الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد في "مسائله"، والإمام البخاري صاحب "الصحيح" في كتاب خلق أفعال العباد، والخلال في كتاب "السنة"، وأبي عثمان إسماعيل الصابوني، وعثمان بن سعيد الدارمي الذي هو من أقران البخاري ومسلم، وذكروا مذهب التأويل عن جهم بن صفوان، وبشر المريسي، وأشباههم ممن هو معروف بالبدعة والضلالة، وهذا نص كلامهم بحروفه:
{نُقُول مصنفي السلف في مذهب أهل السنة في صفات الله تعالى}
قال أبو محمد حرب الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما، وذكر من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرهم ما ذكر، وهو كتاب كبير صنفه على طريقة "الموطأ" ونحوه من المصنفات. قال في آخره في الباب الجامع:
قول الإمام الكرماني في مذهب السلف:
(باب القول في المذهب): هذا مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها، المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل الشام والعراق والحجاز وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا منها، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مبتدع خارج من الجماعة، وزائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم، وبقي ابن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، وذكر الإيمان في القدر والوعد والوعيد والإمامة، وما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة، وغير ذلك
…
إلى أن قال: "وهو سبحانه بائن عن خلقه، لا يخلو من علمه مكان".
ولله عرش، وللعرش حملة يحملونه، وله حد، والله أعلم بحده، والله على عرشه -عَزَّ ذِكره وتعالى جده، ولا إله غيره-. والله سبحانه سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك 1 ويسمع
1 يعني بالتحرك: ما ورد في مجيئه وإتيانه، وهو في القرآن، ومن نزوله إلى سماء الدنيا في الحديث، ولكن لفظ التحرك لا نعرفه في الكتاب والسنة ولا آثار الصحابة.
ويبصر وينظر، ويقبض ويبسط ويعرج، ويحب ويكره، ويبغض ويرضى، ويسخط ويغضب، ويرحم ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع، وينْزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1 إلى أن قال: ولم يزل الله متكلما عالما، فتبارك الله أحسن الخالقين".
قول الإمام الأثرم في مذهب السلف:
وقال الفقيه الحافظ أبو بكر الأثرم صاحب الإمام أحمد في كتاب "السنة"، وقد نقله عنه الخلال في "السنة": حدثنا إبراهيم بن الحارث -يعني: العبادي- حدثني الليث بن يحيى، سمعت إبراهيم بن الأشعث: قال أبو بكر صاحب الفضيل: سمعت الفضيل ابن عياض يقول: "ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف، لأن الله وصف نفسه فأبلغ، فقال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 2.
فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النُزول، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع، كما شاء أن ينْزل، وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع، وكما شاء أن يضحك. فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، وإذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب يتحرك، أو يزول عن مكانه. فقل: أنا مؤمن برب يفعل ما يشاء.
وقد ذكر هذا الكلام الأخير عن الفضيل بن عياض رحمه الله البخاري رحمه الله في كتاب "خلق أفعال العباد"، هو وغيره من أئمة أهل السنة، وتلقوه بالقبول، قال البخاري: وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال: "من زعم أن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3 على خلاف ما يقر في قلوب العامة، فهو جهمي".
قول إسحاق بن إبراهيم في كتاب "السنة":
وقال إسحاق بن إبراهيم في كتاب السنة: أخبرني عبيد الله بن حنبل أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال: قال عمي أحمد بن حنبل: "نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء بلا حد، ولا صفة يبلغها واصف، أو يحده أحد، فصفات الله له ومنه، وهو
1 سورة الشورى آية: 11.
2 سورة الإخلاص آية:1: 4.
3 سورة طه آية: 5.
كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة، وعلام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف، وهو كما وصف نفسه.
وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علم قدرته أحد، غلب الأشياء كلها بقدرته وسلطانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1، وكان الله قبل أن يكون شيء. والله هو الأول والآخر لا يبلغ أحد حَدَّ صفاته".
قال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى "أن الله تبارك وتعالى ينْزل كل ليلة إلى سماء الدنيا"، و"أن الله يُرَى"، و"أن الله يضع قدمه"، وما أشبه هذه الأحاديث.
فقال أبو عبد الله: "نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف ولا معنى" أي: لا نكيفها ولا نحرفها بالتأويل، فنقول: معناها كذا، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2.
وقال حنبل في موضع آخر، عن أحمد، قال:"ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف به نفسه، وقد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه، فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، فصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه. قال: فهو سميع بصير بلا حد، ونؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفات من صفاته لشناعة شنعت، لا نتعدى القرآن والحديث، والخبر. "يضحك الله" ولا يُعْلَمُ كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم. لا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد. تعالى الله عما يقول الجهمية والمُشَبِّهَةُ".
قلت: والمُشَبِّهَةُ ما يقولون؟ قال: "مَنْ قال بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي. فقد شبه الله بخلقه، وهذا يحده، وهذا كلام سوء، وهذا محدود، والكلام في هذا لا أحبه". انتهى.
1 سورة الشورى آية: 11.
2 سورة الشورى آية: 11.
والكتب الموجودة فيها ألفاظهم الثابتة بأسانيدها عنهم، وغير أسانيدها كثير، مثل: كتاب "الرد على الجهمية" لابن أبي حاتم، والرد عليهم لمحمد بن عبد الله الجعفي شيخ البخاري، والرد عليهم للحكم بن معبد الخزاعي، وكتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل، و"السنة" لحنبل ابن عم الإمام أحمد، و"السنة" لأبي داود السجستاني، و"السنة" للأثرم، و"السنة" لأبي بكر الخلال، و"الرد على الجهمية" للدارمي، ونقضه على "الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد".
وكتاب "التوحيد" لابن خزيمة، و"السنة" للطبراني ولأبي الشيخ الأصبهاني، و"شرح السنة" للالكائي، و"الإبانة" لابن بطة، وكتب ابن منده، و"السنة" لأبي ذر الهروي، و"الأسماء والصفات للبيهقي"، و"الأصول" لأبي عمر الطلمنكي، وكتاب "الفاروق" لأبي إسماعيل الأنصاري، و"الحجة" لأبي القاسم التيمي، وغير ذلك من الكتب التي يذكر مصنفوها مذاهب السلف بالنقول الثابتة بألفاظهم الكثيرة المتواترة في إثبات علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه تبارك وتعالى.
فكيف يقول هذا الجاهل: "إن تأويل الاستواء متفق عليه إلا عند ابن عربي والمجسمة؟ اللهم إلا أن يريد بالمجسمة أهل السنة والحديث: كالصحابة والتابعين، والأئمة الأربعة وأتباعهم من أهل الحديث وغيرهم كما يلقبهم بذلك الجهمية والمعتزلة؛ فإنهم يسمون كل من أثبت صفات الله مُجَسِّمًا.
وأما ابن عربي وأمثاله من أهل وحدة الوجود، فهم من غُلاة الجهمية، وإنما حملهم على ذلك المبالغة في إنكار الصفات؛ وذلك أن الجهمية لما أنكروا أن يكون الله تكلم بالقرآن، قالوا:"إن الله خلقه، وأحدثه في بعض الأجسام، فنسبة ذلك إلى الله مجاز، فلزم أن يكون كلام جميع الخلق كلام الله؛ لأنه خلق ذلك فيهم". ولهذا قال ابن عربي:
وكل كلام في الوجود كلامه
…
سواء علينا نثره نظامه
ومعلوم أن من خالف ما جاءت به الرسل عن الله بمجرد عقله، فهو أولى بالكفر والجهل والتشبيه، والتجسيم ممن لم يخالف ما جاءت به الرسل، وإنما خالف