الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
إعداد
فضيلة الشيخ آدم عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
لقد أكرم الله الإنسان حياً وميتاً، حمله في حياته في البر والبحر ورزقه من الطيبات، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء: 70.
وإذا شكر الإنسان لله على إكرامه وإحسانه وآمن به وبرسله عصمه في نفسه وماله وعرضه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله))
…
إلخ.
وشرع الله له ما يصون حياته، وحرم عليه الاعتداء، قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} البقرة: 179. وإذا ألجأته ضرورة إلى تناول شيء مما حرمه الله عليه رفع الله عنه التحريم وأباح له بقدر الضرورة، قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . البقرة: 173.
لذلك يجوز للمضطر الأكل من الميتة ونحوها صونا لحياته، فالضروريات تبيح المحظورات وتقدر الضرورة بقدرها كما هو المعروف لدى العلماء، والمحرمات إما لذاتها وإما لسد الذريعة وإذا كان التحريم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة قد يباح للحاجة والمصلحة كرؤية الطبيب لعورة المريض رجلا كان أو امرآة لأجل التداوي.
وفي كتاب مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج في جزئه الرابع ما يأتي:
وللمضطر أكل آدمي إن لم يجد ميتة غيره؛ لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيًا، فإنه لا يجوز الأكل منه جزما كما قاله إبراهيم المروزي وأقره، وأما إذا كان الميت مسلماً والمضطر كافراً، فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام، وهذا في المذهب الشافعي، ويحرم أكل الآدمي عند مالك وأحمد وأصحاب الظاهر.
وحيث جوزنا أكل ميتة الآدمي المحترم فإنه لا يجوز طبخها ولا شيها؛ لما فيه من هتك حرمته، ويتخير في غيره من أكله نيئاً ومطبوخاً ومشويا، وجوز الإمام النووي قطع الإنسان بعضه لأكله؛ لأنه إتلاف بعض لاستبقاء كله، وقال أبو إسحاق: لأنه إحياء نفس بعضو كما يجوز أن يقطع عضواً إذا وقعت فيه الأكلة لإحياء نفسه، واشترطوا في ذلك فقد الميتة ونحوها، وأن يكون الخوف في قطع بعضه أقل من الخوق في ترك الأكل، ثم يقول النووي: ويحرم قطعه لغيره، أي يحرم قطع بعض نفسه لغيره من المضطرين؛ لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل، وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي عبارة أوضح يقول في جزئه الثامن ص 145: ويحرم قطعه البعض من نفسه لغيره، ولو مضطرا، ما لم يكن ذلك الغير نبيا فيجب له ذلك، فعلى هذا فليس للإنسان الوصية بقطع بعض أعضائه لغيره المضطر وهو في حياته، فكيف يجوز له أن يوصي بقطع بعض أعضائه بعد موته.
وفي المجموع شرح المهذب للنووي في المجلد التاسع منه:
لو أراد المضطر أن يقطع قطعة من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف، وصرح به إمام الحرمين وغيره، وإلا ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما.
ثم قال: ولا يجوز أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف. صرح به إمام الحرمين والأصحاب ـ يعني أصحاب الشافعي.
إن الله سبحانه أكرم الإنسان ميتاً كما أكرمه حياً، قال تعالى:{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} عبس: 17-21. فجعله سبحانه بعد موته مقبوراً، فالواجبُ على المسلمينَ دفن الميت منهم كله لا بعضه، فانتهاكُ حرمة الميت المسلم كانتهاك حرمته حيا، فقد رُوي عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن كسر عظم الميت ككسره حيا)) رواه مالك وأبو داود وابن ماجة.
وقد جوز الفقهاء شق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الذي يرجى حياته، كما جوزوا بقر بطن الميت إذ كان في بطنه مال ابتلعه في حياته لإخراج المال منه إذا بلغ المال نصاب السرقة أو نصاب الزكاة على خلافهم في قدر المال الذي من أجله يشق بطن الميت، وقال بعض العلماء على ذلك جواز تشريح المجني عليه الذي مات قبل إثبات الجريمة لأجل إثبات الجريمة المتنازع عليها، ورأي الفقه في ذلك ظاهر؛ لأنه تعلق حق الغير، أو إثبات حق الغير بذات شخص معين وكان ميتا فانتهك حرمته لأجل هذا، وأما انتهاك حرمته بقطع بعض أعضائه لجعلها قطع غيار لغيره فليس من قبيل ذلك، فلا أجد في نظري القاصر وجهاً لإباحة ذلك مطلقاً، لا بوصيته حال حياته، ولا بإذن أقاربه بعد موته، وقياس الاضطرار بالمرض على الاضطرار بالجوع غير صحيح لوجود الفرق بينهما. والله أعلم.
الشيخ آدم عبد الله علي