاك يستبدون تارة ولا يترك أيضا المستأجرين يستبدون تارة أخرى، إنما يلاحظ هذا الاختلاف في الظروف المعيشية بين انخفاض وارتفاع.
الأمر الثاني الذي أشار إليه فضيلة الأستاذ الميس هو أن ذلك مقتبس، النظام الواقع في المجتمعات العربية والإسلامية من الدول الغربية والحقيقة أنا أرى أنها مقتبسة من الدول الشرقية لأن زعماء الدول العربية هؤلاء الذين يضغطون على الملاك إنما يستندون إلى المذاهب أو المبادئ الشيوعية لأنهم ينظرون إلى الملاك نظرة إقطاعيين، الملاك في نظر هذه الدول الاشتراكية وزعمائها الملاك جماعة من الإقطاعيين وهم يريدون أن يتملقوا طبقة العمال الطبقة الوسطي من الموظفين، لذلك يضغطون على العمال في سبيل إرضاء الطبقة العاملة أو الطبقة المتوسطة.
بعد ذلك انتقل للموضوع الأساسي وأرجو أن يسمح لي أصحاب الفضيلة العلماء أن أنبه إلى أنه ينبغي لنا ألا نكرر ما سبق في المناقشة الماضية من اهتمام بالجزئيات في المبادئ والأحكام، الاهتمام بالجزئيات والاهتمام بالثانويات والاهتمام بالفرعيات، فهذه تترك للتفصيلات أو المذكرات التفسيرية أو اللوائح كما يقال ذلك في عداد الأنظمة. لماذا؟ لأنا نحن كمشرعين أو كواضعين أحكاما جديدة تعالج قضايا حديثة لا يمكن أن نحتاط لكل هذه الفرعيات. وأعتقد أن معظمها من باب الديانة.
ومبدأ الديانة أو ملحظ الديانة في التشريع الإسلامي معتبر. الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الملهم المعصوم الذي يتلقى الوحي دائما - لاحظ هذا الملحظ فتركه للمسلم، ما احتاط في كل حكم بملاحظة وفرع وشرط، وهكذا لأن ذلك يطول ولا يمكن أن نحصي ملاحظ الشرط في المعاملات. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما تذكرون:((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من النار إن شاء أخذها وإن شاء تركها)) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. إذن لا يمكننا أن نحيط بكل دقيقة في كل مبدأ من المبادئ التي نضعها الآن. فنترك الفرعيات والثانويات لتحل عند النظر أو عند النزاع. أقول ذلك لأنا نستطيع أن نستمر في الحوار الدائم وفي النقاش الدائم والكلام الكثير لا نخرج بحكم أو بأحكام حكيمة أو صحيحة أو سريعة كما ينبغي. فأحب أن ألفت النظر إلى ذلك. استتماما لهذا الموضوع أو لهذه القضية أحب أن أقدم اقتراحا طبعا قابل للتصحيح والتعديل مشروع للقضية في مادتين أو في ثلاثة مواد قابلة للتعديل. خذوها كفكرة تقرب المسافة بيننا. المادة الأولى: لا يجوز أن يفرض المالك بدل خلو على المستأجر إلا إذا كان هذا البدل جزءا معجلا يترتب عليه انخفاض الأجرة السنوية أو الشهرية، وأن يذكر ذلك في العقد صراحة أي يكون بالتراضي وأن يكون جزءا من الأجرة..
المادة الثانية: يجوز للمستأجر إذا طالبه المالك بالإخلاء خلال فترة العقد أن يطالب بتعويض يقدر بمثل ما بقي من أجرة للفترة الباقية من العقد.
ثالثا: لا يجوز أن يؤجر المستأجر العين على آخر دون إذن المالك احتراما لحقه في الملكية الأصلية.
هذه كرؤوس كعناصر إنما تمهد لنا السبيل لنقر شيئا ولا نطيل في الجدل في الفرعيات والثانويات وشكرا.
الشيخ درويش جستنية:
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على الرسول النبي الأمين. أقول وبالله التوفيق.. أولا بالنسبة لتعريف خلو الرجل. ألاحظ أن هناك اختلافا في تعريف خلو الرجل فأنا أعرفه مثلا بأنه مبلغ يدفعه مستأجر يحل عن مستأجر آخر وليس علاقة كرائية بين مالك ومستأجر. ثانيا: ليس من الضروري أن تكون فكرة خلو الرجل مبنية أو مبررة بسبب وجود قانون ظالم يقيد حرية المالك في التصرف في ملكه. فكما سمعنا من أصحاب الفضيلة أن خلو الرجل قائم وقديم بصرف النظر عن دوافعه.
لكن الذي أشير إليه هنا هو أن لخلو الرجل مبررات اقتصادية تقوم على أساس أنه يحقق مصالح لكل من المالك والمستأجر والمؤجر له، أي أنه عقد فيه ثلاثة أطراف وليس عقدين لطرفين. فصورة واقعية من صور المصلحة الاقتصادية هو أن يكون هناك مثلا تاجر يستأجر متجرا في السوق بإيجار سنوي معين ويأتي تاجر آخر يرغب في أن يستأجر نفس المتجر لكنه لا يمكنه ذلك لأن شاغل المتجر سوف يجدد العقد كبقية المستأجرين في نهاية العام، كذلك فإنه من غير المقبول شرعا ولا عرفا أن يذهب للمالك فيغريه بإيجار أعلى حتى يطرد المستأجر الأول ولا يجدد له العقد. لذلك فهو يتفق مع التاجر الأول على مبلغ معين مقابل بعض الأثاث الموجود بالمحل وكإرضاء له على التنازل عن مصلحته في تجديد العقد دون قهر وفي نفس الوقت يقوم التاجر بالاتصال بالمالك ليتفق معه على زيادة أجر العين أو إعطائه مبلغا مقابل الموافقة على تجديد العقد باسم التاجر الثاني. وبذلك تتحقق مصلحة لكل الأطراف وتحقق أيضا مصلحة التوازن بين الإيجارات والمستوى العام للأسعار كما أشار إليه بعض السادة المتحدثين. وهذا معمول به هنا في المملكة. وهناك صور أخرى كثيرة لا مجال لذكرها الآن وهي صور لعقد إرفاق كما أظن. فهل في هذه الصورة ما يتعارض مع نص شرعي يجعلها غير جائزة؟ وباختصار فإنني أعتقد بأهمية تحديد الصور التي تبنى عليها الفتوى. وأن يحقق الخلو مصلحة لكل من المالك والمستأجر الأول والثاني. والسلام عليكم.
