الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سندات المقارضة
وسندات الاستثمار
إعداد
الدكتور حسن عبد الله الأمين
رئيس وحدة الشريعة الإسلامية
بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
بالبنك الإسلامي للتنمية
بسم الله الرحمن الرحيم
سندات المقارضة وسندات الاستثمار
هذا الموضوع خطط لدراسته، أن يوزع على أربع نقاط أساسية يتولى بحث ودراسة كل نقطة منها بعض الفقهاء والخبراء حتى تأتي الدراسة الكلية مستوفية لجميع نواحي الموضوع تفصيليا توخيا للوصول إلى أفضل النتائج، وكانت العناصر التي وزع الموضوع على أساسها كالآتي:
1-
تصوير سندات المقارضة كما يمثلها الطرح الأردني لها – دراسة وتشريعا.
2-
تحديد طبيعة سندات المقارضة من الوجهة الشرعية في ضوء الطرح الأردني.
3-
إطفاء سندات المقارضة – كيفياتها التي وردت في الدراسة والقانون الأردني، وتكييفها الشرعي.
4-
ضمان رأس مال وأرباح سندات المقارضة.
كما ذكرت فقد أسندت دراسة كل عنصر أو نقطة من النقاط المذكورة إلى بعض المختصين من السادة العلماء والخبراء كما هي معروضة الآن بين يدي هذه الندوة، ولقد كانت لي متابعات سابقة في هذا الموضوع حينما عرض لأول مرة في ندوة عامة، هي الحلقة الدراسية لتثمير ممتلكات الأوقاف التي كانت باكورة نشاط قسم التدريب بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب هنا، وكان عرض هذا الموضوع حينذاك في شكل دراسة مصحوبة بحالة تطبيقية لسندات المقارضة في الأردن، قدمها الأستاذ وليد خير الله – المدير التنفيذي بالبنك المركزي الأردني – وقد كتبت تعليقا في ذلك الوقت على ما كتبه الأستاذ وليد خير الله. ثم تابعت هذا الموضوع حينما عرض مرة أخرى في الدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة بعمان بدولة الأردن حينما قدم وشرحه بإفاضة الدكتور عبد السلام العبادي وكيل وزارة الأوقاف.
وها أنا أعود لمتابعة الموضوع للمرة الثالثة، والمشاركة فيه، ولكني لا أتقيد بمنهج التخصص بنقطة معينة الذي تسير عليه دراسة الموضوع في هذه الحلقة الدراسية مسايرة لحكم الألفة والاعتياد كما جرى في المرات السابقة ولعل في ذلك زيادة نفع بإذن الله تعالى.
نشأة فكرة (سندات المقارضة) وتطورها
1-
نصت المادة (19) من عقد التأسيس والنظام الداخلي للبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار سنة 1978م شركة مساهمة عامة محدودة نصت هذه المادة بالآتي (تصدر الشركة – بحسب الأحكام الواردة في القانون الذي تأسست بموجبه – سندات المقارضة المشتركة أو المخصصة، وذلك بالشروط والكيفية المعينة في القانون المشار إليه، وحسب ما يقرره في ذلك مجلس الإدارة) . وكانت هذه أول نشأة فكرة سندات المقارضة.
2-
وجاء تعريفها في قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار رقم 13 سنة 1978م، المادة الثانية منه كالآتي (سندات المقارضة الوثائق الموحدة القيمة والصادرة عن البنك بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة على أساس المشاركة في نتائج الأرباح المحققة سنويا حسب الشروط الخاصة بكل إصدار على حدة.
ويجوز أن تكون هذه السندات صادرة لأغراض المقارضة المخصصة وفقا للأحكام المقررة لها في هذا القانون.
3-
وقد أعيد نص هذه المادة برقمها كما هو في قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار رقم 62 لسنة 1985م.
