المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حيا أو ميتاغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الرابع

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلاميالأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

- ‌كلمةمعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده

- ‌كلمةمعالي رئيس البنك الإسلامي للتنميةالدكتور/ أحمد محمد علي

- ‌كلمةمعالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلاميالأستاذ/ أمين عقيل عطّاس

- ‌كلمةمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويتالشيخ خالد أحمد الجسار

- ‌كلمةمعالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلاميالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌كلمةمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدوليالدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌كلمةالوفود المشاركةألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادمعالي الدكتور محمد علي البار

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

- ‌التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنسانيإعدادفضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

- ‌‌‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادالدكتور عبد السلام داود العبّادي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاًإعدادفضيلة الشيخ آدم عبد الله علي

- ‌انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاًإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة سيدي محمد يوسف جيري

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي

- ‌صرف الزكاة لصالح صندوقالتضامن الإسلاميإعدادسعادة الدكتور عبد الله إبراهيم

- ‌مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ عبد الله البسام

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة أ. دكتور وهبه مصطفى الزحيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور أبو بكر دوكوري

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ هارون خليف جيلي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ رجب بيوضي التميمي

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الشيخ محمد عبده عمر

- ‌زكاة الأسهم في الشركاتإعدادفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌المثامنة في العقار للمصلحة العامةإعدادالدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- ‌انتزاع الملكية للمصلحة العامةإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌انتزاع الملكية للمنفعة العامةإعدادأ. د. يوسف محمود قاسم

- ‌نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌انتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادالدكتور محمود شمام

- ‌الإسلاموانتزاع الملك للمصلحة العامةإعدادفضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر

- ‌سندات المقارضةإعدادالصديق محمد الأمين الضرير

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌سندات المقارضةوسندات الاستثمارإعدادالدكتور حسن عبد الله الأمين

- ‌سندات المقارضةإعدادالقاضي محمد تقي عثماني

- ‌ضمان رأس المال أو الربحفي صكوك المضاربةأو سندات المقارضةإعدادالدكتور حسين حامد حسان

- ‌سندات المقارضةوسندات التنمية والاستثمارإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

- ‌سندات المقارنة وسندات الاستثمارإعدادفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

- ‌تصوير حقيقة سندات المقارضة والفرق بينها وبينسندات التنمية وشهادات الاستثمار والفرق بينهاوبين السندات الربويةإعدادالدكتور سامي حسن حمود

- ‌سندات المقارضة والاستثمارإعدادفضيلة الدكتور علي أحمد السالوس

- ‌سندات المقارضةإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌البيان الختامي وتوصياتلندوةسندات المقارضة وسندات الاستثمارالتي أقامهامجمع الفقه الإسلامي بجدة

- ‌بدل الخلوإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌ موضوع (بدل الخلو)

- ‌بدل الخلوإعدادالدكتور محمد سليمان الأشقر

- ‌حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)إعدادفضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو

- ‌بدل الخُلُوِّفي الفقه الإسلاميإعدادفضيلة الشيخ محيي الدين قادي

- ‌بدل الخلو وتصحيحهإعدادفضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادفضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي

- ‌كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقيةإعدادالشيخ هارون خليف جيلي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالأستاذ مصطفى الفيلالي

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادفضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر

- ‌مجالات الوحدة الإسلاميةوسبل الاستفادة منهاإعدادالحاج شيت محمد الثاني

- ‌الوحدة الإسلاميةوالتعامل الدوليإعدادفضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري

الفصل: ‌انتفاع الإنسان بأعضاءجسم إنسان آخر حيا أو ميتاغرس الأعضاء في جسم الإنسانمشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهيةإعدادمعالي الدكتور محمد أيمن صافي

‌انتفاع الإنسان بأعضاء

جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً

غرس الأعضاء في جسم الإنسان

مشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهية

إعداد

معالي الدكتور محمد أيمن صافي

أستاذ مساعد بقسم الجراثيم والمناعة

كلية الطب/ جامعة الملك عبد العزيز

مقدمة عن التداوي وصون النفس وقواعدها الفقهية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله خالق كل شيء، خالق الداء، وخالق الدواء، وجاعل لكل داء دواء، والذي أمرنا بالتداوي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل ((عباد الله، تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد هو الهرم)) . (أخرجه الشيخان) والقائل أيضاً ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام)) . [أخرجه أبو داوود) والقائل أيضا ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) . [أخرجه البخاري] فالإنسان مخلوق كرمه الله على سائر المخلوقات وشرفه بحمل الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] .

وجدير بهذا الإنسان الذي حمل الأمانة التي رفضتها سائر المخلوقات أن يكون مؤتمناً على جسده وبدنه، فالجسد ملك لله عز وجل خالق هذا الجسد، والإنسان لا يملك من هذا الجسد إلا الأمانة عليه، فهو أمين على جسده ومأمور بأن يحسن التصرف بهذه الأمانة ليحقق ما يصلحها ويتجنب ما يفسدها، فأمره الله أن يتداوى وألا يتداوى إلا بحلال طيب؛ لأنه لا شفاء بحرام إذ يقول عليه الصلاة والسلام ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) أخرجه البخاري.

وذلك لأن الحرام هو الخبيث الضار والحلال هو الطيب النافع إذ يقول الله جل جلاله {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الأعراف 157 وقد ميز الله الخبيث من الطيب إذ قال جل جلاله {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} آل عمران: 179.

ص: 58

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء بالخبيث))

رواه أبو داود.

تلك هي حدود الله تؤمن للإنسان الصلاح والإصلاح وتبعد عنه الشر والفساد، فإن تجاوز الإنسان للحدود وتصرف في جسده بما يتعارض مع إصلاحه وصلاحه كان خائناً للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وكان تصرفه محرماً وباطلاً.

ويتم اختيار الطيب دون الخبيث والصالح دون الفاسد والنافع دون الضار حسب القواعد الفقهية المتفق عليها:

1) وجوب صون النفس. ودرء المفاسد مقدم على طلب المنافع.

2) الضرورات تبيح المحظورات.

3) الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.

4) يتم اختيار أهون الشرين.

5) يتحمل الضرر الخاص بدفع ضرر عام.

6) إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما.

7) ما حرم أخذه حرم عطاؤه، وما حرم فعله حرم طلبه.

فمثلاً أجاز جمهور الفقهاء شق بطن الأم التي هي في حال الاحتضار لاستخراج جنين حي أو ترجى حياته، كما أجازوا شق بطن الآدمي بعد وفاته لاستخراج ما ابتلعه أثناء حياته من أشياء ثمينة كالذهب والحلي والجواهر.

ففي الحالة الأولى يتضح أن ضرر شق بطن الأم أقل من ضرر موت الجنين ولذلك روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما وهو شق بطن الأم، وشق بطن الأم هو أهون الشرين، وفيه أيضاً إزالة للضرر الأشد بارتكاب الضرر الأخف، أما في الحالة الثانية فضرورة إخراج الأشياء الثمينة والتي قد تكون ملك الغير أباحت المحظور وهو شق بطن الآدمي، وكذلك يلجأ إلى شق بطن الآدمي عندما يكون ضرر بقاء الأشياء الثمينة في جوفه أشد من ضرر فتح بطنه فيتم اختيار أهون الشرين ويراعى الضرر الأعظم بارتكاب الضرر الأخف ألا وهو شق البطن.

