الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سندات المقارضة
وسندات التنمية والاستثمار
إعداد
فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
مفتي الجمهورية التونسية
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
سندات المقارضة
علمت بهذه الطريقة في النشاط الاقتصادي لأول مرة في المؤتمر السنوي الثالث لمجمع الفقه الإسلامي بعمان. إذ عرض عطوفة الدكتور عبد السلام العبادي بحثا انفرد به في الموضوع، ثم إني لم أعثر على شيء آخر يفيدني في تصور المقصود بسندات المقارضة ولذا فإني مرتبط بالتصور الذي حصل لي بعد متابعة دراسة الدكتور عبد السلام.
الفصل الأول
المقصود بسندات المقارضة
عرف سندات المقارضة قانون البنك الإسلامي الأدرني رقم 13 لسنة 1978 بأنها الوثائق الموحدة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها مقابل الأموال التي قدموها لصاحب المشروع بعينه بقصد تنفيذ المشروع واستغلاله وتحقيق الربح.. يحصل مالكو السندات على نسبة محددة من أرباح المشروع. ولا تنتج سندات المقارضة أي فوائد كما لا تعطي مالكيها الحق في المطالبة بفائدة سنوية محدودة وأما النسبة الأخرى من الأرباح فتخصص لإطفاء السندات كل سنة.
القسم الأول: سندات يستثمر البنك قيمتها المدفوعة في مشروع استثماري معين لمدة محدودة يستحق صاحب السند كل سنة قسطا من الأرباح على نسبة قيمة السند ثم يقبض في نهاية المدة قيمة سنده.
القسم الثاني: وهو الذي يهم وزارة الأوقاف تصويره عمليا: أن تكون وزارة الأوقاف مالكة لأرض أو لعقار تبرز الدراسة الاقتصادية له أنه لو أنفق فيه ما يقيم منه عمارة أو سوقا تجارية أو غير ذلك سيدر أرباحا وأنه مشروع ناجح حسب التقديرات. ولما كانت الوزارة لا تملك الأموال لتنفيذ المشروع. فهي تطرح في السوق سندات بقيم محددة يستحق كل صاحب سهم جزءا من دخل المشروع الذي هو الكراء دوما على حسب ما يقرر في نشرة الإصدار. يوضحه أن الربح السنوي يقسم بين وزارة الأوقاف وبين أصحاب السندات. وأن حظ وزارة الأوقاف من الربح تخصصه لشراء الأسهم ففي كل سنة تتوسع وزارة الأوقاف في نسبة الملكية للمشروع ويتقلص شيئا فشيئا عدد المساهمين إلى أن تستولي الوزارة على كامل المشروع.
ويؤكد أن الصناديق لمشاريع الوزارة هي صناديق مستقلة فكل مشروع يقوم حسابه على حدة.
الفصل الثاني
الأسباب الحاملة على اختيار هذه الطريقة
إيجاد تمويل للمشاريع التي تحرك الاقتصاد في دولة إسلامية.
إن هذا التمويل فيه تحويل المسلمين عن الاستهلاك والإسراف إلى الإسهام في بعث حركة اقتصادية.
فتح منهاج جديد في إيجاد السيولة المالية لبعث مشاريع على الأصول الإسلامية كما جاء في المذكرة الإيضاحية، والمقصود بهذه السندات هو إيجاد البديل الإسلامي لسندات القرض التي يمكن للشركات والبنوك إصدارها على أساس الفائدة.
أن يكون الإقبال على التمويل شاملا للجماعة التي بين يديها سيولة مالية وانعزلت عن الاشتراك في موكب تحريك عملية الاقتصاد فانكمشت لارتباط سندات القروض بالربا المحرم.
الفقرة 9 ص7 وقد بينت الأسباب الموحية لقانون سندات المقارضة أن الذي دفع إلى الأخذ بهذا النوع من السندات ملاحظة أن إصدار السندات المالية وسيلة ناجحة بين وسائل اجتذاب المدخرات وتجميع الأموال اللازمة لتمويل المشروعات في مختلف الوجوه النافعة خدمة للاقتصاد الوطني وأن السوق المالية الأردنية أخذت تشهد نشاطا متزايدا في مجال إصدار السندات المالية وتداولها سواء في ذلك السندات المالية الحكومية الصادرة بموجب أحكام قانون الدين العام أو السندات المالية التي تصدرها المؤسسات ذات الاستقلال المالي والإداري. ولكن ارتباط هذه الأشكال من السندات بنظام الفائدة المحددة أدى إلى عدم تداول هذه السندات أو التعامل بها بين فئات المواطنين التي لا تقبل على استثمار أموالها على أساس الفوائد المحددة باعتبارها من الربا المحرم.
فقد تبين أن الحاجة إلى توسيع قاعدة المتعاملين في مجال السندات يتطلب استحداث هذا النوع الجديد من السندات المنظمة على أساس المشاركة في الإيراد المتوقع للمشروع الممول من حصيلة الإصدار المعين. وذلك على أساس إجراء التصفية التدريجية لهذه السندات وانتقال المشروع بكامله عند تصفية السندات الخاصة به ليصبح مع إيراده ملكا للجهة الحكومية ذات العلاقة فالغاية أن تصب في المحفظة الممولة للمشاريع كل الروافد مؤمنة كانت أو غير مؤمنة ورغبة في تطبيق شرع الله. أو متحللة من ذلك.
