الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاً
إعداد
فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن
مفتي جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد كرم الله تعالى ابن آدم وفضله على كثير من خلقه ومنحه الخلافة في أرضه وجعل من جنسه الأنبياء والمرسلين والعلماء العاملين وسخر له ما في السموات وما في الأرض وأنزل عليه لباساً يواري سوأتيه في الحياة كما أوجب مواراة جثمانه بعد مماته إلى غير هذه من الفضائل التي ميز الله بها بني الإنسان على من سواهم من مخلوقاته.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء: 70
وقال جل شأنه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الجاثية: 13.
ومقتضى هذا التكريم الذي نوه الله به في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن تكون أعضاء هذه الشخصية الممتازة محترمة لا تمس بانتهاك حيّاً وميتاً إلا أن للضرورة أحكاما أعظمها أنها تبيح المحظورات.
قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرة: 173.
أباح الله سبحانه وتعالى وهو الرؤوف الرحيم للمضطر تناول هذه المحرمات عند فقدان الطعام إبقاء لحياته، ومن جراء ذلك أجاز بعض الفقهاء تناول ميتة آدمي إذا لم يجد المضطر غيرها من المحرمات، قال ابن قدامة في الجزء الثامن من (المغني صحيفة 602) : وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله في قول أصحابنا، وقال الشافعي: وبعض الحنفية يباح، وهو أولى؛ لأن حرمة الحي أعظم.
وقال الإمام النووي في المجلد التاسع من المجموع صحيفة: 33 وإن اضطر ووجد آدمياً ميتاً جاز له أكله لأن حرمة الحي أكبر من حرمة الميت، وفي صحيفة 36 من نفس المجلد قال: قال الماوردي: فإن جوزنا الأكل من الآدمي فلا يجوز أن نأكل منه إلا ما يسد الرمق بلا خلاف. إلى أن قال: ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة ولم يجز أكل الآدمي سواء كان الميتة خنزيراً أو غيره اهـ.
وهذا يدل على أنه لا يجوز الانتفاع بجزء من أعضاء الآدمي إلا إذا لم يقم غيره مقامه، ولو نجاسة مغلظة. وغير خاف أن ما ذكرته خاص بالمضطر إلى تناول لحم الآدمي بالمخمصة، وأما المضطر إلى الانتفاع بأعضاء الآدمي للعلاج فقد قرر بعض من الشافعية جواز جبر العظم المنكسر بعظم الآدمي إذا لم يجد ما يصلح لذلك، ولو نجساً مغلظاً، وقرروا أيضاً أنه لا فرق بين كون العظم من ذكر وأنثى، فقد قال الشيخ عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج شرح المنهاج: فيجوز للذكر الوصل بعظم الأنثى وعكسه. ثم قال: وينبغي أن لا ينقض وضوءه ووضوء غيره بمسه وإن كان طاهرا ولم تحله الحياة؛ لأن العضو المبان لا ينقض الوضوء بمسه إلا إذا كان من الفرج، وأطلق عليه اسمه اهـ.
وبمثل هذا أفتى فضيلة العلامة الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق بجواز نقل عيون الموتى لمعالجة الأحياء، وقيد الفتوى بقيود يلزم اعتبارها. هذا ولم أقف على جواز الانتفاع بأعضاء الآدمي الحي، بل الذي وقفت عليه في كتب الشافعية عدم جواز ذلك إذا كان اللآدمي معصوماً، قال النووي في المجلد التاسع من المجموع صحيفة: 37: ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره بلا خلاف، وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف. وهذا في رأيي هو الصحيح إن شاء الله لأن في إباحة الانتفاع بجزء من أعضاء الإنسان الميت دفع الضرر عن الإنسان الحي، وحرمة الحي أعظم من حرمة الميت كما تقدم ذكره، وهو - أي الانتفاع بأعضاء الميت - وإن كان فيه هتك لحرمته ليس فيه إيلام ولا إلحاق الضرر به، وأما الانتفاع بأعضاء جسم الحي وإن كان لدفع الضرر عن حي مضطر ففيه انتهاك حرمة صاحب العضو وإلحاق الضرر به، والضرر لا يدفع بالضرر، ولا يقاس ذلك أي الانتفاع بأعضاء الحي على الانتفاع بالدماء التي يتبرع بها الناس اليوم للمرضى فإن الدم سائل من البدن يرجع إليه مثله بلا مشقة ولا يلحق المتبرع به ضرر، ولا شين في البدن غالباً. هذا وبالله التوفيق.
الشيخ محمد عبد الرحمن
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
في هذه الجلسة الثالثة دراسة موضوع انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً. هو كما ترون فقد أعد فيه سبعة أبحاث جمعت بين التصور الطبي والتصور الشرعي. ولهذا فإن العرض سيكون من سعادة الطبيب الأستاذ محمد علي البار، ثم من فضيلة الشيخ خليل محيس الدين الميس. وليتفضل الأستاذ محمد علي البار للعرض عن هذا الموضوع. والمقرر هو فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي.
الدكتور محمد علي البار:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله ومن والاه، أما بعد، فإن موضوع غرس الأعضاء موضوع حساس لأنه يتصل بالأحياء والأموات. وأدى التقدم الطبي المذهل في العشرين عاماً الماضية إلى فتح آفاق جديدة لم تكن متوقعة من قبل، ومع هذا فقد بحث الفقهاء الأجلاء هذا الموضوع بشكل من الأشكال منذ عهود بعيدة عندما قام الأطباء الأقدمون بتوصيل العظام المكسورة بعظام الأموات من بني البشر أو بعظام الحيوانات. وقد أباح الفقهاء الأقدمون استخدامها بشروط، أهمها:
أن يكون ذلك شرطاً لحصول الشفاء والبرء، أو تعجيله.
وأن يكون ذلك بحسب قدرة الطبيب الثقة العدل.
ويقصد من غرس الأعضاء نقل عضو سليم أو مجموعة من الأنسجة من متبرع حي أو ميت إلى شخص مستقبل ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف.
وتقسم أنواع الغرائس إلى غرائس ذاتية، وهي التي تؤخذ من ذات الشخص وتعاد إليه. وأهم أمثلتها: نقل الجلد من مكان إلى آخر من المصاب، ونقل الغضاريف أو بعض العظام من ذات الشخص إلى مكان آخر، والاحتفاظ بدم الشخص وأخذه في حال الصحة، واستخدامه عند الحاجة كعملية جراحية مثلا.
النوع الثاني: غرائس متماثلة. ومثالها أن ينقل العضو أو النسيج من أخ لأخيه التوأم المتماثل. والتوائم المتماثلة هي التي نتجت عن بويضة واحدة ملقحة ثم انقسمت بعد ذلك إلى قسمين، أنتج كل منهما جنيناً. وكلا هذين النوعين لا يحتاج إلى عقاقير مضادة للمناعة.
الغرائس المتباينة: وهي الغرائس التي تؤخذ من أشخاص مختلفين من جنس واحد، ومثالها من إنسان لإنسان أو حيوان لحيوان آخر من نفس الفصيلة. وهذا النوع هو الأكثر انتشارا. وقد يكون المتبرع حياً أو ميتاً. وكلاهما يتعرض لرفض الجسم المستقبل للغريسة. ولذا لابد من إعطاء عقاقير خفض المناعة وتثبيطها.
الغرائس الدخيلة: وهي الغرائس المنقولة بين جنسين مختلفين، كأن يعطى إنسان قلب قرد أو كلب أو خنزير أو غير ذلك، وهذا يتعرض في الغالب للرفض الشديد. ولم يستخدم هذا النوع من الغرائس بنجاح إلا في غرس العظام؛ لأن رفض الجسم لها بطيء. ويعمل العظم الميت كسقالة يبنى عليها عظم جديد.
الأعضاء والأنسجة التي تزرع وتغرس: هناك العديد من الأنسجة والأعضاء التي تغرس أو تنقل من شخص إلى آخر. وبعض أنواع هذا النقل بدأ منذ بضعة قرون، ولكنه لم يأخذ شكله المعروف إلا في القرن العشرين.
وأولها: نقل الدم، ويعتبر اليوم هذا إجراء روتينياً، ويستخدم في كافة أنحاء العالم. ولا شك أن الدم عضو، وينقل من شخص إلى آخر. وقد أمكن بواسطة نقل الدم إنقاذ ملايين البشر على مدى نصف القرن الذي انتشر فيه هذا الإجراء.
وقد أباح الفقهاء المسلمون حسب علمي هذا الإجراء، ولم يعترض عليه أحد لما فيه من منافع جمة.
غرس الجلد: وهو إجراء أيضاً واسع الانتشار، وعادة ما يكون غرساً ذاتياً. ولا يسبب أي مشاكل، وحتى في الحالات التي يؤخذ فيها الجلد من متبرع حي أو من ميت، فإن الشخص المستقبل يستفيد من ذلك الجلد قبل أن يلفظه جهاز المناعة.
غرس الكلى: وهو إجراء انتشر مؤخراً في كثير من بلدان العالم. وقد تم نقل ما يقارب من 500 كلية في المملكة العربية السعودية وخارجها لمواطنين ومقيمين فيها. ويتعرض المصاب بالفشل الكلوي لخطر فقد حياته. وهناك إجراءان لإنقاذه:
الأول:- عملية الديلزة (الغسيل الكلوي) : وهي عملية مرهقة للمريض. ولكنه يمكن أن يستمر في استخدامها سنين طويلة قد تبلغ عشرات السنين، ويتمكن خلالها من حياة معقولة على ما فيها من منغصات كثيرة.
الثاني:- عملية نقل الكلية: وهذه العملية مريحة للمريض إذا نجحت، وتبلغ نسبة النجاح في معظم المراكز 85 بالمائة في السنة الأولى، ثم تفشل 5 بالمائة من الحالات سنوياً. ويحتاج الشخص المستقبل إلى استخدام عقاقير خفض المناعة، وهذه العقاقير بالغة التكلفة في الوقت الراهن، ولها مضاعفات عديدة، مثل حدوث أنواع من السرطان، وحدوث إنتانات بسبب ضعف المناعة. ولكن هذه المساوئ على أهميتها وخطورتها نادرة نسبياً، وتحتمل في سبيل المصلحة الراجحة من استخدامها.
إن قياس كلفة عمل زرع الكلى حوالي 30.000 دولاراً، وتكاليف العلاج السنوي قد تزيد عن تكاليف عملية الديلزة. ولكن نوع الحياة التي يعيشها شخص زرعت له الكلى أفضل بدون شك من شخص يقوم بعملية الديلزة مرتين أو ثلاثاً كل أسبوع. وإذا علمنا من إحصائيات عام 1986 أنه قد تم إجراء 113863 عملية ديلزة في المملكة العربية السعودية خلال ذلك العام، أدركنا مدى الحاجة إلى توفير عدد كبير من الكلى لأولئك الأشخاص الذين يحتاجونها. فمريض الفشل الكلوي يحتاج إلى إجراء 150 عملية ديلزة كل عام تقريباً. وهو أمر مكلف للدولة، ومرهق للمريض في نفس الوقت.
ويمكن أن يتم غرس الكلى من متبرع حي أو ميت. ويرفض الأطباء في الوقت الراهن أخذ الكلى من المتبرعين الأحياء ما لم يكونوا من أقارب الشخص المصاب لأسباب عدة، وذلك في المملكة العربية السعودية. أما في خارج المملكة للأسف فهي تؤخذ من المتبرعين. وهناك حالات كثيرة في مصر وفي الهند وغيرها من البلاد بدأت فيها عملية تجارة بيع الأعضاء ذكرناها في صلب البحث. أما في المملكة فإنهم لا يقبلون متبرعين أحياء قفلا لهذا الباب، ما لم يكن المتبرع الحي من الأقرباء. والأفضل أخذ ذلك من الموتى.
غرس العظام والمفاصل: قد تؤخذ بعض الغضاريف أو العظام من نفس المصاب. وهذه عملية لا تسبب رفضاً من الجسم. كما يتم أيضا زرع العظام من الموتى. وفي الآونة الأخيرة بدأت محاولات زرع المفاصل. وقد تم في السابق، كما أشرنا استخدام عظام الموتى وعظام الحيوانات، ورغم أن الجسم المستقبل يرفض الغريسة إلا أن العظام الميتة تعمل كسقالة يبني عليها الجسم عظماً جديداً، ثم يمتصها بالتدريج.
نقل نقي العظام (نخاع العظام) : وتشبه في شكلها النهائي عملية نقل الدم. ولاتجرى في الغالب إلا بين التوائم المتشابهة أو الأقرباء. ولم يستخدم حتى الآن نقل نقي العظام من الموتى. وهذه العملية رغم أنها من جهة تشبه نقل الدم إلا أنها أشد صعوبة منه بكثير؛ لما يعتورها من رفض الجسم، ومن المضاعفات التي تحدث. وتبلغ تكلفة العملية قرابة 60.000 دولار.
نقل القرنية: وهذه لابد أن تؤخذ من ميت. وتوجد مراكز لنقل القرنية في مختلف بلاد العالم بما في ذلك بعض البلاد الإسلامية مثل القاهرة والرياض. وإن كان عدد العمليات محدوداً سنوياً.
نقل القلب: انتشرت عمليات نقل القلب منذ أن قام الدكتور برنارد بإجراء أول عملية غرس قلب لإنسان سنة 1967. وتجرى حالياً ما يزيد على مائتي عملية نقل قلب سنوياً في الولايات المتحدة. كما أن العمليات أصبحت أكثر تعقيداً بحيث أمكن نقل القلب مع الرئتين أو مع الكبد في آن واحد. وقد أجرى الدكتور مجدي يعقوب المصري الأصل أكثر من 500 عملية زرع قلب أو القلب والرئتين معاً. كما تم نقل قلب قرد إلى طفلة وماتت بعدها بسرعة. وكذلك تم زرع قلب صناعي في حالتين ماتت كلاهما بعد بضعة أشهر من العملية. ولابد لكي تتم عملية زرع القلب من أخذها من ميت. وقد تم إجراء هذه العمليات بنجاح نسبي في الأردن (4 حالات) ، وفي المملكة العربية السعودية (حالتان) . وتكلف العملية ما بين مائة ومائتي ألف دولار. كما أن كلفة متابعة المريض سنويا تبلغ قرابة مائة ألف دولار، وتبلغ نسبة النجاح لعمليات الزرع في السنة الأولى 80 بالمائة أو أكثر، و50 بالمائة لمدة خمس سنوات. وتعتبر عمليات زرع القلوب الإنسانية أو الحيوانية أو الميكانيكية مثيرة للرأي العام وتشكل تقدماً مذهلا. ولكن كلفتها عالية جداً حتى إن الولايات المتحدة بدأت تئن تحت وطأة هذه التكلفة؛ إذ إن هناك ما يقرب من 50.000 شخص يمكن أن تنقذهم (إلى وقت محدود) هذه العملية. وبالتالي فإن التكلفة كما نقلتها مجلة التايم الأميركية قد تصل إلى أربعين بليون دولار سنوياً.
وإذا نظرنا إلى دول العالم الثالث وجدنا أن الدول الإسلامية عربية أو أعجمية تقع ضمن دوله. وهي دول فقيرة يموت فيها كل عام عشرة ملايين طفل بسبب الإسهال وعدم الرضاعة. كما يموت من المسغبة والمجاعة أعداد كبيرة كل عام، ويموت بسبب الملاريا والتيفوئيد، والسل، والتهاب الكبد، وغيرها من الأمراض المعدية عشرات الملايين كل عام. كما أن عدد الذين يموتون بسبب تدخين التبغ يبلغون مليون شخص في كل عام.
وإذا قامت هذه الدول الفقيرة بوضع برامج صحية لإيصال الماء النظيف إلى القرى وإيجاد نظام شبكة مجارٍ، وتعليم الأمهات واجبهن في إرضاع أطفالهن وتعليمهن مبادئ النظافة، وتوعية الجمهور بأخطار التدخين والخمور والأمراض الجنسية والمخدرات، إذا صرفت هذه المبالغ الشحيحة لدى الدول الفقيرة على برامج زرع القلب أو زرع الأعضاء فإن ذلك لن يترك مالا للبرامج الصحية المهمة لمكافحة البلهارسيا والملاريا والكوليرا وغيرها من الأمراض. إن برنامج تطعيم أو تمنيع الأطفال تؤدي إلى وقاية ملايين الأطفال من الأمراض الخطيرة والتي قد تودي بحياتهم.
أما برامج غرس الأعضاء فإنها تلتهم الأموال دون أن تقدم أي فائدة إلا لعدد محدود جداً من البشر، وتجعلهم يعيشون حياة مليئة بالتعاسة. إن أصواتاً كثيرة حتى في الغرب حيث الثروات والإمكانيات الهائلة تعارض هذه البرامج، وتطالب بصرف هذه المبالغ في التوعية الصحية والحد من مخاطر الأمراض الناتجة عن التدخين، والأمراض الجنسية والخمور والمخدرات. أما بالنسبة للعالم الثالث فإنه يعاني بالإضافة إلى ذلك فقدان المقومات الأساسية البسيطة التي تكفل الصحة للمواطنين، وخاصة في المناطق الريفية حيث لا يوجد ماء نظيف ولا نظام مجاري ولا تطعيم للأطفال ولا توعية صحية ولا محاربة للمستنقعات وما ينتج عنها من أمراض. وأي مبلغ يصرف خارج هذا النطاق هو في رأي الكثيرين جريمة في حق الملايين الذين يعانون من المسغبة، ومن فقدان مبادئ الرعاية الصحية الأولية.
زرع الرئتين والكبد والبنكرياس: وجميعها لا تزال حكراً على بعض المراكز المتقدمة في الولايات المتحدة وأوربا واستراليا وجنوب أفريقيا. ولا تزال نسبة النجاح محدودة وكلفتها باهظة. ورغم تحسن نسبة النجاح في السنوات الخمس الأخيرة، وبلوغها في بعض المراكز نسبة 70 إلى 80 بالمائة، إلا أن التقنية المطلوبة والتكلفة العالية لا تزال غير متوفرة إلا في بعض المراكز.
زرع الأعضاء التناسلية: مثل زرع المبيض أو الرحم. ويمكن أن يتم ذلك من متبرعة حية أو من ميتة، وزرع الخصيتين والقضيب ويمكن أن يتم ذلك من ميت.
زرع الأجنة: إن عمليات أطفال الأنابيب تعني نقل اللقيحة (الجنين) إلى رحم الأم أو امرأة أخرى. وهذا نوع من زرع الأعضاء. وقد ناقشت المجامع الفقهية هذا الموضوع واتفقت على أن دخول طرف ثالث يجعل الموضوع لاغياً وباطلا ومحرماً من الناحية الشرعية. والمقصود بالطرف الثالث: متبرع بمائه، متبرعة بنطفتها، متبرعة بالحمل في رحمها. وأن تجميد الأجنة مرفوض. ونقلها بعد وفاة الزوج أيضا مرفوض. وهناك محاذير كثيرة حتى على الحالة الوحيدة التي سمح الفقهاء بها، وهي أن يكون ذلك بين الزوجين حال قيام الزوجية؛ لعدم وجود رقابة في الواقع الفعلي. وقد طالبنا بقيام هذه الرقابة على مشاريع أطفال الأنابيب ولكن ذلك لم يتحقق بعد. ولا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب.
الزرع من الأجنة: تستخدم الأجنة الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب ومن حالات الإجهاض المتعمد أو غير المتعمد (هناك 50 مليون حالة إجهاض متعمد في العالم سنوياً) تستخدم هذه الأجنة لمشاريع مستقبلية في موضوع زرع الأعضاء. وتتميز الأنسجة والأعضاء من الأجنة بأنها لا تسبب رفض المستقبل لها. وقد بدأ الأطباء في نقل خلايا من الغدة الكظرية ومن الجهاز العصبي لمعالجة مرض باركنسون. كما تم نقل خلايا البنكرياس إلى مصابين بالبول السكري وحقق ذلك نجاحاً أيضاً.
