الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة الأسهم في الشركات
إعداد
فضيلة الشيخ عبد الله البسام
بسم الله الرحمن الرحيم
الزكاة
الزكاة: لغة مصدر زكا الشيء إذا زاد ونما.
قال في اللسان: وأصل الزكاة الطهارة والنماء.
والزكاة شرعا: حصة مقدرة من المال مخصوصة لجهات مخصوصة، وسميت الحصة المخرجة زكاة؛ لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه.
والزكاة من حيث الأهمية هي أحد أركان الإسلام، وهي قرينة، فلا تذكر الصلاة في الذكر الحكيم إلا ذكرت الزكاة معها، ولا يذكر المصلون إلا ذكر معهم المزكون والمنفقون.
وهي ركن مالي اجتماعي يقوم به التكافل بين المسلمين.
الزكاة: تطهر نفوس الأفراد من أرجاس البخل والدناءة والقسوة والأثرة والطمع وغير ذلك من الرذائل الاجتماعية التي هي مثار الحسد والتعادي والعدوان والفتن والحروب.
فالفقر يحمل الواقعين تحت سلطانه على إتيان جميع ضروب الشرور للحصول على أخص حاجات الحياة، وهو القوت. فالبطون إذا جاعت دفعت أصحابها لاستساغة جميع صنوف الجرائم، وعدت ذلك عملا مشروعا. وفي البيئات التي يشيع فيها الفقر تروج جميع المذاهب المتطرفة، وتستحل جميع الأعمال الوحشية للوصول إلى أغراضها. ولن تجد في جميع الحروب الأهلية التي قامت لإنصاف الطبقة الفقيرة في أوروبا إلا وهم الطبقة الفقيرة نفسها حاربوا تحت تأثير الحاجة. والإسلام ما جعل فريضة الزكاة ترجع لهوى الشخص، إن شاء أعطى وإن شاء منع، بل جعلها إجبارية؛ لأنها حق الفقير في مال الله الذي أعطاه الغني وقال:{وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} . النور:33
وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} . الحديد:7.
ومن هذا يتبين لنا أن الزكاة ليست إحسانا فرديا، فإن اعتبارها كذلك خروج بها عن معانيها، بل هي حقوق إجبارية تأخذها الحكومة الإسلامية لتصرفها على الطبقة الفقيرة؛ لأن الأصل أن الإمام هو الذي يأخذ ويعطي.
وبالجملة فالزكاة ليست مجرد عمل طيب وخلة حسنة من خلال الخير، بل هي ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وهي في نظر الإسلام حق الفقراء في أموال الأغنياء، لم يوكل إلى ضمائر الأفراد وحدها، وإنما تحملت الدولة المسلمة مسؤولية جبايتها بالعدل وتوزيعها بالحق. وإن الفرد المسلم مطالب بأداء هذه الفريضة وإقامة هذا الركن الأساسي في الإسلام، وإن فرطت الدولة في المطالبة بها، أو تقاعس المجتمع عن رعايتها، فإنها عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويزكي بها نفسه وماله، وإن لم يطالب بها السلطان طالبه بها الإيمان والقرآن.
والزكاة لم تكن مجرد معونة وقتية لسد حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شيء من بؤسه ثم تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة، بل هدفها القضاء على الفقر وإغناء الفقير إغناء دائما يستأصل شأفة الفقر والعوز من حياته؛ لأنها فريضة منظمة دورية دائمة الموارد. وبهذا يتضح أن الزكاة نظام متميز يغاير الأنظمة الوقتية التي تحاول مواساة المعوزين.
الزكاة مواساة:
الزكاة مواساة بين الفقراء والأغنياء، ولذا فإنها لا تجب إلا في الأموال النامية بالفعل والأموال القابلة للنماء.
ومعنى النماء في الأموال أن يكون من شأنه أن يدر على صاحبه ربحا. ولذا فإن الزكاة لا تجب إلا في أموال مخصوصة هي التي تنمي وتفيد دخلا وغلة. أما الأموال المجمدة لحاجة الإنسان واستعمالاته وقنيته فهذه لا تجب فيها الزكاة.
وهذا كله مبني على هذا المبدأ السامي في الزكاة، وهي المواساة بين الفقير والغني، ومن هذا يتعين علينا توضيح وضع الشركات وأسهمها.
الشركات:
الشركة عند فقهائنا المتقدمين هي نوعان:
أحدهما: اجتماع في استحقاق.
الثاني: شركة العقود.
والنوع الأخير هو محل بحثهم، وهو الذي عقدوا له الأبواب في كتاب المعاملات من كتب الفقه. ويقسمون شركة العقود إلى خمسة أنواع:
الأول: شركة عنان، وشركة العنان هي أن يشترك اثنان فأكثر بمالهما المعلوم ليعملا فيه ببدنيهما، ويكون الربح بينهما مشاعا حسبما شرطاه بينهما، وتكون الخسارة على قدر المال.
الثاني: شركة المضاربة، من الضرب في الأرض، وهو السفر للتجارة، وهي أن يكون المال من واحد والعمل من الآخر، ويكون رأس المال لصاحبه، وللعامل جزء من الربح مشاع ومعلوم على حسب ما شرطاه.