الفصل الثالث
التكييف الشرعي
أولا – عرضت هذه الطريقة كأسلوب أنف وصورة من صور التعامل الجديد القائمة على مبادئ الاقتصاد الإسلامي ص5 فقرة 7 وأكد هذا المعنى صفحة 8 فقرة 12. واضح أن صيغة سندات المقارضة تطرح على أنها صورة من صور التعامل الجديد وفق قواعد الاقتصاد الإسلامي. والفقه الإسلامي قاعدة عامة ووفق أرجح المذاهب يرحب بكل صور التعامل الجديدة ما دام أنها لا تتضمن تحليلا لحرام أو تحريما لحلال وفق القاعدة الفقهية المقررة أن الأصل في الأشياء الإباحة أو الأصل التخلية عن الحكم.
وإذا لم يتعلق بالأمر دليل يحرم فيعود الأمر إلى الإباحة ثم استحوذ على القائمين على البديل لسندات القرض الربوي فكرة أساسية هي أن هذه الصورة هي صورة من النشاط الاقتصادي الحلال. ثم عملوا على وجود سند للتحليل وذلك بالاعتماد على أن الأصل في الأشياء الإباحة وهذا جديد لم يرد فيه نهي عن الشارع فهو مباح ثم أخذ الداعون إلى اعتماد هذه الصورة يبحثون عن طبيعتها فيقول صاحب البحث المقدم: إنهم ترددوا بين كونها مضاربة أو شركة.
الفريق الأول:
وارتضى الفريق الأول أن العقد عقد قراض بناء على أن أركان العقد قد توفرت وهي المقارِض وهو صاحب السهم، والمقارَض الوزارة ورأس المال ما دفع من مال ناضٍّ في السند ونسبة الربح محددة معلومة لطرفي العقد.
وإن الفرق بين الشركة والقراض أنه في عقد الشركة لا بد أن يكون قيمة السهم هي القيمة الحقيقية بينما في القراض تعتمد القيمة الاسمية عند الإطفاء إذ هو رأس المال المدفوع.
وحلوا تداول الأسهم بأن الاختلاف عن القيمة الاسمية في التداول تحكمه عوامل السوق التي من أهمها مقدار الأرباح المتوقعة من امتلاك السندات ومدى الثقة بالحصول عليها مستقبلا بالمقارنة مع صور الاستثمار الأخرى.
وأن القيمة السوقية للسند تتألف من القيمة الحالية لرأس المال مضافا إليها القيمة الحالية للأرباح وفي هذا تدخل جميع العوامل المؤثرة على ربحية المشروع.
وجعلوا مبدأ تداول السندات بَدْوُ صلاح المشروع قياسا على بدو صلاح الثمرة وكمكان معروض يعتبر الوجود القانوني للمشروع بدو صلاحية دون البداية الفعلية.
الفريق الثاني:
حسب البحث المقدم هي وجهة نظر ثانية يقول الدكتور عبد السلام – وأما الباحثون الذين أدخلوا في مفهوم علاقة المضاربة مفهوم الشركة باعتبار أن هناك مشاركة في المشروع بين المكتتبين والجهة المصدرة فإنا نستطيع أن نجد ذلك في الورقة التي أعدها مجموعة من الخبراء عن الأوراق الإسلامية بتكيلف من البنك الإسلامي للتنمية بجدة في اجتماعه المنعقد 5/ 6 ربيع الثاني 1406هـ - 17/ 18 ديسمبر 1985 وقد انتهت اللجنة إلى إقرار جواز جمع الأموال بطريقة إصدار ورقات مالية تتخذ الصورة النقدية في البداية ثم تتحول بعد ذلك إلى أعيان ومنافع داخل أي شكل من أشكال التنظيمات. وأنه يمكن أن تنتقل ملكية الورقة من شخص إلى آخر بالطرق الشرعية.
ثم بينت المحاذير التي ينبغي تجنبها:
1) أن تكون الورقة ممثلة لنقود فقط أو ديون فقط أو ديون ونقود.
2) أن يترتب على التداول مخالفة للنصوص الواضحة.
الفصل الرابع
ضمان رأس المال
اتفق الفقهاء الذين تولوا النظر في إمكانية صاحب المشروع لرد رأس المال كاملا في حالة حدوث خسارة اتفقوا على أنه لا يجوز شرعا أن تضمن الجهة المصدرة لسندات القراض الخسارة (أنه لا بد من أن يتحمل المكتب ما يتعرض له من خسارة وفق قواعد عقد المضاربة في الشريعة الإسلامية) .
وهذا دفع القائمين على الفكرة إلى البحث عن صيغة أخرى توفر الطمأنينة للمكتتب في الأسهم فوجدوا الحل في كفالة الحكومة أصل قيمة السند وقالوا إن هذه الكفالة تعرفها قواعد الفقه الإسلامية.
وقد عللوا ذلك بأن وزارة الأوقاف لها شخصية معنوية ومن صلاحيات الدولة تشجيع أي قائم على ما يعود بالخير على الجماعة ولذا فإن اللجنة ترى حذف نص تحمل المكتتبين للخسارة وأن الحكومة تتكفل بالخسارة على أساس الوعد الملزم وأن ما تدفعه الدولة من تعويضات للخسائر هو قرض للجهة المصدرة بدون فائض تسترده فور ملكية الجهة المصدرة لجميع أقساط المشروع (انظر الصفحة 16) .