الزرع من الموتى: إن كثيراً من الفقهاء الذين تحدثوا عن جواز زرع الأعضاء من الموتى لم يلتفتوا إلى نقطة مهمة جداً. وهي أن نقل الأعضاء لابد أن يتم في أغلب الحالات والقلب لا يزال يضخ الدم والدورة الدموية لا تزال تعمل. وذلك يرجع إلى سبب بسيط جداً هو أن توقف القلب والدورة الدموية من هذه الأعضاء يؤدي إلى موتها وإلى عدم صلاحيتها للعمل. فلابد أن تنقل هذه الأعضاء وهي حية.
وتسمى الفترة التي يمكن أن يبقى فيها العضو قبل أن يتلف تلفاً لا رجعة فيه فترة نقص التروية الدافئة وهي كالتالي: الدماغ مدة أقصاها 4 دقائق - القلب: مدة أقصاها بضع دقائق - الكلى: مدة أقصاها 45 دقيقة - الكبد: مدة أقصاها 8 دقائق - البنكرياس مدة أقصاها 20 دقيقة. وهكذا. ثم إذا أخذت هذه الأعضاء والدورة لا تزال مستمرة والقلب لايزال ينبض فإنه يمكن تبريدها والاحتفاظ بها لمدة تختلف من عضو لآخر. فالقلب يمكن الاحتفاظ به مبرداً لمدة ساعتين، والكبد 8 ساعات، والكلى 72 ساعة. ولقد قام مجمع الفقه الإسلامي - مجمعكم الموقر - بدراسة موضوع موت الدماغ دراسة مفصلة في دورته الثانية في جدة 1406هـ والثالثة في عمان 1704هـ. وأصدر قراره التاريخي باعتبار موت الدماغ مساوياً لموت القلب، وهذا يتيح الاستفادة من أعضاء الأشخاص الذين يتوفون بصورة خاصة نتيجة موت الدماغ. وللأسف يأتي العدد الأكبر من هؤلاء الشباب بسبب الرعونة في سياقة السيارات. وفي المملكة العربية السعودية يبلغ عدد هؤلاء الضحايا ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص سنوياً. ويمكن الاستفادة من حوالي ألف شخص على الأقل منهم.
القضايا التي أقترح مناقشتها - اسمحوا لى بذلك وإن كنتم ترون قضايا كثيرة - الغرس من المتبرع الحي: أجمع الفقهاء الأجلاء الذين كتبوا في هذا الموضوع على جواز التبرع بالأعضاء حسب علمي بشرط ألا يؤدي ذلك إلى ضرر بالغ بالمتبرع. واعتبر بعضهم ذلك من الإيثار الذي حث عليه الإسلام. وقد جاءت فتاوى كثيرة في ذلك. ويعتبر نقل الدم من الأمور التي تحدث يومياً ولا ضرر فيها على المتبرع ما لم يكن يعاني من فقر دم.
ويتحاشى الأطباء نقل العين والأسنان واليدين والرجلين، بل إنهم يمتنعون عن قبول المتبرعين بالكلى ما لم يكن المتبرع قريباً للمريض لأسباب عديدة أثبتناها في صلب البحث، وهذا مهم. في الحقيقة الإجراء الذي تتخذه المملكة إجراء سليم في رأيي، وهو أن موضوع التبرع كله مقصور على المستشفيات الحكومية، ولا يقبل أيضا التبرع من أشخاص ليس لهم قرابة بالشخص المريض؛ لأن ذلك يؤدي إلى مشاكل كما علمنا في كثير من البلدان. ويسأل بعض الأطباء عن النقاط التالية:
يحدث كثيراً أن يتبرع طفل سليم لأخيه المريض بنقي العظام أو الكلى. فكيف أمكن ذلك؟ وهل يعتبر إذن الطفل أو إذن وليه كافياً في هذا الصدد أم أنه لابد أن تكون للمتبرع الأهلية الكاملة؟ وما هو السن الذي يملك فيه الأهلية؟.. البلوغ أم 18 عاما. وقد حدد القانون الكويتي إتمام 18 عاماً ميلادياً لذلك. يتبرع الشخص بمائه أو بالبويضة، أو قد يتبرع الزوجان باللقيحة إلى آخر ذلك. ولم يبحث الفقهاء هذا الموضوع ضمن إطار زرع الأعضاء، لكنهم بحثوه في أثناء بحث طفل الأنابيب والتلقيح الاصطناعي، وحصول موت الدماغ بشروطه الطبية المعروفة وقد بحثها الفقهاء. وقد تكون هناك وصية من الشخص قبل وفاته، يعلن فيها تبرعه. لابد من حصول هذه الأشياء قبل حصول موت الدماغ. وتصدر مراكز الكلى بطاقات خاصة يعلن الشخص تبرعه بكليته حال الوفاة. وهناك دراسة لإضافة هذه الفقرة لرخص قيادة السيارة والبطاقات الشخصية.
في حالة عدم وجود وصية: تشترط معظم البلدان موافقة الورثة أو الأولياء، وقد أفتى كثير من الفقهاء الأجلاء بجواز أخذ الأعضاء من الأشخاص الذين لا أهل لهم أو مجهولي الهوية باعتبار أن الولي في ذلك هو الحاكم أو السلطان. وإذا أصدر الحاكم أمراً عاماً يبيح ذلك جاز للأطباء استخدام هذه الأعضاء بعد انتزاعها من الميت. والسؤال: من مِن الأولياء يحق له التبرع؟ وهل يشترط موافقة جميع الورثة أم يكفي واحد منهم. وماذا لو اعترض واحد أو اكثر من الورثة على التبرع؟ وهل يحق لولي الأمر أن يأمر بانتزاع الأعضاء من الموتى (حسب مفهوم موت الدماغ) بدون إذن الورثة؟ وقد قالت بذلك لجنة الفتوى في الكويت. ولكن البرلمان الكويتي رفض الأخذ بهذا الرأي. واشترط موافقة الورثة والأولياء. وفي بعض البلاد الغربية مثل فرنسا لا يعتبر رضا الأولياء ضرورياً في حالات الوفاة بموت الدماغ، وإذا كان الشخص يعالج في مستشفيات الدولة، بشرط ألا يكون الشخص قد أوصى أثناء حياته بعدم أخذ أعضائه في حالة وفاته.
هناك شروط طبية أخرى على حسب العضو المراد استقطاعه. وأهمها أن لا يكون المتبرع مصاباً بأمراض معدية ولا أمراض خبيثة، ولا يكون قد تجاوز الخامسة والخمسين. وأن لا يكون مصاباً بالسكر وتصلب الشرايين إلى غير ذلك من الأسباب.
الغرس أو النزع من الموتى: يعتبر زرع الأعضاء من الموتى هو الإجراء الأكثر شيوعاً وذلك للأسباب التالية:
1) ظهور مفهوم موت الدماغ.
2) كثرة حوادث المرور في العالم وازديادها زيادة مرعبة. وللأسف تكون أغلب الضحايا ممن هم في مقتبل العمر. وتكون وفاة نسبة كبيرة منهم بسبب موت الدماغ. وبالتالي يمكن أن يستفاد من أعضائهم للتبرع بها لمن يحتاجها. وكمثال: عدد ضحايا المرور في الولايات المتحدة 60.000 سنوياً، وفرنسا 11.000 سنوياً، وبريطانيا 10.000 والمملكة العربية السعودية 3.500 سنوياً. وينبغي التركيز على منع الحوادث لا على مبدأ الاستفادة منها في زرع الأعضاء بحيث لا تكون مصائب قوم عند قوم فوائد. وحوادث المرور للأسف في منطقة الخليج هي أعلى بكثير بالنسبة لعدد السكان من مثيلاتها في مناطق العالم المختلفة.
3) الغرس من الموتى ليست له مخاطر من الناحية الطبية إلا في حالة عدم إتمام شروط موت الدماغ. وتنشر الصحف في بعض الأحيان أنباء مثيرة وفي الغالب غير صحيحة، ومن ذلك ما نشرته الصحف قبل فترة وجيزة، خبر مفاده أن طفلاً مشوهاً ولد، وأن أبويه قد تبرعا نيابة عنه بكليتيه، وأنه قد تم أخذهما من الطفل وهو لا يزال على قيد الحياة، وقد تبين لي بعد الاتصال بذوي الشأن أن هذا الأمر غير صحيح، وأن الطفل قد توفي حسب مفهوم موت الدماغ قبل أخذ كليتيه. وإن الكلى لم تكن ذات جدوى للزرع بسبب تلفهما.
4) الزرع من الميت يوفر أعضاء يستحيل توفيرها من الحي مثل القلب والكبد والرئتين والبنكرياس.
ما هي الشروط التي ينبغي توافرها لنقل الأعضاء من الموتي حسب مفهوم موت الدماغ؟ نرى توافر جملة من الشروط قبل السماح بنقل الأعضاء من الموتى. وهذه الشروط مذكورة في أصل البحث هناك، ثم تأتي الأسئلة: ما هو الموقف من التبرع بالأعضاء التناسلية حال الحياة أو الوفاة؟ ما هو الموقف حيال زرع الأعضاء؟ ما هو الموقف حيال الاستفادة من الأجنة المجهضة أو التي تم تنميتها في المختبرات والاستفادة من أعضائها وأنسجتها لنقل الأعضاء؟ وما هو الموقف بالنسبة لإعادة الزرع بالنسبة للمحكوم عليهم حدا بقطع اليد في السرقة أو القصاص مثلا؟ هل يجوز إعادة الجزء المستقطع أو أن ذلك لا يجوز؟ فمواقف الفقهاء الذين كتبوا في هذا الموضوع متباينة؛ فمنهم من أباحه ومنهم من منعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ خليل محي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. السيد الرئيس، الإخوة الأعضاء. سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، أما بعد فحكم العلاج بزراعة الأعضاء موضوع موزع بين يديكم سأقرأ منه ما ينبغي قراءته وأترك الباقي لمراجعاتكم.
العلاج بزراعة الأعضاء والأنسجة الحية أو المعادن في جسم الإنسان من المسائل المستجدة في الحقل الطبي، وتعرف في الاصطلاح الفقهي بالنوازل، أي المسائل المستجدة بعد استقرار المذاهب الإسلامية، حيث لا نص فيها من كتاب أو سنة أو قول أحد الأئمة المجتهدين وتلاميذهم.
ولما كان الطب ميدانه التجربة، ولذلك كان من منجزات الطب الحديث ما أحرز من تقدم ملحوظ في هذا المجال، سواء في زرع القلب أو القرنية أو الكلية أو استئصال الأمعاء المصابة واستبدالها بأخرى سليمة. وكل ذلك إنما يتم باستخدام عضو منتزع من إنسان أو حيوان. وبالتالي فالسؤال مطروح وبإلحاح: ما هو الحكم الشرعي في كل ما جرى أو يجري؟ ومن المعلوم أن عملية الزرع تمر في مرحلتين:
الأولى: الانتزاع من إنسان أو حيوان.
الثانية: زراعة العضو المفصول في جسم إنسان آخر يفتقر إليه. والحاجة هذه يمكن تصنيفها إلى فئتين:
أولاً: توقف حياة إنسان مريض أو مهدد بالموت على زرع ذلك العضو في جسده كالقلب أو الكلية.
ثانياً: توقف عمل العضو المصاب فقط مع بقاء الحياة على زرع ذلك العضو كالقرنية في العين مثلا.
هذا وفصل العضو المطلوب، ومن ثم زرعه في جسم المريض، إما أن يتم بناء على تبرع إنسان كامل الأهلية ويفصل منه ذلك العضو حال الحياة كالكلية، أو بناءً على وصية بأن ينتزع من جسده بُعَيْدَ وفاته كما يحصل بالنسبة إلى العيون مثلا.
وللإجابة على هذه التساؤلات المطروحة ونظائرها كان لابد من مقدمة تمهيدية نتعرض من خلالها للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تشكل أنظاراً للبحث باعتبارها ترسم المرتكزات الفقهية علاجاً وانتزاعاً وزراعة، وما يستتبع هذه الصور العلاجية.
أما قضية العلاج فمن حيث المبدأ فقد صرحت الأحاديث الشريفة بمشروعيتها. ومن ذلك مثلا ما رواه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام)) . وفي الصحيحين عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) . وهكذا فإن الأحاديث الشريفة صرحت بحقائق منها:
أولاً: الأمر بالتداوي وأدنى موجب الأمر هو الإباحة.
ثانياً: إن إقراره عليه الصلاة والسلام بأن لكل داء دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، يفتح باب العلاج على مصراعيه، ويمهد السبيل أمام الباحثين لاستكشاف الأدواء. وما لم يعلم بالأمس ربما يعلم اليوم أو غدا. هذا مع أن الإسلام جاء لعلاج الأرواح والنفوس من مرض الكفر والفسق والفجور وغيرها، وإنقاذ العباد من شرور الوثنية والإلحاد ومن أمراض عقدية هي أخطر من أمراض الأجساد لا شك أنها تفضي إلى مهالك في الآجل والعاجل، فإنه أيضاً (أي الإسلام) لم يهمل علاج أمراض الأجساد. ونحيل طالب المزيد من المعلومات في هذا الباب إلى كتاب الطب النبوي لابن قيم الجوزية، والآثار الواردة في كتب الحديث الشريف في أبواب الطب. مع أن الأحاديث الشريفة صرحت بمشروعية العلاج، لكنها في نفس الوقت أيضا نهت عن التداوي بالحرام حيث ورد النهي بقوله عليه الصلاة والسلام:((ولا تداووا بحرام)) .
وهذا ما يصلنا إلى الاستدلال بعمومات الآيات القرآنية والأحاديث، وبعد ذلك بالقواعد الفقهية والمبادئ العامة التي استنبطها الفقهاء المسلمون. ومن تلك العمومات والإطلاقات لنفرع عليها من الأحكام ما يتصل بموضوعنا. قال الله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 38)، وقال سبحانه:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} النحل: 89. هذا والعموم الوارد في الآيتين وإن كان متوجهاً في البدء إلى بيان الأحكام الشرعية التكليفية أولاً لكنها لا تتقاصر دون موضوعنا هذا؛ لأنه يدخل ضمن إطار تلك الأحكام من الإباحة والتحريم باعتبار أن هذا العلاج على هذا الوجه هل هو حلال فيتابع أو حرام فيجتنب؟ ويأتي قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78. وقال تعالى إثر بيان مشروعية الوضوء والغسل والتيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} المائدة 6. وهكذا نجد توجه الشريعة الإسلامية نحو التيسير على العباد وتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية، في ذلك يقول تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة: 85، ومن ثم تأتي الأحاديث النبوية على هذا النسق أيضاً لتؤكد المعنى الوارد في الآيات القرآنية. ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((بعثت بالحنيفية السمحة)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((يسروا ولا تعسر وبشروا ولا تنفروا)) . ومن مجمل هذه الآيات والأحاديث استنبط الفقهاء قواعد فقهية وضوابط أصولية تعتبر بمثابة الأصول لمسائل تفرعت عليها الأحكام. ومن ذلك قولهم مثلا: المشقة تجلب التيسير، وهي القاعدة الرابعة من قواعد الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، وقال أي ابن نجيم: وفي الحديث: ((أحب الدين إلى الله تعالى الحنيفية السمحة)) : أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله ومن حديث أبي أمامة، ويخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، وعد منها رأي المصنف المذكور المرض، ثم قال: الثاني المرض ورخصه كثيرة، ومنها التداوي بالنجاسات وبالخمر على أحد القولين، أي اعتبر المرض سببًا موجبا لالتزام أو لالتماس الرخص، وتخرج على هذه القاعدة، قولهم: الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق.
هذا وإن إحياء النفوس مطلب شرعي صرحت به الآية الكريمة:
قال سبحانه: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} المائدة: 32
ولا بد من مقدمة أصولية تمهد لهذا الموضوع، وهي ما تعرف بتقسيم الحقوق على ما جاء في كتب الأصول ونصه: الحقوق أربعة:
أولاً: حقوق الله تعالى خالصة كالعبادات والحدود والكفارات.
ثانياً: حقوق العباد خالصة. وهى أكثر من أن تحصى نحو ضمان الدين وبدل المتلفات والغصوب وملك المبيع.
ثالثاً: ما اجتمع فيه الحقان وحق الله أغلب. وهو حد القذف.
رابعاً: ما اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب وهو القصاص. وما نحن بصدده يندرج تحت القسم الرابع؛ لأن بدن الإنسان فيه حق الله تعالى من حيث التخلق، وفيه حق العبد من حيث الانتفاع، وحق الله على ما هو معلوم ما يتعلق به النفع العام، فلا يختص به واحد وإنما ينسب إلى الله تعالى تعظيماً.
ثم ملكية الإنسان لجسمه وأعضائه ومدى حرية التصرف فيها: من خصائص الملكية التامة حرية الاستعمال والاستغلال والتصرف على ما هو معروف فقهاً وقانونا، والحرية هذه إنما يمارسها الإنسان على المنقولات والعقارات. وهو ما يعرف بأموال التجارة. فللمالك مطلق الحق في بيعها ورهنها وهبتها واستغلالها والإيصاء بها وإتلافها كما أنها تُورث عنه وتضمن بالاعتداء عليها. وهذه الأعيان معصومة في ذاتها ومملوكة له.
فيا ترى، هل جسم الإنسان من هذا القبيل أم لا بد من التمييز بين الملك والعصمة؟ فالعصمة تقوم بالمملوك. والملك يقوم بالإنسان، والعصمة تكون للدم كما تكون للمال. بذلك ورد الحديث الشريف:((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)) .
هذا وبدن الإنسان مملوك له على وجه الانتفاع. وهو ما عبر عنه الفقهاء بقولهم: (إن الله تعالى ملك الإنسان منفعة أعضائه، فالعين للإبصار، والرئة للتنفس، واليد للعمل وتناول الطعام، والرجل للسعي، وما إلى ذلك من وظائف الأعضاء) . ويبقى السؤال مطروحاً: هل ملكية الإنسان لأعضائه من صنو ملكيته للأشياء فيكون له حق التصرف فيها كالأشياء المملوكة. وهذا ما يعرف عند رجال القانون بالتشييء، أي: هل جسم الإنسان وأعضاؤه أشياء أم لا؟ تناول الفقهاء المجتهدون موضوع النفس والأطراف والتعويض عنها حال الاعتداء عليها، ونصت الآيات والأحاديث على مشروعية الدية والقصاص وأرش الجراحات حال العدوان. وما قاله الفقهاء في هذا المجال: ضمان النفس والأطراف بالمال في حالة الخطأ فإنه ثبت بالنص من غير أن يعقل فيه المعنى؛ لأن الآدمي مالك مبتذل لما سواه. والمال مملوك مبتذل فلا يتماثلان. وإن ضمان النفس والأطراف بالمال غير مدرك بالعقل؛ إذ لا مماثلة بين الآدمي المالك المبتذل وبين المال المملوك المبتذل، وإنما شرع الله تعالى الدية لئلا تهدر النفس المحترمة مجاناً.
وكان موجب الجناية عمداً على النفس والأطراف هو القصاص. قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} البقرة: 179. ويمكن العفو كما هو معروف عن ذلك كله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} البقرة: 37. وقال سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} الإسراء: 33.
