الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتبيَّن أن هذا ليس من الأسباب المشروعة، لو قُدِّرَ أن له تأثيرا، فكيف إذا لم يكن له تأثير صالح؟
[الأنبياء والصالحون لم يُعْبَدُوا إلا بعد موتهم]
وذلك أن من الناس الذين يستغيثون بغائب أو ميت من تتمثل له الشياطين، وربما كانت على صورة ذلك الغائب، وربما كلمته، وربما قضتْ له أحيانا بعضَ حوائجه، كما تفعل شياطين الأصنام، فإن أحدا من الأنبياء والصالحين لم يُعْبَد في حياته؛ إذ هو يَنْهَى عن ذلك.
وأما بعد الموت فهو لا يقدر أن ينهى؛ فيفضي ذلك إلى اتخاذ قبره وثنا يُعْبَد. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيدا .. إلخ"1 وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعْبَد"2.
وقال غير واحد من السلف في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} 3 الآية: إن هؤلاء كانوا قومًا صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم؛ ولهذا المعنى لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذين اتخذوا قبور الأنبياء والصالحين مساجد. انتهى ملخصا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير أنه رأى قوما يمسحون المقام فقال: لَم تُؤْمَرُوا بهذا، إنما أُمِرْتُم بالصلاة عنده. وأخرج عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قول الله -تعالى-:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} 4 قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة أشياء ما تكلفته الأمم قبلها.
فإذا كان المعترض يستدل بكلام شيخ الإسلام؛ فهذا صريح كلامه المُؤَيَّد بالأدلة والبراهين. وكلام العلماء كمثل كلام شيخ الإسلام في هذا المعنى كثيرٌ جدا، لو ذكرناه لطال الجواب.
وأما قول المعترض: بل مدح الصرصري، وأثنى عليه بقوله: قال الفقيه الصالح يحيى بن يوسف الصرصري في نظمه المشهور.
(فالجواب): أن هذا من جملة أكاذيب المعترض على شيخ الإسلام وغيره،
1 أحمد (2/ 367).
2 مالك: النداء للصلاة (416).
3 سورة نوح آية: 23.
4 سورة البقرة آية: 125.
وقد كذب على "الإقناع" و"الشفاء"، وليس في الكتابين إلا ما يبطل قوله. وفي الحديث "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت"1 وإلا فكلام شيخ الإسلام في رد ما يقوله الصرصري وإنكاره: موجود بحمد الله.
قال -رحمه الله تعالى- في رده على البكري* بعد وجهين ذكرهما:
(الثالث): أنه أدرج سؤاله أيضا في الاستغاثة به، وهذا جائز في حياته، لكنه أخطأ في التسوية بين المحيا والممات، وهذا ما عَلِمْتُهُ يُنْقَلُ عن أحد من العلماء، لكنه موجود في كلام بعض الناس مثل الشيخ يحيى الصرصري ففي شعره قطعة، وكمحمد بن النعمان؛ وهؤلاء لهم صلاح ودين، ولكنهم ليسوا من أهل العلم العالمين بمدارك الأحكام الذين يؤخذ بقولهم في شرائع الإسلام، وليس معهم دليل شرعي، ولا نقل عن عالم مَرْضِي، بل عادة جَرَوْا عليها كما جرت عادة كثير من الناس بأنه يستغيث بشيخه في الشدائد ويدعوه.
وأكثر منه: مَن يأتي إلى قبر الشيخ يدعوه، ويدعو به ويدعو عنده، وهؤلاء ليس لهم مُسْتَنَد شرعي من كتاب، أو سنة، أو قول عن الصحابة والأئمة، وليس عندهم إلا قول طائفة أخرى: قبر معروف: ترياقٌ مجربٌ، والدعاء عند قبر الشيخ مجابٌ، ونحو ذلك، ومعهم أن طائفة استغاثوا بحي أو ميت، فَرَأَوْهُ قد أتى في الهواء، وقضى بعض تلك الحوائج، وهذا كثير واقع في المشركين الذين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين، أو الكواكب والأوثان، فإن الشياطين كثيرا ما تتمثل لهم فيرونها، وقد تخاطب أحدهم ولا يراها، ولو ذكرتُ ما أعلم من الوقائع الموجودة في زماننا لطال المقال.
وكلما كان القوم أعظم جهلا وضلالا كانت هذه الأحوال الشيطانية عندهم أكثر، وقد يأتي الشيطان أحدهم بمال أو طعام أو لباس أو غير ذلك، وهو لا يرى أحدا أتاه به فيحسب ذلك كرامة، وإنما هو من الشيطان، وسببُه شركُه بالله، وخروجه عن طاعة الله ورسوله إلى طاعة الشيطان، فأضلتهم الشياطين بذلك كما كانت تضل عُبَّاد الأصنام. انتهى ما ذكره شيخ
1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3483 ،3484) والأدب (6120)، وأبو داود: الأدب (4797)، وابن ماجه: الزهد (4183) ، وأحمد (4/ 121 ،4/ 122 ،5/ 273).
* "الرد على البكري" 2/ 478. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]