الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبين
سندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينها
وبين السندات الربوية
إعداد
الدكتور سامي حسن حمود
المدير العام
مركز البركة للبحوث والاستشارات المالية الإسلامية
عمان – الأردن
بيان المحتويات
تقديم البحث
الفصل الأول: - التعريف بسندات المقارضة وتصوير حقيقتها:
1-
تحديد المقصود بعبارة (سندات المقارضة) .
2-
سندات المقارضة في التشريع المعاصر.
3-
تصوير حقيقة سندات المقارضة من واقع التطبيق العملي.
4-
الإشكالات الفقهية المثارة في تطبيق سندات المقارضة:
أ - تقسيم رأس المال في المضاربة إلى حصص متساوية.
ب - بيع وشراء سندات المقارضة في المراحل المختلفة.
جـ- دخول الدولة بصفة طرف ثالث كمتعهد بضمان.
تسديد ما يتبقى من رأس المال في سندات المقارضة.
الفصل الثاني: - الفرق بين سندات المقارضة وكل من سندات التنمية وشهادات الاستثمار والسندات الربوية:
1-
الفرق بين سندات المقارضة وسندات التنمية.
2-
الفرق بين سندات المقارضة وشهادات الاستثمار.
3-
الفرق بين سندات المقارضة والسندات الربوية.
- خلاصة البحث.
- المراجع
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم البحث
يعتبر موضوع سندات المقارضة من المواضيع المستجدة في إطار المحاولات الهادفة إلى إيجاد الأدوات الاستثمارية المناسبة للاستثمار المالي القائم على غير أساس الربا.
أما العبارة بحد ذاتها فهي اصطلاح مستحدث من ابتكار الباحث فيما وفقه الله إليه عند بدء العمل لوضع مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني خلال عام 1397هـ، وهو القانون الذي ناقشت مواده لجنة الفتوى الأردنية في الفترة الواقعة بين العشرين من رجب والثامن والعشرين من رمضان عام 1397هـ (الموافقة السادسة من تموز (يوليو) والحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 1977م (1) . وهو القانون الذي تم على أساسه بعد إصداره تأسيس البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار بصورة شركة مساهمة أردنية عامة (2) .
(1) انظر – الأعمال التحضيرية لمشروع قانون البنك الإسلامي الأردني مع الأسباب الموجبة ومناقشات لجنة الفتوى والمذكرات المقدمة حول الموضوع إعداد الدكتور: سامي حمود مقرر اللجنة التحضرية. الصفحات 14، 15 من المذكرة الإيضاحية، القسم الأول
(2)
صدر قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار بصفة قانون مؤقت رقم (13) لسنة 1978م وتم نشره في الجريدة الرسمية للمملكة الأردنية الهاشمية في العدد رقم 2771 الصادر بتاريخ 24 ربيع الثاني عام 1398هـ، الموافق 1نيسان (أبريل) عام 1978
وكان المقصود من تقديم فكرة سندات المقارضة – كما وردت في المذكرة الإيضاحية المفسرة لمواد مشروع القانون المقترح لإنشاء البنك الإسلامي الأردني – (هو إيجاد البديل الإسلامي لسندات القرض التي يمكن للبنوك إصدارها على أساس الفائدة المحدودة أو على أساس الفائدة العائمة (1) .
وقد تطورت فكرة سندات المقارضة حين عرض الباحث على وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في عمان إمكانية تطبيق سندات المقارضة لتمويل الاحتياجات التمويلية لإعمار الممتلكات الوقفية حيث تشكلت لجنة متخصصة لبحث هذا الموضوع من جميع الجوانب الشرعية أولا ثم الجوانب الفقهية والتطبيقية ثانيا (2) ، حيث انتهت المناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع إلى إصدار قانون خاص بسندات المفاوضة وهو القانون المؤقت رقم (10) لسنة 1981 المنشور في الجريدة الرسمية رقم (2992) تاريخ 11 جمادى الأولى 1401هـ الموافق 16 آذار (مارس) 1981م (3) .
وكان البنك الإسلامي للتنمية مهتما بفكرة سندات المقارضة منذ بداية طرح موضوعها حيث كان رئيس البنك يتابع شخصيا تطور مراحل العمل المختلفة في هذا المجال (4) .
(1) انظر – الأعمال التحضيرية، لمشروع قانون البنك الإسلامي الأردني مع الأسباب الموجبة ومناقشات لجنة الفتوى والمذكرات المقدمة حول الموضوع إعداد الدكتور: سامي حمود مقرر اللجنة التحضرية، صفحة 14
(2)
انظر المراسلات الجارية مع معالي الأستاذ كامل الشريف وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية حول موضوع سندات المقارضة عام 1978
(3)
تألفت لجنة سندات المقارضة من كل من: - السيد وليد أسعد خير الله (من البنك المركزي) - الأستاذ يوسف المبيضين (محامي وزارة الأوقاف) - الدكتور سامي حمود (مقدم البحث)
(4)
انظر – المراسلات الجارية مع سعادة الدكتور أحمد محمد علي – رئيس البنك الإسلامي للتنمية حول موضوع سندات المقارضة
وتقوم فكرة سندات المقارضة – كما يتضح من البحث بالتفصيل – على أساس المضاربة الشرعية مع إدخال عنصر تقسيم رأسمال المضاربة إلى وحدات أو حصص متساوية القيمة الاسمية وذلك بهدف تسهيل تداول هذه الحصص وانتقالها بالبيع والشراء من مالك إلى مالك آخر دون حاجة إلى تصفية المشروع الذي يستثمر فيه المال.
وإذا كانت البدايات العملية لعرض فكرة سندات المقارضة قد جاءت من واقع التطبيق المحلى في حدود ما يمكن عمله من خلال الإمكانيات المتاحة للبنك الإسلامي الأردني ومشاريع الأوقاف والبلديات وغيرها من المؤسسات العامة الأردنية ذات الاستقلال المالي فإن الإمكانيات المتاحة لتطوير استعمالات سندات المقارضة يمكن أن تسهم في بناء التنمية الحقيقية للعديد من دول العالم الإسلامية المختلفة.
ويستوي في تقدير الحاجة لوجود الأدوات المالية المتمثلة في سندات المقارضة، الدول الإسلامية الغنية (بفضل الله) والدول الإسلامية المحتاجة لتمويل مشاريعها على أساس المشاركة في الإيرادات والأرباح.
وقد تضمن هذا البحث المقدم النقاط المطلوبة من ناحية تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبين سندات التنمية وشهادات الاستثمار من ناحية، كما تضمن البحث كذلك الصور التطبيقية المختلفة لسندات المقارضة لكي تتضح الأهمية الخاصة لوجود هذه الأدوات الاستثمارية القائمة على غير الأساس الربوي الحرام. ويعتبر اهتمام البنك الإسلامي للتنمية من خلال تعاون المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب مع مجمع الفقه الإسلامي لمناقشة فكرة سندات المقارضة من الوجهة الشرعية نقلة بعيدة الأثر حيث يضم هذا المجمع نخبة الفكر الإسلامي من مختلف البلاد الإسلامية المترامية الأطراف.
وإذا قدر الله لهذه الأفكار المستحدثة حول موضوع سندات المقارضة بأن توضع في القالب الموافق للمبادئ الشرعية فإن ظهور مثل هذه الأدوات المالية الخالية من التعامل الربوي الحرام يمكن أن يعتبر البداية المتواضعة لتأسيس سوق رأس المال الإسلامي الذي تحتاج إليه البنوك الإسلامية ويحتاج إليه القطاع الخاص من المستثمرين المسلمين، كما يحتاج إليه القطاع العام ومؤسسات النقد والبنوك المركزية في البلاد الإسلامية.
ومن هنا تتبدى أهمية هذا الموضوع المطروح للمناقشة في هذه الدورة المباركة.
وإن الباحث ليسعده ويشرفه أن تحظى فكرة هذه السندات باهتمام مجمع الفقه الإسلامي الذي يمثل رمز اللقاء الإسلامي الموحد في ظلال منظمة المؤتمر الإسلامي.