ص: 59

نعم إن الدين الإسلامي كرم الإنسان حياً وميتاً، فحرم العبث بجثث الموتى والتمثيل بها، إلا أن الشريعة أجازت تشريح جثث الموتى عندما يكون تشريح الجثة وسيلة ضرورية للتعليم وإتقان مهنة الطب لتأهيل أطباء أكفاء يفيدون المجتمع الإسلامي، بل يجوز تشريح الجثث في الطب الشرعي لتحديد سبب الوفاة في الأمور الجنائية. فالإسلام كرم الإنسان حياً وميتاً فحرم التمثيل بالجثث، إلا أن تشريح الجثث من أجل العلم والطب الشرعي يخدم غرضاً نبيلاً، بعكس التمثيل بالجثة والذي يهدف إلى قطع أعضاء وأجزاء الإنسان لتشويه الجثة وللانتقام وإخماد الغضب وللسخرية والاستهزاء.

فإجراءات التشريح والتمثيل واحدة شكلاً، وهي قطع أعضاء الجثة، إلا أن الغاية والنتيجة المرجوة مختلفة، فحسب القواعد الفقهية المذكورة سابقاً جاز التشريح وحرم التمثيل، واستناداً إلى هذه القواعد الفقهية أيضاً أجاز الفقهاء نقل أعضاء الميت إلى جسم آدمي حي هو بحاجة إلى الأعضاء. وجاءت هذه الفتوى بقرار هيئة كبار العلماء بالرياض رقم 99 (في 6/11/ 1402 هـ) .

فجواز نقل أعضاء الموتى مشروط بالقواعد الفقهية السابقة إذ يجب أن يخدم غرضاً نبيلاً نافعاً، كأن ينقذ حياة المريض أو يشفيه من مرض عضال لا يتم شفاؤه (بإذن الله) إلا عن طريق نقل العضو، وقد ثبت أن نقل الأعضاء (ويعرف باسم غرس الأعضاء (1) يخدم الطب بشكل كبير.

(1) الاسم الشائع هو زرع الأعضاء، وهي تسمية خاطئة كما هو مبين لاحقاً في صفحة 125

ص: 60

وغرس الأعضاء من الأساليب العلاجية المهمة جداً والتي أفادت في الشفاء (بإذن الله) من أمراض عضال كثيرة تستعصي على أساليب العلاج الأخرى، فاليوم هنالك ما يفوق عن مائة ألف عملية غرس كلية ثم إجراؤها في العالم لعلاج المراحل المتأخرة من أمراض الكلى، كما تم بنجاح إجراء العديد من عمليات غرس القلب (والرئة) محققاً نتائج طيبة (بإذن الله) لمرضى القلب والرئتين الذين كانت حالاتهم ميئوساً منها. وها هي عمليات غرس نقي العظام تجرى بنجاح لعلاج أدواء نقص المناعة وأدواء انحلال الدم الخطيرة، وغرس الكبد لعلاج العديد من أمراض تليف الكبد وغرس البنكرياس لعلاج بعض حالات مرض السكري وبعض أمراض عجز البنكرياس أو التهاباته المزمنة. أما غرس قرنية العين فقد طبقت في مجالات واسعة لإعادة الرؤية إلى المرضى (بإذن الله) . وبالرغم من أن التقدم العلمي والتقني أدى إلى تطور كبير في غرس الأعضاء إلا أنه خلق مشاكل أخلاقية وقضايا فقهية جديدة يجب حلها، ولذلك توخيت في بحثي هذا أن ألقي الضوء على بعض هذه القضايا والمشاكل التي نشأت والتي يمكن أن تنشأ (من جراء تطور غرس الأعضاء) وسأخص بالذكر منها ما يلي:

أ) غرس الخصية.

ب) غرس أعضاء الأجنة.

ج) انتقال الإيدز عن طريق غرس الأعضاء.

د) ضرورة غرس أعضاء الإنسان الحي ومشاكلها.

وقد بدأت هذا البحث بموجز عن تعريف غرس الأعضاء وتاريخه؛ لما للتاريخ من أهمية لدى الباحث الفقيه، وأنهيته ببعض الاقتراحات التي أعتقد أنها ضرورية.

وحيث إن البحث في موضوع غرس الأعضاء يحتاج إلى مادة علمية غنية (من جميع جوانب هذا الموضوع) يمكن الرجوع إليها عند الضرورة فقد كان لي شرف كتابة أول مرجع شامل باللغة العربية عن " غرس الأعضاء في جسم الإنسان " سأرفقه مع هذا البحث أملا أن يكون فيه ما يشبع الشغف وينير الدرب، وأن تكون فيه الإفادة لمن أراد المزيد حول هذا الموضوع.

وعلى الإنسان أن يسعى وبالله التوفيق.

ص: 61

تعريف غرس الأعضاء وتاريخه

لا بد أولا أن أنوه وألفت الانتباه إلى وجوب استبدال عبارة " زرع الأعضاء "(الشائعة الاستعمال) بعبارة " غرس الأعضاء " تبعاً للمبررات الآتية:

غرس الأعضاء يقصد به نقل عضو سليم من جسم متبرع (معطي، مانح) سواء كان إنساناً أو حيواناً أو أي كائن حي، وإثباته في الجسم المستقبل (الآخذ، المتلقي) ليقوم مقام العضو المريض في أداء وظائفه، وعبارة " غرس الأعضاء " هي التسمية الصحيحة وليس عبارة " زرع الأعضاء "؛ فقد اتفقت جميع معاجم اللغة العربية (لسان العرب والمحيط وغيرها) أن عبارة غرس في اللغة العربية تعني إثبات الشيء المغروس (الغريسة) في مكان الغرس، فيقال: غرس الشجر؛ أي: أثبته في الأرض.

أما " الزرع" فهو طرح الزُّرعة " أي البذر " في الأرض فيقال: زرع الأرض أي ألقى فيها البذر، ويقال زرع الحب أي بذره، والاسم الزرع. وقد جاء في المصباح المنير أن " الزرع" هو ما استنبت بالبذرة، وبهذا نجد أن كلمة " غرس " أدق وأصح من كلمة " زرع " لاستعمالها في مجال نقل الأعضاء.

بالإضافة إلى دقة المعنى نجد أن الاشتقاقات في كلمة غرس هي الأنسب لاستعمالها في مجال نقل الأعضاء، فنقول:" غريسة " للدلالة على العضو المغروس، وجمعها " غرائس" أي الأعضاء المغروسة.

أما اشتقاقات كلمة " زرع " فهنالك " الزُّرعة " وهو البذر المطروح في الأرض وهنالك " زريعة " وهو ما بذر، وتطلق أيضاً على الشيء المزروع مثل الأرض المزروعة، وهنالك " الزريع " وهو ما ينبت في الأرض مما سقط فيها من الحب أيام الحصاد. وكلها غير مناسبة للدلالة على العضو المراد نقله، بعكس كلمة " غريسة " والتي تعني الفسيلة ساعة توضع حتى تعلق.

ص: 62

وخير ما يؤيد ذلك أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام: عن جابر رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة)) وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة)) .

