الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة الأسهم في الشركات
إعداد
فضيلة الشيخ محمد عبده عمر
عضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول: زكاة الأسهم في الشركات
المقدمة
اطلعت على بعض البحوث التي وصلت إلينا من المجمع تمهيداً لمناقشتها في الدورة القادمة، وكنت أتوقع أن تكون البحوث مقصورة على موضوعية البحث دون الخوض في موضوع الزكاة بوجه عام واستعراض أدلة وجوبها من الكتاب والسنة؛ لكون أدلة وجوبها معلومة من الدين بالضرورة، وركنا من أركان الإسلام الخمسة، فضلا عن جزئيات فقهية لا علاقة لها بصلب الموضوع، وإذا كان لا بد من السماح للقلم بأن يعرج على شيء، فإن الأولى بذلك التعريج على مسائل لها علاقة مفيدة في طلب البحث المطروح، وكنت أود لو أن البحوث المشار إليها تعرضت لها. وهي ما يلي:
1-
إيضاح ما علق في أذهان جماهير الأمة الإسلامية في عصور الجهل والانحطاط إلى حد أصبح فيه مفهوم الزكاة يساوي فكرة الإحسان والتفضل.
2-
هل في أموال الأغنياء للفقراء حق سوى الزكاة؟
3-
ما هي حدود حق الفقراء في أموال الأغنياء عند تقريره؟
ولكي لا يطول بنا البحث أو يتشعب فقد قسمت الموضوع إلى ثلاثة مباحث:
الأغنياء المسلمين، قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: 60 وهي ضريبة إسلامية شرعها الإسلام، تأخذها الدولة من الأموال الظاهرة وغير الظاهرة؛ كالذهب والفضة وسائر النقود، وهي في نظر الإسلام ضريبة إجبارية وفريضة إسلامية محكمة وركن من أركان الإسلام الخمسة.
وحارب الخليفة الأول للمسلمين الذين امتنعوا من أدائها معتبراً ذلك خروجاً منهم على الإسلام. والزكاة لا تؤخذ إلا بعد أن يتجاوز ما يمتلكه الإنسان عن حاجته ويرتفع عن مستوى المعيشة المناسب قليلاً. فإذا امتلك المسلم البالغ العاقل من الزروع والثمار والماشية أو عروض التجارة أو الذهب والفضة واستمر في حوزته كل ذلك أو بعضه حولا كاملاً، اعتبر في نظر الإسلام غنياً، ووجب عليه إخراج الزكاة بالمقادير التي حددها الشرع، وهي على وجه العموم عبارة عن 10 % من محصول الزرع والثمار المسقي بماء السماء دون جهد أو عناء، ونصف هذا المقدار إذا أسقي الزرع أو الثمر بعناء ومشقة وبالآلات، و2.5 % من قيمة الذهب أو الفضة أو السلع التجارية أو النسبة المتصاعدة العينية من الماشية حسبما حددته الشريعة الإسلامية.
مما تقدم يتضح بكل جلاء بأن مفهوم الزكاة في الإسلام قد تجاوز مرحلة الإحسان إلى فكرة الضريبة الإجبارية، وإلا لما كان هناك معنى لأن يكون الزكاة ركناً من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام. وهذا هو ما أجمع عليه الصحابة وعلماء الأمة الإسلامية سلفاً وخلفاً وفي كافة العصور.
ومن هذا الفهم الإسلامي الصحيح ظهرت فكرة الحق الشرعي في أموال الأغنياء للفقراء، ومما لا شك فيه بأن الأمم والشعوب قد تأثرت بهذا المفهوم للإسلام عبر عصور الإسلام المختلفة، مما جعلها تتحدث في العصر الحديث عن فكرة الحق في أموال الأغنياء للفقراء، بعد أن سبقها الإسلام إلى هذا قبل أربعة عشر قرناً ونيف من الزمن، وبعد أن كان هذا الحق في الضمير الإسلامي جزءاً لا يتجزأ من عقيدته كركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يقوم الإسلام بدونها، وأن الغني الموسر لا يمكن أن يكون خالي الذمة من أي واجب إزاء الفقير المعدم، وإذا كان من السهل أن يتجاهل الغني واجبه أمام هذا الحق الشرعي المفروض فليس من السهل إذا صار هذا الحق واجباً شرعياً للفقير أن تقف السلطة الشرعية مكتوفة الأيدي، ليس فقط لأخذ ذلك الحق الشرعي من الغني وإعطائه للفقير، ولكن الحق الشرعي هنا للسلطة، أخذ ذلك الحق ونصف مال الغني كعقوبة شرعية لذلك الغني الذي أراد أن يتهرب من أداء ذلك الحق، فإذا لم تقم السلطة الشرعية بواجبها فإن الفقراء لن يعجزوا في الوصول إلى حقوقهم بقوة الحق المشروع لهم في الإسلام. فلم تكن فريضة الزكاة فكرة إحسان؛ لأن الإحسان يمثل واجباً لاحقاً، ومن هنا ساد الفهم الخاطئ في عصور الجهل والانحطاط من أن فكرة الزكاة تساوي فكرة الإحسان، الأمر الذي جعل الأغنياء ظالمين، واستطاعوا أن يلبسوا مفاهيم هذا الحق الشرعي بمفاهيم الإحسان حتى تضعف قوة المطالبة به من ناحية الفقراء، طالما هو إحسان وتفضل وليس حقا واجبا فرضه الإسلام وجعله ركناً من أركانه الخمسة. كما أن تحويل فكرة هذا الحق الشرعي إلى فكرة إحسان جعل الدولة لا تدخل إلى جانب الفقير؛ لأن درجة الإلزام هنا قد ضيعت بضياع فكرة الحق الواجب ولم يبق إلا فكرة الإحسان. الأمر الذي جعل الناس لا يشعرون بإزاء فكرة الإحسان أنها تتمتع بدرجة عالية من الإلزام للناس. وقد عرفوا طوال عصور الجهل والانحطاط وفي عصور غياب الوعي الإسلامي الصحيح لهذا الركن الإسلامي بأن الخلق لا يمكن أن يرقى إلى سلم الإلزام للحق الواجب الشرعي.