الشيخ عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في الواقع إن الإخوة الذين تحدثوا ربطوا بين الخلو وبين قوانين الأجرة وامتداد عقد الإيجار بقوة القانون. أما فيما يتعلق بالنسبة لتحديد الأجرة فإني أعتقد أنه لا ارتباط بين الخلو وبين تحديد الأجرة. إذ في البلاد التي لا تقيد الأجرة ولا تحددها أيضا يجرى فيها مسألة الخلو. كالكويت مثلا القاعدة أنها تخضع لقاعدة العرض والطلب.
كلما كثر الطلب على الأماكن وقلت الأماكن هنا يتدخل الملاك ويضعون مبالغ للتفاضل بين المتقدمين من يدفع لهم يأخذ ولهم تحايل لاستحلال أو لأخذ هذه المبالغ. منهم من يجعلها جزءا من الأجرة تدفع جملة على أن تكون الأجرة الشهرية مراعى فيها ما دفع سابقا. والدليل على ذلك عندما كثرت المحلات التجارية وقل الطالبون أخذ أصحاب المحلات التجارية هم أو أصحاب العقارات يعرضون ويكتبون الإعلانات في الصحف وعلى المحلات طالبين الأجرة ولا يطلبون الخلو؛ لأن هذه المسألة خاضعة للعرض والطلب ليس إلا. فينبغي البحث في مسالة الحكم الشرعي على ضوء ما بحث الباحثون وقدموه في بحوثهم. وشكرا.
الشيخ محيي الدين قادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه. أنا شخصيا أريد أن أرجع بقضية الخلو إلى أصلها الذي نشأت فيه، في المجتمعات الإسلامية المتأخرة نسبيا. أول ما ظهرت، ظهرت في أراضي الأوقاف. (أراضي الأحباس) ففي القرن الثامن ظهرت في مصر ما يعرف بالأحكار المؤبدة وهي التي أشار إليها العلامة خليل في توضيحه في باب الشفعة ونصه:(وينبغي أن يتفق في الأحكار التي عندنا بمصر أن تجب الشفعة في البناء القائم بها لأن العادة عندنا أن رب الأرض لا يخرج صاحب البناء أصلا فكان ذلك بمنزلة مالك الأرض)، قاله شيخنا ومصطلح خليل إذا قال شيخنا فهو يعني المنوفي. هذا بالنسبة إلى الأراضي الزراعية التي هي من امتلاك الأوقاف وجاء بعد خليل عالمان من علماء المالكية وعللا ذلك هما ابن منظور وابن سراج في فتاويهما المنشورة بمعيار الونشريسي. التعليل في ذلك أنها من قبيل الضرورة. وزاد هذا الموضوع توضيحا سماحة الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه فقال: هي ضرورة عامة مؤقتة. كيف هي ضرورة؟ لأن لو تركت أراضي الأحباس ما يدخلها من التشتت أو من الإهمال ومن التجزئة لأهملت ولأصبحت أرضا بورا ولأدخلت شللا على الاقتصاد. فمن هذا المنطلق أفتى هؤلاء الأعلام فيما يخص الأراضي الزراعية وهي المشكلة التي عرضت بالنسبة إلى عصرهم. وبعد ذلك ازدهرت الحالة الاقتصادية في مصر وبالخصوص التجارة وغلت أكرية الحوانيت حتى وصل الحانوت في سوق الغورية بمصر إلى أربعمائة دينار ذهب جديد. ورفعت النازلة إلى عالم من علماء المالكية هو من طائفة مجتهدي التخريج ألا وهو ناصر الدين اللقاني فأفتى بجواز ذلك وبدون قيد ولا شرط وبقي المالكية يتحدثون عن هذه الفتوى بين قابل لها، وهم الأكثر وبين رافض لها وهم الأقل.
وقد بسطت كل هذا في البحث الذي قدمته. لكن هذه المشكلة ماذا يصنع ناصر الدين اللقاني في حوانيت هي من قبيل الأحباس وقد ازدهرت الحالة الاقتصادية وأصبحت غير كافية، الحوانيت لما يتطلب من التجارة وغلت، فكيف يقول للناس قال بذلك. ولكن عندما قال هؤلاء وهو ما يسمى في مصر خلو الحوانيت ويسمى في تونس بخلو المفتاح، هذا النوع من الخلو فيه مصلحة. المصلحة فيه ماذا؟ أنه الذي يعطي هذا المقدار الدراهم يصبح شريكا في المنفعة. يصبح الكاري المستأجر مالكا للمنفعة مع صاحب الوقف. وحتى في إصلاح الحانوت يكون بينهما شركة وفي كل شيء هو بينهما شركة ولو تعدد الشركاء وباع أحدهم نصيبه في المنفعة شفع فيها الآخر. كما ذكر ذلك الأمير في مجموعه وفي حواشيه على المجموع. هذا بالنسبة إلى ما أفتى فيه الفقهاء، الفقهاء كانوا يفتون ويرجحون المصلحة أو تقهرهم أعراف فيرجعون إلى القاعدة التي قررها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
هذا بالنسبة للخلو الذي عرفناه ربما مؤخرا وهو قديم أيضا أن يعمد مستأجرا ويكري من مستأجر آخر المنفعة فهذا قد ألف البدر القرافي فيه رسالة عرض فيها لمسألتين منها هذه المسألة وجوز ذلك بشروط وقد أتيت على هذه الشروط في البحث الذي كتبته. جوز ذلك بشروط لأنه يملك المنفعة وأضاف الجديد وقت أن بقي في الحانوت مدة زمنية طويلة أو في الحمام أو في المقهى أو في غير ذلك. فقد أضاف إليها شيئا. هذا هو الذي راعاه البدر القرافي في رسالته: الدرة المنيفة في التنازل عن الوظيفة راعاه وقال بالجواز مع حف هذه المسألة بشروط. وكما سبق لسماحة مفتي جمهورية مصر العربية الناس على شروطهم والمؤمنون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا. هذا بالنسبة لما أفتى به الفقهاء ولكني رأيت أن الاتجاه لا يتجه إلى فتاوى الفقهاء وإنما يتجه إلى ما أقرته القوانين الوضعية البشرية. هنا المجمع مطالب بأن يعرف ما أفتى فيه الفقهاء وما هو فقه وينزله ويلزم به إن استطاع إلى ذلك سبيلا الدول الإسلامية على أن تعدل القوانين الموجودة في البلاد الإسلامية على ضوء الفتاوى الصادرة عن المجمع. هذه وجهة نظر.
