الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالهدى والسداد، والفوز بالرضوان يوم المعاد، إنه هو الكريم الجواد، اللطيف بالعباد.
ويا أخي: مر علينا في شرح الزاد في معنى قوله في الاستفتاح: "ولا إله غيرك". أي: لا يستحق أن يعبد غيرك، وهو يؤيد ما قد قلته لك من أن المقدر في كلمة الإخلاص إذا قال الموحد:"لا إله إلا الله" أي: لا إله حق إلا الله، والعامل في هذا المقدر "لا" على أنه خبرها في قول الأخفش. وعلى قول سيبويه لم تعمل فيه "لا"، وإنما عمل فيه المبتدأ وهو "لا" مع اسمها، فإن "لا" مع اسمها في محل رفع على الابتداء، والمقصود أن المقدر"حق" ليطابق ما في الآيتين في سورة الحج ولقمان.
وأبلغ محمد بن مانع ومن بحضرتك من الطلبة والإخوان والجماعة السلام.
ومن لدينا العيال وخواص إخوانكم بخير، وينهون السلام وأنت سالم. والسلام.
مسألة في بعض ما يتعلق بغلة الوقف
بسم الله الرحمن الرحيم
وما ذكرت من وصول الجواب، فالحمد لله على ذلك، ونسأله التوفيق والإصابة، والإعانة مع السداد والإثابة، إنه هو الكريم الجدير بالإجابة.
وتذكر أن عدم الإجبار في المسألة التي وصل إليكم جوابها عندكم ظاهر، أما عدم جوازها بالتراضي فمشكل.
فأقول: نص العلماء -رحمهم الله تعالى- على المنع من قسمة مثل هذا إذا كان الوقف شيئا مقدرا من الغلة، ودليل المنع ظاهر في كلامهم سأشير إليه بعد -إن شاء الله-.
وأما ما سنح لك من القول بالجواز فمشكل حتى على قولك، لأن التراضي من جهة الموقف متعذر، لكونه على الوجوه التي ذكرت، ولعدم أهلية ناظر الوقف.
وأما قولك: إن العقار المذكور مقدم في غلته صبرة وباقيه طلق.
فهذا علة المنع من القسمة والبيع، لأن غلة الأصل قد تنقص فلا يبقى منها إلا بقدر المقدر للوقف أو دونه فيستغرق الأصل.
وأما قولكم: فهي كالخراج في الأرض الخراجية .. إلى آخره.
فأقول: لا يقاس الوقف على أرض الخراج، وما علمت من العلماء أحدا سبق له مثل هذا القياس، وهو أيضا قياس مع الفارق، فإن الزكاة لا تجب في الوقف على غير معين بخلاف الخراجية، فإنه يجب فيها العشر والخراج ففارقها بذلك.
والخراج الذي وضعه عمر رضي الله عنه لا ينقص الغلة، ولا يمنع من هي في يده استغلالها لقلة الخراج، وكل إمام عدل لا يضع على الأرض من الخراج إلا ما تطيقه، فلا يمنع أهلها من الاستغلال؛ فلذلك قال العلماء -رحمهم الله تعالى-: إنه لا يزاد فيه ولا ينقص إلا إذا تغير السبب. ففارقت مسألتنا هذه من هاتين الجهتين أيضا.
فتأمل، فإن هذا الوقف لا يزاد ولا ينقص، ولو لم يبق من المغل إلا قدره.
وقولكم: كما منعوا بيع أرض العَنْوَة لوقفها.
أقول: هذا مما يؤيد المنع من البيع والقسمة في هذه الصورة، وإن كنا نرى أن سبب المنع غير هذا.
وأما قولكم: الثانية: أنهم قد صرَّحوا بجواز قسمة الوقف على جهة واحدة على ما ظهر صاحب الفروع من كلام الأصحاب.
أقول: ما نقلته عن صاحب الفروع صحيح، لكن ذكر في الإنصاف عن القواعد ما يخالف ما في الفروع فقال: وقال في القواعد: هل يجوز قسمته؟ فيه طريقان:
أحدهما: أنه كإفراز الطلق من الوقف، وهو المجزوم به في المحرر.
والطريق الثاني: أنه لا يصح قسمته على الوجهين جميعا على الأصح، وهي طريقة صاحب الترغيب. وعلى القول بالجواز، فهو مختص بما إذا كان وقفا على جهتين، لا على جهة واحدة. صرح به الأصحاب، نقله الشيخ تقي الدين. انتهى.*
* "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" للمرداوي 11/ 260. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
إذا عرفت أن القول بالجواز الذي هو خلاف الأصح بهذه الصورة بعينها، فأين هذه من مسألتنا؟ وهي لا يمكن فيها معرفة مقدار ما يخص هذه الغلة الموقوفة من أصلها التي عينت فيه، مع ما في ذلك أيضا من الضرر الظاهر على الوقف، من تفريقه في أيدي أناس، لا يمكن تمييز نصيبهم بدون مشاركة الوقف لهم.
وقولكم: فليس هو كالوقف المحض الذي فيه كلام الشيخ.
أقول: نعم، ليس كهو، فإذا كان الشيخ قد منع من قسمة الوقف إذا كان على جهة واحدة، مع إمكان إفراز نصيب كل واحد من العدد الموقوف عليهم المحصورين، مع ما في ذلك من مصلحة انتفاء ضرر المشاركة، فَلَأَن يمنع من قسمة وقف لا يمكن معرفة ما يخصه من الأصل لتطرق النقصان على الغلة غالبا من باب أولى.
وقولكم: إن قسمته تقلل أيدي الملاك عليه فلا يكونون شركاء متشاكسين، أقول: تقليل أيدي الملاك مما يزيد التشاكس في الوقف ويفرقه، مع ما يفضي إليه استيلاء هذه الأيدي من إتلاف هذا الوقف، وإتعاب ناظره بتكثير الطامع فيه، فقد ظهر من هذا الجواب بعض مآخذ المانعين. فتأمله يظهر لك صحة مأخذهم، وحسن مداركهم.
وأما ما ذكرته عن "الإقناع" في قسمة المهايآت؛ فقد ذكرت في الجواب قبل هذا عبارة لشيخ الإسلام رحمه الله، وقال في "الإنصاف": إذا اقتسما المنافع بالزمان والمكان صح، وكان ذلك جائزا على الصحيح من المذهب، قدمه في"المغني والشرح والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم"، ثم قال عن الشيخ تقي الدين: لا تنفسخ حتى ينقضي الدور، ويستوفي كل واحد حقه. انتهى.*
وآثرنا الإيجاز والاختصار على التطويل والإكثار، وبالله التوفيق، والسلام وافرًا على من نظر إليه من الإخوان.
* "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" للمرداوي 11/ 260، وكلمة شيخ الإسلام موجودة في "الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية" لابن اللحام ص 637. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]