ويود الباحث – بهذه المناسبة – أن يقدم خالص الشكر والتقدير إلى جميع أصحاب الفضل الذين شاركوا في دعم وإظهار فكرة سندات المقارضة لتكون النبراس الذي سوف يفتح طريق الخلاص من الربا الحرام في المستوى المتقدم للعمل في الأموال العامة وتمويل المشروعات الكبيرة. ويخص الباحث بالشكر كلا من معالي الأستاذ كامل الشريف وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية – سابقا – ومعالي الدكتور أحمد محمد علي – رئيس البنك الإسلامي للتنمية- لما كان لكل منهما دور في دفع تقدم فكرة سندات المقارضة وإخراجها إلى الوجود. كما يشكر الباحث كذلك الأخ الفاضل الأستاذ وليد أسعد خير الله المدير التنفيذي في البنك المركزي على ما قدمه من جهود مستنيرة ولا سيما بالنسبة لخبرته في دائرة سندات الدين العام حيث كان لتعاونه في إعداد الصياغة الفنية أثر واضح في إخراج قانون سندات الدين العام حيث كان لتعاونه في إعداد الصياغة الفنية أثر واضح في إخراج قانون سندات المقارضة الأردني بهذه الصورة العلمية القابلة للتطبيق.
كما يشكر الباحث كلا من معالي الدكتور عبد العزيز الخياط وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردن، وكذلك سعادة الدكتور عبد السلام العبادي – وكيل الوزارة - على ما يقومان به من جهود لمتابعة تطبيق سندات المقارضة وما أدخلاه من تعديلات تحسينية على قانون سندات المقارضة الأردني رقم 10 لسنة 1981.
وأخيرا فإن الباحث يتوجه بالشكر إلى صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة – الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي - على ما يقوم به من جهود ومتابعة للنظر في المسائل التي تهم المجتمعات الإسلامية المعاصرة بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية في قضايا التمويل والاستثمار.
ونسأل الله أن يجزي جميع العاملين في سبيل خدمة دينه وشريعته خير الجزاء أنه سميع مجيب.
وسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور سامي حسن حمود
الفصل الأول
التعريف بسندات المقارضة وتصوير حقيقتها
1-
تحديد المقصود بعبارة سندات المقارضة:
يقصد بالسند عموما الوثيقة المكتوبة لإثبات حق، فيقال: سند الدين أو سند الملكية للتدليل على وثيقة إثبات الدين أو امتلاك الشيء. لذلك يطلق على السند أحيانا لفظ الصك أو المحرر (بفتح الراء الوسطى مع تشديدها) أو غير ذلك من مصطلحات تختلف باختلاف البلدان والأزمان جاء في لسان العرب في تعريف السند أنه ما ارتفع من الأرض في قبل الجبل أو الوادي والجمع: أسناد لا يكسر على غير ذلك. والسند كذلك ضروب من البرود أي الثياب (انظر لسان العرب كلمة سند) .
أما المعجم الوجيز الصادر عن مجمع اللغة العربية فقد اختار لتعريف السند (في الاقتصاد) : أنه ورقة مالية مثبتة لقرض حاصل وله فائدة ثابتة، والسند الإذني مكتوب يتضمن التزاما بدفع مبلغ لإذن شخص أو لحامله في تاريخ معين والجمع: سندات. (انظر المعجم الوجيز، كلمة سند) .
التعليق:
يؤخذ على اختيار المعجم الوجيز لتعريف السند (في الاقتصاد) بأنه ورقة مالية مثبتة لفرض حاصل وله فائدة ثابتة أمران:
أما الأول فهو: نقصان الدقة في التعريف حين جعل الفائدة ملازمة للقرض مع أنه قد تكون هناك قروض موثقة بسندات وليست لها فوائد، وهذا هو الأصل في القروض إذا كان المقرض مسلما ملتزما بشريعة الإسلام، وكان حريا بنخبة علماء اللغة الذين أشرفوا على وضع هذا المعجم ومراجعته أن لا يقعوا في هذا الوهم المتأثر بالضعف، أما الفكر الغربي الذي يربط القروض بالفوائد إلزاما. ألم يسمع هؤلاء النخبة أبدا بالقرض الحسن بمفهومه الإسلامي؟ وهل سند القرض الحسن لا يسمى سندا لأنه ليس له فائدة ثابتة؟
أما الأمر الثاني فهو يتمثل في قصور العلم لدى واضعي المعجم حين وصفوا الفائدة بكونها ثابتة حيث إنها ليست الشكل الوحيد لسندات القروض المالية. لأنه يوجد هناك أيضا سندات القروض ذات الفوائد العائمة أي الفوائد التي تتغير حسب تغيرات الأسعار العالمية لفوائد العملات القابلة للتحويل.
والذي نراه أن تطويع اللغة العربية للمفهوم الاقتصادي الغربي يدل على مدى تغلغل الضعف والتأثر بالفكر الوافد وهو الأمر الذي كنا نتمنى أن لا تتأثر به النخبة المختارة من علماء اللغة العربية الذين يضعون لها المعاجم التي تصبح مع الأيام مرجعا معتمدا.
لذلك لا يستغرب أن يكون استعمال كلمة السند حافزا لنفور بعض رجال الفقه المعاصرين المدفوعين بالوهم الذي يوقعهم فيه التعريف المختار في المعجم الوجيز.
وإن المأمول أن يتنبه مجمع اللغة العربية لتصحيح هذا التعريف الموهم للسند في الطبعات القادمة بإذن الله.
وسندات المقارضة لا تخرج عن هذا المفهوم الاصطلاحي باعتبار أن السند بحد ذاته هو وثيقة إثبات حصة المشاركة في رأس مال القراض. فالمقارضة مأخوذة من لفظ القراض وهو العقد المعروف بلفظ المضاربة. وقد شاع استعمال لفظ المضاربة عند الحنفية والحنابلة والزيدية (1)
(1) انظر في ذلك: - الميرغيناني، الهداية في شرح بداية المبتدى، الجزء الثالث، صفحة 162- كتاب القراض. - ابن هبيرة، عن معاني الصحاح، صفحة 205، باب المضاربة. - السياغي، الروض النضير، الجزء الثالث، باب المضاربة.
أما المالكية والشافعية فإنهم يطلقون على نفس العقد لفظ القراض (1) .
وقد ذكر الإمام الكاساني في مؤلفه القيم بدائع الصنائع أن لفظ المضاربة مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها ابتغاء الرزق والفضل من الله، أما المقارضة فإنه وارد في عرف أهل المدينة لأنهم يسمون المضاربة مقارضة (2) .
والقراض أو المضاربة مبني على اشتراك رأس المال من جانب مع العمل الذي يقدمه الطرف الآخر على أساس اقتسام الربح بالنسبة الشائعة المتفق عليها بينهما كالثلث أو الربع أو غير ذلك بأكثر أو أقل. ويكون الربح هو ما يفضل أي يزيد عن رأس المال فإذا لم يكن هناك خسارة ربح فإن صاحب رأس المال يسترد ما دفع دون زيادة وإن كان هناك خسران فإن الخسارة تكون على رب المال إن لم يكن من العامل تقصير أو مخالفة (3) .
وقد فصلت المؤلفات الفقهية في المذاهب المختلفة شروط صحة المضاربة وحقيقتها والعمل الذي تشمله المضاربة مما لا يتسع المقام للدخول في هذه التفاصيل الفروعية. وإن ما يهمنا بيانه أن هذه الشروط هي شروط اجتهادية حيث يظهر للمتتبع أن عقد المضاربة لم يرد فيه نص قطعي الدلالة في الكتاب أو السنة لبيان أحكام هذا العقد أو تحديد شروطه، بل كان كل ما علم من أمره من المعاملات التي كان يتعامل بها الناس في جاهليتهم وأنهم استمروا بالتعامل به بعد إسلامهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد خرج قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في مال للسيدة خديجة – رضي الله عنها – مضاربة إلى الشام وأنه أقر الشروط التي سئل عنها بعد النبوة مما كان يشترطه عمه العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه – على من كان يأخذ منه المال ليضارب له فيه (4) .
(1) انظر في ذلك: - المدونة الكبرى، الجزء الثاني عشر، صفحة 86، كتاب القراض. - الإمام الشافعي، كتاب الأم، الجزء الرابع، صفحة 5، باب القراض.
(2)
انظر: الكاساني، بدائع الصنائع، الجزء الثامن، صفحة 3588
(3)
انظر – سامي حمود، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية الطبعة الثانية، الصفحات 356- 369 حول التعريف بالمضاربة وشروط صحتها.
(4)
انظر: سامي حمود، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية الطبعة الثانية، الصفحات 356- 369
وقد بين صاحب نيل الأوطار حقيقة هذه المسألة بقوله: إنه ليس في المضاربة شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما أخرجه ابن ماجة من حديث صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع)) . حيث قال الشوكاني بعد ذلك: إن في إسناد هذا الحديث روايين مجهولين (1) .