الثالث: شركة الرجوة، وهي أن يشتركا على أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما، فما ربحا فهو بينهما على ما شرطاه.
الرابع: شركة الأبدان، وهي أن يشتركا فيما يكتسبانه بأبدانهما، فما رزق الله تعالى من كسب فهو بينهما.
الخامس: شركة المفاوضة: وهي أن يفوض كل من الشريكين إلى صاحبه بكل تصرف مالي وبدني مما يدخل في أعمال الشركة.
فهذه هي أنواع الشركات عند فقهائنا الأقدمين على حسب ما تتبعوه من معانيها في النصوص الشرعية، وبحسب ما استقرأوه من أنواعها.
أما الشركات المعاصرة فلم تكن آنذاك موجودة، ولهذا لم يأت لها ذكر في كتب فقهائنا السابقين. وإنما حدثت أنواعها مع حدوث الاقتصاد المعاصر وطرق مكاسبه وأنواع مصارفه، وذلك بتطوير النظام التجاري، وسنأتي بكلمات معدودات على توضيح بعض أنواع الشركات؛ لعلاقتها بموضوعنا.
الشركات المعاصرة:
النظام التجاري له أهمية كبرى، بحيث إنه لا ينتظر نجاح مشروع دون وضع قواعد لبيان هيكله وتوضيح معالمه، وتحديد مسؤولياته من الناحية التخطيطية أو من الناحية الإدارية التنفيذية، كما يجب أن تعطى للعاملين بالمشروع التجاري الضمانات الكافية، سواء كانوا موظفين أو مساهمين، وإلا انعدمت الثقة بالمشروع. والضمانات تتوقف في تحديدها إلى حد كيبر على الشكل النظامي للمشروع، والشكل النظامي يتخذ أحد الأشكال الآتية:
1-
الملكية الفردية، وهذه أبسط مظاهر المشروعات النظامية؛ لأن صاحبه والمسؤول عنه فرد واحد، والثقة فيه تقوم على حسب إدارة صاحبه.
2-
شركة التضامن: وهي تضامن الشركاء في إدارتها والوفاء بالتزاماتها، ويتوقف نجاح هذه الشركة على تضامن الشركاء في العمل وإخلاصهم في المشروع، وهي غالبا لا تنجح في الأعمال التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، وإنما نجاحها في الأعمال السريعة والنقليات الدائمة المستمرة.
3-
شركة التوصية البسيطة: وهي ما جمعت نوعين من الشركاء:
أحدهما: ضامن متضامن لالتزامات الشركة.
الثاني: شريك برأس مال ومسئول بقدر حصته فقط.
وغالبا ما تكون هذه الشركة لمتوسطي أصحاب رؤوس الأموال، وهي من أنواع – شركة التضامن- وفيها ميزاتها من المحاسن والمساوئ.
4-
شركة التوصية بالأسهم: وهي تكون رؤوس أموال كبيرة، إلا أنها أقل من المبالغ التي تكون للشركة المساهمة الآتية؛ ذلك أن عدد المساهمين في التوصية يكون محدودا؛ لأن أسهمها لا تطرح للاكتتاب العام وإنما هي أسهم محدودة. ومسئوليات وحقوق المساهمين من متضامنين وموصين تشبه مسؤوليات وحقوق المساهمين في التوصية البسيطة، ونظرا لسهولة تكوين هذه الشركات من الناحية القانونية فالإقبال على إنشائها يكون أكثر؛ لبعدها عن المسؤوليات القانونية والمراقبة وفرض الأنظمة التجارية عليها وعلى مؤسسيها مما يفرض على الشركات المساهمة لحماية حق المساهم.
5-
الشركة المساهمة:
الشركة المساهمة هي النوع الوحيد الذي يصلح لتكوين المشروعات العظيمة ذات العمل الواسع، وهي التي تتطلب أموالا جسيمة لا يمكن جمعها إلا من عدد كبير من الجمهور، فشركات الكهرباء والإسمنت وشركة الملاحة وشركات النقل والعقارات والفنادق وغيرها من الصناعات الكبرى والأعمال الواسعة لا يمكن لفرد واحد ولعدد قليل من الأفراد تمويلها، فالأمر يحتاج إلى أمرين:
1-
صغر قيمة السهم لكسب عدد كبير من المساهمين.
2-
إمكان تحويله أو بيعه والحصول على الثمن في أي وقت لترغيب جميع المساهمين على اختلاف رغباتهم في المساهمة.
فمن مزايا الشركات المساهمة عملها على تحقيق رغبة المستثمرين المتباينة، فمنهم الساعي وراء الربح، ومنهم المحافظ القانع بالفائدة المعلومة، ومنهم المتوسط بين الأمرين، ومنهم من يريد مجرد المحافظة على رأس ماله من الضياع والمجازفات، فيختار الضمان.
أسهم الشركات
السهم: صك يمثل حصة في رأس مال شركة مساهمة.
وتكون الأسهم نقدية إذا مثلت حصصا نقدية في رأس مال الشركة، وعينية إذا مثلت حصصا عينية في رأس مال الشركة، وليس للشريك في الحالين سوى حق شخصي في أموال الشركة عند تصفيتها، فهي حقوق ملكية جزئية لرأس مال كبير للشركات المساهمة، وكل سهم جزء من أجزاء متساوية لرأس المال.
