الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صرف الزكاة لصالح صندوق
التضامن الإسلامي
إعداد
سعادة الدكتور عبد الله إبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا البحث سيتناول بإيجاز مدى إمكان إنشاء إدارة عالمية للزكاة تهتم جميعها على المستوى العالمي لصالح صندوق التضامن الإسلامي.
ومعني هذا أنه إذا أمكن ذلك فستكون هناك إدارة عالمية للزكاة مهمتها القيام بجمع الزكاة وما إليها من موارد أخرى واستئجارها. ((صندوق التضامن الإسلامي)) يقوم بالتحقق من مصارفها الشرعية على مستوى الدول الإسلامية ومجتمعاتها في الشرق والغرب، وفي القارات والمحيطات، فينفق عليها مما جمعته الإدارة المذكورة، وبالتالي فلا تبرز هناك مسألة صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي. فإن الصندوق ليس حتما من مصارف الزكاة حتى ينفق من الزكاة لصالحه، بل يكون الصندوق أداة إيصال الزكاة إلى مصارفها الشرعية، وعليه فسنتعرض في هذا البحث إلى ما يأتي:
أ) إمكانات تكوين الإدارة العالمية للزكاة.
ب) مصادر تمويلها.
ج) مصارفها.
أولا: إمكانات تكوين الإدارة العالمية للزكاة:
((لصالح صندوق التضامن الإسلامي))
لعل كل واحد منا لا يحتاج إلى بذل جهد كثير للوقوف على هذه الإمكانات؛ حيث إن الأخبار من الصحف والمجلات والإذاعات الإسلامية والأجنبية قد كشفت لنا جميعا الشيء الكثير عن هذه الإمكانات، بل إننا لنجد إلى جانبها رغبة جماعية أكيدة ودواع كثيرة لقيام مثل هذه الإدارة التي تتولى مسؤولية تطبيق الزكاة على المستوى العالمي، والتي تخدم أهدافا عامة مشتركة بين المسلمين جميعا في كل مكان.
ويمكن أن نلخص ذلك كله فيما يلي:
(1)
وجود عدة دول إسلامية غنية، بحيث لا يحتاج رعاياها إلى الزكاة؛ نظرا لغناهم بأموالهم من ناحية، ولقيام هذه الدول بواجب الكفالة الاجتماعية (الضمان والتأمين الاجتماعيين) لرعاياها المحتاجين من ناحية أخرى، وهم ليسوا بكثير في هذه
الدول، كالسعودية والكويت وبقية دول الخليج العربي (بما فيها العراق وإيران) وليبيا. ففي السعودية مثلا نجد ميزانية مؤسسة الضمان الاجتماعي (في هذه السنة 97/1398هـ - 77/1978م) تبلغ " 1046 مليونا " من الريالات:(1) فالضمان الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تقوم به الحكومة دون أن يترتب على الأفراد دفع أي قسط أو اشتراك أو ضريبة. وإن أي حادث من الحوادث الكونية المدمرة كالحريق أو انهيار المنازل أو نحو ذلك فإن الحكومة تتكفل بتقديم التعويض المناسب من غير حاجة إلى دفع اشتراك للتأمين على الحوادث مقدما.
فرعايا هذه الدول الغنية إذن لا يحتاجون إلى زكوات أغنيائها؛ لقيام هذه الحكومات بما تهدف إليه الزكاة، إلا أن الزكاة – كما سبق أن قررنا- لن تسقط أبدا عن أغنياء هذه الدول. كما لا يجوز لهذه الحكومات أن تهمل شؤونها أو تعفي أغنياءها من أدائها.
وعلى ذلك فزكوات أغنياء هذه الدول من الممكن أن تخصص لتكون أحد مصادر تمويل هذه الإدارة العالمية للزكاة.