سندات المقارضة في ميزان الشريعة
أولا: طبيعة هذه المعاملة:
إن طبيعة هذه المعاملة هي أنها عقد مضاربة وإن تردد الباحث في اعتبارها عقد مضاربة أو عقد شركة لا مبرر له ذلك أن الفريق الأول كما يقول الباحث يرى أن الأساس الذي يمكن اعتماده لتصوير العلاقة الحقوقية التي تقوم في هذا النوع من التعامل هو عقد المضاربة على أساس أن الجهة المصدرة تمثل العامل والمكتتبين يمثلون صاحب رأس المال.
وكذلك الفريق الثاني هو مصرح بأن العلاقة هي المقارضة كما جاء في نص القاعدة الأولى: أنه يمكن أن تجتمع أموال مملوكة لعدد كبير من الناس في يد شخص واحد طبيعيا كان أم اعتباريا يستثمرها كمضارب وتأخذ هذه الحصة شكل ورقة مالية، ص11.
وإذا تقرر أن هذا العقد هو عقد قراض فإنه ينبغي أن تحرر أحكامه على أساس عقد المقارضة كما جاء في التشريع الإسلامي. وما أضيف إلى هذا العقد من أمور جانبية لا تغير طبيعة العقد ينظر فيها بميزان الفقه الإسلامي أيضا.
أركان هذا العقد:
المقارِض: والمقارض هنا هو المكتتب في السند. الدافع للمقدار المالي الذي هو قيمة السند والذي بموجبه يكون له الحق في الربح أو في الخسارة التي قد تصيب النشاط الاقتصادي في المشروع. فهل كان المقارض ركنا مستوفيا لجميع الشروط التي بها يصح العقد؟ لا شك أن المقارض هو شخص رشيد يملك التوكيل يقول الرافعي (وفقه الفصل أن القراض توكيل وتوكل في شيء خاص وهو التجارة فيعتبر في العامل. والمالك ما يعتبر في الوكيل والموكل فكما يجوز لولي الطفل التوكيل في أجور الطفل كذلك يجوز لولي الطفل والمجنون أن يقارض على مالهما)(1) فمشتري السند لا بد أن يكون ممن يصح فيه التوكيل والتوكل.
2-
المقارَض: وهو العامل هنا. والعامل ليس شخصا ماديا وإنما هو شخص اعتباري. ومعنى كونه شخصا اعتباريا أي أنه غير موجود في الخارج إلا أن الشارع يقدر وجوده ويرتب على وجوده أحكاما فهو بهذا من خطاب الوضع: التقادير الشرعية.
- الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين أساسيين:
أحكام تعود إلى خطاب الوضع: على معنى أن الشارع وضع الحكم دون اعتبار لإرادة المكلف أو غفلته ودون اعتبار لعلمه أو جهله فيكون مناطا للحكم بوضع الشارع. وهذه هي الأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية.
أحكام تعود إلى خطاب التكليف أي لا بد من مراعاة إرادة المكلف واختياره وكونه عاقلا بالغا وهي الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والإباحة والكراهة والندب.
فزوال الشمس سبب لدخول وقت الظهر يتحقق للزوال هذا الحكم – دون اعتبار لإرادة المكلف أو علمه ويبقى السبب قائما وصلاة الظهر واجبة على البالغ العاقل بعد وجوب السبب الذي لا دخل له فيه. ووجود الحيض مانع يمنع كون المرأة مكلفة بأداء الصلاة معطل لتعلق السبب بالحائض أرادت المرأة أو لم ترد.
(1) فتح العزيز ج12 ص25/ 26
والارتباط بين خطاب الوضع وخطاب التكليف ارتباط محكم إذ خطاب الوضع عبارة عن المعطيات الخارجية التي لا أثر للإرادة فيها وخطاب التكليف هو مناط الثواب والعقاب أو العفو مع الفرق بين النظر الكلي والنظر الجزئي فلا يستقل خطاب التكليف عن خطاب الوضع. ولا يستقل خطاب الوضع عن خطاب التكليف وقد يكون الأمر الواحد خطاب تكليف بالنظر إلى جهة وخطاب وضع بالنظر إلى جهة أخرى. فالقتل العمد العدوان حرام وهذا خطاب تكليف. وكون هذا القتل سببا للقصاص خطاب وضع وهذا السبب يتعلق بالحاكم فيكون تنفيذ حد الله واجبا في حقه.
والصبي قد يتعدى على مال غيره فيفسده. فالتعدي سبب لغرم الضرر الحاصل. والقائم على أمر الصبي مطالب بأن يجبر الضرر من مال الصبي. فإن لم يكن للصبي مال بقي السبب موجودا وتعطل السبب عن إبراز الحكم لانعدام المال في الحال فمتى وجد المال زال المانع وترتب الحكم التكليفي الذي هو وجوب غرم الضرر.