تطور جديد للفكرة في مرحلة التشريع
4-
وحينما صدر قانون سندات المقارضة – المؤقت – لسنة 1981م جاء تعريفها به – أي سندات المقارضة – مختلفا بعض الشيء من حيث الصيغة والمحتوى عما جاء عنها بقانون البنك الإسلامي الأردني السابق واللاحق، فقد نصت المادة (2) – أ – من هذا القانون بالآتي: تعني (سندات المقارضة) الوثائق المحددة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها مقابل الأموال التي قدموها لصاحب المشروع بعينه بقصد تنفيذ المشروع واستغلاله وتحقيق الربح.
هذه هي (سندات المقارضة والاستثمار) كما صوروها – أو عرفها قانون البنك الأردني سابقا ثم قانون سندات المقارضة لاحقا، وهما الوثيقتان اللتان يلتمس منهما ومن مذكاتهما الإيضاحية فهم هذا الموضوع وإبداء الرأي حوله، مع الدراسات التي سبق وأن جرت حوله.
ونلاحظ من هذا أن فكرة (سندات المقارضة للاستثمار) قد جاءت مصاحبة لنشأة البنك الإسلامي الأردني حيث جاءت الإشارة إليها في المادة 19 من عقد التأسيس والنظام الداخلي له، ثم عرفت بوضوح في قانونية رقم 13 لسنة 1978م ورقم 62 لسنة 1985، وذكر في تعريفها أن الجهة المصدرة لها هي البنك الإسلامي الأردني، ولغرضين:
1-
أحدهما: على أساس المشاركة في نتائج الأرباح المتحققة سنويًا – حسب الشروط الخاصة بكل إصدار.
2-
الثاني: أن تكون هذه السندات صادرة لأغراض المقارضة المخصصة – وفقا للأحكام المقررة لها في القانون.
ولكن حينما نأتي إلى قانون (سندات المقارضة) المؤقت لسنة 1981م نجد اختلافًا واضحًا في التعريف يشمل الأغراض وجهات الإصدار، فقد اقتصر هذا القانون على غرض واحد هو المقارضة المخصصة في تعبير قانون البنك الإسلامي الأردني حيث قال:(سندات المقارضة) الوثائق المحددة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها مقابل الأموال التي قدموها لصاحب المشروع بعينه، بقصد تنفيذ المشروع.. إلخ. وسكت عن الغرض الأول الذي ذكره قانون البنك الإسلامي الأردني والخاص، بالاستخدام العام والمطلق للأموال التي تمثل سندات المقارضة. وحدد هذا القانون الجهات التي يحق لها إصدار سندات المقارضة المخصصة بالمشروعات – في جهات ثلاثة، هي كما جاء بالمادة الثالثة منه:
أ - وزارة الأوقاف والشؤون والمقاصد الإسلامية.
ب - المؤسسات العامة ذات الاستقلال المالي.
ج- البلديات.
وبذلك صار الغرض الأول لسندات المقارضة الذي ذكره قانون البنك الإسلامي الأردني قاصرًا على هذا البنك، وليس داخلًا في أغراض قانون سندات المقارضة وعلى ذلك أصبح دور البنك الأردني الإسلامي بالنسبة لهذا الموضوع كدور سائر البنوك الإسلامية في الوقت الحاضر، التي تتلقى الأموال من أصحابها لاستخدامها في نشاطها العام وغير المخصص واقتسام عائد الربح معهم. ولا فرق حينئذ أن يكون ذلك مرتبا بطريق سندات مقارضة محددة القيمة أو غير محددة أو بطريق استلام عادي لتلك الأموال واستخدامها في الأغراض المذكورة مما يدخل في باب المضاربة الشرعية المطلقة، والتي استقر العمل بها في جميع البنوك الإسلامية دون إثارة غبار حولها.
(سندات المقارضة للاستثمار) كما طرحها القانون الأردني
ننتقل الآن للكلام عن سندات المقارضة للاستثمار التي طرحها القانون الأردني المؤقت رقم 10 لسنة 1981م وذلك من النواحي الثلاث الآتية:
1-
تحديد طبيعة هذه السندات وبيان حقيقيتها.
ب - ضمان القيمة الاسمية لهذه السندات في نهاية مدة استحقاقها عن الحكومة الأردنية.
3-
مسألة إطفاء السندات، كيفيتها وتخريجها الشرعي.