(2)
وجود فوائض مالية كثيرة لهذه الدول الغنية، لا تحتاج إليها، بل ذكرت الأخبار في الصحف والمجلات أنها لا تعرف ماذا تفعل بهذه الفوائض؟ فراحت تبعثرها في البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية الأجنبية في أوروبا وأمريكا وغيرهما ليستفيد بها الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
(1) من صحيفة أخبار العالم الإسلامي إصدار رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة يوم الاثنين 4 رجب 1397هـ - الموافق 20 يونيو 1977م)
(3)
وإلى جانب هذه الفوائض فإن هناك الودائع المودعة في البنوك الأجنبية كذلك، وهذه الفوائد تركت لهذه البنوك فتعيد استثمارها لتأتي بالأرباح المضاعفة، ولا يأخذها أصحابها باعتبار أنها ربا محرم، فيستفيد بها الأصدقاء والأعداء على حد سواء أيضا. فقد تناول بالكلام على هذه الفوائض وهذه الفوائد كثير من الخبراء الاقتصاديين في الصحف والمجلات وفي أبحاثهم ومحاضراتهم في المؤتمرات والندوات والاجتماعات، وطالبوا جميعا بالاستفادة بهذه الفوائض بما يعود بالنفع على العالم الإسلامي والدول الفقيرة والنامية في العالم الثالث (دول عدم الانحياز) ونخص بالذكر هنا أحد الاقتصاديين البارزين العاملين في خدمة العالم الإسلامي وهو الدكتور غريب الجمال؛ فقد تناول سيادته هذه المسألة في كتابه (المصارف والأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية والقانون) وكان مما قاله:"إن كثيرا من المسلمين يودعون أموالهم في مصارف أجنبية، مع كل ما هو معروف عن نظام العمل في تلك المصارف؛ من حيث قيامها بإعطاء فوائد قد تصل في حالات متعددة إلى مبالغ كبيرة يضطر أصحابها إلى التخلي عنها ويتنازلون عنها للمصرف؛ خوفا من أن تدخل تحت وطأه الربا المحرم. ونتيجة لذلك تضيع على المسلمين أموال طائلة إن لم تكن مستحقة لصاحب المال نفسه (المودع) فهي في الواقع مستحقة إلى بيت مال المسلمين لدعمه ولصرفها على المسلمين في نفعهم العام والخاص، وفي الجهاد إذا لزم الأمر، كما أن تركها في حد ذاته من أكبر دعامات اقتصاد أعداء المسلمين الذين يستخدمونها ضد الأمة الإسلامية، وكثير من هؤلاء قد ناصبنا العداء فعلا ويحاربنا عقائديا وفعليا ". وذكر سيادته أن في ترك هذه الفوائد لتلك المصارف مضرة أعظم من أخذها، فلهذا رأى وجوب أخذها وحرمة تركها لهم. وبعد أن أفاض في الاستدلال على ذلك لخص موقفه بقوله: " ونخلص من كل ذلك إلى الفوائد المشار إليها:
1-
ترد من قوم ليسوا بمسلمين.
2-
أنها حينما تترك تستخدم ضد المسلمين في نواح عديدة، سواء كان ذلك بالتبشير ضد الإسلام، أو بالتبرع بها لأعداء المسلمين على أي وضع كانوا.
وبذلك فإنه من الواجب – الذي يأثم المسلم إذا خالفه – أن يأخذ المسلمون هذه الفوائد ليستخدموها في مصلحة المسلمين. (1)
(1) والدكتور غريب الجمال أحد الاقتصاديين المعروفين في العالم الإسلامي، وهو مصري، وكان أحد الأساتذة بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة، ويعمل حاليا مديرا لصندوق التضامن الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة. ومن مؤلفاته كتابه:" التضامن الإسلامي في المجال الاقتصادي "
وعلى ذلك فكل من هذه الفوائض وهذه الفوائد مما يمكن أن يخصص كمورد لتمويل هذه الإدارة العالمية للزكاة سنويا لاستخدامها في مصالح عامة للمسلمين ومشتركة بينهم جميعا. وعلى أصحابها أن يتعاونوا مع هذه الإدارة – في حالة قيامها – لتوريد هذه الفوائض والفوائد إليها لخدمة المصالح المشتركة للمسلمين.
3-
وجود رغبة جماعية أكيدة بين المسلمين في قيام مثل هذه الإدارة، وتكشف عنها مواقف عديدة للمسلمين في كتاباتهم وأبحاثهم وفي مؤتمراتهم وندواتهم واجتماعاتهم. من ذلك:
تأسيسهم لصندوق الزكاة في البنك الإسلامي للتنمية، وبهدف القيام بجمع الزكاة من المسلمين في البلدان التي لا يقوم أولو الأمر فيها بجباية الزكاة منهم. ويمثل هذا الصندوق أحد الأركان الهامة في تنظيم البنوك الإسلامية. (1)
ومعلوم أن هذا البنك تساهم في إنشائه حوالي ثلاثين دولة إسلامية، وكان من النتائج الهامة لعدة مؤتمرات القمة لملوك ورؤساء الدول الإسلامية ومؤتمرات وزراء الخارجية والمالية والاقتصاد لهذه الدول، وهي المؤتمرات التي تنظمها منظمة المؤتمر الإسلامي التي مقرها الحالي – بصفة مؤقتة – مدينة جدة.