أما العلماء، الإشكال في الخلوات والذي استشكله الفقهاء هو هذه الإيجارة على التبقية ولم أسمع في عرض الصباح وهو الشرط الذي اشترطه الفقهاء كلهم قضية التبقية. لم أسمع في عرض الصباح أو لعلي لم أنتبه إلى قضية التبقية التي هي روح المسألة. هو يدفع المقدار لأنه يبقى بصورة أبدية ولا تخضع المسألة لتغير الأسواق وحوالة الأسواق وقد نص على ذلك فقهاء المالكية وحققه أبو الثناء إسماعيل التميمي في رسالة له وهو ممن ادعى اجتهاد التخريج ولم ينكره عليه معاصروه. هذا بالنسبة إلى القضية من أساسها. وأصل الإشكال فيها أنه كيف يكون الكراء على التبقية. ومالك رضي الله عنه يروى عنه هذا النص:(ولا أرى مانعا من أن يكري إنسان مسيلا يوصل الماء إلى داره السنين الطويلة أو إلى الأبد. لأن مالك رأى أن الحاجة إلى الماء فأقر نظرا لهذه الحاجة أن يكري الإنسان مسيلا من الماء إلى داره أو إلى أرضه على سنين طويلة أو إلى الأبد. ومنه جوز فقهاء المالكية الكراء على التبقية أو الكراء الأبدي) . هذا وقد ذكر البرزلي عينات كثيرة وأتيت على البعض منها في البحث، عينات كثيرة وقعت في تونس - فالفقهاء أفتوا نتيجة ظروف وأنا لن أذكر شيئا حتمت في الظرف، مثلا في تونس في وقت من الأوقات في عهد حمودة باشا الحسيني أصدر هذا الباي أمرا بأن اليهود يمنع عليهم امتلاك الأراضي الزراعية والعقارات وحصرهم في حارات معينة نظرا لما لليهود من الخبث عندما حصرهم في حارات معينة ضاق بهم الأمر وغلا الكراء وارتفع وحجر على المسلمين السكن في حاراتهم ماذا يصنع المالك المسلم في الدار الموجودة في حارة من حارات اليهود؟ فتحتم الأخذ بنوع من الخلو ويبقى اليهودي في الدار على الأبد على التبقية. إلى غير ذلك من المسائل. فالمطلوب معناه أين هو الإشكال؟ هو في كون الكراء على التبقية وفي كونه إجارة على التبقية. هذا ما عرضت ضرورة عامة مؤقتة أوجبته فإذا زالت من المجتمعات الإسلامية فالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح في أكريتهم. وتحدث للناس أقضية بمقدار ما أحدثوا من الفجور. نكتفي بهذه الكلمة.
الرئيس:
شكرا. على كل ملاحظة بسيطة يا شيخ محي الدين وهي قضية لما ذكرتم تريدون تنزيل فتاوى العلماء على الواقع الموجود في العصر ما أظن أن هذا يتلاقى لأن فتاوى العلماء الذين ذكرتم هي بموجب الأسباب التي توفرت موجبة هذه الفتوى والأسباب التي كانت موجبة لهذه الفتاوى هي خلاف الأسباب التي كانت موجبة للنازلة الموجودة في عصرنا. لهذا فإن قضية التزيل ليست لازمة. الفتاوى لا شك يستنار بها ويستضاء بها أما أن يقال: تنزل فتاوى العلماء السابقين على الأشياء الموجودة فهذا ما أظنه يحصل.
الشيخ إبراهيم الغويل.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. الحقيقة أنا لدي اقتراح عملي لأني أثناء المناقشات ما وددت أن أتدخل لأن كما اتضح الآن أن قضية بدل الخلو ليست قضية جديدة رغم اختلاف أو ما يراه البعض من اختلاف الأسباب. ولكن أثناء المناقشة اتضح أننا في حاجة إلى أن نناقش جذور الأمور كقضية الملكية وحدودها ووظيفتها في شريعة الله. وبعض القضايا الأخرى التي قد يكون من المناسب أن تبحث كقضية إيجار الدور، ومتى كانت؟ وما مستندها وأساسها؟ حتى ينظر في هذه الأمور نظرة تؤصل ما تواجهه المجتمعات الإسلامية وتشكو منه. وقد يكون من المناسب أن أذكر نفسي وإخوتي العلماء الأجلاء الأفاضل أن الناس في الشارع قد يشكون خلاف ذلك قد يرون أن هناك إرهاقا وظلما للمستأجرين. لقد سمعت هنا الحديث عن إرهاق وظلم المالكين ولكن جموع المسلمين وجماعة المسلمين قد تشكو في كثير من الأحيان ما يلحق المستأجرين من ظلم وحيف وجور وإلقاء أثاث دورهم في الشوارع وإغلاء الأجرة عليهم وما إلى ذلك، فكل هذه الأمور يجب أن تكون في اعتبار السادة الأجلاء العلماء الأفاضل. إذن هذا البحث عن بدل الخلو في حقيقة الأمر كان من الممكن أن يكتمل ضمن بحث كامل لقضية الملكية وقضية الإيجار والأجرة وقضية بدل الخلو تكون فرعا صغيرا ضمن هذه النظرة الكلية. الحقيقة وإن كان صحح البعض ولكنني سمعت من زميلي الشيخ خليل الميس أمرا عجبا كأن يقال إن النظام الذي يسمح للمالكين أو يظلم المالكين إنما هو من أثر النظام الغربي.
