المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الرابع

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلاميالأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

- ‌كلمةمعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنميةالدكتور/ أحمد محمد علي

- ‌كلمةمعالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلاميالأستاذ/ أمين عقيل عطّاس

- ‌كلمةمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويتالشيخ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةالوفود المشاركةألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

- ‌التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنسانيإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌‌‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالدكتور عبد السلام داود العبّادي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الشيخ آدم عبد الله علي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاًإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة سيدي محمد يوسف جيري

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ عبد الله البسام

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ رجب بيوضي التميمي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌المثامنة في العقار للمصلحة العامةإعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتزاع الملكية للمصلحة العامةإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌انتزاع الملكية للمنفعة العامةإعدادأ. د. يوسف محمود قاسم

- ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌انتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادالدكتور محمود شمام

- ‌الإسلاموانتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر

- ‌سندات المقارضةإعدادالصديق محمد الأمين الضرير

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌سندات المقارضةوسندات الاستثمارإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌سندات المقارضةإعدادالقاضي محمد تقي عثماني

- ‌ضمان رأس المال أو الربحفي صكوك المضاربةأو سندات المقارضةإعدادالدكتور حسين حامد حسان

- ‌سندات المقارضةوسندات التنمية والاستثمارإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌سندات المقارنة وسندات الاستثمارإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبينسندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينهاوبين السندات الربويةإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌سندات المقارضة والاستثمارإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌البيان الختامي وتوصياتلندوةسندات المقارضة وسندات الاستثمارالتي أقامهامجمع الفقه الإسلامي بجدة

- ‌بدل الخلوإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌ موضوع (بدل الخلو)

- ‌بدل الخلوإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)إعدادفضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو

- ‌بدل الخُلُوِّفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌بدل الخلو وتصحيحهإعدادفضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادفضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالأستاذ مصطفى الفيلالي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالحاج شيت محمد الثاني

- ‌الوحدة الإسلاميةوالتعامل الدوليإعدادفضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري

الفصل: ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

‌صرف الزكاة لصالح صندوق

التضامن الإسلامي

إعداد

فضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

رئيس المجلس العلمي الإقليمي

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

الحمد لله

أما بعد.. فهذه إجابة مختصرة في موضوع الزكاة وصرفها لفائدة صندوق التضامن الاجتماعي.. أتشرف بعرضها على مجلس "مجمع الفقه الإسلامي" الموقر

راجيا من الله التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} صدق الله العظيم.

والكلام في هذا الموضوع طويل وعميق وعريض وسأختصره جهد المستطاع بحول الله.

ينحصر القول فيه في ست مسائل:

* المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغة وشرعا

* المسألة الثانية: موضوعها وتاريخ تشريعها

* المسألة الثالثة: دليل وجوبها من الكتاب والسنة

* المسألة الرابعة: المسؤول عن إخراجها وحكم مانعها

* المسألة الخامسة: مصارف الزكاة

* المسألة السادسة: نقلها وحكمه شرعا.

ص: 399

1-

تعريف الزكاة لغة وشرعا

الزكاة في اللغة النمو، والزكاء النماء، قال ابن منظور في لسان العرب: الزكاء ممدودا النماء والريع: زكا يزكو زكاء وزكوا: نما.. وفي حديث علي كرم الله وجهه: المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق.. والزكاة الصلاح، وزكاه، وزكى نفسه مدحها.

والزكاة في الشريعة الجزء الذي فرضه الله في المال يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء، وهو قول الأئمة مالك والشافعي وأحمد، فهي جزء من كل ما فرضت فيه الزكاة، ولا تقبل بدله القيمة، وقال أبو حنيفة: إنها جزء من المال مقدر.. أي أن قيمة هذا الجزء تقبل عند الأداء. والذي ترجحه الأدلة هو الأول، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال:((خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر)) رواه أبو داود وابن ماجه.

وهكذا يبدو أن هذا الجزء المأخوذ من أموال الأغنياء لفائدة الفقراء سمي زكاة؛ أخذا من قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة: 103.

فقد وصفها الحق تعالى بأنها تزكى، في حين أنها في العد والحساب تنقص اثنين ونصفا في المائة في زكاة المال، وعشرة في المائة من نتاج المزروعات.

ذلك لأن أداءها من الأغنياء للفقراء يحدث تعاطفا وتراحما بين الفريقين، وتضامنا وتكافلا بين أعضاء المجتمع، فلا يوجد سبب للصراعات المحدثة في هذا العصر، والتي هي مظهر من مظاهر الطبقية المقيتة، والتي يتغنى بها من يصفون أنفسهم بالكادحين تارة، والمسحوقين تارة أخرى، مما أوقد ويوقد نار الفتنة والحقد والحسد والبغضاء بين الناس عندما ابتعدوا عن تعاليم الإسلام وهديه.

فالحق سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه عليه السلام بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103. وصف هذا العمل بأنه يطهر ويزكي.. فهو يطهر النفوس من الحقد والحسد، ويطهر المال من كل الشوائب ويزكيه وينميه بتوفيقه لمالكه والمتصرف فيه باستعماله استعمالات تدر عليه أرباحا كثيرة، وبذلك ينمو ويزداد كلما أخذت منه الزكاة، واندفع صاحبه للعمل به في وجوه البر والخير والإحسان. وبتتبع تعاليم الإسلام عاشت الأمة الإسلامية عصورا زاهرة لم يعرف فيها هذا المظهر الطبقي المشين.

فالزكاة كانت تؤدى لمستحقيها فتثير في النفوس كوامن الحب والتعاطف، وكان المجتمع الإسلامي بفضل ذلك كالجسد الواحد، لا فرق بين غني وفقير، وصدق الله العظيم:{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} التوبة: 103.

ص: 400

2-

موضوع الزكاة وتاريخ فرضها

فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة النبوية، وذلك بنزول الآية الكريمة على الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم تأمره أن يأخذ الزكاة من المؤمنين به.. قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

وموضوعها المال، الذهب والفضة، وما في معناهما مما يقوم مقامهما من أوراق وسندات، وكذلك عروض التجارة والممتلكات المعدة لاستثمار المال عن طريقها. والمزروعات مما تنتجه الأرض والأنعام، والإبل والبقر والغنم.