والسهم ينتج جزءا من ربح الشركة، يزيد أو ينقص تبعا لنجاح الشركة وزيادة ربحها أو نقصه من الخسارة؛ لأنه مالك لجزء من الشركة بقدر سهمه.
قيمة السهم:
وللسهم قيمتان:
إحداهما: قيمة اسمية، وهي القيمة المقدرة عند إصداره.
الثانية: قيمة سوقية تحدد في سوق الأوراق المالية.
والأسهم قابلة للتعامل والتداول بين الأفراد كسائر السلع، مما يجعل بعض الناس يتخذ منها وسيلة للاتجار بالبيع والشراء ابتغاء الربح من ورائها. وهذا التعامل مشروع لأنه مبني على أسس سليمة من شروط البيع وأحكامه، فمما يؤثر جواز التبادل التجاري في الأسهم ما ورد أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما توفي كان ذا مال، فراضى ورثته إحدى زوجاته، وهي تماضر الأشجعية، على أن تأخذ مقابل سهمها في الميراث مبلغ ثمانين ألف دينار، وكانت التركة تشمل نقودا وعقارا ورقيقا وحيوانا، وكان هذا الإجراء بعد أن استشار الخليفة عثمان الصحابة، فكان ذلك إجماعا، ولم تكن الدقة في معرفة التركة وتعدد أنواعها وكونها غير مصفاة مانعا من ذلك. وهذا هو عين بيع الأسهم من الشركات سواء سميناه بيعا أو صلحا أو معاوضة.
وموقف الشركة أخذ من قضية الإرث؛ ذلك أن مركز الشركة المالي يعرض كل عام في صورة ميزانية تنشر على أوسع نطاق، بحيث يتوفر الأخصائيون على دراستها وتحديد أصول الشركة وخصومها وتقييمها، وبالتالي تحديد مجموع رأس المال الموزع على الأسهم الصادرة عن الشركة والمتداولة بين أيدي المساهمين.
قال مفتي البلاد السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى: ورد إلينا استفتاء عن هذه الشركات المساهمة – كشركة الكهرباء والإسمنت والغاز ونحوها مما يشترك فيه المساهمون ثم يرغب بعضهم بيع شيء من سهامهم بمثل قيمتها، أو أقل أو أكثر، حسب نجاح تلك الشركة وضره، وذكر المستفتي أن الشركة عبارة عن رؤوس أموال بعضها نقد وبعضها ديون لها وعليها، وبعضها قيم ممتلكات وأدوات مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف، واستشكل السائل القول بجواز بيع تلك السهام؛ لأن المنصوص عليه اشتراط معرفة المتبايعين للبيع، كما أنه لا يجوز بيع الدين في الذمم، وذكر هذا مما عمت به البلوى.
والجواب: الحمد لله
لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كفيلة ببيان كل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم؛ قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} . النحل:89.
والكلام على هذا مبني على معرفة حكم هذه الشركة ومساهمة الناس فيها، ولا ريب بجواز ذلك، ولا نعلم أصلا من أصول الشرع يمنعه وينافيه، ولا أحدا من العلماء نازع فيه.
إذا عرف هذا فإنه إذا كان للإنسان أسهم في أية شركة، وأراد بيع أسهمه منها، فلا مانع من بيعها بشرط معرفة الثمن، وأن يكون أصل ما فيه الاشتراك معلوما، وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضا.
فإن قيل: إن منها جهالة لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها.
فيقال: إن العلم في كل شيء بحسبه، فلابد أن يطلع المشتري على ما يمكن الاطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة، ولابد أن يكون هناك معرفة عن حالة الشركة ونجاحها وأرباحها، وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب؛ لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسارتها، كما تبين ممتلكاتها من عقار ومكائن وأرصدة، كما هو معلوم من الواقع، فالمعرفة الكلية ممكنة ولابد. وتتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة، ومن القواعد المقررة: أن المشقة تجلب التيسير.
فإن قيل: إن في هذه الشركات نقودا أو بيع النقد بنقد، ولا يصح إلا بشرطه. كما أن للشركة ديونا في ذمم الغير، أو إن على تلك السهام المبيعة قسطا من الديون التي قد تكون على أصل الشركة، وبيع الدين في الذمم لا يجوز إلا لمن هو عليه بشرطه. فيقال: إن هذه من الأشياء التابعة التي لا تستغل بحكم، بل هي تابعة لغيرها، والقاعدة: أنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا. ويدل على ذلك حديث ابن عمر مرفوعا: ((من باع عبدا وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع)) رواه مسلم.
فعموم الحديث يتناول مال العبد الموجود، والذي له في ذمم الناس، وهذه الشركات ليس المقصود منها موجوداتها الحالية، وإنما المقصود منها ما وراء ذلك، وهو نجاحها ومستقبلها وقوة الأصل في إنتاجها والحصول على أرباحها المستمرة. والله أعلم. اهـ. كلامه رحمه الله.