فلا شك أنه إذا كان النظام الغربي هو الذي يقوم على رأس المال وحماية المالكين وإطلاق يدهم وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون أمر نريد نحن أن نتجاوز حدوده أيضا ونعتبره قليلا وفيه ظلم للمالكين وذلك أمر عجب. أنا أتصور أن هذا النظام الذي أطلق يد المالكين في الغرب حتى إنهم يفعلون في أموالهم ما يشاؤون لا يمكن أن يعتبر أن فيه ظلم للمالكين بل أنه دائما عرف بأنه النظام الذي ينسب إلى رأس المال وإلى الملاك والمالكين. لكن هذا الأمر قد لوحظ عليه وسبقني إليه آخرون. ولكنني أقترح اقتراحا محددا: أن هذه الأمور تتعلق بجذور نظرة كلية، المسلمون في حاجة أن يقدموها للبشرية. ما هي النظرة للملكية في الإسلام؟ وما هي النظرة لوظيفية الملكية؟ وما هي حدود المالكين في تصرفاتهم وما يترتب على ذلك من نظر في قضية الأجرة؟ وما إليه فلعل بحث الأمور من جذورها سيساعدنا في الموضوع الذي بين يدينا ولعله تفريع عن مشكلة أساسية تحتاج لتقديم نظرة الشريعة فيها وشكرا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ما كان لي أن أتدخل في قضية بدل الخلو لأنني جئت إليها متعلما ومشاركا ولست متخصصا ولا باحثا وبقيت أستمع وأتعلم وأفيد من كلمات إخواني وزملائي وتعقيبات الأمانة الكريمة والرئاسة الرشيدة حتى بدرت كلمة، حاولت أن أرفعها والتمس لها المعاذير فلم أستطع ولم يسعفني ذهني ولا عقلي الكليل. وهي من أخ لي صديق حبيب أُكِنُّ له كل احترام وتقدير هو أكبر مني سنا وفي نفسي أنه أكبر قدرا وبيني وبينه روابط وشيجة من الصداقة في ذات الله. غير أن هذه الكلمة لو أني سكت عليها نفاقا اجتماعيا لعددت نفسي آثما وليس لي فيها من تعليل إلا أنها زلة لسان وجل الذي لا يسهو هذه الكلمة التي تفضل بها وكانت مشاركته جيدة ومثمرة فضيلة العالم الفاضل الجليل الأستاذ الشيخ أحمد محمد جمال - حفظه الله - وأفدت من كلامه الكثير غير أن هذه الكلمة ما كان ينبغي أن تخرج من أمثاله من أهل الفضل فزلة العَالِم زلة العَالَم فقال: إننا كمشرعين. يا سيدي الذي أعرفه وتعلمته من إخواني ومن مشايخي ومن أساتذتي أننا لسنا مشرعين، ولا يحق لنا بحال من الأحوال أن نطلق على أنفسنا هذا الكلام أو هذا اللقب لأنه قد أجمعت الأمة كلها على أن المشرع هو الله، هو الحاكم وأنه لو أننا أطلقنا هذا اللفظ الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم لكان مجازا لا على سبيل الحقيقة. فأقصى ما نطمح إليه أن يقال فينا إننا علماء.
ولا نقول هذا في أنفسنا بل يقال فينا. وإنني أعتقد وأدين الله تعالى أن جميع زملائي في هذا المجمع الموقر علماء وأني أنا في نفسي طالب علم. فنحن يا سادة طلاب علم، لسنا مشرعين ولا متشرعين وأخشى إن نحن سكتنا على هذا أن يزداد الأمر وأن يستمع الناس إلى كلامنا في التسجيل أو غدا حينما يخرج في المجلة - فيستكبرونها منا لا سيما من عالم جليل وباحث كبير له فضله ووزنه. وأقول وأكرر أني أعتقد وأدين الله أنها زلة لسان ولكن هذه الزلة ينبغي أن تستدرك.
الرئيس:
يا شيخ عبد اللطيف لاشك كلامكم حق لكن أحب أن أضيف كلمة واحدة. نفس الشيخ أحمد لما تعلمها أردفها بكلمة يقول أي عاملين لهذا الموضوع أضاف هذه وأردفها رأسا فهي الذي يظهر أنها درجت على اللسان بحكم الشيوع. ولا يقصدها، ولكن هو فسرها بقوله أي العاملين لهذا الشيء.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
نعم. لكن أخشى أن لا يأخذ هذا الكلام على محمل التناصح.
