الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وواضع اللغة قال بعض العلماء: هو الله تعالى، وقال بعضهم وضعها غيره من بني آدم المتقدمين بإلهام منه تعالى وجبلة جبلهم عليها. واللغات وإن تعددت فهي بإلهام من الله، وبها يعرف مراد المتكلم ومقصوده.
إذا عرفت ذلك، فيلزم على قول هذا الجاهل أن الملائكة قبل خلق آدم وذريته كانت عبادتهم لله تعالى غير مقيدة بحق ولا باطل، وهذا اللازم باطل فبطل الملزوم. وكذلك عبادة آدم وذريته قبل حدوث الشرك في قوم نوح لا توصف عبادتهم لله بأنها حق أو باطل، وهذا اللازم باطل، فبطل الملزوم.
وكذلك قوم نوح لما عبدوا آلهتهم، وقالوا لما دعاهم نوح عليه السلام:{لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 1، فيلزم على قول هذا أن عبادتهم لتلك الأصنام ليست باطلة، وهذه اللوازم الباطلة تلزمه، وببطلانها يبطل ملزومها الذي ذكرناه عنه.
وأيضا ففي قوله هذا مضاهاة لقول ابن عربي إمام أهل الوحدة:
وعباد عجل السامري على هدى
…
ولائمهم في اللوم ليس على رشد
فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
فلا تعجب، فكل صاحب بدعة لا بد أن يجادل عن بدعته، والعلم نور يهبه الله لمن يشاء من عباده وهو معرفة الهدى بدليله، والناس ليسوا كلهم كذلك إلا أقل القليل الذين تمسكوا بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها علما وعملا، ومن تدبر القرآن رأى العجب فيما قصه الله تعالى عن الرسل مع أممهم قديما وحديثا كما قال تعالى:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} 2.
[أصل دعوة الرسل عبادة الله وحده]
فإذا كان الكلام في بيان معنى لا إله إلا الله؛ فإن الله تعالى هو الذي تولى بيانه في مواضع
1 سورة نوح آية: 23.
2 سورة غافر آية: 4.
من كتابه وأجمعت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 1 بل القرآن كله في بيان معناها، كما قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 2 أي: إليها من البراءة من عبادة كل معبود سوى الله، وإخلاص العبادة له تعالى كقول إمام الحنفاء عليه الصلاة والسلام في هذه الآية {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا} 3 وهي لا إله إلا الله، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} 4.
والطاغوت: الشيطان وما زينه للمشركين من عبادة معبوداتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، كأصنام قوم نوح وأصنام قوم إبراهيم، واللات والعزى ومناة، وما لا يحصى كثرة في العرب والعجم وغيرهم، وهي موجودة في الخارج معينة معلومة الوجود كأصنام قوم نوح وغيرها مما لا يحصى كثرة.
فمن قال: لا إله إلا الله بصدق وإخلاص وتعيين، فقد برئ من كل معبود يعبد من دون الله ممن كان يعبده أهل الأرض. وهذه الكلمة دلت على البراءة من الشرك والكفر به تضمنا، ودلت عليه وعلى إخلاص العبادة لله تعالى مطابقة، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 5 بيّن تعالى أن الحكمة في خلق الجن والإنس أن يعبدوه وحده لا شريك له ومن المعلوم أنه خلق الجن قبل الإنس، فيلزم على هذا القول الفاسد الذي أبداه هذا الجاهل أن العبادة التي خلق تعالى لها الثقلين لا توصف بحق ولا باطل حين خلقهم لها. واللازم باطل فبطل الملزوم.
وهذا الموضع الذي بيّنا بطلانه بالمعقول والمنقول هو ثاني موضع زلت فيه قدم هذا الذي يدعي أنه على شيء وليس معه شيء يلتفت إليه بما يوجب إنكاره عليه، وقد قال تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 6. وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ
1 سورة الأنبياء آية: 25.
2 سورة الزخرف آية: 26: 28.
3 سورة البقرة آية: 256.
4 سورة الزمر آية: 17.
5 سورة الذاريات آية: 56.
6 سورة العنكبوت آية: 51.