ففي حال الصبي غير الرشيد الذي يملك أموالا يديرها ناظروه وجد خطاب الوضع في فعل الصبي وتعلق الحكم التكليفي بالولي لينفذ ما ترتب على السبب من الغرم. وكل سبب لا يؤثر إلا عند اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، والبيع حكمه حلال في الأصل وقد تعرض له الأحكام الخمسة وإذا تحقق البيع فإنه تترتب عليه إثارة من انتقال الملك واستحقاق الثمن إلى آخر أحكام البيوع إلا أن البيع إذا تم بين شخصين ولم يكن على الطريقة الشرعية اعتبره الشارع معدوما ولا أثر للوجود الخارجي. فتقدير الواقع مرتفعا هو حكم من خطاب الوضع – فالصبي إذا ما باع ماله فالبيع قد وقع في الخارج إلا أن هذا البيع لا تترتب عليه آثاره أصلا وإلا بعد إجازة الولي. فجعل هذا الحدث كأن لم يكن موجودا تقدير شرعي.
والذمة هي من التقديرات الشرعية – ذلك أنه لا يوجد شيء في الخارج مشخص هو الذمة- ولا هي وصف حقيقي فهي إذن من خطاب الوضع.
عرفها ابن عبد السلام شيخ ابن عرفة بقوله: أمر تقديري يفرضه الذهن وليس ذاتا ولا صفة لها فيقدر المبيع وما في معناه من الأثمان ضمانه في وعاء عند من هو مطلوب به فالذمة هي ذلك الأمر التقديري الذي يحوي ذلك المبيع أو عوضه (1) إن أكمل تعريف في نظري هو تعريف ابن عبد السلام هذا إلا قوله أمر تقديري يفرضه الذهن.
إذ البحث ليس في الأمور التقديرية التي يفرضها الذهن وإنما البحث فقها عما يفرضه الشارع ويقدره. فالشارع الحكيم هو الذي فرض وجود هذه المحفظة أو الوعاء لينسجم بذلك الالتزام والإلزام. وهذه المحفظة يسأل عنها تكليفيا من وضعها الشارع فيه تكليفيا فالوقف على المصالح العامة مثلا فيه وعاء يقبل الإلزام والالتزام أي أن الوقف يضاف إليه من الأملاك بالشراء ما فيه المصلحة كالأخذ بالشفعة ويؤاجر من يقوم بمصالحه ويكري ويقبض الكراء لكن هذه المحفظة مودعة عن القائم على الوقف مسؤول عنها تتعلق به الأحكام التكليفية من كون العقد الذي يعقده حلالا أو حراما فإذا تقدم القائم على الوقف واستأجر أجيرا للوقف ليرممه فالذمة بمعنى الوعاء الملتزم والملزم هو الوقف. والمسؤول تكليفيا هو ناظر الوقف. وهذه المحفظة تنتقل من ناظر الوقف إن أعزل أثناء التنفيذ لتتحول إلى المقدم الجديد. إلا أن الفعل تكليفيا معلق بالمقدم الأول أو الثاني حسب المرحلة التي يتم فيها التنفيذ فإذا خدع المقدم العامل فقد فعل حراما وإذا امتنع من دفع أجرة أو عقد إجارة فاسدة فإن أحكام أفعاله تتعلق به ثوابا وعقابا بين يدي الله. أما الالتزام فهو معلق بالمحفظة فيطالب الوقف بما التزمه مقدمه ويطالب الوقف الآخرين بما له عليهم من حقوق. ويحكم الحاكم بالملكية أو الغرامة للوقف وعليه وكذلك مقدم الأيتام. وكذلك الشركات – فذمة الشركة أمر تقديري وفي سندات القراض فبرز جوانب ثلاثة:
1) المقارض بالفتح صاحب رأس المال المكتتب بالأسهم.
2) المقارض بالكسر. هو والباعث للمشروع القائم عليه تفكيرا ومراقبة ومتابعة.
3) جهاز التنفيذ من الموظفين. وهؤلاء ينسق بينهم ويتولى أمر إدارتهم ويسأل عنهم موظف كبير هو الرئيس المدير العام وهو الحامل لمحفظة ذمة القراض وهو في عمله وكيل المقارض. الوزارة أو البنك الإسلامي أو المؤسسة الباعثة للنشاط.. ويتصرف الوكيل في حدود المصلحة ويحاسبه الموكل. وبهذا صح أن يتقاضى أجرا معينا على عمله. ولولا أنه موظف موكل لما حل له أخذ الأجر إذ أجر المقارض هو حصته المتفق عليها من صافي الربح إن كان. ويستحق الموظفون أجورهم أيضا باعتبار أنهم أعوان لا بد منهم لتحريك أموال المكتتبين.
(1) (حاشية المهدي الوزاني ج2 كراس 4
وكما قلنا في سندات المقارضة. فكذلك الحكم في أسهم الشركة إذا كان الباعث لشركة غير مسهم في الشركة وحتى إذا أسهمت المؤسسة في الشركة فإن الحكم لا يختلف لأنها إنما تسهم بذمتها الاعتبارية وليس لأي واحد من الشركاء المكتتبين أن يتصرف في أموال الشركة. والنشاط الذي يعزل فيه صاحب رأس المال ولا بد من جولان يده في استثمار أموال الشركة هو خاصية القراض وهذا ما رجح عندي أنه لا يصح اعتبار الشركات المكتتب بأسهم في رأس مالها شركة عنان كما ذهب إليه الدكتور وهبة الزحيلي (1) .
