الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكرنا نص كلامه بحروفه، وجميع ما نقله من "الدر المنثور" عن الصحابة والتابعين من تفسير قوله:{شَدِيدُ الْمِحَالِ} 1 أي: شديد القوة أو المكر أو الحول، قد بيَّنَّا أن ذلك ليس هو تفسير آيات الصفات وتأويلها الذي وقع النّزاع فيه بين أهل الإثبات وأهل النفي، بل ذلك من باب وصف الله -سبحانه- بأسمائه بالحسنى، وصفاته وأفعاله اللازمة، والتعدية مع قطع النظر عن معرفة كيفية ذلك، أو تأويله بالتأويلات المبتدعة.
(الوجه السابع): قوله: "فاختر لنفسك ما يحلو، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، فنقول: قد اخترنا لأنفسنا ما اختاره الله لنا في كتابه، وهو الاقتداء والتأسِّي بما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذه المسألة وغيرها، كما وصَّانا الله بذلك في كتابه حيث قال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 2، وقال:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} 3، وقال في آخر السورة:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 4، وقال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} 5، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه بإجماع المفسرين، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إذ هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل
وأما قوله: (ثم لا يخفى أن المجيب قد جعل أهل السنة والجماعة هم أهل الحديث الذين لم يتكلموا في القدر، ولم يفسروا آيات الصفات ولا تأولوها، فنطلب منه التحقيق والإفادة، بأن يبين لنا من روى من أهل العلم المحقق بأن هذا الاصطلاح مخصوص بمن ذكره؛ فإن العلماء مختلفة أقوالهم في إطلاقهم أهل السنة والجماعة كما عرفت).
1 سورة الرعد آية: 13.
2 سورة الأحزاب آية: 21.
3 سورة الأعراف آية: 3.
4 سورة الأنعام آية: 153.
5 سورة النساء آية: 59.
(فالجواب) أن يقال: المجيب إنما ذكر كلاما عاما في أن أهل السنة والجماعة هم الذين اقتفوا ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، ومعلوم أن أهل الحديث هم أعظم طوائف الأمة بحثا ومعرفة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأنهم قد اشتغلوا بذلك، وأفنوا أعمارهم في طلب ذلك ومعرفته، واعتنوا بضبط ذلك وجمعه وتنقيته؛ حتى بيَّنُوا صحيح ذلك من ضعيفه من كذبه، ولا ينازع في ذلك إلا عدو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولعباده المؤمنين.
(الوجه الثاني): أن ظاهر كلام المجيب
…
1 وكلامه يبين أنه لم يخص بذلك طائفة معينين، بل كل من سلك هذه الطريقة فهو منهم من جميع الطوائف، وهو داخل في قوله: وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة.
(الوجه الثالث): قوله: "الذين لم يتكلموا في القدر"، وهذا كذب ظاهر على المجيب وعلى أهل الحديث، فإن أهل السنة والحديث من هذه الأمة يتكلمون في القدر، بمعنى أنهم يؤمنون به ويثبتونه، ويقولون: إن الله قدر أفعال العباد؛ خيرها وشرها.
وهو من أصول الإيمان عندهم، كما ثبت ذلك في الصحيحين في حديث جبرائيل عليه السلام لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فأخبره بأنه:"الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره"2. فهذا هو الذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة والحديث، وعليه يدل كتاب الله والأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولولا خوف الإطالة لذكرنا من ذلك شيئا كثيرا، وليس هذا موضع بسط ذلك وذكر الدلائل عليه.
وأما الْمُعْتَزَلَة الذين ينفون أن الله قدر أفعال العباد عليهم أو شاءها منهم، فهم الذين ينكرون ذلك، ومن اتبعهم من الروافض والزيدية الذين ينكرون أن الله قدر أفعال العباد وشاءها منهم.
1 هنا في الأصل بياض قدر كلمة.
2 مسلم: الإيمان (8)، والترمذي: الإيمان (2610)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4990)، وأبو داود: السنة (4695)، وابن ماجه: المقدمة (63) ، وأحمد (1/ 28)