رواه البخاري ومسلم.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا طائر ولا شيء إلا كان له أجر)) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.

ومن هذه الأحاديث يتضح أن الزرع غير الغرس وأن الغرس مرتبط بالغريسة وهي الفسيلة كالشجر والنخل كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((سبع يجري أجرهن للعبد وهو في قبره بعد موته؛ من علم علماً أو كرى نهراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته)) .

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)) .

وكثيرة هي الأحاديث التي تبين أن الغرس غير الزرع وأن الزرع يتعلق بالبذور والغرس يتعلق بالشجر والفسيلة.

ص: 63

تاريخ غرس الأعضاء

يقول علماء غرس الأعضاء إن عمليات غرس الأعضاء لم تبدأ إلا في أواخر القرن التاسع عشر.

إلا أنه كما ((ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد حين أصيبت عين قتادة بن النعمان فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها عليه بيده، وكانت أصح عينيه وأحسنهما)) رواه الدارقطني وابن شاهين والبيهقي وقد اختلف أهل العلم في تصحيحه (زاد المعاد الجزء الثالث ص 198) .

وهذه القصة تجعلنا نقول: إن أقدم وأسرع عمليات غرس العيون كانت بمشيئة الله على يد الرسول عليه الصلاة والسلام وهي معجزة إلهية.

إلا أن التاريخ لم يذكر شيئاً من غرس الأعضاء حتى أواخر القرن التاسع عشر إذ بدأت محاولات غرس الجلد في الحيوان على يد الجراح الفرنسي جاك لويس ريفيردين وحاول الطبيب روبسون عام 1893 غرس البنكرياس في طفل. وبدأت أول عمليات غرس القرنية (رأب القرنية) في عام 1905م وتنسب إلى الجراح التشيكوسلوفاكي (ادوارد دزيوم) أما عمليات غرس الكلى فقد بدأت أول تجاربها على الحيوان في عام 1908 م على يد (ولمان) في فيينا.

إلا أن تطور غرس الأعضاء حدث في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث أجريت أول عملية ناجحة في غرس الكلى، وفي منتصف الستينات بدأت أولى عمليات غرس القلب والكبد والبنكرياس، وقد قفزت عمليات غرس الأعضاء قفزات رائعة في السنوات الأخيرة وما ذلك إلا نتيجة لتطور التقنية الجراحية ولاكتشاف مستضدات (انتيجين) التطابق النسيجي والآليات المناعية المسؤولة عن رفض الغرائس والتي يعود الفضل فيها إلى العالم الأمريكي اللبناني الأصل (مدَوَّر) أضف إلى ذلك اكتشاف عقار السايكلوسبورين المثبط للمناعة.

ص: 64

وإلى الآن أصبحت معظم الأعضاء تغرس في جسم الإنسان مثل الجلد ونقي العظام والقرنية والكلية والقلب والرئتين والكبد والبنكرياس، وتفاصيل عمليات غرس كل عضو من هذه الأعضاء ومجالات تطبيقاتها وتطورها ومدى نجاحها مشروع بشكل مفصل في كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان (ص 121 ـ 257) وقد أدى غرس هذه الأعضاء إلى الشفاء من أمراض عضال مستعصية على أساليب العلاج المختلفة. ومما زاد في تطور عمليات غرس الأعضاء التقنية الحديثة التي يتم بواسطتها تجميد الأعضاء إلى درجات حرارة منخفضة جداً تصل إلى 170 درجة مئوية تحت الصفر، وبذلك يحفظ الأعضاء لمدة طويلة جداً إلى حين استعمالها، فعند الحاجة لاستعمالها تسخن إلى درجة حرارة الجسم فتعود إلى حالتها الطبيعية (والمبدأ العلمي وطريقة الحفظ بالتجميد مشروحة بالتفصيل في كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان (ص 23 ـ 24) .

وبالرغم من أن التقدم العلمي والتطور الهائل في التقنيات المستخدمة في غرس الأعضاء أفاد كثيراً وأدى إلى خدمة البشرية إلا أنه من جهة أخرى وضعنا أمام قضايا فقهية جديدة ومشاكل أخلاقية نذكر منها ما يلي:

أ- غرس الخصية:

الخصيتان (في الذكر) والمبيضان (في الأنثى) هي الغدد التناسلية في الإنسان، وتعتبر كمصانع لإنتاج الخلايا التناسلية. فالخصية مصنع لإنتاج الحيوانات المنوية (إضافة إلى إفراز الهرمونات الذكرية) كما أن المبيض مصنع لإنتاج البويضات، إضافة إلى إفراز هرمونات الأنوثة.

فمتى تنضج هذه الغدد؟؟ وهل يمكن استخدام غدة الأجنة كغرائس؟؟ وهل يتم إنتاج الخلايا التناسلية (النطاف والبويضات) بشكل كامل داخل الغدد التناسلية؟؟ وفي أي مرحلة من تطور الجنين يتم ذلك؟؟

ص: 65

فالإجابة على هذه التساؤلات ستنير الطريق أمامنا لكي نفهم طبيعة غرس الخصية والمبيض وخاصة المأخوذة من الأجنة، ولكي يتم وضع الأحكام الشرعية.

في بداية الأسبوع السابع لا يوجد في الجنين أعضاء تناسلية إلا أنه توجد حدبة تناسلية غير محددة الهوية (ذكورة أم أنوثة) . توجد بالقرب من منطقة الكلية بين الصلب (العمود الفقري والترائب)(الأضلاع) . إنه ابتداء من الأسبوع السابع من الحمل تبدأ الخصية بالنمو (قبل المبيض) ويظهر فيها نسيج خاص يكون ملفوفاً بغلاف أبيض يدعى اللفافة البيضاء، وتنمو الخصية (أو المبيض) في الحدبة التناسيلة (سابقة الذكر) وإنه يمكن في الأسبوع الثامن التعرف على الغدد التناسلية إن كانت خصية أم مبيضاً، وفي الأسبوع التاسع من الحمل تبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية بالتميز بين الأنوثة والذكورة / وإنه في الأسبوع الثاني عشر تتميز الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل كامل أي في نهاية الشهر الثالث. وكما ذكرنا آنفاً يكون موضع الخصية قبل الشهر الثالث (في الأسبوع الثامن) بالقرب من موضع الكلية بين الصلب (العمود الفقري) والترائب (الأضلاع) ثم تنزل الخصية تدريجياً أثناء الحمل إلى أن تصل إلى الحوض في الشهر السابع وعلى عكس المبيض الذي يستقر في الحوض تتابع الخصية نزولها حتى إنها في الشهر التاسع من الحمل (الأسبوع 36) تنزل إلى كيس الصفن خارج البدن. وقد ثبت أن النطاف متواجدة منذ بدء تطور الخصية إلا إنها تكون متواجدة بجدار القنيات المنوية بشكل خلايا أصلية (ينشأ منها كل النطاف طوال العمر الجنسي) ، إلا أن الخصية تكون خامدة هاجعة حتى سن البلوغ، وتحت تأثير هرمونات منطقة الوطاء (منطقة تحت السرير البصري، أو منطقة تحت المهاد (Hypothalamus) تبدأ الغدة النخامية بإرسال رسولها المنشط (المغذي) للغدد التناسلية فتتنبه الخلايا الأصلية (الأولية) الموجودة بجدار القنيات المنوية فتقوم من هجعتها الطويلة وتبدأ بالانقسام منذ تلك اللحظة.