وبعد: فمعرفة الحكم الشرعي في حكم تأسيس الشركات وفي حكم المساهمة بها وحكم التعامل بها بيعا وشراء وغير ذلك أمر يهمنا في هذا الباب؛ فإن الكلام في حكم زكاتها فرع عن معرفة هذه الأحكام، وهنا يحكي لنا سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله الإجماع على جواز بيع سهامها، ويسند الدليل إلى عموميات الشريعة الإسلامية وتكفلها بتلبية البيان الشافي في أحوال الدنيا والآخرة.
ومن أصول الشريعة الإسلامية القاعدة الآتية:
الأصل في المعاملات والعادات الإباحة والجواز، ما لم يأت دليل يدل على حرمتها.
وبعد أن تصورنا الشركات وعرفنا أحكامها الشرعية من حيث التأسيس والإنشاء، ومن حيث التداول والتصرف بأسهمها بالبيع والشراء وسائر التصرفات، أمكننا أن نعطي الحكم عليها من حيث وجوب الزكاة من عدمه، ومن حيث قدر الزكاة فيها ومكان الوجوب من رأس مالها أو ربحها أو منها جميعا. ذلك فإن ما سبق من المقدمات واجب أمام البحث والحكم الشرعي. فإن في الزكاة عنصرين هامين في تحقيق وجود الزكاة في المال:
العنصر الأول: حله وطهارته؛ فإن الأموال المحرمة المكتسبة من طرق محرمة وبأسباب غير مشروعة يجب التخلص منها كلها نهائيا، ولا تطهرها الزكاة والصدقات؛ فإن الله طيب لا يقبل من الأعمال إلا طيبا. فالأموال المحرمة إن اكتسبت بطريق الظلم والغصب والاستيلاء بغير حق وجب ردها إلى أصحابها، وإن اكتسبت من خدمات محرمة ومعاملات فاسدة كالمنافع المحرمة والربا والغش فهذه يجب إعطاؤها الفقراء أو جعلها في المشاريع الخيرية ونحو ذلك.
العنصر الثاني: إن الزكاة مواساة بين الأغنياء والفقراء وبين أصحاب الأموال والمعدمين.
ومن هذا المنطلق فإن الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية من تجارة أو زراعة أو أنعام سائمة. وأما الأموال التي لا تنمو ولم تعد للنماء، فلا زكاة فيها، وذلك كأموال القنية من المساكن والمراكب والفرش والأواني والملابس ونحو ذلك، فهذه لا زكاة فيها، وسيأتي تفصيل في أنواع الشركات وما هو منها تجاري وما هو صناعي، ثم بيان طريق زكاتها
، هل الزكاة في أصل الأسهم والأرباح أو في الأرباح فقط؟
تقدم أن بعض المساهمين يتخذ الأسهم للاتجار والتعامل بقصد الربح، وأن بعضهم يتخذها للاقتناء والكسب من غلاتها، لا للاتجار فيها. فأما القسم الأول: فهذا تعتبر الأسهم عنده عروض تجارة وتعامل في البورصة بالبيع والشراء، فيكون حكمها حكم عروض التجارة، فتؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية العام الذي ملكت فيه، وذلك كل عام حينما يدور حولها.
وأما القسم الثاني: فإن الزكاة تؤخذ من أرباحها، وأما الأسهم نفسها فتعتبر كالعقار المعد للإيجار تكون الزكاة في إجارة دون رقبة العقار؛ لأن هذه الأسهم قد جعلت في الدرجة الأولى للاستثمار وتوظيف المال.
ما قدر زكاة الأسهم؟
عدد زكاة أسهم الشركات هو ربع العشر أي 2.5 %، سواء قصد مالكها باقتنائها الاستثمار والاستغلال، أو قصد في الدرجة الأولى التعامل بها في الأسواق المالية بالبيع والشراء واتخذها عروض تجارة؛ لأنها في القسم الأول تشابه العقار المعد للتأجير، وزكاة غلة العقار هي ربع عشر غلتها.
وتمثل في القسم الثاني عروض التجارة وزكاتها أيضا ربع العشر فيها كلها، وهذا كله على القول الراجح من أقوال العلماء، وهو قول الجمهور، والعمل عليه عند المسلمين، فكان أشبه شيء بالإجماع العملي.
أما الخلافات الأخرى في هذه المسألة فإنها لا تتجاوز بطون الكتب، فلم يجر فيها عمل، قال ابن مسعود رضي الله عنه:" الحسن ما عده المسلمون حسنا "
كيف تزكي أسهم الشركات
تكوُّنُ هذه الشركات بهذه الأنظمة الجديدة لم تكن معروفة لدى فقهائنا القدامى، فإن الذي بحثها هم بعض علماء العصر، وصار لهم في زكاة أسهمها اتجاهان:
الأول: (1) اعتبارها عروض تجارة سواء كانت الشركة التي تملك الأسهم جزءا منها تجارية أو صناعية أو مزيجا منهما، وقد أصدر المشائخ: محمد أبو زهرة، وعبد الرحمن حسن، وعبد الوهاب خلاف تقريرا قدموه إلى (حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدتها الجامعة العربية في ديسمبر عام 1952م) عن وسائل التكافل الاجتماعي في الدول العربية، والذي ورد فيه أن الزكاة تتحقق الآن في أموال لم تكن معروفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الصحابة، ولا في أيام الاستنباط الفقهي.