زكاة الذهب والفضة وما يقوم مقامهما:

تجب إذا بلغ ما يملكه الإنسان منها النصاب وتم عليه الحول، والنصاب في الذهب عشرون دينارا، وفيه نصف دينار، وفي الفضة مائتا درهم وفيها خمسة دراهم؛ أي: ربع العشر، ودليل ذلك ما ثبت في السنة عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، وما زاد فبحسابه)) .

رواه أبو داود.

ولا يضم صنف لآخر من الذهب والفضة، فمن عنده مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا فلا زكاة عليه. عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل 40 درهما درهما، وليس في 190 درهم شيء، فإذا بلغت 200 ففيها خمسة)) .

رواه أصحاب السنن.

أما عروض التجارة فتقوم ويؤدى ثمنها عينا فضة أو ذهبا أو ما يقوم مقامهما من الأوراق البنكية التي يتم بها التبادل في أرجاء العالم الإسلامي.

ص: 401

زكاة المزروعات وما تنتجه الأرض:

يجب في زكاة ما تنتجه الأرض العشر فيما يسقى بالمطر والأنهار والعيون، ونصف العشر فيما يسقى بالآلات؛ أخذا من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) .

وفي رواية أبي داود: أو كان بعلا العشر، ((وفيما سقي بالسواني نصف العشر))

والأنواع التي تزكى من المزروعات فقد اختلف العلماء في أمرها. فعن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة؛ الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) . رواه الطبراني والحاكم. وعن معاذ رضي الله عنه قال: "أما القثاء والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقال مالك في موطئه: الحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما.

وروى ابن حزم في المحلى أن الإمام مالكا قال: الزكاة واجبة في القمح والشعير والسلت وكلها صنف واحد، وفي العدس والسلت وفي الدخن والسمسم والأرز والذرة، وفي الفول والحمص واللوبيا والعدس والجلبان والبسيل والترمس وسائر القطنيات، ورأى الزكاة في حب العصفر وزيت الفجل. والزكاة في الزبيب وفي زيت الزيتون، ولم يرها في شيء من الثمار، كالتين والقسطل والرمان والجوز واللوز وما أشبهه هـ.

وقال أبو حنيفة: الزكاة في كل ما أنبتت الأرض من حبوب أو ثمار أو نوار، حتى الورد والسوسن والنرجس وغير ذلك ما عدا الحطب والقصب والحشيش، مستدلا بعموم قوله تعالى:{وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} الأنعام: 114. وكذلك ذهب الإمام أحمد إلى وجوب الزكاة في كل ما أخرجه الله من الأرض من الحبوب والثمار، مما ييبس ويبقى ويكال ويستنبته الآدميون في أراضيهم، سواء كان قوتا كالحنطة، أو من القطنيات أو من الأباريز: كالكزبرة والكروياء، أو من البذور كبذر الكتان والقرطم والسمسم، وتجب عنده أيضا فيما جمع وصفي للاقتيات والادخار؛ كالتمر والزبيب والمشمش والتين واللوز والبندق والفستق.

وإذا كان سبب الخلاف بين قصر الزكاة على بعض الأصناف المذكورة في الأحاديث السابقة، وبين من رأى وجوبها في غيرها هو علة الاقتيات والادخار، فإن كثيرا من النباتات والثمار أصبح مدخرا وذا قيمة في الاقتيات والإنتاج، خصوصا وأن عموم اللفظ في قوله تعالى:{وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} بعد قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} أي يوم نضجه وجنيه.

ص: 402

وكذلك قول الرسول عليه السلام: ((فيما سقت السماء العشر)) و " ما " من صيغ العموم كما هو معلوم. إذا كان الأمر كذلك فينبغي شمولها لكل ما يحقق انتفاع المزارعين مما تنبته الأرض، خصوصا وأن كثيرا من المزروعات كانت لا تدخر في الماضي ولا تستعمل إلا في الاقتيات الوقتي، وقد أصبحت اليوم تدخر بفضل التصنيع الحديث، وأصبحت لها أهمية كبرى في التغذية، كبعض البذور التي تنتج الزيوت، كبذور الكتان ونوار الشمس، وغيرها كثير. ولا يعقل أن تجب الزكاة في زيت الزيتون، ولا تجب في الزيوت الأخرى التي تستعمل في التغذية على نطاق واسع.

وكذلك بعض الأنواع من الثمار مما أصبح يدخر ويغذي، وله أهمية قصوى في الاقتصاد الزراعي. والنصاب في كل نوع مما يدخر ويقتات به خمسة أوسق، وليس فيما دون ذلك زكاة؛ أخذا من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس في ما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) .

وإذا كانت نفقات تحويل بعض الخضروات الموقوتة إلى مدخرات مقتاتة، فإن ما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم من إسقاط النفقة الزائدة في الزراعة وإخراج الزكاة عن الباقي إذا بلغ النصاب. أو تقاس على ما فيه نصف العشر فتزكى كلها دون نقص، إن في ذلك ما يؤذن بإخراج الزكاة فيها، مع مراعاة ما ينفق عليها حتى تؤول إلى الادخار والاقتيات، وإذا كان القصد من فرضية الزكاة هو سد خلة الفقراء والمساكين، والأصناف المذكورين في الآية، فمن السداد أن تفرض الزكاة في كثير من المنتجات الزراعية، خصوصا وقد أصبحت أهميتها في الميدان الفلاحي تتزايد، والإقبال على إنتاجها كبير، مثل اللفت السكري وقصبه والقطن والبطاطس والطماطم، وكذا الفواكه كالبرتقال والتفاح والإجاص وما شابهها.

ص: 403

وإذا كانت هذه الأشياء لا تكال فإن زكاتها تتعلق بالقيمة، فيقاس ما لا يكال على ما يكال، وينظر في أمره بلوغ النصاب لاعتبار الأقل كالشعير والحنطة مثلا.

وهناك بعض المنتوجات تستعمل قبل يبسها وثبتت أمر وجوب الزكاة فيها مثل التمر والعنب، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى إذا بامرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((اخرصوا لها. وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال: لها: عشرة أوسق. فقال لها: أحصي ما يخرج منها)) .

رواه البخاري

فهذا يدل على ثبوت الزكاة في هذا قبل تمام نضجه وجنيه وكيله، فسلك به صلى الله عليه وسلم طريق الخرص، وهو تقدير إنتاجه من لدن الخبراء.