وعليه، فقد تأسست إذن في العالم الإسلامي اليوم إدارة عالمية للزكاة.
كما كان مما يؤكد للرغبة المذكورة أيضا تأسيسهم صندوق التضامن الإسلامي ووكالة الغوث والإنعاش الإسلامية.
ويهدف صندوق التضامن الإسلامي تحقيق كل ما من شأنه رفع مستوى المسلمين في العالم، والمحافظة على عقيدتهم ودعم تضامنهم وجهادهم في جميع المجالات.
وكان هذا الصندوق من نتائج مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد بلاهور (باكستان) فيما بين 29 محرم – أول صفر 1394 هـ (22 – 24 فبراير 1974م)، وقد نص في قراره: إنشاء صندوق التضامن الإسلامي للإنفاق على شؤون الوحدة والقضايا الإسلامية والنهوض بالثقافة والقيم والجامعات الإسلامية.
بينما تهدف وكالة الغوث والإنعاش الإسلامية توفير الإنعاش والمساعدات الموجهة للأقليات المسلمة التي تعاني من سلطات الحكم في بلادها، كالمسلمين في جنوب الفلبين، وتمول من صندوق التضامن الإسلامي ومن تبرعات الدول الإسلامية، وتخضع لرقابة المجلس الدائم للصندوق. وإلى جانب ذلك فقد تكونت هناك عدة مؤسسات مالية أخرى تحمل هدف تقديم مساعدات مالية للمسلمين وحركاتهم في كل مكان. تكونت هذه الصناديق في كل من السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وليبيا وغيرها من الدول الإسلامية الغنية.
(1) كتاب منهج الصحوة الإسلامية د. أحمد النجار ص 56، 309 وكتاب المصارف والأعمال المصرفية د. غريب الجمال ص 392.
4-
هذا كله بالإضافة إلى أن هناك دواع كثيرة لإقامة هذه الإدارة العالمية للزكاة،منها:
أ) وجود أغنياء مسلمين كثيرين منتشرين في البلاد الأوروبية والأمريكية وغيرها من البلدان غير الإسلامية – بل والإسلامية أيضا – ولا إدارة زكاة واحدة تجمعها منهم للإنفاق منها على مستحقيها المنتشرين أيضا في هذه البلاد واستخدامها في مصالح إسلامية عامة مشتركة. وإذا وجد في بعض البلاد غير الإسلامية بعض (1) الأجهزة التي تقوم بجمع الزكاة، فهو في حكم النادر، والنادر لا حكم له.
ب) انتشار الفقر بين المسلمين في كل مكان وخصوصا في البلدان الفقيرة التي يحكمها المسلمون، أو يحكمها غيرهم من الحكام غير المسلمين، أو الحكام الأجانب المستعمرين.
ج) حاجة المجاهدين المناضلين المالية لتحرير بلادهم ورقابهم من الاستعمار، أو من حكم الكفرة، أو الحكام الطغاة، كإخواننا الفلسطينيين ومسلمي جنوب الفلبين وقطاني (جنوب تايلاند) وإريتريا وغرب الصومال وغيرهم.
د) حاجة اللاجئين المسلمين المهاجرين بدينهم بعد سقوط بلادهم لحكم الشيوعيين؛ كالمسلمين المهاجرين من كل من فيتنام وكمبوديا وكذلك المهاجرين من حكم الكفرة المتعصبة كالمسلمين البورماويين وغيرهم.
هـ) وهناك منظمات واتحادات ومراكز إسلامية كثيرة تعمل لخدمة الإسلام والدعوة إليه في مختلف بقاع الأرض، وكلها في حاجة شديدة إلى الدعم المالي لممارسة أنشطتها الإسلامية، خصوصا تلك الإسلامية القائمة في أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزلنده، وغيرها من الدول غير الإسلامية – بل والإسلامية أيضا- والجزر المنتشرة في البحر الهندي والمحيط الهادي والأطلسي.