الرئيس:
هذا ما فيه إشكال وجزاكم الله خير وأحيطكم بشيء آخر أن أمانة المجمع عندما تعد المجلة وتنشر المداولات وكذا يجري تصفية وتنقيح.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
طيب يا سيدي هذه واحدة وأستميحه عذرا لأن فضيلته يعلم صفاء نفسي ومحبتي له وإجلالي، وهذا الشيء معترف به. المسألة الثانية: هي أني لا أزال أرقع لزملائي لكن هذه المسألة لم أستطع أن أرقعها. فيه مسألة ثانية رقعتها هي قضية أخي الشيخ خليل الميس وهو أنه ذكر أن الغرب وَرَّدَ لنا هذا الذي يقال في قضية ظلم المالك. من إلى أن الموضوع نظرة سطحية خطأ الشيخ خليل وإنني أصوبه لأن الغرب مع كونه رأسماليا إلا أن النزعة الجماعية الاقتصادية نبتت فيه ولم تنبت في الشرق ولكنها بعد ذلك ظهرت في الشرق فهذه مسألة هو فيها على صواب في حقيقة الأمر وإن ظن أنه خطأ. فإن جميع ما قاله نزعة جماعية إنما هو في مجتمع رأسمالي ونشاؤا وماتوا فيه هذه الناحية الثانية. وأما الناحية الثالثة فهي أنني أكرر اعتذاري للأمانة وللرئاسة ولأخي الأستاذ الشيخ أحمد محمد جمال ولأخي الأستاذ خليل فنحن كلنا المؤمنون بعضهم لبعض نصحة والمنافقون بعضهم لبعض غششة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الشيخ أحمد بازيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، عندما أتكلم عن الخلو أحب أن أتكلم كإنسان عندي ممارسة فيه. الحقيقة المتاجرة في الخلو فيها ضرر كبير وأنا شاهدت دكانا صغيرا لو أقول لكم المبلغ الذي بيع به تستغربون بيع ب 14 مليون دينار خلو لأنه سمع واحدا من مشايخنا قال لا بأس ببيع الدكاكين 14 مليون دينار بيع الخلو بهذا السعر هذه واحدة. الأمر الثاني: المتاجرة في الخلو تحبس المنفعة من العين بحيث كثير من الدكاكين الجديدة تحبس ولا تستغل ولا ينتفع منها الناس. يحبسها المتاجرون وهذا موجود بنايات كثيرة عندنا محبوسة للمتاجرة في الخلو. فهذه صورة من الصور التي عاينتها وشاهدتها. موضوع الخلو الذي عرفته هو للحانوت المؤجر الذي يستثمره صاحبه سنين طويلة ويدخل عليه تحسينات، في البناء في الرفوف في الديكور فيه أثاث فيه كهرباء فيه تلفونات، ويكون الخلو مقابل هذه، فيصير الخلو مقابل حاجة للإنسان الذي يترك محله. ثم إن الذي يبيع المستأجر ليس له أن يتصرف أيضا ويؤجر على من يشاء بدون إذن المالك. عندما يريد أن يؤجر دكانه هذا يقتضي عليه أن يستأذن المالك ويقول: أنا أحب أن أؤجر لفلان الفلاني وأترك العمل إذا تأذن لي. فإذا كان بهذه الصورة الخلو فأظن أنه لا بأس به ولكن في حدود المبلغ الذي له مقابل في داخل الحانوت. أما الدكان الخالي أو الحبس عن المنفعة وثم التداول فيها فأنا أخشى أنها تدخل تحت طائلة أكل أموال الناس بالباطل. وشكرا.
الشيخ مصطفى كمال التارزي:
أشكر السيد الرئيس على إجابته للرغبة التي برزت من هذا المجمع في إعادة النظر في قضية بيع الخلو، حول واقعنا الذي نعيشه في هذه الأيام التي برزت فيها الأحكام الوضعية وتعامل الناس بها. وأصبحت عرفا يعمل بها في الأسواق والميدان التجاري. والذي نريده أن نستضيء بأحكام الفقهاء في قضية بيع الخلو بطريقة تجعلنا لا نحيد عن الأحكام الشرعية وتقربنا من جهة أخرى إلى الواقع وتهدينا إلى السبيل السوي في حل هذه المشكلة بطريقة لا يتضرر فيها المالك ولا يتضرر المستأجر. سيدي الرئيس.
يبدو لي أن الفقهاء في الماضي والحاضر لم يجدوا حرجا في تبرير عمل المالك في اشتراطه كمية من المال على المستأجر يأخذها مسبقا زيادة عن الأجرة السنوية والشهرية التي لا تقل عادة عن أجر المثل واعتبروا أن ما يأخذه المالك مسبقا من المستأجر هو جزء من الإيجار. وربما كان لتخريجهم هذا مبررا في العصور الماضية حيث كانت الأعمال تحمل على الصلاح غالبا. أما اليوم فالحقيقة التي يعلمها العام والخاص هو أن المالك يأخذ هذا المال المسبق بعنوان بيع خلو محله خوفا من أن يتمسك به المستأجر عند انتهاء مدة الكراء. فهل يصح أن نبرر عمله هذا. كما أن المستأجر الذي اشتهر في هذا الزمان بأنه يتمسك بالمحل ولا يلتزم بالخروج عند انتهاء مدة العقد لا ينبغي أن نحكم عليه دائما مسبقا بالاحتيال والتعدي والظلم لأن الإجراءات التجارية الجديدة أصبحت في كثير من بلدان العالم الإسلامي معقدة تخضع لتراتيب كثيرة وتجبر المستأجر لأن يخضع لتنظيمات بلدية ويستجيب لشروط يفرضها ديوان التجارة أو وزارة الاقتصاد الوطني زيادة عما تفرضه عليه المنافسة التجارية من تزيين نفقات باهظة ومدة طويلة، فالحكم بإخراجه عند انتهاء مدة الكراء بدون نظر إلى ظروفه قد يوقعه في ضرر كبير. ربما يوقعه في الإفلاس. وفي الشريعة الإسلامية متسع لمد يد المساعدة إلى هذا المستأجر حتى ننقذه مما هو فيه إذا ثبت ضرره. وفي اعتقادي أنه لا بد لمجمعنا هذا من إيجاد حلول وسطي تضمن التوازن وعدم الإجحاف بالملكية العقارية التي هي حق المالك والملكية التجارية التي هي حق المستأجر حتى يتحقق التعايش والتكافل بين كل قطاعات المجتمع الإسلامي. ولا مانع من أن تقوم الدولة بإصدار قوانين جديدة تحد من جشع المالك الذي رأيناه في ميادين كثيرة وتحايل المستأجر. فالمستأجر قد يتضرر من العقد لأن التجارة تفرض عليه أشياء ما كان يتوقعها ويحتاج إلى رخص من الدولة ومن الدواوين وإجازات، ربما تنتهي مدة الإيجارة وهو لا يستطيع تحقيقها. فلا بد من إعادة النظر في مسالة بيع الخلو أو ما يسمى في العرف الحاضر بالأصل التجاري أو المحل التجاري.