(3)
رأس المال:
- رأس المال يتكون من:
أولا: من السندات التي يدفع قيمتها المكتتبون نقدا، إلا أنه جاء في البحث ص 13 (ويمكن أن يكون الدفع للأوراق المالية على دفعة واحدة أو أن يكون على دفعات متعددة وفي حالة عدم سداد الدفعة خلال فترة معينة فإن الحصة تباع لحساب المكتتب) أنه إذا تم تسليم ثمن الورقة دفعة واحدة فالأمر واضح وصحيح لا إشكال فيه من هذه الناحية، أما إذا تم الدفع مقسطا فمعنى ذلك أن المسهم قد أسهم بقسط حال مسلم وقسط في الذمة يدفعه عند حلول الأجل. قال في البحر: الثالث أن يكون رأس المال مسلما إلى المضارب (2) ويقول خليل: (مسلم) أي للعامل واحترز به مما إذا شرط بقاء يده معه أو أمينا عليه مما لو قارضه بدين في ذمته وقد زاد ابن الحاجب لإخراج ذلك قيدا آخر فقال: المال شرطه نقد معين معلوم مسلم (3) وإن اعتبرنا أن الأقساط التابعة هي قراض جديد فإن كان قبل شغل القسط الأول جاز وإن كان بعد العمل في القسط الأول فإنه لا يجوز إذا خلط المال الجديد بالمال القديم (4) وسندات المقارضة يبدأ النشاط فيها بمجرد قبضها. فلا يجوز أن يضاف إلى المال المسلم مالا جديدا على أساس خلطه بما سبق تسليمه.
(1) الشركات في الفقه الإسلامي للشيخ علي الخفيف ص 76 – والفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي ج4 ص881
(2)
ج7 ص 287
(3)
مواهب الجليل ج5 ص 358
(4)
الدسوقي ج3 ص526
ويمثل ذلك قول الشافعي: الشرط الرابع أن يكون رأس المال مسلما إلى العامل ويستقل باليد عليه (1) .
وكذلك عند الحنابلة: وإن كان أذنه رب المال في الخلط بعد تصرف العامل في الأول ولم ينض رأس المال حرم الخلط لأن حكم العقد الأول استقر فربحه وخسرانه يختص به (2) ويقول ابن قدامة: (وإذا دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا آخر مضاربة وأذن له في ضم أحدهما للآخر قبل التصرف في الأول جاز وصار مضاربة واحدة كما لو دفعهما إليه مرة واحدة وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع لم يجز. لأن حكم الأول استقر فكان ربحه وخسرانه مختصا به فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بالربح الآخر فإذا شرط ذلك في الثاني فسد)(3) .
فالمذاهب الأربعة متفقة على أنه لا يحل إضافة قدر جديد من المال من المقارض إلى المقارض ليخلط الجميع ويعمل فيهما عملا واحدا إذا كان العامل قد شرع في العمل برأس المال الأول.
وهذا ما يوجب إعادة النظر في الفقرة – أ – من المادة (15) كما ورد ذلك في بحث عطوفة الدكتور عبد السلام ص22 – بحيث يجوز تقسيط قيمة سندات المقارضة الاسمية لأمرين هامين – أ – تشجيع المكتتبين على شراء السندات – ب – عدم تجميع مبالغ طائلة مرة واحدة لدى الجهة المصدرة لعدة سنوات لحين البدء في تنفيذ المشروع أو لحين إكماله وتحقق الربح.
فلا بد إذن من إلزام كل مكتتب بدفع قيمة السهم قبل الشروع في العمل ووجوب رد رأس ماله له إذا لم يكمل باقي القسط المتخلد بذمته لبيعه على حسابه.
ثانيا: من عقارات هي تحت رعاية وزارة الأوقاف. عليها تقام المشاريع التي من ربحها يتكون الأرباح التي ستوزع على المكتتبين. وعلى وزارة الأوقاف.
(1) فتح العزيز ج12 ص9
(2)
منتهى الإرادات ج2 ص336
(3)
المغني ج5 ص61
ذكر فقهاء المالكية أن الدخول في عقد القراض على أن العامل يشارك في رأس المال هو مفسد للقراض ويستحق العامل أجرا مثله (1) وأما إذا كان الخلط قد جرى على الطوع بعد العقد فجائز بشرط أن يكون المال عينا أو مثليا (2) وإذا كان الصحيح في المذاهب الأخرى أن القراض لا يكون بالعروض فإن إدخال العقارات من طرف العامل موجب لفساد القراض.
على أن هذه العقارات التي سيقام عليها البناء لم يرد في البحث بيان حصتها ولا طريقة تقويمها. ولما كانت أوقافا فإدخالها في عقد القرض مخالف لطبيعتها. إذ الأصل في القراض أنه لا بد أن ينتهي إلى التنضيض. وهي مما لا يباع. فهذا إشكال لم يعوض الباحث حلا له. نعم قد يكون في طبيعة سندات المقارضة من أنها تنتهي برجوع الأراضي وما فوقها إلى الجهة القائمة عليها أعني وزارة الأوقاف قد يكون في ذلك ما يمكن الإجابة فيه عن الاستشكال الأخير أما الباقي فلا بد من حل له. وقد يكون الحل الأفضل في نظري أن يقوم كراء العقارات قبل أن تحدث عليها المباني: وتستحق وزارة الأوقاف كل سنة قيمة كراء أراضيها. وتخصص ذلك لإطفاء السندات التي تستوجبها.
