الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإجماع أهل العلم من السلف الصالح، فقد نقل الإجماع في هذه المسألة غير واحد كما تقدم التنبيه عليه.
وقوله: "فكيف يكفر بها المسلمين؟ " فيا سبحان الله! كيف تفتري الكذب الظاهر على المجيب؟ فقد بيَّنَّا فيما تقدم أننا لم نكفر أحدا بالجهل في هذه المسألة -أعني تأويل آيات الصفات وأحاديثها، ومخالفة ما عليه السلف- ولا نكفر إلا من أنكر ما علم مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم به ضرورة.
فصل
[في بدعة إنكار القدر وتقدمها على بدعة تأويل الصفات]
وأما قولك: (إن الأَوْزَاعِيَّ -الراوي لذلك الإجماع- قد ناقض نفسه، فقد حكى عنه الذَّهَبِيُّ أنه قال: لا نعلم أحدًا ينسب إلى القدر من التابعين أجلّ من الحَسَنِ ومَكْحُول رحمهما الله).
فالجواب: أن هذا المعترض لا يعرف المناقضة؛ لأن إثبات القدر أو نفيه من باب إثبات فعل العبد لله -تعالى- أو نفيه، لا من باب تفسير الصفات وتأويلها، والذي ذكره الأَوْزَاعِيُّ عن التابعين إثبات الصفات لله تبارك وتعالى وعدم تفسيرها وتأويلها، فأين في هذا ما يناقض ما ذكره الأوزاعي في قوله:"كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوق عرشه. ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته"؟ وقد رواه البَيْهَقِيُّ وغيره، بإسناده عن الأَوْزَاعِيِّ.
وإثبات خلق الله -تعالى- للأشياء المخلوقة لا ينازع فيه أحد من الناس، حتى عبدة الأوثان يقرون بذلك، كما أخبر الله عنهم بقوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1. وقوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} 2 إلى قوله: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 3.
وإنما نازع من نازع من المُعْتَزَلَة في فعل العبد خاصة، فالمُعْتَزَلَة ينكرون أن الله خلق أفعال العباد؛ خيرها وشرها.
1 سورة الزخرف آية: 87.
2 سورة يونس آية: 31.
3 سورة يونس آية: 31.
وفي صحيح مسلم: أن أول من قال ذلك بالبصرة مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ، فلما ذكر ذلك لعبد الله بن عمر تبرأ منه، واستدل على إثباته بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر حين سأله جِبْرِيلُ عليه السلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، كما ذكر ذلك مُسْلِمٌ في أول كتاب الإيمان من صحيحه. وكذلك ابن عَبَّاس ثبت عنه أنه تبرأ ممن أنكر ذلك.
ومن العجب قوله: (وأيضا ينتقض بما رُوي عن عامر الشَّعْبِيّ التابعي أنه قال: "إن أحببنا أهل البيت هلكت دنيانا، وإن أبغضناهم هلك ديننا").
فأين المناقضة في هذا الكلام يا جاهل؟ وأهل السنة كلهم يحبون آل محمد، مع إثباتهم لصفات الله تعالى التي نطق بها القرآن.
فإن قلت: إن أهل البيت ينكرون هذه الصفات، ويتأولون ظواهر هذه الآيات، طالبناك بصحة النقل عنهم بذلك، وهيهات؛ لأن أهل البيت لا يفارقون كتاب الله ولا يخالفونه، كما ورد في الحديث أنه قال:"ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض"1 كما تقدم في حديث زَيْد بن أَرْقَمَ وغيره.
وأنت لا تنكرنَّ ظواهر الآيات والأحاديث المذكورة فيها صفة الرب بصفاته العلى وأسمائه الحسنى، كالعلي الأعلى، وأنه فوق عرشه استوى، وأنه فوق عباده. ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فسر هذه الآيات بتفسير المُعْتَزَلَة والجَهْمِيَّة الذي يذهب إليه هذا المعترض، ولا قالوا للناس: اعلموا أن ظاهر هذه النصوص غير مراد فلا تعتقدوه فإنه يقتضي التشبيه والتجسيم، بل سكتوا عن ذلك، ووصى بعضهم بعضا بالسكوت عنها، وإنما فسرها وتأولها أهل الضلال والبدع.
وما أحسن ما قال عُمَرْ بنُ عبدِ العَزِيز بنُ عبدِ اللهِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ المَاجِشُونُ: "عليك بلزوم السنة؛ فإنها لك -بإذن الله- عصمة، فإن السنة إنما جعلت ليستن بها ويقتصر عليها، وإنما سنها من قد علم ما في
1 الترمذي: المناقب (3788) ، وأحمد (3/ 14 ،3/ 17 ،3/ 26 ،3/ 59).