وأما جناية الخطأ فموجبها الدية. وهي تعويض مالي لتفويت منفعة الجسم أو العضو. وهو محض حق الإنسان ولذلك تدخل تحت الولاية عفواً وإسقاطاً. وهذا بخلاف جريمة الزنا فإن العقوبة عليها محض حق الله تعالى؛ لذلك لا يقبل بعد ثبوتها الإسقاط ولا العفو ولا الصلح على مال. وكذلك الشأن في السرقة وسائر الحدود. ولما كان التعويض المالي عن القتل الخطأ مقررا ابتداء وفي القتل العمد مقررا صلحا، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} النساء 92. وقال عليه الصلاة والسلام: ((في النفس مائة من الإبل)) . وروي أنه عليه الصلاة والسلام (قضى في قتيل بعشرة آلاف درهم) . هذا ودية النفس أو العضو ليست ثمنا بحال من الأحوال؛ لأنها إنما شرعت صيانة للنفس عن الهدر، لا ثمنا لها. ولذلك قدرها الشرع ولم يترك تقديرها ابتداء للعباد. ومجمل القول: إن لله تعالى في النفس حق الاستعباد، كما أن للعبد حق الاستمتاع، وحق العبد غالب؛ لذلك يجري فيه الإرث، ويصح الاعتياض عنه بالمال بطريق الصلح. وقال السرخسي في مبسوطه: لما أوجب الله تعالى حق العبد في النفس والأطراف. لذلك عمل فيه إسقاطه، ويورث عنه ويسقط الإذن. وقال السمرقندي في التحفة: لو عفا المجروح عن الجراحة ثم مات منه صح عفوه استحساناً. وهذا كله أمارة أن التعويض المقدر هو حق العبد، فكان له ولاية المطالبة كما كان له ولاية الإسقاط والصلح. وبسط الكاساني القول في المسألة وزادها إيضاحاً بل، وكاد يلامس القضية بالذات من خلال تعريفه الأحكام في عبارته التي جاء بها فيها: ولو قال: أقطع يدي فقطع، لا شيء عليه بالإجماع. ووجه الحكم فيه لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال. وعصمة الأموال تثبت حقا له أي: الإنسان. فكانت محتملة للسقوط بالإباحة والإذن، كما لو قال له: أتلف مالي، فأتلفه، قلت - أي هو المصنف -: ولا يخلو فعلهما حال القطع من الإثم لكل من الآمر والقاطع؛ لأنهما اشتركا في تنفيذ فعل محظور شرعاً. هذا وجاء في مشروعية القصاص ما نصه: هذه العقوبة جزاء الفعل في الأصل. وأجزية الأفعال تجب في حق الله تعالى. ولكن لما كان وجوبها بطريقة المماثلة عرفنا أن معنى الحق راجح فيها، وأن وجوبها للجبران بحسب الإمكان كما وقعت إليه في قوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 179. ولهذا جرى فيه الإرث. وصح العفو والاعتياض بطريقة الصلح بالمال، كما في حقوق العباد المحضة كبدل المتلفات.
وهكذا يتبين أن للإنسان ولاية إسقاط العقوبة عن الجاني حال الاعتداء على عضو من أعضائه، حتى على حياته بالكلية كمن جرح إنساناً فعفا المجروح عن الجاني، وكذلك شأن الورثة لهم حق العفو عن القاتل كما أسلفنا. ولكن هل للإنسان حق التبرع بعضو من أعضائه أو الإيصاء بها فتنزع منه بعد وفاته؟ لنعد بالمسألة إلى أصول لها ثابتة وإلى مسائل تقربنا من تقرير الحكم المناسب لهذه المسألة. إن شاء الله.
أولاً: الرضاع. معلوم أن اللبن هو جزء الأم ترضعه أولادها وغيرهم، وذلك مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، والمسألة واضحة. ولكن الفقهاء ذكروا أنه لا يجوز بيع لبن المرأة تكريماً لبني آدم، وعليه الإجماع. قال ابن حزم: لا يصح بيع شيء أخذ من حي كلبن المرأة أو شعور بني آدم. وهناك مسألة أخرى هي التبرع بالدم، وكما ذكر المحاضر قبلنا ـ حفظه الله ـ لم يعرف اعتراض من أحد العلماء على جواز التبرع بالدم في حال من الأحوال، علماً بأن هذا الدم يعوض في الجسم، ولكن يحتاج لبعض الوقت.
وهذا ما يصلنا للحديث إلى معالجة هذا الموضوع على ضوء القواعد الفقهية كما ذكرنا في مطلع البحث، وهذه القاعدة تعرف بجلب المصالح ودرء المفاسد. فنقول: لا يخلو أي تصرف يقوم به الإنسان لتحقيق مصلحة ما إلا بمفسدة، وذلك أن شرب الماء مصلحة لحياة البدن وفي ذلك إستهلاك للماء. وكذلك الشأن في الطعام واللباس وذبح الحيوان. بل ومشروعية الجهاد في سبيل الله، كذلك مشروعية القصاص والذي من شأنه قتل الجاني أو بتر عضو من أعضائه؛ كقطع يد أو رجل، على الرغم من ذلك وصف تعالى كل هذه التصرفات بالحياة، قال سبحانه:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:179.
وفقهاء المسلمين قالوا في هذا المجال: (جلب المصالح مقدم على درء المفاسد) . قال الشاطبي: لما كانت المصالح الدنيوية لا يتخلص كونه مصالح محضة، وإنما تكون على مقتضى ما غلب، فإن كانت المصلحة هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد فهي مقصودة شرعاً، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد. وقريب من ذلك ما ذكره العز بن عبد السلام في قواعده حيث قال: وما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها.
وهكذا كان الحكم صراحة في جواز قطع عضو إنسان لضمان استمرار سلامة سائر البدن ونظيره. وشق جوف المرأة عن الجنين المرجو حياته؛ لأن حفظ حياة الجنين أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه. القواعد. فالمصلحة ما دامت هي المقصودة من التصرف لا تمنع بمجرد وقوع المفسده ما دام أن المصلحة هي الراجحة، وهذا ما لا يخفى على عاقل. يقول العز بن عبد السلام: وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح الحقيقية. والشريعة الإسلامية إنما تهدف بالجملة إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وحيثما تكون المصلحة راجحة فثمة شرع الله تعالى. هذا والنفس البشرية معصومة ومحترمة.
لذلك تعلق بها حق الله تعالى حتى لا يبلغ بها أصحابها في وقت من الأوقات أو في البلد من البلدان إلى مرتبة السلعة تباع وتشترى. ولا يخفى ما في ذلك من إهدار لآدمية الإنسان وهدم لبنيان الرب كما جاء في الأثر: الجسم بنيان الرب، ملعون من هدمه، أي ظلماً وعدواناً من غير وجه حق. ومما تقدم نخلص إلى القول بأن الإيصاء بعضو من الأعضاء في حال الحياة على أن يفصل من الموصي بعد الوفاة لينتفع به آخر تتوقف حياته عليه، أو يحاول دون فقدان حاسة من حواسه؛ كالعين أو سواها، لا نرى أن قواعد الشريعة تحول دون مشروعيته والله أعلم. على أن يكون المتبرع كامل الأهلية، وإن كان في هذا التصرف انتهاك لحرمة الجسم بعد الموت، ولا يخفى ما في ذلك من مفسدة ظاهرة، لكن المصلحة المترتبة عليه من زرع ذلك العضو في جسم إنسان آخر واستمرار أداء وظيفته التي خلق من أجلها مصلحة راجحة.
وقد ختمنا البحث بما توصل إليه مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة من قرار مدون لديكم. هذا وبالله التوفيق وشكراً لاستماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
شكراً. بعد هذا العرض. الموضوع مطروح للمداولة، ويمكن لأصحاب الفضيلة الأعضاء الذين شاركوا لو طلبوا الكلمة من قبلهم بصفتهم قد كتبوا فيه وسمعوا العرض الذي مر على أسماعكم قد يكون هذا أولى.
الدكتور حسن علي الشاذلي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، لي ملاحظة على العرض الذي عرض وهو أنه قد احتوى على أن جميع من كتبوا قالوا بجواز التبرع بالأعضاء. والواقع أن هناك بحثاً قدمته إلى أمانة المؤتمر أرى فيه أن التبرع بالأعضاء مازال لم يستطع أن نحكم بجوازه حتى هذه اللحظة رغم ما كتب في ذلك من بحوث، وذلك كما بينته في هذا البحث يقوم على نقطتين:
أما النقطة الأولى فخاصة بالتبرع بالأعضاء ممن كانوا على قيد
الحياة، ثم توفاهم الله وأوصوا بذلك أو ما إلى ذلك. أو الذين حكم عليهم بعقوبة مستحقة أو تستحق عقوبة الإعدام. وبينت في البحث أن هؤلاء لا داعي لأن نقول بالنسبة لهم أكثر من أنه يجوز إحياء للنفس الآدمية. وهو بحث وضعت فيه الأدلة التي أرتكز فيها على ذلك. أما بالنسبة للنقل بين الأحياء فذلك ما أتوقف فيه لأمرين:
أما الأمر الأول فهو أننا إذا بحثنا بالنسبة للمتبرع لابد أن يتبرع بما يملك، وجسم الإنسان لا يملكه سوى الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فالمتبرع إنما يتبرع بشيء لا يملكه، فلا يصح هذا التبرع، هذا من ناحية.
من ناحية ثانية هناك أيضا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبه للخمر حينما يقول: ((إن الذي حرم شربها حرم بيعها، وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه)) . وأيضا وجدنا من بعض الأحاديث أنه قد أهدي للرسول صلى الله عليه وسلم خمر بعد أن حرمت فرفضها؛ لأنها حرمت، فلما عرض عليه ذلك الذي قدمها أن يكارم بها اليهود وأن يعطيها لهم هدية قال:((إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود)) ، قال: فكيف أصنع بها؟ قال: ((أرقها على البطحاء)) . أي: ألقها. من هذا يتبين لنا أن الشيء المحرم في ذاته لا نملك إطلاقاً أن نتبرع به، فضلا عن أن نبيعه أو أن نتصرف فيه. ومن ثم فإن هذا الباب أصبح بابا يقلق المجتمع.
إن الأحداث التي تجري الآن حول نقل الأعضاء توجب علينا أن نتوقف وألا نصدر فتوى في ذلك تبيح التبرع. وأصبحت هناك بنوك في العالم يؤخذ إليها الفقراء، أطفال الفقراء، ومن يغرر بهم، وهناك أيضا ضائقات مالية يتبرع بعض الناس فيها بالأعضاء، وما إلى ذلك مما جرنا الآن إلى التفكير كثيراً في هذا الميدان. هذا من ناحية.
الناحية الثانية إن ما نقوله عن الإيثار، الإيثار إنما يكون في المباحات، لا في المحرمات، فالأجسام والأعراض التي لا يجري فيها الإيثار. الإيثار إنما يكون في الأمور المباحة وفى الأمور المالية التي يجري فيها البذل والعطاء. أما الإيثار بالمحرم فحرام، والإيثار بالمكروه مكروه، وهكذا. كذلك أيضا بعض المتحدثين الأخ الدكتور عبد السلام العبادي ذكر فيما لو قال شخص لآخر: اقطع يدي، فقطعها، لا شيء عليه بالإجماع. أقول كلمة بالإجماع هنا ليست خاصة بجميع الفقهاء. فقهاء الحنفية فقط غير زفر، هم الذين قالوا: ليس عليه شيء بمعنى القصاص. ثم بعد ذلك الدية اختلفوا فيها هل تجب الدية أو لا تجب؟ هذا موضوع آخر. ولكن فقهاء المالكية وفقهاء الظاهرية والزيدية كلهم لم يجعلوا لرضى المجني عليه حينما يقول لآخر: اقطع يدي، لم يجعلوا لهذا الرضى وزناً في قيام القصاص. ومن ثم فالمسألة خلافية، والذي يدرأ حتى على رأي الحنفية فيما لو قلنا: إنه يدرأ القصاص؛ لأن هناك شبهة. ثم ننتقل إلى الدية، والدية لو قلنا حتى بإسقاطها فهناك أيضا عقوبة التعزير المانعة من ذلك.
لكل ذلك أقول: إنه حتى مع ما ذكرناه من أن ما ذكره الأخ الدكتور العبادي من أنه عرض بيع لبن المرأة أو شعر بني آدم، وبين أن الفقهاء منعوا ذلك؛ لأنه جزء لآدمي، إذا كان ذلك بالنسبة للعضو المتجدد؛ لأننا إذا اعتبرنا ذلك أشياء متجددة وتوقف فيها الفقهاء، فما بالكم بالأعضاء التي لا تتجدد في جسم الإنسان. فقطع الكلية معناه انتهاء لها. وإذا كان هناك منع لهذه الأشياء فما بالنا بعضو لا يتجدد، وإنما إذا أخذ من إنسان عرض الاثنين، الشخص المضطر ربما لا يستفيد. وهذا احتمال وارد كما ورد في الأبحاث الطبية، والشخص المأخوذ منه عرض نفسه للهلاك. قد يحدث ذلك وقد لا يحدث، إلا أن الضرر لا يزال بضرر. وهناك نقول كثيرة في المبحث أوضحتها أمام حضراتكم لأبين أن الفقهاء توقفوا، وبدل كلمة توقفوا منعوا أن يكون هناك تصرف في أجزاء الإنسان، سواء كان ذلك عن طريق المعاوضة أو عن طريق التبرع. هذا ما أردت أن أنوه إليه، وشكراً.
الرئيس:
شكراً. ولعل فضيلة الشيخ حسن يريد الشيخ خليل الميس وليس الشيخ عبد السلام العبادي. الأستاذ أحمد رجائي.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. فضيلة الأخ الرئيس، فضيله الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، أصحاب الفضيلة العلماء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولاً: يسعدني أن أشارك في الدورة الرابعة لأعمال مجمع الفقه الإسلامي ممثلاً للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدعوة كريمة من فضيلة الأستاذ محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع، شاكراً لسيادته هذا التفضل، آملا أن يستمر هذا التعاون الدائم من منظمتنا في مجمعكم. كما يسرني أن أنقل تحيات سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي رئيس المنظمة، والذي كان حريصا على أن يشارك بالحضور شخصياً لولا ارتباطاته المسبقة في نفس الميعاد، متمنياً لحضراتكم التوفيق والسداد لما أوكل لحضراتكم من مهام كبيرة في المعنى والهدف. المعنى هو تحديد الهوية الإسلامية. والهدف هو ربط الإسلام بالتقدم المعاصر في جميع مجالات الحياة، ولعل أبرزها الطب. وتوضيح الحلال والحرام لكافة أو عامة المسلمين. ومن هذا المنطلق كان الشغل الشاغل لمنظمتنا منذ قيامها هو تبني الفقه الطبي، والذى شارك في ندواته كثير من الإخوة الأفاضل المشاركين في أعمال هذه الدورة.
أما بالنسبة لموضوع زرع الأعضاء فقد تحدث زميلي الدكتور محمد علي البار عن نقاط كثيرة هامة. ولعل النقطة التي أثار فيها قضية الأولوية في عدالة التوزيع من أهم هذه النقاط، والتي ستعقد المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية مؤتمراً عنها بالقاهرة في الفترة من 21 إلى 23 نوفمبر لبحث الجوانب المختلفة لهذه القضية، واخترنا لها عنواناً (الاخيتار الصعب بين عدالة التوزيع والمصادر المالية المحدودة) ، وندعو الله أن نخرج منها بما يخدم الأمة الإسلامية، إلا أنني رغم أهمية هذه النقطة أرجو أن يؤخذ بعين الاعتبار النقاط الآتية:
أولاً: أن قضية زرع الأعضاء تمثل تحدياً بين الإنسان والمرض. ورغم أن هذا التقدم أنجز في ديار غير المسلمين، إلا أنه يطرق أبواب المسلمين بشدة، فهناك مجتمعات إسلامية أفاء الله عليها بالخير، ويمكن أن تدخل هذا النوع من العلاج. فيجب توضيح الرأي الفقهي بالحلال والحرام فيها. أيضا هناك من بين المسلمين من أفاء الله عليهم بخيراته، ويمكن أن يتحمل نفقاته، فيجب ألا نغلق عليهم باب رحمته.
ثانياً: إن الجاليات الإسلامية التي تعيش في ديار غير المسلمين، ومنهم من يعمل في هذا المجال عالماً، ومنهم من يستطيع أن يتحمل التكاليف. وتريد هذه الجاليات أن تعرف الرأي الشرعي في هذه الأمور. ونحن ندين لها بهذا الدين في ديارنا، ويجب أن نوافيهم حقهم في هذا الموضوع.
ثالثاً: إنني وبحكم عملي واشتراكي بالمنظمات العالمية فإن الأديان المختلفة والعقائد المختلفة تدلي كل بدلوها من وجهات نظرها، والإسلام ليس بأقل منها، ولو بإبداء رأيه في هذه المجالات. ومن أجل ذلك أيضاً تبنت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاتفاق مع منظمة الصحة العالمية بعقد ندوة في نوفمبر تحت عنوان (الأخلاقيات والقيم الإنسانية والصحة من الوجهات الإسلامية) وهذه لأول مرة توافق منظمة الصحة العالمية على عقد ندوة لتتعرف على الرأي الإسلامي. هذا وقد ناقشت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية موضوع زرع وبيع الأعضاء الآدمية في ندوتين. وقد توصلت الندوة الأخيرة التي عقدت بالكويت في أبريل 1987 في موضوع بيع الأعضاء، وهذه هي التوصية: في ضوء ما استقر عليه الرأي الشرعي من المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي من جواز نقل الأعضاء إلى المرضى في الظروف والشروط المقررة شرعاً، ناقشت الندوة موضوع بيع الأعضاء وانتهت إلى ما يلي:
أولا: ما يتم به الحصول على الأعضاء أن يكون ثمرة التراحم بين الناس بالتبرع من جثث الموتى بالوصية أو موافقة الورثة. كذلك من أعضاء المتوفى مجهول الهوية.
ثانياً: ورأي الأكثرية أنه يجوز الحصول على الأعضاء أيضا بتبرع الحي للحي بالشروط والضوابط المعتبرة، ومنها عدم الإضرار بالشخص المتبرع أو قصره على الإعطاء.
ثالثاً: لا يجوز بيع الأعضاء. إذا لم يمكن الحصول على الأعضاء بالتبرع، ولم يمكن الحصول عليها إلا ببذل مال، فهذا جائز فيما انتهى إليه أكثرية المشاركين. وهو من المحظور الذي يباح في حال الضرورة. ويرى البعض عدم جواز ذلك.
رابعاً: في جميع الأحوال يجب أن لا يترك الحصول على الأعضاء، ولا سيما في حال الإضرار لمنافسة المريض الغني للمريض الفقير، بل تنشئ له الدولة هيئة تحمكه وتتقي محاذيره وتديره وفق قانون مفصَّلٍ يوضع لذلك.
كذلك أثار الدكتور البار أن ناقش بعض النقاط، ومن بينها أن يتبرع الشخص بمائه أو ببويضة أو قد يتبرع الزوجان باللقيحة. وهذا بحثته أيضاً المنظمة وحرمته تحريماً واضحاً؛ تفادياً لخلط الأنساب.
خامساً: أن تتبرع المرأة برحمها. وهنا يجب أن يثار نقطتان. الواقع وعلى ما يعتقد فأولا أن الرحم، كلمة الرحم جاءت تعقيباً.
الرئيس:
يا أستاذ أحمد، موضوع الرحم وما يتعلق به ولو تركتموه أولى؛ لأنه سبق وأن بت فيه المجمع. فنحن بحاجة إلى الوقت.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
نعم. أيضا أثار موضوع البويضات الملقحة. هل أثير هذا الموضوع؟
الرئيس:
لو ترك ما يتعلق بهذا الموضوع يكون أولى.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: إذا شكراً لاستماعكم.
