الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى أبو داود في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء، فضحك، فقال:"لعن الله اليهود -ثلاثا-. إن الله -تعالى- حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم أكل ثمنه"1.
فصل
[رواة أهل السنة لا يتعصبون في الروايات كالشيعة]
وأما قوله: (فلو جاءت غلبة الولاية، وحصلت لصحابي؛ لملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل "علي" لتلقيناه بالقبول، ووضعناه على الرأس، ولا نحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله).
(فالجواب) أن يقال: قد كذبت في هذه الدعوى، فقد علمتم أنه قد ورد لغيره من الفضائل ما هو مثل فضائل علي رضي الله عنه أو أعظم، ولم تضعونها على الرأس، بل كذبتم به، ورددتموه بمجرد الدعاوي الباطلة التي يمكن كل أحد أن يدعيها فيمن يحبه ويهواه. فإن كنت صادقا كما زعمت فقل لنا، حتى نكتب لك ذلك، وننقله من الكتب الصحيحة، والتفاسير المأثورة.
فإن قلتم: لا نقبل رواية خصومنا. قال لكم خصومكم: لا نقبل روايتكم؛ لأنكم خصومنا، والروايات التي رويناها في فضائل أهل البيت قد روينا في فضائل الصحابة ما هو مثلها أو أعظم منها، ولم يمكنكم أن تحتجوا عليهم بحجة صحيحة لا معارض لها. فاستحيوا من الله ;-تعالى- ومن خلقه، من هذا الجنون، والخبال الذي يفضحكم عند الرجال والنساء.
فصل
[بغي بعض المسلمين على بعض لا يقتضي الكفر ولا ينفي محبتهم جميعا]
وأما قوله -في الاعتراض على كلام المجيب على حديث عمار رضي الله عنه وذكر أن المجيب (قد أقر على لسان أهل السنة والجماعة بأن معاوية رضي الله عنه
1 أبو داود: البيوع (3488) ، وأحمد (1/ 247 ،1/ 293 ،1/ 322).
قد أخطأ وأذنب، وقد قال -تعالى-:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} 1 ثم قال: وقد نص -تعالى- على موجب الظلم، وما يحكم به لصاحبه فقال -عز من قائل-:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} 2. ثم إنك أقررت ببغي معاوية رضي الله عنه وأصحابه، ثم حكمت له بالمغفرة، وبالجنة بعد ثبوت الفاحشة منه، وهو البغي. وقد قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 3، ويقرنه بالفحشاء والمنكر، ويدخل فاعله -الذي لم يتب منه، ومات مُصِرًّا عليه- الجنة؟ ما هذا حكم بالعدل!).
(فالجواب) من وجوه:
(أحدها): أن يقال: أنت قد نقضت كلامك هذا كله في كلامك الذي قبل هذا بأسطر يسيرة بقولك: قال كثير من العلماء المحققين: إن المطلق إذا ورد صرف، وخص بالأغلب المألوف المعروف حال الورود
…
إلى آخره. وذلك أنه من المعلوم أن هذه الآيات التي جعلتها متناولة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معاوية رضي الله عنه ومن معه، يقول لك منازعوك: إن المعروف المشهور عند أهل التفسير أنها نزلت في أهل الشرك والكفر، فكيف جعلتها في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تخص بها أهل الكفر المألوف المعروف في حقهم؟
(الوجه الثاني): أن المجيب ذكر أن الحديث على ظاهره ولم يغيره ولم يؤوله، ولكن ذكر أن إثبات البغي لهم لا يوجب فسقهم ولا كفرهم إذا كانوا متأولين مخطئين في ذلك. والمجيب لا ينْزههم من الذنوب والخطأ، لكنه ذكر ما دل عليه كتاب الله من أن البغي لا ينفي الإيمان عمن فعله، كما قال -تعالى-:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 4، فسماهم الله مقتتلين مع الإيمان.
(الوجه الثالث): قوله: فأين فائدة كلام الحكيم صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: إنما يعرف فائدة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أهلُ العلم والإيمان، فهم الذين يهتدون به ويعرفون معناه
1 سورة الطلاق آية: 1.
2 سورة غافر آية: 18.
3 سورة النحل آية: 90.
4 سورة الحجرات آية: 9.
ويعقلونه كعلي رضي الله عنه وأصحابه، ومن شابههم من أهل الفهم والمعرفة لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما أهل الجهل والضلال فهو عليهم عمى وضلال كما قال -تعالى-: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} 1، كهذا المعترض ومن شاكله الذي يتناقض في السطر الواحد، ويرد كلامه بعضه بعضا، وهو لا يشعر ولا يدري.
والفائدة في حديث عمار قد عقلها أهل السنة والجماعة، وهو أنهم علموا أن قتلة عمار فئة باغية على الإمام، وأن عليا رضي الله عنه وأصحابه أولى بالحق من معاوية رضي الله عنه وأصحابه، وهذا هو الفائدة في الحديث؛ ومن فهم منه غير ذلك فقد أبعد النجعة، وتكلف ما لا علم له به.
(الوجه الرابع): أن يقال: حمله هذه الآيات التي ذكرها على معاوية وأصحابه مثل حمل الخوارج آيات الشرك والكفر والظلم على علي رضي الله عنه وأصحابه سواء بسواء، فكما أن كلام الخوارج معلوم البطلان بضرورة العقل، فكذلك حمل هذه الآيات على معاوية رضي الله عنه وأصحابه معلوم البطلان بالضرورة. فما هذه الوقاحة، وقلة الحياء، وصفاقة الوجوه؟!
(الوجه الخامس): أن يقال قوله: ما هذه السوابق والحسنات التي لهم؟ هل قتل عمار وخزيمة ذي الشهادتين وأبي الهيثم بن التيهان وغيرهم من المهاجرين والأنصار؟ فيقال: الحسنات العظيمة التي لا مطمع لأحد فيها هي صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجهادهم معه الذي لو أنفق الرجل مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه.
كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد لما جرى بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما كلام ومنازعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقت مثل أحد ذهبا ما بلغت مد أحدهم ولا نصيفه"2 هذا كلامه في خالد وهو من جملة الصحابة. لكنه ليس من السابقين الأولين، فكيف بمن لم يصحبه؟
1 سورة فصلت آية: 44.
2 البخاري: المناقب (3673)، ومسلم: فضائل الصحابة (2541)، والترمذي: المناقب (3861)، وأبو داود: السنة (4658) ، وأحمد (3/ 11 ،3/ 54 ،3/ 63).