ص: 66

وبالرغم من أن النطاف متواجدة في الخصية منذ مرحلة الجنين وتكون متواجدة بجدار القنيات المنوية بشكل خلايا أصلية هاجعة (كامنة) فإنه لا يمكن اثبات أو نفي (1) . إن كان نقل خصية جنين إلى إنسان بالغ سيؤدي إلى خروج الخصية من هجعتها وبالتالي إلى نشاط الخلايا الأصلية وإنتاج النطاف تحت تأثير الغدد النخامية في الجسم.

وقد ورد أن الخصية نفسها تفرز هرمونا ذكورة، وأنها ابتداء من الشهر الرابع من عمر الجنين تصبح قادرة على إفراز هرمونات الذكورة تحت تأثير غدة أمه النخامية، ولذلك يمكن بعد الشهر الرابع من عمر الجنين استخدام الخصية لغرسها في جسم إنسان بالغ وستقوم هذه الخصية بجميع وظائفها الهرمونية بشكل كامل تحت تأثير الغدة النخامية في الإنسان البالغ المتلقي للخصية، وقد ذكر ذلك الدكتور (ك. حنش) وهو صاحب أول عملية غرس خصية في الإنسان. فكما يذكر في كتابه الجنس والعقم (ص 266) أنه غرس خصيتي جنين (2) في شاب في العشرينات من عمره يشكو من غياب خصيتيه إلا أن غدته النخامية سليمة الوظائف، وبعد العملية بسبعة أيام بدأت تظهر على الشاب صفات الذكورة الثانوية وهكذا حتى أصبح الشاب ذا مظهر رجولي طبيعي ومن ثم بدأ يقذف وبدأ يمارس الجنس (3) . إلا أن المؤلف لم يذكر شيئاً عن وصل الحبال المنوية في هذه العملية (؟!!) إذن فغرس الخصية هذه أفاد من الناحية الهرمونية؛ إذ استطاعت الخصية المغروسة من إفراز هرمونات الذكورة مما أدى إلى ظهور الصفات المذكورة أعلاه.

فما رأي الشرع؟؟ لا بد أن الأمر يحتاج إلى استشارة أخصائي أمراض المسالك البولية والعقم وقد سألت الأستاذ الدكتور/ ربيع عبد الحليم أستاذ المسالك البولية في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز فأفاد بأنه لا يوجد وصف لعلاج العقم بواسطة غرس الخصية فلا يعتقد بأن الخصية المغروسة تستطيع توليد النطاف إلا أننا لا نستطيع إثبات ذلك أو نفيه لأنه لا توجد أبحاث حول هذه النقطة والحالة التي ذكرها الدكتور/ حنش إنما تعني قدرة الخصية المغروسة على إنتاج هرمونات الذكورة، وعادة تغرس الخصية بدون وصل الحبال المنوية في حالات غرس الخصية الذاتي (انتهى رأي د. ربيع) .

(1) لا توجد تجارب أو أبحاث عملية بهذا الخصوص

(2)

ذكر المؤلف كمال حنش في كتابه أنه تم تسجيل هذه العملية في المجلة الأمريكية للعقم

(3)

هذا لا يعني أنه يقذف حيوانات منوية. فلربما يقذف سائل البروستات

ص: 67

فالأمر بهذه الصورة يتلخص بوجود عملية غرس خصية غريبة للاستفادة من هرموناتها لمعالجة المرضى (الذين يشكون من غياب أو عطب الخصيتين) من الناحية الهرمونية لاستعادة صفاتهم الذكرية بدون إنتاج نطاق.

وأود بهذا الصدد أن أفترض حالة من نسيج الخيال والافتراض العلمي، فلو فرضنا جدلاً أنه في عملية غرس خصية جنينية تم توصيل الحبال المنوية واستطاعت الخصية من إفراز النطاف فهل يسمح شرعاً بغرس الخصية لعلاج المرضى الذين يئسوا من حياتهم بسبب غياب الخصية عندهم؟ هل يسمح بهذا ونحن نعلم أن إنتاج النطاف محصور بالخصية ليس إلا، فالخصية هي المصنع المتكامل الذي ينتج النطاف ولا تحتاج لعملها هذا إلا أوامر من الغدة النخامية، ولا تحتاج إلى أية مواد خارجية تدخل في تصنيع النطاف، وهذا يعني أن الإنسان الذي يتلقى الخصية لا دخل له في إنتاج النطاف سوى أن غدته النخامية ترسل أوامر بواسطة رسلها الكيماوية (الهرمونات) إلى الخصية الغريبة المغروسة، ثم تقوم الخصية بإنتاج النطاف ذاتياً طوال فترة العمر الجنسي، فالنطاف من الخصية.. والخصية ملك الرجل المتبرع

فلمن يكون الأولاد؟ فإذا كان الجواب إنهم لصاحب الخصية (وهو الأرجح) ، فهل يا ترى يسمح بغرس الخصية مع جعل نسب الأبناء لصاحب الخصية؟؟ أم يا ترى نحرم غرس الخصية (وهو الأرجح) ؟! لأن ذلك كما يبدو إنما هو تلقيح بويضة الزوجة بنطفة غير نطفة الزوج وهذا حرام لأنه ينطوي ضمن دائرة الزواج الذي يستخدم طرفاً ثالثاً ألا وهو نطفة غريبة.

فكما أسلفت فإني طرحت هذه الحالة لإثارة الجدل العلمي فقط.

ص: 68

ب- غرس أعضاء الأجنة:

غرس أعضاء الأجنة أخذ طريقه حديثاً إلى عالم " غرس الأعضاء "، وقبل الخوض بشرحه لا بد أولاً من إلقاء الضوء على تطور الجنين واكتمال أنسجته وأعضائه فكيف يتطور الجنين؟ نقطة البدء هي التقاء البويضة مع النطفة (التلقيح) ويتم التلقيح في الثلث الأول من قناة فالوب وتحتاج البيضة الملقحة إلى ستة أيام كي تصل إلى الرحم، وعند وصولها إلى الرحم تكون بشكل التوتة فتنفرز في جدار الرحم وتستمر في تطورها لتصبح بشكل القرص في الأسبوع الثالث، ومن الأسبوع الثالث وحتى نهاية الأسبوع السابع (أربعة أسابيع تقريباً) يحدث التطور السريع للجنين ويتحول إلى شكل متميز وتتشكل جميع الأعضاء: الجلد والشعر والأظفار والجهاز العصبي والعضلات والعظام والأوعية الدموية والأمعاء والكبد والمرارة والبنكرياس والحنجرة والرئتين والقلب. وفي منتصف الأسبوع السادس يصبح له خفقة قلب الإنسان العادي ويكون بطول 1.5 سم. أما الغدد التناسلية الخصيتان (ذكر) والمبيضان (أنثى) فتنشأ من حدبة تناسلية تكون غير محددة الهوية في بداية الأسبوع السابع وعندها تبدأ هذه الحدبة بالنمو لتعطي إما خصية (ذكر) أو مبيضاً (أنثى) فيصبح بالإمكان التعرف على الغدد التناسلية أذكرية هي (الخصية) أم أنثوية (المبيض) ؟ ومن نهاية الأسبوع السابع وحتى الأسبوع الثاني عشر (أربعة أسابيع تقريباً) تكون مرحلة نمو فقط إذ إنه في الأسبوع الثامن يصبح للجنين الشكل الإنساني المتميز حيث تكونت معظم الأعضاء والأجهزة بصورتها الشبيهة بما هي عليه عند المولود ويكون طوله 3 سم تقريباً ووزنه 2 غ وله جفون مغلقة وأصابع وأسنان، وفي الأسبوع الثاني عشر يصبح طوله 7.5 سم تقريباً ووزنه 140 غ وأجهزته مكتملة وإن كانت لم تبدأ في أداء دورها وواجبها.