وفيهما يتعلق بالبند الأول – تحديد طبيعة سندات المقارضة ننقل النصوص القانونية التي توضح ذلك والتفسيرات الشارحة له، ممن تولوا شرح هذا القانون وتفسيره من المسؤولين الأردنيين، ونوضح رأينا على ضوء ذلك، وكما ذكرت سابقا فقد كانت أول محاولة في طرح هذا الموضوع محاضرة عن التعريف بقانون سندات المقارضة الأردني، وشرحه وبيان تطبيقاته، مرفق بها دراسة تطبيقية عملية، قدمها الأستاذ وليد خير الله، أحد كبار المسؤولين بالبنك المركزي الأردني في ندوة (إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف) التي نظمها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية في الفترة من 20/3 – 2/4/1404هـ الموافق 24/12/1983م – 4/1/1984م على أساس أن ينظر فيها على أنها أسلوب من أساليب تنمية واستثمار ممتلكات الأوقاف. ولم نطلع حينذاك على قانون سندات المقارضة الأردني، ولكن من عرض الأستاذ وليد خير الله لبعض نصوص هذا القانون في محاضرته المكتوبة والحالة التطبيقية المرفقة معها والنقاش والمداولات التي جرت حولها خرجت بحصيلة كتبتها كتعليق على تلك المحاضرة – مؤداها أن سندات المقارضة للاستثمار في القانون الأردني – كما عرضها وشرحها الأستاذ خير الله في محاضرته، ليست من نوع المضاربة أو القراض المعروف في الفقه الإسلامي، وإنما هي في حقيقتها قروض مؤجلة بفوائد مشروطة وأنها معاملة ربوية، من أجل ذلك لم تأخذ بها الحلقة الدراسية في توصياتها التي اقترحتها لأنواع أساليب تثمير ممتلكات الأوقاف.
والآن أعود للنظر في الموضوع مرة أخرى من خلال نصوص قانون سندات المقارضة مباشرة بعد الحصول على نسخة منه وفي ضوء عرض جديد له قدمه الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي وكيل وزارة الأوقاف الأردنية، فهل في الأمر من جديد؟
لنرى فيما يلي:
تنص المادة (2) من قانون سندات المقارضة على الآتي:
أ - تعني (سندات المقارضة) الوثائق المحددة القيمة التي تصدر بأسماء مالكيها، مقابل الأموال التي قدموها لصاحب المشروع بعينه بقصد تنفيذ المشروع واستغلاله وتحقيق الربح.
ب - يحصل مالكو السندات على نسبة محددة من أرباح المشروع، وتحدد هذه النسبة في نشرة إصدار السندات، ولا تنتج سندات المقارضة أي فوائد، كما لا تعطي صاحبها المطالبة بفائدة سنوية محددة.
ولتحديد ماهية سندات المقارضة وبيان حقيقتها لا بد أن نقرن نص المادة (2) أعلاه بالفقرة (ب) من المادة (7) التي تقول (يعين في نشرة الإصدار، بنك مرخص أو مؤسسة مالية، وكيلا للدفع يتولى شؤون دفع القيمة الاسمية للسندات وأرباحها بالقيم المستحقة وفي المواعيد المقررة) .
فالفقرة – أ – من المادة الثانية توضح أن الوثائق المحددة القيمة التي تمثل سندات المقارضة، هي عبارة عن صكوك – أو إيصالات، بمبالغ قدمت لصاحب مشروع بعينه لتنفيذه واستغلاله وتحقيق الربح.
ونصت الفقرة (ب) من المادة المذكورة على استحقاق أصحاب تلك الأموال (نسبة من أرباح ذلك المشروع المعين، تحدد في نشرة إصدار السندات ولم توضح المادة المذكورة في فقرتها أساس استحقاق هذه الأموال الشيء من الأرباح، هل ذلك على أساس أن هذه الأموال تمثل رأسمال مشاركة في المشروع فتستحق نصيبا في الربح بهذه الصيغة؟ أم أنها أموال مضاربة، وكيف؟ فتستحق جزءا من الربح على هذا الوجه؟ أم أنها تمويل للمشروع عن طريق القرض لهذه الأموال؟. ولو أن القانون الأردني اقتصر على هذه المادة وحدها في التعريف وبيان حقيقة ماهية سندات المقارضة لكان لنا أن نبحث في كيفية ومدى انطباق مواصفات وشروط عقد القراض – المضاربة الشرعية، أو الشركة في الفقه الإسلامي عموما على سندات المقارضة التي طرحها هذا القانون، لنرى إلى أي حد يمكن أن تلتقي وتتفق هذه السندات مع أي من العقدين.