كما نقل صاحب الروض النضير ما قاله ابن حزم في مراتب الإجماع من أن: كل أبواب الفقه لها أصل في الكتاب والسنة حاشا القراض، فما وجدنا له أصلا فيها البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد، والذي نقطع به أنه كان في عصره صلى الله عليه وسلم فعلم وأقره. (2) . كما نقل ابن قدامة الإجماع بقوله:(وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة – ذكره ابن المنذر)(3) .
ومن ذلك يتبين أن المقارضة أو المضاربة هما لفظان لمدلول واحد يحمل معنى المشاركة بين رأس المال من جانب والعمل أو الجهد الإنساني من جانب آخر.
ولما كان عقد المضاربة بحد ذاته هو اتفاق بين طرفين فإن هذا الاتفاق يمكن أن يكون بين طرفين يكون كل منهما فردا واحدا مثل اتفاق زيد مع عمرو كما يمكن أن يكون الفريق المالك لرأس المال أو الطرف العامل فيه أشخاصا متعددين.
(1) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، الجزء الخامس، صفحة 21.
(2)
انظر – السياغي، الروض النضير، الجزء الثالث، صفحة 643
(3)
انظر – ابن قدامة، كتاب المغني، الجزء الخامس، صفحة 22.
يقول صاحب المغني في جواز تعدد أصحاب رأس المال: إنه إذا قارض اثنان واحدا بألف لهما جاز (1) . وإذا جاز مبدأ التعدد في اثنين فليس هناك ما يمنع تعدد مالكي رأس المال إلى ما هو أكثر من ذلك طالما كان العقد واحدا. وبذلك يصبح رأس المال في عقد المقارضة مقسما إلى حصص بحسب عدد الشركاء ومقدار حصة كل منهم في رأس المال، ويعتبر الشركاء جميعا هم رب المال في مواجهة العامل أو العاملين إذا تعددوا، وهذه الشركة بين مالكي رأس المال هي شركة مِلك (بكسر الميم) .
فإذا كانت هذه الحصص التي ينقسم إليها رأس المال في عقد المقارضة متساوية القيمة وموحدة الشروط فإن الوثيقة المثبتة لهذه الحصة ذات القيمة الاسمية الموحدة تسمى سند المقارضة.
ومن ذلك يتضح أن حقيقة سندات المقارضة لا تزيد عن كونها وثائق موحدة القيمة تعطي للراغب في دخول عقد تمويل مشترك لتقديم رأس المال اللازم للعمل فيه بالمضاربة وفق الشروط المعلنة لعموم المشاركين.
وأما التكييف الفقهي لما يمثله سند المقارضة فإنه يعتبر حصة مشاركة في رأس المال المدفوع من أطراف متعددين على أساس أنهم جميعا (وإن بلغوا المئات أو الألوف) رب المال وأنهم يتمتعون بهذه الصفة بما لهم من حقوق وما يقع عليهم من التزامات كما لو كانوا شخصا واحدا وأن حقوق رب المال والتزاماته تتقسم بينهم وعليهم بنسبة حصة كل واحد منهم بمقدار ما يملكه من هذه السندات.
(1) انظر – ابن قدامة، المغني، الجزء الخامس، صفحة 32
2-
سندات المقارضة في التشريع المعاصر:
كانت المملكة الأردنية الهاشمية أول من قدم مفهوم سندات المقارضة بناء على ما قدمه الباحث عن أفكار لدى تقديم مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني حيث عرف القانون المؤقت رقم (13) لسنة 1978 سندات المقارضة بأنها: الوثائق الموحدة القيمة والصادرة عن البنك بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها على أساس المشاركة في نتائج الأرباح المتحققة حسب الشروط الخاصة بكل إصدار على حدة، ويجوز أن تكون هذه السندات صادرة لأغراض المقارضة المخصصة وفقا للأحكام المقررة لها في هذا القانون. (المادة رقم 2) .
كما بينت المادة 14 من قانون البنك الإسلامي الأردني المشار إليه أعلاه شروط إصدار سندات المقارضة بنوعيها المشترك والمخصص بما لا يخرج عن القواعد المقررة للمضاربة الشرعية المطلقة والمقيدة.
أما قانون سندات المقارضة الصادر بالقانون المؤقت رقم (10) لسنة 1981 فقد كان المقصود به إيجاد الوسائل المناسبة من الناحية الشرعية لتمويل إعمار وتجديد الممتلكات الوقفية حيث سمح القانون المشار إليه لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية وكذلك البلديات وسائر المؤسسات العامة ذات الاستقلال المالي لإصدار سندات المقارضة لتمويل مشاريعها ذات الجدوى الاقتصادية القادرة على تحقيق أرباح مناسبة للراغبين في المشاركة بحصة أو أكثر من رأس المال اللازم لتنفيذ المشروع المعروض.
ومن ذلك يتبين أن هذا النوع من سندات المقارضة هو بحسب طبيعة ارتباطه بمشروع أو مشروعات معينة إنما يكون من نوع المضاربة المقيدة.
وقد عرفت المادة الثانية من القانون المشار إليه مدلول عبارة (سندات المقارضة) بأنها تعني: (الوثائق المحددة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها مقابل الأموال التي قدموها لصاحب المشروع بعينه بقصد تنفيذ المشروع واستغلاله وتحقيق الربح.
ويختلف هذا التعريف الذي كان الباحث قد ضمنه في دراسته المقدمة عن الأفكار العامة لسندات المقارضة الإسلامية التي قام بإعدادها بناء على طلب البنك الإسلامي للتنمية خلال فترة عرض مشروع القانون المقترح على وزارة الأوقاف الأردنية حيث أورد الباحث تعريفا أدق فقهيا (بحسب ما يرى) من النص الذي اعتمده القانون الصادر. فقد ورد في الدراسة المذكورة أن سندات المقارضة تعني (الوثائق الموحدة القيمة والصادرة بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها وذلك على أساس المشاركة في نتائج الأرباح أو الإيرادات المتحققة من المشروع المستثمر فيه بحسب النسب المعلنة على الشيوع مع مراعاة التصفية التدريجية المنتظمة رأس المال المكتتب به عن طريق تخصيص الحصة المتبقية من الأرباح الصافية لإطفاء قيمة السندات جزئيا حتى السداد التام)(1) .
ومهما قيل في الموازنة بين التعريفين فإن المهم هو توضيح التصور التطبيقي لسندات المقارضة والتحقق من توافق هذا التصور مع القواعد الفقهية المعتبرة.
3-
تصوير حقيقة سندات المقارضة من واقع التطبيق العملي:
لما كان سند المقارضة هو عبارة عن حصة معينة من رأسمال المضاربة المقيدة في مشروع أو مشاريع محددة ومعروفة بذاتها فإن الحكم الذي يجري على هذا السند هو الحكم العام الذي يجري على رأس المال حيث يعتبر مالكو سندات المقارضة بمجموعهم هم رب المال.
ولا يؤثر على طبيعة هذه المضاربة كون رب المال مقيدا ولا يستطيع الاشتراط خلافا لما هو معلن من الشروط التي تحددها جهة الإدارة (العامل) للمشروع المعين، لأن الشروط الجائزة في الشرع يمكن أن تحدد من جانب رب المال فيقبل بها العامل فيه أو العكس.
(1) انظر – سامي حمود
أما تخصيص استعمال رأس المال في مشروع محدد بذاته فهو يدخل في باب حقيقة ما تشمله المضاربة حيث يجد المتتبع أن الفقه الإسلامي يسير في اتجاهين متوازيين: -
ففي الاتجاه الأول وهو رأي الأكثرين من فقهاء المذاهب الإسلامية فإنه ينظر إلى المضاربة على أنها من جنس المقارضة كالإجارة واعتبروا أن جهالة الأجر تجعل من هذا العقد أنه وارد على خلاف القياس مما ترتب عليه عدم التوسع عند هؤلاء الفقهاء في إجازة ما كان من نحو المضاربة من اتفاقات.
فقد ذكر الإمام الكاساني – رحمه الله: (أن القياس في عقد المضاربة لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم ولعمل مجهول، لكنا تركنا القياس بالكتاب العزيز والسنة والإجماع
…
) (1) .
وجاء في بداية المجتهد أن (القراض مستثنى من الإجارة المجهولة، وأن الرخصة في ذلك إنما هي لموضع الرفق بالناس)(2) .
وقال الرملي في نهاية المحتاج: إن (القراض رخصة لخروجه عن قياس الإجارات كما أنها كذلك لخروجها عن بيع ما لم يخلق)(3) .
وفي مقابل هذا الاتجاه المشتابه عموما فيما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية نجد أن فقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل ينظرون للمسألة بمعيار آخر وهو المعيار المبني على اعتبار المضاربة أنها من جنس المشاركات وليست من جنس المعاوضات وإن هذا العقد لا يكون / تبعا لذلك/ واردا على خلاف القياس.