واقترحوا أن الزكاة تؤخذ منها. ووافقت على ذلك الحلقة.
وأوصت به في مؤتمرها، هذه الأموال هي:
1-
الآلات الصناعية.
2-
الأوراق المالية.
3-
كسب العمل والمهن الحرة.
4-
الدُّور والأماكن المستغلة.
وقالوا في إسناد رأيهم: وقد اتفق الفقهاء على النصوص الواردة في الزكاة من حيث أموالها معللة، وليست أمورا تعبدية، ولم يقم دليل على أنها تعبدية.
ثم عرج التقرير على تقسيم الفقهاء للأموال من حيث نماؤها، من أن الأموال:
1-
قسم منها يقتنى لإشباع الحاجات الشخصية؛ كالدور المخصصة لسكنى أصحابها، فهذه لا زكاة فيها.
2-
وقسم ثان يقتنى للنماء والاستغلال، فهذا تجب زكاته.
3-
وقسم ثالث يتردد بين إشباع الحاجات الشخصية والنماء؛ كالحلي. واختلف العلماء في زكاته.
فمن رأى أن فيه نماء أوجب فيه الزكاة، ومن رأى لا نماء فيه أعفاه. وهذا التقسيم ينتهي بنا لا محالة إلى أن ندخل في أموال الزكاة أموالا في عصرنا مغلة نامية بالفعل لم تكن معروفة بالنماء والاستغلال في عصر الاستنباط الفقهي.
وهي وسيلة استغلالية لصاحبها، مثل صاحب مصنع كبير يستأجر العمال لإدارته، فإن رأس ماله للاستغلال هو تلك الأدوات الصناعية، فهي بهذا الاعتبار تعد مالا ناميا؛ إذ الغلة التي تجيء إليه من هذه الآلات، فلا تعد كأدوات الحداد أو أدوات النجار الذي يعمل بيده، ولهذا نرى أن الزكاة تجب في هذه الأدوات باعتبارها مالا ناميا، وليس من الحاجات التي تعد لإشباع الحاجات الشخصية بذاتها، وإذا كان الفقهاء لم يفرضوا زكاة في أدوات الصناعة في عصورهم، فلأنها كانت أدوات أولية، فلم تعتبر مالا ناميا منتجا بذاتها، إنما الإنتاج فيها للعامل، أما الآن فإن المصانع تعد أدوات الصناعة نفسها مالا. اهـ.
(1) يلاحظ أني عكست الاتجاهين، فالأول عند القرضاوى وغيره ممن اطلعت على كتبهم ونقلت منها هو الثاني عندي. ذلك أن الأول عندهم هو الذي أناقشه وأقرر فيه ما أعتقد صحته وسلامته من الاعتراضات، لذا أخرته فجعلته الثاني اهـ. عبد الله البسام
قال الشيخ القرضاوى: فيرى الأساتذة: أبو زهرة، وعبد الرحمن حسن وخلاف: أن الأسهم أموال قد اتخذت للاتجار، فإن صاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة، ويلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة.
ومعنى هذا: أن يؤخذ منها في آخر كل حول ربع العشر أي 2.5 في المائة من قيمة الأسهم، حسب تقديرها في الأسواق، مضافا إليها الربح، بشرط أن يبلغ الأصل والربح نصابا، أو يكملا مع ما عنده نصابا، كما أنه يجب أن يعفى مقدار الحاجات الأصلية، ويعتبر الحد الأدنى للمعيشة بالنظر لصاحب الأسهم الذي ليس له مورد رزق غيرها، ويزكي باقي الربح مع رأس المال.
ولعل هذا الاتجاه والإفتاء بمقتضاه أوفق بالنظر إلى الأفراد، بخلاف الاتجاة الآتي وما فيه من تفرقة بين أسهم شركة وأسهم شركة أخرى، فبعضها تؤخذ الزكاة في إيرادها، وبعضها تؤخذ زكاته حسب قيمتها مضافا إليها الربح.
هذا أحد الاتجاهين لزكاة أسهم الشركات.
أما الاتجاه الثاني:
فقد قال الشيخ يوسف القرضاوى مايلي:
ينظر إلي هذه الأسهم تبعا لنوع الشركة التي أصدرتها: أهي صناعية أم تجارية أم مزيج منهما، فلا يعطى السهم حكما إلا بعد معرف الشركة التي يمثل جزءا من رأس مالها؟
وبناء عليه يحكم بتزكيته أو بعدمها.
قال الشيخ عبد الرحمن عيسى:
قد لا يعرف كثير ممن يملكون أسهم الشركات حكم زكاة هذه الأسهم، وقد يعتقد بعضهم أنها لا تجب زكاتها، وهذا خطأ، وقد يعتقد البعض وجوب الزكاة في أسهم الشركات مطلقا، وهذا خطأ أيضا.
وإنما الواجب النظر في هذه الأسهم تبعا لنوع الشركة التي أصدرتها، فإن كانت الشركة المساهمة شركة صناعية محضة، فلا تمارس عملا تجاريا كشركات الصباغة وشركات الفنادق وشركات النقل، فلا تجب الزكاة في أسهمها؛ لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني، وما يلزم الأعمال التي تمارسها، وإنما الذي يزكي ما ينتج ربحا لهذه الأسهم إذا بلغ نصابا، وحال عليه الحول بعد نتاجه.