ص: 69

في الشهر الثالث من نمو الجنين، يكون التخلق الجنسي أكثر وضوحاً، فالمهبل والرحم يبدأان في التكون، ويبدأ القضيب في البروز وتتكون الكليتان والمثانة ومجاري البول ويبدأ الجنين بإفراز البول بكميات ضئيلة، ويكون الدماغ في غضون الأسبوع العاشر مثله عند الولادة وفي نهاية الأسبوع الثاني عشر (نهاية الشهر الثالث) تتميز الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل كامل. ويستمر نمو الجنين حتى إن نهاية الشهر الخامس يصبح الجنين درجة من كمال النمو واكتمال الأعضاء حتى ليكاد الإنسان يظن أن الجنين يستطيع أن يحيا خارج الرحم ولكن هذا ليس إلا من قبل الأوهام، فالجنين في هذا العمر لا تكتب له الحياة عادة، فالرئتان والبشرة وجهاز الهضم ليست قادرة بعد على العمل المنوط بها خارجاً. والجنين في هذا العمر صغير يبلغ طوله بحدود ثماني بوصات (20 سم تقريباً) ووزنه 225 غراماً، أما أصغر عمر يستطيع الجنين متى بلغه أن يحيا خارج الرحم هو 25 أسبوعاً ويكون وزنه بحدود 450 غراماً.

نعم لقد بدأ استخدام أجنة الإنسان في مجالات غرس الأعضاء، فكما أسلفت هناك حالة غرس خصيتي جنين أجراها الدكتور/ كمال حنش وذكرها في كتابه الجنس والعقم، وقد نجحت العملية وكانت نتائجها جيدة (1) ، وهي أول عملية غرس خصية في العالم، بالإضافة إلى عملية غرس خصيتي الجنين الناجحة، هنالك أيضاً عمليات غرس الغدة السعترية (التيموس) من الأجنة إلى أطفال يعانون من نقص في المناعة نتيجة غياب أو عطب الغدة السعترية. ومن الثابت أن الغدة السعترية مسؤولة عن تطور بعض خلايا المناعة. وأن غيابها يؤدي إلى نقص في المناعة. ولقد أبدت النتائج تحسناً ملحوظاً في مناعة الأطفال المرضى، وتعتبر هذه العملية من الإجراءات المأمولة لعلاج أمراض نقص المناعة الخلوية عند الأطفال، وكذلك تم غرس بعض خلايا بنكرياس الجنين التي تفرز الإنسولين لمعالجة نوع من أنواع السكري وقد وجد بعض التحسن عند استعمال خلايا مجمدة فقط، وكذلك هنالك محاولات لغرس بعض خلايا الأجنة لدماغ الإنسان لعلاج مرض باركنسون.

(1) انظر ص 12

ص: 70

كل هذه الأمثلة تؤكد استعمال أعضاء وخلايا الأجنة في علاج الأمراض المستعصية، وإن كان الأمر ذا فائدة طبية إلا أنه يضعنا أمام قضايا فقهية وقضايا أخلاقية.

فالجنين كائن حي ذو حياة نباتية بادئ الأمر إلى أن تنفخ فيه الروح، ونفخ الروح يكون بعد أربعين يوماً حسب رأي بعض الفقهاء أو أو بعد مائة وعشرين يوماً حسب رأي البعض الآخر من الفقهاء، فهل يا ترى يجوز استعمال الجنين في المداواة (غرس الأعضاء) ؟

بعد أن عرفنا أن أعضاء الجنين تستعمل عادة بعد الشهور الثلاثة الأولى (إذ تكون الأعضاء قد تطورت، فمثلاً يجب استئصال الخصية من جنين عمره أكثر من أربعة شهور) أي بعد نفخ الروح (120 يوماً على أكثر الاحتمالات) ؟ فإذا كان الشرع أجاز استخدام أعضاء الموتى للأمور العلاجية.. فهل الأمر كذلك في بعض حالات استخدام الجنين؟؟ فمثلاً عندما تشتكي الأم من بعض أمراض المشيمة أثناء الحمل (انسلاخ المشيمة) فلا بد عندها من التضحية بحياة الجنين لإنقاذ حياة الأم

فإن كان عمر الجنين أقل من 25 أسبوعاً فلا حياة له ترتجى إن هو أخرج من الرحم

فما المانع من استخدام هذا الجنين في مجالات علاجية كغرس الأعضاء؟

إلا أن الأمر يجب أن يكون ضمن ضوابط شرعية.. لمنع المشاكل الأخلاقية التي يمكن أن تنشأ عن سوء استخدام الأجنة، فبعض النسوة قد يلجأن إلى الحمل بغية استخدام الجنين لعلاجهن أو علاج أقربائهن

أو قد يجبرن على ذلك من قبل أزواجهن إضافة إلى تأجير الأرحام التي انتشرت في المجتمعات الغربية ووصل الأمر (1) . (حسب تقرير جريدة " المسلمون " العدد 142) أو سيصل إلى إنتاج الأجنة في الأرحام المستأجرة.. وإضافة إلى كونها ظاهرة اجتماعية وأخلاقية كبيرة الخطورة فإنها بالوقت نفسه تشكل خطراً لانتشار أمراض خطيرة كمرض الإيدز (كما سيتم شرحه لاحقاً) .

(1) جريدة المسلمون العدد (142) الجمعة 1 ربيع الأول، 1408 هـ (23/ 10/ 1987) .

ص: 71

جـ- انتقال الإيدز عن طريق غرس الأعضاء:

الإيدز " مرض نقص المناعة المكتسب " مرض خطير يوصف بأنه طاعون العصر الذي يفتك بصاحبه دون رحمة، فما أن يصاب إنسان به حتى تغزوه الإنتانات الكثيرة (الانتهازية) وتتدهور صحته ويموت خلال خمس سنوات.

ظهر هذا المرض في أواخر السبعينات من هذا القرن، لكن لم يعرف باسم " الإيدز " إلا في أوائل الثمانينات 1981، وبعد ذلك اكتشف أن سبب هذا المرض هو فيروس ينتمي إلى مجموعة الفيروسات المتراجعة Retrovirueses والذي أطلق اسم HTLV.III، وهذه الكلمة اختصار لعدة كلمات هي Human T-Lymphocyte virus وقد أطلقه الباحثون الأمريكيون بينما استعمل الفرنسيون اسماً آخر LAV وهو اختصار الكلمات Lymphadenopathy- assocociated virus إلا أن الاسم الجديد الذي يوحد الاسمين السابقين معاً هو HIV وهو اختصار الكلمات Human Immunodeficiency Viruses

يهاجم هذا الفيروس الخلايا اللمفاوية (تي) المساعدة (T4) T-helper Iymphocytes بشكل رئيسي فيفتك بها ويخربها وبذلك تنعدم المناعة في الجسم ويصبح المريض عرضة لغزو الإنتانات (العدوى) الانتهازية الفتاكة، كما يصاب المريض بسرطان كابوس ويموت خلال خمس سنوات.