وهناك زكاة العسل، وقد اختلف فيها العلماء. فقال بعضهم: فيها زكاة، وقال آخرون: لا زكاة فيها، واستدل القائلون بزكاة العسل بحديث عبد الرحمن المتعي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إن لي نحلا. فقال صلى الله عليه وسلم:((أد العشور)) . قال: قلت: يا رسول الله، احمها لي. قال: فحماها لي. وفي رواية: احم لي جبلها. فحمى لي جبلها.

ومعلوم أن تربية النحل اليوم أصبحت عملا مثمرا، يهتم به الفلاحون، ويستثمرون منه أموالا كثيرة، ومن المصلحة أن يؤدي أصحابها العشور، مصداقا لهذا الحديث الذي أخذ به الأحناف والحنابلة وأيدوا صحته بعدة آثار يقوي بعضها بعضا.

أما النصاب فيه، فعندما يبلغ عشرة أفراق، والفرق ستة عشر رطلا عراقيا، أي مائة وستون رطلا.

ص: 404

زكاة الأنعام:

الأنعام هي الإبل والبقر والغنم: الضأن والمعز، ويشترط لوجوب الزكاة فيها أن تبلغ النصاب وأن يحول عليها الحول، وأن تكون سائمة، والسائمة هي التي ترعى من الكلأ المباح في أكثر الأيام، وهو قول أبي حنيفة وأحمد، وقال الشافعي: إن علفت قدرا تعيش بدونه وجبت فيها الزكاة، وإن كان قوتها علفا فلا زكاة فيها.

وقال مالك والليث: فيها الزكاة مطلقا سائمة أو معلوفة. والنصاب يختلف من نوع لآخر. وتعد فيه الحملان والعجول والفصلان. وهو في الإبل خمسة. وفيها شاة. فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان إلى خمسة عشر، ففيها ثلاث، وفي عشرين أربع شياه، أما إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض أو ابن لبون، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون، وفي ستة وأربعين حقة، وفي واحد وستين جذعة. وفي 76 بنت لبون، وفي واحد وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين، فإن زادت ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، والحقة هي التي أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والجذعة هي التي أتمت أربع سنوات ودخلت في الخامسة.

والنصاب في البقر ثلاثون ليس دونها شيء، ومن بلغت أبقاره ثلاثين ففيها تبيع، وهو ما له سنة، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، وهي التي لها سنتان، ولا شيء في الوقص، وهو ما بين العددين، فإذا كثرت فذاك نصابها، في كل ثلاثين تبيع، وكل أربعين حقة.

والنصاب في الغنم بنوعيه الضأن والمعز فليس فيها زكاة حتى تبلغ أربعين، وفيها شاة إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت واحدا وعشرين ومائة ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا بلغت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإن زادت على ذلك ففي كل مائة شاة.

والمقبول في الضأن الجذع، وفي المعز الثني، ويؤخذ الوسط، فلا يلزم الخيار، ولا تقبل العجفاء، ولا شيء في الوقص، وهو ما بين العددين مما سلف ذكره في أنصبة الأنعام، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، ولا تيس، ولا مريضة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الله لم يسألكم خيار أموالكم ولم يأمركم بشرارها)) .

ص: 405

3-

فرضية الزكاة ودليلها

أوجب الله على الأغنياء صدقة لفائدة الفقراء هي الزكاة. تؤخذ من أموال الأثرياء وتدفع للمحتاجين؛ تحقيقا للتضامن الذي أوجبه الله على المسلمين ليتم بذلك تلاحم المجتمع الإسلامي وترابطه. ويتحقق التكافل والتعاطف حتى يكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أو كالبنيان يشد بعضه بعضا.

ودليل وجوب الزكاة قول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم:

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة التوبة: 103، وقد ورد الأمر بها مقرونا بالصلاة في اثنتين وثمانين آية من كتاب الله تعالى، من ذلك قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} البقرة: 43 {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} سورة الحج 78، {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} سورة الأحزاب:33.

أما دليلها من السنة فقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة نقتصر على بعضها اختصاراَ.

ففي صحيح الإمام البخاري أول كتاب الزكاة حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن فقال له:((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) . وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء)) . رواه أحمد والنسائي وأبو داود. وحديث أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)) وقد أجمع أئمة الإسلام على وجوب الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام المهمة؛ لأنها تطهر النفوس من الشح وتطهر المال مما يمكن أن يلتصق به من شوائب، قد لا يعلمها صاحب المال.

ص: 406

4-

المسؤول عن إخراج الزكاة وحكم مانعها

الزكاة ركن من أركان الإسلام الواردة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا)) . وإذن فمالك المال المأمور بتحقيق هذه الأركان هو المسؤول عن تنفيذ الزكاة، والذي يثاب إذا فعلها على وجهها المشروع، أو يعاقب إذا أخل بأدائها أو امتنع عنها، ومن ثم فرب المال هو المسؤول الأول عن أداء ما عليه من صدقة يعدها ويضعها في مكانها الذي شرعت له، وعلى الصفة التي أقرها التشريع الإسلامي. فإن لم يفعل أثم وألزم بأدائها من لدن الإمام. فإذا وضعها في يد من شرعت لهم برئت ذمته، وإذا أخذها الإمام منه برئت ذمته.. لحديث أنس رضي الله عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ قال: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها)) رواه الإمام أحمد.. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)) . متفق عليه. وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا، ويسألون حقهم؟ فقال: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم)) . رواه مسلم والترمذي.

ص: 407

وقال النووي في المجموع: إن لم يبعث الإمام الساعي وجب على رب المال أن يفرق الزكاة بنفسه على المنصوص؛ لأنه حق الفقراء والإمام نائب عنهم، فإذا ترك النائب ذلك لم يتركه من عليه أداؤه. وبذلك تعين الأداء أولا على من عليه الحق، فإذا تم ذلك للإمام برئت ذمته. وإذا تم لأهله من الفقراء ومن ذكر معهم في الآية كلا أو بعضا برئت ذمته.

وأما حكم مانعها فقد وردت فيه آيات وأحاديث كثيرة، نذكر منها ما يلي: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} التوبة: 24. وقوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} سورة آل عمران: 180. وحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: ((انتهيت إليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده - أو قال: والذي لا إله غيره - ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها، إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها، ردت عليه أولاها حتى يقضي الله بين الناس".))