(1) ذكر الدكتور محمود أبو السعود أن المسلمين في ولاية إنديانا بأمريكا قد أنشؤوا بنكا إسلاميا بلا فوائد، ومن بين أعماله جمع الزكاة من أصحاب المال المتعامل معه (المودع والمساهم) بعد موافقته على أداء زكاته إلى هذا البنك لصرفها على مستحقيها. عن جريدة الأهرام القاهرية، الجمعة 2/4/1976م
ويجدر أن نذكر هنا بعض الأمثلة للأنشطة التي تقوم بها هذه المنظمات والمراكز الإسلامية، وتحتاج إلى الدعم المالي. وذلك كالأنشطة التي ينظمها المجلس الإسلامي الأوروبي (مقره لندن) . فقد رأى المجلس أن هناك ميادين رئيسية تتطلب اهتماما فوريا، من بينها:
أ) إنشاء مساجد ومراكز ثقافية إسلامية في كل مدينة فيها عدد كبير من السكان المسلمين.
ب) إنشاء نزل على أسس إسلامية للطلبة المسلمين في مختلف المراكز التعليمية الكبرى في أوروبا؛ لأن هذا يمثل الطريق الأفضل للحفاظ على الشخصية الإسلامية للشباب المسلم.
ج) إنشاء مدراس للبنين والبنات على أسس إسلامية، حيث إن هناك العشرات من المدارس المسيحية واليهودية التي تحافظ على مستويات تعليمية عالية، فكانت هناك حاجة كبرى إلى مدارس مشابهة للطلبة المسلمين، كما أن هناك حاجة ملحة لإنتاج مواد تعليمية للأطفال والشباب المسلمين في أوروبا. وكل هذه الأعمال تحتاج إلى الدعم المالي.
د) ومن بين الأنشطة الضرورية نشر المطبوعات الإسلامية باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية.
هـ) تنظيم المؤتمرات والندوات؛ فقد كان المهرجان الإسلامي الدولي بلندن في شهر أبريل 1976م أقيم بتنظيم من هذا المجلس. وقد كان هذا المؤتمر أكبر تجمع حتى الآن للمسلمين في أوروبا، ونجح في إعطاء المسلمين في أوروبا إحساسا بالفخر، ونقل إلى الغرب الرسالة الإسلامية.
ونظرا لشدة احتياج هذه المنظمة الإسلامية إلى الدعم المالي، ولكي تتمكن من ممارسة أنشطتها المرسومة، فقد طلبت تخصيص جزء من صندوق التضامن الإسلامي لأوروبا؛ كما طلبت أن تقوم الحكومات الإسلامية بتوفير اعتمادات مالية للاستثمار في قطاع العقارات؛ وذلك حتى يتثنى تمويل أنشطة المجلس الإسلامي الأوروبي والمنح التي يخصصها للدول والمنظمات الأخرى من حصيلة هذا الاستثمار؛ فإن هذا من شأنه أن يحقق الاستقرار للعمل الإسلامي في أوروبا، كما أنه من شأنه أن يمكن المجلس الإسلامي الأوروبي من اللجوء إلى الوسائل السليمة لوضع ميزانيته ووضع خططه على المدى المتوسط، وعلى المدى الطويل. (1) هذا وإذا وجدت هناك عدة مؤسسات مالية – كما تقدم ذكرها – تقوم بتقديم المساعدات المالية إلى الدول والمنظمات والمراكز والاتحادات الإسلامية فهذا ما يشكر عليه كل مسلم، بل إننا لنرجو قيام المزيد من مثل هذه المؤسسات، وخصوصا أنها قد أفادت إفادة عظيمة للعالم الإسلامي والحركات والمنظمات الإسلامية في كل مكان.
وإن هذا كله لا يتنافى مع إنشاء الإدارة العالمية للزكاة؛ لأن هذه المؤسسات القائمة تعتمد في مواردها المالية على الأموال المخصصة من الدول الإسلامية الغنية وتبرعاتها، بينما الإدارة العالمية للزكاة التي نحن بصددها الآن ستعتمد على المورد الأساسي من زكوات الأغنياء في الدول الغنية خاصة، وفي الدول التي لا توجد فيها إدارة مسؤولة عن جبايتها الزكاة منهم، بالإضافة إلى الموارد الأخرى كما يأتي ذكرها بعد قليل.
وهذه هي بعض الإمكانيات لتكوين الإدارة العالمية للزكاة، والأدلة على الرغبة الجماعية الأكيدة في قيامها ودواعي قيامها.