وإن كانت الشركة تجارية محضة تشتري البضائع وتبيعها بدون إجراء عمليات تحويلية على هذه البضائع؛ كشركة الاستيراد وشركة التجارة الخارجية، أو كانت الشركة المساهمة شركة صناعية تجارية، وهي الشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها ثم تجرى عليها عمليات تحويلية ثم تتجر فيها، مثل: شركات البترول، وشركات الغزل والنسيج للقطن والحرير، وشركة الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فهذان النوعان من الشركات تجب الزكاة في أسهمها.
فمدار وجوب الزكاة في أسهم الشركات أن تكون الشركة تمارس عملا تجاريا، سواء معه صناعة أم لا!
وحينئذ فتخصم قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات وتجب الزكاة في الباقي. ويمكن معرفة صافي قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة التي تحصى كل عام.
وهذا الاتجاه مبني على أن المصانع والعمائر الاستغلالية كالفنادق والسيارات ونحوها ليس فيها زكاة كلها، لا في رأس المال والربح معا، ولا في الغلة والإيراد، إلا إذا بقي منها شيء وحال عليه الحول.
وعلى هذا فرق بين الشركات الصناعية وبين غيرها من الشركات، فأعفى أسهم الأولى من الزكاة، وأوجب في الأخرى.
فإذا كان هناك شخصان يملك كل منهما ألف دينار، فاشترى أحدهما بألفه مئتي سهم من شركة للاستيراد والتصدير مثلا. واشترى الثاني بألفه مئتي سهم في شركة الطباعة والكتب أو الصحف، فإن على الأول أن يخرج الزكاة عن أسهمه المئتين، وما جلبت إليه من ربح أيضا في رأس كل حول، مطروحا من ذلك قيمة الأثاث ونحوه، كما هو الشأن في مال التجارة.
وأما الثاني فليس عليه زكاة عن أسهمه المئتين؛ لأنها موضوعة في أجهزة وآلات ومبان ونحوها، ولا زكاة فيما يأتي من ربح إلا إذا بقي إلى رأس الحول وبلغ نصابا بنفسه أو بغيره، فإذا أنفقه قبل الحول فلا شيء عليه.
ثم إن الشيخ القرضاوي لمن يعجبه هذا الرأي فعقب عليه بقوله:
وبهذا يمكن أن تمضي أعوام على مثل هذا الشخص دون أن تجب عليه زكاة، لا في أسهمه ولا في أرباحه، بخلاف الشخص الأول فالزكاة واجبة عليه لزوما في كل عام عن أسهمه وعن أرباحها معا.
وهي نتيجة يأباها عدل الشريعة التي لا تفرق بين متماثلين، إن التفريق بين الشركات الصناعية أو شبه الصناعية وبين الشركات التجارية بحيث تعفى الأولى من الزكاة وتجب في الأخرى تفرقة ليس لها أساس ثابت من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، ولا وجه لأخذ الزكاة عن الأسهم إذا كانت تجارية وإسقاطها عنها إذا كانت في شركة صناعية، والأسهم هنا وهناك رأس مال نام يدر ربحا سنويا متجددا، وقد يكون ربح الثانية أعظم وأوفر.
هذا ما قرره الشيخ يوسف القرضاوي واختاره، وأريد هنا أن أعقب على هذا الرأي الذي استهجنه الأستاذ القرضاوي ورأى أن الشريعة تأباه وأنه لا يوجد له سند من مصادر التشريع والكتاب والسنة والإجماع والقياس. وسأناقشه مناقشة أقصد منها الحق إن شاء الله تعالى، وأعطي هذا الموضوع الجديد حقه في التوضيح والبيان، فأقول:
يوجد في مشروعية الزكاة ثلاثة أصول قد اتفق عليها الفقهاء وبنوا عليها أحكام الزكاة، من حيث وجوبها في المال أو عدمه، ومن هؤلاء العلماء الشيخ يوسف القرضاوي الذي هو الآخر يقررها ويبني عليها ما ذكره في كتابه (فقه الزكاة) ، ويحتج بهذه الأصول على ساحة المسائل التي تبنى عليها.
وهذه الأصول الثلاثة هي:
الأول: أن الزكاة لا تجب في أدوات القنية، ولا تجب في أدوات صاحب البضاعة والحرفة التي يستعملها في صناعته.
الثاني: أن الزكاة لا تجب في مال حتى يحول عليه الحول، وحول كل شيء بحسبه، وإذا لم يحل الحول على المال فلا تجب فيه الزكاة.
الثالث: أن الزكاة مبنية على المساواة بين الفقير والغني، فتجب مراعاة كل منهما بحسب ما يفهم من أحكام الشريعة وحكمة تشريعها.
فهذه ثلاثة أصول هي أسس تبنى عليها أحكام الزكاة.