ضمان رأس المال: ورد في البحث المقدم ص15 و16. أنه جرى بحث حول ضمان أصل السند للمكتتبين. أي عدم تعرضهم للخسارة. بحيث يستحق كل مكتتب القيمة التي دفعها في سنده عند حلول موعد الإطفاء وإن كان النشاط الاقتصادي أنتج خسارة وذهب بالجزء من رأس المال وقد وجدوا الحل في كفالة الحكومة وأصدرت لجنة الفتوى فتواها بجواز كفالة الحكومة وضمانها لرأس المال: وفصلت المادة 12 من قانون سندات المقارضة ذلك. (تكفل الحكومة تسديد قيمة المقارضة الواجب إطفاؤها بالكامل في المواعيد المقررة. وتصبح المبالغ المدفوعة لهذا السبب قرضا ممنوحا للمشروع بدون فائدة مستحق الوفاء فور الإطفاء الكامل للسندات) .
فالفتوى مع النص القانوني يفيدان ضمان رأس المال كاملا عند الإطفاء، فإذا كانت قيمة السهم لم تنخفض فلا إشكال وأما إذا انخفضت فالوزارة التي هي المقارض ملزمة بإرجاع كامل رأس المال لصاحبه إلا أنها لما كانت حالتها المالية لا تسمح لها بجبر الخسارة فقد تعهدت الدولة أن تقرضها المبالغ اللازمة لذلك لتسددها الوزارة إلى الدولة من ربح المشاريع عقب إطفاء السندات.
(1) الزرقاني: ج6 ص217
(2)
الزرقاني: ج6 ص220
يجمع الفقهاء على أن الخسارة يتحملها صاحب رأس المال ويضيع على العامل أجر عمله واشتراط تضمين العامل رأس المال يتبين حكمه فيما يلي: قال الزرقاني (إن شرط على العامل ضمان رأس المال إن هلك وإنه غير مصدق في تلفه فقراض فاسد لأن ذلك ليس من سنته وفيه قراض المثل إذا عمل والشرط باطل ولا ضمان عليه. وأما لو اشترط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه فيما يتلف بتعديه فلا يفسد بذلك)(1) فقد ذكر الزرقاني أولا أنه إذا شرط صاحب رأس المال ضمان العامل فيما يتلف بغير سبب العامل فالشرط باطل. وللعامل قراض مثله – ثانيا أنه إذا طلبه بضامن يضمنه إذا تسبب في التلف فلرب رأس المال أن يتوثق بضامن.
ثم أضاف البناني صورة أخرى وهي ما إذا تطوع العامل بضمان التالف: وقد نقل فيها اختلاف الفقهاء فذهب ابن عتاب وشيخه أبو مطرف إلى أن القراض صحيح والضمان لازم وذهب غيرهما إلى المنع من هذا فهو كصورة الاشتراط (2) .
وقد بين الرهوني أصل هذا القول فقال: أصل هذا لابن زرب؛ ذلك أن ابن زرب قيد كلام الأئمة في عدم ضمان المكري لما اكتراه إذا كان ذلك في العقد فأما إذا تبرع المكري بالضمان وطاع به بعد تمام الكراء جاز ذلك. فألزمه مناظره أنه يجب على تقييده هذا أن يضمن المقارض أيضا إذا طاع بالتزام الضمان. فقال ابن زرب إذا التزم الضمان طائعا بعد أن شرع في العمل فما يبعد أن يلزمه ما التزم به.
وقد بحث المنجور كلام ابن زرب هذا فقال إنما التزم ابن زرب جواز الطوع بالضمان بعد الشروع لأن القراض لا يلزم بالقول على المشهور. والطوع بعد العقد وقبل الشروع في العمل كالشرط وختم الرهوني هذه الأنقال بأن التزم ابن زرب التسوية بين الكراء والقراض غير لازم ولا تناقض إذا قال بجواز الطوع بضمان الكري بعد العقد وعدم جواز الطوع في ضمان القراض بعد العقد وذلك لأن التزام الضمان في الكراء بعد العقد لا محذور فيه. أما القراض فطوعه بالضمان متهم فيه بأنه إنما طاع بالضمان لأجل أن يبقى المال بيده بعد نضوضه وهذه هي علة حرمة هديته بعد الشروع فتأمل (3)، فتلخص من كل ما سبق: أن اشتراط الضمان على العامل في العقد غير جائز وإن طوع العامل بالضمان بعد الشروع في العمل الصحيح أنه غير جائز أيضا لاتهامه على أنه إنما طاع بالضمان قصد إبقاء المال بيده بعد نضوضه.
(1) ج6 ص216
(2)
ج6 ص216
(3)
الرهوني ج6 ص23/ 324
وفي سندات المقارضة انعقد العقد على ضمان الحكومة. وضمان الحكومة ليس إلا قرضا لعامل الوزارة يتقاضاه منها بعد إطفاء جميع السندات. ولذا فإن هذا الحل الذي أقرته اللجنة على أساس الوعد الملزم لا يعطي حلا شرعيا مقبولا. وهو خروج عن أصل المشكلة إلى ناحية جانبية أخرى إذ إن الإشكال لا يتعلق بوفاء الدولة بالتزامها وإنما هو دخول صاحب رأس المال في عقد المضاربة على أن رأس ماله مضمون من العامل أو من ضامن آخر يأتي به والضمان هو ضم ذمة إلى ذمة أخرى وإذا امتنع أن يتكفل الأصيل بشيء فإن البديل أي الضامن لا يجوز له ذلك من باب أولى.
