الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفضل بحمد الله في القرن الثاني عشر، فقام الداعي بها يدعو الناس إلى ما دعت إليه الرسل من إفراد الله بالعبادة، وترك عبادة ما سواه، وإقامة الفرائض والعمل بالواجبات، والنهي عن مُوَاقَعَة المُحَرَّمَات. وظهر فيها الإسلام أعظم من ظهوره في غيرها في هذه الأزمان، ولولا ذلك ما سَبَّ هؤلاء نجدا واليمامة بمسيلمة.
إذا عرف ذلك، فليعلم أن مسيلمة وبني حنيفة إنما كفروا بجحودهم بعض آية من كتاب الله جهلا أو عنادا، وهذا المعترض وأمثاله جحدوا حقيقة ما بعث الله به رسله من التوحيد الذي دلت عليه الآيات المحكمات التي تفوت الحصر، وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بارتكاب ما نهى عنه من الغلو والشرك، فَجَوَّزُوا أن يُدْعَى مع الله غيره؛ وقد نهى الله ورسوله عن ذلك في أكثر سور القرآن.
وَجَوَّزُوا أن يُسْتَعَان بغير الله، وقد نهى الله ورسوله عن ذلك وجوَّزُوا الالتجاء إلى الغائبين والأموات والرغبة إليهم، وقد نهى الله ورسوله عن ذلك أشد النهي. وجعلوا لله شريكا في ملكه وربوبيته كما جعلوا له شريكا في إلهيته، وجعلوا له شريكا في إحاطة العلم بالمعلومات كلياتها وجزئياتها. وقد قال -تعالى- مبينا لما اختص به من شمول علمه:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 1 إلى قوله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} 2 الآيات.
[فشو الشرك المخالف لفاتحة الكتاب وسورة الناس]
وهذه الأصول كلها في الفاتحة؛ يبين تعالى أنه هو المختص بذلك، دون كل من سواه: ففي قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3 اختصاص لله بالحمد لكماله في ربوبيته وإلهيته وملكه وشمول علمه وقدرته، وكماله في ذاته وصفاته. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} 4 هو ربهم وخالقهم ورازقهم ومليكهم، والمتصرف فيهم بحكمته ومشيئته ليس ذلك إلا له. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 5 فيه تفرده بالملك كقوله:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 6، وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ
1 سورة الرعد آية:8، 9.
2 سورة الرعد آية: 14.
3 سورة الفاتحة آية: 2.
4 سورة الفاتحة آية: 2.
5 سورة الفاتحة آية: 4.
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1 فيه قَصْرُ العبادة عليه -تعالى- بجميع أفرادها، وكذلك الاستعانة. وفي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2 أيضا توحيد الربوبية.
وهذه الأصول أيضا في: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} 3 فهو ربهم ورازقهم، والمتصرف فيهم، والمدبر لهم:{مَلِكِ النَّاسِ} 4 هو الذي له الملك كما في الحديث الوارد في الأذكار "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"5.
وقوله: {إِلَهِ النَّاسِ} 6 هو مَأْلُوهُهُمْ ومَعْبُودُهم، لا معبود لهم سواه، فأهل الإيمان خَصُّوهُ بالإلهية، وأهل الشرك جعلوا له شريكا يَأْلَهُونَهُ بالعبادة كالدعاء والاستعانة والاستغاثة والالتجاء والرغبة والتعلق عليه، ونحو ذلك.
وفي: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} 7 براءة النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك والمشركين. {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} 8 إلى قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 9 فهذا هو التوحيد العملي، وأساسه البراءة من الشرك والمشركين باطنا وظاهرا، وفي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 10 توحيد العلم والعمل.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 11 يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نِدَّ، ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله. وقوله:{اللَّهُ الصَّمَدُ} 12 قال عكرمة عن ابن عباس: يعني الذي يَصْمُدُ الخلائقُ إليه في حوائجهم ومسائلهم.
(قلت): وفيه توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. وقال الأعمش عن شقيق أبي وائل: {الصَّمَدُ} السيد الذي قد انتهى سُؤْدُدُهُ، وقال الحسن أيضا:{الصَّمَدُ} الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنس: هو الذي لم يلد ولم يولد، كأنه جعل ما بعده تفسيرا له، وقال سفيان عن منصور عن مجاهد:{الصَّمَدُ} المُصْمَتُ الذي لا جوف له، قال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة: وكُلُّ هذه صحيحةٌ، وهي صفات ربنا عز وجل.
1 سورة الفاتحة آية: 5.
2 سورة الفاتحة آية: 5.
3 سورة الناس آية: 1.
4 سورة الناس آية: 2.
5 البخاري: الأذان (844)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (593)، والنسائي: السهو (1341 ،1342 ،1343)، وأبو داود: الصلاة (1505) ، وأحمد (4/ 247 ،4/ 250 ،4/ 251)، والدارمي: الصلاة (1349).
6 سورة الناس آية: 3.
7 سورة الكافرون آية: 1.
8 سورة الكافرون آية:1، 2.
9 سورة الكافرون آية: 6.
10 سورة الإخلاص آية: 1.
11 سورة الإخلاص آية: 1.
12 سورة الإخلاص آية: 2.