الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سندات المقارضة
إعداد
الدكتور رفيق يونس المصري
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز – جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
سندات
المقارضة
تعريف:
سندات المقارضة عبارة مؤلفة من مضاف ومضاف إليه، المضاف فيها لفظ (سندات) وهو مصطلح في القوانين والأعراف السائدة اليوم بمعنيين، الأول: سندات لأمر = سندات إذنية billets a ordre، وهي أحد أنواع الأوراق التجارية المعرفة في القوانين التجارة الوضعية (السفاتج والسندات والشيكات) ، وهذا المعنى غير مراد هنا. والمعنى الآخر هو سندات قرض = سندات مالية obligations، وهي أحد نوعي الأوراق المالية المعروفة في القوانين التجارية (الأسهم والسندات) ، وهو المعنى المراد هنا.
ويبدو أن لفظ (سندات) قد اختير بدل (الأسهم) لأن العملية تجمع بين القرض والشركة، والقرض دل عليه لفظ السندات، والشركة دل عليها لفظ المقارضة.
هذا عن المضاف في العبارة، وهو السندات، أما المضاف إليه وهو (المقارضة) فهو اصطلاح فقهي إسلامي يعني (القراض) وكلا اللفظين (القراض) و (المقارضة) فيه معنى الاشتراك، فصيغة (فعال) و (مفاعلة) مثل قتال ومقاتلة تفيد الاشتراك كما هو معلوم عند أهل اللغة. والمقارضة هي المضاربة وزنا ومعنى، وتعريفها الفقهي معروف لا حاجة لذكره هنا، وهي أحد ضروب الشركة المعروفة في الفقه الإسلامي، والتي لقيت من اهتمام الفقهاء، على اختلاف مذاهبهم، ما يزيد على ضروب الشركة الأخرى، حتى إن كتب الفقه أفردت لها كتابا أو فصلا خاصا.
وبهذا فإن لفظ (السندات) يشعر بالقرض، ولفظ (المضاربة) يشعر بالشركة، فالعملية إذن قرض مشارك في الأرباح كما سنزيده وضوحا فيما بعد.
وقرض المشاركة في الأرباح ليس من الأساليب التمويلية الجديدة كما توهم البعض، ربما لعدم إطلاعهم على صيغ التمويل المعروفة في الغرب، وربما لأن العملية قدمها بعض العارفين على أنها جديدة وأصيلة. ولا أعني بهذا أن العملية إذا كان مصدرها غربيا فيجب المسارعة إلى رفضها، بل أعني أن نظامها معروف، كله أو جله، ولا حاجة للإطالة بذكره، كما لا يصح أن ننسبها إلينا نحن المسلمين على أنها من ابتكارنا، فأول شيء علمنا الإسلام هو الصدق.
تاريخ ومقارنة:
سندات المقارضة هذه شبيهة في الغرب والقوانين الوضعية بأسلوبين:
1-
الأول سندات المشاركة obligations participantes، حيث تتأثر فائدتها، وربما أصلها (= رأس مالها) برقم أعمال المشروع أو نتائج المشروع من ربح أو خسارة. وتتأثر الفائدة فقط إذا كانت السندات مشاركة في الأرباح فقط دون الخسائر، ويتأثر الأصل إذا كانت مشاركة في الخسائر أيضا.
2-
الثاني قروض المشاركة prets participatifs التي أنشأها القانون الفرنسي المؤرخ في 13 تموز (يوليو) 1978م، والخاص بتوجيه المدخرات لتمويل المشاريع. وإذا كانت هذه القروض مشاركة في الخسائر بالإضافة إلى الأرباح فإن أولويتها في السداد تأتي بعد أولوية الدائنين الممتازين والعاديين، ويكون لها أهمية عندئذ بالنسبة لدائني المشروع، من حيث إنها تشكل لهم ضمانة كضمانة الأموال الخاصة للمشروع أو حقوق المساهمين في شركة المساهمة (رأس المال + الاحتياطيات + الأرباح غير الموزعة) . وفي مقابل إشراكها في الخسائر وتحملها مخاطر هذه الخسائر لها الحق في المشاركة بحصة من الأرباح أعلى، في التقدير، من معدل الفائدة، وربما منحت فائدة ثابتة بالإضافة إلى حصة من الأرباح تقتطع من الربح القابل للتوزيع، قبل أي توزيع على المساهمين أو أي اقتطاع آخر من هذا الربح.
