الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم؟
فأنتم -وفقكم الله- تأملوا هذه الآية، وتأملوا مَنْ نزلت فيه، وأجمع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما للرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال، فلا يجاوبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ وأمثالهم. ونسأل الله أن يوفقكم لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
{ذبيحة المرتد وما يكفر به المسلم وحكمه}
وسئل عن ذبيحة المرتد، وتكفير من يعمل بفرائض الإسلام إلخ.
فأجاب: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} 1 الآية. وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2 الآيات، لا اختلاف في حكمهن بين أحد عرف كتاب الله. ولكن الكلام في حكم الذابح هل هو مسلم فيدخل حكمه في حكم الآية؛ إذا ذبح وسمى الله عليها؛ فلو ترك التسمية نسيانا حلت ذبيحته، وكانت من الطيبات، بخلاف من ترك التسمية عمدا فلا تحل ذبيحته. وكذلك أهل الكتاب أعني: اليهود والنصارى، ذبيحتُهم ومناكحتُهم حلالٌ؛ لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 3 الآية.
وأما المرتد فلا تحل ذبيحته؛ وإن قال فيها: بسم الله؛ لأن المانع لذلك ارتداده عن دين الإسلام، لا ترك التسمية؛ لأن المرتد شر عند الله من اليهود والنصارى من وجوه:
(أحدها): أن ذبيحته من الخبائث.
(الثانية): أنها لا تحل مناكحته بخلاف أهل الكتاب.
(الثالثة): أنه لا يُقَرُّ في بلد المسلمين لا بجزية ولا بغيرها.
(الرابعة): أن حكمه يضرب عنقه بالسيف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"4، بخلاف أهل الكتاب.
فإذا تقرر هذا عندك: فاعرف أن الكلام في تحريم ذبيحة المرتد، لا في أن الله أمر بأكل ما سمي الله عليه، ولا تحليل طعام أهل الكتاب.
[تكفير من يعمل بفرائض الإسلام]
وقولكم: لِمَ تُكفِّرُون مَن يعمل بفرائض الإسلام الخمس؟ فقد كان في زمن
1 سورة المائدة آية: 4.
2 سورة الأنعام آية: 118.
3 سورة المائدة آية: 5.
4 البخاري: الجهاد والسير (3017) واستتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6922)، والنسائي: تحريم الدم (4059)، وأبو داود: الحدود (4351)، وابن ماجه: الحدود (2535) ، وأحمد (1/ 217 ،1/ 282 ،1/ 322).
الرسول صلى الله عليه وسلم مَن انتسب إلى الإسلام ثم مَرَقَ من الدين 1 كما في الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث البراء بن عازب معه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه؛ ليقتله ويأخذ ماله، وقد انتسب إلى الإسلام وعمل به.
ومثل قتال الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين بعد ما عملوا بشرائع الإسلام.
ومثل اجتماع التابعين على قتل الجعد بن درهم وهو مشتهر بالعلم والدين إلى غير ذلك، وقد جرى وقائع لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، ومثل بني عُبَيْدٍ الذين ملكوا مصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام، وصلاة الجمعة والجماعة، ونصب القضاة والمفتين. لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا: لم يتوقف أحد من أهل العلم والدين عن قتالهم مع ادعائهم الملة، ومع قولهم: لا إله إلا الله، أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام إلا ما سمعنا منكم.
فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب وهو (باب حكم المرتد) وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، حتى ذكروا فيه أنواعا كثيرة كل نوع منها يُكَفِّر الإنسان، ويحل دمه وماله، حتى ذكروا أشياء يسيرة مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المَزْح واللعب، والذين قال الله فيهم:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} 2 الآية.
أسمعت! الله كفَّرَهم بكلمة مع كونهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يجاهدون معه، ويصلون، ويزكون، ويصومون، ويحجون، ويوحدون الله سبحانه. وكذلك الذين قال الله فيهم:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} 3 الآية، قالوا كلمة على وجه المزح واللعب 4، فصرح
1 كذا في الأصل وقد سقط منه الخبر أي كذلك يحكم بكفره ويقتل.
2 سورة التوبة آية: 74.