ولكن القانون في الفقرة (ب) من المادة السابعة حسم هذا الأمر بالنص على دفع القيمة الاسمية للسندات، في المواعيد المقررة، إضافة إلى أرباحها بالقيم المستحقة في تلك المواعيد المقررة.
فدفع القيمة الاسمية للسندات وفي مواعيدها المقررة يجعل منها قروضا محددة الأجل، ويجعل مما سمي بأرباحها بالقيم المستحقة، فوائد على قروض مؤجلة مشروطة عند التعاقد، وإن لم تحدد بمقادير معينة.
وينفي عنها أن تكون أموال قراض – مضاربة شرعية – أو شركة أخرى، الأمر الذي كان يتحتم معه أن تكون ممثلة لأسهم في أصل المشروع، لا قروضا تمويلية لتنفيذه.
وبناء على ما تقدم فإن النتيجة التي نصل إليها من هذا العرض والمناقشة لسندات المقارضة من خلال قانون سندات المقارضة الأردني، أن هذه السندات هي في حقيقتها نوع من التمويل عن طريق القرض المؤجل بفائدة مشروطة وإن لم تكن محددة، وتسميتها ربحا لا يغير من حقيقتها، فهي قروض بفوائد ربوية في صورتها الحالية.
ضمان سندات المقارضة
أنتقل بعد ذلك لمسألة ضمان هذه السندات، فقد نصت المادة (12) من قانون (سندات المقارضة) الأردني بالآتي:(تكفل الحكومة تسديد قيمة سندات المقارضة الاسمية الواجب إطفاؤها بالكامل في المواعيد المقررة، وتصبح المبالغ المدفوعة لهذا السبب قرضا ممنوحا للمشروع بدون فائدة مستحق الوفاء فور الإطفاء الكامل للسندات) .
إن هذا النصيب يساير الاتجاه القائل بأن سندات المقارضة – كما يفهم من تسميتها أنها عبارة عن أموال مضاربة شرعية، وتفاديا لحرج تضمن المضارب – عامل المضاربة – المتفق على منعه بين الفقهاء، فقد جاء النص المذكور لعلاج هذه المسألة، على أساس أن هذا الضمان لأموال المضاربة جاء من جهة خارجية وليست من أحد طرفي عقد المضاربة، ومن هنا كانت صحته وجوازه شرعا.
وعلى افتراض أن (سندات المقارضة) تمثل أموال مضاربة شرعية فإن نص المادة (12) المذكور، لا يحقق الغرض المطلوب لضمان سندات المقارضة وأرباحها، ذلك أنها لم تقدم سوى قرض مؤجل ومستحق الوفاء فور الإطفاء الكامل للسندات تسترده من صاحب المشروع المقارض- عامل القراض. فالضمان الحقيقي يقع على كاهل عامل المضارب – الذي هو صاحب المشروع، والمضارب لا ضمان عليه، لأنه أمين فيما هو بيده من مال المضاربة عند جميع الفقهاء إلا إذا ظهر منه تعد أو تقصير فيما ائتمن عليه من مال المضاربة، ولذلك فإن الضمان الحكومي لسندات المقارضة المنصوص عليه في المادة (12) فقرة (ب) لا يمثل ضمان طرف ثالث لمال المضاربة ولا يرفع عبء الضمان الحقيقي عن كاهل عامل المضاربة أو يزيل الحرج الشرعي عن ضمانه لمال المضاربة في سندات المقارضة، على افتراض أنها أموال مضاربة شرعية.
إطفاء السندات
والآن نصل إلى النقطة الثالثة والخاصة بإطفاء سندات المقارضة كما وردت في قانون سندات المقارضة الأردني.