والأشخاص المانحون لهذه القروض هم الدولة والمصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الإقراض ذوات النظام القانوني الخاص وشركات وتعاونيات التأمين والشركات التجارية. ويجب أن تظهر بوضوح في ميزانية كل من المقرض والمقترض.
وتخضع هذه القروض لقانون 28 كانون الأول (ديسمبر) 1966م، المتعلق بالربا، حيث لا يجوز أن يتجاوز عائدها الثابت والمتغير المعدل الذي يحكم عليه بأنه ربا حرام في نظر القانون.
وربما أطلق على هذه القروض اسم آخر، هو القروض التابعة prets subordonnes ولعل سبب هذه التسمية هو أن أصلها وفائدتها يتبعان نتائج المشروع من ربح أو خسارة. وقد لجأت البلدان الإنغلوسكسونية وهولندا، إلى هذا النوع من القروض، قبل فرنسا، للجمع بين وضعين:
1-
وضع رأس المال الذي يخاطر به المساهمون في مقابل ربح متغير.
2-
ووضع رأس المال الذي يقدمه المقرضون، ويكون مضمونا بموجودات (= أصول) المشروع، ومأجورا في صورة فائدة ثابتة.
ومن الناحية الحقوقية، لا ينظر إلى هذا المقرض على أنه مساهم، إذ لا يتمتع بحق التصويت في الشركة، ويستمر في الاستفادة من أولوية يتمتع بها على موجودات المشروع. كما لا ينظر إليه على أنه مقرض أو دائن عادي، إذ ليست له المرتبة الأولى في الاستيفاء عند تصفية المشروع المدين. بل هو في مركز وسط بين ما يتمتع به المقرض من الضمان لقرضه وما يتعرض له المساهم من المخاطرة برأس ماله.
وهذه القروض تعزز القدرة المالية للمشروع حيال دائنيه العاديين، لأنها شبيهة بأموال المشروع الخاصة من بعض الجوانب، ولعل هذه غاية من غايات استخدامها في الغرب، فالمعلوم أن المنشأة لا تستطيع أن تعقد من القروض إلا في حدود معينة تتأثر بالنسبة بين الأموال الخاصة (رأس المال + الاحتياطيات + الأرباح غير الموزعة) والديون في جانب المطاليب (= الخصوم) من ميزانية المنشأة طالبة القرض (1) . وقد تم اللجوء إلى تلك القروض لدعم قدرة المشروعات المتوسطة والصغيرة على الاقتراض.
(1) راجع بيان السيد ريمون بار رئيس وزراء فرنسا، بتاريخ 19 نيسان (أبريل) 1978م، وما كتبه السيد غي نوبو Guy Nebit في صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 11/ 3/ 1980م، وكتاب (العمليات المصرفية) لجاك فيرونيير وإيمانويل شيلازر، دللوز، باريس، ط6، 1980م، ص507 و547 و696
وفي كتاب (القانون التجاري السعودي) يقول مؤلفه الدكتور محمد حسن الجبر (1) : (قد يشترط المقرض على المقترض الذي يريد استثمار مبلغ القرض في مشروع اقتصادي أن يحصل على نسبة معينة من الأرباح بدلا من فائدة ثابتة. وقد يصعب في هذه الحالة التمييز بين الشركة، كتقديم الحصة والمشاركة في الأرباح، ومع ذلك فالثابت أن العقد لا يعتبر شركة في هذه الحالة، نظرا لأن المقرض لا يشارك في المشروع مشاركة إيجابية، فهو يظل بمعزل عن كيفية استثمار المشروع فضلا عن أنه لا يساهم في الخسائر، وهو ما يعني أن العقد لا يعتبر شركة في هذه الحالة، لتخلف نية المشاركة لدى المقرض الذي غالبا ما يلجأ إلى هذا النوع من العقود للتهرب من تحريم الفوائد الربوية) اهـ.