ينتشر هذا المرض بين الممارسين للشذوذ الجنسي، وبين مدمني المخدرات، وبين المهاجرين من جزر هايتي، وبين سكان الحزام الأفريقي، وبين مرضى الناعور (هيموفيليا) وقد أطلق على هذه المجموعات اسم مجموعات خطر الإيدز. بالإضافة لهؤلاء الناس ينتقل هذا المرض عن طريق الاتصال الجنسي الطبيعي بين الذكر والأنثى إذا كان أحد الطرفين مصاباً أو حاوياً على فيروسات المرض، كما ينتقل عبر المشيمة من الأم إلى الجنين، كما ينتقل عن طريق الرضاعة. وموضوع انتقال وانتشار الإيدز واسع ويحتاج إلى تفصيل واف، وهناك تفصيل كاف وواف في كتابنا " الإيدز مرض العصر ". ولكن ما يهمنا في موضوعنا الآن هو علاقة الإيدز بغرس الأعضاء. فالسؤال الذي يطرح هو هل ينتقل الإيدز عن طريق غرس الأعضاء؟

حقيقة الأمر أن عمليات غرس الأعضاء تتضمن إجراءين اثنين يتدخلان في نقل مرض الإيدز، وهما نقل الدم، وغرس العضو المطلوب نقله، إضافة إلى إمكانية انتقال الإيدز عند استعمال أنسجة الأجنة.

ص: 72

1) نقل الدم:

من الإجراءات المهمة التي تجرى قبل عمليات غرس الأعضاء هو نقل الدم، فمنذ عام 1973 أصبح مؤكداً أن نقل الدم للمريض الذي ستجرى له عملية غرس الأعضاء تعطي نتائج جيدة في رفع معدل بقاء الغريسة وفي تخفيض حدوث رفض الغريسة.

ويوجد شرح كاف وواف لتأثر نقل الدم في تحسين نتائج غرس الأعضاء في فصل غرس الكلية (ص 207) من كتابنا " غرس الأعضاء في جسم الإنسان " وقد ثبت مما لا يدع مجالاً للشك أن فيروس الإيدز ينتقل عن طريق نقل الدم، ولا تتعلق العدوى (عن طريق نقل الدم) بكمية الدم المنقولة فيكفي أن تكون كمية قليلة جداً من الدم ملوثة بفيروس الإيدز حتى تتم العدوى، بل إن دخول أثر قليل من الدم الملوث عن طريق وخز الإبرة الملوثة يكفي لحدوث العدوى، كما ثبت أن فيروس الإيدز ينتقل بواسطة نقل أحد مشتقات الدم مثل العامل الثامن والذي ينقل عادة إلى مرض الناعور (الهيموفيليا، وهو سوء تجلط الدم) ولهذا نجد أن هؤلاء المرضى هم مجموعات خطر الإيدز، في مجال غرس الأعضاء يتلقى المريض قبل عملية الغرس عدة وحدات من الدم قد تصل إلى خمس وحدات، بهذا يتبين إمكانية حصوله على الدم من عدة متبرعين وبذا يزيد احتمال الإصابة بمرض الإيدز.

وقد أصبح كشف فيروسات الإيدز من الإجراءات التي تجرى في معظم المختبرات الطبية، وتعتمد الطريقة على كشف الأضداد النوعية للفيروس antibodies في المصل.

وهنالك العديد من الطرق المستعملة لهذا الغرض المذكورة في ص (108 ـ 114) من كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان.

ص: 73

2) غرس الأعضاء:

قبل عام 1985 لم يكن يعرف أن الإيدز ينتقل عن طريق نقل أعضاء الإنسان من شخص إلى آخر. ففي أيلول (سبتمبر) من عام 1985 ظهر أو تقرير عن انتقال مرض الإيدز جراء غرس كلية مأخوذة من مريض مصاب بمرض الناعور (الهيوفيليا) . وقد تأكد هذا عندما أعلن فريق طبي ألماني أن فيروس الإيدز ينتقل عن طريق غرس الكلى المأخوذة من متبرعين مصابين بالإيدز، ونفى هذا الفريق أن يكون سبب ظهور الإيدز في مرضاهم المستقبلين لغرائس الكلى ناتجاً عن نقل الدم الذي أجري لهؤلاء المرضى، فقد كانت كل وحدات الدم المنقولة سليمة وخالية من الفيروس، بينما كانت كل الكلى المنقولة لمرضاهم مأخوذة من متبرعين مصابين بالإيدز، وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن سبب انتقال مرض الإيدز هو الكلى المغروسة، وثبت حديثاً أن مرض الإيدز ينتقل عن طريق غرس الجلد، وحتى عن طريق الجلد المحفوظ بواسطة التجميد.

إذن لا بد من إجراء فحوصات كشف فيروسات الإيدز وأضدادها على المتبرعين بالأعضاء المختلفة. وقد جاءت توصية من منظمة الصحة العالمية بضرورة إجراء فحوصات كشف فيروس الإيدز في المتبرعين بالدم والسائل المنوي والأعضاء والأنسجة ويجب استبعاد المتبرعين من مجموعات خطر الإيدز.

ص: 74

3) غرس أنسجة الأجنة:

لقد أدى التطور التقني والعلمي في مجال غرس الأعضاء إلى غرس أنسجة الأجنة وقد ثبت أن هذه الأعضاء الجنينية تؤدي الغرض المطلوب إضافة إلى أنها أقل عرضة للرفض من قبل الجسم المستقبل.

ولهذا فإن المريضات قد يطلبن إجهاضهن أو يكرهن على الإجهاض من قبل أزواجهن واستخدام أعضاء وأنسجة الجنين في المداواة. والأعظم من ذلك نشوء فكرة إنتاج أجنة عن طريق المومسات والعاهرات بنطاف أجنبية ومن ثم إسقاط الجنين واستخدامه في غرس الأعضاء (جريدة المسلمون: العدد 142 ـ الجمعة 1 ربيع الأول 1408 هـ) .

وقد ثبت انتقال فيروس الإيدز من الأم إلى الجنين، ونحن نعلم أن نسبة كبيرة من العاهرات والبغايا والمومسات يحملن فيروس الإيدز، أضف إلى ذلك أن كثيراً من الشاذات جنسياً يرغبن في الحمل ولكن ليس عن طريق الجماع فيلجأن إلى تأجير أرحامهن من أجل إنتاج الأجنة وهؤلاء الشاذات هن من أخطر مجموعات مرض الإيدز.