أخرجه البخاري في الزكاة، ومسلم في باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان.. يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك.. ثم تلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} )) آل عمران: 180.

وأخرج الدارمي في سننه حديثا مطولا بمعنى حديثي أبي ذر وأبي هريرة.. تحت رقم: 1625.

ومن امتنع من أداء الزكاة وهو مقر بها فإنه آثم ولا يحكم بردته، وعلى الإمام أن يأخذها منه قسرا، وكذلك إذا امتنع قوم من أدائها فإن على الإمام أن يأخذها ولو أدى ذلك إلى قتالهم؛ عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) .

ص: 408

مصارف الزكاة:

مصارف الزكاة هي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في الآية الكريمة:

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فالحق سبحانه وتعالى اقتضت حكمته تفضيل بعض الناس على بعض في شؤون الحياة والمال، فقال تعالى:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} النحل: 71. فجعلهم سبحانه سواء في الانتفاع به، ولكنهم في الملك والتصرف متفاوتون اختبارا لهم جميعا وامتحانا، كما قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} الأنبياء: 35.

وحتى لا يؤدي هذا التفاوت إلى خلل وفتنة بين الناس وإلى وجود ما عرف في اصطلاح العصر بالطبقية المتصارعة.. طبقة المترفين المتخمين المسرفين، وطبقة المحرومين والمسحوقين، وحتى لا يظل النزاع والصراع بين الطرفين على أشده، فرض الإسلام الصدقة على الأغنياء لترد على الفقراء، وبذلك يخف مفعول الفوارق المادية بين أعضاء المجتمع الإسلامي، فتنمو العواطف والشفقة والرحمة المتجلية في العطاء والبذل من جانب إلى آخر، ويسري الحب بينهما بدل الحقد والحسد الذي يؤججه الحرمان في بعض النفوس، وبذلك يقوى التضامن والتكافل بين جميع أصناف البشر. ولم يكتف الإسلام بهذا القدر المفروض فحث على البذل والإنفاق، وفرض أنواعا أخرى من الأداءات غير الزكاة، وفي مناسبات شتى مما وصف بعضه بأنه كفارة أي أنها تكفر الذنوب وتمحوها، مثل كفارة الإفطار في رمضان عمدا وكفارة اليمين الغموس، والقتل الخطأ وغير ذلك مما يحدث للناس في سلوكهم ومعاملاتهم وعبادتهم.

ويجب التعريف بكل صنف من الأصناف الواردة في الآية الكريمة بعد البحث عما تفيده أداة الحصر التي افتتحت بها الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} . وهذا معناه أن ما جاء بعدها ينحصر في الأفراد المذكورين وهم الثمانية.

ص: 409

واختلف العلماء في لام {لِلْفُقَرَاءِ} هل هي للملك أو للمحل؟ فعلى أنها للملك فيجب إعطاء كل صنف حظه من الصدقة، ولا يجوز إعطاؤها لصنف دون آخر، وعلى أنها للمحل؛ أي: أن الأصناف الثمانية محل توضع فيه الصدقة، ففي أي صنف منها وضعت الصدقة أجزأت، قال بالأول الشافعي، ويسانده ما ذهب إليه حديث زياد بن الحارث الصدائي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الصدقات فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى جزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك)) . رواه أبو داود والدارقطني.

وذهب الإمام مالك وغيره إلى أنها للمحل؛ أي: أن الأصناف المذكورة في الآية محل توضع فيه الزكاة وتصرف له، وفي أيها وضعت أجزأت مستدلين بقول الله سبحانه:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة: 271.

وبحديث: ((أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم.))

وقد اختلف العلماء في توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية الذين خصصتهم الآية الكريمة بها: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، والأرقاء، والغارمين، وسبيل الله، وابن السبيل، فالإمام مالك يرى أن للمنفذ للصدقة أن يجتهد ويتحرى موضع الحاجة من الأصناف المذكورة، ويقدم الأولى من أهل الخلة والفاقة، وله أن ينظر في ذلك كل عام، ويضعها فيمن يراه أشد احتياجا من غيره، وهو قول عمر وعلي وحذيفة وابن عباس رضي الله عنهم.

ص: 410

وقال الإمام الشافعي: يجب صرفها إلى الأصناف جميعهم إن وجدوا، فإذا كان المالك هو الموزع سقط نصيب العاملين عليها، وبقي السبعة الآخرون، وهكذا يسقط نصيب كل صنف لم يوجد، ولا يجوز ترك صنف منهم مع وجوده، وقال أبو حنيفة: هو مخير يضعها في أي صنف شاء. وقال بعض العلماء: إذا كان المال كثيرا يحتمل القسمة قسمه على جميع الأصناف، وإن كان قليلا جاز أن يعطي للبعض دون البعض، وسبب الخلاف يرجع إلى اللفظ ومعارضته للمقصود الذي هو سد الخلة لدى المحتاجين، فمن نظر إلى اللفظ وقال بأن اللام تفيد الملك، قال بتعميم الأصناف الثمانية أو من وجد منهم على الأقل، ومن نظر إلى الهدف من التشريع ورأى أن اللام للمحل وليست للملك، قال: يجوز وضعها في صنف أو أصناف دون تعميمها على الأصناف الثمانية.

ولعل مستند القائلين باجتهاد الموزع لها بتحريه الأحوج فالأحوج أن الله تعالى جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير جائزة لغيرهم، وهذا الاختصاص لا يستلزم قسمتها عليهم بالسوية، فمن وجبت عليه زكاة ووضعها في أي صنف من هؤلاء المستحقين فإنه يكون بذلك قد قام بما وجب عليه وبرئت ذمته، وكذلك إذا أعطاها للساعي المعين من طرف الإمام والله أعلم.

ص: 411

الفقراء والمساكين

اختلف العلماء

لغويون وفقهاء

في الفرق بين الفقير والمسكين، فذهب بعضهم إلى أن الفقير أحسن حالا من المسكين، فالفقير هو الذي له بعض ما يكفيه، والمسكين الذي لا شيء له، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، والقاضي عبد الوهاب، وقال آخرون: إن المسكين أحسن حالا من الفقير، مستدلين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ من الفقر، بينما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني مع المساكين.)) وهو استدلال معقول ومقبول، لو كان المسكين أشد فقرا من الفقير، لما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذا وطلب أن يعيش في الحالة الأخرى مسكينا ويموت مسكينا، ولا شك أن دعاءه مستجاب، وقد قبض صلى الله عليه وسلم وله مال مما أفاء الله عليه، واحتجوا أيضا بقول الله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} الحشر: 8. ولا شك أن الذي أخرج من دياره وماله لم يبق منه شيء، ولذلك سماهم الله فقراء..