إضافة إلى أن فكرة الإحسان خالية من الشروط الضرورية لتدخل الدولة، ولا يمكن أن نجبي من الإحسان ضريبة محددة المقادير مبينة الشروط. فالإحسان ليس هناك تحديد لمقاديره، ولا بيان واضح دقيق لمن يجبي الإحسان، ومن يجبي الإحسان إذا تجرد من فكرة الحق الواجب شرعاً. وواضح الأمر موكول بجملته إلى الأغنياء، متروك لمدى شعورهم بواجبهم إزاء الفقراء والمعوزين، وهو شعور يغالبه الحب الطبيعي للمال والنفور من بذله وإنفاقه، فكانت النتيجة أو المحصلة أن انصرف الناس عن الإحسان تدريجيا وسقط الفقراء في هوة سحيقة من البؤس والعوز دون أن يجدوا من نظام المجتمع عوناً أو كافلاً. لا شك أن في المال حقاً سوى الزكاة، وأن الزكاة ليست هي كل الواجب، وهذا ما قرره كثير من علماء السلف والخلف. وأن الواجب الإسلامي لا يتم إلا بتحقيق وسائل الحياة الكريمة للطبقة الفقيرة، وبذل ما يحتاج إليه هذا الهدف الإسلامي الجليل.
وقد أشار ابن حزم في الجزء السابع من كتابه المحلى إلى أن تحقيق مستوى الحياة الكريمة للطبقة الفقيرة حق شرعي وواجب اجتماعي يجب على الدولة أن تضطلع به، ولا يجوز أن تتركه لجهود الأفراد، وأن للحاكم أن يأخذ من أموال الأغنياء ما يحقق به هذا الغرض إذا لم تف الزكاة به. والمغزى الاجتماعي لهذه الفكرة واضح، وهي تجعل المجتهد لا يفكر في تمديد واجب الأغنياء نحو الفقراء، ولكنه يفكر في ضرورة تحقيق مستوى خاص من الحياة لكل فرد من أفراد الطبقة الفقيرة.
ومعلوم بأن الحكم الشرعي يؤخذ من نصوص الكتاب والسنة ومن القياس والإجماع. والفقيه عندما يقوم بمهمته الاجتهادية إنما يتجه إلى نصوص الكتاب والسنة ليستخلص منها الحكم الشرعي طبقاً للقواعد المقررة في أصول الفقه الإسلامي. ونحن هنا لا نحب أن ندخل في تفصيلات طرق استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، فهذا لا يعنينا هنا، وإنما الذي يعنينا بصورة خاصة هو طبيعة هذا المنهج من ناحيته الإيجابية والسلبية، فهو من الناحية الإيجابية ينحصر في النصوص، ويجتهد في استخلاص الأدلة وصولاً إلى الحكم الذي يدل عليه النص، أو يشهد له القياس أو الإجماع ثم الاستنباط، وانتهت المهمة.
وواضح أن هذا المنهج الاجتهادي لا بد من توافره كشرط ضروري للاجتهاد، إلا أن هذا المنهج يجب أن لا يغفل تطور الحياة الإنسانية، بل عليه أن ينظر إلى مصادر الأحكام الاجتهادية من واقع الإنسانية التي جاءت هذه الأحكام لتنظيمها. خاصة إذا علمنا بأن واقع التراث الاجتهادي الفقهي يعلمنا بأن المصادر الشرعية الاجتهادية عندما تؤخذ بعيداً عن واقع الحياة البشرية تظهر تلك الأحكام الفقهية التي تشق على الناس، علماً بأن الشريعة ليس فيها حرج أو مشقة، وهذا أمر مفروغ منه أصولياً، ولكن مرد ذلك إلى النظرة الفقهية الاجتهادية بمعزل عن الظروف التي استجدت في المجتمع من عصر إلى آخر.
وإذا كان لمجمعنا من خصائص يمتاز بها على بقية المجامع الفقهية، فإنه إلى جانب أنه أول مجمع عالمي يضم في إطاره الأمة الإسلامية، فإن تفكير العقلية الاجتهادية لمجمعنا يجب أن لا تكون محصورة في دائرة النصوص، أو على استخلاص دلالتها.