وبحث هذه النقطة أيضا هو مسايرة للاتجاه القائل بأن سندات المقارضة – كما يدل على ذلك اسمها – هي أموال قراض – مضاربة شرعية – وفي ضوء هذا الاقتراض نبحث هذه النقطة، فما هو إذن إطفاء السندات؟ يقول الأستاذ وليد خير الله في رده على ملحوظاتنا على محاضرته – المشار إليها في أول هذا البحث (صورته مرفقة) يقول: (إن المراد بالإطفاء هو دفع قيمة السندات الاسمية في التواريخ التي تحددها نشرة الإصدار، بالطريقة التي توضحها هذه النشرة.. وهناك طريقتان لعملية الإطفاء:
الأولى: عن طريق تكوين مخصص يدفع مرة واحدة لجميع حملة السندات في تاريخ الاستحقاق.
والأخرى: الدفع الدوري السنوي، وفق طريقة يتفق عليها، وتنزل لقيمة المطفأ من السند من أصل قيمته الاسمية.
وقد يقول قائل: إن مسألة إطفاء السندات هذه مسألة إجرائية لا تثير غبارا ولا ينتج عن السؤال عنها والإجابة عليها سوى إدراكها وفهمها. وهذا القول صحيح بالنسبة للطريقة الأولى من طريقتي الإطفاء لكنه ليس صحيحا بالنسبة للطريقة الأخرى، لقيام استشكال حول كيفية استحقاق العائد الربحي للأسناد المطفأة تدريجيا، هل يكون ذلك كاملا للسهم، وعلى مر الأعوام التي يندرج فيها انخفاض قيمته بالإطفاء الجزئي السنوي؟ أم أن العائد الربحي يتأثر بهذا الانخفاض المتدرج لقيمة السهم، وبالتالي ينخفض هذا الربح بما يعادل انخفاض قيمة أصله – السهم؟ وعلى القول الأول، فكيف يبرر استحقاق الربح – الكامل، من الناحية الشرعية؟
تداول سندات المقارضة
نصت المادة (18) من قانون سندات المقارضة بالآتي:
(يتم تداول سندات المقارضة في سوق عمان المالي حسب أحكام قانونه وأنظمته وتعليماته، كما يتم نقل ملكيتها حسب هذه الأحكام. لقد سبق أن أنهينا في بحث النقطة المتعلقة بتحديد طبيعة سندات المقارضة أن هذه السندات تمثل صكوكا بغرض مالي مؤجل وبفائدة هي عبارة عن نسبة من عائد المشروع الإيجاري بعد اكتماله، وتسميته هذا العائد ربحا لا يغير من هذه الحقيقة، ومعنى ذلك أن هذه السندات تمثل ديونا في ذمة صاحب المنشأة أو المشروع، ولا تمثل أسهم مشاركة، في شركة مضاربة أو غيرها وحينئذ فبيعها أو تداولها يكون بيعا لدين في الذمة ولغير من عليه الدين، بنقد حاضر وهذا لا يجوز كما هو مقرر لتخلف شرط التقابض ودخول الفضل فيه) .
البدائل الصالحة
لعل إدخال شيء من التعديل على الصورة المطروحة بها سندات المقارضة بشكلها الحالي، يؤدي قبولها وصحتها، ويحقق في الوقت نفسه الأهداف والأغراض المرجوة من إصدارها، وذلك بأن تعتبر هذه السندات أسهما في المنشأة أو المشروع، تمثل حصصا في أصل ملكيته لأصحابها سواء أكان المشروع في أرض وقفية أو غيرها، لأن الوقف يمكن إعماره ببيع جزء فيه عند اللزوم كما نص على ذلك الحنابلة والأحناف (1) وعند ذلك يمكن تداول هذه السندات ما دامت تمثل حصصا في أصل المشروع والمنشأة، ويمكن إجراء إطفائها على قاعدة الملكية المتناقصة بجزء من عائدات إيجار المشروع، أو استخداماته الاستثمارية الأخرى المشروعة.