ومن الواضح أن الكلام ههنا يختص بقروض تشارك في الأرباح دون الخسائر، كسندات المقارضة الأردنية.
سندات المقارضة الأردنية:
لسندات المقارضة في الأردن تطبيقان:
1-
تطبيق على مستوى المصرف الإسلامي الأردني (2) ، لجذب المدخرات واستثمارها في مشاريع مخصصة أو مشتركة.
(1) محمد حسن الجبر: القانون التجاري السعودي، نشر عمادة شؤون المكتبات جامعة الملك سعود، الرياض، 1402هـ = 1982م، ص155 (الشركة وعقد القرض مع الاشتراك في الأرباح) . كما أحال الكاتب إلى (الوجيز في القانون التجاري) للدكتور مصطفى كمال طه، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1974م، ف182
(2)
انظر قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار رقم 62 لسنة 1985م، المادة 2 ص5، والمادة 14 ص10، وعقد التأسيس المادة 19؛ وقانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار رقم 13 لسنة 1978م، المادة 2 ص31، والمادة 14 ص36
2-
وتطبيق آخر على مستوى البلدان والمؤسسات العامة ذوات الاستقلال المالي ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية (1) ، لاستغلال أراضي الأوقاف وإعمارها، صدر بقانون أطلق عليه (قانون سندات المقارضة) وسندات المقارضة في هذا القانون أسهم مشاركة مضمونة القيمة، أو سندات قرض مشاركة في الربح. فالأصل إذا كان مضمونا فهو قرض. وسندات المقارضة الأردنية من هذه الناحية قروض تضمن قيمتها الاسمية وزارة الأوقاف، بكفالة الدولة باعتبارها طرفا ثالثا وذلك على أساس الوعد الملزم حسب الفتوى الأردنية المتعلقة بالموضوع. وحقيقة القرض أنه مضمون، يضمن قيمته الاسمية المقترض، وهو الوزارة المذكورة، والدولة تضمن ما ضمنه المقترض.
خصائص سندات المقارضة الأردنية:
1-
أنها قروض سندية (= سندات قرض) ، وليست شركة أو أسهما في شركة، من حيث اختيار تسميتها سندات لا أسهما، ومن حيث أن المادة الثانية من القانون نصت على أن (صاحب المشروع) هو الأوقاف وليس رب المال، فلو كانت هذه السندات عبارة عن (مقارضة) خالصة، لكان صاحب المشروع هو الأوقاف في حدود قيمة أرض الوقف، وأرباب المال في حدود اكتتاباتهم.
وهي أيضا قروض من حيث إنها مضمونة الأصل من قبل الوزارة، بكفالة الدولة (المادة 12) .
وهي قروض من حيث إنها تسدد بقيمتها الاسمية (المادة 7- ب، والمادة 11 و12) ، فلو كانت مشاركات لوجب تسديدها بقيمتها وقت السداد لأن الشركاء يملكون صافي موجودات المشروع، أي لهم حق عيني على الموجودات (2) وما يطرأ عليها من أرباح أو خسائر رأسمالية. والظاهر أن أصحاب سندات المقارضة ليس لهم إلا حق نقدي اسمي في ذمة الطرف الآخر، وهذا مركز الدائن لا مركز الشريك.
2-
أنها قابلة للتداول في السوق المالية (المادة 18 و20 – ب) .
3-
أنها مشاركة في الربح الصافي للمشروع، وليس في إيرادات المشروع (المادة 2 – ب والمادة 11) . ففيها إذن معنى الشركة بالإضافة إلى معنى القرض.