قسمة الأرباح:
حسب المشروع المقدم تقسم الأرباح كل سنة فتستقل وزارة الأوقاف بنسبة تخصصها لشراء سندات حل إطفاؤها، ويستقل المكتتبون بنسبة أخرى، وقد تخصص نسبة أيضا لضمان تعاوني ويكون كل صاحب سند مستحقا لنصيبه من ربح العقارات إلى تاريخ إطفاء سنده.
1-
أنه إذا اعتبرنا أن هذا العقد عقد مقارضة فإنه لا يجوز قسمة الأرباح كل سنة، ففي نوازل البرزلي: قال شيخنا أبو القاسم الغبريني: ولا يصح أن يأخذ العامل من الربح قبل قبض رأس المال ماله ولو أذن له في ذلك ويرد ما قبض. ولا يفسد به القراض.
قلت: كذا وقع في الموطأ وغيره. وذكر ابن رشد عن ابن حبيب جواز ذلك قبل المفاصلة. وإذا كان عندها ووقعت وضيعة رد ما أخذ حتى يتم رأس المال. قال ويلغي النفقة للعامل لو لم يكن في المال ربح جهل ذلك رب المال أو علمه (1) .
فما أجازه ابن حبيب اعتبره موقوفا إلى تاريخ المفاصلة فإن تبين أن النشاط قد كانت نتيجته خسارة رد ما أخذ وإن تبين أنه أنتج ربحا حوسب على ما تسلمه من الربح يوم المفاصلة.
(1) فتح العلي المالك ج2 ص218
3) إن قيمة السند ثابتة وهو ما اشترى به المكتتب سهمه يوم العرض (القيمة الاسمية) أما قيمة المنجزات التي حققها المقارض بجهازه الإداري وبرأس المال فهي غير المال المدفوع عند الاكتتاب. فقد تكون أرفع من قيمتها يوم التنفيذ وقد تكون أخفض فبناء رأس المال على قيمة واحدة في المنجزات مخاطرة إذ يثبت الواقع تأرجحها، ولذا فإنه لا بد من تقويم المنجزات عند الإطفاء وبحسب الربح أو الخسارة تبعا لذلك، وحظ رأس المال والعامل من الربح هو ما زاد على رأس المال كما أن حظ رأس المال من الخسارة هو أيضا تابع لقيمة المنجزات عند الإطفاء، وقد نص الفقهاء على أن القراض لما كان مستثنى فإنه يجب أن لا يخالف به سنته خاصة وأن المخالفة هنا قد تفضي إلى تحول المقارضة إلى قرض بربح ثابت غير معين المقدار. أما أنه قرض بربح فذلك أن صاحب السند يكون قد دفع للوزارة ألف دينار مثلا ليأخذ كل سنة بقي فيها الألف بذمة الوزارة نسبة من دخل المشاريع ثم يسترد في نهاية المدة أي وقت الإطفاء الألف دينار، وأما كون الربح ثابتا فلأن الربح هو مدخول الكراء من عمارات ودكاكين ونحو ذلك وهو أمر يقيني؛ لأن هذه المنجزات أقيمت في بلد عامر بأهله قد تنخفض قيمة الكراء وقد تعلو لكن توفر الدخل يقيني واستفادة المقرض من قرضه استفادة مادية مشترطة حرام ربا.
تداول السندات:
جعلوا مبدأ تداول السندات بَدْوَ صلاح المشروع قياسا على بدو صلاح الثمرة. ثم قالوا إنه يمكن أن يكون الوجود القانوني للمشروع دون البداية الفعلية.
إن أمر هذا القياس عجيب جدا؛ ذلك أن بدو صلاح الثمرة المجوزة لبيعها منفصلة عن أصولها معناه: أن الثمرة قد وجدت وأنها قد تجاوزت كل الأطوار التي يمكن أن تتعرض فيها للمخاطر. ولم تبق إلا فترة زمنية قليلة للنضج والقطاف. فهل أن الوجود القانوني كتابة على الورق مكتسبا قوة التنفيذ من السلطة يعتبر قطعا لمراحل إنجاز المشروع وبلوغه حدا يطمأن معه أنه تجاوز مراحل الخطر وأن الأرباح قد أخذت تقترب من البروز الواضح، مع أنه لم يشرع فيه بعد؟ لا يشك ناظر في الحكم على أن مرحلة الوجود القانوني يمكن تنظيرها بنور الأشجار ولعل الخلط وقع بين الإبار وبدو الصلاح فإنه يمتنع بيع الثمر قبل بدو الصلاح أبرأ أو لم يبرأ. وإنما الإبار يقضي بتبعية الثمرة للبائع.
ومن مجموع ما تقدم يتضح أن هذا العقد كما قدم من وزارة الأوقاف عقد مرفوض شرعا لا يقبل على أنه معاملة جارية على قواعد التشريع الإسلامي.