أما مسألة ضمان هذه السندات – ضمان لأصلها – لا ريعها – أي عائداتها، فإن هذه يمكن تأمينها عن طريق شركات التأمين الإسلامية، أو إنشاء صندوق خاص لهذا الضمان، يدبر مكوسه بجزء من عائدات المشروع، شريطة ألا يكون ذلك كليا أو جزئيا من نصيب عامل المضاربة حتى لا نقع في إلزامه بالضمان من طريق آخر، أو يمكن أن يتم عن طريق طرف آخر متبرعا، ويمكن أن تفعل ذلك الحكومة على وجه التبرع لتشجيع أدوات الاستثمار.
(1) المغني لابن قدامة، جـ6، ص225. وحاشية ابن عابدين، جـ 4، ص384
.
مشروع شهادات الاستثمار المخصصة بالبنك الإسلامي للتنمية
لعل بعض المقترحات والتدابير التي أشرنا إليها، هو ما فعله مشروع شهادات الاستثمار المخصصة بالبنك الإسلامي للتنمية حيث نصت المادة التاسعة من المشروع صراحة على أن يكون دور البنك في استخدامه لمتحصلات الأوراق التي يصدرها هو دور المضاربة وبذلك قطعت أن العلاقة تقوم على أساس القراض – المضاربة الشرعية، وأكدت ذلك في المادة (7) من المشروع التي نصت على أن للورقة المالية في حد ذاتها ممثلة لحصة مالية شائعة في مجموع صافي موجودات المشروع.
وفي المادة (14) اقترحت إنشاء صندوق للتأمين التعاوني، لتغطية مخاطر الاستثمار، وفي المادة (15) المخصصة لكيفية توزيع الربح في نهاية فترة الاستثمار أشارت في الفقرة (ج) للنسبة التي تخصص من الربح لصندوق تأمين مخاطر الاستثمار.
وهكذا جاء هذا المشروع منسجما مع أحكام فقه المضاربة الشرعية ومتجنبا لما يوقع في أي مخالفة أو محظور.
ويمكن لسندات المقارضة الأردنية أن تأخذ بهذا المسلك دون الوقوع فيما يعطل الأهداف والأغراض المتوخاة من هذا الموضوع.
والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الدكتور حسن عبد الله الأمين
حول محاضرة
سندات المقارضة
للأستاذ وليد خير الله
تعريف سندات المقارضة:
ليس من المعروف في اللغة اشتقاق اللفظ من غير مادته المأخوذ منها سواء أكان من لفظ لمادة أخرى، والشيء السليم أن يؤخذ من منطوق اللفظ المشتق منه – وهو القراض – هنا بمعنى القطع وليتسق ذلك مع هذا الاسترسال في شرح معناه.
كما أنه كان من الميسور تسميته بسندات (المضاربة) وبيان الاشتقاق وشرح معنى هذه التسمية بسهولة، دون أي لبس.
ومن الحالة التطبيقية صفحة (2) بدل الخلو من مالك العقار لا يجوز لعدم العوض المقابل، ولكن يجوز للمستأجر الذي يتخلى عن مصلحته في استعمال العقار للمستأجر الجديد، لأنه في هذه يمثل بدل المنفعة – وهي مال عند الجمهور.
صفحة (2) يلاحظ أنه لم يوضح المراد بالإطفاء للسندات هل هو شراء عدد منها بالكامل سنويا بحيث تتناقص سنويا إلى أن تنتهي ملكيتها كلها إلى الجهة المصدرة، أم أن المراد بالإطفاء نقص قيمة السندات تدريجيًا سنويًا إلى أن تنقضي قيمتها بالكلية لصالح الجهة المصدرة؟.
وعلى كلا الحالتين فكيف تظل أرباح جملة السندات ثابتة من السنة الثالثة إلى نهاية مدتها في السنة السادسة، مع تناقص عددها في الحالة الأولى، أو قيمتها في الحالة الثانية وبالتالي كيف يجوز شرعا؟
صفحة (3) السطر قبل الأخير من المحاضرة: المحاضر يقصر مشاركة سندات المقارضة على ريع المشروع الناتج من إيجار المشروع بعد اكتماله، ولا يجعل لها حق المشاركة في ذات المشروع ويسمى حامل هذا السند مقرضا صراحة.