(1) انظر القانون المؤقت رقم 10 لسنة 1981م (قانون سندات المقارضة) ، لا سيما المادة 3 منه
(2)
انظر (الشركات الإسلامية لتوظيف الأموال) للأستاذ محمد فوزي حمزة، في مجلة الأمة القطرية، العدد 67 رجب 1406هـ آذار (مارس) 1986م، ص15
هذا ونشير إلى أن المقارضة فيها ليست مقارضة مجردة، بل هي مؤلفة من مقارضة ومشاركة، لأن الطرف الآخر (الأوقاف) يشترك مع أصحاب السندات في المال المتمثل في الأرض التي يجب تقويمها نقدا لمعرفة الحصة المالية لكل طرف، وهي كذلك مضاربة لأن هناك أرباب مال لا يعلمون. ولا يستطيع أن ينكر أحد أن المضاربة نوع شركة، لأنها شركة بين طرفين، أحدهما يقدم المال والآخر يقدم العمل، وهي شركة في الربح والصافي. وشركة الأموال فقها شركة بين طرفين كل منهما يقدم المال والعمل، فهي أعمق من المضاربة لأنها شركة في المال والعمل والربح والخسارة، في حين أن المضاربة شركة في الربح فقط، حيث العامل لا يشارك في المال ولا في الخسارة المالية.
نقد:
1-
بما أن سندات المقارضة فيها معنى القروض، كما بينا في (الخصائص) فإن الربح المتوقع حتى ولو لم يكن ثابتا محددا مسبقا، فإنه يعتبر فائدة ربوية محرمة، لأن تعهد المقرض بدفع أي فائدة، سواء كانت معلومة مسبقا أو غير معلومة، يعد ربا محرما، وأن عقد القرض عقد إرفاق لا يقصد من ورائه فائدة ولا ربح دنيوي. والقرض في حالة سندات المقارضة قرض بفائدة، تمثل الفائدة فيه (نسبة معينة من الربح، وتكون الفائدة هنا أمرا احتماليا، قد يتحقق إذا تحقق ربح، وقد لا يتحقق إذا انعدم الربح)(1) .
ثم إذا قبلنا كفالة الدولة لرأس مال المكتتبين، فما الذي يمنع كذلك فيما بعد من كفالتها لمستوى معين من الربح؟ وعندئذ ماذا يبقى من فرق بين سندات المقارضة وسندات القروض الربوية؟
2-
ثم إن تداول السندات قد يؤدي إلى بيعها بأكثر من قيمتها الاسمية، فهذا ربا آخر.
3-
لا اعتراض على الخصيصة الثالثة، لأن القراض من شأنه الشركة في الربح الصافي، كما هو نص القانون. لكن لو تمت الشركة في أجور كراء المكاتب والمخازن التي ستقام على أرض الوقف، فإن هذه الشركة لا تجوز (2) .
(1) الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري، دار إحياء التراث العربي، بيروت د. ت، ج5، ص427
(2)
راجع بحثي (مشاركة الأصول الثابتة في الناتج أو في الربح) الذي سينشر في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، العدد الأول، المجلد الثالث
الجمع بين القرض والقراض:
إن سندات المقارضة عملية ملفقة من القرض والقراض معا فهي قرض من حيث ضمان رأس المال، وقراض من حيث الشركة في الربح والصافي. ويخطئ من يظن أن الفرق بين الربا والقراض هو مجرد استبدال الشركة في الربح بالفائدة الثابتة، فإن الفرق أكبر من هذا بكثير، كما سنبين في الفقرة التالية مباشرة.
هل يأتلف القرض والقراض معا في عقد واحد؟
1-
الأصل في القرض أنه عقد مقصده إحسان المقرض إلى المقترض، فهو كما سبق أن بينا، من عقود الإرفاق. والأصل في شركة المقارضة أنها عقد مقصده تحقيق منفعة لكل شريك (تبادل المنافع بين الشركاء) . واجتماع القرض مع المقارضة فيه شبهة الربا، لأن القرض قد يتوصل فيه إلى الربا عن طريق القراض، ذلك أن القرض وحده لا يسمح في الإسلام بأي فائدة، أما القراض (أو المقارضة) فيسمح بحصة من الربح.
