الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو يقدر على إجابة سؤالك، أو أرحم بك من ربك فهذا جهل وضلال وكفر. وإن كنت تعلم أن الله -تعالى- أعلم وأقدر وأرحم؛ فلماذا عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره؟ وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك، وأعلى منْزلة عند الله منك فهذا حقٌّ أُرِيدَ به باطلٌ، فإنه إذاكان أقرب منك وأعلى درجة فإن معناه أن يثيبه ويعطيه؛ ليس معناه أنك إذا دعوته كان الله يقضي حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوته أنت، فإنك إن كنت مُسْتَحِقًّا للعقاب؛ ورد الدعاء، فالنبي والصالح لا يعين على ما يكرهه الله، ولا يسعى فيما يُبَغِّضُك إليه، وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول منه.
فإن قلت: هذا إذا دعا الله أجاب دعاءه أعظم مما يجيب إذا دعوته أنا، فهذا هو القسم الثاني، وهو أن يطلب منه الفعل ولا يدعوه، ولكن يطلب أن يدعو له، كما يقال للحي: ادع لي، وكما كان الصحابة يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء فهذا مشروع في الحي.
وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا، ولا اسأل لنا ربك، ونحو ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد في ذلك حديث، بل الذي ثبت في الصحيح: أنهم لما أَجْدَبُوا زمن عمر استسقى بالعباس رضي الله عنهما فقال: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا "فيسقون، فلم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: يا رسول الله ادع الله، أو استسق لنا، ونحن نشكو إليك ما أصابنا ونحو هذا، ولم يقله أحد من الصحابة قط، بل هو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، بل كانوا إذا جاؤوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه، ثم إذا أرادوا الدعاء لم يدعوا الله مستقبلي القبر، بل ينحرفون فيستقبلون القبلة، ويدعون الله وحده لا شريك له كما كانوا يدعونه في سائر البقاع.
[لعن متخذي القبور مساجد]
وفي الموطأ وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال "اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعْبَدُ؛
اشتد غضبُ الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"1؛ وفي السنن أيضا أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني"2.
وفي الصحيح أنه قال في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"3 يحذر ما فعلوا. قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك؛ لأبرِزَ قبرُهُ، لكن خُشِيَ أن يتخذ مسجدا، وفي سنن أبي داود عنه أنه قال:"لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"4. ولهذا قال العلماء: لا يجوز بناء المساجد على القبور، وقالوا: إنه لا يجوز أن يُنْذَر لقبر، ولا للمجاورين عند القبر شيئا، لا من دراهم ولا زيت، ولا شمع ولا حيوان، ولا غير ذلك كله نذر معصية، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين: إن الصلاة عند القبور، وفي المشاهد مستحبةٌ، ولا أن الدعاء هناك أفضل، بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد، وفي البيوت أفضل من الصلاة عند قبر، لا قبر نبي ولا صالح؛ سواء سُمِّيَتْ مشاهد أم لا. وقد شرع الله ذلك في المساجد دون المشاهد، وقال:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} 5، ولم يقل في المشاهد، وقال تعالى:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 6، وقال:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 7 الآية.
وذكر البخاري في صحيحه والطبري وغيره في تفاسيرهم في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} 8، قالوا: هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناما. فالعكوف على القبور، والتمسح بها، وتقبيلها، والدعاء عندها هو أصل الشرك، وعبادة الأوثان، ولهذا اتفق العلماء على أنَّ من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين؛ فإنه لا يَتَمَسَّح به ولا يقبِّله. وليس في الدين ما شُرِعَ تقبيلُهُ إلا الحجر الأسود
1 مالك: النداء للصلاة (416).
2 أبو داود: المناسك (2042) ، وأحمد (2/ 367).
3 البخاري: المغازي (4441)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531)، والنسائي: المساجد (703) ، وأحمد (1/ 218 ،6/ 34 ،6/ 80 ،6/ 121 ،6/ 146 ،6/ 255)، والدارمي: الصلاة (1403).
4 الترمذي: الصلاة (320)، والنسائي: الجنائز (2043)، وأبو داود: الجنائز (3236)، وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1575) ، وأحمد (1/ 229 ،1/ 287 ،1/ 324 ،1/ 337).
5 سورة البقرة آية: 114.
6 سورة الأعراف آية: 29.
7 سورة التوبة آية: 18.