وفي صفحة (4) حيث يقول وهو بصدد تعداد الأسباب الموجبة لاستقلال المشروع: (أن تكون للمقرض شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة عن شخصية الصفة المصدرة ومذمتها) .
وفي صفحة (6) من المحاضرة أن من ضمن ما تحويه نشرة إصدار سندات المقارضة (تحديد فترة السماح اللازمة لتنفيذ المشروع) كأنما هناك قرض بفائدة يشتمل على فترة سماح. وهذا ما تفيده هذه النصوص، بل تفيده مجموع المحاضرة كلها، ويؤيده ما جاء في صفحة (4) من الحالة التطبيقية لتمويل بناء أرض وقفية المرفقة مع هذه المحاضرة حيث جعلت قيمة السهم الاسمية عند الإطفاء ثابتة كما هي عند طرح السندات للبيع بعد مضي عدة سنوات عليها وبعد قيام المشروع وإدارة عوائد تزيد قيمتها على القيمة الاسمية للأسهم ومع فعل التضخم الذي يقلل من القيمة الاسمية التي كانت محددة للسند عند الطرح.
كل ذلك يجعل هذه السندات بعيدة كل البعد عن اسم المشاركة ويحتم أنها قروض مؤجلة بفائدة هي عبارة عن نسبة مئوية من العائد الإيجاري للمشروع والسند ما هو إلا عبارة عن صك بتوثيق مبلغ القرض المؤجل، والخلاصة من هذا أن سندات المقارضة كما شرحها المحاضر وطبقها في الحالة التطبيقية ما هي إلا قروض مؤجلة بفائدة.
هذا ما خرجنا به من المحاضرة والنموذج التطبيقي لها، وليس بين أيدينا القانون الكامل لسندات المقارضة. لذلك فهذا حكم على المحاضرة ونموذجا وليس حكما على القانون الذي لم نطلع على نصوصه بعد. وحبذا لو أرفق المحاضر نسخة من نص ذلك القانون مع محاضرته، إذن لأبرأ ذمته وأنصف القانون.
د. حسن عبد الله الأمين
بسم الله الرحمن الرحيم
البنك المركزي الأردني
التاريخ: 4/6/1984م
الموافق 4رمضان 1404هـ الرقم:.......
سعادة الدكتور نفزت يالسنتاس المحترم - جدة
تحية طيبة وبعد:
تلقيت بمزيد الاحترام والتقدير رسالتكم التي تحمل الرقم (987) المؤرخة في 22/5/1984، والمتعلقة بالملاحظات التي أبداها المراجع حول محاضرة سندات المقارضة.
إنني أشكر لكم اهتمامكم واهتمام المعهد بنشر ما دار في ندوة تثمير الأوقاف، معربا عن تقديري لكل من يسهم بهذا الجهد الخير آملًا أن أكون قد وفقت في توضيح بعض الردود حول الملاحظات المثارة.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
المدير التنفيذي
في البنك المركزي الأردني
وليد خير الله
فيما يتعلق بتعريف سندات المقارضة، فأرجو أن أوضح أن قانون سندات المقارضة رقم 10 لسنة 1981 كان عنوان المحاضرة التي ألقيتها وقد صدر القانون وهو يحمل هذا الاسم. وكان مجال التعريف به في مقدمة المحاضرة للتدليل على التسمية ومرادفاتها مع الإشارة إلى معنى القراض أما فقه هذه التسمية وتفاصيل ماهيتها فقد تركته كما بينت إلى ذوي الاختصاص لأن الأمر فيه اجتهاد كبير.
إن جواز أو عدم جواز استحقاق المالك لبدل الخلو مسألة لم ترد في معرض الحديث عن إيرادات المشروع في الحالة التطبيقية وإنما الأمر الذي يعني هنا استحقاق المشاركين في تمويل المشروع وهم حملة الإسناد (إذ لا يوجد مالكين) لإيرادات بدل الخلو في المسألة المطروحة (إعمار الأرض الوقفية) فهذا أمر الأفضل تركه للمستشارين الشرعيين. أما ذكر (بدل الخلو) فكان لا بد منه إذ إنه أمر مالي تنظيمي ولا يجوز تجاهل وجوده.