الرئيس:
عطفاً على التنبيه الذي تفضل به الدكتور الشاذلي كذلك ما ذكره الأستاذ رجائي من أنه استقرت الفتوى. لا أظن أن الفتوى استقرت على هذا، وإن الخلاف ما زال قائماً بين أهل العلم في هذه المسائل، سواء من حيث المبدأ أو من حيث بعض تفاصيله، أو من حيث شروطه. شكراً. الشيخ رمضان.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الأستاذ حسن الشاذلي عقب لا على الدكتور البار فقط، بل لعله عقب على كل من تقدموا ببحث في هذا الموضوع. وفهم أن الجميع اتفقوا على جواز نقل عضو من حي إلى حي. وكما سمعنا الآن من الأستاذ رئيس مجلس المجمع أظن أن هذا الاتفاق بإطلاقه لم يتم بعد. ولكني أحب أن ألفت النظر إلى قاعدة فقهية وأصولية في آن واحد، الأستاذ المعقب يقول: إن الإنسان لا يملك جسمه. ومن ثم فإنه لا يملك أن يؤثر به غيره. صحيح أن الإنسان لا يملك جسمه بالمعنى الشرعي، ولكن القاعدة الفقهية تقول يا سيدي: كل ما جاز التصرف فيه جاز الإيثار فيه. فجواز الإيثار لا يشترط فيه الملكية بالمعنى الذي تتصورونه، وإنما يشترط فيه جواز التصرف. الإنسان يملك أن يتصرف بعينيه فينفقها سهراً على علم، وإن علم أن ذلك يضعفها. والإنسان يملك أن يتصرف بقدميه فيسعى بهما حاجا إلى بيت الله الحرام، وإن علم أن ذلك يوهنهما. وبناء على هذا فإنه يملك أو يؤثر أخاً له ببعض من أعضائه بشرط واحد، وهو أن يتحقق من هذا الإيثار منفعة للطرف الآخر. ولعلنا قرأنا كلمة السيوطي ناقلا ما يشبه الإجماع في هذا الصدد: ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته كان له ذلك، وإن خاف فوات مهجته ذلك؛ لأنه لا يهدف من هذا الإيثار إلى فوات مهجته، وإنما يهدف إلى إقامة بنيان مهجة أخ له. وهذا من الخلق الكريم الذي أشاد بذكره الإمام الشاطبي في موافقاته. ولذلك ليس هنالك ارتباط فيما أتصور فقهي بين موضوع عدم ملكية الإنسان لجسده وبين حرمة هذا الموضوع التي تحتاج إلى بحث.
النقطة الأخرى التي أريد أن أنوه بها باختصار شديد. الدكتور محمد علي البار في محاضرته المكتوبة وفي كلامه الذي أصغينا إليه الآن، يصور لنا ما يشبه الإجماع بين علماء الشريعة الإسلامية والقضاء على اعتبار الموت الدماغي موتاً حقيقياً. وهكذا قرأت له وهكذا فهمت. وأنا لا أتصور أن مثل هذا الإجماع أو قريباً منه قد تم، بل إن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للبحث. وأحب أن أقول كلمة موجزة جدا في هذا الصدد، ولي بحث بين أيديكم في هذا الموضوع مفصل. أنا لا أناقش علماء الطب في أن الموت الدماغي موت حقيقي أم لا، بل ربما كانوا هم المرجع فيما يقولون هو موت حقيقي، ولكني ألفت النظر إلى أن الشريعة الإسلامية في أحكامها أقامت أحكامها على الموت الذي يراه الناس جميعاً موتاً بمقاييس عامة، لا بمقاييس علمية عميقة النظر، ومرد ذلك إلى مبدأ أخلاقي وعلاقة اجتماعية. وأضرب المثل لو أن الأمر جرى على ما يقوله أو يراه ويحلم به الأطباء لو أن إخوة لمريض ينتظرون شفاء مريضهم، ورأوا أن نبضات قلبه تتوالى، ولكن الطبيب في يقينه العلمي يرى أنه ميت وأن هذه النبضات لا قيمة لها. واستل كبداً منه أو استل قلباً منه لتصور هؤلاء الإخوة ولا يزالون يتصورون مدى الحياة أن هذا الطبيب أودى بحياة مريضهم، وتشيع الأحقاد والضغائن بين القلوب والنفوس، وربما تركت مضاعفاتها في المجتمع، ومن ثم فإن حكمة الشارع عميقة جدا في هذا الموضوع.
الموت الذي يعقب أحكام الدفن والأحكام الأخرى والتشريح، فيما إذا أجزنا ذلك، هو الموت الذي يقرر بإجماع أنه الموت، وبناء على مواصفات لا تغيب عن العامي ولا تغيب عن العالم، حتى لا يتكون من تصرف من هذا القبيل حقد أو ضغينة أو تصور أن طبيباً قد أودى بحياة مريض. هذه هي النقطة الثانية التي أحببت أن أشير إليها.
والنقطة الأخيرة الوصية. سمعت كثيراً هذه الكلمة تتكرر إذا أوصى الحي بجسمه، إذا أوصى، الوصية هذه هي التي تحتاج إلى بحث كما قال الدكتور الشاذلي هل الإنسان يملك جسمه حتى يوصي به؟ هو لا يملكه، إذن فالوصية أيضا أتصور أنها تحتاج إلى بحث على أقل ترتيب وتعديل. ولعل البعض يقول: إذا كان الميت لا يملك أن يوصي بطرف من أطرافه إذن الورثة من باب أولى أيضا لا يملكون أن يجيزوا أو أن لا يجيزوا. الورثة يملكون نظراً إلى أن لهم حق الكرامة الموصولة ما بينهم وبين هذا الميت. فمن حق كرامتهم أن يكون ميتهم محفوظاً مكلوءاً لا يمثل به. هذه الكرامة صلة متصلة قائمة بين الميت وأقاربه وورثته، ومن ثم توقف الأمر على إجازة الورثة ذلك، لا من حيث إن ملكاً تحول إليهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم وشكراً لكم.
الرئيس: شكراً. ترفع الجلسة لأداء صلاة المغرب، ثم نعود بعد الصلاة مباشرة لاستئنافها بإذن الله.
الرئيس: نواصل المناقشات والمداولات بين أصحاب الفضيلة. الشيخ وهبة.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. الحقيقة ما دار في موضوع زرع أعضاء إنسان من جسم إلى جسم آخر، تحقيق هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدقة والإمعان وعدم التورط في إطلاقات القول، سواء في حال الإجازة أو في حال المنع. فلست مع الذين يجيزون هذا الموضوع بإطلاق، ولا مع الذين يمنعونه بإطلاق. والحق أننا أمام مبدأين أساسيين في شريعتنا، وهما مبدآن في صلب القرآن الكريم.
المبدأ الأول: مبدأ التعاون على البر والتقوى. والمبدأ الثاني الضرورة الشرعية. فهذا الموضوع ينبغي أن ينظر إليه من خلال هذين المبدأين. وإن النقل ينبغي ألا يكون إلا في حالات ضرورية جداً تتوفر فيها ضوابط الضرورة الشرعية أو الحاجة العامة أو الخاصة التي تنطبق عليها قواعد الشريعة. والأمر الآخر ينبغي في مقابل اللجوء إلى الأخذ بعامل الضرورة أو السماح بالتعاون والإيثار ألا يترتب على هذا الفعل إلحاق ضرر بالمتبرع. فصحيح كما قرر جمهور الفقهاء أن الإنسان لا يملك نفسه ولا أعضاءه ولا أجزاءه، حتى إن الحنفية الذين سمعنا مقالتهم إذا قال كما ذكر الإمام السرخسي: اقطع يدي. الحقيقة لا يصح أن نقيس هذا الموضوع على هذه الجزئية؛ لأن هذا عبث. فلذلك ينبغي ألا نجيزه، لكن موضوع النقل يترتب عليه إنقاذ حياة من العدم. وإنقاذ النفس واجب شرعي. وفي مقابل ذلك إذا يئسنا من حياة الشخص الذي ينقل منه عضوه، فحينئذ إذ نكون قد قارنا بين مصلحة ومفسدة، بالمقارنة بين المفسدتين ودفع أهون الشرين. وإذا كان هناك مصلحة عامة ومصلحة خاصة، وأكد الأطباء أن حياة الذي تنقل منه هذه الأعضاء ميئوس منها بشكل نهائي ووثقنا بكلامهم عندئذ نستطيع أن نلجأ إلى الأخذ بهذه الحالات من النقل، دون أن نتورط بما عليه حال الغرب المادي المعروف. نحن مقيدون بشرعنا الإلهي فلا يصح أن ننقل كما تفضل عميد كلية الشريعة بالأزهر هذا الوضع المادي المبتور الصلة عن الأخلاق والقيم والمبادئ الإلهية إلى مجتمع يدين بوحي من الله وبقرآن لا يزال معمولا به وسيعمل به إلى يوم القيامة. نحن في الحقيقة أمام هذا لا يصح أن ننقل كل معطيات الغرب المادية وإنما يجب أن نكون حذرين كل الحذر من هذا، وأن نأخذ ما يتفق مع شرعنا. وفي هذا، وفي ضوء هذا الاتجاه لا شك أننا نمنع المعاوضة بأجزاء الإنسان؛ لأن أجزاء الإنسان والإنسان نفسه مكرم:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} الإسراء: 70. ولا يصح بإجماع الفقهاء كما هو معروف أن يكون الإنسان أو أحد أجزائه مثل الأموات والأمتعة المادية التي هي محل للعقود، فهذا لا يصح بحال من الأحوال. وهو في إجماع فعلي من جميع الفقهاء لا يصح أن نجعل الإنسان وأجزاءه مثل الأمتعة؛ لأن الإنسان مكرم، وأسمى من هذه الأمتعة التي نخضعها للمبادلات المالية. فالمعاوضة في رأيي حرام ولا تجوز. ولكن التبرع سواء أكان تبرعاً في حال الحياة، أو وصية لما بعد الوفاة، فالوصية لا تخرج أن تكون تبرعاً، حتى بعد الوفاة لا بد من أخذ إذن أولياء هذا الشخص. كما هو بالنسبة للعفو عن القصاص لا نطبق هذه النظرية، قضية العفو كذلك، نظرية الأخذ بالعفو هذه إعطاء وسلباً، فما دام يعفى عن الدم، إذن يمكنهم أن يسمحوا في ضمن ضوابط شرعية محدودة وقليلة جداً عندئذ نسمح لهم بهذا الإذن.
التبرع قائم، والفقهاء يفتون. لايصح، أو لا يستطيع أحد أن يزعم في هذه القضية إجماعاً في عصرنا، لا إجماع. ولكن اتجاه الأغلبية هو المعمول به. كلنا الآن - لا سمح الله - لو عندنا قريب في مستشفى أو واحد منا - لا سمح الله - حدث له حادث سيارة، كلنا نتبرع له بشيء من دمنا، هل هذا حرام؟ إذا مثل الدم. والدم هو الأساس الذي تتكون به بنية الإنسان، وأعضاء الإنسان ما هي إلا أقل خطراً بكثير من قضية الدم. نتبرع بالدماء ولا شيء فيها، نتبرع بالكلية، نتبرع بالأشياء التي لا تلحق ضرراً بنا. فإذا توافرت هذه الضوابط، وتم ذلك على أساس التبرع، وكان ذلك ضمن قيود مشددة عندئذ لا أرى مانعاً من هذا.
أما ما أثاره الأخ الدكتور البار في قضية موت الدماغ وغيره، ومما ذكر في مجمع الفقه في الدورة السابقة. الحقيقة بحث هذا الموضوع من خلال رفع أجهزة الإنعاش. هل نرفعها أو لا نرفعها؟ فلا يصح أن نبتر الأساس الظاهر الذي عليه الفقهاء، وهو أن الموت في الظاهر وقوف دقات القلب. فالحقيقة استشهاد الدكتور بهذه القضية يجب ألا يعمم، فقرارنا السابق كان بهذه المناسبة. ولا يصح أن نأخذ حكماً لوحظ فيه قضية جزئية ونعمم هذا الحكم على جميع الجزئيات التي معنا؛ حتى لا نقع في التوسعة في أكثر من حدود الضرورة وقيود الضرورة وحوائج الإنسان. فلسنا حتى متحجرين أمام هذه الأمور ونحن أرحم الناس بعباد الله إن كانوا يزعمون أنهم أنصار الإنسانية ويحب الواحد منهم الآخر. نحن أولى الناس بهذه الرحمة، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي، فلا يمكننا نحن أن نقفل الباب أمام هذا الموضوع، كذلك لا يصح أن نتورط في إطلاق الجواز. والله الموفق، وشكراً لكم.
الرئيس:
شكراً. في الواقع قرار المجمع الفقهي الذي صدر بالأغلبية حول أجهزة الإنعاش عطفاً على ما ذكره الشيخ وهبة. قال: وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، إن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة وشكراً.
الشيخ أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه. وبعد،
لي تعليقات بسيطة على المتحدثين السابقين. الملاحظة الأولى هي أن قضية نقل الأعضاء البشرية من جسم إلى جسم أصبحت قضية مفروضة على المجتمعات الإسلامية، وإن كانت في أساسها وافدة من الغرب. هذه القضية أصبح مفروغاً منها وأفتت فيها المجامع الفقهية وهيئات كبار العلماء في عدة دول عربية وإسلامية، وأفتى فيها أيضا علماء وشيوخ، فأعتقد أنها قضية أصبح مفروغا منها، وإنما البحث أو مداومة الدراسة في هذه القضية يتعلق بجزء منها، وهو: هل يجوز بيع العضو أم لا؟ لأن بعض الذين أفتوا أجازوا التبرع ولم يجيزوا البيع، في حين أن المستند واحد في كلتا القضيتين، وهو الملكية. الإنسان لا يبيع شيئاً لا يملكه، كما أنه لا يتبرع بشيء لا يملكه، فإما أن يملك الإنسان أعضاءه أو لا يملكها. أما أن كونه لا يملكها ويتبرع بها ولا يملكها ولا يبيعها على أي حال. سأفصل موضوع البيع في تعقيب آخر، وأختصر الآن الملاحظات.
الملاحظة الثانية: نقل ماجاء في بحث الدكتور محمد علي البار حول نقل الخصى والأرحام، كان تعليق الدكتور على هذه القضية أن نقل الخصية من شخص إلى شخص كأنما ينقل نطفته معه ونقل الرحم ينقل رحمها معه، والحقيقة أن الرحم عندما تنقل من امرأة إلى امرأة، أو الخصية عندما تنقل من رجل إلى رجل إنما تتغذى بدماء المنقول إليه أو إليها، فليست النطفة بعد ذلك من الرجل السابق، وليس الرحم من المرأة السابقة. فينبغي أن نلاحظ ذلك، أصبحت تتغذى من المنقول إليها أو المنقول إليه من الشخص الأخير. أحببت أن أبدي هذه الملاحظات.
ولي تعقيب في موضوع البيع والتبرع إن شاء الله.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
سيدي الرئيس، حضرات الأعضاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كان الموضوع الأول في لقائنا هذا هو في نظري من أخطر المواضيع؛ لأنه يتصل بأمرين: الإنسان ذاته، والحكم الإلهي، وهذا الموضوع الذي خرج من دائرة النظر إلى دائرة التطبيق، وصفقت له أجهزة الإعلام متحدية بذلك العالم الإسلامي كله باعتبار أن مستواه العلمي لم يصل إلى المستويات التي وصل إليها الغرب والشرق أي العالم الأول والثاني. ولعل هذه التحديات تؤثر ولا بد لها من أن تؤثر في نفس الناظر، وهو ما يجعل هذا الموضوع يقتضي أن ننظر فيه بكامل الحذر والموضوعية؛ لأنه موضوع خطير كما قلت جدا.
وأعود إلى أصل الموضوع فأجد أن العنوان الذي عنون به فيه نوع من الغموض أو القصور.
أولاً: كان الموضوع هو نقل عضو، ونقل العضو قاصر عن المشكلة المطروحة على بساط البحث؛ لأن هناك نقل أعضاء. وهناك نقل أنسجة، وهناك نقل إفرازات، وهناك نقل ما يتجدد ويمكن تعويضه، وما لا يتجدد ولا يمكن تعويضه. كما أنه في الشطر الثاني من الموضوع هناك أيضا بحث لا بد من تدقيقه، هو أن النقل قد يكون من شخص إلى شخص آخر، وقد يكون من شخص إلى ذاته، فيُنقل نسيج من الجلد من مكان إلى مكان، وهي عملية جراحية لا بد من بيان حكم الله فيها.
نأخذ القسم الأول، وهو النقل من شخص إلى شخص آخر، وهذا على نوعين؛ من شخص محترم الحياة، ومن شخص غير محترم الحياة. فإذا كان غير المحترم الحياة فقد بحث فيه الفقهاء قديماً في الأكل، في جواز أكل المضطر من لحم الحي ومن لحم الآدمي. وأما إذا كان محترم الحياة فهل يجوز للإنسان أن يتبرع بعضو من أعضائه لينقل لشخص آخر تلف منه ذلك العضو، والنقل تتوقف عليه الحياة؟ القضية مرتبطة بقاعدة أصلية، وهي قاعدة الملكية. أو قاعدة الحق. والحقوق كما تفضل من سبقني هي منقسمة إلى أقسام. وإذا أردت أن أضع هذا، أي: نقل الأعضاء فهو ما اجتمع فيه حقان: حق الله، وحق العبد.
وكان حق الله أغلب من حق العبد. وإذا كان حق الله أغلب من حق العبد، فليس للإنسان أن يسقط هذا الحق. قد يقال: إن الإنسان يتصرف في أعضائه، وهو دليل للملكية والتصرف كما نعلم هو يقع بإذن الله، وهو إذن الشرع على ثلاثة أنحاء. عندنا إذن في التصرف من المنفعة، وهو مالك المنفعة. وعندنا تصرف في الانتفاع. وعندنا تصرف في الذات والمنفعة. فهذه الثلاثة التفصيل بينها أمر ضروري، حتى لا تختلط القضية في هذه النقطة الهامة. فالإنسان يملك من أعضائه أنه ينتفع بها، أي: أنه يتصرف فيها فيما يساعده على حياته، يملك الثاني الانتفاع ولا يملك المنفعة. له أن يملك الانتفاع بذاته، ولا يملك تلك المنفعة ليحيلها إلى غيره. وعندها الإنسان في بدنه يملك الانتفاع والمنفعة، فله أن ينتفع بالأعضاء التي خلقها الله له. وله أن يؤاجر نفسه لغيره، فيأخذ عوضاً عن منافعه، ولكن لا يملك أبداً، ولا يوجد أي نص يعطي للإنسان حقا في عضو من أعضائه. وما ورد عن الحنفية من أن الشخص إذ قال له: اقطع يدي، إنما تحدث الحنفية في هذا عن أمر خاص، وهو أن هذا حد يرفع بالشبهة، أما الإقدام عليه فحرام من الطرفين؛ وما كان حراماً من الطرفين إلا لأن هذا لا يملك والآخر لا يملك التعدي، ولو مع الإذن. ولذا فإن العضو في الإنسان ما دام محترم الحياة هو ملك لله، وللعبد حق فيه، وملك الله أغلب.
الأمر الثاني: هو أن الإنسان بعد موته بعد أن يتوفاه الله ما علمت من أين نبتت هذه النابتة التي ما أظنها إلا أنها وردت من التأثير الغربي علينا من أن للورثة حقا في الميت، الورثة ليس لهم الحق في الميت إلا حق الميراث. وأما حق الكرامة الإنسانية فهي واجبة، لا على الورثة ولا على الأهل والأقرباء. ولكنه حق كفائي، واجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها أن تقوم بإكرام هذا الميت وبدفنه، وبعدم التمثيل به، ولا يقال: حق لشخص إلا إذا كان يملك إسقاطه. فليس لشخص أن يسلب حق كرامة الميت، ولبقية المسلمين أن يقوموا عليه بتحديده.
أما الإيثار فإن الشاطبي قد نص على أن الإيثار لا يكون بالحياة ولا بجزء من أجزاء الإنسان. يقول الشاطبي: وأيضا ففي العادات حق الله تعالى من جهة الكسب، وواجب الدفاع؛ لأن حق الغير محاطة عليه شرعاً أيضا، ولا خيرة فيه للعقل، فهو لله تعالى صرفا في حق الغير على عضو من أعضاء الإنسان، فهو حق للغير حتى يسقط حقه باختياره في بعض الجزئيات خلاف الأمر كله. ونفس المكلف أيضا داخلة في هذا الحق؛ إذ ليس له التسليط على نفسه ولا على عضو من أعضائه.
ولهذا فالذي أطمئن إليه لحد الآن هو أنه لا نستطيع أن نفرق بين باب التبرع، وبين باب التصرف بالبيع، وكلاهما سواء. فإما أن يملك الشخص الشيء فله أن يتصرف فيه بمقابل وبدون مقابل. وإما أن يكون معزولا عن التصرف فيه بذاته، هنا البابان سواء، وهو ما يجعلني لا أطمئن إلى جواز نقل الأعضاء في حال كون الشخص حيا محترم الذات، لا بهذا ولا بهذا. وشكراً لكم، والله أعلم.