(1) كتاب التضامن الإسلامي د. غريب الجمال ص 202-205
مصادر تمويل الإدارة العالمية للزكاة:
مما سبق نستطيع أن نلمح بعض مصادر تمويل هذه الإدارة العالمية للزكاة في حالة تكوينها ومباشرتها للأعمال الموكولة إليها، وهي كما يلي:
1) زكوات أغنياء المسلمين في الدول الإسلامية الغنية (كالسعودية والكويت واتحاد الإمارات العربية وبقية دول الخليج الغنية والعراق وإيران وليبيا)
2) زكوات الأغنياء المسلمين المنتشرين في الدول غير الإسلامية، بل والإسلامية أيضا إذا لم يقم أولو الأمر فيها بجباية الزكاة منهم، حيث إن هذا هو الهدف من إنشاء صندوق الزكاة بالبنك الإسلامي (الدولي) للتنمية، كما تقدم.
3) الزكوات التي يقوم بجمعها صندوق الزكاة بالبنك الإسلامي للتنمية وفروعه في كل مكان.
4) الفوائض التي لا تحتاج إليها الدول الغنية للإنفاق على مشاريعها الداخلية والخارجية، فتوضع كلها أو معظمها كلها في صندوق الإدارة العالمية للزكاة لاستثمارها، على أن يكون لها أرباحها، بينما هذه الفوائض تبقي مملوكة لأصحابها، إلا إذا تبرعوا بها أو بجزء منها إلى هذه الإدارة لاستخدامها في مصالح المسلمين وخدمه قضاياهم المشتركة.
5) فوائد الودائع التي لا يود أصحابها (المودعون) قبولها من البنوك الأجنبية في أوروبا وأمريكا وغيرها باعتبار أنها من الربا المحرم، فيحولونها إلى صندوق هذه الإدارة
لاستخدامها في مصالح المسمين، ولا يتركونها لتلك البنوك؛ منعا لاستخدامها لصالح أعداء المسلمين.
6) نسبة معينة من حصيلة الزكوات في الدول والمجتمعات الإسلامية التي يقوم أولو الأمر فيها بجباية الزكاة من أغنيائها، وذلك كمساهمة من هؤلاء الأغنياء لتمويل الإدارة العالمية للزكاة لخدمة المصالح العامة المشتركة.
7) هدايا وأضاحي الحجاج (المهمل معظمها في سفوح جبال منى كل عام فيما سبق) وهي التي سبق أن اخترنا جعلها كأحد مصادر تمويل الإدارة المركزية للزكاة بمكة المكرمة. ولما اتضح لنا أن فقراء السعودية لا يحتاجون إلى زكوات أغنيائها ولا إلى مثلها، نظرا لقيام الدولة السعودية بواجبها كاملا تجاههم كما سبق بيانه، فحصيلة الزكوات وغيرها بمكة المكرمة يصح أن تكون أحد مصادر تمويل الإدارة العالمية للزكاة، بل وجميع إدارات الزكاة بالسعودية يمكن اعتبارها فروعا للإدارة العالمية للزكاة للسبب السابق.
8) تبرعات الدول الغنية وتبرعات المسلمين وأوقافهم وكفاراتهم ونذورهم في حالة اختيار أصحابها تسليمها إلى هذه الإدارة العالمية للصرف على مستحقيها بواسطة هذه الإدارة.
9) أرباح استثمار الأموال المتجمعة في هذه الإدارة وفروعها في كل مكان، سواء كانت من حصيلة الزكوات أو غيرها.
فهذه هي مصادر تمويل الإدارة العالمية للزكاة على ما يتراءى لي. ولاشك أن خبراء المال والاقتصاد يستطيعون أن يوجدوا مصادر أخرى لهذه الإدارة العالمية للزكاة في حالة قيامها ومباشرتها لأعمالها.
ولننتقل الآن إلى مصارفها.
ج) مصارف الإدارة العالمية للزكاة:
فبالنسبة لمصارف هذه الإدارة يمكن أن نسترشد بأهداف إنشاء صندوق الزكاة بالبنك الإسلامي للتنمية، وهو اتفاقها في مصارفها الشرعية في البلاد التي لا يقوم أولو الأمر فيها
بهذا العمل (1)
وطبقا لهذا يمكن أن نشير هنا إلى بعض مصارفها الهامة وهي كما يلي:
1) فقراء المسلمين في الدول غير الإسلامية، وكذلك الدول والمجتمعات الإسلامية التي لا يقوم أولو الأمر فيها بجباية الزكاة من أغنيائها، وقامت هذه الإدارة بجبايتها منهم.
2) مساعدة المسلمين المجاهدين للتحرر من الصهيونية والاستعمار (الغربي أو الشرقي) ، وتخليصهم من الاضطهاد والظلم والاستبداد من قبل الحكام غير المسلمين، أو الحكام المسلمين الطغاة في أي مكان على وجه هذه البسيطة.
