الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"1 ولم يقل: فاسألني أو استعن بي. فقصر السؤال والاستعانة على الله الذي لا يستحقه سواه، كما في قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2. فمن صرف ذلك لغير الله فقد عصى الله ورسوله، وأشرك بالله.
وللمعترض كلام ركيك لا حاجة لنا إلى ذكر ما فيه، وإنما نتتبع من كلامه ما يحتاج إلى رده وإبطاله كجنس ما تقدم.
[طلب الشفاعة ممن لا يملكها كالأموات شرك بالله]
واعلم أنه قال -لما ذكر قول المجيب-: إنه لا يجتمع الإيمان بالآيات المحكمات، وتلك الأبيات لما بينهما من التنافي والتضاد.
قال المعترض أقول: يجتمعان بأن يفرد الله بالعبادة، ولا يقدح فيه تشفُّعُه بأحبابه إليه، وكيف يحكم عليه بالضلال بمجرد طلبه الشفاعة ممن هو أهل لها كما في الحديث:"أنا لها، أنا لها"3، ومعلوم أن الضلال ضد الحق؟
(فالجواب): لا يخفى ما في كلامه من التخليط والتلبيس والعصبية المشوبة بالجهل المركب، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.
وقد بينا فيها تقدم أن دعوة غير الله ضلال، وأن اتخاذ الشفعاء الذي أنكره الله تعالى إنما هو بدعائهم والالتجاء إليهم والرغبة إليهم فيما أراده الراغب منهم من الشفاعة التي لا يقدر عليها إلا الله، وذلك ينافي الإسلام والإيمان بلا ريب؛ فإن طلبها من الأموات والغائبين طلب لما لا يقدر عليه إلا الله، وهو خلاف لما أمر الله به تعالى، وارتكاب لما نهى عنه كما تقدم بيانه في معنى قوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 4 الآية، وقوله:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} 5 الآية، وقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 6. فطلب الشفاعة من النبي
1 الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2516) ، وأحمد (1/ 293 ،1/ 303 ،1/ 307).
2 سورة الفاتحة آية: 5.
3 البخاري: التوحيد (7510)، ومسلم: الإيمان (193).
4 سورة يونس آية: 18.
5 سورة الإسراء آية: 56.
6 سورة الزمر آية: 3.
صلى الله عليه وسلم أو غيره بعد وفاته وبعده عن الداعي، لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو التوسل الذي ذكره العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- وشيخه -رحمه الله تعالى- وصرَّحا بأنه شرك، وللعلامة من أبيات في المعنى، وهي قوله:
والشرك فهو توسل مقصوده الز
…
لفى من الرب العظيم الشان
بعبادة المخلوق من حجر ومن
…
بشر ومن قبر ومن أوثان
والناس في هذا ثلاث طوائف
…
ما رابع أبدًا بذي إمكان
إحدى الطوائف مشرك بإلهه
…
فإذا دعاه دعا إلهًا ثاني
هذا وثاني هذه الأقسام ذ
…
لك جاحد يدعو سوى الرحمان
هو جاحد للرب يدعو غيره
…
شركًا وتعطيلًا له قدمان
هذا وثالث هذه الأقسام خير
…
الخلق ذاك خلاصة الإنسان
يدعو إله الحق لا يدعو ولا
…
أحدًا سواه قط في الأكوان
يدعوه في الرغبات والرهبات والـ
…
ـحالات من سر ومن إعلان
وقد أنكر الله ذلك الدعاء على من زعم في الرسل والملائكة ذلك كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} 1.
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وأمه وعزيرا والملائكة، فأنكر الله ذلك، وقال: هؤلاء عبيدي كما أنتم عبيدي، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي. وهؤلاء الذين نزلت هذه الآية في إنكار دعوتهم هم من أوليائه وأحبائه، وقد تقدَّم أن الدعاء وجميع أنواع العبادة حق لله مختص به، كما تقدم في الآيات.
والحاصل أن الله تعالى لم يأذن لأحد أن يتخذ شفيعًا من دونه يسأله ويرغب إليه ويلتجئ إليه، وهذا هو العبادة، ومن صرف من ذلك شيئًا لغير الله فقد أشرك مع الله غيره كما دلت عليه الآيات المحكمات، وهذا ضد إفراد الله بالعبادة
1 سورة الإسراء آية: 56.