فصح أن الفقير الذي لا يملك شيئا أصلا. وقيل: إن الكلمتين بمعنى واحد، وإنما جاءت كلمة المساكين تأكيدا، فالمساكين هم الفقراء الذين يتعففون عن السؤال، ولا يفطن لهم لتحملهم وصبرهم وظهورهم بمظهر القناعة وعدم الاحتياج، ويؤيد هذه النظرية حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان.. إنما المسكين الذي يتعفف واقرؤوا إن شئتم: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} )) البقرة: 273. وفي لفظ آخر: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان.. ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس)) . رواه البخاري ومسلم.

وإلى هذا ذهب أصحاب مالك وهو قول الشافعية أيضا.

ص: 412

الحد الأدنى للفقر والمسكنة

اختلف العلماء في الحد الأدنى للفقر والمسكنة الذي يجوز معه أخذ الصدقة، فقال مالك: من له دار سكنى وخادم لا يستغني عنهما يعطى من الزكاة. وقال أبو حنيفة: من معه عشرون دينارا أو مائتا درهم فلا يأخذ من الصدقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم)) .. فاعتبر من يملك نصابا غنيا لا يجوز له أن يأخذ الصدقة، وقال الشافعي وأبو ثور: من كان قويا على الكسب والاحتراف مع قوة البدن وحسن التصرف حتى يغنيه ذلك عن الناس فالصدقة عليه حرام. محتجا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي.)) رواه أبو داود والترمذي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما.

روى جابر رضي الله عنه قال: جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة.. فركبه الناس فقال: ((إنها لا تصلح لغني صحيح ولا لعامل.)) رواه الطبراني. وعن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: "أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه فرفع بصره وخفضه فرآنا جلدين فقال:((إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) رواه أبو داود.

وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه: إذا كان الرجل قويا محتاجا، ولم يكن عنده شيء فتصدق عليه أجزأه عن المتصدق. وحمل الحديث السابق على المسألة أي أن القوي لا يجوز له أن يسأل، والله أعلم.

ص: 413

الذين لا يجوز أن تعطى لهم الصدقة

لا يجوز إعطاء الصدقة لبني هاشم؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدقة لا تحل لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس)) ، وحديث أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((

كخ.. كخ ليطرحها)) وقال: ((أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟)) متفق عليه.

ولا يجوز إعطاء الصدقة للكافر؛ أخذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.)) ، ويستثنى من ذلك المؤلفة قلوبهم؛ إذ يجوز أن يمنحوا من الصدقة؛ فقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذمي طاعن في السن عاجز عن العمل، وهو يستجدي، فسأله عن حاله.. ولما علم أنه محتاج وأنه من أهل الذمة أمر له بما يسد عوزه، ولا يجوز إعطاء الصدقة لمن تلزم نفقتهم للمصدق كالزوجة والأبوين والأبناء.

العاملون عليها

(أي على جمع الزكاة)

عندما يتولى الإمام جمع الزكاة يكلف ذلك رجالا من عماله، وهؤلاء يجوز أن يأخذوا أجورهم من الزكاة ولو كانوا أغنياء، إذا لم يأخذوا أجورهم من ميزانية الدولة، شريطة أن يكونوا مسلمين؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، ورجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني.)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم

ومن أصاب شيئا زائدا على أجره من العاملين فهو غلول منهي عنه {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . آل عمران: 161.

ص: 414

المؤلفة قلوبهم

كل من رأى فيه الإمام نفعا للإسلام والمسلمين إذا أعطاه من مال الصدقة يستميله بذلك للدخول في الإسلام، إن كان ما زال على كفره، أو ليطمئن إلى إسلامه إن كان حديث عهد بالإسلام، أو رجل له نفوذ في قومه يستميله وقومه للدخول في دين الله..

وذلك أخذ من عمل الرسول عليه السلام حيث أعطى صفوان بن أمية عطاء كبيرا بعد غزوة حنين وقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر، والله لقد أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.

وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا عن الإسلام إلا أعطاه.. فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.))

ومذهب أبي حنيفة أن حظ المؤلفة قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته.

أما المالكية والحنابلة والشافعية فيقولون بتأليف القلوب على الإسلام في كل زمان، وذلك عند الحاجة إليه، ولعله في هذا الوقت بالذات يفيد.. خصوصا في البلاد ذات الأقلية المسلمة والتي توجد تلك الأقليات المسلمة في حالة تهاجم فيها من لدن طوائف المنصرين وغيرهم من أصحاب المذاهب المنحرفة عن الإسلام؛ كالقاديانية والبهائية وغيرها، ولا شك أن استعمال أموال الزكاة في هذا الميدان له تأثير عظيم في تثبيت الكثيرين من البسطاء على دينهم، وعلى المسؤولين من المسلمين أن يجتهدوا في الأسلوب الذي يجب العمل به، والمقدار الذي يعطى من مال الصدقات لتثبيت الإيمان في قلوب هؤلاء.

ص: 415

وفي الرقاب

وهو يشمل المكاتبين والأرقاء وافتكاك الأسرى من أيدي الكفار؛ وذلك أخذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أتاه رجل فقال: يا رسول الله، دلني على عمل يقربني من الجنة ويبعدني من النار. قال:((أعتق النسمة، وفك الرقبة)) .فقال: يا رسول الله، أوليس واحدا؟ قال:((لا، عتق الرقبة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين بثمنها)) .

رواه أحمد والدارقطني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة كلهم حق على الله عونه.. الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح المتعفف.)) رواه أحمد وأصحاب السنن.

واختلف العلماء في المراد من قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} فقال الشافعي وأبو حنيفة: إن المراد به المكاتبون يعطون من مال الصدقة ما يحقق حريتهم التي كاتبوا عليها.

وقال مالك وأحمد وأبو ثور: المراد بذلك شراء رقاب وعتقها؛ لأن المكاتب قد يعان ولا يتم عتقه إلا عندما لا يبقى في ذمته درهم، ولأن المكاتب داخل في الغارمين.. والظاهر أن اللفظ يشمل الأمرين: شراء الرقبة وعتقها، ومساعدة المكاتب على فك رقبته، والله أعلم.