الشيخ محمد إبراهيم شقرة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أما بعد،
فبمناسبة طرح هذا الموضوع الذي ما زلنا ندير نقاط الحديث حوله، فإنني أقترح وقد رأينا وجهات النظر متباعدة متخالفة، وليس هناك قرب من بين الإخوان إلا في بعض الجزئيات من هذا البحث، وإن كان هناك اختلاف واسع في بعض الجزئيات الأخرى. لذا فإنني أقترح على فضيلة رئيس المجلس وأمينه أن تكون هناك لجنة مصغرة تكون من ثلاثة أشخاص أو أربعة أو الذين استكتبوا في هذا البحث لينسقوا هذا البحث تنسيقاً دقيقاً، وليستوفوا الأشياء التي ربما تكون قد غابت عن بعضهم في هذا البحث، أو في ذاك، وأقترح أن يكون أخونا الشيخ المختار واحداً من هذه اللجنة، فقد سمعنا منه كلاماً علمياً رصينا يذكرنا بالعلماء السابقين الذين كانوا لا يخطئون ولا يلحنون. بمناسبة طرح موضوع زراعة الأعضاء فإنني أرى لإخواني الذين يجيزون هذا الأمر أن يذكروا أن هناك مئات بل ألوفا بل عشرات من الألوف، بل مئات من الألوف، يقتلون أو قتلوا فعلا على جبهة العراق التي يدور رحى حرب ضروس فيها، وبين دولة أخرى عزمت على أن يظل قوسها منصوباً وسهمها مصوباً إلى صدر شعب أو جزء من أجزاء هذه الأمة التي تدين بالإسلام الحق، ولا تسجد إلا لله، ولا تعرف لغيره حقا عليها. أقترح على هؤلاء الإخوة الذين أجازوا زرع الأعضاء أن يلفتوا أنظارنا إلى أن نفيد من هذه الأعضاء التي تذهب هدراً وتصير تراباً مع التراب، وأن ذلك أمراً يكون مستحيلا، فبودي إذن أن يكون هناك ـ وهذه قضية في ظني وفي تقديري وفي تقدير كل مسلم يسجد لله ويركع له ويقرأ كتابه ويعرف أحكام الشريعة التي أقامت سعادة البشر عليها للدنيا والآخرة. فإنني أقترح أن يطرح هذا الموضوع المهم وهو في ظني أهم بكثير من موضوع زرع الأعضاء. أن يطرح موضوع الحرب العراقية الإيرانية على مجمعنا الكريم هذا. وبخاصة ونحن على مرمى البصر إن كان التعبير جائزاً من أيام الحج المباركة التي تذكرنا ولا شك بالدماء التي أسيلت وبالأرواح التي أزهقت وبالفتنة التي أثيرت. فماذا نحن قائلون يا ترى في هذه الحرب التي دفعت بجندها إلى ساحات الحرم الشريف ليثيروا هذه الفتنة العاصفة حتى ينزعوا وليسوا بقادرين وبحول الله وبقوته ثم بولاية هذه الأسرة الكريمة أسرة آل سعود على هذه الأرض التي حفظتها من سنين، فزرعت فيها الأمن والخير ليست بقادرة إن شاء الله تعالى على أن تمس أمن هذه الديار، ولا أن تخيف المسلمين، ولا أن تفزعهم، ولكن الشيء الذي يؤذي والضر الذي يقع لابد أن يقال فيه الكلام، ولابد أن يصدر حكم، إن كنا قد سمعنا أصواتاً كفرت ونددت ونادت وأثمت، صدرت من مصر والأردن ومن العراق ومن المملكه العربية السعودية، لكنها أصوات فردية، نريد من هذا المجمع أن يكون له صوت واحد يدوي في أصوات الدنيا، يصدر حكمه بلا خوف ولا تردد ولا وجل حول هذه الحرب الضروس التي أكلت اليابس قبل الأخضر، وأتت على أموال هذه الأمة، وأذهبت رونق جمالها، وجعلت الإسلام في نظر أعدائه أسود قاتماً لا يبصر منه الناس في هذا الزمان في بلاد الغرب التي تعادينا، لا تبصر منه إلا شؤما وإلا قرفاً وإلا سبة عار في جبيننا عياذا بالله تعالى. فماذا أنتم قائلون؟ وبارك الله فيكم والسلام عليكم.
الرئيس:
شكراً. أما موضوع إرسال البحوث يا شيخ محمد فإن البحوث أرسلت إلى الأعضاء قبل ثلاثة شهور، وقبل أربعة شهور، وقبل شهرين، وأما جعل خلاصة في آخر كل بحث، فهذه اللائحة التنفيذية للمجمع ذكرت الشيء هذا، إلا أنه لم يحصل الالتزام بها، لكن هي مراعاة في نظام المجمع في اللائحة التنفيذية، وقبل أن أعطي الكلمه للشيخ رجب،
شكراً لكم على كلمتكم، وأرجو من الإخوة ألا نخرج من موضوع زراعة الأعضاء، وهكذا في بقية المواضيع التي تكون مطروحة في هذا المجمع. الشيخ رجب مع مراعاة الاختصار للوقت.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الموضوع الذي أمامنا هو موضوع خطير يجب ألا نتسرع في الحكم فيه، والحكم فيه واضح وظاهر وبين. فقد خلق الله الإنسان للعبادة:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: 56، والله سبحانه وتعالى خلق لإنسان في أحسن تقويم، وقد خلقه ومَنَّ عليه بما خلقه من أعضاء:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} البلد: 9.8، وأعضاء الإنسان شرعاً قول مبتوت فيه لا يملكها الإنسان. إنما خلقها الله فيه لينتفع بها، وليحيا حياة طيبه بها؛ ليعبد الله حق العبادة. فهو لا يملك هذه الأعضاء حتى يتبرع بها أو يبيعها أو يتصرف بها ورثته؛ لأن الإنسان لا يورث منه إلا ماله، وكذلك لا يجوز له أن يتبرع بما لا يملك، ولا أن يأخذ عوضاً عن أعضاء خلقها الله فيه لينتفع بها وليعبد الله بها. ولذلك فإن هذا البحث أستهجنه؛ لأنه بحث جاءنا من الغرب المادي الذي لا يفكر إلا في المادة وحدها، أما النواحي الروحية المعنوية والكرامة لبني الإنسان ولبني آدم لا يضع وزنا لها.
ولذلك فإنني أقول: إن الإنسان لا يملك أي عضو فيه، ولو كان ظفر أصبع؛ فإنه يعبد الله. ألا ترى أن الإنسان يتشهد برفع أصبعه، فكيف يجوز له أن يتصرف فيه، وإنما لو تركنا الأمر للإنسان ليتصرف برضاه بأعضائه لحصل من ذلك فوضى وسوء تصرف، وخروج عن الطاعة والوقوع في المعاصي بدعوى الرضا. دعوى أن كل إنسان حر في نفسه. لا، الحرية في الإنسان مقيدة بأوامر الله، والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وخلق له أعضاء، وخلق كل شيء فيه له خاصة، أما أن نتوجع على شخص مريض لنأخذ له عضواً من شخص صحيح، فهذا أمر لا يجوز لنا البحث فيه، صحيح أن هناك بعض الأشياء التي ذكرها بعض الإخوان تؤخذ من الإنسان كالدم، الدم يؤخذ لينتفع به آخر إذا كان لا ضرر فيه على المأخوذ منه، أو بعبارة أخرى أنه يعوض ما أخذ منه من دم أو كما يقول الأطباء: لا يتضرر من أخذ دم منه كالفصاد. الإنسان قد يكون فيه دم زائد، وهذا يمكن أن ينتفع به؛ لأنه لا يتضرر من أخذ هذا الدم. أما قطع عضو أو أخذ شيء محسوس منه فيجب منعه. أقول: يجب أن يفتى وأن يؤخذ بأنه حرام مطلقاً. وما ذكره السرخسي من أن إنسانا لو قال لإنسان آخر: اقطع يدي قطعه، لا شك أن هذا حرام وممنوع. ومن قطع العضو يجب أن يعزر إن لم يقم عليه الحد للشبهة؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، لكن هذا الإنسان الذي اعتدى يجب أن يعزر وأن يعاقب؛ لأن الإنسان إن قال له: اقطع يدي فلا يجوز له أبدا أن يقطع، وإلا تقع حرمات كثيرة، وتقع مصائب كثيرة إن قلنا للإنسان: أنت حر فيما تفعل بأعضائك، فقد يفعل المنكر إن لم نقفل هذا الباب. ونقول له: أعضاؤك ليست ملكك، وإنما هي لك للانتفاع بها فقط، لا لغيرك، فلا يجوز أن تتبرع أو أن تأخذ عوضا، ولا يجوز لورثتك أن يتصرفوا بك بعد موتك؛ لأن الورثه فقط لهم مال الإنسان. هذا ما أردت أن أوضحه حسب اجتهادي بما علمت وبما درست وبما فهمت. والله الموفق.
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. لا أريد أن أكرر ما قاله الإخوان أو ما أشير إليه في البحوث، إنما أحب أن أعلق جملة من التعليقات، وكان بعضها نقطة نظام. والذى أرجوه أن يلاحظ هذا في الجلسة القادمة أن العارض ليس المقصود أن يعرض بحثه أو أن يقرأ بحثه، لابد في الواقع أن تقدم خلاصة عن جملة البحوث التي وردت في المسأله لتوضيح الصورة متكاملة أمام المجمع وبالتالى يبدأ النقاش على هذا الأساس.
فى ظني أن هذه القضية واضحة، لا يجوز فيها الإطلاق لا بالمنع ولا بالإباحة، وحتى الذين قالوا في هذه الجلسة بالمنع بالإطلاق إذا دخلت معهم في نقاش تفصيلي تجدهم يقرون المبدأ، فمن حيث المبدأ الأمر مقر عند الجميع، ولا أحتاج للتدليل على هذا، يكفي أن نذكر قضية نقل الدم، فقضية نقل الدم قضية مجمع عليها، عندما تسألهم: لماذا يقولون بالجواز في هذه القضية؟ يقول لك: إنه لا ضرر فيها، والدم يتجدد، إذا ما الذي يمنع أن يسهل الحكم. إذا فلا بد في الواقع أن تحرر المسألة بدقة، ثم بعد ذلك ينظر إلى ما تنسحب عليه بعد تحريرها بدقة بمختلف مواصفاتها وشروطها.
في ظني أن لبسا كبيرا وقع في هذه المسألة من استخدام كلمة المتبرع وكلمة الإذن، وحدث نتيجة هذا اللبس أن غفل عن أصل المسألة، وأنها في دائرة الضرورات وأنها من منطلق رعاية مصلحة الإنسان وغيره، الواقع يجب أن نخرج من هذا الموضوع قضية الملكية؛ لأننا لسنا في مجال ما يمتلك وما لا يمتلك في التعامل مع الإنسان نفسه.
الأصل في هذه المسألة، ومنطلق البحث فيها، إذا كان هنالك صيانة لحياة إنسان قطعا، وكانت هذه الصيانة تتطلب الاستفادة من عضو الإنسان، سواء أكان حياً أو ميتاً، دون الإضرار به، هل هذا يجوز؟ وما شروط ذلك؟ وضعوا قضية الملكية جانباً؛ لأن شرط الإذن في هذه المسألة واستخدام كلمة التبرع ليس باعتبار الملك أو عدمه؛ لأننا كما قال أستاذنا السلامي سنضطر إذا قلنا: إن القضية تبرع بما يملك، إذن الذي يتبرع يملك أن يبيع، ونحن نتحفظ على عملية البيع ونمنعها، إذن الموضوع ليس هذا مدخله. الموضوع مدخله من هذه الزاوية، زاوية الضرورة. وقضية الإذن نشترطها منعا للبس الذي أشار إليه أستاذنا البوطي عندما قال: إن السماح بمثل هذا قد يوقع مشكلات وقضايا. إذن نحن نشترط الإذن حتى لا يترتب على عمليه استخدام أعضاء الجسم الإنساني حيا كان أو ميتاً مشكلات وقضايا وخلافات، وهذا أيضا الذي أدخل قضية الأولياء، أدخل قضية الأولياء لهذا الاعتبار. اشتراط إذنهم وموافقتهم في إذا لم يكن هنالك إذن من الإنسان نفسه. هذه قضية.
قضية أخرى يجب أن يتنبه إليها في هذا المجال، إن هنالك أموراً كما قلنا: إنها جائزة، ونحن مجمعون عليها، حتى عند الذين يتحفظون على أصل المسأله، هنالك قضايا يجب أن نقول بمنعها أيضا قولا واحداً؛ لما يترتب عليها من مشكلات وأمور تخل بمبادئ وقواعد شرعية أساسية كما في قضية التبرع بالخصية وقضية التبرع بالمبيض وغير ذلك.
وأنا أقول لأستاذنا أحمد محمد جمال في هذا الموضوع: إنه ثبت في النحو الطبي، وهذا أتركه للأطباء، أن التبرع بالخصية المواصفات الخاصه بالحيوانات المنوية لا تعود للمتبرع إليه، إنما تعود مواصفاتها للمتبرع، مما يعني أن هناك اختلاطا في الأنساب. كذلك قضية الولي عمن هو تحت ولايته لا يملك هذا. إذن هذه القضية نمنعها. قضية التبرع بما يسبب إشكالات أخرى؛ كاختلاط الأنساب، نمنعها. قضية اللقائح المرشحة، وهذا تحفظ كنت أشرت أنا إليه في بحث أطفال الأنابيب وغفل عنه. كنت نبهت إليه في الدورة الثانية هنا ولكننا غفلنا عنه في دورة عمان، الواقع لا بد من إضافة قيد من أن لا يكون هنالك ترشيح لعدد كبير من اللقائح؛ لأنه حتى لو لم نستخدم منها في زرع الأعضاء فإننا ندخل في دائرة القتل فيما إذا سمحنا للأطباء بعد ذلك أن يتلفوها أو لا بد أن تكون اللقائح المرشحه بالقدر الذي يفى بعملية أطفال الأنابيب؛ حتى لا تتولد عنها لقائح فيها الحياة، ثم بعد ذلك نقتلها أو نتيح للأطباء أن يفكروا في عملية الاستفادة منها في زرع الأعضاء.
ثم أشير هنا إلى أمر آخر في موضوع ما استقر في كثير من الدول، نحن لا نريد في هذا المجمع أن نأتي الأمور من نهايتها ونعود بالمصادر على كل ما أنجزناه. هذا الموضوع كما تفضل بعض الإخوان قد استقر في كثير من الدول وبحثه علماء أجلاء ووضعوا فيه قواعد وشروطاً. وأذكر في هذا المجال المملكة الأردنية الهاشمية، أن هناك قانونا يتعلق بالانتفاع بقرنية العين صدر سنة 1956 بشروط شرعية معتبرة قبل 32 عاما، ولدينا في هذا الموضوع قانون عمم قضية الانتفاع بأعضاء الجسم ضمن شروط شرعية معتبرة، أقرتها لجنة الفتوى صدر سنة 1977. الواقع مما يجب أن نحرص عليه في هذا المجال أن إطلاق الفتاوى دون أن توضع التشريعات الضابطة لتطبيقها في الدول التي تتبناها قد يوقع مشكلات كبيرة وسوء استخدام لهذه الفتاوى؛ لذلك كانت لجنة الإفتاء في المملكه الأردنية على ملاحظة لهذه النقطة فما أصدرت فتواها إلا وأرفقتها بتنسيق مع الدولة بتشريع يضبط هذه القيود التي نضعها؛ لأنه يبدو أننا نضع قيوداً في كثير من الأحوال في فتاوانا ولا ينتبه إليها، ويؤخذ المبدأ كمبدأ مجاز، ثم ينطلق في تطبيقه دون ملاحظة للشروط التي قررت، ولذا فيما إذا توجه مجلس المجمع للجواز في هذا، ووضع قيوداً وشروطاً، وهو كما أظن الاتجاه الأسلم في هذا المجال لابد أن يرفق بضرورة صدور تشريعات ضابطة لهذا الأمر ومراعية لتطبيقه أسلم تطبيق. وشكراً والسلام عليكم.
الرئيس:
شكراً. قبل أن أعطي الكلمه للأستاذ محمد أيمن في الواقع أن الموضوع الذي طرح أمامنا الآن ليس موضوعاً محدداً في صورة من صور النقل والتعويض. وإنني بالاستقراء ظهر لي ما يقرب من ثلاثين صورة لعدة اعتبارات، سواء كان من حي إلى حي أو من ميت إلى حي، وباعتبار الإسلام والكفر، وباعتبار الأهلية، ونقص الأهلية إلى غير ذلك ما يقرب من ثلاثين صورة، فهل نجري بحثنا والمداولات فيه على أساس هذه المجموعة الكبيرة من الصور الشائكة، ولا أظن أن مثل هذه الجلسات، وأمامنا جدول مضغوط بعدد من البحوث، أنه يستوعب أن نناقش هذه الصور واحدة واحدة، بحيث تصدر فيها آراء فقهية بحسب ما يصل إليه الأكثرية في هذا المجمع، ولهذا فإنني أخشى إذا سرنا في هذا المسار بأن نبحث الموضوع على صفة العموم، هكذا أن ننتهي إلى غير غاية، ولهذا أقترح عليكم أن يحدد الموضوع الذي يبحث، هل نبحث الموضوع بكليته؟ فالذي يظهر فيه تعذر البت فيه أم نبحثه بجزئية أو جزئيتين أو ثلاث، فهذا هو الذي ينبغي أن يحدد، وأن يؤخذ بالأهم فالأهم من هذه الصور. والمسأله كما أشار إليها الأستاذ حسن الشاذلي والشيخ المختار وعدد من الإخوان هي مهمة وحساسة. ونحن لا نريد أن يصدر فتوى فيها شيء من الإطلاق تمتطيها جهات أخرى فيستغلونها على ذمة هذا المجمع. هذا ما يتعذر إصداره من هذا المجمع. ولهذا فإنني أرى أن يقصر البحث في الموضوع على صورة أو صور معينة. أما أن يبحث الموضوع زرع الأعضاء؛ ولهذا فإننا إلى الآن من خلال هذه المداولات بأجمعها لم يتضح لنا رأي نعرف اتجاه المجمع إليه بالجواز المقيد أو بالمنع أو بالتفصيل. هذا ما أحببت الإشارة إليه. والكلمة الآن إلى الأستاذ محمد أيمن.
الدكتور محمد أيمن صافي:
بسم الله الرحمن الرحيم. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب الفضيلة، أصحاب السماحة، أصحاب السعادة. يتضح لي كما اتضح للكل أن الموضوع شائك. إنه بعدما يتحدث المتحدث تنشأ الكثير من التساؤلات، وإني أؤيد فضيلة الرئيس بأن تحدد النقاط. ولا تظنوا أننا خرجنا بغير فائدة، فالفائدة موجودة، وحسبنا أننا سنحدد النقاط، وسيكون هذا الاجتماع منطلقاً لدراسات وأبحاث وتشاورات ما بين المختصين وما بين السادة الفقهاء؛ لنصل في اجتماعات أخرى إلى ما يرضي الله أو إلى ما نسأل الله أن تكون فيه الفائدة. نخرج بقرارات فقهية بعد دراسات وبعد مباحثات مع بعض. قلت: إنه بعدما يتحدث المتحدث تنشأ الكثير من التساؤلات. فقد بدأ زميلي الدكتور محمد علي البار، وفي نهاية حديثه طرح موضوع زرع الأعضاء التناسلية. الخصية والمبيض، ثم وجدت أن الشيخ عبد السلام العبادي إذا صح تخميني قد دعا إلى تحريم زرع الخصية والمبيض. إن هذا الجواب القاطع أعتقد ليس مقبولا، فلنعرف أن غرس الخصية لا يتم من أجل الحيوانات المنوية أو الخلايا التناسلية. وإنما من أجل علاج الصفات الجنسية الثانوية بغض النظر عن الخلايا التناسلية، فلو افترضنا كما يظنه البعض أن غرس الخصية سيؤدي إلى نقل الخلايا التناسلية، فنكون بهذا قد أوجدنا حلا جيداً لقضية عويصة يقف أمامها الأطباء المختصون، وهي قضية العقم، إذن ما أريد قوله في هذه النقطة أن الدراسة المتأنية والبحث المتأني سيغير موزون القضية، فنجد بالنسبة لهذه القضية عندما ننظر إلى غرس الخصية بأنها علاج العقم. فطبعا سيتبادر أنه حرام، لكن عندما نجد علاج الصفات الجنسية فإننا بذلك نميل من التحريم إلى التحليل حسب اعتقادي.