1-
لأننا نعتقد بأن باب الاجتهاد مطلق، وما مجمعنا الموقر إلا إثبات لهذه الحقيقة التي تنسجم مع عقيدة المسلمين بخلود الدين الإسلامي إلى قيام الساعة، ولا يكون كذلك إلا إذا كان قادراً على استيعاب واقع الحياة البشرية المتطور في كافة مراحلها.
ومن هنا فإن النظرة الاجتهادية لا بد وأن تستوعب البيئة المحيطة به، وما يعتمل فيها من فقر وبؤس من ناحية، وانغماس الأغنياء في الترف والنعيم وعدم اكتراثهم بمن حولهم من شقاء وبؤس العيش من ناحية أخرى، ومن هنا لا بد للمجتهد من نظرة واسعة يقتضيها تطور المجتمع وانعكاساته على أوضاع الناس، بحيث ينظر ليس فقط بعقلية من يريد أن يجمع النصوص ومصادر الاجتهاد كي يستخرج منها دلالتها على الأحكام الشرعية، بل لا بد وأن يضيف إلى ذلك روح من يعتقد بأن الشريعة الإسلامية إنما جاءت لتحقيق السعادة الإنسانية ومحو مظاهر البؤس والفاقة من المجتمع، وأن مهمته الكبرى هي النظرة الفقهية إلى استخلاص العلاج الإسلامي الكامل من تلك المصادر والنصوص الشرعية، إلى جانب النظرة الموضوعية إلى واقع الحياة البشرية التي تطلب علاج أمراضها من شريعة الإسلام، خاصة إذا ما علمنا بأن هذه النظرة الفقهية إلى النصوص الشرعية قد سبقنا إليها أئمة من السلف كانت لهم الإمامة الفقهية في عصورهم، منهم الإمام الكبير والفقيه الحجة ابن حزم الظاهري الذي شعر في عصره بمشكلة الفقر في المجتمع، وتجرد في نظرته الفقهية إلى النصوص بروح النظرة الموضوعية للمصلح الاجتماعي والعقل المفكر الحر للبحث عن علاج حاسم لها في دائرة الإسلام.
ولم يكن ابن حزم مجرد فقيه عادي، كل همه دراسة النصوص ودلالتها دون التفكير في الإنسان وشقاء الإنسان واختلاف الزمن وتطور المجتمع. وقبل الإمام ابن حزم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال:"إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي الفقراء، فإن جاعوا أو عروا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه". وعلى هذا فإن المفروض إذاً هو ما يكفي الفقراء، وليس الزكاة وحدها، والذي يكفي الفقراء يتناول ما يسد حاجة الجموع، ويوفر لهم الغذاء والكساء، هذا الحق في مال الأغنياء غير الزكاة قرره علي بن أبي طالب وكبار علماء السلف والتابعين، وليس ابن حزم إلا معبراً عن هذا الاتجاه الإسلامي العظيم للسلف الصالح.
وهذا مبدأ عام في الشريعة الإسلامية يشترك في فهمه جميع علماء الأمة الإسلامية.
2-
أما حق الفقراء في أموال الأغنياء إذا لم تف الزكاة بحياة كريمة لهم فقد تقرر من مبادئ الإسلام ونصوص الشريعة كما فهمه السلف وطبقه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، ونخلص من هذه النقطة إلى تقرير حق شرعي في أموال الأغنياء للفقراء إذا لم تف الزكاة بذلك، وإن مبادئ الإسلام العامة قد أعطت الحاكم أو السلطة أخذ هذا الحق بما يحقق المستوى الاجتماعي للفقراء.
3-
أما حدود هذا الحق فقد أشار الإمام ابن حزم بقوله: (يقام للفقراء بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ومن اللباس للصيف والشتاء بمثل ذلك ومسكن من المطر والشمس) . وهنا نجد أن هذا الفكر الإسلامي في مستوى سام على هذا النحو الرحب الذي يتضمن الغذاء والكساء والمسكن، وجعله حقاً للطبقة الفقيرة، يعبر عن روح الإسلام وجوهره الحقيقي. ومن هنا فإن واجب علماء الإسلام المجتهدين لا يقف عند الحديث عن الزكاة وأنواعها ومقاديرها، وأن لا يكون همه أيضاً فقط موجها إلى استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها فقط، وإنما أيضا إلى ذلك كله النظرة الفقهية الرشيدة والحكيمة إلى المجتمع وحاجاته؛ لأننا قد علمنا بأن في أموال الأغنياء حقاً سوى الزكاة. وأن الله قد فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، ولهذا فإن الحاكم أو السلطة لها أن تأخذ من أموال الأغنياء ما لا بد منه لتحقيق المستوى المناسب من الحياة للفقراء وتمكينهم من الاستمتاع بها، وإن تجاوزت في ذلك حدود الزكاة.
إذن نخلص من هذه الفقرة في نهاية المبحث الأول إلى أن هذا الحق ليس محدداً، ولن تقف حدوده الشرعية إلا عند مستوى الحياة الكريمة للطبقة الفقيرة. وواضح بأن ذلك كله يتجاوز حدود الزكاة، وبالتالي يجب أن يكون مرناً قابلاً للزيادة والنقص؛ حتى تستطيع الدولة مواجهة كافة الظروف، وتكفل للفقراء حياتهم الكريمة، ولا تعجز عن الوفاء بها إذا زاد عدد الفقراء في المجتمع، وبحيث يفي هذا الحق الذي تجاوز حدود الزكاة منضماً إلى ضريبة الزكاة، تحقيق الهدف الإسلامي العظيم، وهو محو الفقر والبؤس من المجتمع الإسلامي.