وتوضيح الأصل الأول بخصوص مباني الشركات ومعداتها الثقيلة والخفيفة، فهذه الأدوات قد أعفاها فقهاؤنا السابقون من الحداد والنجار والبناء ونحوهم، وتضخمها وزيادة حجمها وكثرة إنتاجها لا يغير من حكمها شيئا، فهي باقية على أصلها، وأحكام الشريعة تبقى على أصولها الأولى ما دامت هي هي، فقطع المسافات البعيدة بالسيارات والطائرات لا يغير شيئا من أحكام رخص السفر، وتنوع النفقات وتبدل أشكالها من المطاعم والملابس والمساكن لا يغير شيئا من حكم النفقة.
وهكذا فإن تغيير أدوات صاحب الصناعة وصاحب العمل لا يغير شيئا مما يجب عليه أو لم يجب، بل الأمور باقية على أصولها.
ثم إن هذه المباني المستعملة إما لمكاتب الشركات إما لحفظ أدواتها، وهذه المعدات الثقيلة والخفيفة وأجهزة الغيار وتلك الأدوات المرصودة لاستهلاكات أعمال الشركات ما هي إلا أشياء قائمة على خدمة الشركات وإمدادها بما تحتاجه مما يستهلك ويذهب أو ينقص ثم يتلف شيئا فشيئا، وإما عمائر معطلة النفع والفائدة لحساب أعمال الشركة والقائمين عليها والعاملين فيها.
وبهذا فإن ربح الشركة الصناعية ما هي إلا ثمرة تلك الأدوات من تالف مستهلك، ومن قائم معطل لأعمال الشركة ومشغول لصالحها ومتناقص ذاتا وقيمة فيما يعود عليها. فالأرباح والمكاسب هي نتائج هذه الأدوات، فكيف تقوم مع الأرباح في إخراج الزكاة.
وبهذا يظهر لنا أن أدوات الشركات الصناعية قد أدت خدمتها في تنمية الشركة، وأن ما حصل من ربح هو نتيجة وجودها واستعمالها. وإن وجوب الزكاة في ربح الشركة الصناعية فقط دون معداتها وأدواتها هو الذي يتفق والقياس الصحيح.
أما الأصل الثاني:
وهو أن الزكاة لا تجب في مال حتى يحول عليه الحول. وحول ما يستجد من النقود هو تمام اثني عشر شهرا هلالية عليها.
وقد تقرر لدينا أن الزكاة في ربح الشركة الصناعية فقط دون أدواتها ومعداتها. فإن الربح يحسب ابتداء حوله من حصوله وقبضه. وقبل ذلك في عداد المعدوم، فإذا حصل بيد مالكه ابتدأ به الحول، فإذا حال عليه الحول زكاه وقبل ذلك لا تجب فيه الزكاة، وقد اختلف الفقهاء في إخراج زكاة العمائر المعدة للإيجار، هل هو من حين قبض الأجرة إذا دار عليها الحول أو من تاريخ عقد الإيجار ممن اعتبر الأجرة واجبة من حين العقد أو وجب فيها الزكاة من حين مرور العام من عقد الإجارة، ومن لم ير استقرار الأجور في الذمة إلا بعد فراغ مدة الإجارة جعل حول الزكاة من فراغ المدة وقبض الأجرة. والذي عليه الجمهور أن حولها يبتدئ أوله من قبضها وفراغ مدة الإجازة؛ لأنه قبل ذلك غير مستقر وقابل للسقوط، فثبوت ملكه مراعى.
وبهذا فإن ابتداء الحول في ربح أسهم الشركة الصناعية يكون ابتداؤه من قبضه هو المتمشي مع أصول الزكاة وقواعدها، وهو الذي ينطبق عليه كلام فقهائنا حين تدوين الفقه وتحرير مسائله.
لا ما ظنه الأستاذ القرضاوي من جمعه بين الشركة الصناعية والشركة التجارية في حكم واحد في تحديد مواعيد الزكاة، مع ما بين الشركتين من بون شاسع في القصد والعمل والاتجاه في التثمير.
والتفريق بينهما في الأحكام تابع للفروق التي بينهما في القصد والاتجاه والعمل والشريعة الإسلامية، كما إنها لا تفرق بين متماثلين، كذلك لا تجمع بين الضدين، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
أما الأصل الثالث: وهو بناء الزكاة على المساواة بين الفقراء وإخوانهم الأغنياء، فهذا أصل عظيم، وهو روح الزكاة ولب أحكامها.
وبناء عليه فإن المساهم في الشركة الصناعية أحد رجلين إما صاحب رأس مال كبير، وصاحب أسهم وفيرة، فهذا سيقبض أرباح أسهمه وسيأتي عليها الحول وهي عنده ثم يزكيها بعد أن حال عليها الحول بعد قبضها وتم الحول عليها، وتمام الحول أحد الشروط الأساسية في وجوب الزكاة.
فهذا سيزكي ربح أسهمه كل عام، وليس كما توهمه الأستاذ القرضاوي من أن سيمضي عليه أعوام دون أن تجب عليه الزكاة، لا في أسهمه ولا في أرباحها، فصاحب رأس المال الكبير سيأتي العام وعنده ماله ثم يخرج زكاته منه في موعده المحدد شرعا، وهو تمام الحول عليه، أما قبل تمام الحول فلا يجب عليه إخراجه إلا إذا أراد أن يتطوع بتعجيل زكاته، فذلك أمر راجع إلى اختياره، وإلى وجود المصلحة من عدمها في التعجيل.