قضية أخرى أن موضوع غرس الأعضاء كما تعرض إليه الإخوة أصحاب الفضيلة حدده بأنه غرس أعضاء من شخص حي إلى شخص حي آخر، أو من ميت إلى حي. إن النقطة الأولى والتي هي غرس العضو أو نقل العضو من حي إلى إنسان حي آخر تتضمن أيضاً العديد من النقاط، فلا يجوز أن نطلق الحكم بالتحريم أو التحليل؛ لأن غرس العضو من حي إلى حي يتضمن أيضا غرس العضو ضمن نفس الجسم، وهو ما يسمى بالغرس الذاتي، فهذا يختلف، وأيضا هنالك حالة، فمثلا غرس قرنية العين في هذه النقطة لو رأينا أنه من الممكن الحصول على قرنية العين من إنسان حي عندما يضطر هذا الإنسان إلى التخلي عن عينه في بعض الأحوال يضطر الطبيب إلى استئصال العين لوجود مرض يستدعيه للاستئصال، ففي هذه الحالة نحن أمام غرس عضو، والذى هو قرنية العين، وهو جزء من العين مأخوذ من جسم حي، لكن من عضو يجب استئصاله، إذن فالموضوع شائك. وكما بدأت فإنه من المفيد أن نبدأ من الآن، وكما قال أصحاب الفضيلة من قبل، بدراسة هذا الموضوع بشكل جزئي نأخذ النقاط كلا على حدة ويتم بها البحث والتداول والتشاور، ومن الممكن أن نأتي في الاجتماع القادم بمعلومات أفضل وبقرارات أفضل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد، فمما لا شك فيه أن هذه الاجتماعات لها من النفع ما لها؛ لأن العقول مثلها كمثل الشموع، كلما تقاربت كلما سطع ضوءها، وفي هذا الاجتماع الذي نناقش فيه تلك المسأله أقول: إنه لا توجد مسائل صعبة متى خلصت النيات، ومتى صحت العزائم، وتعجبني كلمة لعلماء الأصول، وهي تحرير محل النزاع. إذا ما تحررت المسألة واتضحت سهل العسير وقرب البعيد. وهذا الموضوع ليس جديداً، وإنما هو موضوع تكلم فيه العلماء كثيراً، سواء كان كلامهم على جهة الانفراد أم على جهة المجامع الفقهية. فتوجد فتاوى متعددة ومن جهات رسمية حول هذا الموضوع. والذي أحب أن نصل إليه ألا يكون هناك تضارب أو تناقض في الأفكار. وإنما الذي نريد أن نصل إليه هو التقارب، وألا تصدر فتوى هنا تتناقض مع فتوى هناك، وإنما نحاول أن نعود إلى القرارات التي اتخذت في هذا الموضوع من المجامع الفقهية المختلفة، ومن دور الإفتاء، وأن نضيف إليها ما نراه نافعاً وما نراه صالحاً؛ فإن الأحداث تتجدد، وإن المسأله التي لا يسأل عنها اليوم قد يسأل عنها في الغد. وأنا أمامي الآن في ختام البحث الذي قدمه الأخ الشيخ خليل محي الدين الميس في الصفحة السابعة القرار الذي اتخذه مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة منذ ثلاث سنوات، ونصه إذا أذن لي فضيلة الرئيس، وهو قرار لن يأخذ سوى دقيقتين، لكنه قرار نافع من وجهة نظري، وأنا شخصيا أرتاح إليه ارتياحا تاماً:
أولاً: أن أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية هو عمل لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه. وهو عمل مشروع وحميد إذا توافرت فيه الشرائط التالية:
أولاً: ألا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضرراً يخل بحياته العادية؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضرر لا يزال بضرر مثله، ولا بأشد منه، ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة. وهو أمر غير جائز شرعاً.
ثانياً: أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه.
ثالثاً: أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر.
رابعاً: أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققاً في العادة أو غالباً.
ثانياً: تعتبر جائزة شرعاً بطريق الأولوية الحالات الآتية:
أولاً: أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً، وقد أذن بذلك في حالة حياته.
ثانياً: أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو من غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.
ثالثاً: أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقية به في جسمه كأخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع ناحية أخرى من جسمه بها عند الحاجة إلى ذلك.
رابعاً: وضع قطعة صناعية من معادن أو من مواد أخرى في جسم الإنسان لعلاج حالة مرضية فيه كالمفاصل وصمام القلب. فكل هذه الحالات يرى المجلس جوازها شرعاً بالشروط السابقة.
أرى أن هذا كلاما جيداً وكلاما نفيسا، ينبغي أن نعود إليه وإلى غيره، وعندما نصدر قرارا في هذا الموضوع المطروح أمامنا أن نرجع إلى تلك الفتاوى وأن نضيف إليها ما نريد أن نضيفه، بشرط أن لا يكون هناك تناقض أو تضارب.
ولفتت نظري كلمة من الإخوة المتحدثين، أنه ليس هناك من فارق بين مسألة التبرع ومسألة البيع. وأنا من وجهة نظري الشخصية أرى أن هناك فارقاً ولو كان هذا الفارق ضئيلا. ولكن لا بد أن يكون هناك من فارق.
المتاجرة بالأعضاء عن طريق البيع وعن طريق التعامل ممنوعة وحرام قطعاً؛ لأن جسم الإنسان لا يصلح أن يكون محلا للمتاجرة. لكن في الحقيقة التبرع شيء لا يلجأ إليه الإنسان إلا عند الضرورة القصوى، أنا لا أتبرع لمن لا أعرفه، ولا أتبرع لإنسان أحبه حباً عادياً، وإنما أتبرع لأحب الناس إلى ولألصق الناس إلى قلبي. فهناك في تصوري فرق واضح بين حالة التبرع وبين حالة البيع.
نقطة ثالثه أيضا لفتت نظري خلال إلقاء البحث الذي ألقاه الأخ الشيخ خليل، وهو أنه أتى بعبارة يقول فيها: جلب المصالح مقدم على درء المفاسد، والذي أحفظه أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وتلك هي القاعده العامة، قد تكون العبارة الأولى قاعدة ولكنها ليست عامة أو ليست غالبة، ولكن القاعدة الغالبة والشائعة والتي حفظناها أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وهذا وبالله التوفيق وشكراً.
الشيخ آدم عبد الله علي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
إنني أريد أن أنقل بعض الفقرات عن بعض الأئمة الشافعية. يقول الإمام النووي: يجوز قطع الإنسان بعضه لأكله؛ لأنه إتلاف بعض لاستبقاء كل. وقال أبو إسحاق المروزي: لأنه إحياء نفس بعضو، كما يجوز أن يقطع عضوا إذا وقعت فيه الأكلة لإحياء نفسه. واشترطوا في ذلك شروطا، وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي عبارة أوضح من ذلك، يقول في جزئه الثاني صفحة 145: ويحرم قطعه البعض من نفسه لغيره، ولو مضطرا، ما لم يكن ذلك الغير نبيا. وفي المجموع شرح المهذب للنووي في المجلد التاسع يقول: لو أراد المضطر أن يقطع قطعة من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها، فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف. وصرح به إمام الحرمين وغيره، ثم يقول: ولا يجوز أن يقطع من أعضائه شيئا ليدفعه إلى المضطر الآخر بلا خلاف. وصرح به إمام الحرمين والأصحاب. يعني أصحاب الشافعي.
لا شك أن الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان ميتا كما أكرمه حيا؛ قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} عبس 17 – 21 فجعله سبحانه بعد موته مقبورا، فالواجب على المسلمين إذا مات واحد منهم الدفن كله لا بعضه، فانتهاك حرمة الميت المسلم كانتهاك حرمته حيا؛ فقد روي عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن كسر عظم الميت ككسره حيا)) رواه مالك وأبو داود وابن ماجه. وقد جوز الفقهاء أو بعضهم شق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الذي يرجى حياته، كما جوزوا بقر بطن الميت إذا كان في بطنه مال ابتلعه في حياته لإخراج المال منه إذا بلغ المال نصاب السرقة أو الزكاة، على خلافهم في قدر المال الذي من أجله يشق بطن الميت، وقاس بعض العلماء على تلك المسائل جواز تشريح المجني عليه الذي مات قبل إثبات الجريمة.
ورأي الفقهاء في ذلك ظاهر؛ لأن في تلك المسائل تعلق حق الغير، أو إثبات حق الغير في ذات شخص معين، وإن كان ميتا، فانتهك حرمته لأجل ذلك، وأما انتهاك حرمة الميت بقطع بعض أعضائه لجعلها قطع غيار لغيره، فليس من قبيل ذلك في نظري، فلا أجد في نظري القاصر وجها لإباحة ذلك مطلقا، لا بوصية حال حياته، ولا بإذن أقاربه بعد موته. وقياس الاضطرار بالمرض على الاضطرار بالجوع غير صحيح؛ لوجود الفرق بينهما، فالله سبحانه وتعالى قيد الاضطرار الذي أبيح لأجله للمضطر أكل الميتة بالكيف، وهو المخمصة، قال سبحانه:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} المائدة: 3، وأما الاضطرار بالمرض فليس هذا بالاضطرار. وشكرا، والله أعلم.
الشيخ أحمد بازيغ الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، اللهم صل على عبدك ونبيك محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه الكرام الغر الميامين، وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد.
أود أن أبين هنا بأني لا أستطيع أن أخفي إعجابي وتقديري بكلمة فضيلة الشيخ بكر عبد الله أبو زيد رئيس المجمع، التي أعتبرها فتحا ـ فتح الله عليه ـ صباح اليوم كلمة قيمة؛ لما تحمل من معان علمية وفقهية لو عممت على أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي لأتت بفائدة كبيرة، فإذا بالإمكان تعميمها أو بالإمكان أن تكتب في الحقيقة؛ لأن الشيخ ألقاها ارتجالا، فيا حبذا أنها لو تكتب وتعمم على أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي حتى ينتفع المسلمون بها، فجزاه الله كل خير ووفقه الله.
النقطة الثانية: إني أشكر جميع علمائنا الأفاضل على ما أبدوه من آراء في بحوث تقدمت بخصوص غرس الأعضاء. والحقيقة الموضوع سبق أن بحث في كثير من الهيئات الفقهية، وخرجت بآراء مبنية على دليل واجتهادات مشكورة، وأنا في الحقيقة أتفق مع رأي الدكتور إبراهيم شقرة بأن يكون المجمع لجنة مختصة من أهل الاختصاص ليرجحوا بين الآراء وليأخذوا بالرأي القوي الدليل، الذي دليله من الكتاب والسنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: 38، وليس هناك شيء في الحقيقة لم يذكره الكتاب، إنما علينا أن نتدبر ونتفكر، وأن نبحث وأن نستنبط وأن نقيس. والمجمع له أن يرجح أقرب الآراء وأصوبها إلى الدليل.
ثم هناك نقطة في الحقيقة أود أن أسأل عنها فقهاءنا، تعلمون أن الرضاعة لها أحكامها، وأحكام الرضاعة تتأثر في الحقيقة، فعندما يرضع الطفل تنشأ أحكام فقهية تسمى أحكام الرضاعة، فهل عندما يغرس عضو في إنسان من إنسان آخر تنشأ عنه أحكام فقهية؟ الحقيقة أنني لم أسمع رأي الفقهاء في هذا.
بالنسبة لما قاله الدكتور محمد إبراهيم شقرة بأن يقول المجمع كلمته فيمن يريد إبادة أمة الإسلام وينحرف بعقيدتها عن الصواب قبل أن يقول كلمته في ترميم الأعضاء، أعتقد أن هذا شيء مهم، يعني أنا لا أستطيع أن أصبغ غرفة أو أرمم غرفة أو أعمل فيها ديكورا وهناك من يريد أن يهدم بيتي علي، فأقل ما يمكن أن أوقف هذا الإنسان الذي يريد هدم بيتي، ثم بعد ذلك آتي بالأمور الأخرى. أثني على ما قاله بهذا الخصوص وأعتبره ليس خروجا عن الموضوع وشكر الله لكم.
الرئيس:
في الواقع أكرر رجائي على أن المداولات تكون في الموضوع فقط، ولا تخرج عنه، مع المعذرة من أصحاب الفضيله المشائخ؛ لأن أمامنا قضية فقهية مهمة تحتاج إلى تفرغ ذهني، وألا ندخلها في غيرها ولا يدخل غيرها معها، ولم تجر العادة على أن المسائل الفقهية تشرك معها أمور أخرى، هذه لها جلسة في آخر جلسة، أو في أول جلسة من الجلسات القادمة، يتفق على البحث في أي موضوع يستجد مع الأمانة حسب نظام المجمع، وحسب لوائحه التنفيذية، أما لو أخذنا بأن كل من كان عنده إحساس نحو مسألة بعينها تثار، لذهب الجدول وسقطت الموضوعات فيه، وأتينا بأمور أخرى، ولا شك أنها أمور تنشأ من اهتماماتكم ومن إحساسكم في الواجب الإسلامي على الجميع، لكن ما بين أيدينا هو واجب إسلامي، وهي أمور شرعية بحاجة إلى البت. تفضل.
الشيخ محمد شريف أحمد:
نحن مجمعون، وأعتقد أن هذه المسألة موضوع البحث من المسائل التي سكت عنها الشارع، ولا أعتقد أن احداً من الباحثين استدل على رأيه بآية كريمة أو بحديث نبوي شريف. نعم قد ذكروا بعض الآيات الكريمة وبعض الأحاديث النبوية التي تدل على كرامة الإنسان وكرامة بني آدم، فالمسألة من المسائل المستجدة، وليست المستجدة كل الجدة، ولكنها مستجدة نوعاً ما، فرأينا أن كثيرا من الباحثين عمقوا كثيراً في نصوص عبارات الفقهاء. ونحن نجل عبارات الفقهاء، إلا أنها دون شك لا ترتقي إلى مستوى الأصول، تبقى هذه النصوص نصوصاً نستأنس بها، وقد نستهدي بها في فهمنا أو في استنباطنا لهذه المسألة.
ويؤسفني أن بعضهم قد عمقوا وأطالوا في الاستشهاد بعبارات الفقهاء الأجلاء، تلك العبارات أو تلك الآراء التي نتجت عن الفقه التقديري التصوري. وأن الفقه التقديري قد لا يصلح عرضه في كل مكان، وفي كل زمان، لايصلح لنا في هذا الزمان أن نستشهد بعبارات للفقهاء مع تقديرهم، تشير إلى أكل الإنسان لحم الإنسان، باعتبار حرمة الحي وعدم حرمة الإنسان الميت، أو الأهم فالمهم، حتى تجاوزوا إلى أكل الأنبياء، لحوم الأنبياء. وكلنا يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده. فأقصد من ذلك القول إلى أننا في معالجتنا هذه المشكلات لا يجب علينا أن نعمقها ونخضعها لقواعد فقهية قد لا تنطبق عليها بمعنى صحيح، في الأصول يتحمل الضرر الأخف لزوال الضرر الأهم، ولكن هذه القاعدة العامة والقواعد العامة الأخرى تختلف طبيعتها عندما ننزلها إلى الواقع. كيف نثبت أن هذا هو الضرر الأخف وذلك هو الضرر الأهم، خاصة في هذه المسألة الحيوية الخطيرة جداً، وأن أي قرار فيه سيخشى من نتائجه.
علينا أولا وقبل كل شيء أن نعود إلى خبرة الأطباء، إلى ما يقوله الأطباء في كل هذه المسائل. وما علينا إلا أن نقول لهم: إن الإسلام منع هذا وأجاز ذلك، ونعطى لهم مساحات واسعة للأطباء، ولأهل الخبرة الأطباء المسلمين مجالات واسعة للتحرك وللعمل وفق هذه الحدود. وشكراً. والسلام عليكم.
الشيخ عمر جاه:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الرئيس، نشكرك على الطريق التي استطعت بها أن تدير هذه المداولات، ونثني على ما قدمت من الاقتراح بتحديد مسائل معينة يمكن التركيز عليها وإبداء الرأي الشرعي فيها، لكن المسألة التي نناقشها اليوم مسألة شائكة وخطيرة إذا نظرنا إليها من جميع النواحي، وأنا أريد أن أستشهد بكلمة قالها الأخ محمد علي البار، فأرجو أن ننتبه إلى هذه الكلمة؛ لأنها من خبير عالم متخصص في هذه المسألة، يقول: إن برنامج زرع الأعضاء يلتهم الأموال دون أن تقدم أي فائده إلا لعدد محدود جداً من البشر، إذا نجحت تجعلهم يعيشون حياة مليئة بالتعاسة. فنحن هنا نناقش موضوعاً في منتهى الخطورة؛ ذلك لأنها قائمة بيننا فعلاً، لكنها مسألة مستجدة وتأتينا من بعيد، وأنا أتساءل: ما هي الأولويات التي نبني عليها حينما نتناول موضوعاً علمياً ينبغي إبداء رأي شرعي فيه؟
ولذلك أولا ينبغي أن نؤكد مسألة الضرورة الشرعية التي تتيح لنا المحظورات، ونسأل أنفسنا أولا وقبل كل شيء عن الدوافع الأساسية في نقل الأعضاء من شخص لشخص، وأنا لا أريد أن أخوض في مسألة التبرع، البيع، التجارة، لكن أتكلم عن مسألة التبرع، والأخطر من هذا هي منظور تجاري في هذه المسألة. وينبغي أن نبتعد عن التقليد الأعمى. هو صحيح أن هناك مجامع فقهية تجتهد في هذا، ونحن نقدر اجتهادها، ونعتقد أن ما وصلوا إليه رأي شرعي جيد، لكن المسألة أخطر وأكثر من هذا.
هذا المجمع يمثل العالم الإسلامي بأجمعه، قبل أن نخرج برأي شرعي وفتوى شرعية نلتزم بها، ينبغي أن نعيد النظر في هذه المسألة وندرسها دراسة متأنية، ولذلك أؤيد عدم البت في هذه المسألة، وتحديد أجزاء منها نستطيع أن نعالجها، ومما لا شك فيه أننا لا نختلف أن جزءا بسيطا من هذه المسألة يمكن تبنيه، وهو نقل الدم، وأقول: إن نقل الدم مسألة بسيطة وضرورة، ونرى أنه تساعد على إبقاء الحياة ومعالجة الأمراض، لكن كما يقول الدكتور البار: إذا كانت المسألة هذه تكلف كثيراً من الأموال، والذين يتلقون هذا العلاج يعيشون في تعاسة، فلماذا نضيع الوقت فيها؟ هذا رأي عالم متخصص في هذه المسألة ينبغي أن نضعه في الاعتبار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
شكراً. لا أراني قد كفيت، المهم أن المعروف أصلا أن الإنسان لا يتصرف في بدنه؛ لأنه لا يملكه لا بالتبرع ولا بالمعاوضة، وأن الفقهاء القدامى نصوا على منع أكل لحم الإنسان للمضطر، وإن كان بعضهم جوز إزالة الضرورة المفضية إلى الموت بأكل لحم الإنسان. هذا الشيخ خليل بن إسحاق المالكي يقول في مختصره: والنص عدم جواز أكله لمضطر، وصحح أكله أيضا. ويقول الشراح: إن هذا التصحيح ضعيف معول عليه هو الأول. المهم أن نعود إلى ما أسفرت عنه المجامع ودور الإفتاء ونضعه بين أيدينا وننتقده إذا رأينا فيه منتقداً، ونعتمده إن رأينا معتمداً، ونخرج من هذه الدوامة الطويله في الأخذ والرد وشكراً.