المبحث الثاني
أنواع الشركات
أنواع الشركات المعروفة في فقه الشريعة الإسلامية.
1-
عرف في فقه الشريعة الإسلامية على سبيل الإجمال نوعان من أنواع الشركات هما:
1-
شركة أملاك، 2- شركة عقود، أما شركة الأملاك فهي أن يمتلك شخص فأكثر مالاً مشتركاً ومختلطاً بينهم من غير عقد، سواء أكان تملك تلك الأموال المختلطة بينهم تملكاً إجبارياً، مثل الأموال الموروثة ونحوها، أم كان تملك تلك الأموال تملكاً اختيارياً، مثل اشتراك شخصين فأكثر مالا مختلطاً ومشتركاً بينهم، أم ليس تملكاً إجبارياً ولا اختيارياً، بل تملك بعقد شراء، وهو جائز ومشروع بنص الكتاب والسنة. ومنه قوله تعالى:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} النساء: 12، وحكم مال هذه الشركة إذا بلغ النصاب ما لمجموعهم وحال عليه الحول، فإن الزكاة واجبة فيه، ولو لم يبلغ نصيب كل واحد من الشركاء الثلث على حدة. فالزكاة واجبة شرعاً على الشركاء في هذا المال المشترك على قدر نسبة كل واحد منهم من تلك الأسهم.
2-
أما شركة العقود، وهي تملك المال المشترك بين الشركاء بعقد شراء، فإنها تنقسم عند فقهاء الشريعة الإسلامية إلى الأنواع التالية:
1-
شركة العنان ويقال لها: شركة الأموال. وتعريفها الفقهي: هي أن يتعاقد شخصان فأكثر على أن يشتركوا فيما بينهم بمبلغ من المال معين الجنس والصفة والعدد، ويعملون فيه، ويكون الربح بينهم على حسب شروطهم، ولا يجوز لأي واحد منهم أن يتصرف إلا بإذن الآخر أو الشركاء الآخرين معه؛ لأن العقد مشترك بينهم والربح أيضاً مشترك بينهم بقدر رأس مال كل واحد منهم، والعمل أيضاً مشترك بينهم على قدر نصيب كل واحد منهم من رأس مال الشركة ومن الربح، فإذا لم يكن العمل بينهم على قدر ما لكل واحد من الشركاء في الربح ورأس المال المشترك أعطى لصاحب العمل ما يستحقه عمله في الربح، مضافاً إلى ما يستحقه من ربح رأس ماله.
ونص الفقهاء على وجوب توفر الأركان والشروط لهذا النوع من الشركات، فأركانها المتعاقدان أو المتعاقدون ورأس المال المشترك والصيغة التي هي الإيجاب والقبول وأما شروطها فهي الحرية، والرشد والبلوغ. وأن تشتمل الصيغة بين الشركاء بما تفيد معنى الشركة عرفاً والإذن بالتصرف لمن يتصرف من الشركاء بكل أنواع التصرف من بيع وشراء وهبة ونذر ووصية ونحو ذلك، أو بالإذن بالتصرف بالبيع والشراء فقط.
كما اشترط الفقهاء اختلاط رأس مال الشركة من غير تمييز، ولا بد أن يكون رأس مال الشركة معلوماً لدى الشركاء المتعاقدين، وأن يكون الربح والخسارة بحسب نسبة رأس مال الشركة بين الشركاء، وأن يكون الجزء المستحق لكل واحد من المشتركين من الربح جزءاً معلوماً مشاعاً، وهذه الأركان والشروط عند الفقهاء مأخوذة من مفهوم الحقيقة اللغوية الشرعية للشركة. والتي هي ثبوت الحق شائعاً في شيء واحد مشاع، كثبوت حقوق الورثة في المال الموروث، وثبوت الحق شائعا في شيء بعقدين اثنين فأكثر، كثبوت أسهم الشركاء في المال المشترك بعقد شرعي، كما في شركة العنان المذكورة. أو كثبوت أسهم الشركاء في الربح المشترك بعقد شرعي كما في شركة المضاربة.
2 -
شركة المضاربة:
وهي مشتقة من الضرب في الأرض، الذي هو السفر لتنمية المال بالتجارة.
وقد عرفها الفقهاء بأنها هي التي يكون رأسمالها من أحد الشريكين دون الآخر، ويكون العمل لتنمية هذا المال من الشريك الآخر دون صاحب رأسمال الشركة، بحيث يكون رأسمال الشركة لصاحبه، أما الشريك الآخر، وهو العامل، فإنما يستحق جزاء من ربح ذلك المال على حسب اتفاقه مع صاحب رأسمال الشركة، وهي أيضاً ثابتة بالسنة، ولها أركانها وشروطها في كتب الفروع الفقهية.
3 -
شركة الوجوه:
وتعريفها في كتب الفقه: هي أن يتفق اثنان فأكثر على الاشتراك في شراء شيء ديناً في الذمة، ثم يتاجرون في ذلك المال، فما تحقق لهم من ربح فهو بينهم على حسب شروطهم، وهذا النوع جائز في الإسلام وله أركانه وشروطه في كتب الفروع.