وقد ذكرت في البحث الذي قدمته للمجمع أنه من الحلول المقترحة في منع التبقية وقضية التبقية هي المعروفة عندنا في الفقه ببقاء المستأجر في المحل، في منع التبقية في المحل بإيجاد عقود طويلة الأمد يمكن بموجبها أن نقطع حجة المستأجر الذي يدعي دائما أنه لا يتمكن من الربح في المدة القصيرة وأنه يحتاج إلى مدة أطول حتى يتمكن من توفير الربح اللازم لحياته والسلام عليكم.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. إن هذا الموضوع في اعتقادي قد أخذ من البيان والشرح لمختلف الآراء والاتجاهات ما فيه كفاية وأقترح أن تتكون لجنة للصياغة تتداول النظر في محور هذا الموضوع والأجزاء المتفرعة عنه فتبين لنا أو تضع قرارا يبين ما هي الصور التي يقبل فيها بدل الخلو ومتى يكون جائزا والصور التي يكون فيها إجحاف لأحد الطرفين أو ظلم يقع التنبيه عليها حتى لا نقع في هذا الضرر، وأرجو أن نبادر بتكوين هذه اللجنة حتى تتمكن هي من المضي في عملها لإعداد القرار المناسب الذي يعرض على حضراتكم بعد هذا.
الرئيس:
شكرا. لعلكم ترون هذا مناسبا، ولهذا فإنه قد ترون اللجنة هي كل من أصحاب الفضيلة المشايخ الشيخ وهبة الزحيلي، الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ الدكتور درويش جستنية، وبهذا ترفع الجلسة لأداء صلاة المغرب ثم نعود إن شاء الله تعالى.
مناقشة مشروع القرار رقم (6)
بشأن بدل الخُلُوِّ
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بعد اطلاع المجمع على الأبحاث الفقهيه الواردة إلى المجمع بخصوص كذا.. قرر ما يلي:
أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:
1 -
أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2 -
أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3 -
أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
4 -
أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها.
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو يسمى في بعض البلاد خُلُوًّا) فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها. وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
الرئيس:
هل من اعتراض؟ الشيخ علي.
الشيخ علي المغربي:
تضاف عبارة تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة الأصلية القديمة قبل الاتفاق على زيادة الإيجار. نقول الأصلية.
الرئيس:
إذا قيل أحكام الإجارة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثالثا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة. فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
الرئيس:
لأن المدة لا تزال في حوزة المستأجر.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية. على أنه في الإجارات طويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك. أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
على أنه في الإجارات الطويلة المدة بدل طويلة المدة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
في هذا المقطع الأخير: أما إذا تم الاتفاق في آخر.
الرئيس:
بين المستأجر الأول والمستأجر الجديد.
الشيخ محمد علي التسخيري:
بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو. هناك حالة وهي طبيعية متعارفة أن صاحب العقار أو صاحب المحل يعطي الأولوية للمستأجر الأول فالمستأجر الأول يملك أولوية في مسألة التمديد ويتنازل عن هذا الحق لقاء بدل الخلو، نحن لم نلتفت لهذه النقطة وحرمنا الأمر بشكل مطلق وحرمنا عملا جاريا متداولا.
الرئيس:
هل ترون إضافة حرف هنا: أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد لما بعد انقضاء المدة، كونه يتعاقد مع طرف آخر.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نضيف كلمة لما بعد انقضاء المدة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
لم نحل هذه الإشكال يا سيدي الرئيس.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
استشكال الشيخ التسخيري يحل لو أضفنا كلمة واحدة على أن يحل له أن يبذل له عوضا مقابل تخليه عن حق الأولوية. لأنه ممكن للإنسان أن يقول لبعض المرتشين لبيع المزايدة: انسحب من المزايدة على أن أعطيك بدلا، كل من يترشح لأمر يجوز لإنسان آخر يريد أن يحل محله.
الشيخ علي المغربي:
في الفقرة الثانية تقيدنا: أما إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا، فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجر المدة المتفق عليها. هذا هنا لم يدفع له شيئا لأنه دفع له قيمة الأجرة وعليه لم يدفع له شيء مع أن المتعارف أن هناك خلوا يدفع لأن المحل تنقص قيمته بطول المدة التي يبقى فيها المستأجر. فالمستأجر يدخل المكان جديدا فربما يقع فيه الفساد وبطول المدة تنقص قيمة ذلك المحل. فإذا قلنا له: أرجع ما أعطيت أو ما أخذت فهنا نكون قد ظلمنا صاحب المحل وعليه فلا داعي لهذا الشرط وهو قولنا: أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها. هذا ربما يكون فيه ظلم لصاحب المحل.
الرئيس:
هل ترون أن يصدر القرار وأن يربط في ضوء القوانين والأنظمة من تجميد الأجور وعدم إعطاء الفرصة للمالك في تجديد المستأجر؟
الشيخ طه جابر العلواني:
البلد الذي تقريبا تتضح فيه هذه القضية بشكل كبير قوانينه تنص على أنه لا يجوز إبرام عقد إيجار لمدة تزيد عن تسع سنوات بينما الخلو الذي يأخذ مالك العقار يبلغ قيمة نصف ثمن العقار المؤجر ويقسط النصف الآخر على أساس أنه إيجار وتكون العقود دائما سنوية ولا ينص في العقد على أنه إيجار لأكثر من سنة ولكن بحكم القانون لا يستطيع المالك أن يُخرج هذا الإنسان. ففعلا من الحكمة ربط الموضوع بالقوانين المتبعة في هذه البلاد التي ابتليت بهذا الأمر لكي لا يقع تناقض بين الفتوى الشرعية وبين واقع الناس الذين يتعاملون به ويظهر أن الفقهاء لم يلاحظوا هذه المسائل.