2-
الأصل في القرض أنه من عقود التبرعات. أما الشركة فقد أدخلها بعض الفقهاء في عقود المعاوضات، واعتبرها ابن تيمية وابن القيم وبعض الفقهاء الآخرين من عقود المشاركات، أي أصلا ثالثا مستقلا بنفسه. وهي على كل حال عقود دائرة بين النفع والضرر، فقد يتحقق ربح أو تقع خسارة.
3-
المقرض ينقل ملكية القرض إلى المقترض، الذي يصبح ضامنا بمجرد القبض.
فالقرض من عقود التمليك. أما شريك المال (رب المال في شركة القراض) فيبقى مالكا لرأس المال وحده (أو على الشيوع بمقدار حصته في رأس المال، إذا تعدد أرباب المال) وضامنا له، والعامل لا يملك من مال القراض إلا بمقدار ما يتراكم له من حصة من الربح لم يسحبها.
ففي القرض المقترض (آخذ المال) ضامن، وفي القراض المضارب (آخذ المال) أمين، ورب المال ضامن.
4-
المقترض يتصرف برأس المال تصرف الأصيل (الضامن) ، لأنه مالك لرأس مال القرض. أما المضارب فيتصرف برأس المال تصرف الوكيل (الأمين) .
5-
المقترض ضامن لرأس المال، يرده بمثله لا بعينه، سواء وقع منه تعد أو تقصير أو لم يقع. أما المضارب فهو أمين على رأس المال، لا يضمن إلا في حالات التعدي والتقصير (أي حالات مخالفة شروط العقد) .
6-
المقترض إذا دفع رأس المال إلى آخر جائز لأنه ضامن. أما المضارب إذا دفع المال إلى آخر (المضارب يضارب) فهو غير جائز، ويصبح ضامنا، ما لم يأذن له رب المال.
7-
يستطيع المقرض أن يطلب رهنا أو كفالة أو ضمانا من المقترض، للاستيثاق من استرداد القرض. أما رب المال في القراض فليس له في الأصل ذلك، وإن كان يجوز له استثناء لضمان حالات التعدي والتقصير فقط. فالضمان يطلب ممن هو ضامن، ولا يطلب ممن هو أمين. هذا هو الأصل.
8-
المقرض يملك مالا موصوفا مثليا مضمونا في ذمة المقترض. أما رب المال فيملك مالا معينا قيميا، لا في ذمة المضارب، فهو مالك للمال النقدي المقدم منه للمضاربة. ثم إذا ما اشترى العامل بهذا المال النقدي سلعا وعروضا يبقى رب المال هو المالك لهذه الأصناف المالية الجديدة، وتتحول ملكيته من النقود إلى العروض.
9-
المقرض يملك مقدارا معلوما في النهاية (عند السداد) . أما رب المال فلا يملك مبلغا معلوما، لأن ماله قد يزيد بالربح، وينقص بالخسارة.
10-
المقرض يتعرض إلى خطر الإعسار، ورب المال يتعرض إلى خطر أساسي مختلف هو خطر الخسار.
11-
القرض عند جمهور الفقهاء حال، أي يستحق عند الطلب، ورأي بعضهم أنه مؤجل، أي يستحق في الأجل المضروب. أما رأس مال القراض فليس حالا ولا مؤجلا، فإذا تصرف به المضارب فلا يعود لرب المال إلا إذا نض المال (أي عاد نقودا بعد أن صار عروضا وديونا) . وقد أجاز بعضهم تأجيل (تأقيت) القراض، غير أن هذا لا يعني أكثر من توقف المضارب عن الشراء عند الأجل، والانصراف إلى تصفية الشركة، مع ما يحتاج ذلك من انتظار مبيع العروض إلى الزبائن بالأسعار المعقولة.