4 -
شركة الأبدان:
وعرفها الفقهاء: بأنه اتفاق اثنين فأكثر بالاشتراك بأبدانهم، وتسمى أيضاً بشركة الأعمال. فما ربحوا نتيجة لذلك العمل فهو بينهم على حسب شروطهم المسبقة، وهذا النوع جائز وله أركانه وشروطه في كتب الفقه.
5-
شركة المفاوضة:
وعرفها الفقهاء بقولهم: هي أن يفوض كل واحد من الشركاء شريكه في كافة الأعمال والتصرفات المالية والبدنية، وكل عمل أو تصرف يدخل في أعمال تلك الشركة. وهي أيضاً جائزة ولها أركانها وشروطها في كتب الفروع أيضاً.
هذه هي أنواع الشركات المعرفة في فقه الشريعة الإسلامية.
2-
أما النظرة الفقهية لهذا النوع من الشركات الإسلامية، فقد عنيت النظرة الفقهية لفقهاء الإسلام رضي الله عنهم عناية لا يدانيهم فيها تشريع، ولا غرابة في ذلك؛ فالإسلام هو خاتمة الرسالات السماوية التي جمعت بين العقيدة والشريعة في إطار واحد، واستكملت التفاعل بينهما حتى صارت مقتضيات كل منهما تؤثر في الأخرى وتتأثر بها. لقد عالج فقهاؤنا الأموال من حيث أنواع التملك وأسبابه، ومن حيث العقود التي ترد على الأموال – عقد البيع وعقد الإجارة وعقد الوكالة وعقد الرهن وعقد الكفالة وعقد الحوالة وعقد القسمة وعقد العارية وعقد القرض وعقد الوديعة وعقد الهبة وعقد الوصية وعقد الشركات المتقدم ذكرها، وفصلوا أحكامها تفصيلاً ليس وراءه زيادة لمستزيد، إلا أن جانباً من جوانب استثمار المال على ضوء ما يصح استنباطه من الكتاب والسنة لم يفصلوا فيه بقدر ما وصل إليه على المحدود تفصيلاً واضحاً وتشريعاً متكاملاً، مثل الشركات المعاصرة والتي نحن بصدد دراستها والاجتهاد في أحكامها الشرعية على سنة سلف الأمة المجتهدين على اختلاف عصورهم.
ولعل مرجع ذلك إلى أن ظروف عصرهم ومقتضيات مجتمعهم لم تكن تتطلب منهم اجتهاداً تفصيليا ولا افتراضا تخريجياً لأحكام شركات مستجدة في مستقبل حياة الأمة الإسلامية، وهذا هو الموضوع المطروح أمام مجمعنا الموقر في دورته الرابعة، وهو الذي سوف نعالجه في هذا البحث الذي نعرضه على صفوة علماء المسلمين لتمحيصه وإبداء الرأي فيه.
وأود أن أشير إلى أن النظرة الفقهية للشركات المستجدة والمعاصرة يجب أن لا تكون محصورة في دائرة النصوص الشرعية، ولا في المسائل الفقهية للفروع المذهبية، بل يجب أن تأخذ بالاعتبار إضافة إلى ذلك المبادئ العامة للشريعة، والتي تعتبر المنطلقات الشمولية للاجتهاد، وتعطي للشريعة الإسلامية تكاملها الجمالي في حدود ضوابط الاجتهاد الأصولي وشروطه عند علماء الاجتهاد. وفي هذا أورد إشارة إجمالية إلى ما يلي:
1-
لا يشك مجتهد من علماء الأمة الإسلامية بأن مبادئ الإسلام العامة والكلية تفرض على المالك أعمال استثمار ماله إذا قضت بذلك ظروف العصر وضرورات المجتمع الإسلامي.
2-
وجوب اتباع أرشد السبل في استثمار هذا المال.
3-
وجوب توجيه استثمار المال في المجتمع الإسلامي إلى جميع المسالك التي تتطلبها ضرورات المجتمع.
ومن هذه المبادئ العامة والمنطلقات الشمولية أجمع الفقهاء إلى أن أول تكليف شرعي يقع على مالك المال هو شكر الله وتوظيفه لمصلحة المجتمع لينتفع به، وذلك بإيداعه في المصارف والمشاريع العامة ليستفيد منه المجتمع الإسلامي. ولا يكون كذلك إلا إذا وجه نشاطه ومواهبه إلى استثمار هذا المال في نطاق الوجوه المشروعة للاستثمار والتنمية على نحو يفي بحاجاته وحاجات من يعيلهم، وبغير عدوان على مصلحة الجماعة أو المصلحة العامة؛ ذلك لأن الإسلام يبغض الفقر ويكافحه ويدعو المجتمع الإسلامي إلى الجد والاجتهاد في تنمية أمواله المادية أخذاً بنصيبه من الدنيا.
وبهذه النظرة الفقهية الشمولية تفهم العبادات التي فرضها الإسلام على المسلمين بأن أداءها والقيام بها لا يجوز أن يكون مدعاة للتراخي في نشاط المسلم المادي وابتغاء فضل الله بكسب المال الحلال واستثماره في نطاق الوسائل المشروعة لكسب المال واستثماره، قال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} الجمعة: 10. والنصوص الشرعية في هذا المجال معروفة لأصحاب الفضيلة أعضاء المجمع.