ومن هنا يتضح خطورة استعمال أنسجة الأجنة في نقل مرض الإيدز، مع العلم أن تجميد الجنين سيؤدي إلى حفظ الفيروس ويضمن بقاءه في الأنسجة، وما يجب قوله: إن الأجنة قد تستخدم أيضاً في تصنيع مستحضرات التجميل، وقد نشرت جريدة " المسلمون " تقريراً كاملاً عن هذا الإجراء وفي ذلك خطورة كبيرة (1) لأنه لم يثبت أن طريقة تحضير مستحضرات التجميل تؤدي إلى تخريب فيروس الإيدز في حالة وجوده في أنسجة الأجنة، وبذلك توجد خطورة كبيرة لانتقال مرض الإيدز عن طريق مستحضرات التجميل.

وقد يحتج البعض بأن شركات تحضير مستحضرات التجميل تؤكد سلامة المستحضرات من جميع الكائنات الممرضة وخاصة فيروس الإيدز، إلا أننا نتساءل عن مدى صحة هذه التصريحات وخاصة فيما يخص المستحضرات التي تصدر خصيصاً إلى البلاد الإسلامية، وقد قرأنا أكثر من مرة عن إرسال مواد غذائية منتهية الصلاحية أو ملوثة أو ذبائح غير شرعية مكتوب عليها أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية، فالمجتمعات الغربية بعد أن باعت أخلاقياتها أصبح بالإمكان أن تفعل كل شيء " إذا لم تستح فاصنع ما شئت ".

(1) المصدر الوحيد هو جريدة المسلمون (العدد 142) ـ تاريخ 1/3/ 408

ص: 75

د- ضرورة غرس أعضاء الإنسان الحي ومشاكلها:

كثير من أعضاء الإنسان لا يمكن الحصول عليها من متبرعين أحياء؛ وذلك لأنها أعضاء فردية في الجسم وذات وظائف حيوية ضرورية مثل القلب والكبد والبنكرياس والدماغ

فلا بد من الحصول عليها من جثت الموتى حديثي الولادة.. أما الأعضاء غير الفردية مثل الكلية فمن الممكن أن يتبرع بها الأحياء، إذ إن الآدمي الحي يستطيع أن يعيش بكلية واحدة سليمة. ولقد أجاز السادة الفقهاء الأجلاء استعمال أعضاء جثث حديثي الوفاة (حسب قرار هيئة كبار العلماء في الرياض رقم 99 بتاريخ 6/11/ 1402 هـ) كما أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الذي انعقد في عمان أقر موت الدماغ (1) كدليل على موت الإنسان، ولا شك أن تلك القرارات قد ساعدت كثيراً في تذليل كثير من الصعوبات التي تقف في وجه التداوي بواسطة غرس الأعضاء. فإن كان التقدم العلمي قد ذلل بعض الصعوبات التقنية إلا أن الصعوبات الاجتماعية تعتبر من أهم الصعوبات

فالصعوبات الأساسية تتمثل في الحصول على الأعضاء وليست في التقنية، فالصعوبات التقنية لم تعد مشكلة في الوقت الحاضر مع هذا التقدم الهائل في التقنيات الحديثة، فقد أصبح بالإمكان أجراء عمليات غرس معظم أعضاء الجسم، وأصبح بالإمكان التغلب على رفض الجسم للغرائس بواسطة اختيار التبرع المناسب وبواسطة استخدام الأدوية المخمدة للجهاز المناعي، وقد ارتفع معدل الحياة بشكل ملحوظ في أكثر أنواع غرس الأعضاء (ومن أراد المزيد حول التقنيات الحديثة وتأثيرها فليرجع إلى كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان) إلا أن المشكلة والصعوبة الكبيرة التي يواجهها المهتمون في هذا المجال هو قلة المتبرعين، فلو عرفنا أن عدد المحتاجين (2) لغرس الكلى في المملكة يصل إلى ما يزيد عن 600 مريض سنويا وأن كل الأقارب لا تشكل سوى 10 % من الاحتياج فسيحتاج الأمر إلى استيراد الكلى من الخارج.. إلا أن الكلى المستوردة من الخارج تشكل خطراً كبيراً لنقل مرض الإيدز كما تم تفصيله سابقاً، أضف إلى ذلك أنها لا تغطي سوى 5 % من احتياجات المملكة. وبالرغم من أن القرارات الفقهية سابقة الذكر قد ساعدت كثيراً إلا أن المشكلة ما زالت قائمة.

(1) يوجد في كتابنا " غرس الأعضاء في جسم الإنسان " ص 12 تفصيل واف عن موت الدماغ وقرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي

(2)

حسب تقرير المركز السعودي لغرس الأعضاء

ص: 76

والضرورة شديدة وملحة للحصول على الأعضاء من متبرعين أحياء، ونحن أمام قضية فقهية اجتماعية في الوقت نفسه. فإنقاذ حياة مريض الكلى يتوقف كلية على وجود المتبرعين الأحياء

فالأمر لم يعد يقتصر فقط على إجازة التبرع بالكلى

بل يجب التشجيع على ذلك. معتمدين على تعاليم ديننا الحنيف التي تحث على الإيثار والتكافل الاجتماعي والتعاون والتضحية

وخاصة أن استيراد الكلى من الخارج (وإن كان يشكل فقط 5 %) يشكل خطورة لجلب مرض الإيدز

فيجب الانتقال من مرحلة تحليل استخدام أعضاء الأحياء إلى مرحلة الحض والتشجيع على ذلك

وها نحن أمام تجربة جليلة وجيدة ألا وهي الحض على التبرع بالدم، فالدم (ومشتقاته) لم تعد حالياً تستورد من الخارج، بل أصبح يعتمد على التبرع داخل المملكة.. وقد ساعد كثيراً التوعية والجوائز التشجيعية.. فالأمر يجب أن يكون كذلك بالنسبة للتبرع بالأعضاء.. فالتوعية الدينية والجوائز التشجيعية والحض على حمل بطاقات التبرع بعد الوفاة (لا سمح الله) كلها ستساعد أيضاً في التغلب على ظاهرة اجتماعية خطيرة ألا وهي بيع الأعضاء

أليس بيع الأعضاء محرماً شرعاً؟ وهل تعتبر الجوائز التشجيعية بمثابة البيع والشراء؟ وهل يمكن لذوي الأجنة المجهضة طبياً أن يتبرعوا بالجنين لأغراض علاجية ودوائية؟

وما هذه التساؤلات إلا غيض من فيض.

فكثيرة هي التساؤلات التي تنشأ عند طرح موضوع غرس الأعضاء ولا بد من دراسة مستفيضة متأنية للخروج بأحكام شرعية تفيد المجتمع الإسلامي المعاصر.