12-
إذا كان القرض حالا فإن المقترض يعتبر مماطلا إذا قدر على الوفاء في أي لحظة ولم يفعل. أما في القراض فإن المضارب يمكنه التأخر في رد المال حتى ينض، ولا يعتبر هذا ظلما ولا مطلا.
13-
المقرض لا يحق له على العموم التدخل في أعمال المقترض، حتى تلك التي تتصل بالقرض، ذلك أنه لا يستفيد من أي ربح إذا ربح العمل بالقرض، ولا يتحمل أي خسارة إذا عمل المقترض بالمال فخسر. وتتأكد رغبته في عدم التدخل بالعمل والإدارة إذا كان أيد قرضه بضمان أو رهن أو كفالة.
أما رب المال فله حق التدخل في الإدارة الداخلية (حق التصويت) ، في العلاقة بينه وبين شريكه المضارب. ولا يتدخل في الإدارة الخارجية، في علاقة الشركة بالغير. والخلاصة أن المقرض دائن لا يتدخل، ورب المال شريك يتدخل.
وبهذا فإن المساهم في شركة المساهمة عضو في الجمعية العمومية (= الهيئة العامة) وقد يكن عضوا في مجلس الإدارة. أما المقرض فليس له حق تمثيل في الإدارة.
14-
أموال القرض بزيادتها تنقص قدرة المشروع على الاقتراض. أما حصص رأس المال فإنها تعزز القدرة المالية والمركز المالي للمشروع حيال دائنيه، فهي أموال خاصة بالمنشأة، وتشكل الضمان العام لدائنيها، بخلاف القروض فإنها أموال الغير، ومعلوم أن المشروع لا يستطيع الاقتراض إلا ضمن حدود معينة تتأثر بنسبة القروض إلى الأموال الخاصة.
15-
القروض قابلة للاستهلاك، بخلاف حصص رأس المال. فاستهلاك القروض يعني تخلص الشركة أو المشروع من الديون المترتبة عليه، أما استهلاك الحصص فإنها تعني انخفاض رأس مال الشركة أو المشروع.
16-
حق المقرض مقدم على حق الشريك، عند تصفية المشروع أو الشركة.
17-
كل زيادة مشروطة في عقد القرض تعتبر ربا محرما. أما الربح المشروط في عقد القراض فهو جائز، بل واجب، لكن لا يصح إلا إذا كان جزءا شائعا لا معينا، لأن تحديد مبلغ معين من الربح يمكن أن يؤدي إلى قطع الشركة، كما أنه يخل بمبدأ العدالة بين الشريكين.
على أن الفائدة الثابتة تعد أكثر انسجاما مع القرض من الشركة في الربح، لأن القرض مقدار معلوم في الذمة، وكذلك الفائدة، هي مقدار معلوم في الذمة. أما الحصة في الربح فهي مقدار غير معلوم.
18-
الشريك شريك في الخسائر والأرباح الصافية الإيرادية والرأسمالية بلغة علم المحاسبة. والمقرض في الشرع لا يشترك في الخسائر ولا في الأرباح، لا الإيرادية ولا الرأسمالية.
النتيجة:
لدى المتأمل في هذه الفروق، وبعضها فروع لأصل واحد، بين القرض والقراض، يبدو لي أن الجمع بينهما كالجمع بين السلف والبيع المنهي عنه في السنة النبوية، ذلك أن العملية تتلخص في النتيجة بأنها قرض بمنفعة مشروطة الأساس، وإن كانت احتمالية المقدار (غير محددة) ، فهناك شرط الاتفاق على الربح، فإن الشركة وإن بدت أنها من عقود غير عقود المعاوضات، إلا أن تصنيفها في عقود المشاركات لا يبعد عنها شوب المعاوضة، باعتبارها عقودا دائرة بين النفع والضرر، فإذا ما أعفي الشريك من الخسارة صارت الشركة دائرة بين النفع وعدمه، ولا يمكن اعتبار الربح من باب حسن القضاء، لأنه مشروط في العقد، ويتحدد حسب النتائج (الربح والخسارة) ، أي بضابط موضوعي، لا حسب رغبة المقترض وإرادته (ضابط شخصي) . وبهذا فإن سندات المقارضة الأردنية إنما هي سندات قروض ومشاركة في الأرباح.