المبحث الثالث
لقد جدت في مجتمعنا المعاصر شركات أخذت أسماء ومصطلحات جديدة وأطراً قانونية تبعاً لتطور الحياة واختلاف معاملات الناس والسبل الجديدة لاستثمار الأموال، مما استدعت الحاجة إلى بيان الحكم الشرعي باعتبار بيان الحكم الشرعي واجباً كفائياً مناطاً بعلماء الأمة المجتهدين لكافة القضايا والنوازل المستجدة في كل عصر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ تحقيقاً لعقيدة المسلمين بخلود الإسلام، وأن الله تبارك وتعالى له في كل فعل من أفعال العباد حكم يدور على الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة.
من هذه الشركات:
1-
شركة التضامن، 2- شركة الكهرباء، 3- شركة التوصية البسيطة، 4- شركة الكباري، 5- شركة النقل البري أو الجوي أو البحري إلخ، هذه الأسماء التي قد لا تقف عند حد من التسميات ونحن هنا لا تهمنا الأسماء ولا المصطلحات ولا الهياكل الشكلية لتلك الشركات المستجدة لكي نصل في بحثنا إلى معرفة زكاة الأسهم في تلك الشركات. ومعلوم بأن الشركات الدولية التي تخضع قانونياً للملكية العامة لكافة أفراد الشعب غير داخلة في بحثنا هذا لكونها لا تجب فيها الزكاة شرعاً؛ لأن حكم أموالها وأرباحها حكم بيت مال المسلمين أو الخزينة العامة للدولة. وإنما كلامنا على زكاة أسهم الشركات التي تخضع ملكيتها كليا أو جزئياً للجماعات أو الأفراد؛ لأن الحكم الشرعي في الزكاة مناط بأموالهم عند توفر شروط ذلك الحكم.
2-
موقف النظرة الفقهية من الشركات المعاصرة:
إن جمهور علماء الأمة الإسلامية سلفاً وخلفاً ينظرون إلى فريضة الزكاة من خلال النصوص الشرعية، على أن العلة في فرضية الزكاة التي يناط الحكم بوجوبها. هو النصاب النامي بالفعل أو بالقوة: أي القدرة على تنميته وإن لم يعمل على تنميته بالفعل، وأن العلة تؤخذ من النظرة الفقهية عند الفقهاء ومن تعليلاتهم في مواضع مختلفة ومن تتبع الأموال التي تجب فيها الزكاة، فهي في النقود لأنها نامية بالقوة وتجب في الزروع والثمار لإنماء الأرض والشجر وتجب في السائمة لأنها تنمو بمضي الزمن، ولا تجب في الأموال التي تكون لسد الحاجة الأصلية أو للاقتناء المباح شرعاً، ولذلك لم تجب في المسكن المعد لسكن رب المال، ولا أدوات الصناعة التي يعمل بها الصانع.
وهذا هو رأي الأحناف، واختاره الشيخ المرحوم محمد أبو زهرة في بحثه الخاص في الزكاة، والذي قدمه إلى مجمع البحوث في الأزهر. إذ يقول:"وقد وفرض النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة في النقود وطبقها الصحابة من بعده".
عروض التجارة: فرضها عليه الصلاة والسلام في الزروع والثمار وفي النعمة، واستنبط الفقهاء علة الزكاة في هذه الأنواع على أنها مال نامٍ. ثم يتساءل الشيخ أبو زهرة فيقول: "فهل إذا جد في هذه العصور أموال نامية بعضها لم يكن نامياً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عصر الصحابة، ولا الأئمة المجتهدين، فهل يسوغ لنا أن نفرض فيها الزكاة تطبيقاً للعلة التي استنبطها الفقهاء لحكم وجوب الزكاة؟ وإذا فعلنا ذلك لا نكون قد أتينا بمحظور في الأحكام الشرعية.
وأجاب على هذا التساؤل بقوله: "إن الجواب على هذا السؤال سائغ لنا، ونحن فيه لا ننشئ اجتهاداً ولكن نطبق علة القياس كما لو رأينا مواد مسكرة غير ما كان معروفاً في عصر الاجتهاد الفقهي من مشروبات فهل نبيحها ونقول: إنه لم يرد نص فقهي بتحريمها". ونقول: إن تحريمها لا يجوز؟ إنه يجب تطبيق العلة. ثم يستطرد ويقول: "إن فرض زكاة في الأموال التي ظهرت في هذا العصر أو في الأموال التي تغير وصفها عن الماضي إذا كانت في الماضي تتخذ للحاجات وصارت الآن أموالاً نامية كالمصانع الكبيرة والعمائر الشاهقة التي تتخذ للاستغلال، والحيوانات التي تتخذ للنماء"، ثم يقول: إن فرض الزكاة في هذه الأموال ليس خروجاً على أقوال الفقهاء السابقين، بل هو تطبيق لأقوالهم. بأن نعمم حكم العلة في كل ما تتحقق فيه. هذا ما يسمى بتحقيق المناط، وتحقيق المناط لا يصح أن يخلو منه عصر من العصور.