(1) انظر الكاساني، بدائع الصنائع، الجزء الثامن، صفحة 3587
(2)
انظر – ابن رشد (الحفيد) ، بداية المجتهد، الجزء الثاني، صفحة 236
(3)
انظر – الرملي، نهاية المحتاج، الجزء الرابع، صفحة 161
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – هذه المسألة الخلافية مع بيان ما يختاره بقوله:
(من قال: هي (أي المضاربة) إجارة بالمعنى الأعم أو العام فقد صدق، ومن قال هي إجارة بالمعنى الخاص فقد أخطأ) (1) وبعد أن ناقش – رحمه الله – الأحاديث الواردة في المزارعة والمساقاة حيث انتهى إلى جواز كل منهما باعتبارهما من نوع الشركة، راح يكشف الغطاء عن المسألة كلها في ختام الكلام عن العموم والخصوص في لفظ الإجارة قائلا: (
…
ولهذا جوز أحمد سائر أنواع المشاركات التي تشبه المساقاة والمزارعة، مثل أن يدفع دابته أو سفينته أو غيرهما إلى من يعمل عليها والأجرة بينهما) (2) .
وقد أوضح ابن القيم المسألة من ناحية ما قال به شيخه ابن تيمية بعدم وجود أمر في الشريعة على خلاف القياس حيث قال (بأن من قالوا بأن المضاربة – وما شاكلها – واردة على خلاف القياس قد ظنوا أن هذه العقود من جنس الإجارة؛ لأنها عمل بعوض، والإجارة يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض، فلما رأوا العمل والربح في هذه العقود غير معلومين قالوا: هي على خلاف القياس، وهذا من غلطهم، فإن هذه العقود من جنس المشاركات لا من جنس المعاوضة المحضة التي يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض، والمشاركات جنس غير جنس المعاوضات وإن كان فيها شوب المعاوضة)(3) .
وفي ضوء هذه السعة والسماحة المميزة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل في ميادين العقود والشروط، كان الفقهاء الحنابلة قادرين على تصحيح العديد من حالات التعاقد التي اعتبروها مشاركات جائزة بينما لم يتمكن غيرهم من مباراتهم بسبب ما هم مقيدون به من نظر متحفظ باعتبار أن المضاربة نفسها عندهم هي استثناء وارد على خلاف القياس وأن الأصل فيها هو القول بعدم الجواز.
لذلك نجد صاحب المغني قد أورد العديد من الاتفاقات التي لها صفة المشاركة الجائزة عند الحنابلة حيث يقول في ذلك بكل وضوح:
(
…
وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما يرزق الله بينهما نصفين أو ثلاثا، أو كيفما شرطا صح.. وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز
…
) (4) .
(1) انظر ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية صفحة 170
(2)
انظر ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية، صفحة 184
(3)
انظر ابن القيم، أعلام الموقعين، الجزء الأول، الصفحات 384 – 385
(4)
انظر ابن قدامة، المغني، الجزء الخامس، الصفحات 7- 8
كما أورد صاحب منتهى الإرادات حالة دفع الدابة لمن يعمل عليها بجزء من الأجرة وأضاف إليها كذلك أيضا: (
…
خياطة ثوب ونسج غزل وحصاد زرع) (1) .
وقد تناول الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنية – في مؤلفه الجامع عن فقه الإمام جعفر الصادق – مسألة الاتفاق في المشاركة على أخذ حصة نظير جزء مما يتحصل من العمل على العين فرأى جواز مثل هذا الاتفاق على خلاف ما سار عليه فقهاء المذهب الإمامي حيث ضرب لذلك مثالا من الواقع المعاصر فقال بأنه إذا كان عند شخص سيارة فقام المالك بتسليمها إلى سائق لنقل الركاب بالأجرة حيث يكون ما يرزق الله بينهما بالسوية أو التفاوت، فهل تصح هذه الشركة؟ فقال الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنية في ذلك:
(اتفق الفقهاء - المقصود فقهاء المذهب الإمامي - كما جاء في مفتاح الكرامة على أنها - أي الشركة بالشكل الوارد في المثال المذكور - باطلة، لأنها إنما تصح بالمال من الشريكين لا من أحدهما فقط، وليس هذا الاتفاق مضاربة ولا إجارة أو جعالة لمكان الجهل بالأجر)(2) .
وقد عقب الأستاذ الشيخ على هذا الرأي المنقول قائلا:
(
…
والحق أن هذا الاتفاق صحيح وجائز، وليس من الضروري أن ينطبق عليه أحد العقود المسماة كالشركة أو الإجارة أو الجعالة، بل يكفي مجرد التراضي مع عدم المانع من الشرع أو العقل، أما الجهل بأجرة السائق فغير مانع من الصحة ما دامت معينة في الواقع وينتهي الشريكان إلى العلم بها مقدارا وجنسا بعد العمل) (3) .
(1) انظر – الفتوحي، منتهى الإرادات، القسم الأول، صفحة 466
(2)
انظر – محمد جواد مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق، الجزء الرابع، الصفحات 109 – 110
(3)
انظر – محمد جواد مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق، الجزء الرابع، صفحة 109 - 110
ومن ذلك يتبين أن النظرة المتسعة للمضاربة واعتبارها من جنس المشاركات تساعد على قبول تخصيص استعمال رأس المال المتجمع من حصيلة بيع سندات المقارضة لإقامة مشروع معين مثل إنشاء بناء تجاري على أرض مملوكة للوقف الإسلامي بهدف إعمار الممتلكات الوقفية في البلاد الإسلامية.
ولكن هل يعتبر مالكو سندات المقارضة في مثل هذا المشروع أنهم شركاء ملك؟
إن الجواب الواضح أن أرض الوقف لا يجري عليها الملك لأنها محبوسة عن التصرف في رقبتها ولكن من الممكن أن تكون هناك مشاركة بين الوقف (مالك الأرض) ومالكي سندات المقارضة باعتبارهم يملكون البناء. وتكون هذه المشاركة على أساس اتفاقي تأخذ بموجبه هيئة الأوقاف المتولية بالتصرف جزءا من الإيراد ليس بنسبة قيمة الأرض إلى قيمة البناء (لأنها ليست شركة ملك كما بينا بل هي شركة عقد) ، وإنما بالنسبة التي حددها عقد المضاربة المقيدة حيث يجوز أن تكون هذه النسبة الربع أو الخمس أو العشر أو أقل أو أكثر.
كما أن نصيب مالكي سندات المقارضة من الإيراد المعين لهم في المشروع المحدد يمكن أن تكون كلها ربحا صافيا، كما يمكن أن تكون مقسمة إلى جزء يمثل الربح وجزء آخر استهلاكا لموجودات المشروع لأن البناء يبلى مع مضي الأيام بينما تبقى الأرض إلى ما شاء الله. وما دام رأسمال المقارضة المقسم إلى سندات قد تحول إلى بناء مقام فوق الأرض الموقوفة فإن هذا البناء واقع تحت الاستهلاك. فإذا قلنا مثلا: إن إيجار المبنى الذي يكلف بناؤه خمسمائة ألف دينار (الكلفة للبناء فقط دون الأرض) هو مائة ألف دينار مثلا فإنه يمكن إعلان الاتفاق لمن يقبلون المشاركة في تمويل إنشاء هذا المبنى كما يلي:
20 % من الإيجار للجهة المتولية لإدارة الوقف.
80 % من الإيجار لرب المال المتمثل في مالكي سندات المقارضة.
فإن نسبة الثمانين بالمائة من الإيجار المتحصل ومقدارها ثمانون ألف دينار يمكن أن تقسم إلى ما يلي:
30 % توزع كأرباح لمالكي سندات المقارضة.
50 % توزع كتسديد لأصل رأس المال.
أي أن مالكي سندات المقارضة يستوفون سنويا مقدار خمسين ألف كتسديد لرأس المال المقدم منهم مجتمعين وهم يقتسمون ذلك بالتساوي فيما بينهم. وهذا يعني أنه بعد مرور عشر سنوات من بدء الإيجار يكون مالكو سندات المقارضة قد استردوا رأسمالهم ولا يعود لهم حق في المبنى الذي تصبح ملكيته للوقف الذي يملك الأرض.
ويكون مالكو سندات المقارضة قد استفادوا ربحا يتمثل في نسبة الـ 30 % من الإيجار الذي يأخذونه سنويا طالما كانوا شركاء في البناء.