إن المراد بالإطفاء هو دفع قيمة السندات الاسمية في التواريخ التي تحددها نشرة الإصدار وبالطريقة التي توضحها هذه النشرة. ولقد أوضحت نشرة الإصدار المرفقة وبالحالة التطبيقية صورة الأمر المبحوث عنه. ولقد بينت أن ريع المشروع يقسم عند تحققه إلى قسمين، قسم يوزع على حملة الإسناد على شكل أرباح وبالنسبة المعلنة، وقسم آخر يستعمل لدفع قيمة السندات الأصلية أو ما يسمى بالإطفاء. وهناك طريقتان لعملية الإطفاء الأولى عن طريق تكوين مخصص يدفع مرة واحدة لجميع حملة السندات في تاريخ الاستحقاق، والأخرى الدفع الدوري السنوي وفق طريقة يتفق عليها وتنزل القيمة المطفأة من السند من أصل قيمته الاسمية. ومن الطبيعي أن تكون نسبة الأرباح في المراحل الأخيرة لحملة السندات عالية إذ إن ريع المشروع في مراحله الأولى قليل جدا بل ربما تكون هناك خسارة في البداية لعدم وجود ريع – إلى أن يكتمل استثمار المشروع وتحقيق الريع. ولكن النسبة التراكمية في النهاية تبدو معقولة على سبيل المعدل.
إن الحالة المبحوث عنها في سندات المقارضة هي أرض وقفية وهي غير قابلة للتمليك من أية جهة ولكنها قابلة للاستثمار، وإن تقديم الأرض والمشروع المقام عليها مستقل تمام الاستقلال عن الهيئة المصدرة (وزارة الأوقاف) لهذه السندات والتي من حصيلتها سيمول المشروع.
فالممولون في هذه الحالة لهم حق في ريع المشروع وليس برقبته وإن هلك المشروع فيهلك على ذمة الممولين، أما الأرض الوقفية فهي باقية. ويختلف الحال بحسب طبيعة المشروع الصادرة لتمويله سندات المقارضة فما يقال عن الوقف لا يقال في مجال آخر.
إن (المشروع) في الحالة المبحوث عنها هو المقترض وليس لفظ (المقرض) كما جاء في الملاحظات وعليه فإن استعمال لفظ المقترض للدلالة على تلقي المال من طرف آخر وهم حملة السندات الممولين، وهذا لفظ فني معروف في مثل هذه الأمور حتى إنه يطلق على الوديعة المودعة من قبل شخص في أي بنك بأنها قرض حتى ولو كانت بدون فوائد إطلاقا وإن البنك هو المقترض مع أنه ليس كذلك.
أما التخريج الوارد في وجود فترة السماح وكأن الأمر يحتمل وجود قرض وفوائد، فأرجو الرجوع إلى نشرة الإصدار المرفقة مع الحالة التطبيقية والتي تعرف فترة السماح (صفحة 5) والتي تقول:(تعتبر الفترة الواقعة بين تاريخ إصدار السندات وبدء توزيع الأرباح فترة سماح لازمة لتنفيذ المشروع) وأظن أن هذا واضح وضروري لتنظيم التعامل وإعلام المشاركين متى تتحقق أرباحهم فلربما يمضي وقت ليس بالقصير حتى يبدأ المشروع بتحقيق أرباح بعد اكتماله بعدة سنوات.
وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في توضيح ما أثير من تساؤلات حول محاضرة سندات المقارضة، كما أرجو المعذرة تثبيت حقيقة وهي أنني كنت قد أرسلت عدة نسخ من قانون سندات المقارضة مرفقة مع المحاضرة لتقوم سكرتارية المعهد بتصويرها وتوزيعها على المشاركين. مشيرا بهذه المناسبة إلى أن القانون كان محاولة تشريعية لتحقيق السير في مبدأ وليس ادعاء بالإحاطة والكمال، كما أنه خطوة نحو التحرك والتطور وقبول التجربة والخطأ مسترشدين بقوله تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا} مستجبين دائما لاتباع ما أمر به الرحمن الرحيم.