3 سورة التوبة آية: 65.
4 تلك الكلمة تتضمن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في نبوته، قيل: هي قول بعضهم: إن كان ما يقول محمد حقا فهم شر من الحمير، وقيل: هي استهزاؤهم بقتاله للروم، وعلى كل حال قد ثبت بالآية أن الذي يصلي ويصوم ويجاهد قد يُحْكَم بكفره بكلمة استهزاء بالدين أو بالرسول صلى الله عليه وسلم.
الله أنهم كفروا بعد إيمانهم، وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك؛ فتأمل -أرشدك الله- من انتسب إلى الإسلام مرق من الإسلام؛ لما أظهر خلاف ذلك، فكيف بما هو أظهر من ذلك؟ فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه مَن انتسب إلى الإسلام مَن مرق منه، مع عبادته العظيمة، حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فعلم أن المُنْتَسِب إلى الإسلام في هذه الأزمان قد يمرق من الإسلام.
[الإسلام لا يصلح إلا بمعاداة أهل الشرك]
وقولكم: هل يعلمون للنبي صلى الله عليه وسلم دينا إلا الإسلام الذي جاء به جبرئيل؟ فمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يدعو الناس إلى التوحيد سنين عديدة، قبل أن يدعوهم إلى أركان الإسلام.
ومعلوم أن التوحيد الذي جاء به جبرئيل أعظم فريضة، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئا من أركان الإسلام كفر، ولو عمل بكل ما جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل من نوح إلى محمد لا يكفر؛ لأنه يقول: لا إله إلا الله؛ أو لأنه يفعل كذا وكذا؟ فما الذي فَرَّقَ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش؟ هل هو عند الملك والرياسة والتطاول؟ أو عند لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ فتفرقوا عند ذلك وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1.
أتظن أن قريشا لو يعلمون أن هذا الكلام مجرد قول بلا عمل، وأنهم يقولون لا إله إلا الله، وينشؤون على دينهم، ولا يضرهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يرضى منهم بذلك وأنه ما يحاربهم ولا يكفرهم ولا يقاتلهم؟ أتراهم يتركون التلفظ بلا إله إلا الله كما هو اعتقادكم، أَوَ دِينُ الإسلام لفظُ لا إله إلا الله؟ وأن من قالها فهو المسلم، وتؤثرون عليها حديث جبرئيل، وحديث: بني الإسلام على خمسة أركان، وحديث أمرت أن أقاتل الناس. وحديث أسامة. وحديث من صلى صلاتنا.
وحديث أنه كان إذا أغار على القرية؛ إن سمع أذانا كَفَّ عنها، وإلا أغار عليها، ولكن الأمر كما قال عمر رضي الله عنه: "إنها لا تنقض عُرَى الإسلام عروة عروة حتى ينشأ في الإسلام
1 سورة ص آية: 5.
من لا يعرف الجاهلية". فذلك أنه إذا لم يعرف من الشرك ما عابه القرآن وما ذمه وقع فيه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية أو فوقه أو دونه أو شر منه، فَتُنْقَضُ بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرا والمنكر معروفا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفَّر الرجل بمَحْضِ الإيمان وتَجْرِيد التوحيد، وَيُبَدَّعُ بمتابعة الرسول، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فإن كان سؤالك مُسْتَرْشِدًا فاسأل عن قول الله في إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} 1. قال: وما نجا من شر هذا الشرك الأكبر إلا مَن جَرَّدَ التوحيد لله، وعادَى المشركين في الله وتقرب بِمَقْتِهِمْ إلى الله.
فتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك، وإن لم يعادهم فهو منهم ولو لم يفعله، واسأل عن معنى قوله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} 2 إلى قوله: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} 3، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 4 إلى قوله: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} 5 الآيات.
وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 6 الآيات، وما أشبه ذلك. واسأل عن سبب نزول الآية، وما معناها، وإن كان غير ذلك، فلا تأس على الهالكين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 سورة إبراهيم آية: 35.
2 سورة المائدة آية: 78.
3 سورة المائدة آية: 81.
4 سورة الممتحنة آية: 1.
5 سورة الممتحنة آية: 4.
6 سورة المجادلة آية: 22.