أما الرجل الآخر، وهو صاحب الدخل المحدود، والذي أرباح أسهمه بقدر نفقته ونفقة أولاده، فهذا إذا قبضه وأنفقه على نفسه وعلى من يمون فليس ممن تجب عليه الزكاة؛ لأن مورده من الرزق بقدر ما وجب عليه من النفقات، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإن نصوص الشريعة جاءت بمثل هذا؛ فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك))
وجاء في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في في امرأتك)) . وجاء في الصحيحين أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة)) .
وبناء عليه فصاحب الأسهم القليلة إذا قبض ربح أسهمه ثم أنفقها على نفسه وعلى أهله، ثم لم يحل عليها الحول حتى أكلتها النفقة، فلا حرج عليه؛ لأنه ليس من أصحاب الثراء الذين قصروا في أداء الواجب الزكاة، وإنما زكاته ونفقاته فيمن يعول وهو مثاب أن كفى المسلمون مؤونة نفسه وأهله. وليس في عدم وجوب الزكاة على مثل هذا خطر كبير يهدد بمنع الزكاة، فهذا قد اتقى الله ما استطاع فأنفق ما وجد من الربح على من عنده من المحتاجين.
والأستاذ القرضاوي نفسه قال في كتابه (فقه الزكاة) جزء (1) ص 151: ومن الفقهاء من أضاف إلى شرط النماء في المال أن يكون النصاب فاضلا عن الحاجة الأصلية لمالكه. ومن الفقهاء من اعتبر شرط النماء مغنيا عن هذا الشرط.
والحق أن شرط النماء لا يغني عن هذا الشرط.
والمعتبر هنا: أن الحاجات الأصلية للتكلف بالزكاة من يعوله من الزوجة والأولاد مهما بلغ عددهم والوالدين والأقارب الذين تلزمه نفقتهم؛ فإن حاجتهم من حاجته، وبهذا الشرط سبق الفقه الإسلامي أحدث ما وصل إليه الفكر الغربي الحديث الذي نادى بإعفاء الحد الأدنى للمعيشة من الضريبة. اهـ كلام الشيخ القرضاوي.
ونحن نؤيده فيما قال هنا.
ولكن لماذا كبر عليه أن صاحب الأسهم القليلة الذي لا يحول الحول إلا وقد أنفق ربحها على نفسه وعلى من يمونه من زوجة وأقارب. إن ربح الأسهم القليلة هي الحد الأدنى لمعيشته، وأداء شعيرة الزكاة ليست واجبة عليه ولا على أمثاله من ذوي الدخل المحدود.
أما أصحاب المساهمات الكبيرة فليطمئن الشيخ القرضاوي أن أرباح أسهمهم ستبقى، وقد تنمى أيضا حتى يحول عليها الحول وتزكى ويزكى معها نماؤها.
وهذا كله في أسهم الشركات الصناعية، أما الشركات التجارية فلا خلاف في كيفية تزكيتها؛ لأن مبناها على التجارة، فهي عروض تجارة.
وبعد: فالذي أراه هو ما قاله الجمهور من الفرق بين الشركات التجارية والشركات الصناعية، فالأولى وجوب الزكاة في عمومها؛ أي: في رأس مالها وأرباحها إذا حال عليها الحول وابتداء حولها من ملك المساهم فيها نصاب الزكاة.
وأما الشركات الصناعية فتكون الزكاة في أرباحها إذا حال عليها الحول بعد قبضها، ويشترط بلوغ نصاب الزكاة لكل مساهم، فمن لم تبلغ أسهمه نصاب الزكاة، فإنها لا تجب عليه ذلك، أن الخلطة في الأموال لا تؤثر إلا في زكاة بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، وأما ما عداها من أموال الزكاة فلا تؤثر فيها الخلطة، فكل مال معلق بصاحبه فقط، فلو فرضنا أن كل أسهم مساهم لا تبلغ نصاب الزكاة في كل أموال الشركة فإن الزكاة لا تجب فيها. وهي فروض بعيدة إذا علمنا أن نصاب الزكاة هو 56 ريالا سعوديا، أو ما يعادله من أية عملة أو عرض تجارة.
ما الذي يقدر من قيمتي السهم؟
إذا كانت الأسهم معدة للتجارة والتقليب في البيع والشراء فهذه أسهم تعتبر عروض تجارة، فتزكى زكاة العروض، ولدينا - غالبا - قيمتان للسهم:
إحداهما: قيمة الإصدار الرسمية.
الثانية: قيمة السوق للأوراق المالية.
فالزكاة تكون لقيمة السهم في سوق الأوراق المالية، سواء كانت زائدة عن قيمة الإصدار، أو ناقصة، أو مساوية. فهذه القيمة السوقية هي التي تقدر بها قيمة السهم لإخراج زكاته، وتزيد وتنقص حسب العرض والطلب؛ لأننا اعتبرنا هذه الأسهم عروض تجارة.
وهذا هو الحكم في عروض التجارة عند تقدير قيمها في إخراج زكاتها.
هذا ما تيسر بحثه، ونسأل الله تعالى أن يلهمنا السداد والصواب، وأن يجنبنا الخطأ والزلل.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
21/2/1406هـ. عبد الله بن عبد الرحمن البسام