ص: 416

الغارمون

الغارمون هم الذين استدانوا لأغراض مشروعة؛ كالإنفاق على من تجب نفقته على المستدين أو من ضمن دينا فلزمه الوفاء به أو تحمل حمالة لإصلاح ذات البين، وما أشبه ذلك، فهؤلاء يأخذون من الصدقة ما يوفي ديونهم، وذلك أخذا من حديث رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((تصدقوا عليه. فتصدق الناس عليه، فلم يبلغوا بذلك وفاء دينه.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذاك.))

وحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل المسألة إلا لثلاث: لذي فقر مدقع.. أو لذي غرم مفظع.. أو لذي دم موجع.. .))

وهو الذي تحمل دية عن قريبه أو صديقه.

وحديث قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:

((أقم حتى تأتينا الصدقة فآمر لك بها.. ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا.))

ص: 417

وفي سبيل الله

سبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته سبحانه وتعالى والقصد به هنا كل عمل من شأنه أن يكسب صاحبه رضى الله سبحانه.

وجمهور العلماء على أن المراد به في الآية الغزو في سبيل الله، والجهاد لنصرة الإسلام والدفاع عن المسلمين.. فسهم سبيل الله من الزكاة يصرف في مصالح الجهاد بإعداد العدة وتجهيز الجيوش بالسلاح المناسب، وشراء الآلات وصناعتها. وتهييئ كل ما يناسب المقام زمانا ومكانا، حتى يضمن النصر للحق والعدل، ولتكون كلمة الله هي العليا.

ويرى بعض العلماء أن سبيل الله يدخل فيه كل عمل يحقق جانبا من جوانب المصالح الإسلامية، ويعود على المجتمع الإسلامي بالخير ويدفع عنه كل سوء.. سواء في ذلك الميدان الاجتماعي كالتربية والتعليم والثقافة، أو الميدان الصحي، كصناعة الأدوية وبناء المستشفيات، وتكوين الأطباء والأساتذة، ومساعدة الدعاة الذين يجابهون الغزو الفكري، ودعاة التنصير والإلحاد، وغير ذلك من الميادين؛ لأن سبيل الله شامل لكل ما يجلب الخير ويدفع الشر عن المسلمين.

وابن السبيل

هو المسافر المنقطع عن موطن سكناه وأهله وماله، فهذا يعطى من الصدقة ما يحقق مقصده، ما دام لم يجد من يعينه بقرض إلى أن يعود إلى بلده.. وذلك إذا كان سفره مباحا.

وهو مذهب الشافعية، أما مذهب المالكية والحنابلة فابن السبيل المستحق للزكاة.. هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد من يقرضه حتى يعود إلى بلده، أو ليس له مال في بلده يؤدي منه ما استلفه في سفره.. فإن كان له مال في بلده ووجد من يقرضه فلا يعطى من الزكاة، والله أعلم.

ص: 418

نقل الزكاة وحكمه شرعا

اختلف العلماء في جواز نقل الزكاة من مكان وجوبها إلى بلد آخر، فقال علماء الشافعية وبعض المالكية: لا يجوز نقل الصدقة ويجب صرفها في البلد الذي يوجد فيه المال المزكى، إلا إذا فقد من يستحقها في المكان الذي وجبت فيه.. واستدلوا لمذهبهم بحديث عمرو بن شعيب "أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند (اسم بلد) حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه، فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر.. وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذا جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني. فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال ماعذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا". رواه أبو عبيد فدل ذلك على أن عمر لا يجيز نقلها إلا عندما لا يوجد من يستحقها في نفس المكان الذي فرضت فيه.

وفي حديث معاذ.. ((أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم..)) وحديث أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا، فكنت غلاما يتيما فأعطاني قلوصا.. رواه الترمذي.. وعن عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ فقال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه. رواه أبو داود وابن ماجه. وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الأثرم في سننه، وبهذه الأدلة ثبت أن الصدقة تستعمل في المكان الذي يوجد فيه المال المزكى، إلا إذا استغنى أهل البلد فيجوز نقلها.

ص: 419

أما الحنفية فقالوا بكراهة نقلها، إلا إذا كان هناك سبب معقول.. كأن ينقلها المصدق لذي قرابة محتاج؛ لأن في ذلك معنى آخر زائدا وهو –صلة الرحم- أو يكون أهل البلد المنقولة إليه أشد حاجة إليها من أهل البلد الذي وجبت فيه، وكذلك نقلها من دار الكفر إلى دار الإسلام أو نقلها إلى طلبة علم وما شابه ذلك، ففي هذه الأحوال لا يكره نقلها.

أما مذهب الحنابلة فهو عدم جواز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر، ولا بأس بنقلها فيما دون ذلك.

وإذا كان الرجل في بلد وماله في بلد آخر فالمعتبر البلد الذي فيه المال، وإذا كان المال بعضه في بلد وبعضه في بلد آخر أدى صدقة كل مال في البلد الذي يوجد فيه ذلك المال، بخلاف صدقة الفطر فإنها تؤدى في البلد الذي يوجد فيه من وجبت عليه؛ لأن الوجوب يتعلق بالشخص في هذه وبالمال في تلك.

وهكذا يتبين أن الصدقة يجب صرفها في المكان الذي وجبت فيه إلا إذا كان هناك سبب يجيز نقلها إلى مكان آخر، وهو أمر معقول. ومالك يرى أن نقلها عندما يوجد سبب النقل يكون بأمر الإمام على سبيل النظر والاجتهاد؛ لأن النظر والاجتهاد لا يتم على الوجه المقبول إلا من المسؤول وليس من رب المال.

ص: 420

ومن أخرج صدقته ووضعها في غير مستحقها فهل تجزئه أم يجب عليه أداؤها لمن يستحقها مرة أخرى.. فقال أبو حنيفة: يجزئه ما دفعه ولا يطالب بزكاة أخرى. مستدلا بحديث معن بن يزيد الذي قال: إن أباه أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها في يد رجل في المسجد. قال معن: فجئت فأخذتها وأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن)) . رواه أحمد والبخاري.