الشيخ طه جابر العلواني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد،
إن الواقعة موضوع البحث واحدة من هذه الوقائع الكثيرة التي تقذفنا بمئات منها يومياً الحضارة الغربية المعاصرة. هذه الواقعة لها أصولها الفكرية وجذورها الثقافية، وغايتها وأهدافها الاجتماعية. والمجتمع الغربي الذي حدثت فيه هذه الوقائع وصدرت إلينا، لا يتقيد بأقوال الفقهاء ولا قواعد الأصوليين، ولا ينتظر فتاوى المجامع، وإنما يسير في تجاربه وأعماله وفقاً لمعطيات علمه التجريبي ونظرته إلى الإنسان. هذه النظرة التي تجعل من الإنسان مجرد مجموعة من المواد الكيماوية يمكن أن تشترى مجمعة من أي صيدلية بما يساوي عشرة ريالات أو خمسة عشر ريالا. حين انطلقوا في بحث هذه الأمور، انطلقوا في بحثها دون ضوابط، وقد كانت لهذه الأمور مؤثرات خطيرة جداً نفسية وإجتماعية، مؤثرات أثرت في نفوس من أخذت منهم الأعضاء، ومن زرعت فيهم الأعضاء. وقد أشار الأخ الأستاذ عمر جاه إلى تلك التعاسة التي يعيشها من أخذ العضو منه، ومن زرع العضو الغريب فيه. لم ألاحظ في الأبحاث المقدمة بين أيدينا أية دراسة نفسية أو اجتماعية تشرح لنا طبيعة هذه القضايا وآثارها النفسية وآثارها على البنية الاجتماعية بعد ذلك. وأقوال الفقيه وفتاواه لا ينبغي أن تكون خالية من النظر إلى الآثار والنتائج التي تترتب على ما يفتي به.
إننا لو تابعنا هذه الحضارة في معطياتها كلها، وحاولنا أن نجيب عن كل تساؤل تطرحه، لربما طلبنا من هذا المجمع ومن مجامع أخرى مثله أو أكثر منه أن تظل في حالة انعقاد العام كله، وقد تستجيب لبعض هذه التساؤلات أو الحاجات، وقد لا تستجيب لذلك، ولذلك فإن من المفيد جدا أن ننظر فيما سبق، وفي هذا أثني على اقتراح فضيلة الأستاذ مفتي جمهورية مصر العربية الشيخ سيد طنطاوي في اقتراحه بالنظر في قرار مجمع الفقه بمكة ومحاولة الاستفادة منه. كما أثني على ما ذكره الدكتور عبد السلام العبادي في النظر في الصور التي تناولتها دار الإفتاء الأردنية وصدرت فيها قوانين. وأظن أن الصور التي يهمنا النظر فيها والخروج فيها بشيء، لعلنى أقترح حصرها في الصور الثلاث التي وردت في أحد الأبحاث المقدمة في هذا الموضوع، وهي صورة النقل من حي إلى حي، صورة النقل من ميت إلى حي.
الأمر الثالث: ما هي الشروط التي علينا أن نضعها والضوابط التي علينا أن نأخذ بها لنتلافى أية أضرار أو أمور جانبية لهذه الفتاوى التي تصدر، ولما يمكن أن تكون ذرائع له من مفاسد كثيرة ظهرت للإنسان الغربي، وستظهر في وقت غير بعيد للإنسان المسلم أيضا. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرئيس:
شكراً. أحب أن ألفت نظر الشيخ طه إلى أن مجمع الفقه بمكة صدر عنه ثلاثة قرارات، والذي بين أيدينا هو قرار واحد، وهذه القرارت الثلاثة في عدد من الصور التي تتعلق بالنقل والتعويض الإنساني، وكذلك هيئة كبار العلماء بالمملكة صدرت منها ثلاثة قرارات في ثلاث صور، كل قرار في صورة مستقلة. فالصورة غير متكاملة فيما صدر من قرارت مجمعية، ومن هيئات كبار العلماء، ومن لجان الفتيا إلى غير ذلك، فهذا ما أحب أن أوضحه بأن مجمع الفقه بمكة ليس هذا هو القرار الوحيد له، وإنما له ثلاثة قرارات في هذا الموضوع.
الشيخ طه جابر العلواني:
ولكن ماذا عن حصر البحث في الصور التي ذكرنا، النقل من حي إلى حي، والنقل من ميت إلى حي مع الشروط والضوابط المطلوبة.
الرئيس:
على كل حال هذا هو محل البحث
…
الشيخ رمضان.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
فقط أريد أن أقول شيئا واحدا تصحيحاً لبعض ما قد سمعنا من بعض الأمور الفقهية. سمعنا في هذه الأمسية من قال: إن الإنسان لا يرث من قريبه إلا المال، وتكرر هذا. ونحن لا نعلم أن هذا شيء قاله الفقهاء. الرجل الذي يقذف آخر فيموت المقذوف، ألا يملك ورثة المقذوف أن يرفعوا دعوى على القاذف؟ لم يخالف في ذلك فيما أعلم إلا السادة الحنفية، على خلاف بينهم في ذلك، إذن الكرامة انتقلت عن طريق الإرث، حق الكرامة كان للمقذوف، فلما مات انتقل هذا الحق إلى أقاربه. إذا مات الرجل حق خيار البيع، حق إنقاذ الحقوق المعلقة حقوق كثيرة معنوية كلها تورث. وهذا ما عليه جماهير الفقهاء. فقط أحببت أن أوضح هذه النقطة لأنها تُعِين في بلورة الموضوع الذي نحن بصدده. وشكراً.
الشيخ حسن علي الشاذلي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع كنت أود لو سمحت لي رئاسة الجلسة أن أضع أمامكم نتائج الدراسة التي قدمتها بين أيديكم؛ نظراً لأن كثيراً من الأمور قد نص عليها في هذا البحث. فإذا سمح لى سيادة الرئيس أن أتلو نتائج البحث ثم أعلق على ما ذكره حضرات السادة الإخوة، باختصار أنا تناولت في المبحث الأول من هذا البحث المقدم إليكم النتيجة الأولى: إن الإنسان روحاً وجسماً كلا أو بعضاً مملوك لله تعالى وحده دون سواه.
الثانية: أن دم الإنسان معصوم بحكم إنسانيته.
ثالثاً: يحرم على الإنسان الاعتداء على نفسه أو الإضرار بها أو تعريضها للهلاك.
ثم البحث الثانى بينت أن التداوي من الأمراض أمر مطلوب شرعاً، وأنه يجوز تداوي النفس البشرية بما أحل الله تناوله والتداوي به. وكذا يجوز تداويها بالمحرم إذا تعين المحرم علاجاً له دون غيره من المباحات على يد طبيب مسلم حاذق.
رابعا: يجوز أن يكون التداوي والعلاج عن طريق الجراحة إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك. ثم انتقلت بعد ذلك إلى الضرورة، القاعدة الفقهية الضرورات تبيح المحظورات، فأخذ منها:
أولا: يباح للمضطر تناول مال الغير بغير إذنه، ولو باستعمال القوة، إذا كان هذا المال زائداً عن حاجته.
ثانيا: يباح للمضطر تناول الميتة والانتفاع بها بمقدار ما يسد رمقه؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها.
ثالثا: يجوز للمضطر التداوي بالميتة، سواء أكانت قائمة العين لم تمسها يد التغيير والتبديل أم غير قائمة العين بأن مستها يد التغيير والتبديل، فحولتها من حالة إلى أخرى. كل هذا عليه أدلة في داخل البحث.
رابعا: يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت، سواء أكان معصوما أم غير معصوم؛ إحياء للنفس الآدمية، ومدا لأسباب البقاء لها إذا توافرت بالشروط الآتية:
أولا: ألا توجد ميتة أخرى غير ميتة الآدمي. فإذا وجدت لا يحل الانتفاع بميتة الآدمي.
ثانيا: أن يكون المضطر معصوم الدم.
ثالثا: أن يكون الانتفاع بها حالة الضرورة، أما في حالة الحاجة أو التتمة فلا يجوز.
رابعا: أن يكون هناك إذن بالانتفاع به من الميت قبل موته، أو من ورثته بعد موته. فإذا اختلف الاثنان أحدهما أجاز، والآخر منع، يمكن أن يؤخذ برأي المجيز؛ إنقاذا للنفس البشرية من الهلاك.
وفي المبحث الخامس انتهيت إلى ما يلي:
يجوز للإنسان أن ينتفع ببعض أجزاء نفسه في حالة الضرورة، أو في حالة التصحيح أو تعويض ما نقص أو تشوه من أعضائه، رجوعا به إلى حالته المعتادة، وذلك بشرط ألا يكون خطر القطع أعلى من خطر البقاء، على ما هو عليه، أو مساويا؛ منعاً من تعريض النفس للتهلكة.
في المبحث السادس خرجنا بالقاعدتين:
أولا: يحرم قطع جزء من جسم إنسان حي معصوم الدم لينتفع به إنسان آخر مضطر إلى هذا الجزء، وذلك باتفاق الفقهاء، وسأتلو فيما بعض عبارات الفقهاء.
ثانيا: يجوز للمضطر المعصوم الانتفاع بجزء من إنسان غير معصوم الدم، استحق القتل بسبب جرم ارتكبه عقب تنفيذ حكم القتل عليه مباشرة؛ وذلك لإنقاذ هذه النفس البشرية من الهلاك، تحت رقابة السلطة التنفيذية، وتحت رعاية نخبة من الأطباء المسلمين الحاذقين، وبناء على قانون ينظم ذلك الانتفاع من جميع جوانبه، ولا يضر بحالة المجرم النفسية أثناء فترة الانتظار.
المبحث السابع: انتهيت إلى ما يأتي: يحرم بيع الآدمي الحر مطلقا، وقد أجمع الفقهاء على ذلك. وموجود الأدلة.
المبحث الثامن: يؤخذ منه: يحرم بيع جزء من أجزاء الآدمي المتجددة.
المبحث التاسع: يحرم بيع جزء من أجزاء الآدمي غير المتجددة.
المبحث العاشر: لا يصح أن يتبرع الإنسان بجزء من أجزائه لغيره.
المبحث الحادي عشر: يبطل عقد الإجارة إذا كان محله قطع عضو صحيح من جسم الإنسان لا تدعو صحة الإنسان إلى قطعه. وكل أجر يأخذه الطبيب إزاء ذلك يكون باطلا.
المبحث الثاني عشر: لا أثر لرضى المقطوع عضوه الصحيح في درء العقوبة المستحقة على من تولى قطعه طبيبا أو غيره.
المبحث الثالث عشر: الإيثار إنما يكون في المال، أما الإيثار بالقربات أو بالأنفس أو الأعراض فممنوع شرعا.
المبحث الرابع عشر: إن ما يترتب على القول بجواز نقل الأعضاء من إنسان آخر يؤدي إلى مخاطر كثيرة فيحرم سدا للذرائع.
ثم في المبحث الخامس عشر: بينت عقوبة من يعتدي على نفسه بالنسبة، سواء إن كانت عمدا أو شبه عمد أو خطأ.
أنا أردت أن أبين ما في البحث حتى يمكن أن يرد على بعض الأمور، لي تعليق صغير.
أولا: لا شك أن المجمع بتقديره الحكيم رأى أن طرح الموضوع هنا للبحث وما إلى ذلك إلا لأنه يحتاج إلى مزيد من البحث، حتى وإن صدرت قبل ذلك آراء أخرى.
ثانيا: قول بعض الإخوان: إنك إذا ناقشت المانعين لا يستطيعون الجواب؛ لأن هذا من باب الضرورة، أقول: لا. فقط نحن نصر على هذا الرأي لأن له أدلته، لماذا؟ لأن أولا الضرورة تتمثل في جانب المريض، لكن من أنت تذهب إليه لتقطع عضوه، أي ضرورة تأخذ بها عضوه؟ فالضرورة ليست هذه هي الضرورة والبحث فيها غير ذلك، والفقهاء جميعا متفقون في ما قلته. وأنقل إليكم عبارات الفقهاء لنرى هل الفقهاء تعرضوا للضرورة، وقالوا: إنه إذا كان هناك إنسان مضطر يمكن أن يأخذ من غيره.
أولا: الحنفية يرون أنه لا يصح انتفاع الإنسان المضطر بجزء إنسان آخر معصوم الدم. فجاء ابن نجيم في الأشباه والنظائر تحت قاعدة الضرر لا يزال بالضرر: ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر، ولا شيئا من بدنه. وفي الشرح الكبير للدسوقي المالكي: والمباح للضرورة غير آدمي وغير خمر من الأشربة، وأما الآدمي فلا يجوز تناوله، وكذا الخمر، إلا لغصة، فيجوز إزالتها به عند عدم ما يسيغها به من غيره. ثم يقول تعقيبا على قوله: وأما الآدمي فلا يجوز تناوله بقوله: أي سواء إن كان حيا أو ميتا، ولو مات المضطر. هذا هو المنصوص في المذهب، وسبق أن بينا أن ابن عبد السلام صحح القول بجواز أكله للمضطر إذا كان ميتا، أما الحي فلا باتفاق علماء المذهب.
الشافعية: ويحرم جزماً على شخص قطعه؛ أي: بعض نفسه لغيره من المضطرين؛ لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل. ونظرا لأن الأخ الأستاذ شرح هذا أو ذكره، فأكتفي أنه في النهاية يقول: والآدمي يحرم الانتفاع به وبسائر أجزائه لكرامته.
الحنابلة: جاء في المغني مع الشرح الكبير: وإن لم يجد المضطر إلا آدميا محقون الدم، لم يصح له قتله إجماعا، ولا إتلاف عضو منه، مسلما كان أو كافرا؛ لأنه مثلة، فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه، وهذا لا خلاف فيه.
الرئيس:
النصوص هذه موجودة في بحثكم وفي بحوث الإخوان.
الشيخ حسن علي الشاذلي:
خلاص، وهو كذلك. إذن انتهينا إلى هذه النقطة، نقطة أخيرة، القول بالنسبة لأقوال الفقهاء. أقوال الفقهاء هذه إننا نتمسك بها لسببين:
أما الأول: فهو أنهم نقلة ما فهموه، أو ما فهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عبر الزمن، ودونوه، وكان لهم الفضل في نقله إلينا حتى هذه اللحظة، ولهم أدلتهم، وهي موجودة من الكتاب والسنة، حتى وإن كان فقها افتراضيا فبنوه على قواعد مسلمة في ذلك.
أما القول الأخير: وهو أن هذا الموضوع فيه خير لها تختلف الأنظار فيه. إن الشر قد اندلع من وراء هذا الكلام من نقل الأعضاء، وقد نقلت في البحث جزءا عن الحوادث التي حدثت في العالم، والتي نشرتها صحف العالم حول ما ترتب على نقل الأعضاء وأصبح تجارة كما قلت في بداية كلمتي.
ثالثا، أو أخيرا، بالنسبة لما يورث هو الحديث الشريف:((من ترك مالا أو حقا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فإليه)) . وأشكر لكم.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أستميح حضراتكم عذرا في تقدمي باقتراح أبديه على ما لاحظت وما لاحظتم أنتم أنفسكم من اختلاف الآراء وتعارضها في هذه القضية، وفي هذا الموضوع الشائك والواسع الدقيق، وهذا لمسناه من الأحاديث أو التدخلات التي استمعنا إليها، كما وقفنا عليه في الدراسات والبحوث التي وقع التقدم بها إلى هذه المجمع.
ثانيا: بجانب الآراء المختلفة والمتعارضة، وبجانب الدراسات التي استمعنا إليها، وقفنا على قرارات مجمعية متعددة، قد يكمل بعضها بعضا، وقد يتناقض بعضها مع البعض، وقد تكون الفتاوى متعارضة مع هذه القرارات، أو تكون فتاوى فردية قد لا يعتد بها، أو هي جديرة بأن يعاد النظر فيها؛ لذلك استمعت إلى بعض الإخوان الذين يرغبون في جمع حصيلة هذه القرارات والآراء والفتاوى لدراستها والإفادة منها، ثم إضافة ما ينبغي إضافته إليها من الشروط ونحو ذلك. فأمام اتساع الموضوع والاحتياج إلى ضبط جوانبه وتحديد نقاطه، أرى من الأفضل كما وقعت الإشارة إلى ذلك أن تتكون لجنة تتولى تحديد النقاط والجوانب الكثيرة؛ ليقع النظر فيها تفصيلياً وبدقة وتكون نتائج هذا البحث مقدمة بعد ذلك في المؤتمر القادم بإذن الله. وهذا ليس أمراً جديداً بالنسبة للمجمع؛ فإن كثيراً من القضايا ذات الأهمية التي احتاجت منا إلى دراسة مطولة قد استمرت سنة وسنتين، وهذا كأطفال الأنابيب، وكاستفتاءات البنك الإسلامي للتنمية وما إليها. كلما احتجنا إلى إعادة نظر واستكماله في قضية ما أرجأناها إلى الدورة القادمة، حتى يتم الإلمام بأطراف الموضوع ونستكمل الجوانب الدراسية التي لم يتقدم بها بالنسبة لنقاط وقع إغفالها. وأقترح أن تكون هذه اللجنة مؤلفة من أصحاب الفضيلة المشايخ: محمد المختار السلامي، ووهبة الزحيلي، وحسن الشاذلي، وعبد السلام العبادي، ومحمد علي البار، الدكتور محمد أيمن صافي، والشيخ رمضان البوطي. والمقرر في اللجنة من غير شك لا نحتاج إلى إضافته، فهو موجود في اللجنة وعضو فيها.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
في الواقع إذا كان القصد من هذا الاقتراح هو إنجاز بعض العمل في هذه الدورة فهو مقبول. أما أن يؤجل الموضوع برمته على وضوح بعض قضاياه فهو في الواقع ما درج عليه هذا المجمع. أرجو إن كان هنالك أمور واضحة ويمكن أن يبت فيها لماذا نؤجل هذا الموضوع ويقال: إن مجمعنا أجل هذه القضية التي كثير من أمورها واضح وضوح الشمس.
الأمين العام:
هذا تقرره اللجنة، إذا انتهت إلى اتخاذ موقف إزاء بعض القضايا فلها ذلك.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أقترح من عندي: تعرض اللجنة ما تصل إليه من مداولات على المجمع، فإن أقر المجمع التأجيل فليؤجل. أما إذا كان هنالك بعض القضايا قد بت فيها لماذا لا يؤخذ فيها قرار.؟
أريد أن أكمل في الواقع. عندما طلبت الحديث أريد أن أقول كلمة صغيرة بالنسبة لهذا الموضوع المهم، أن تحصر قضاياه، ويمكن أن تقوم اللجنة بحصر قضايا هذا الموضوع.
وما يمكن البت فيه على ضوء ما انتهت إليه المجامع ولجان الفتوى وغيرها يعرض على المجمع، فإن وافقه أصدر به قراراً. فإذا سمح لي سيدي الرئيس أريد أن أكمل الحديث في القضية التي طلبت الكلام من الأصل فيها. بالنسبة للقضية التي عقب علي فيها الدكتور محمد أيمن، استغربت تعقيبه في زرع الخصية والحديث السريع بتخطئة ما قلت.
أنا أذكر ما قاله هو في بحثه: فإن كان الهدف من غرس الخصية هو المعالجة الهرمونية فقط دون إنتاج النطاف فالأمر يختلف عن كونه علاجاً للعقم. وما ذكره الدكتور محمد البار في صفحة 18 حيث قال: إن الحيوانات المنوية والبويضات ستعود إلى المتبرع لا إلى المتلقي. كما هو معلوم من الناحية الفقهية، لا ينظر إلى القصد والهدف، ينظر إلى مآل الفعل، إذا كان مآل الفعل ينتهي إلى اختلاط الأنساب لا بد من التحريم، وهذا أمر سألت فيه طبيباً زار مركزاً متخصصاً في كندا لعمليات زرع الخصية فقط. وقال: إنه في جميع الأحوال التي تزرع فيها الخصية فإن الإنتاج للحيوانات المنوية يكون للمتبرع وليس للمتلقي. على أية حال هذا نقوله بناء عل ما يصلنا من الأطباء، فإذا كان الأطباء مختلفين في هذه القضية لا بد أن يحسموا هم الموقف بينهم كما قلنا بالنسبة لقضية موت الدماغ.