ثم استطرد الشيخ أبو زهرة رحمه الله بالنقل من الجزء الرابع من الموافقات للإمام الشاطبي ص 89-95 ما نصه:
"الاجتهاد على ضربين –أحدهما: لا يمكن أن ينقطع حتى لا ينقطع أصل التكليف، وذلك عند قيام الساعة. والثاني يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا. فأما الأول، فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، ولكن يبقى في تعيين محله: أي تطبيقه على الجزئيات والحوادث الخارجية. ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعداداً لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره، ولو في نفس التعيين، وأنه بالنسبة إلى كل ناظر وحاكم ومفتٍ ولو فرض ارتفاع هذا النوع من الاجتهاد لم تتنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الدين".
ثم يعقب أبو زهرة بقوله: وعليه فإن الأحكام الخاصة بالزكاة تعمم في كل ما يتحقق فيه العلة ويؤدي إلى أمر حق ويمنع أمراً ظالماً؛ لأنه يؤدي إلى المساواة العادلة بين الناس فلا يجب الزكاة في زرع من يملك فدادين ويعفى منها من يملك عمارة فخمة تدر عليه ربحاً فائضاً كبيراً، والأمر الظالم الباطل الذي يمنع فرض الزكوات على الأموال التي تدر مالاً كثيراً، ولم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. هو أن يفر الناس مما تجب فيه الزكاة إلى ما لا تجب، فتكون الكثرة الكاثرة في جانب من أبواب الكسب، والقلة في باب آخر. وربما كانت حاجة الأمة إليه أمس وأشد على ضوء هذه الحقائق المقررة. نقول: إن كل مال يتحقق فيه النماء والشروط التي ذكرها الفقهاء تجب فيه الزكاة، ولو لم يكن جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن القياس ثابت في الفقه الإسلامي، وتطبيق موجب القياس ثابت في كل العصور والأزمان وهو نوع من الاجتهاد ولا يصح أن يخلو منه عصر من العصور ليمكن تحقيق علة النصوص تحقيقاً علمياً سليماً، وقد وجدت أموال في هذا العصر يجب أن نبين حكم الله فيها: مثل الأسهم والسندات ونحوها مما هو موضع للاتجار، أو يدل على حصص شائعة في شركات صناعية أو تجارية.
ويستطرد أبو زهرة فيقول: إننا عند بيان حكم هذه الأموال وأخذ الزكاة منها نتجه أيضاً إلى تحقيق المناط، ونطبق المنهاج الذي نهجه السلف الصالح في تفسير الأموال التي فرضت فيها الزكاة والتي لم تفرض فيها. ثم يقول: إن الأسهم والسندات إذا اتخذت للتجارة فإنها تكون عروضاً تجارية يجب فيها ما يجب في عروض التجارة من زكاة يقدر مقدار نصابها على حسب قيمتها ذهباً، والزكاة تؤخذ من الأصل والنماء. على حسب ما قرره جمهور الفقهاء. وإذا كانت تتخذ للاستغلال فإن الشركات التي تكون الأسهم ممثلة لجزء شائع فيها فإن دفع الشركة يغني عن دفع حامل السهم.
أما السندات فإن الزكاة تدفع من الفائدة التي تؤول إلى حاملها، ولو كانت للاتجار أخذت عنها زكاة عروض التجارة، فكأنه يؤخذ عنها زكاتان، زكاة نمائها من الفائدة وزكاة من الاتجار.
ثم يقول أبو زهرة: إننا لو أعفيناها من الزكاة لأدى ذلك إلى أن يقتنيها الناس بدل الأسهم وبذلك تنادي بالناس إلى أن يتركوا الحلال إلى الحرام. وإن زكاة الأسهم والسندات إذا كانت على أساس التجارة تكون ربع العشر كزكاة النقدين لأنها عروض تجارة، وقد بينا بأن نصابها وزكاتها كزكاة النقدين.
ثم يقول: وهذا ما نراه تطبيقا للسبب الذي استنبطه الفقهاء بالنسبة للأموال المنقولة، أما الأموال الثابتة، وتدخل فيها المصانع والشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم، فإننا نرى أنه ينطبق عليها ما اتبعه السلف بالنسبة للزروع والثمار وجوب أخذ الزكاة من الغلات على أساس أنه يؤخذ عشر صافي الغلات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض العشر في الزروع والثمار إذا سقيت بغير آلة، وفرض نصف العشر إذا سقي بآلة، وأنه تحسب النفقات التي أنفقت على الزرع كما قرره الفقهاء، ونطبق على غلات المصانع وما يشبهها، فنقول: إن الصافي يشبه إنتاج الزرع والثمر إذا سقي بغير آلة؛ لأنه خالص كالزرع الذي يروى بماء السماء أو من الأنهار، بل إن صافي الغلات يكون خالياً من كل نفقة الذي سقي بغير آلة، وهذا القدر من الزكاة يؤخذ من ذات الشركة التي تقيم المصنع أو من صاحب المصنع إذا لم يكن المصنع منشأ بشركة بل أنشئ بعمل الآحاد، وبذلك لا يكون على المساهمين زكاة لأنها احتسبت مما يؤول إليهم، فالغلة تجيء إليهم صافية، ولا زكاة في الأسهم حينئذ إلا إذا اتخذت كعروض للتجارة.