فإذا لم يكن هناك نصيب لتأجير المبنى فلا إيراد لهم، وإذا تلف المبنى أو تعيب أو تقرر هدمه فإنه يتلف عليهم أي على مالكي سندات المقارضة.
وبذلك تكون حقيقة سندات المقارضة أنها شركة أملاك في علاقة مالكي السندات بعضهم ببعض لأنهم رب المال، وهي شركة مضاربة بين مالكي السندات بمجموعهم وبين الجهة المتولية لإدارة الوقف وذلك على أساس المضاربة المقيدة بمشروع معين مع الاتفاق المسبق على تصفية حقوق رب المال من واقع إيرادات المشروع إلى أن تعود ملكيته إلى جهة الوقف.
وما ينطبق على الوقف الإسلامي يمكن أن ينطبق على مشاريع البلديات والمؤسسات وهيئات النقل البري والبحري والجوي ضمن هذا الإطار العام الذي أجاز به فقهاء الإمام أحمد دفع الدابة أو السفينة لمن يعمل عليها بجزء من الدخل الناتج منهما.
4-
الإشكالات الفقهية المثارة في تطبيق سندات المقارضة:
يثير التطبيق المستحدث لسندات المقارضة الصادرة لتمويل المشاريع الوقفية وما شابهها من المشروعات عددا من التساؤلات التي تحتاج إلى بيان الإطار الشرعي الذي يمكن من خلاله إصدار هذه السندات وتداولها بالبيع والشراء وكذلك تصفيتها وتسديدها. وتشمل هذه التساؤلات النقاط التالية:
أ - تقسيم رأس المال في المضاربة إلى حصص متساوية.
ب - بيع وشراء سندات المقارضة في المراحل المختلفة.
جـ- دخول طرف ثالث غير رب المال أو العامل فيه كمتعهد بالشراء.
وفيما يلي توضيح التساؤلات المشار إليها أعلاه وبيان ما يراه الباحث للمناقشة الفقهية.
أ - تقسيم رأس المال في المضاربة إلى حصص متساوية:
بما أن قواعد الفقه الإسلامي تسمح بتعدد المالكين لرأس مال المضاربة فإنه لا يوجد مانع شرعي من تخصيص هذا التعدد عن طريق تقسيم رأس المال في المضاربة إلى حصص متساوية لا سيما وأن هذه الحصص تكون اسمية أي أن كل سند يصدر باسم مالكه.
فليس سند المقارضة ورقة نقدية تنتقل من يد إلى يد بمجرد التسليم وإنما لا بد لنقل ملكية الوثيقة الاسمية من وجود السبب الموجب كالبيع أو الإرث حيث يتم تسجيل اسم المالك الجديد وإصدار الوثيقة باسمه.
وكما أنه لا يشترط في شركات الأموال مثل الشركات المساهمة أن يعرف جميع الشركاء بعضهم بعضا فإنه لا يشترط في سندات المقارضة أن يعرف جميع الشركاء في امتلاك حصص رأس المال بعضهم البعض خاصة وأن طبيعة المشروعات الممولة لا تعتمد على العامل الشخصي الذي يؤثر على سلامة إرادة المتعاقدين.
وعليه فإن الإيجاب المعلن للعموم الذي يصدر عن الجهة المعنية بتمويل المشروع المعروض يعتبر إيجابا صحيحا ويكون إقدام المكتتب الذي يشتري سندا واحدا أو أكثر من سندات المقارضة قبولا لهذا الإيجاب بحسب الشروط المعلنة في نشرة الاكتتاب.
ب - بيع وشراء سندات المقارضة في المراحل المختلفة:
يطرح موضوع بيع سندات المقارضة بطريق الاكتتاب العام والسماح بتداول هذه السندات قضية هامة تتعلق بالشروط الخاصة ببيع حصة رب المال في رأس مال المضاربة.
والقضية تكون واضحة قبل بدء العمل في المال حيث يكون رأس المال نقودا ولا مجال للقول ببيع النقود وإنما تمكن الحوالة بقيمتها حاضرا بحاضر ويدا بيد ومثلا بمثل بلا زيادة ولا نقصان.
أما بعد أن يبدأ العمل فإن رأس المال يصبح مالا مختلطا من النقود المتبقية والديون (إن وجدت) والأعيان المتمثلة في بضاعة المضاربة أو موجودات المشروع الذي جرى استثمار رأس المال فيه. وهنا يصبح سند المقارضة عبارة عن حصة شائعة في مجموع موجودات المشروع تماما كالسهم في الشركات المساهمة. ومعلوم أن السهم له قيمة اسمية معلنة دينار واحد مثلا أو عشرة ريالا إلا أنه يباع ويشتري بقيمة قد تزيد أو تقل عن القيمة الاسمية المعلنة تبعا لنجاح الشركة المساهمة أو فشلها.
فإذا أخذنا بهذه النظرة الواقعية من ناحية كون سند المقارضة بعد بدء العمل في المشروع المختص به يصبح ممثلا لحصة شائعة في موجودات ذلك المشروع. فإن القول بجواز تداول مثل هذا السند بالبيع والشراء وغير ذلك من الأسباب الموجبة لنقل الملكية لا يكون متعارضا مع القواعد الفقهية.
ويود الباحث أن يستزيد من علم السادة العلماء الأفاضل حول هذه النقطة مع الإشارة إلى أن هناك رأيا مماثلا أفادت فيه لجنة العلماء المشاركين في ندوة البركة الثانية للاقتصاد الإسلامي المنعقدة في تونس ما بين 9 – 12 صفر عام 1405هـ الموافق 4 – 7 نوفمبر عام 1984 حيث أقرت جواز الاتفاق على بيع حصص أو أسهم في شركة ذات موجودات حقيقية ليست مقتصرة على الديون والنقود (1) .
(1) انظر: جواب السؤال الخامس في مجموعة الفتاوى الصادرة من لجنة العلماء في ندوة البركة الثانية للاقتصاد الإسلامي. ملاحظة: ندوات البركة هي ندوات علمية للبحث في الصور التطبيقية للاقتصاد الإسلامي المعاصر قد سن هذه السنة الحسنة الشيخ صالح عبد الله كامل حيث يستضيف في كل عام بعض أهل العلم من رجال الفقه الإسلامي ورجال البنوك والاقتصاد الإسلامي لمناقشة متطلبات العصر وإعطاء الفتوى في المسائل المبحوثة
جـ- دخول الدولة (بصفة طرف ثالث غير رب المال أو العامل فيه) كمتعهد بضمان تسديد ما يتبقى من رأس المال في سندات المقارضة:
قدم الباحث هذه الفكرة أثناء مناقشات قانون سندات المقارضة رقم (10) لسنة 1981. حيث اجتمعت لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الأردنية للنظر في هذا الموضوع.
وقد قدم الباحث مذكرة تفصيلية في موضوع التكييف الفقهي لجواز قبول تعهد الحكومة بضمان تسديد ما يتبقى من أصل المال المدفوع في سندات المقارضة عند استحقاق أجلها المحدد.
وبعد المناقشة المستفيضة أقرت لجنة الفتوى بإجماع الآراء جواز كفالة الحكومة لسندات المقارضة المخصصة لإعمار أراضي الأوقاف باعتبار أن الحكومة طرف ثالث وذلك على أساس الوعد الملزم (1) .
وقد استند الباحث في التدليل لما يراه بهذا الخصوص إلى النقاط التالية:
1-
إن الالتزام الممنوع في عقد المضاربة هو ضمان العامل للخسارة حتى لا تجتمع عليه خسارة الربح الذي كان يسعى لتحقيقه وخسارة رأس المال بسبب لا بد فيه حيث لم يكن مخالفا لشرط ولا مقصرا ولا متعديا.
وإن الدولة حين تدخل كطرف ثالث فإنها ليست رب المال ولا هي العامل فيه لأن أموال الوقف الإسلامي ليست من أملاك الدولة. وبالتالي فإن تبرع الطرف الثالث في عقد المضاربة بالضمان هو بذل مثل سائر التبرعات، وإذا كان التبرع بالمال جائزا، فإن التبرع بالضمان هو أحرى أن يجوز.
2-
الاستناد إلى شرعية عقد الجعالة الوارد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] .
فالالتزام هنا التزام معلن مفتوح على نحو ليس محددا بشخص معين وهو التزام قائم على مجرد الإيجاب وأن الغاية منه هي غاية تشجيعية للقيام بعمل معين.