الدكتور محمد أيمن صافي

ص: 77

مقترحات

مما سبق يتضح أن غرس الأعضاء من القضايا الفقهية كغرس الخصية واستعمال أعضاء الأجنة، كما أنه يواجه مشاكل اجتماعية كقلة المتبرعين واللجوء إلى بيع الأعضاء أو بيع الأجنة، إضافة إلى خطورة نقل مرض الإيدز فكما ذكرنا أن كلا الإجراءين الرئيسين المستعملين في غرس الأعضاء (وهما نقل الدم وغرس العضو المرغوب) تعتبر وسائل هامة لنقل العدوى بمرض الإيدز. وفي ذلك خطورة كبيرة على الإنسان في البلاد العربية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص؛ لأن معظم أكياس الدم المتوفرة في بنوك الدم في بلادنا (قبل اتخاذ الإجراءات الوقائية) إنما مصدرها البلاد الأجنبية الموبوءة بهذا المرض اللعين، " والإيدز " ومعظم الناس الذين يبيعون دماءهم في تلك البلاد هم المحتاجون المعوزون وغالبيتهم من مدمني المخدرات ومن الشاذين جنسياً (أي من أخطر مجموعات خطر العدوي) . أضف إلى ذلك أن 5 % من غرائس الكلى تستورد أيضاً من الخارج، ولهذا نضع المقترحات التالية:

1) يجب عدم استيراد الدم من الخارج وخاصة من البلاد الموبوءة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وذلك للأسباب المذكورة سابقاً، وهذا ينطبق أيضاً على استيراد مشتقات الدم مثل البلازما أو العامل الثامن وهو العامل المهم في تجلط الدم والذي ينقل لمرضى الهيموفيليا (الناعور) ويجب أن ينطبق أيضاً على استيراد الأعضاء (من أجل غرس الأعضاء) . وقد اتخذت المملكة العربية السعودية (ومعظم البلاد العربية والمسلمة) إجراء وقائياً بأن منعت استيراد الدم ومشتقاته قطعياً، وأصبح نقل الدم يقتصر على الدم الذي يجمع داخل المملكة في المراكز الطبية والمستشفيات، تحت شروط وقائية والتي تشمل السلامة الصحية للمتبرع، وخلوه من الأمراض المختلفة وخاصة الزهري والتهاب الكبد، إضافة لخلوه من الأضداد النوعية لفيروس الإيدز.

2) يجب على جميع أبناء البلاد العربية والمسلمة أن يتبرعوا بدمائهم؛ لأن ذلك سيقلل الحاجة إلى استيراد الدم من الخارج.

ص: 78

3) يجب تشجيع وتوعية أبناء البلاد العربية والمسلمة لحمل بطاقة التبرع بالكلى، والتي تدل على الرغبة في التبرع بالكلى عند الوفاة، لا سمح الله. ويمكن الحصول على هذه البطاقة من المراكز الطبيبة ومشافي المملكة العربية السعودية، ويجب أن تشمل البطاقات بقية أعضاء الإنسان وخاصة بعد أن أجازت الشريعة الإسلامية نقل أعضاء الموتى إلى الأحياء (انظر ص3) ففي الوقت الحاضر تقوم عدة مراكز طبية بإجراء غرس الكلى في المملكة العربية السعودية، وللأسف فإن أكثر ما يعانون منه هو قلة المتبرعين، إذ إن الكلى المأخوذة من أقارب المرضى تغطي فقط (10 %) من الاحتياج الحقيقي، وهذا ما يدفع إلى استيراد الكلى من الخارج، إلا أن الكلى المستوردة تشكل خطراً كبيراً لنقل مرض الإيدز، أضف إلى ذلك أنها لا تغطي سوى 5 % من احتياجات المملكة. وبناء عليه أصبح مطلوباً من جميع أبناء البلاد أن يشجعوا على التبرع بالكلى بعد الوفاة، وأن يسارع كل شخص لحمل بطاقة التبرع والتي تدل على رغبة في التبرع بكليتيه بعد وفاته، لا سمح الله. ولا بد من الإشارة إلى أن حمل بطاقة التبرع بالكلى لن تؤثر أبداً على العلاج الذي سوف يتلقاه الإنسان عندما يصاب بمرض أو حادث ما، لا سمح الله.

4) إذا دعت الضرورة القصوى إلى استيراد كلى من الخارج فيجب التأكد من خلوها من فيروس الإيدز أو أضداده، ويجب معرفة تاريخ حياة المتبرع، والتأكد من أنه ليس مصاباً بالإيدز وأنه لا ينتمي إلى مجموعات خطر الإيدز.

5) إجراء فحص الأضداد النوعية لفيروس الإيدز لكل من يتبرع بدمه ولكل من يتبرع بأعضائه، فإن ثبت بالتحليل وجود الأضداد النوعية لهذا الفيروس منع هذا الشخص من التبرع.

6) إجراء فحص الأضداد لفيروس الإيدز في الدم والبلازما ومشتقات الدم الموجودة في بنوك الدم، وإتلاف أي مادة موجودة يثبت فيها وجود أجسام مضادة لفيروس الإيدز.

ص: 79

7) يجب أن يمنع من التبرع بالدم أو الأعضاء من المصابين بمرض الناعورية ومدمني المخدرات والذين يخالطون مريضاً بالإيدز أو يخالطون الممارسين للشذوذ الجنسي والذين أصيبوا بمرض الزهري.

8) ضرورة تجنيد كافة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية لتوعية المواطنين عن موضوع غرس الأعضاء وفوائده وقضاياه الفقهية ومشاكله الأخلاقية والاجتماعية ولحثهم على التبرع وضرورة حمل بطاقات التبرع.

9) نؤكد أن أعضاء الإنسان تختلف في وظائفها الفسيولوجية، فمثلاً: الخصية والمبيض تتدخلان في الأنساب، كما أن الدماغ يتدخل في وظائف حيوية تسيطر على شخصية الإنسان وتصرفاته وسلوكه، فإن كان الهدف من غرس الخصية هو المعالجة الهرمونية فقط دون إنتاج النطاف فالأمر يختلف عن كونه علاجاً للعقم، فلا بد من وجود ضوابط شرعية لكل عضو على حِدَة ولا بد عند وضع هذه الضوابط أن تناقش الأعضاء المختلفة على أنها حالات فردية، لكلِّ عضو خواصُّه ووظائفه المختلفة عن الآخر، ولا بد من الرجوع إلى الأخصائيين في كل عضو من الأعضاء لوضع دراسة متكاملة عن غرس هذا العضو من جميع النواحي التي تهم الفقيهَ.

10) إن ما نشرته جريدة المسلمون في عددها 146 عن تحضير مستحضرات التجميل من الأجنة يثير قضية أخلاقية ذات خطورة لنقل مرض الإيدز كما ذكرنا، فيجب التأكد من الموضوع ومن ثم اتخاذ الإجراءات الفقهية والإعلامية الضرورية حول الموضوع.

ص: 80

المراجع العلمية

- England M.A.A colour Atlas of life before birth (Wolf)1983.

- England M.A.A colour Atlas of life before birth (Wolf)1983.

- Gibert P/ Your Pregnancy Diary (Macdoland)1984.

3) محمد علي البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن.

(الدار السعودية للنشر والتوزيع) .

4) محمد على البار ـ طفل الأنبوب والتلقيح الصناعي.

(الدار السعودية للنشر والتوزيع) .

5) محمد أيمن صافي ـ " غرس الأعضاء في جسم الإنسان ".

(دار المطبوعات الحديثة) 1987 ـ وكل المراجع الموجودة فيه.

6) كمال حنش ـ الجنس والعقم: أوهام وحقائق طبية (دار النشر العالمية)1986.

الصحف:

1) جريدة المسلمون، العدد (142) الجمعة 1 ربيع الأول 1408 (23 أكتوبر 1987)

2) جريدة المسلمون العدد 138 الجمعة 9 صفر 1408 (26 أكتوبر 1987) .

3)

ص: 81