الشيخ علي المغربي:
ولكن البلاد تختلف. فهناك بلاد لا تعتبر هذا تسع سنوات كل بلاد لها قوانينها في الأكرية ولهذا فقوانين الأكرية ليست متحدة في كل البلاد.
الشيخ محمد عبده عمر:
لو نضيف كلمة إلا بإذن المالك الأصلي.. بحيث تكون الصياغة هكذا: أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل العوض لانقضاع حق المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل العوض لانقطاع حق المستأجر الأول في منفعة العين إلا بإذن المالك الأصلي.
الرئيس:
لكن هو استعمل في كثير من البلدان طواعية أو في ظل القانون؟ أنا أسال سؤالا.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أقول هناك بلدان ليست فيها قوانين تأبيد ولكن بشكل طبيعي وطواعية يملك حق الأولوية المستأجر الأول.
الرئيس:
إذن أنا أقول لو يصدر هذا القرار أنه في ظل القوانين الموجودة في عدد من الدول الإسلامية أو في ظل القوانين الموجودة في عدم تجميد الأجور وعدم إعطاء المالك الحرية في طلب الإخلاء.
الشيخ محمد علي التسخيري:
يعني نقول يتنازل عن حق الأولوية.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
سيدي القضية تثار في حالة الإلزام باستمرارية الأجرة.
الرئيس:
الإلزام الحكومي.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
نعم. وهذه عالجتها الفقرة التي قبلها بالضبط، الفقرة السابقة لها. على أنه في الإيجارات طويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر.
الرئيس:
خلاص. هذا كاف. خامسا ما قرأته يا شيخ
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
خامسا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك قبل انقضاء المدة على أن يحل محله مستأجر جديد مقابل مبلغ يدفعه المستأجر الجديد للمستأجر الأول وحده أو له وللمالك فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، لأن هذا التنازل تعويض للمستأجر الأول والمالك عن حقهما الثابت بموجب العقد والملك.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يا معالي الرئيس، ابن عابدين يذكر في حاشية بدل الخلو ويقول في نهاية الكلام: ويتسامحان. فأرجو إضافة هذه الكلمة التي نص عليها ابن عابدين بأنه في نهاية الأمر تحوط لدين الله عز وجل. ويتسامحان في حاشية ابن عابدين، رد المحتار.
الرئيس:
أين تضاف.. أين مكان إضافتها؟ اقتراحك.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
نضيفها في أي مكان من القرار، نضيفها في آخر القرار تحوطا لدين الله. فيه مانع من إضافتها.
الرئيس: نحن ما عرفنا مكان الإضافة.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
بآخر القرار. بآخر كلمة.
الرئيس:
كيف يتسامحان؟
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يقول له: سامحني.
الرئيس: لا يسامحه ليس لنا شغل في هذا؛ لأن المسامحة ما هي حكم شرعي بات قضائي، هذا حكم أخلاقي.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يا سيدي هذا الموضوع الذي نحن نَبُتُّ فيه هذا هو حكم الله في هذه الحادثة.. هذا ما توصلنا إليه.
الرئيس:
ما نستطيع أن نقول: إنه حكم الله يا شيخ، هذا نقول اجتهاد أو مجاز. يمكن أن يكون مخطئا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يجوز فلذلك يقول: ويتسامحان.
الشيخ محمد تقي العثماني:
لم يظهر لي كيف يجوز للمالك أن يأخذ هذا البدل، يتحتم أن له وللمالك....
الرئيس:
خلينا نشوف يا شيخ: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك قبل انقضاء المدة على أن يحل محله مستأجر جديد مقابل مبلغ يدفعه المستأجر الجديد إلى المستأجر الأول وحده.
الشيخ محمد تقي العثماني:
إلى هنا ماشي. بأي طريق يخرج تعويض هذا المالك؛ لأننا قلنا في أولا.
الشيخ علي المغربي:
الخامسة والثانية تتناقضان. ثانيا معناه من أخذ الأجرة وقلنا تحسب من الكراء، وفي الأخير قلنا يأخذ ثمن المدة الباقية.
الرئيس:
على كل أقر المادة الثانية.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر- هذا لأول مرة يستأجر- على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية.
الرئيس:
هذا لا علاقة له به.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي لا مانع من إضافة قيد صغير أن يقال: إنه وبالنسبة للمالك يتم ذلك في إطار ما ورد في ثانيا.
الرئيس:
لماذا لا يقال: خامسا مع مراعاة ما جاء في الفقرة الثانية
؟
الشيخ محمد علي التسخيري:
يأتي الإشكال هنا، هل المراد للمدة المتبقية أو للمدة التي ما بعد؟
الرئيس:
لا للمتبقية.
الشيخ محمد علي التسخيري:
المدة المتبقية المالك لاحق له والمدة التي ما بعد تدخل في ثانيا.
الرئيس:
إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك قبل انقضاء المدة على أن يحل محله مستأجر جديد مقابل مبلغ يدفعه المستأجر الجديد إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك. فيه سؤال يا شيخ هل: يشترط أن المالك أن يحل محل المستأجر أجير آخر في نفس المدة؟
الشيخ محمد علي التسخيري:
إلا أن يتنازل عن حق المباشرة، إلا أن يكون قد اشترط الإجارة المباشرة وتنازل عن هذا الحق المالك.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
يحق للمستأجر أن يكري من غير إذن المالك لمن لا يزيد عليه ضررا بالمالك، لمن مثله في المعاملة والسلوك والأخلاق. أما هذه الزيادة التي استشكلها بعض الإخوة ومنهم الأخ الشيخ علي المغربي.. هذه الزيادة في العبارة قد لا تفهم على ما قصد منها، هي تكون بمعنى تحسب الأجرة كأن الأجرة التي وقع الاتفاق عليها نوعان أجرة مقطوعة وأجرة مقسطة الجميع أجرة، أما فيما يتعلق بما إذا اتفق المستأجر الأصلي والجديد والمالك قبل انقضاء المدة فإن هذا يعتبر من المستأجر إيجارا للجديد في باقي المدة ومن المالك وعد بالإيجار بعد انقضاء المدة.