(1) انظر: المذكرة التفصيلية المقدمة بالموضوع من الدكتور سامي حمود وقرار لجنة الفتوى الصادر بتاريخ 8/ 2/ 1398 هـ الموافق 17/ 1/ 1978
3-
الاستدلال بضمان الرسول صلى الله عليه وسلم للدروع التي استعارها من صفوان بن أمية مع أن الأصل في الإعارة أنها تقوم على الأمانة حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((ليس على المستعير غير المغل ضمان)) ومعنى الأغلال: هو الخيانة في الأموال.
غير أننا نجد أن الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم حين استعار السلاح والدروع من صفوان بن أمية قال له جوابا على تساؤله حين قال للنبي الكريم: أغصبا يا محمد، فقال له عليه الصلاة والسلام:((بل عارية مضمونة مؤداة.))
4-
الاستدلال بضمان دين الميت بإرادة منفردة حين تعهد أبو قتادة – رضي الله عنه – بوفاء الدينارين عن الميت الذي لم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه حين علم أن الميت لم يترك وفاء لدينه.
5-
الاستدلال بضمان خطر الطريق عند الحنفية حيث ذكر بعض فقهائهم – كما أورد ذلك فضيلة الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء- في بحثه عن التأمين بأنه إذا قال شخص لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن هلك فيه مالك فأنا ضامن. فإن القائل يضمن بهذا القول.
وأن الدولة إذا قالت للمواطنين: اسلكوا هذا الطريق من طرق الاستثمار وساهموا في هذا المشروع المدروس وإذا خسرتم شيئا من أموالكم نضمن لكم، فإن تقرير هذا الضمان فيه مصلحة لجميع الأطراف.
6-
ورغم ذلك فقد رأى الباحث أن يتم تكييف المسألة على أساس أن تحل الدولة محل مالك السند المباع باعتبارها لا ترد خسارة وإنما تشتري ما يتبقى من الموجودات التي تمثلها سندات المقارضة بسعر قابل للتجديد على أساس القيمة غير المسددة من أصل سند المقارضة.
الفصل الثاني
الفرق بين سندات المقارضة وكل من سندات
التنمية وشهادات الاستثمار والسندات الربوية
1-
الفرق بين سندات المقارضة وسندات التنمية:
سندات المقارضة – كما بينا في الفصل الأول – هي حصص مشاركة في تمويل مشروع معين بذاته على أساس أن مجموع المالكين لسندات المقارضة وهم رب المال لهم حصة ربح من ريع المشروع وهم يستردون رؤوس أموالهم تدريجيا من الجزء المخصص للتسديد.
أما سندات التنمية فهي اصطلاح مستحدث يطلق على حالات اقتراض الدولة من السوق المحلي - غالبا – وهو ما يطلق عليه (الدين العام) حيث تكون إصدارات الدين العام إما بشكل سندات مسجلة (اسمية) وسندات لحامله أو بشكل أذونات الخزينة.
فلو نظرنا إلى قانون الدين العام الأردني رقم /1 لسنة 1971 فإننا نجد أن تعريف الدين العام – كما ورد في ذلك القانون – هو الالتزامات المترتب على الحكومة دفعها تسديدا للأموال التي تفترضها من الأشخاص بمقتضى أحكام هذا القانون.
وقد نظم المشرع الأردني شروط إصدار الدين العام بأشكاله المختلفة وأعطى للبنك المركزي سلطة الإصدار واعتبر أن قيمة الدين العام الصادر بموجب القانون وفوائده وجوازه المستحقة دينا ممتازا على موجودات الحكومة ويجب أن يسدد من إيراداتها العامة (المادة رقم 10) ، كما أعفى القانون كذلك الأرباح الناشئة عن الاستثمار في السندات الحكومية بما في ذلك فوائد السندات وجوائزها المستحقة من ضرائب أو رسوم أخرى (المادة 13/ أ) .
ولا تختلف قوانين البلاد الإسلامية التي توجد بها سندات حكومية عن الصيغة العامة التي سار عليها المشروع الأردني حيث يقوم أساس التنظيم المالي في الإدارات الحكومية على مبدأ الاقتراض مقابل الفوائد من الداخل أو الخارج.
ومن ذلك يتضح أن علاقة مالك سند التنمية مع الدولة هي علاقة دائن مقرض بالمدين المقترض وأن الدولة تدفع الفوائد لهؤلاء المقرضين من ميزانيتها السنوية التي تجبى في الحقيقة من المواطنين بشكل رسوم وضرائب وغيرها.
وليس هناك خلاف في أن وجود علاقة الدائنية والمديونية والزيادة المشروطة على المدين للدائن تجعل عناصر الربا متوفرة.
ولكن السؤال الذي قد يثار هنا هو النظر إلى كل من شخص المقرض والمقترض. فالدولة هي المقترض والمقرضون هم المواطنون، فهل يختلف حكم القول بالتحريم بسبب اختلاف أشخاص المتعاملين؟
تعتبر هذه المسألة من الشبهات المثارة حول الربا قديما وحديثا.
فقد ذهب الحنفية في الماضي إلى القول أنه لا يقع الربا بين السيد وعبده وذلك لأن من شرائط جريان الربا – كما قال صاحب البدائع – (أن لا يكون البدلان ملكا لأحد المتبايعين، فإن كان (أي البدلان ملكا لواحد) لا يجري الربا
…
) (1) .
وجاء في كتاب النيل وشفاء العليل في الفقه الإباضي في عبارة المتن (
…
حرم الربا لا بين عبده وسيده
…
) (2) وبين شارحه في كتاب شرح النيل بأن العلة في ذلك (ما بيد العبد ملك لسيده) فلم يتحقق بيع (ولكن الشارح عاد ليقول بأن من قال بأن العبد يملك ما وهب له أو أوصى له به أو التقطه أو نحو ذلك حرم الربا بين العبد وسيده)(3) .
وقد خالف الشافعي رأي الحنفية في هذه المسألة حيث ذكر النووي في المجموع أنه (يستوي تحريم الربا الرجل والمرأة والعبد والمكاتب بالإجماع)(4) .
وإذا كان نظام الرق لم يعد قائما في الواقع المعاصر فإن وجود هذه الآراء الفقهية المذهبية قد فتحت بابا لبعض المعاصرين للقول بأنه لا ربا بين الدولة ورعاياها ولا سيما في ضوء سيطرة الدولة في بعض الدول الإسلامية على البنوك المؤممة وتدخلها المباشر في إدارة القطاع المصرفي.
(1) انظر الكاساني، بدائع الصنائع، الجزء السابع، ص 3129
(2)
انظر الثميني، النيل وشفاء العليل، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، (الجزائر، المطبعة العربية، 1968، صفحة 455
(3)
انظر: محمد بن أطفيش شرح النيل، الجزء الرابع، طبعة الباروني، صفحة 18
(4)
النووي، المجموع شرح المهذب، الجزء التاسع، صفحة 442
وقد ناقش الباحث هذه المسألة في أطروحته للدكتوراة عام 1976 حيث انتهى إلى أن ذمة المواطنين المالية منفصلة عن ذمة الدولة وأن الدولة ليست إلا ممثلة لمصالح الجماعة وراعية لها ولا تقاس علاقة الدولة بالمواطنين مثل علاقة السيد بالعبد إن صح الأخذ بعدم وقوع الربا معه على رأي من يقول: إنه لا يقع.
لذلك فإن سندات التنمية المبنية على أساس الاقتراض الحكومي مقابل دفع الفائدة للمقرضين تعتبر من السندات الربوية التي تتطلب النظر في تصحيحها وهو من الأمور الممكنة عمليا والأسلم ماليا.
الحل الذي نراه:
وإن الحل الذي يراه الباحث أن سندات التنمية الصادرة في أي بلد إسلامي يجب أن تكون مخصصة لمشروع أو مجموعة مشاريع محددة ومعينة بذاتها على نحو ما تقدم في سندات المقارضة.
فإذا قائل: إن هناك العديد من المشروعات التي ليس لها عائد أو إيراد مثل الطرق في بلادنا، فإن الرد على ذلك يكون النظر إلى العالم من حولنا حيث تُفرض الرسوم على المرور على الطرقات الدولية والجسور والإنفاق.
إن الأوضاع المالية لكثير من الدول الإسلامية وغيرها أصبحت تتطلب إعادة النظر في طريقة الإنفاق على الخدمات والمصالح العامة ولا بد من اشتراك المواطنين في تمويل المشروعات ذات النفع العام، وأن هذا التمويل لا يتم إلا إذا فتحت الأبواب الميسرة للاستثمار الحلال.
ويرى الباحث أن مرافق الخدمات العامة: كالمياه والكهرباء والهاتف والبرق والبريد والإذاعة والتلفزة وكذلك المشاريع الخاصة بالطرق والجسور والأنفاق والموانئ، والمطارات كل ذلك يمكن أن يترجم إلى مشاريع استثمارية ممولة على أساس مفهوم سندات المقارضة.