وقد بدا لي بعد كتابة ما سبق أن الفقهاء بحثوا مسألة قريبة من مسألتنا، وهي القراض أو المضاربة بالدين الذي لرب المال على العامل (ضارب بما لي عليك من دين) ولم يجيزوها، ما لم يقبض رب المال الدين المستحق، فتتحول يد المضارب من يد ضمانة إلى يد أمانة، وتمتنع التهمة، لأن المدين قد يكون معسرا، أو راغبا في الاحتفاظ بمبلغ الدين، أي تأخير وفائه على أن يزيده فيه. هذا مع أن المسألة التي بحثها الفقهاء يتحول فيها الدين إلى شركة تحولا كاملا. أما مسألتنا فإن الدين يبقى فيها دينا، ويتحول إلى شركة جزئيا، بحيث يبقى دينا وشركة في آن معا. مما يجعل مسألتنا تجاريها وتباريها في الحرمة، بل عدم جوازها أولى والله أعلم. فإما قرض وإما شركة، أما قرض شركة فلا. هذا ولم تعترف بعض القوانين الوضعية بهذا القرض المشارك، بل اعتبرته شركة باطلة، هي شركة الأسد soviete leonine (1) .، لأنها شركة في الغنم دون الغرم، أي في الربح دون الخسارة. وذهبت تلك القوانين إلى أن الربح إذا تحقق (وزاد نصيب المقرض فيه على الفائدة المسموح بها قانونا، أنزل النصيب إلى الحد القانوني)(2) . وحتى لو شارك القرض في الخسارة بالإضافة إلى أن الربح لم يجز، لما في اجتماع القرض والقراض من تعارض وتنافر كما بينا.
ثم إن النظم الاجتماعية ذوات النزعة الإنسانية تميل دائما إلى توسيع قاعدة الملكية، ملكية وسائل الإنتاج التي تتصاعد أهميتها في العالم المعاصر، وملكية العقارات والثروات الأخرى. ومن شأن سندات المقارضة أنها تميل إلى حصر الملكية في أيدي حفنة قليلة من الأثرياء، سواء أصدرتها الدولة أو القطاع الخاص، وذلك بالقوانين وما يستتبعها من نظم ولوائح تنفيذية.
ولعل الحل البديل المقبول يكون في إنشاء أسهم مقارضة يتم تداولها في السوق المالية، واستردادها بالتدريج عن طريق تخفيض قيمة السهم في حدود القانون، وربما تم ذلك باعفاء المساهم من قسط لم يطلب بعد، أو عن طريق تخفيض عدد الأسهم بإلغاء بعضها، على أساس نسبة لكل مساهم، أو بإلغائها بعد شرائها من السوق. ويوزع على كل سهم ما يخصه من ربح، ولا شك أن الحصة الكلية لمجموع هذه الأسهم من الأرباح تنخفض بانخفاض قيمتها. ومن أفضل الطرق لمحاولة ضمان قيمتها ضمانا نسبيا غير مؤكد، ولضمان توزيع ربح عليها في كل دورة، هو إنشاء صندوق احتياطي لهذا الغرض، يغذي بتبرعات أصحاب الاستحقاق من مساهمين وغيرهم، في نهاية كل دورة مالية، وعند التصفية يصرف رصيد هذا الصندوق للجهات الخيرية.
د. رفيق يونس المصري
(1) الوسيط للسنهوري، سبق ذكره، ج5 ص282 و427
(2)
الوسيط للسنهوري، ج5 ص427