الرئيس:
المهم ماذا ترى في خامسا يا شيخ؟ خامسا تعدل أو تبقى أو تحذف.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
لا أرى مانعا من بقائها كما هي.
الشيخ عجيل جاسم النشمي:
أنا أقول: إن كان القصد هو عن المدة الباقية فأقترح أن تحذف خامسا اكتفاء بثانيا. إذا كان القصد عن المدة الباقية في خامسا، أرى أن تشطب خامسا كلها ويكتفي بثانيا.
الرئيس:
يعني تحذف خامسا ويكتفى بثانيا أرى أنها تحذف.
الشيخ علي المغربى:
يا أستاذ خامسا متفق عليها لا نزاع فيها إنما لما جئنا ثانيا قلنا إن هذا المقدار الذي يأخذه ينزع من الكراء وهذا غير ممكن؛ لأن خامسا أبحنا له أن يأخذ شيئا مطلقا وثانيا أن ما يأخذه يقتصَّ من الكراء فهنا تناقض وليس هنا توافق هذه كلمة يقتص من الكراء هذه نحذفها. هذا التزام أنه يحسب له من الكراء نحذفها فإذا أجزناها تكون الثانية والخامسة متساويين إذن أزلنا كلمة يقتص من الكراء في ثانيا. (على أن يعد جزءا من أجزاء المدة المتفق عليها) إذا أزلنا هذه يكون هناك توافق بين ثانيا وخامسا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أرى أن تبقى هذه الفقرة خامسا وتقيد برابعا وثانيا لأنها جمعت بين هاتين الفقرتين فرابعا تتحدث عن اتفاق بين المستأجر الأول والمستأجر الجديد وثانيا تتحدث عن الاتفاق بين المالك والمستأجر وهذه المادة خامسا جمعت بينهما. فهذا جائز بشرط بالقيود التي وردت في ثانيا وفي رابعا أي أن المالك يأخذ على أن يكون جزءا من الأجرة والمستأجر الأول يأخذ مع تقييده بما قيدناه به في رابعا وفي رأي أن هذا يزيل الإشكال.
الشيخ محمد علي التسخيري:
سيدي الرئيس هناك توضيح يحل المشكلة.. هذه الصورة الخامسة إنما تصدق في حالة واحدة وهي ما لو اشترط المؤجر على المستأجر المباشرة في الإجارة يعني منعه من تأجيره من الأول، في هذه الحالة يستطيع المستأجر أن يأخذ في قبال المدة الباقية ويستطيع المؤجر والمالك أن يأخذ في قبال تنازله عن الشرط وإلا فتحذف المادة الخامسة لأنها مغطاة بالرابعة والثانية.
الشيخ عبد السلام العبادي:
نقول في خامسا: أما تتعلق بالمالك والمستأجر والحالتان عرضنا لهما في ثانيا ورابعا فلا ضرورة لها.
الرئيس:
إذن ألا ترون تحذف خامسا؟ تحذف يا شيخ عبد الستار.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
توضيح قبل الحذف خامسا جاءت لتنظيم حالة غير الحالات السابقة وهي أنه يأتي مستأجر جديد قبل انقضاء مدة الإجارة بشهر فيوقع مع المالك عقدا لإجارة هذا الشهر مضافا إليه خمس سنوات أو عشر سنوات، فهنا ينشأ حقان، حق للمستأجر الأول يعوض، وحق للمالك كالحالة الثانية، هي مطبقة كما قيل هنا في المملكة ليعطي للمستأجر وللمالك.
الرئيس:
على كل طالما أنها تحدث لبسا.. أنا أرى أنها طالما تحدث لبسا واضطرابا أو توهما ونحن نريد أن نخرج نصوصا لا تقبل الاضطراب فالاكتفاء بما حصل في ثانيا وثالثا وتحذف خامسا من المشروع.
الشيخ طه جابر العلواني:
سيادة الرئيس.. إذا سمحتم لا بد من رفع هذا القرار بالواقع المعاش ولا بد من الإشارة إلى أن هذه التصرفات إنما أحدثتها قوانين لم تلاحظ التغيرات الحادثة في هذا المجال.
الرئيس:
في الواقع إذا رأيتم أن الشيخ عبد الستار في الديباجة يجعل عبارة مهذبة توحي بهذا الشيء.
الشيخ طه جابر العلواني:
ممكن أن نقول ما يلي: إذا أحببتم بناء على ما حدث.
الرئيس:
أعطني مكانها فين مكانها.
الشيخ طه جابر العلواني:
في الديباجة فقط.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أعطني الورقة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
نظرا لحساسية هذا الموضوع ودقته أرجو أن يعرض علينا.
الرئيس:
تحدد العبارة. الآن تحدد.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الإضافة المقترحة من الدكتور طه - نقول - بعد الاطلاع على الأبحاث وبناء على ما حدث نتيجة تطبيق بعض القوانين من تصرفات حادثة في قضايا الإجارة وقيام أنواع حادثة من العلاقات بين المالكين والمستأجرين، فإن مجلس المجمع محاولة منه لمعالجة هذه الأحوال والتصرفات الحادثة وتخفيفا لأسباب التنازع بين المسلمين قرر ما يلي:
الرئيس:
والله لا بد من عبارة لا تتجاوز نصف سطر أو شيئا من هذا القبيل ولكن تعطي إيحاء لأجل قضايا التحكير، هذا القصد؛ لأنه لو جعلنا هذا التثبيت في أول القرار يخرج قضايا التحكير حتى لا يكون أدخلنا أحكاما على أحكام أخرى.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
مبدأ الخلو موجود في بلاد بدون هذه القوانين لا داعي لها.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (6) دع /08/ 88
بشأن بدل الخلو
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18- 22 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6- 12 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه.
قرر ما يلي:
أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:
1-
أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2-
أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3-
أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
4-
أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة، أو بعد انتهائها.
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا) ، فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
ثالثا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقيمة المدة، فإن بدل خلو هذا جائز شرعا، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.