نرجو من أطبائنا قبل أن يعرض أمر على هذا المجمع أو غيره من المجامع أن يبتوا في الأمور من الناحية الطبية، ثم يبلوروها بشكل محدد، ثم تأتي مبلورة إلى هذه المجامع حتى ينظر في الأمر على بينة.
وأما ما انتقدت فيه ولو بطريق غير مباشر بالنسبة لقضية الضرورة أنا أقول: من الخطأ، أو ليس من المناسب حشر قضية الملكية في هذا الموضوع، القضية مربوطة بالضرورة، ليس معنى ذلك أنني أجيز جميع الأحوال بحجة الضرورة، وإنما أقول: يجب أن يكون مناط النظر في هذه القضية، هكذا العبارة من الناحية الفقهية. قاعدة الضرورة والقطع بتعين ذلك لصيانة الحياة دون إضرار بغيره. وهذا كلام أستاذنا الشاذلي، ولي أكثر من ذلك، وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا. تعلمون أننا أمضينا نحوًا من أربع ساعات في هذا الموضوع، وفي الواقع إذا أردنا أن نضع أيدينا على رأي اتجه إليه المجمع في مسألة أو في صورة بخصوصها، فإننا لا نستطيع أن نخرج إلى رأي بات للمجمع في أي صورة من الصور التي حصل البحث فيها، أو التي ذكرت في الأبحاث التي أعدت.
وأمامي الآن ما يقرب من خمسة عشر اسمًا من أصحاب الفضيلة المشايخ لطلب الكلمة، ولعلكم ترون أن ما تفضل به فضيلة الأمين من تكوين هذه اللجنة ليأخذوا هذه الأبحاث ومعهم طبيبان، الطبيب البار والطبيب محمد أيمن، ويأخذوا الصور المهمة والتي ينبغي أن يعد فيها بحوث مبنية على التصورات الطبية، ثم تنزيل الأحكام الشرعية عليها، ويؤجل إلى الدورة القادمة. فهذا لعلكم ترونه مناسبًا، وإذا رأيتم أنه مناسب فأرجو التكرم برفع الأيدي.
إذن الأكثرية على هذا، وبه تنتهي الجلسة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والجلسة الصباحية إن شاء الله تعالى في الساعة التاسعة.
مناقشة مشروع القرار
الذي وضعته اللجنة
الرئيس:
الحمد لله.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. لعله وصلتكم نسخة من مشاريع القرارات التي أعدت فيما أنهيتموه من موضوعات طرحت على جدول أعمال هذه الدورة، وأولها القرار رقم واحد بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا. الشيخ عبد الستار.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار رقم 1 للدورة الرابعة 1408 / 1988م بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، حيًا أو ميتًا. نقرأ الديباجة للمرة الأولى فقط ثم نختصرها.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا".
وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعًا لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو: أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه.
ثانيًا: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم؛ كالبصر ونحوه.
على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ثالثًا: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1 -
نقل العضو من حي.
2 -
نقل العضو من ميت.
3 -
النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف
والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى
ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديا، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم، ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائيًا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائيا لا رجعة فيه طبيا.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا لا رجعة فيه طبيًا.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة التي تسقط تلقائيًا.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".
الرئيس:
يا مشايخ ما تقدم هو في إعطاء التصور وتقسيم الموضوع وبيان وحداته من حيث الأحكام الشرعية، نحن سنتوقف عند كل فقرة ولا نقبل الرجوع بعد ذلك.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر منه ذاته، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
شكرًا أيها السيد الرئيس، بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
في هذه المسألة بالذات كنت استوضحت والدي وشيخي الشيخ أبو اليسر عابدين، وهو طبيب رحمه الله في دمشق كان عالمًا وطبيبًا استوضحته قبل وفاته، فكان رأيهما على أنه سدا لباب الذريعة الفاسدة، وكي لا يصبح الإنسان في نهاية الأمر مصدر إكسسوار وتنهدر كرامته فيما بعد، ويتهاون الناس في هذا الأمر.
الرئيس:
يا شيخ عبد اللطيف. الفقرة أولاً: من جسم الإنسان إليه ذاته في نفس الإنسان الواحد، نفس البدن الواحد، نفس الشخص الواحد، يؤخذ رقعة من فخذه لخده.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
كلمة عربية وأخرى فقهية. العربية آخر منه ذاته، بدل "ذاته" نقول:"نفسه"؛ لأن ذاته ليس من ألفاظ التوكيد.
الرئيس:
يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر منه.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود.
نفسه.
الرئيس:
أرجو من أصحاب الفضيلة الذين ليسوا أعضاء عاملين في هذا المجمع أن ينتظروا حتى الجلسة الختامية المعلنة؛ لأن هذه الجلسة تقتصر على الأعضاء العاملين فقط.
إذن يقال: إلى مكان آخر من جسمه.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
والمسألة الفقهية هي إزالة دمامة تسبب له أذى نفسيًا. نعرف الدمامة إذا لم يكن فيها أذى عضوي هل تجيز هذه العملية التي ربما تدخل في تغيير خلق الله تعالى. هو ما دام الوشر والتبلج للحسن محرمًا ملعونة من تتعاطاه.
الرئيس:
الذي يظهر شيء واحد، وهو امتداد لما لوحظ في الدورة الثالثة في قضية أخذ الشعر الزائد من الحاجب، لا نتف الحاجبين، لكن الزائد الذي صار فيه تشويه. فمثل قضية الأصبع الزائد أو قضية لحمة تنبت كالثآليل في الوجه، هذا لعله من المرض ولعلاج المرض؛ لأنه قيل أو لعلاج عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
حتى لو قيل: تسبب للشخص أذى. ألا ترون هذا أنسب.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أرجو عندما نناقش نعود إلى الفقرة من أولها. فالكلام في نقل عضو من جسم الإنسان إلى جسم الإنسان فهذا هو الوضع، لا مدخل للوجه ولا لغيره، وأعتقد أن الفقرة بتمامها صالحة وجيدة ولا ينقص فيها شيء؛ لأن الأذى النفسي هو لا يقل تأثيرًا على سلوك الإنسان وعلى مستقبله من الأذى البدني. وشكرًا.
الشيخ محمد يوسف جيري:
بسم الله الرحمن الرحيم. شكرًا سيدي الرئيس.
في الحقيقة إنني طلبت الكلام لنقطة نظام، وكدت أستشف من التدخل الكريم الذي أراده أخونا وأستاذنا الفاضل الشيخ محمد الفرفور، كدت أستشف أننا سنرجع إلى مناقشة لمضمون أو للأفكار الفقهية إزاء هذه الأشياء مرة ثانية. وكما ترون سادتي أن أمامنا الآن مشاريع قرارات خلاصة لما توصلنا إليه من مواد فقهية بعد مداولة أسبوع كامل، فإذا كنا بإزاء هذه المشاريع المطلوب منا الإدلاء بآرائنا في إطار ضبط التحرير فقط. كيف نحررها بصورة مضبوطة. أما إذا كنا أمام هذه الأفكار نبدأ مرة ثانية نطرح أفكارًا جديدة أو نحاول أن نستذكر أشياء كنا قد قلناها سابقًا وما شابهه فإنني أخشى أولاً أن لا تكون مناقشة المشاريع دورة جديدة، وفي هذه الحالة لن ننتهي منها، ولهذا أرجوكم سادتي وأساتذتي أن ننظر إلى هذا الأمر بمنظار واقعي، وهو أننا كونا لجانا وكلفنا هذه اللجان بالعمل على أسس مضبوطة بعد مداولات مستفيضة، فيكون دورنا هنا الآن أن نقوم بضبط التحرير فقط، هذا يناسب هذا المكان، وهذا لا يناسب هذا المكان. أما أن نبدأ نشرح فإذا دخلنا في هذا أخشى أن لا ننتهي. وشكرًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
الرئيس:
أنا عندي ملاحظة بسيطة، أولاً كلمة (المعتبرة) تحذف في نظري؛ لأن ليس هناك شروطًا شرعية غير معتبرة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
المعتبرة صفة كاشفة.
الرئيس:
وصف كاشف ماشي ما فيه مانع عندي. لكن أريد ما هو أهم من هذا. لماذا لا توضح الشروط الشرعية.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثالثًا: يجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص
آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعًا: يحرم نقل عضو من حي تتوقف عليه الحياة إلى إنسان آخر كالقلب ـ فيه تقديم وتأخير ـ يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة من إنسان حي إلى إنسان آخر.
الرئيس:
من إنسان حي إلى إنسان آخر كالقلب.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
كالقلب نجعلها تابعة لتتوقف عليها الحياة. يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
الرئيس:
ماشي هذه. تفضل.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
خامسًا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته؛ كنقل قرنية العينين كلتيهما، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، على الوظيفة الأساسية.
الرئيس:
في الواقع هذا فيه عندي وقفة؛ لأن الإنسان الصحيح السليم إذا أخذت منه قرنية واحدة يعني تؤخذ من إنسان صحيح البدن وتجعل في إنسان آخر. أنا عندي في هذا تحفظ عليها.
الشيخ محمد المختار السلامي:
لماذا التحفظ؟
الرئيس:
يا شيخ مختار، لأنه قال كنقل قرنية العينين كلتيهما.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هذا يحرم.. كلنا متحفظون على هذا.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
هذه قطعنا بحرمتها، أما نقل قرنية واحدة فقلنا: محل بحث.
الرئيس:
يحرم نقل عضو من حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته كنقل قرنية العينين كلتيهما. هذا ماشي يعني هذه الفقرة لا تبيح نقل قرنية واحدة.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
معلوم لدينا جميعًا أن مفاهيم كتب أصحابنا حجة، يعني مفاهيم النصوص الفقهية حجة، فأخشى أن يفهم من هذه العبارة جواز نقل قرنية واحدة.
الرئيس:
أنا هذا الذي تبادر لي في الأول.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
لا مانع من الإضافة للتوضيح.
الرئيس:
أعطونا إياها.. أعطني يا شيخ عبد السلام.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أما نقل قرنية واحدة فهو محل بحث ونظر.
الرئيس:
يا شيخ عبد السلام، لماذا لا نترك التمثيل وتمشي القاعدة، يحرم نقل عضو من حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها. ونحذف التمثيل.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لكن نبقي "وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها" ونحذف قرنية العينين كلتيهما، والباقي يبقى.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
لماذا لا نقيد الحي "من إنسان حي"؟
الرئيس:
يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
وإن لم تتوقف أصل الحياة عليها. أي: على تلك الوظيفة.
الرئيس:
يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله. يعني لا شك، أنا لا أزال أنه إذا قلنا: يعطل زواله وظيفة أساسية. للقرنيتين إذا أخذت واحدة لا تعطل الوظيفة الأساسية، وإنما تعطل بعض الوظيفة الأساسية، هذه هي الحقيقة لأنها تشمل أخذ كلية من الكليتين.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الذي يحل الإشكال هو ما ورد في ثامنًا خاصة، وأننا قد أوضحنا التصور والتقسيم، قلنا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر.
الرئيس:
لكن يا شيخ عبد السلام هذه الآن في نظري أنها لا تقيدها ثامنًا؛ لأن ثامنًا قال: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع هو محل بحث ونظر.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يعني ما عدا القضايا السابعة.
الرئيس:
لكن في خامسًا يقول: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل حياته عليها. فأنا في هذا آخذ إحدى القرنيتين أو آخذ إحدى الكليتين أو إحدى الرئتين تغطي الفقرة الخامسة الجواز ولا تنفي الجواز الفقرة الثامنة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
الفقرة الخامسة ضبطت ضبطًا كاملاً بالتمثيل، وإذا كان غير هذه الصورة المضبوطة، وهي نقل قرنية العينين كلتيهما، نقل قرنية عين واحدة تأتي الفقرة الثامنة لتبين أن هذه الصورة هي محل بحث ونظر. هو ما نتصوره وما لا نتصوره الآن، وما يأتي إلى أذهاننا وما لا يأتي مما لا يقع النص عليه صراحة فهو محل بحث ونظر. ولذلك أقترح بقاء الفقرة كما هي حتى تكون واضحة، وحتى يكون ما عداها لا نحكم عليه لا بالتحليل وبالتحريم ولكنه محل نظر.
الرئيس:
إذن لماذا لا نضيف إلى الفقرة الخامسة مع مراعاة ما جاء في الفقرة الثامنة. وبه ينتهي.
الشيخ محمد المختار السلامي:
تبقى كنقل قرنية العينين كلتيهما حتى يكون غيرها واضحة.
الرئيس:
إذن تبقى الفقرة كما هي، وإلا فيدخل في مقتضى نقطة الفقرة الثامنة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أنا أقترح أن تكون القضية واضحة؛ لأن هذا اللبس الواقع حدث في لجنة الصياغة، وها هو يحدث في المجمع. فإذا كان بالمجمع حادثًا فكيف أمام الناس؟ فلذلك يجب وإن كان تعطيل لجزء كذا كذا هو محل نظر كما ورد في الفقرة الثامنة.
الرئيس:
نحن نقول: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، فإن كان يعطل بعض الوظيفة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
فإن كان النقل يعطل جزءًا من هذه الوظيفة فهو محل نظر كما ورد في الفقرة الثامنة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أنا أذكر الأخ بأنه في لجنة الصياغة لما تحدثنا كانت هذه الفقرة مبهمة للتساؤلات، فراعينا إبطال كل التساؤلات والإجابة عنها في الفقرة الثامنة، وما زيدت الفقرة الثامنة إلا للإجابة عن التساؤلات التي حدثت.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي، ممكن يأخذون جزءًا من قرارنا ويعتبر بعدين قرارا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
صياغة فقط. كوظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما. المثال يأتي آخرًا كما قلنا في المادة رابعًا.
الرئيس:
تكون المادة هكذا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف أصل الحياة عليها؛ كنقل قرنية العينين كلتيهما. اقرأ يا شيخ.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية، فهو محل بحث ونظر، كما يأتي في الفقرة الثامنة.
الرئيس:
ماشي يا شيخ تقي؟ سادسًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
الرئيس:
أما هذا فأنا كما تعلمون في الدورة الماضية في موضوع أجهزة الإنعاش حصل عندي توقف في قضية قد يكون أنه ما توقف إلا اثنان أو ثلاثة من أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع في قضية أجهزة الإنعاش، واعتبار أن موت الدماغ حالة من حالات الموت، وإن كان القلب يضخ ضخًا صناعيًا، ولهذا فإنني أتحفظ عليها طردًا لما تحفظت عليه سابقًا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أستاذنا، التحفظ ما فهمناه، وتوضح التحفظ.
الرئيس:
يا شيخ مختار، في صدر هذا القرار جعلتم من تأسيساته ما صدر من مجمع الفقه في دورته الثالثة في حقيقة الوفاة. والحديث في سادسًا هو فرع لما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة في شأن أجهزة الإنعاش. وأنا كنت متوقفًا في ذلك الموضوع، فهذا الفرع فيما يخصني أنا ويخص ذمتي أنا، وأما أنتم فهو ماشي على قراركم.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
أنا أضم صوتي إلى صوت معالي الرئيس، وأثني على ما قال؛ فإني أتحفظ أيضًا بالنسبة إلى هذه الفقرة.
الرئيس:
الشيخ يوسف. ورجائي أن تكون الكلمات برقيات.
الشيخ محمد يوسف جيري:
أنا أعتقد أن ما جاء في القرار السابق لا علاقة بينه وبين الموجود هنا، حيث تقول هذه المادة: يجوز نقل عضو من ميت، فمهما كان تفسيرنا للميت سواء إذا كنتم تفسرون الميت بأسلوبكم أو نفسرها بأسلوبنا الكل موت.
الرئيس:
لا نفسرها بأسلوب الأطباء، الأطباء ما لم يكن القلب في حالات الضخ الصناعي ما ينقلون، ولا أحب أن أعيده حتى لا أضخم القضية أكثر. على كل الموضوع أمامكم.
الشيخ محمد تقي العثماني:
الذي أراه الذي قرره المجمع في الدورة السابقة لا يمس بموضوعنا هذا؛ لأنه كان يتعلق برفع أجهزة الإنعاش فقط، أما لأخذ أعضاء فهذا موضوع آخر.
الرئيس:
لا، هو سلمك الله في صدر القرار، قال: فإن المجمع يقرر أن الشخص يعتبر ميتًا تترتب عليه جميع أحكام الوفاة في إحدى الحالتين. جميع أحكام الوفاة في إحدى الحالتين الآتيتين: الأولى موت الدماغ وذكروها. والثانية توقف القلب توقفًا نهائيًا وذكروها. ثم قالوا: ويجوز في هذه الحالة رفع أجهزة الإنعاش.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هذا نص القرار: يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة بعد ذلك إذا تبين فيه إحدى العلامتين التاليتين. الذين جاءوا الآن معطوف عليهم.
الرئيس:
سادسًا: يمشي على ما ترون. إذن سابعًا.
الشيخ آدم شيخ عبد الله علي:
الحقيقة حتى إذا كان الإنسان ميتًا موتة حقيقية، فأنا أتحفظ أخذ عضو من أعضائه إن لم تتعلق بذاته الشخصية حق من الحقوق، حياة الجنين المرجو حياته أو مال ابتلعه أو ما شابه ذلك. أنا أتحفظ حتى لو كانت موتة حقيقية غير موتة الدماغ موتة تامة أن أتحفظ على هذا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
عفوًا سيدي الرئيس، هنا ربما سهو فيه خطأ لغوي: بوساطة، ما فيه واسطة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
الرئيس:
ماشي إن شاء الله؟ الشيخ عبد اللطيف.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
سماحة الرئيس، أرجو أن يكتب تحفظي على كل هذه القرارات، فأنا أسد هذا الباب سدا محكمًا وسدا للذريعة؛ حتى لا يتجرأ الأطباء في المستقبل إلى ترك هذه الضوابط التي اجتهدتم مأجورين.
الرئيس:
حتى نقل الدم يا شيخ، وحتى قطع الأصبع الزائدة وحتى النقل من جسم إلى الجسم نفسه؟
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
ما عدا نقل الدم وهذه الحالات جائزة.
الرئيس:
لا، هذا ما يصلح يا شيخ، أنا لا أستثني على ذمتك، أنت الذي تستثني على ذمتك أنت. القضية أن الإنسان يتحفظ عليه جميعه وفيه ما نقطع بإباحته، وإنه غير محرم هذا في الحقيقة فيه شيء.. على كل جزيت خيرًا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
أرجو أن تعرفوا ما أتحفظ عليه، ما عدا نقل الدم والنقل من نفسه إلى ذاته.
الرئيس:
على كل يا شيخ نكتبه في ورقة وترسله للمقرر.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أعتذر سيادة الرئيس، أعتقد أني متحفظ على المادة السابعة فقط، ولا أمانع من أن يبيع إنسان كليته إذ أجزنا ذلك أو يبيع عضوًا منه، والقول: إنها لا تقبل الملكية لا أراه صحيحًا طبعًا تحفظ وأرجو أن يسجل.
الرئيس:
أرجو من أصحاب الفضيلة شيئًا واحدًا. أن القرار أو الفقرة إذا كانت انتهت بالأكثرية ولأحد تحفظ أن يتفضل بكتابة تحفظه ويبعثه لفضيلة المقرر، وبذلك تبرأ ذمة الجميع وينتهي الأمر على وضعه.
القرار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (1) د 4 / 08 / 88
بشأن
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد h طلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا".
وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعًا لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو: أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه.
ثانيًا: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه.
على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ثالثًا: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1 -
نقل العضو من حي.
2 -
نقل العضو من ميت.
3 -
النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديًا، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائيًا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائيًا لا رجعة فيه طبيًا.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا لا رجعة فيه طبيًا.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة التي تسقط تلقائيًا.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما، عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامسا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد؛ ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.