2-
الفرق بين سندات المقارضة وشهادات الاستثمار:
تعتبر شهادات الاستثمار نوعا من سندات التنمية حيث عرفت لأول مرة في مصر مع صدور القانون رقم 8 لسنة 1965. وتنفيذا للقانون المشار إليه فقد أصدر وزير الاقتصاد المصري القرار رقم 392/ 65 والقرار رقم 680 لسنة 1965 القاضيان بإعطاء البنك الأهلي حق إصدار الأنواع الثلاثة التي حددها القانون المذكور من شهادات الاستثمار وهي شهادات القيمة المتزايدة (النوع أ) وشهادات الاستثمار ذات العائد الجاري (النوع ب) وشهادات الاستثمار ذات الجوائز (النوع جـ) .
وقد حاول الأستاذ الشيخ علي الخفيف – رحمه الله تعالى – في مشروع بحث كان أعده للعرض على مجمع البحوث الإسلامية (المؤتمر السابع) أن يثبت أن الاتفاق بين حملة شهادات الاستثمار والحكومة بما يدفعونه لها من أموال في سبيل الاستثمار والتنمية هو اتفاق يشبه عقد المضاربة.
وقد بدأ رحمه الله – ببيان رأيه في شهادات الاستثمار ذات الجوائز (النوع جـ) فاعتبر أن الجوائز الموزعة هي الربح الناتج عن استثمار المال في الإعمار العام كما اعتبر أن ضمان البنك الأهلي لدفع الجوائز قائم على أساس التبرع.
أما بالنسبة لشهادات الاستثمار (أ) و (ب) فقد ذكر الأستاذ الشيخ علي الخفيف – رحمه الله تعالى – أنه يعتبر العقدين (لكل نوع من شهادات الاستثمار) بمثابة اتفاق بين المودع والدولة مدته عشر سنوات على إيداع ماله لدى الدولة ليكون تحت تصرفها في سبيل التنمية والاستثمار المدرجين في ميزانيتها على أن يكون ربح المال بين الدولة والمودع بنسبة 5 % للمودع من رأس المال عن كل عام وللدولة بقية الربح مع بقاء ملك المودع لماله. (1) .
وليس عندي علم ما إذا تم تقديم هذا البحث إلى مجمع البحوث الإسلامية في المؤتمر السابع أم لا، إلا أن الذي أعلمه أن الأستاذ الشيخ محمد فرج السنهوري – رحمه الله تعالى – والذي كان مقررا لمجمع البحوث الإسلامية أفادني (وقد كنت تلميذا لكلا الأستاذين) أنه لا يوافق الشيخ الخفيف على ما يراه بهذا الخصوص.
ومهما يكن من أمر فإن الواقع الذي غاب عن ذهن الأستاذ الشيخ علي الخفيف – رحمه الله وغفر له- أنه ليس هناك ربح محدد للأموال المتجمعة من بيع شهادات الاستثمار وأن هذا الربح يتم توزيعه جزافا للنوع الثالث (جـ) أو حسابا بمعدل 5 % من رأس المال للنوعين الأول والثاني (أ، ب) .
(1) انظر: بحث الشيخ علي الخفيف في حكم الشريعة على شهادات الاستثمار بأنواعها الثلاث تطبيقا للقواعد الفقهية العامة والأصول الشرعية للمعاملات، مطبوع على الآلة الكاتبة – مجمع البحوث الإسلامية – القاهرة
إن المسألة كما يعرفها موظفو البنك الأهلي المصري – هي حساب الفوائد هكذا وهكذا لقاء ما تقترضه الدولة من المواطنين وأن مجموع هذه الفوائد المدفوعة تقتطع من الميزانية العامة للدولة وتمول من الضرائب والرسوم المفروضة على عموم المواطنين.
وبذلك فإن الحكم على شهادات الاستثمار لا يختلف عن الحكم على سندات التنمية وأن الحل الشرعي لكلا المنهجين في الاقتراض العام ممكن عن طريق التخصيص الذي هو أسلم شرعا وتنظيما واقتصادا.
3-
الفرق بين سندات المقارضة والسندات الربوية:
السندات الربوية هي السندات التي تصدر بالاقتراض الصريح دون تغليف باسم التنمية أو الاستثمار أو الإعمار لتمويل المشاريع العامة أو الشركات الكبيرة على أساس الالتزام بدفع فائدة محددة بسعر معين ثابت أو بسعر عائم حسب أسعار الأسواق العالمية.
وليس هناك من شبه بين سندات المقارضة الحلال وهذه السندات الحرام إلا في طريقة جمع الأموال، وليس أسهل على الهيئات العامة والشركات الكبرى من أن تخصص استعمال الأموال وتحدد استحقاق الربح الناتج عن المشاريع الممولة بهذه الحصيلة المتجمعة من الأموال.
فلا فرق بالنسبة لشركة كبرى – مثل شركة الأسمنت الأردنية مثلا – من إصدار سندات قرض بفائدة 6 % لبناء الفرن السادس أو إصدار سندات مقارضة لها خمس الأرباح الناتجة عن تشغيل الفرن أو استئجاره من قبل الشركة.
وما ينطبق على شركة الأسمنت يمكن أن يطبق على مؤسسة المواصلات والبلديات والأبنية بما يجعل البلدان الإسلامية قادرة على اجتذاب الأموال المعطلة عن المشاركة في تمويل المشروعات التي تحتاج إليها كل البلاد الغنية منها والفقيرة على حد سواء.
خلاصة البحث
يستنتج مما سبق بيانه حول تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينهما وبين سندات التنمية وشهادات الاستثمار والسندات الربوية ما يلي:
1-
أن سندات المقارضة صورة حديثة من صور تقسيم رأس المال إلى حصص موحدة القيمة من أجل تسهيل عمليات التبادل والتداول وفتح المجال لأكبر عدد من المستثمرين للدخول في تمويل المشاريع الكبيرة ذات النفع العام – غالبا – على المجتمعات الإسلامية.
2-
أن حكم مالكي سندات المقارضة هو حكم رب المال في عقد القراض وأن الربح الذي يتقاضاه مالكو هذه السندات يجب أن يتحصل أساسا من إيراد المشروع الذي جرى تمويله بهذا المال المتجمع من حصيلة بيع السندات.
3-
أن التسديد التدريجي لقيمة سندات المقارضة يهدف إلى تصفية عمليات تمويل المشاريع لتوخي تدوير المال في مختلف وجوه النشاط.
4-
أن سندات التنمية وشهادات الاستثمار وما شابهها من سندات حكومية يمكن أن تصبح سندات مقارضة شرعية إذا خصصت حصيلة الأموال المتجمعة منها لتمويل مشاريع محددة ومعروفة بذاتها، أما القول العام بحصول هذه السندات على ما يسمى بالفوائد أو الجوائز أو الأرباح مع بقاء قيمة السندات المدفوعة دينا على جهة الإصدار أو الوكيل فإن هذا الوضع يدخل هذه السندات تحت المحظور الشرعي من حيث الصفة الربوية لأن فيها علاقة الدائن بالمدين مع الزيادة المشروطة بنسبة مئوية من رأس المال يدفعها المدين للدائن.
5-
أن المؤسسات العامة وكذلك الشركات الكبرى العاملة في البلاد الإسلامية وخارجها تستطيع أن تصدر سندات مقارضة تعتمد على توزيع نسبة شائعة ومعلنة مسبقا من ناتج الربح المتحقق بالفعل في المشروع أو الوحدة الإنتاجية الممولة من حصيلة بيع تلك السندات.
6-
أن تعهد الدولة بشراء سندات المقارضة الصادرة عن مختلف المؤسسات ذات الاستقلال المالي مثل هيئات الأوقاف والبلديات والمؤسسات العامة وما شابهها هو تعهد صحيح شرعا باعتبار أن تدخل ولي الأمر كمتعهد للشراء يحقق مصلحة عامة للمجتمع الإسلامي ويحفز المستثمرين للمشاركة في تنمية الاقتصاد ورفع مستوى الإنتاج في البلد الإسلامي، وطالما أن الدولة تحل محل البائع بما له من حقوق وما عليه من التزامات فإن هذه المبايعة تعتبر مبايعة شرعية وليس هناك من مطعن شرعي في إعلان السعر الذي يصدر عن الدولة بصورة إيجاب معلن للعموم بالاستعداد لشراء السندات بأسعار تحدد لكل نوع منها حسب طبيعة القطاع الذي تموله هذه السندات.