كما يؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة.. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق الليلة. فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون.. تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة.. فخرج بصدقة فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون.. تصدق الليلة على غني.. فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى سارق وعلى غني. فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعفف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعفف به عن زناها.. وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل) .

رواه البخاري ومسلم وأحمد.

وذهب مالك والشافعي وأحمد والثوري إلى أنه لا يجزئه دفع الزكاة إلى من لا يستحقها، فإذا تبين خطؤه وجب عليه إخراجها مرة أخرى ودفعها إلى مستحقيها.

واتفقوا على أنه إذا تبين له أنه أعطاها لعبد أو كافر أو هاشمي أو ذي قرابة تجب نفقته على المزكي، فإنها لا تجزئه أيضا.

ص: 421

المتصرف في الصدقة

في عهد النبوة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث العاملين على جمع الصدقة، ويصرفها في مستحقيها؛ طبقا لما أمره الله به:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . التوبة: 103.

ومعلوم مما سبق أن بيان مستحقيها لم يتركه الله سبحانه لاجتهاد أحد ابتداء من الرسول عليه السلام، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:((إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك)) .

فالله تعالى تولى بيان المستحقين الذين تعطى لهم الزكاة في آية التوبة السابق ذكرها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} التوبة:60.

وجاء بعده خلفاؤه الراشدون فبعثوا عمالهم على الصدقات، وكانوا يجمعونها ويضعونها في أهلها، ويأتون الخليفة ببعضها، كما تشير إليه الأحاديث والآثار السابقة في هذا البحث المتواضع.

وعليه، فالأصناف الثمانية لم تكن الصدقة توزع عليهم بالتساوي، لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه، فالثابت بالنصوص المذكورة سابقا تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى من الصدقة لبعض الفقراء والمساكين ولبعض المؤلفة قلوبهم، وكان الفرق عظيما بين ما أعطى لهؤلاء ولهؤلاء، وحتى لصنف واحد لم يكن يعطيهم بالتساوي، وليس في الآية التي نصت على الأصناف الثمانية ما يفيد أنه يجب القسمة بينهم بالتساوي، ولا بين أفراد كل صنف منهم

وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم معاذا عندما أرسله إلى اليمن فأمر أن يأخذ صدقاتهم ويردها في فقرائهم، ولم يوصه بقسمتها بالتساوي بين الأصناف، ولا بين أفراد الصنف الواحد، مما يدل على أن للموزع أن يجتهد ويعطي كل فرد وكل صنف ما يدفع عنه غائلة الفقر والمسكنة أو ما يفيد أي إنسان من الأصناف الأخرى.. لأن الغرض هو سد الخلة عند الفقراء والمساكين وما يحقق القصد من وضعها في أي صنف من الأصناف الأخرى من المؤلفة قلوبهم والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وكذا العاملين عليها.

ص: 422

هذا إذا تولى الإمام أو عامله جمع الصدقة وتوزيعها كما كان عليه الأمر في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين وصدر الإسلام الزاهر.

أما إذا كان الموزع هو صاحب المال المزكى، فعليه أن يجتهد ويتحمل مسؤولياته لكي تبرأ ذمته، وقد سبق التنصيص على أنه إن وضعها في غير مستحقها فإن كان خطأ فقيل: إنه أتى بالواجب عليه، وبرئت ذمته لحديث أبي هريرة السابق.. أما إذا تعمد فتبقى ذمته مليئة بما وجب عليه؛ لأنه لم يضعها في مستحقها.

أما إذا دفعها للإمام أو نائبه فقد برئت ذمته؛ لأنه أدى الواجب على النحو الذي أمر به وسلك مسلك المسلمين على عهد الرسول عليه السلام وخلفائه الراشدين.

وذلك أخذا من حديث أنس قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها.)) رواه الإمام أحمد. وحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)) رواه البخاري ومسلم.

إذن فللمسلم أن يعطي الزكاة لمن يستحقها بنفسه، وفي البلد الذي وجبت فيه، وله أن ينقلها إلى مكان آخر قريب لأسباب معقولة إذا استغنى فقراء البلد عنها، وله أن يدفعها للخليفة إذا كان يعمل على جمعها وإعطائها لمستحقها، فإن أخل بالعدل في توزيعه فعليه إثمه، أما صاحب المال فقد برئت ذمته.

ومن هنا يمكن القول بدفع الصدقة لصندوق التضامن الإسلامي إذا كان ينوب عن الإمام في الجمع والتوزيع.. فما هو هذا الصندوق ومن هم القائمون عليه؟

ص: 423

صندوق التضامن الإسلامي

يجب معرفة هذه المؤسسة الإسلامية الهامة في حياة الأمة الإسلامية.. خصوصا في الظروف التي تعيشها، والتي يعمل كل مؤمن مخلص في عقيدته عارف بمسؤولياته.. قادة وعلماء على إنقاذ الشعوب الإسلامية من الحالة المتردية التي تعيشها شعوب العالم الإسلامي؛ من تمزق واختلاف وتفرق وابتعاد عن تعاليم الإسلام ونهجها القويم، مما أوقع الأمة الإسلامية بين أيدي خصومها وأعداء دينها فريسة تتعاورها أيدي الثالوث الرهيب: الصليبية والشيوعية

وربيبتها الصهيونية المدللة، وهذا لا يحتاج إلى شرح وتوضيح؛ لأن العالم أصبح ميدانا لتصرفات هذا الثالوث، وقد يختلفون فيما بينهم، ولكنهم إزاء أمة الإسلام تجدهم أقانيم ثلاثة، هدفهم واحد هو الوقوف في وجه الأمة الإسلامية؛ عربيها وعجميها

شرقيها وغربيها.

وعلى المسلمين وعلمائهم وقادتهم، أن يراجعوا حسابهم مع أنفسهم، ويزيلوا كل أسباب الفرقة والخلاف، ولا يمكن ذلك إلا بالرجوع إلى المنهج الإسلامي المتكامل.. والذي لا تنجح خطة لإنقاذ ما بقي من ذماء روحي في مجتمعنا الإسلامي إلا به.

ولعل في هذه الاجتماعات والمؤتمرات الرئاسية التي يدعو إليها رؤساء وملوك المسلمين فترة بعد فترة، ما يعمل على رأب الصدع وجمع الكلمة والعمل على إيقاظ الهمم وإحياء روح الأخوة، والتعاضد والتعاون؛ عملا بأمر الله العلي القدير:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103، وقوله سبحانه:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} المائدة: 2.