أما السندات فإن الزكاة تدفع عنها لأنها دين على الشركة وتجيئه الفائدة ولم تحسب في الزكاة؛ لأن ما يأخذه قدر معلوم لا يزيد ولا ينقص، وهو يؤخذ على كل ما كسبت الشركة أو خسرت". انتهى كلام أبي زهرة.
لقد أطلنا نفس القلم في إيضاح النظرة الفقهية الأصولية كضرورة اجتهادية لا بد منها لخلفية الموضوع المطروح. وعلى ضوء هذه النظرة الفقهية الأصولية نقول: إن كل مال يتحقق فيه النماء وتتوفر فيه الشروط تجب فيه الزكاة وجوباً شرعياً، ولو لم نجد نصاً على ذلك من الكتاب أو السنة؛ لأن القياس الشرعي مصدر من مصادر الأحكام الشرعية عند عدم النص، ومما لا شك فيه بأن الشركات المساهمة أموالها مغلة بالفعل، وأنها من الأموال التي لم تكن معروفة النماء والاستغلال في عهد سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ولأنها معللة وليست تعبدية. ولهذا فإن القياس فيها معتبر كما أشار أبو زهرة رحمه الله.
وقد خلصت من اطلاعي على المذاهب الفقهية في الموضوع إلى رأيين: الرأي الأول منهما يميل إلى جعل أسهم الشركة المساهمة عروض تجارة وأنها تعامل في البورصة بالبيع والشراء وبالتالي يكون حكمها حكم عروض التجارة، تؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية الحول الذي ملكت فيه وذلك كل عام حينما يحول عليها الحول.
وأنا لست مع هذا الاتجاه الفقهي لأنه لا يستند إلى قواعد الشريعة ولا إلى قياس صحيح. بل استند إلى كون أدوات إنتاج الشركة مالاً نامياً، وأنها ليست من الحاجات التي تعد لإشباع الحاجات الشخصية بذاتها وأن الفقهاء إذا لم يفرضوا زكاة في أدوات الصناعة في عصورهم فلأنها كانت أدوات أولية، وبالتالي لم تعتبر مالاً نامياً بذاتها؛ لأن الإنتاج فيها للعامل. إن هذا الاتجاه في نظري هو الاستحسان الذي ذمه الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما قال "من استحسن فقد شرع".
وأما الرأي الثاني فإنه يوجب الزكاة في أرباح أسهم تلك الشركات، الأسهم نفسها؛ فإنها تعتبر كالعقار المعد للإيجار، تكون الزكاة في إيجاره دون رقبته؛ لأن هذه الأسهم قد جعلت في الأصل للاستثمار وتوظيف المال.
وأنا أميل إلى هذا الرأي ما لم تكن تلك الأسهم تستغل في الأسواق المالية والتداول بها بين الأفراد، فإنها في هذه الحالة يكون حكمها حكم سائر السلع التي يقصد منها الاتجار والبيع والشراء ابتغاء الربح من ورائها، وبالتالي فإن حكم تلك الأسهم حكم السلع التجارية، وتضم قيمتها مع أرباحها، وتزكى تلك الأرباح مع قيمة الأصول، ومن المتعارف عليه بأن للسهم قيمتين؛ قيمة اسمية وهي المقدرة عند الإصدار، وقيمة سوقية تحدد في سوق الأوراق المالية. وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق المالية تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية، فهي إذاً من عروض التجارة، وهي كأموال التجارة، ولأن مالك السهم يستطيع في أي وقت أن يعيد رأس ماله في الأسهم إلى قالب نقدي له يستخدمه في أي حاجة يريدها، لذلك وعليه فإن المعتبر بأن زكاة تلك الأسهم التي قصد منها الاتجار بها وليس المقصود ابتداء استغلالها للربح هو قيمتها في الأسواق، يضاف إليها الربح، وليس قيمتها الأصلية أو الاسمية المسجلة لدى الشركة، بشرط أن تبلغ قيمة الأسهم في الأسواق المالية الربح نصاباً أو تكملا ما عنده من مال نصاباً.
وأما مقدار زكاة الأسهم سواء حسب الرأي الأول أو الثاني فلا خلاف فيه، ربع العشر أي 2.5 %. وهذا في نظري ينطبق على كافة الأسهم في الشركات، سواء أكانت الشركات المساهمة شركات صناعية محضة، أم شبه صناعية؛ أي: أنها لا تمارس عملاً تجارياً، أم كانت شركات تجارية.
هذا وبالله التوفيق
الشيخ محمد عبده عمر
أهم المراجع
1-
القرآن الكريم
2-
تفسير ابن كثير 3-4
3-
الأم للإمام الشافعي ج2
4-
المحلى لابن حزم ج7
5-
سبل السلام ج1
6-
منجد اللغة والأعلام ج1
7-
موطأ الإمام مالك ج1
8-
فتح الباري على صحيح البخاري ج6
9-
المغني لابن قدامة ج1
10-
نيل الأوطار ج1
11-
الفقه على المذاهب الأربعة ج1
12-
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج1
13-
سنن أبي داود ج1
14-
بحث الزكاة لأبي زهرة
15-
فتاوى ابن تيمية