الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على دينه، والعمل بسنته، كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ} 1 إلى قوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2.
[موت أبي طالب على الشرك]
وتأمَّل قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه ويحميه وينصره، ويجمع القبائل على نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته من أعدائه، وقد قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب
…
لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
حدبت بنفسي دونه وحميته
…
ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
ولما لم يتبرأ من دين أبيه عبد المطلب، ومات على ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه"3 أنزل الله -سبحانه-:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} 4.
[لا وسيلة للعبد إلى نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالإيمان به وبما جاء به من توحيد الله]
فلا وسيلة للعبد إلى نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالإيمان به، وبما جاء به من توحيد الله، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، ومحبته واتباعه وتعظيم أمره ونهيه، والدعوة إلى ما بعث به من دين الله، والنهي عما نهى عنه من الشرك بالله والبدع، وما لا فلا.
فعكس الملحدون الأمر، وطلبوا الشفاعة التي بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها وإنكارها، وقتال أهلها بالشرك، وإحلال دمائهم وأموالهم، وأضافوا إلى ذلك إنكار التوحيد، وعداوة من قام به، واقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدَّم في كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- من قوله: ويكفّر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد إلى آخر كلامه.
وأما قول الناظم:
1 سورة الأعراف آية: 156، 157.
2 سورة الأعراف آية: 157.
3 البخاري: الجنائز (1360)، ومسلم: الإيمان (24)، والنسائي: الجنائز (2035) ، وأحمد (5/ 433).
4 سورة التوبة آية: 113.
* ولن يضيق رسول الله جاهك بي *
…
البيت
فهذا هو الذي ذكر الله عن المشركين، من اتخاذهم الشفعاء ليشفعوا لهم، ويقربوهم إلى الله زلفى، قال الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} 1. فهذا هو دين الله الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، ثم ذكر بعد ذلك دين المشركين فقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 2.
فتأمَّل كون الله تعالى كفَّرهم بقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 3 وقال في آخر هذه السورة: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} 4 الآية.
(قلت): وقد وقع من هؤلاء من اتخاذهم شفعاء بدعائهم، وطلبهم ورغبتهم، والالتجاء إليهم، وهم أموات غافلون عنهم لا يقدرون، ولا يسمعون لما طلبوا منهم وأرادوه، وقد أخبر تعالى أن الشفاعة ملكه لا ينالها من أشرك به غيره، وهو الذي له ملك السماوات والأرض، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 5 فعاملهم الله بنقيض قصدهم من جميع الوجوه، وسجَّل عليهم بالضلال، ولهذه الآية نظائر كثيرة كقوله:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 6.
فبيَّن أن دعوتهم غير الله شرك بالله، وأن المدعو من غيره لا يملك شيئا، وأنه
1 سورة الزمر آية:2، 3.
2 سورة الزمر آية: 3.
3 سورة الزمر آية: 3.
4 سورة الزمر آية: 43، 44.
5 سورة الأحقاف آية:5، 6.
6 سورة فاطر آية:13، 14.