الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة
معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز
أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة.
أصحاب السماحة والمعالي
أيها الإخوة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد،
فإنني سعيد بمشاركتي اليوم في افتتاح الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، هذه المؤسسة الإسلامية المهمة التي انعقد مؤتمرها التأسيسي بمكة المكرمة في شهر شعبان من عام 1403 هـ (يونيو 1983) برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية الذي تفضل يومذاك فألقى خطابا ضافياً ضمنه توجيهاته السديدة حول مهمة المجمع، وأعرب فيه عن الآمال الكبيرة التي تعقدها الأمة الإسلامية على المجمع.
وأعرب، بادئ ذي بدء، عن ترحيبي بوفود الدول الإسلامية التي جاءت هذا البلد الأمين للمشاركة في هذه الدورة التي أرجو أن تكون أعمالها ناجحة ومثمرة.
أيها الإخوة
لقد أراد قادة الأمة حين قرروا في قمتهم الإسلامية الثالثة بمكة المكرمة إقامة هذه المؤسسة، أن يتخطى شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية إلى العمل الجماعي المنظم، ومن هذا المنطلق أنشئ هذا المجمع، الذي هو أول مؤسسة عالمية إسلامية في هذا المجال، تعبيراً عن الرغبة الصادقة في أن تتعزز به مسيرة العمل الإسلامي المشترك، وفي أن يستعيد الفقه الإسلامي تحت مظلة هذا المجمع، دوره النشيط في مواكبة العصر والحياة المتطورة.
وإنني لسعيد حقا، بأن هذه المؤسسة أصبحت اليوم ملتقى صفوة فقهاء هذه الأمة ومثابة لعلمائها ومفكريها وحكمائها.
إن التطور العلمي والتقني المتلاحق في هذه الأيام، تلاحقاً مذهلاً مؤثراً في حياة الأمم والشعوب، يفرض على المسلمين أكثر من أي وقت مضى، أن يفهموا الإسلام ـ خاتمة الشرائع السماوية ـ حق الفهم، ليزدادوا تمسكاً بأصوله وفروعه، وليتعرفوا ما وسعتهم المعرفة، على جوهر الشريعة الغراء، وليظفروا نتيجة البحث والدراسة والتمحيص بالحلول المناسبة لما يعترض بني الإنسان من مشكلات على صعد مختلفة.
أيها الإخوة
إن إسهام الإسلام في حضارة الإنسان، وخاصة في مجالات علم الأحياء والفلك والتجارة والجغرافيا والقانون والرياضيات والطب والعلوم الطبيعية والمؤسسات الاجتماعية، لإسهام كبير واسع ومتنوع ومنظم يعترف به غير المسلمين.
فمن المعروف في ميدان القانون مثلاً أن " نابليون بونابرت " تأثر تأثراً عميقاً، حين وضع مدونة القوانين الفرنسية، بالقرآن الكريم، ومن المعروف في تاريخ القانون التجاري أن الحوالات (وهي الوثائق التي تحول بها الديون) لم تكن معروفة في أوروبا قبل القرن الثاني عشر الميلادي مع أنها كانت معروفة ومسجلة في الكتب الإسلامية التي يرجع عهدها إلى القرن الثامن الميلادي، ويقال: إن التعامل بمثل هذه الوثائق قد أدخل إلى الغرب إبان الحروب الصليبية عن طريق إيطاليا، من ناحية، وعن طريق الأندلس، من ناحية ثانية، حين كانت بلداً عربياً.
وعرف الغرب بعد ذلك فكرة شركات المساهمة من المشروعات التجارية المشتركة للتجار المسلمين والإيطاليين.
ونبعت فكرة المشاركة المحدودة من " القراض " لدى المسلمين.
وقانون العقود مدين بالكثير للقرآن الكريم الذي يمنح العقود مكانة كبيرة.
ويشير البروفيسور " ووكر " في كتابه " تاريخ الأمم وقوانينها " إلى المؤلفات العربية القديمة حول القانون الدولي التي كانت تلقى إقبالا شديداً في جامعات أوروبا، وإلى أن كتب " جورا بيللي " ـ أن قوانين الحرب ـ بنيت كلها على مؤلفات رجال القانون العرب.
ويمكن أن نرجع أصل اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات إلى الطريقة التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاتفاقيات التي كان قد أبرمها ولا سيما " معاهدة الحديبية ".
وقبل أن توضع اتفاقية الحصانة الدبلوماسية بوقت طويل، كان رسول الله يمنح مثل تلك الحصانة للسفراء والوفود التي كانت تفد عليه صلى الله عليه وسلم.
ويقول البروفسير " رفائيل لامكين " الذي صاغ للأمم المتحدة ما أصبح يعرف باتفاقية " منع الإبادة الجماعية ": إنه صاغ هذه الاتفاقية وفقاً لما جاء في القرآن الكريم الذي هو على حد تعبيره، أكثر الأديان التي عرفها الإنسان تسامحاً وتفتحاً.
وليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حقيقة الأمر سوى صدى لما انطوت عليه " خطبة الوداع " التي خاطب بها الرسول الكريم المسلمين قبل أربعة عشر قرناً، وبين فيها أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
أيها الإخوة
وليس لنا نحن ـ معشر المسلمين ـ من خيار، أمام التحديات التي يواجهنا بها أعداؤنا داخل الوطن الإسلامي وخارجه، وأمام طغيان المادة وتحديات العصر، إلا أن نوحد ونجمع طاقاتنا للثبات أمام كل خطر يهدد قيمنا الروحية، وأمام كل من يحاول أن يطمس معالم هويتنا وشخصيتنا الإسلامية، ذلك أن هذه الأمة لا تصلح إلا بما صلح به أولها، ولا منقذ لها إلا في أن تحتكم في قضاياها كلها إلى الأصول العامة والقواعد الشاملة التي انطوت عليها الشريعة الإسلامية.
وكما لبت هذه الشريعة في الماضي حاجات دار الإسلام، في شتى المجالات والأوضاع، على مر القرون، حيث أمدتها بالمبادئ المرنة والقواعد السليمة لحل مشكلات الأفراد والجماعات، تحقيقاً للمصلحة العامة، فإن تلك الشريعة ما تزال، وستبقى قادرة على تلبية حاجات المسلمين في أي زمان ومكان.
ولقد حرص أجدادنا، كما هو معروف، على تدوين قواعد الفقه وعلى جمع ما استنبطوه من أحكام وفتاوى بوسائل شتى، مما وفر للأجيال اللاحقة معيناً لا ينضب وثروة طائلة من المؤلفات والدراسات والأبحاث الفقهية التي عالجت مشكلات الناس في أيامهم، والتي تعد اليوم أساساً مكيناً ورصيداً كبيراً لعمل هذا المجمع، الذي شرع في حمل الأمانة بطريقة نأمل أن يحافظ بها من ناحية، على تراث الآباء والأجداد، ويلبي بها، من ناحية أخرى، حاجات هذه الأمة في هذا الزمان.
أيها الإخوة:
لا يخفى أن الميادين التي يعمل فيها المجمع ميادين رحبة واسعة، رحابة هذه الشريعة السماوية الخالدة، ذلك أن أهمية الفقه الإسلامي، تتجسد في كونه يتناول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حياة الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، كما يتناول العلاقات بين المجتمعات المسلمة، والمجتمعات الواقعة خارج دار الإسلام.
وستنظر الدورة العلمية الفقهية الرابعة للمجمع، بحول الله، طائفة من الموضوعات العامة ذات الصلة المباشرة بحياة المسلمين، ومنها وحدة الأمة الإسلامية، ومنها كذلك الحفاظ على الصحة العامة، ووقاية مجتمعاتنا المسلمة من المخدرات، وحرمة جسم الإنسان، وموضوعات أخرى تتناول شؤوناً مالية واقتصادية واجتماعية مختلفة.
وإذا كنا نرجو أن تتيسر لمجمع الفقه الإسلامي أسباب العمل لكي يؤدي رسالته ويحقق الآمال التي تعقدها هذه الأمة عليه، فإن من حقه أن يحظى بدعمها المادي والمعنوي، لذا فإنني أدعو المسلمين كافة، إلى أن يسهموا في إعانة المجمع بكل صورة ممكنة كي يتمكن من الاضطلاع على خير وجه بالمهمة النبيلة التي أنيط بها، وهي خدمة الشريعة الإسلامية، ومن ضمن الأعمال التي ينهمك المجمع في إصدارها " موسوعة القواعد الفقهية ""والموسوعة الفقهية". وأرجو من الله أن يتمكن المجمع من إنجاز هذين المشروعين الضخمين في وقت قريب.
واسمحوا لي في ختام هذه الكلمة بأن أرفع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أجمل عبارات الامتنان والتقدير لما أسبغه على هذا المجمع وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي من ضروب الرعاية والعناية، ولتفضله حفظه الله، بإنابة صاحب السمو الملكي الأمير الجليل سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز عنه، في افتتاح أعمال هذه الدورة.
أمد الله في عمر خادم الحرمين الشريفين وأعانه على العمل لما فيه خير المملكة العربية السعودية وخير بلاد المسلمين.
واسمحوا لي أيضاً أن أثني على الجهود الموفقة التي بذلها أخي المحترم الدكتور الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
وأسأل الله أن يوفق المجمع وأعضاءه ومفكريه في العمل لما فيه صلاح هذه الأمة لتعود كما كانت أمة قوية عزيزة كريمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سيد شريف الدين بيرزاده