7-
وأخيرا
…
فإنه ما دام طريق الحلال قد أصبح واضحا ومعروفا بما يسد احتياجات المشروعات العامة وتمويل خطط التنمية في البلاد الإسلامية فإنه يصبح واجبا شرعيا على ولاة أمور المسلمين لتوجيه الالتزام بإصدار سندات المقارضة وتشجيع تداولها حيث يتحقق من ذلك ما يلي:
أ- تشجيع حركة الاستثمار الداخلي وتقوية شعور المواطنين بالمشاركة في تمويل المشاريع التي تعود عليهم بالخير حيث يكون هذا النشاط التنموي هو منهم وإليهم.
ب - اجتذاب الأموال المعطلة عن الاستثمار والمخزونة بشكل أموال مكتنزة أو المتروكة في حسابات جارية لدى البنوك بما لا يفيد الاقتصاد الوطني للبلاد الإسلامية ويتسبب في زيادة نسبة عرض النقد بلا مبرر.
جـ- التمهيد لوجود أسواق محلية ودولية للسندات الشرعية التي تشكل نواة سوق رأس المال الإسلامي وما يؤدي إليه ذلك من تسهيل تداول انتقال رؤوس الأموال لغايات الاستثمار داخل التجمعات الإقليمية أولا مثل دول مجلس التعاون الخليجي والبلاد العربية الممثلة في مجلس الوحدة الاقتصادية والعالم الإسلامي الممثل في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وإن البنك الإسلامي للتنمية بما وصل إليه نتيجة دعم الدول الإسلامية له واكتسابه احترام الجميع بفضل استقلالية إدارته وحكمة رئيسه معالي الدكتور أحمد محمد علي – حفظه الله – يمكن أن يكون الجهة القادرة على إصدار سندات المقارضة للدول الإسلامية الراغبة في ذلك وقد آن الأوان لكي يبسط البنك الإسلامي للتنمية أجنحته إلى شرق العالم الإسلامي وغربه بعد أن رسخت جذور إدارته في قلب العالم الإسلامي الذي تلتقي فيه الإرادة الإسلامية الواحدة.
هذا وقد بادر البنك الإسلامي إلى تأسيس صندوق مخصص لإصدار سندات تشبه سندات المقارضة إلى حد ما حيث جرت تغطية المطروح للاكتتاب الخاص بالكامل من قبل البنوك الإسلامية التي أقبلت على المشاركة.
كما وجد في العالم الإسلامي إلى جانب سندات المقارضة التي تبناها المشرع الأردني أدوات استثمارية أخرى مثل الأسهم المشاركة في الأرباح دون التصويت وهي الأسهم التي صدر بها القرار الوزاري رقم (17) لسنة 1986 في دولة البحرين حين طلب بنك البركة الإسلامي للاستثمار العامل في البحرين تأسيس شركة تابعة لإصدار هذه الأسهم المرتبطة بصناديق استثمارية معينة في المرابحة والإيجار والسلم والمشروعات.
وإذا تضافرت جهود البنك الإسلامي للتنمية مع جهود مجموعة البركة والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فإن النتائج ستعود بالخير بإذن الله على العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء لأن رخاء العالم الإسلامي وسيادة السلام والاستقرار فيه هو جزء من رخاء العالم وهنائه.
سائلين الله أن يوفق جميع المخلصين العاملين لما فيه الخير أنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور سامي حسن حمود
المراجع
أولا: فقه المذاهب الإسلامية:
من المذهب الحنفي:
1-
كاساني: علاء الدين بن مسعود الكاساني (587) هـ
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع.
القاهرة: زكريا علي يوسف، دون تاريخ.
2-
ميرغيناني: برهان الدين علي بن أبي بكر الميرغيناني (593هـ) .
كتاب الهداية شرح بداية المبتدى، الطبعة الأولى.
مصر المطبعة الخيرية، 1326هـ.
من المذهب المالكي:
3-
مالك (الإمام) : أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي (179هـ) .
المدونة الكبرى (رواية سحنون عن ابن القاسم عن الإمام مالك) طبعة أوفست عن أول طبعة.
بيروت: دار صادر، دون تاريخ.
4-
ابن رشد (الحفيد) : محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (595هـ)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الطبعة الثالثة.
مصر، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1960
5-
ابن جزي: محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي (741هـ) .
قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية طبعة جديدة ومنقحة.
بيروت: دار العلم للملايين، 1968.
من المذهب الشافعي:
6-
شافعي (الإمام) : محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) .
الأم، الطبعة الأولى، تصحيح محمد زهري النجار.
القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1961.
7-
نووي: محيى الدين بن شرف النووي (676هـ) .
المجموع شرح المهذب.
القاهرة: زكريا علي يوسف، دون تاريخ.
8-
رملي: شمس الدين محمد بن أحمد الرملي (1004هـ) .
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه.
على مذهب الإمام الشافعي. وبهامشه حاشية الشبرامسلي والرشيدي.
مصر: المطبعة البهية المصرية، 1304هـ.
9-
ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم عبد السلام بن تيمية (728هـ) .
القواعد النورانية الفقهية، الطبعة الأولى تحقيق محمد حامد الفقي.
القاهرة: مطبعة السنة المحمدية، 1951.
10-
ابن قدامة: عبد الله بن أحمد بن قدامة (620هـ) .
المغني، الطبعة الثالثة.
القاهرة، دار المنار، 1367هـ.
11-
ابن القيم: شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (751هـ) .
أعلام الموقعين عن رب العالمين، الطبعة الأولى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد.
مصر: المكتبة التجارية الكبرى، 1955.
12-
ابن هبيرة: يحي بن محمد بن هبيرة (560هـ) .
الإفصاح عن معاني الصحاح، الطبعة الأولى.
حلب: محمد راغب الحلبي، 1928.
13-
من المذهب الظاهري:
ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (456هـ) .
المحلى.
بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع دون تاريخ.
14-
السياغي: شهاب الدين الحسين بن أحمد السياغي (1221هـ) .
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير، الطبعة الثانية.
الطائف: مكتبة المؤيد، 1968.
15-
مغنية: محمد جواد مغنية.
فقه الإمام جعفر الصادق، الطبعة الأولى.
بيروت: دار العلم للملايين، 1965.
16-
ثميني: ضياء الدين عبد العزيز الثميني (1223هـ) .
النيل وشفاء العليل، الطبعة الثانية.
الجزائر: المطبعة العربية لدار الفكر الإسلامي 1968.
17-
أطفيش: محمد بن يوسف أطفيش (1332هـ) .
شرح النيل.
طبعة الباروني.
من الفقه الإسلامي المعاصر:
18-
خفيف: علي الخفيف.
حكم الشريعة الإسلامية على شهادات الاستثمار بأنواعها الثلاث تطبيقا للقواعد الفقهية العامة والأصول الشرعية للمعاملات.
بحث مطبوع على الآلة الكاتبة ومعد للتقديم إلى مجمع البحوث الإسلامية – المؤتمر السابع.
19-
حمود: سامي حسن حمود.
تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية (رسالة دكتوراة نوقشت بقسم الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1976) .
الطبعة الثانية، 1982.
توزيع دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
ثانيا: مراجع متنوعة
اللغة العربية:
20-
ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري.
بيروت، دار صادر للطباعة والنشر، 1968.
21-
مجمع اللغة العربية: المعجم الوجيز.
بيروت، المركز العربي للثقافة والعلوم، 1980.
بحوث ومقالات وندوات:
22-
حمود: سامي حمود.
أ - المذكرة الإيضاحية ومناقشات لجنة الفتوى (بالأردن) حول مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني (1978) .
ب - مذكرة مقدمة للبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 17/ 1/ 1978 حول الأفكار العامة لسندات المقارضة.
جـ- مذكرة إيضاحية مقدمة إلى لجنة الفتوى (الأردن) ببيان الوجوه الفقهية المؤيدة لإمكان قبول تعهد الحكومة بضمان سندات المقارضة المخصصة لإعمار أراضي الأوقاف وقرار لجنة الفتوى الصادر بناء على هذه المذكرة بتاريخ 17/ 1/ 1978.
د- الأبحاث المقدمة لندوة البركة الثابتة للاقتصاد الإسلامي والمنعقدة في تونس بشهر نوفمبر 1984 حول الأدوات الاستثمارية الإسلامية والفتاوى الصادرة عن العلماء المشاركين في الندوة حول المواضيع المبحوثة والأسئلة المطروحة.
هـ- المراسلات الجارية بشأن شرح وتقديم أفكار سندات المقارضة مع كل من وزارة الأوقاف (بالأردن) والبنك الإسلامي للتنمية (جدة) .