3) مساعدة المنظمات والاتحادات والمراكز الإسلامية العاملة على رفع شأن المسلمين والدعوة إلى الإسلام. وإذا كانت المؤسسات المالية المتقدم ذكرها قد قامت بتقديم الدعم والمساعدات التي تحتاج إليها هذه المنظمات والحركات الإسلامية بهذه المساعدات خصصت لها من الأموال العامة للدول الغنية التي أنشأت هذه المؤسسات وليست من حصيلة زكوات أغنيائها، ثم إن المنظمات والحركات الإسلامية برغم تلك المساعدات الكبيرة لا تزال محتاجة إلى مزيد من الدعم والمساعدات لكي تمضي في طريقها لأداء واجباتها نحو الإسلام والمسلمين. وكذلك الفقراء المسلمون المنتشرون في بقاع الأرض لا يزالون يعانون مختلف المشاكل وخصوصا اللاجئين منهم الذين هاجروا بدينهم من أوطانهم بعد سقوطها فريسة للشيوعية، أو الذين اضطروا لترك بلادهم نتيجة لاضطهادهم في بلادهم من الحكام الظالمين المستبدين غير المسلمين.
(1) كتاب منهج الصحوة الإسلامية. د. أحمد النجار ص 56
فبواسطة هذه الإدارة العالمية للزكاة التي سوف يتسنى لنا معاشر المسلمين من تقديم الدعم والمساعدات لتلك الجهات جميعا من حاصلة الزكوات التي اجتمعت لديها وغيرها من المصادر السابق الكلام عنها.. وذلك زيادة على الدعم والمساعدات التي تكرمت بتقديمها المؤسسات سابق ذكرها، والتي يرجو كل مسلم أن تستمر في تقديمها كالمعتاد وزيادة، وقيام المزيد من أمثالها.
وإننا بهذا سوف نستفيد من الأموال التي أهملت دون الاستفادة بها في الأوجه التي تعود بالخير العميم لنا جميعا وعلى الوجه المطلوب في ديننا.
فإن الذبائح والدماء والهدايا التي قدمها الحجاج كل سنة ما شرعت إلا لتكون منافع لنا، كما نص علينا القرآن الكريم:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] ولمصلحة الفقراء منا. ولكن أين هذه المنافع وأين هذه المصلحة ما دامت هذه الذبائح أهملت هكذا كل عام في سفوح جبال القريان بمنى، مع أن هناك محتاجين كثيرين يرغبون في الاستفادة بهذه الذبائح، ولكن لا حول لهم ولا قوة.
فقد حان الآوان بالاستفادة من هذه الذبائح بعد التقدم التكنولوجي والآلات الإلكترونية الحديثة التي يمكن الاستعانة بها في تجميع هذه الذبائح وتنظيفها وحفظها وتوزيعها بالوجه المحقق للغاية من تشريعها.
فإذا لم تكن هناك جهة خاصة تتحمل مسئولية ذلك كله فلتقم بها إدارة الزكاة العالمية مباشرة، أو بواسطة إدارة الزكاة بمكة المكرمة التي يمكن أن تعتبر كإدارة فرعية لهذه الإدارة العالمية، كما تقدمت الإشارة إليها.
ومثل هذا نعمل في الفوائض التي لا تحتاج إليها الدول الإسلامية الغنية، وفوائد الودائع التي يتركها أصحابها للبنوك الأجنبية في أوروبا وأمريكا.
وبهذا نخلص إلى أن تكون الإدارة العالمية للزكاة قد تهيأت لها الوسائل ووجدت هناك رغبة عامة ودواع كثيرة، إلا أن تنفيذ هذا كله – مع ذلك – لن يتم إلا بناء على موافقة الدول الإسلامية والمسلمين وتعاونهم جميعا، ولا شك أنهم جميعا سيتعاونون في تكوينها وإبرازها إلى حيز التنفيذ، وإفساح المجال لها لكي تمارس نشاطها على خير وجه وأتمه.
فإذا تم إنشاء هذه الإدارة العالمية للزكاة فجميع مواردها وما ينتج من استثمارها بواسطة البنك الإسلامي للتنمية، يخص صندوق التضامن الإسلامي؛ لكي يقوم بإنفاقها على مصارفها الشرعية على مستوى الدول والمجتمعات الإسلامية طبقا لأهداف هذه الإدارة وهذا الصندوق. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الدكتور عبد الله إبراهيم