ولا شك أنه من نتائج هذه المؤتمرات الرئاسية التي تعقد من حين لآخر تأسيس هذه المؤسسة التي يدل اسمها على عملها، فالأمة الإسلامية مدعوة من كتاب ربها وعلى لسان نبيها صلى الله عليه وسلم لأن تكون خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، ولا تكون كذلك إلا إذا عملت بمبدأ التضامن والتكافل في سائر مجالات الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية؛ لتصبح كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:((كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.)) .

ص: 424

وبالرجوع إلى تاريخ تأسيس منظمة التضامن الإسلامي يظهر حسن القصد من هؤلاء الرؤساء الذين كونوا هذه المؤسسة الطيبة، غير أن الملاحظ أن الفكرة تبدو وهي ضرورية لحياة الأمة الإسلامية، ولكنها مع الأسف تسير ببطء.. فقد أسس صندوق التضامن الإسلامي بقرار من المؤتمر الثاني للقمة الذي انعقد عام 1394هـ، الموافق لسنة 1974م في الجمهورية الإسلامية بباكستان.

ووافق المؤتمر الإسلامي الخامس بعاصمة ماليزيا على النظام الأساسي لهذه المؤسسة بعد ذلك.. وجعل من أهم أهدافه رفع مستوى المسلمين في العالم في كل المجالات

سياسية واقتصادية واجتماعية.. ومن أهم ذلك الوقوف مع الشعب المسلم المشرد من أرضه – فلسطين - أمام سمع وبصر.. كل دول العالم. ولم يكتف الأعداء بطرد الشعب من بلاده وأرضه بل أرادوا محو أهم مظهر له في الحياة

قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى.. وهذا المسجد والمدينة التي تضمه والقطر الذي توجد فيه في ذمة كل المسلمين.. عملا بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي فتحه.. لأن ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فكيف بهذه وقد سعى بها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر.

ويمكن إلقاء نظرة خاطفة على أهداف هذه المؤسسة التي أحدثها مؤتمر القمة الثاني وصادق على نظامها وأهدافها المؤتمر الخامس، يرى الإنسان أهمية المؤسسة واستحقاقها لكل عون ومساعدة.. خصوصا وأن جل تلك الأهداف تدخل في نطاق مصارف الزكاة.

فالمادة التي تنص على مساعدة المتضررين من الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية التي تتعرض لها البلاد الإسلامية.

والمادة التي تشير إلى تشجيع البحث العلمي والتقني وإنشاء الجامعات في البلاد المفتقرة إليها.

ومنح المساعدات المادية والمعنوية للأقليات المسلمة في أنحاء العالم.

والعمل على نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة بتمويل البعثات العلمية لنشر الإسلام والدفاع عن عقيدته وتعاليمه، ودعم المراكز الإسلامية داخل الدول غير المسلمة.. والعمل على تنظيم الشباب المسلم بما يحفظ عليه عقيدته وسلوكه وتكوينه فكريا وعلميا وجسميا، بتنظيم الحلقات الدراسية التي تكون الشباب من لدن العلماء المفكرين والمتخصصين في كل القضايا التي تجعل من الشباب رجال المستقبل الذين يتحملون الأعباء عن قوة وجدارة.

ولا شك أن تنفيذ هذه الأهداف يحتاج إلى بذل مادي واسع، والمعتقد أنها كلها أو جلها داخلة في نطاق ما تهدف إليه الآية الكريمة:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} التوبة: 60. خصوصا البند السابع {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .

ولا شك أن المسؤولين عن هذه المؤسسة – الموظفين- يدخلون في البند الثالث؛ لأنهم يعملون على جمع الصدقات وصرفها في مستحقيها، وهم مسلمون رشداء، لا يشك في صلاحيتهم وقدرتهم على المأمورية المنوطة بهم ومسؤولياتهم أمام الذين أسندوا إليهم هذه المهام، وأمام الله تعالى.

نعم

لا بد من توزيع الصدقات على فقراء البلد حتى يكتفوا، ولا بأس بما يفضل عنهم كما كان على عهد الرسول والخلفاء الراشدين. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

كتبه وحرره عبد ربه الراجي عفوه ومغفرته

مولاي مصطفى العلوي

ص: 425

مراجع البحث

كتب التفسير:

1-

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الجزء 8

2-

أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي الجزء 2

3-

الكشاف للزمخشري الجزء 3

4-

تفسير ابن كثير لابن كثير الجزء 3

5-

التحرير والتنوير الطاهر ابن عاشور الجزء 10

6-

تفسير المنار رشيد رضا الجزء 10

7-

الكريم الرحمن الجزء 3

8-

في ظلال القرآن سيد قطب الجزء 10

كتب الحديث:

9-

فتح الباري على صحيح البخاري الجزء 3

10-

النووي على صحيح مسلم الجزء 7

11-

كتاب التاج للشيخ منصور الجزء 2

12-

اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان الجزء 1

13-

الزرقاني على موطأ الإمام مالك الجزء 2

14-

نيل الأوطار للشوكاني الجزء 4

15-

شرح الجامع الصحيح للربيع بن حبيب الزاهيدي الجزء 2

16-

سنن الدارمي لعبد الله بن عبد الرحمن الجزء 1

17-

عون المعبود على سنن أبي داود لأبي الطيب الجزء 4

18-

سبل السلام على بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الجزء 2

19-

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري الجزء 3

20-

حاشية الرهوني على بلوغ المرام الجزء 1

21-

شرح السنة للإمام البغوي الجزء 5

22-

تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير الجزء 2

23-

الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني الجزء 9

24-

المصنف ابن أبي شيبة الجزء 3

25-

لمصنف لعبد الرزاق الجزء 4

26-

مجموع فتاوى ابن تيمية الأجزاء: 17-25-28-33-35

27-

التمهيد لأبي عمر يوسف بن عبد البر الأجزاء: 2-4-10-18

كتب الفقه:

28-

الكافي لأبي يوسف بن عبد البر القرطبي الجزء 1

29-

الشرح الصغير على أقرب المسالك لأحمد الدردير الجزء 1

30-

الروضة الندية شرح الدرر البهية الجزء 1

31-

المحلى لابن حزم الجزء 5

ص: 426