سندات المقارضة التي يصدرها البنك الإسلامي:
هذه السندات إذا كان المكتتبون فيها يملكون صفة الشريك في حضور الجلسات وتوجيه النشاط ومتابعة المشروع في مراحل التنفيذ فهم بذلك شركاء تنطبق عليهم قواعد الشركة. وإن كانوا لا يملكون من الأمر شيئا وإنما هو يكتتبون في الأسهم لتحقيق الربح فتنطبق عليهم قواعد القراض وأحكامه، ولما كنت لا أملك الوثائق التي اعتمدها البنك الإسلامي للتنمية في توجيه نشاطه فإنه يتعذر علي تبعا لذلك الحكم عليها والله أعلم وأحكم وهو ولي التوفيق – حسبي الله ونعم الوكيل.
خلاصة البحث
سندات المقارضة التي عرضتها وزارة الأوقاف بالأردن عبارة عن سندات تعرض في السوق بقيمة محددة تتولى وزارة الأوقاف جمع المداخيل من بيع السندات لتصرفها في إقامة مشروعات على أراضي الوقف. ويكون دخل الكراء موزعا بين وزارة الأوقاف التي تطفئ به أسهما محددة وبين المكتتبين وهكذا إلى أن يتم إطفاء جميع السندات، وتتكفل الدولة بقرض وزارة الأوقاف لتتمكن من إطفاء جميع الأسهم بالقيمة الاسمية لها.
ظاهر العقد أنه عقد مقارضة لا شركة:
إن قول الباحث: إن هذا نوع من التعامل جديد الأصل فيه الإباحة غير مقبول، بل كل عقد جديد لا بد أن يعرض معيار الشريعة الإسلامية، وقبل النظر يجب التوقف عن التحليل أو التحريم.
إذا أخذنا بأن العقد مضاربة فأركان المضاربة هي:
1-
المقارِض، وهو المكتتب في السند وشرطه أن يكون من أهل التوكيل.
2-
المقارَض وهو هنا ذمة مقدرة عند وزارة الأوقاف.
3-
هيئة تنفيذي تقوم بإدارة المشروع والقيام على مراحل التنفيذ كلها، وهم موظفون تحت رئاسة المدير العام يستحقون أجورهم، وهذان الركنان الأول والثاني توفرت فيهما المقاييس الشرعية للصحة.
4-
رأس المال: ولا بد أن يكون نقدا مسلما كله قبل الشروع في العمل = وهذا الركن قد اختل في الطريقة المعروضة من ناحيتين:
1) أنهم جوزوا تقسيط رأس المال حتى بعد الشروع في الأعمال وأن مشتري الجزء من السهم إذا لم يوف بباقي القسط فإنه يباع الجزء نيابة عنه ويتحمل الخسارة أو يستفيد من الربح. وهذا لا بد من تعديله بحيث يتم خلاص جملة الأقساط قبل الشروع في العمل من ناحية وإرجاع المال لصاحبه إذا لم يسدد باقي القسط ولا يباع على ذمته.
2) إدخال عقارات الأحباس إذ المشاريع هي عبارة عن إسهامات المكتتبين التي تنفق في البناء وأراضي الأوقاف التي يقام عليها البناء ولا يجوز لوزارة الأوقاف أن تتنازل عنها للمكتتبين. ولا أن تلغي قيمتها والحل أن يقدر كراء تلك الأراضي ويكون عائد الكراء مستحقا للوزارة تتمكن به من شراء الأسهم عند الإطفاء.
ضمان رأس المال: انبنى العقد على أن القيمة الاسمية للسهم مضمونة عند الإطفاء بواسطة قرض من الحكومة إلى وزارة الأوقاف. وبناء العقد على ضمان القيمة الاسمية من العامل لا يجوز إجماعا، وتبرير ذلك بأن الضامن طرف ثالث لا يحل المشكل أصلا لأمرين: أحدهما أن الضامن يتنزل منزلة المضمون، وما لا يجوز للمضمون أن يضمنه لا يجوز للضامن. وثانيهما: أن الضمان هنا عبارة عن ضمان الحكومة بقرض الوزارة إذا لم تكن لها القدرات المالية، وأن الدولة ملزمة بالوفاء بما وعدت به من القرض، وهذا لا نزاع فيه، ولكنه غير محل الفساد في العقد الذي هو ضمان الخسارة.
إن جعل قيمة السند هي القيمة الاسمية عند الإطفاء يتقاضاها المسهم غير صحيح، لأن مبنى عقد المقارضة على أن صاحب رأس المال يستحق عند انتهاء العقد رأس ماله كاملا مع حصته من الربح أو رأس المال ناقصا منه الخسارة. وقيام العقد على أن صاحب السند يستحق القيمة الاسمية على كل حال يفضي في النهاية إلى انقلاب المقارضة إلى قرض، يكون المقرض قد أخذ كل سنة فائدة، وإن لم تكن محددة المقدار، إلا أنها محددة النسبة من ريع المشروع المضمون الدخل قطعا، لأن الدخل كراء المحلات في بلد عامر بأهله، وللخروج من هذا لا بد من تقويم المشروع عند الإطفاء، ويستحق صاحب السند نسبة سنده من كامل المشروع كانت القيمة الاسمية أكثر أو أقل – أو مساوية.
والله أعلم – {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
محمد المختار السلامي